الحرب الإيطالية 1494-1498

عودة للموسوعة

الحرب الإيطالية 1494-1498

الحرب الإيطالية الأولى
جزء من الحروب الإيطالية

إيطاليا في 1494
التاريخ 1494–98
المسقط
إيطاليا
النتيجة فوز عصبة البندقية، واجبار الفرنسيين على الانسحاب
الخصوم
  •  مملكة فرنسا
  •  الدول البابوية
  •  جمهورية البندقية
  •  مملكة ناپولي
  • ممالك اسبانيا
  • دوقية ميلانو
  •  الإمبراطورية الرومانية المقدسة
  • نطقب:Country data Republic of Florence
  • دوقية مانتوا
  •  مملكة إنگلترة (من 1496)
القادة والزعماء
  • شارل الثامن
  • Gilbert, Count of Montpensier
  • فرديناند الثاني من ناپولي
  • فرديناند الثاني من أراگون
  • فرانچسكوالثاني، الماركيز
القوات

25,000 رجل

  • 8,000 مرتزقة سويسريون
غير معروفة
الخسائر
13,000 رجل غير معروفة

الحرب الإيطالية الأولى، وأحياناً يشار إليها بإسم الحرب الإيطالية 1494 أوحرب شارل الثامن الإيطالية، كانت الطور الافتتاحي من الحروب الإيطالية. وقد اندلعت بين شارل الثامن من فرنسا، بتأييد في البداية من دوقية ميلانو، ضد الامبراطورية الرومانية المقدسة واسبانيا وتحالف من القوى الإيطالية بقيادة الپاپا ألكسندر السادس.

تمهيد

نشأت في إيطاليا قبل عام 1494 دول المدن بفضل قيام طبقة وسطى من السكان أثرت من اشتغالها بأعمال التجارة والصناعة التي اتسع نطاقها. وكانت هذه المدن قد فقدت استقلالها الذاتي وحريتها لعجز حكوماتها شبه الديمقراطية عن حفظ النظام بسبب التقاتل بين الأسر والنزاع بين الطبقات. وبقيت اقتصادياتها محلية في تكوينها حتى في الوقت الذي وصلت فيه أساطيلها وغلاتها إلى الثغور النائية. وكان بعضها ينافس البعض الآخر أشد مما ينافس الدول الأجنبية، ولم تضم في يوم ما صفوفها لتقاوم مجتمعة توسع الفرنسيين، والألمان، والأسبان التجاري في الأنطقيم التي كانت تسيطر عليها المدن الإيطالية من قبل. ومع حتى إيطاليا هي التي أنجبت الرجل الذي أعاد كشف أمريكا، فإن أسبانيا هي التي أمدته بالمال؛ واقتفت التجارة خطاه، وصحب المضى عودته، وازدهرت الأمم الواقعة على شاطئ المحيط الأطلنطي، ولم يعد البحر المتوسط الموطن المحبب لحياة الرجل الأبيض الاقتصادية، وأخذت البرتغال تسير السفن إلى الهند والصين حول قارة إفريقية، وتتجنب العراقيل التي توضع في طريقها في بلاد الشرق الأدنى والأوسط؛ وحتى الألمان أخذوا يسيرون سفنهم من مصاب نهر الرين بدل حتى ينقلوا متاجرهم فوق جبال الألب في إيطاليا.

وأخذت الأقطار التي ظلت قرناً من الزمان تبتاع منسوجات إيطاليا الصوفية تنسج هي أصوافها، كما أخذت الأمم التي تؤدي أرباح الأموال إلى المصارف الإيطالية تنمي هي مواردها المالية، وأضحت الزكاة، والمرتبات الأولى للمناصب الكنسية التي من حق الكنيسة، وبنسات بطرس وأثمان صكوك الغفران، ونقود الحجاج، أصبحت هذه أبرز ما تؤديه إلى إيطاليا البلدان الأوربية الواقعة وراء الألب، ولم يمض إلا قليل من الوقت حتى حول ثلث أوربا مجرى هذا المال. ولهذا وقع في ذلك الجيل الذي حملت فيه الثروة المختزنة في إيطاليا مدنها إلى ذروة مجدها وعلا فيها شأن فنونها، نقول إنه في هذا الجيل نفسه قضى فيه على مركز إيطاليا الاقتصادي.

وختم في ذلك الوقت عينه على مصيرها السياسي، فبينما كانت هي منقسمة إلى نظم اقتصادية متعادية ودول سياسية متحاربة، كان تطور الاقتصاد القومي في غيرها من المجتمعات الأوربية برغم هذه المجتمعات على الانتنطق من عهد الإمارات الإقطاعية إلى عهد الدول الملكية، ويقدم المال اللازم لهذا الانتنطق. ففي ذلك الوقت توحدت فرنسا تحت حكم لويس الحادي عشر، وأخضعت باروناتها فجعلتهم حاشية للملوك، وجعلت من سكان مدنها رجالا عامرة قلوبهم بالروح الوطنية. واتحدت أسبانيا بزواج فرديناند صاحب أرغونة في إزبلا ملكة قشتالة، وفتحت غرناطة، ومكنت بدماء أهلها وحدتها الدينية. كذلك توحدت إنجلترا تحت حكم هنري السابع، ومع حتى ألمانيا لم تكن أقل تشتتاً وانقساماً من إيطاليا، فإنها كانت تعترف بالسيادة لملك واحد وإمبراطور، وتمده أحياناً بالمال والجند ليحارب بهما هذه الدولة الإيطالية أوتلك. ثم إذا إنجلترا، وفرنسا، وأسبانيا، وألمانيا أنشأت جيوشاً قومية من أهلها، وأمدها أشرافها بالفرسان والقادة. أما المدن الإيطالية فلم تكن لها إلا قوات صغيرة من الجنود المرتزقة لا هم لها إلا السلب والنهب، يتولى قيادتها زعماء مغامرون أبغض الأمور إليهم حتى يصابوا بجروح قاتلة. وكانت معركة واحدة كافية لأن تكشف لأوربا ضعف إيطاليا وعجزها عن الدفاع عن نفسها.

وكان نصف بيوت المالكين في أوربا يزخر وقتئذ بالدسائس الدبلوماسية يريد جميع واحد منها حتى يحرز قصب السبق في الاستيلاء على الغنيمة. ونادت فرنسا بأنها صاحبة الحق الأول، لأسباب كثيرة، منها حتى جيان جاليدسولسكونتي قد زوج ابنته فالنتينا (1387) من لويس أول دوق لأورليان، وكان ثمن هذه الصلة الطيبة المريحة بأسرة مالكة هواعترافه بحقها وبحق الذكور من أبنائها في حتى يرثوا دوقية مزيلان إذا لم يكن له وريث ذكر من صلبه؛ وتم ذلك عملا حين توفي فيلبوماريا فسكونتي (1447). فاستولى صهره فرانتشيسكواسفوردسا حينئذ على ميلان بدعوى أنها من حق زوجته بيانكا ابنة فيلبوماريا؛ ولكن شارل دوق أورليان طالب بعرش ميلان بوصفه ابن فالنتينا، ونادى بأن آل اسفوردسا مغتصبون، وألن تصميمه على الاستيلاء على الإمارة الإيطالية إذا ما حانت له الفرصة.

وفضلا عن هذا فإن شارل دوق أنجوكان قد حصل كما يقول الفرنسيون على مملكة نابلي من البابا إربان الرابع (1266)، مكافأة له على حماية البابوية من ملوك آل هوهنشتاوفن؛ ثم أوصت جوانا Joanna الثانية ملكة نابلي بهذه المملكة إلى رينيه Rene دوق أنجو(1435)؛ وكان ألفنسوصاحب أرغونة قد طالب بها بدعوى حتى جوانا قد تبنته إلى وقت ما، أقام بالقوة بيت أرغونة على عرش نابلي. وحاول رينيه حتى ينتزع المملكة منه ولكنه لم يفلح؛ وانتقل حقه القانوني فيها بعد موته إلى لويس التاسع ملك فرنسا؛ وفي عام 1482 نادى سكستس الرابع- وكان على خلاف مع نابلي- لويس للاستيلاء على ميلان ونطق "إنها ملك له". وحدث في ذلك الوقت حتى شن حلف من الدول الإيطالية الحرب على البندقية فلجأت في يأسها إلى لويس تطلب إليه حتى يهاجم نابلي أوميلان، ونطقت إنها تفضل حتى يهاجم الاثنتين. وكان لويس وقتئذ مشغولا بتوحيد فرنسا، ولكن ابنه شارل الثامن ورث حقه في نابلي واستمع إلى المنفيين من أهلها وإلى أنصار أسرة أنجوفي بلاطه، وأدرك حتى تاج نابلي كان منضما إلى تاج صقلية، وإن هذا مرتبط بتاج بيت المقدس. لهذا خطرت بباله تلك الفكرة الكبيرة، أولعل أحداً أوعز إليه بها، وهي الاستيلاء على نابلي وصقلية، على حتى يتوج بعدئذ ملكاً على بيت المقدس. ثم يقود حملة صليبية لقتال الأتراك. وحدت في عام 1489 حتى قام النزاع بين أنوسنت الثامن وبين نابلي، فعرض إنوسنت المملكة على شارل إذا قدم للاستيلاء عليها. لكن الإسكندر الثالث (1494) حذر الملك من اجتياز الألب وإلا كان نصيبه الحرمان؛ غير حتى الكردنال جوليانودلا روفيري عدوالإسكندر- الذي حارب فيما بعد حين أصبح هوالبابا يوليوس الثاني ليطر الفرنسيين من إيطاليا- قدم إلى شارل في ليون Lyons وحرضه على غزوإيطاليا وخلع الإسكندر. ووجه سفنرولا دعوة أخرى إلى شارل يرجومن ورائها حتى يخلع هذا الملك بيروده ميديتشي عن عرش فلورنس والإسكندر عن عرش البابوية في روما، وقبل كثير من أهل فلورنس حتى يتولى الراهب زعامتهم. وأخيراً عرض لدوفيكوصاحب ميلان على شارل حتى يسمح له باختراق أملاك ميلان إذا ما اعتزم حتى يوجه حملة إلى نابلي، وكان الباعث على هذا خوفه من حتى تهاجمه نابلي نفسها.


الغزوالفرنسي

French troops under Charles VIII entering Florence, 17 November 1494, by Francesco Granacci
French troops and artillery entering Naples in 1495.

ووجد شارل حتى نصف إيطاليا يشجعه فأخذ يستعد لغزونابلي. وأراد حتى يحمي جناحيه أثناء الغزوفنزل عن أرتوا Artois وفرانش كمتيه Francho Compte إلى مكسمليان إمبراطور الدولة الرومانية، كما هبط عن رسيون Rousillote وسرداني Cerdagen إلى فرديناند ملك أسبانيا، ونفخ هنري السابع بمبلغ كبير من المال نظير تخليه عن المطالبة بمقاطعة بريطاني الفرنسية. وفي شهر مارس من عام 1494 حشد جيشه في ليون، وكان مؤلفاً من 18.000 من الفرسان، و22.000 من المشاة، وسير أسطولا ليضمن ولاء جنوي لفرنسا، فاسترد في الثامن من سبتمبر بلدة رابلوRapallo من قوة نابلية كانت قد نزلت بها؛ وروعت أنباء المذبحة الرهيبة التي أعقبت هذه المعركة الأولى إيطاليا كلها التي لم تتعود إلا المذابح المعقولة. وفي ذلك الشهر عينه عبر شارل وجيشه جبال الألب ووقف عن أستى Asti. وسار لدوفيكوصاحب ميلان، وإركولي صاحب فيرارا للقاءته. وأقرضه لدوفيكومالا؛ وعاقت إصابة شارل بالجدري تطبيق خطة الغزوالموضوعة، فلما شفي قاد جيشه مخترقا أراضي ميلان إلى تسكانيا؛ وكان في وسع القلاع المقامة على حدود فلورنس حتى تقاومه، ولكن بيروده ميديتشي اتى بنفسه ليسلمها إليه ومعها بيزا وليفورنوLivorno. وفي السابع عشر من نوفمبر اجتاز شارل ونصف جيشه مدينة فلورنس؛ وأعجبت جماهير الشعب بمنظر الفرسان الذي لم تشاهد مثله من قبل، وساءهم ما ارتكبه الجند من السرقات الصغيرة، ولكنهم مضى عنهم الروع حين رأوهم يمتنعون عن السب والنهب. وفي شهر ديسمبر تقدم شارل نحوروما.

لقد تجاوز حتى نظرنا إلى لقاء الملك والبابا من وجهة نظر الإسكندر، وبقي حتى نقول إذا شارل سلك مسلكا معتدلا، فلم يطلب إلا حتى يسمح لجيشه بحرية المرور في لاتيوم، وأن يتولى هوالوصاية على الأمير جم الهجري السجين البابوي (وكان يمكن استخدامه مطالباً بالسلطنة وخليفة إذا ما سير حمله ضد الأتراك)، وأن يصحبه چزاره بورجا ليكون رهبنة لديه. ووافق الإسكندر على هذه الشروط، وزحف الجيش نحوالجنوب (25 يناير سنة 1495)، لكن بورجيا لم يلبث حتى فر، وكان في وسع الإسكندر بعد فراره حتى يعدل خططه الدبلوماسية.

وفي الثامن والعشرين من فبراير ولج شارل نابلي دخول الظافرين دون حتى يلقى مقاومة. وسار في المدينة ومن فوقه مظلة من القماش الموشى بخيوط المضى يحملها أربعة من أعيان نابلي. ويتلقى تحيات الجماهير. وأظهر رضاءه وتقديره بأن خفض الضرائب وعفا عمن قاوموا مجيئه؛ وأقر نظام الاسترقاق بناء على طلب الأعيان الذين كانوا يحكمون الأرض الواقعة وراء المدينة. وظن حتى الأمن قد استتب له فأصبح آمناً مطمئناً، فتوانى وعمد إلى الراحة والاستمتاع بجوالبلدة ومناظرها الجميلة، وخط بلهجة حماسية إلى دوق بوربون يصف الحدائق التي كان يعيش في وسطها، والتي لا ينقصها إلا حواء كي تصبح جنة النعيم؛ وأبدى دهشته مما في المدينة من عمائر، وتماثيل، وصور زيتية، وأعتزم حتى يأخذ معه إلى فرنسا طائفة ممتازة من الفنانين الإيطاليين؛ وإلى حتى يحين ذلك الوقت بعث إلى فرنسا بسفينة محملة بالتحف الفنية المسروقة من المدينة. وسحرته نابلي بجمالها فأنسته جميع شيء عن بيت المقدس وعن حربه الصليبية.

وبينما هويلهوويضيع الوقت سدى في نابلي، وبينما كان جيشه يستمتع نساء الشوارع والمواخير، فيصاب "بالسقم الفرنسي" أوينشر هذا الداء الوبيل بين الأهلين، كانت المتاعب تتجمع من خلفه. ذلك حتى أعيان نابلي حرموا في كثير من الحالات من ضياعهم التي انتزعت منهم لترد إلى ملاكها من أسرة أنجوأوللوفاء بما على شارل من ديون لخدمه، وذلك بدلا من حتى يكافأ هؤلاء الأعيان على ما قدموا من معونة لخلع مليكهم السابق؛ يضاف إلى هذا حتى جميع مناصب الدولة قد أعطيت للفرنسيين، ولم يكن شيء يستطاع الحصول عليه منهم إلا إذا قدم لهم من الرشاوى ما أغضب الأهلين لتجاوزه القدر الذي اعتادوا تقديمه. ثم حتى جيش الاحتلال أضاف الإهانة إلى الأذى بما كان يظهره من احتقاره للشعب الإيطالي، فلم تمض إلا أشهر قليلة حتى خسر الفرنسيون ما قوبلوا به من ترحيب واستبدلوا به كرها يتربص بهم الدوائر، ويترقب الفرصة التي تتاح له لطرد الغزاة.

عصبة البندقية

معركة فورنوڤو،ستة يوليو1495.

فلما كان اليوم الحادي والثلاثون من شهر مارس انضم الإسكندر الرجل المرن الذي لا يكاد يتلقى الطعنة حتى يفيق منها، ولدوفيكوالتائب النادم على ما عمل، وفرديناند الغضوب، ومكسمليان الغيور الحسود، ومجلس شيوخ البندقية الحذر، انضم هؤلاء في حلف للدفاع المشهجر عن إيطاليا. ومضى شهر على الملك شارل وهويجوس خلال نابلي يمسك الصولجان بإحدى يديه ويمسك بيده الأخرى كرة- نظنها تمثل الكرة الأرضية- قبل حتى يدرك حتى الحلف الجديد يعد جيشاً لقتاله. وفي الحادي والعشرين من مايوعهد أمر نابلي إلى ابن عمه كونت مونبنسييه Montpensier وزحف على رأس نصف جيشه نحوالشمال، فلما وصل ذلك الجيش البالغ عدده عشرة آلاف مقاتل إلى فورنوفوFornovo القائمة على نهر تارومن أملاك بارما عثر حتى جيشاً عدته أربعون ألف رجل بقيادة جيان فرانتشيسكوجندساجا مركيز مانتوا يسد عليه الطريق. وفي الخامس من يوليه سنة 1495 امتحنت قوة الجيوش الإيطالية والفرنسية وخططهما العسكرية لأول مرة. وأساء جندساجا إدارة المعركة وإن كان قد حارب ببسالة. فلم يشهجر في القتال إلا نصف جنده؛ لم يكن الإيطاليون مستعدين من الناحية العقلية لقتال محاربين لا يرحمون من يقع في أيديهم، فولى الكثيرون منهم الأدبار؛ وضرب فارس بايار وهوصبي في العشرين من عمره أروع المثل لرجاله بشجاعته ومجازفته في القتال، وحتى الملك نفسه قاتل قتال الأبطال. وكانت المعركة غير حاسمة ادعى فيها كلا الطرفين أنه هوالظافر، وخسر الفرنسيون قافلة مؤنهم ولكنهم ضلوا المسيطرين على الميدان، ولما جن الليل تقدموا نحوأستى دون حتى يلقوا مقاومة، وفيها كان ينتظرهم لويس دوق أورليان الثالث ومعه المدد، وفي شهر أكتوبر عاد شارل إلى فرنسا بعد حتى خسر الكثير من سمعته ولكنه لم يصب بأذى شديد.

وكانت النتائج الإقليمية لهذه المعركة تافهة: أهمها حتى جندسالوGonzalo "القائد العظيم" طرد الفرنسيين من نابلي وكلبريا، وأعاد أسرة أرغونة إلى عرشها في إنسان فيديريجوFederigo الثالث (1496). أما النتائج البعيدة لهذا الغزوفقد تجاوزت جميع حد. فقد أثبت تفوق الجيش القومي على الجنود المرتزقة المأجورة، ويستثنى من هذا الحكم العام الجنود السويسريون المرتزقون وإن يكن هذا الاستثناء مؤقتاً قصير الأجل. ذلك حتى أولئك الجنود السويسريون المسلحين بالحراب البالغ طولها ثماني عشرة قدماً والمنظمين في فرق متراصة متلاصقة كانت سداً منيعاً شائكاً أمام الفرسان الزاحفين. ولهذا قدر لأولئك الجنود حتى يكسبوا كثيراً من الوقائع. ولكن هذه القوة الهائلة التي أعادت إلى الذاكرة صفوف المقدونيين المتراصة في حروب الإسكندر الأكبر لم تلبث حتى أضحت عديمة الجدوى أمام تقدم المدفعية. ولعل هذه الحرب هي التي وقع فيها لأول مرة حتى وضعت المدافع على العربات فأمكن بذلك توجيهها بسهولة في الاتجاهات المتنوعة وتغيير مدى مرماها. وكانت هذه العربات تجرها الخيول لا الثيران (كما كانت العادة في إيطاليا حتى ذلك الوقت). وقد اتى الفرنسيون إلى الميدان- كما يقول جوتشيارديني- بعدد كبير من "مدافع الميدان والمدافع المدمرة التي لم تر إيطاليا مثيلا لها من قبل"(3). وقاتل الفرسان الفرنسيون أحفاد أبطال فرواسار، قتال الأبطال في فورنوفو، ولكن الفرسان أيضاً ما لبثوا حتى خضعوا للمدافع.

إلى غير ذلك تبدلت الحال عما كانت في العصور الوسطى؛ فقد كانت فنون الدفاع في تلك الأيام متقدمة على وسائل الهجوم، وكان هذا سبباً في عدم تشجيع الحروب. أما الآن فقد أخذت أساليب الهجوم تتقدم على أساليب الدفاع، وأصبحت الحرب من ثم أكثر سفكاً للدماء. وثمة نقطة أخرى عظيمة الخطر: تلك هي حتى حروب إيطاليا قلما كانت حتى ذلك الوقت تشغل أهلها أنفسهم، وكانت تلحق الأذى بحقولهم أكثر مما تلحقه بأرواحهم؛ أما الآن فقد قدر لهم حتى يروا إيطاليا كلها يحل بها الدمار وتخضب أرضها بالدماء؛ وعهد السويسريون في تلك الحرب التي دامت طوال العام ما تنطوي عليه سهول لمباردي من خصب ونماء، وطالما غزوها بعدئذ المرة بعد المرة. وأدرك الفرنسيون حتى إيطاليا منقسمة ومشتتة وأنها تنتظر المغير الفاتح. نعم إذا شارل الثامن قد ألقى بنفسه في أحضان العاشقات، وكاد يمتنع عن التفكير في نابلي، ولكن ابن عمه ووريثه كان أصلب منه عوداً، وما لبث لويس الثاني عشر حتى عاود الكرة.


المصادر

  • ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

الهامش

  1. ^ R. Ritchie, Historical Atlas of the Renaissance, 64
  • Phillips, Charles and Alan Axelrod. Encyclopedia of Wars. New York: Facts on File, 2005. ISBN 0-8160-2851-6.
تاريخ النشر: 2020-06-04 11:28:21
التصنيفات: Pages using deprecated image syntax, Pages with citations using unsupported parameters, الحروب الإيطالية, حروب فرنسا, حروب دوقية ميلانو, حروب مملكة ناپولي, حروب اسبانيا, حروب جمهورية البندقية, حروب الامبراطورية الرومانية المقدسة, حروب الدويلات الپاپوية, عقد 1490 في إيطاليا, نزاعات عقد 1490, العلاقات الإيطالية الفرنسية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الروسية كاساتكينا تودع بطولة إنديان ويلز الأمريكية (فيديو)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-14 15:08:16
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 99%

علي معلول خارج قائمة منتخب تونس للكأس الودية الرباعية

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-03-14 15:09:27
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 41%

مؤتمر حول "البيتكوين" بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأبوظبي

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-14 15:09:14
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 66%

تعرف على ترتيب أفضل هدافي دوري أبطال أوروبا 2024

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-14 15:08:14
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 90%

بايدن يعارض استحواذ مجموعة يابانية على شركة أميركية للصلب

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-14 15:07:45
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 85%

بلاغ عن انفجار قرب سفينة قبالة سواحل اليمن (وكالة أمن بحري)

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-14 15:07:46
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 86%

مصر.. هبوط الدولار بعد تعرضه "لضربة ثلاثية"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-14 15:08:06
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 91%

بوتين يطلق مشروعا ضخما يقصر الزمن بين العاصمتين

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-14 15:07:54
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 93%

الدفاع التركية: مقتل شخص جراء تحطم طائرة عسكرية (فيديو)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-14 15:08:00
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 99%

الولايات المتحدة تخطط لإخفاء صواريخ ATACMS ضمن حزمة مساعدات صغيرة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-14 15:08:20
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 90%

مصرع 60 شخصا وإصابة العشرات جراء سوء الأحوال الجوية في أفغانستان

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-14 15:07:58
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 85%

تحميل تطبيق المنصة العربية