الوعي: حدثةٌ تدلُّ على ضمِّ شيء. وفي قواميس اللغة العربية وَعَيْتُ العِلْمَ أعِيهِ وَعْياً. ووعَى الشيء والحديث يَعِيه وَعْياً وأَوْعاه: حَفِظَه وفَهِمَه وقَبِلَه، فهوواعٍ، وفلان أَوْعَى من فلان أَي أَحْفَظُ وأَفْهَمُ. وفي الحديث: نَضَّر الله امرأً سمع مَنطقَتي فوَعاها، فرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوعى من سامِع. والوَعِيُّ الحافِظُ الكَيِّسُ الفَقِيه.

وعليه لا وعي دون فهم فحدثا ازداد المرء فهماً وفهماً ازداد وعياً.

والوعي حدثة تعبر عن حالة عقليةقد يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل مباشر مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي التي تتمثل عادة بحواس الإنسان الخمس. كما يمثل الوعي عند الكثير من فهماء فهم النفس الحالة العقلية التي يتميز بها الإنسان بملكات المحاكمة المنطقية، الذاتية (الإحساس بالذات) (subjectivity)، والإدراك الذاتي (self-awareness)، والحالة الشعورية (sentience) والحكمة أوالعقلانية (sentience) والقدرة على الإدراك الحسي (perception) للعلاقة بين الكيان الشخصي والمحيط الطبيعي له.

والوعي بأمر ما يتضمن معهدته والعمل بهذه الفهم.

بالمحصلة فالوعي: هوما يُكون لدى الإنسان من أفكار ووجهات نظر ومفاهيم عن الحياة والطبيعة من حوله.

وقد يحدث الوعي وعيا زائفا، وذلك عندما تكون افكار الإنسان ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع من حوله، أوغير واقعي وقد جزئيا، وذلك عندما تكون الافكار والمفاهيم مقتصرة على جانب أوناحية معينة وغير شاملة لكل النواحي والجوانب والمستويات المترابطة والتي تؤثر وتتأثر في بعضها البعض في عملية تطور الحياة..

تختلف مدلولات الوعي، من مجال إلى آخر، فهناك من يقرنه باليقظة (في لقاء الغيبوبة أوالنوم). وهناك من يقرنه بالشعور ويشير به إلى جميع العمليات السيكولوجية الشعورية. ويمكن حتى نجعل الدلالة العامة للوعي فيما يلي: إنه ممارسة نشاط معين (فكري، تخيلي، يدوي) ووعينا في ذات الوقت بممارستنا له. ومن ثمة يمكن تصنيف الوعي إلى أصناف أربعة هي: الوعي العفوي التلقائي: وهوذلك النوع من الوعي الذيقد يكون أساس قيامنا بنشاط معين، دون حتى يحتاج منا مجهودا ذهنيا كبيرا، بحيث لا يمنعنا من مزاولة أنشطة ذهنية أخرى. الوعي التأملي: وهوعلى عكس الأول يحتاج حضورا ذهنيا قويا، ويرتكز على قدرات عقلية عليا، كالذكاء، والإدراك، والذاكرة… ومن ثمة فإنه يمنعنا من حتى نزاول أي نشاط آخر. الوعي الحدسي: وهوالوعي المباشر والفجائي الذي يجعلنا ندرك أشياء، أوعلاقات، أوفهم، دون حتى نكون قادرين على الإتيان بأي استدلال. الوعي المعياري الأخلاقي: وهوالذي يجعلنا نصدر أحكام قيمة على الأمور والسلوكات فنرفضها أونقبلها، بناء على قناعات أخلاقية. وغالبا ما يرتبط هذا الوعي بمدى شعورنا بالمسؤولية تجاه أنفسنا والآخرين. انطلاقا من هذا التصنيف الدلالي، يمكن حتى نترجم الإشكالية الفلسفية لهذا الدرس من خلال الأسئلة التالية: كيف من الممكن أن يمكن حتى يحيط الوعي بالذات،يا ترى؟ كيف من الممكن أن ينفتح الوعي عن العالم وعن الآخرين،يا ترى؟ ما هي حدود الوعي؟

الوعي بما هوتفكير في الذات

يرى هيغل Hegel حتى الإنسان هوالموجود الوحيد الذي يعي ذاته، باعتباره يوجد كما توجد أشياء الطبيعة، وباعتباره موجودا لذاته. أما الأمور الأخرى فإنها لا توجد إلا بكيفية واحدة. وعلى هذا الأساس يجب على الإنسان حتى يعيش بوصفه موجودا لذاته ذلك "لأنه مدفوع إلى حتى يجد ذاته ويتعهد عليها فيما يلقاه مباشرة ويعرض عليه من خارج." (هيغل)، وهويستطيع ذلك حينما يسقط ذاته وتمثلاته على الأمور الخارجية. فالإنسان يعمل دائما على تغيير الأمور الخارجية لأنه يريد حتى يرى ذاته تتحقق بشكل موضوعي. فكيف يمكن حتى تتمثل الذات نفسها؟ يرى ديكارت حتى الشك هوالسبيل الوحيد إلى اليقين، فهوالذي يجعلنا نحيط بذواتنا. هكذا شك ديكارت في جميع شيء بما في ذلك وجوده. فلم يستطع حتى يقول إذا الجسم والنفس من خواص نفسه. لكن تأكد له بوضوح أنه لا يستطيع حتى يشك في أنه يفكر، حيث حتى التفكير هوالخاصية الوحيدة التي لازمت الذات منذ البداية (= بداية الشك). فانطلاقا من التفكير يمكن حتى ندرك بصفة حدسية وجود الذات ؛ هكذا استطاع ديكارت حتى يقول : "أنا أفكر إذن أنا موجود". فالذات والتفكير متلازمان، فحينما تتوقف الذات عن التفكير تنبتر عن الوجود. إلا حتى برغسون Bergson يرفض أي طابع ذاتي أونسبي للوعي. فليس الوعي – في نظره – لحظة شعورية مرتبطة بشيء معين؛ وإنما الوعي هوإدراك للذات والأمور في ديمومتها. فالوعي انفتاح على الحاضر والماضي والمستقبل. ومن ثمة فإنه لا يقبل القسمة إلى لحظات معينة لأنه تدفق وسريان يصعب التمييز بين لحظاته. وانطلاقا من هذا نتساءل: هل يمكن حتى يتم الوعي في غياب العالم والآخرين؟

الوعي انفتاح على العالم وعلى الآخرين

إن كانط يميز بين الوعي بالذات والفهم. فهويرى حتى وعي الذات لنفسها كوجود أخلاقي لا يعني بالضرورة وعينا المطلق للأشياء؛ لأننا نجهل النومينات (الأمور في ذاتها)، ومن ثمة يظل وعينا بالأمور وعيا نسبيا. أما هوسرل E. Husserl فيرى – على خلاف ذلك – حتى الوعي دائما قصدي (= وعي بشيء ما). فقد يحدث الوعي تخيلا، أوتذكرا، أوتفكيرا منطقيا… إلا أنه يتجه دائما صوب الشيء المفكر فيه. ومن ثمة فإن الوعي بالذات هوانفتاح على الذات من خلال قصدية معينة، والوعي بالعالم هووعي قصدي للعالم. ويحاول ميرلوبنتي Merleau-Ponty حتى يخرج الوعي من هذه النزعة الفينومينولوجية (الظاهراتية)، فيقول بأن الوعي هوالذي يمنح للعالم معاينته التي يتجلى بها: إذا "العالم كما هوفي ذاته، فإن جميع اتجاهاته وحركاته نسبية، الشيء الذي يعني أنه لا وجود لها فيه". فالذات الواعية لا تستطيع – هي كذلك – حتى تتمثل وعيها إلا بإسقاطها له في العالم، ومن ثمة فإن هناك علاقة جدلية بين الذات والعالم: فبدون الذات يصبح العالم بدون أبعاد ولا جهات، وبدون العالم لا تستطيع الذات حتى تتمثل نفسها كوجود متعال عن العالم. هكذا نتمكن من القول بأن الإنسان لا يستطيع حتى يتمثل نفسه في غياب العالم دون حتى يسقط في "ممضى الأنا وحدي" Solipsisme لكن ما دور الآخر في الوعي بالذات،يا ترى؟ يرى سارتر J.P. Sartre حتى الآخر هوالذي يجعلني أعي ذاتي: فأنا حين أكون لوحدي أحيى ذاتي ولا أفكر فيها، لكن بمجرد حتى أحمل بصري فأرى الآخر ينظر إلي أخجل من نفسي، لأنني أصبحت أنظر إلى نفسي بنظرة الآخر إلي. فنظرة الآخر إذن هي التي تجعلني أعي ذاتي كشيء خارج عني. فالآخر هوالوسيط الذي يجعلني أموضع ذاتي. هكذاقد يكون الآخر الوجود الأساسي الذي يجعلني أجعل من ذاتي موضوعا للوعي. بعد حتى تعهدنا عن العلاقة الواعية التي يمكن حتى تكون بين الذات ونفسها، وبين الذات والعالم والآخرين؛ نستطيع الآن حتى نتساءل: هل الوعي مطلق أم نسبي،يا ترى؟

حدود الوعي

كثيرا ما ننسى حتى معالجة الفلاسفة والمفكرين لإشكالية الوعي ترتبط بلحظات تاريخية تنعكس فيها هموم ودرجات الفهم البشرية، ومن هذا المنطلق تختلف تمثلاتهم لحدود الوعي. ماركس – مثلا – يعتبر الوعي هوذلك البناء الفوقي الذي تتجلى فيه جميع الأنشطة الإنسانية، ويرى أنه لا نستطيع إطلاقا حتى نتمثل الوعي في معزل عن الأوضاع الاجتماعية وبالتالي علاقات الإنتاج. فالناس يدخلون في علاقات إنتاج معينة خارجة عن إرادتهم، تولد عندهم درجات متنوعة من الوعي. ومن هذا المنطلق يقول ماركس "ليس وعي الناس هوالذي يحدد وجودهم، وإنما وجودهم الاجتماعي هوالذي يحدد وعيهم." إلا حتى ماركس لا يعتبر الوعي انعكاسا سلبيا للواقع، لأنه يؤمن بوجود علاقة جدلية فيما بينهما: فالوعي يمكنه حتى يؤثر في الواقع ؛ فإما حتى يساهم في تغيير الواقع (الوعي السليم)، وإما حتى يساهم في تكريسه (الوعي الزائف). أما تخصصه Nietzsche فيرى حتى بالإمكان حتى يعيش الإنسان حياته في استقلال عن الوعي تماما. لما كانت الحياة البشرية معرضة للهلاك بوصفها حياة يؤطرها الصراع من أجل البقاء اضطر الإنسان حتى يعبر عن نفسه في حدثات، ومن ثمةقد يكون نمواللغة ونموالوعي متلازمين. هكذا اختلق الإنسان لنفسه أوهاما أصبحت تؤطر حياته وأضفى عليها صبغة حقائق تقنن واقعه (كالواجب والمسؤولية، والحرية …إلخ). فالحقائق في العمق ليست إلا أوهاما منسية. أما فرويد Freud فينظر إلى حياتنا نظرة مخالفة تماما. فالحياة الإنسانية عنده أشبه بجبل الجليد iceberg (ما يظهر منه أقل بكثير مما هوخفي)؛ ومن ثمة نكون مخطئين جدا إذا نسبنا جميع سلوكاتنا إلى الوعي، لأن "كل هذه الأفعال الواعية، يفترض أن تظل غير متماسكة وغير قابلة للفهم إذا اضطررنا إلى الزعم بأنه لابد حتى ندرك بواسطة الوعي جميع ما يجري فينا …"(فرويد) ؛ فكثير من السلوكات لا تفهم إلا إذا أرجعناها إلى الجانب الأساسي من حياتنا النفسية وهواللاشعور. وكتمثل توفيقي نستطيع القول بأن الحياة الإنسانية حياة مركبة، حيث يلعب فيها جميع من الوعي واللاشعور دورا مركزيا. فإذا كان اللاشعور ضروريا لتفسير كثير من السلوكيات خصوصا منها المنحرفة والسقمية والشاذة ؛ فإنه لا يجب حتى ننسى بأن الحياة الإنسانية حرية وإرادة ومسؤولية، حيث يختار الإنسان كثيرا من سلوكاته بكامل الوعي.