الصحة في مصر القديمة
بمشاركة اختصاصيين دوليين، استضافت القاهرة مؤتمراً عالمياً عنوانه «فهم الآثار البيولوجي في مصر القديمة»، نظّمته الجامعة الأمريكية في القاهرة بالتعاون مع «مركز الدراسات الأمريكية». ناقش المؤتمر عشرات البحوث عن المصري القديم والبيئة المحيطة به، «نشهد اليوم نتائج التفاعل بين عِلمَي المِصريّات والآثار البيولوجي عبر الـ24 سـنة الـماضية»، وفق جيري روس، أستاذ قسم الأنثروبولوجيا في جامعة أركنسا الأمريكية. وفي افتتاح المؤتمر، أشار روس إلى التحوّلات في البحوث عـلى الآثار المصرية ودراسات المومـياءات. وكـشف روس حتى فهم الآثار البيولوجي في مصر شهـد تطوراً في أدوات البحث، على غرار اسـتعمـال تحليل الحمض الوراثي للمومياءات، ما ساعد على ظهور نظريات جديدة حول الحضارة الفرعونية. وأشار أيضاً إلى وجود معوقات تحول دون تطوّر كثير من آليات البحث، على رأسها وجود مجموعات كبيرة من الهياكل العظمية للمصري القديم غير مسجّلة، بمعنى عدم وجود بيانات موحّدة لها.
واستعرضت الدكتورة غادة درويش، وهي أستاذة في المعمل الأنثروبولوجي في وزارة الآثار المصرية، نتائج درس حاول التعرّف إلى نمط التغذية للمصري القديم من الطبقة الوسطى في منطقة جزيرة فيلة في مجـمّع أسوان القديم. وضم البحث إجراء تحليل لـعناصر في عظام المـتوفيـن من أحفاد النبلاء وأتـباعهـم، لأن الـغـذاء يعكس الأوضاع الاجتماعية والبيئية للإنسان. وركّزت درويش جهودها على البحث عن عنصر الـ «سترانشيوم»، بهدف التعرّف إلى مستوى الكالسيوم الموجود في عظام المصريين القدماء، وهومؤشر عن مصادر الكالسيوم ونمط الغذاء قديماً. وأوضحت درويش أنه عند انخفاض مستويات الـ «سترانشيوم»، تظهر مؤشرات قوية على حتى المصري القديم كان محروماً من توافر الأغذية الصحيّة والسليمة.
وكشف درس درويش أيضاً حتى المصري القديم كان يعاني من نمط غذائي سيء في أحد العصور القديمة، من الممكن يشبه حدوث مجاعة، يشير إليه وجود نسب متدنية من الـ «سترانشيوم» في عظام الموتى. وبالرجوع إلى التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية خلال تلك الحقبة، يُلاحظ حتى مصر كانت دولة مفكّكة مع فرعون ضعيف ومحافظين يتنافسون للاستقلال بولاياتهم، ما أدى إلى فوضى ومجاعة جعلت المصري القديم يخطف الطعام من فم الحيوانات، وفقاً لما ذكرته إحدى البرديات عن ذلك الزمن.
وعندما قويت الدولة في مصر القديمة في حِقَب تالية، تحسّن نمط الغذاء لدى المصري القديم، برجاله ونسائه، ما جعل الباحثة تستخلص حتى وجود دولة قويّة في مصر منح فُرَصاً أفضل لحياة المواطن المصري القديم، بالمقارنة مع ضعف الدولة وانتشار الفوضى.
الخريف والموت
مثّل «موسم الموت عند المصري القديم» موضوعاً رئيسياً لورقة بحثية للدكتورة زينب حشيش، وهي متخصّصة في فهم الـ «بايوإيكولوجي» Bio- Ecology الذي يهتمّ بتفاعل الإنسان مع المجتمع والبيئة المحيطة. وسَعَت حشيش للتعرّف الى مواسم الموت عند المصري القديم، عبر تحديد نسب الوفيات في الفصول المتنوعة. استخدمت الدراسة البوصلة وفهم الفلك للتعرّف إلى توقيت دفن المصري القديم، بعد التفريق بين المصري القديم الذي يدفن بعد إجراء عمليات تحنيط كاملة تأخذ 70 يوماً (وتدخل هذه المدّة في حساب تحديد وقت وفاته)، ومصري آخر يدفن عقب عمليات تحنيط بسيطة، لعدم قدرته على الإنفاق على عملية التحنيط الكاملة، ما يجعل تحديد توقيت وفاته أسهل بكثير.
وكشفت حشيش حتى معظم الدراسات السابقة التي تناولت موسم الموت عند المصري القديم، أشارت إلى حتى فصل الشتاء كان هوموسم الموت، إلا حتى دراستها أثبتت وفاة المصري القديم بنسب عالية في فصلي الخريف والربيع. وأشارت إلى حتى دراستها اعتمدت على تحليل عيّنات من الموتى في الجيزة في العصور الفرعونية المتأخّرة. وأشارت حشيش أيضاً إلى حتى وثائق من العصر الروماني ذكرت حتى فصل الخريف كان أكثر الفصول في نسبة وفيات المصريين القدماء.
وأضافت حشيش أنه خلال القرن 16، زار مصر عالم نباتات إيطالي يدعي ألبينوس، وتوصّل إلى حتى أسوأ فصول السنة في مصر القديمة هوالخريف، لأنه يترافق مع انتشار كثير من الأمراض، كالتهابات العين والجهاز التنفسي، والعدوى البكتيرية، والأمراض المعويّة وغيرها. وفي القرن 19 زار مصر عالم فرنسي يدعى جيم كوين، أكد حتى الخريف هوأسوأ المواسم في مصر لجهة هبوب «رياح الخماسين» المُحمّلة بالأتربة والرمال وبالكثير من أنواع البكتيريا، ما يؤثّر بقوة على حياة البشر، خصوصاً في أزمنة لم تكن تتوافر فيها علاجات لهذه الأمراض.
المصادر
- نادية الدكروري (2013-03-17). "فقر الدم والإدارة أضعَفَ مصر الفرعونية". صحيفة الحياة اللبنانية.