تكرور

مفسر تكروري يدعى ألاف سـِگا وشقيقاته. صورة إلتقطت عام 1882.

مملكة التكرور أوالتكرور Tukulor، هواسم لشعب كبير من القبائل الحامية أسس مملكة أفريقية قديمة جدا امتدت من غرب السودان إلى سواحل بحر الظلمات في أراض شاسعة تزيد عن مساحة الجزيرة العربية والعراق والشام معاً. ضمت تلك المملكة أرضي المناطق المعروفة اليوم سياسياً بموريتانيا والسنغال ومالي ونيجيريا والنيجر وتشاد وصولا إلى حدود دارفور في السودان ويمضى بعض المؤرخين، خاصة العرب، إلى إذا اسم تكرور هواسم لمدينة على نهر السنغال الحالي وكانت عاصمة مملكة التكرور.

التاريخ

نساء تكروريات من بوندوبالسنغال (رسم من سنة 1890)

وصف المؤرخ القلقشندي مدينة تكرور بالمدينة الكبيرة ويقول عنها إنها أكبر من مدينة سلا التابعة لبلاد المغرب. كما ذكر إذا مملكة التكرور تشتمل على أربعة عشر إقليما وان أكثر ما يجلبه إليها تجار المغرب الأقصى (شمال إفريقيا) هوالصوف والنحاس والخرز وأكثر ما يشترونه منها هوالتبر (المضى الخالص). ويدل هذا الوصف على الغنى الواسع الذي تمتعت به تلك المملكة. وحتى اليوم، لا تزال الكثير من دول تلك المناطق تُصنف بين أكبر منتجي المضى في العالم. ولاشك إذا هذا المضى الوفير كان من الأسباب الرئيسية لقدوم المستعمر الأوربي الذي نهب خيرات أفريقيا.

وعبر العصور بات جميع من ينتمي لغرب أفريقيا ينسب لمملكة التكرور ويسمى بالتكروري من الممكن نسبة للتكرار وهي حدثة عربية انطبق معناها على التكروريين،. ومع ذلك، تتفق المصادر التاريخية العربية والغربية على تسمية جزء من شعوب غرب إفريقيا بالتكرور وان كانت المصادر العربية خاصة الحديثة منها تنسب جميع سكان غرب إفريقيا للتكرور.

أقدم ما ذكرته المصادر التاريخية عن مملكة التكرور في غرب إفريقيا هوتاريخ دخول الإسلام لأراضيها حوالي عام 1030م أي بداية القرن الخامس الهجري. لكن بعض الباحثين يرون إذا تلك المملكة نشأة قبل هذا التاريخ بعدة قرون حيث كانت في أوج قوتها حين دخلها الإسلام في عهد الملك القوي وارديابي الذي توفي عام 1040م. وعلى الأرجح، من الممكن ولج الإسلام لمملكة التكرور قبل سنة 1030م بعدة سنوات بإسلام أفراد وجماعات صغيرة على يد التجار المسلين القادمين من شمال أفريقيا.

رغم قوة المملكة آنذاك، فقد ولج الإسلام لمملكة التكرور طواعية دون قتال وباختيار أهلها. كانت سنة 1030م سنة متميزة وتاريخية ليس في حياة شعب تلك المملكة العريضة وقتئذ، لكنها كانت سنة مصيرية حددت هوية ومستقبل شعب وأمة التكرور وكل من ينتمي له لحوالي ألف عام، بل ليومنا هذا. ففي حوالي سنة 1030م اسلم ملك مملكة التكرور القوي وارديابي وأسلمت معه الطبقة الارستقراطية ورجال الدولة والفهماء ثم عم الإسلام كافة أراتى المملكة بفضل ذلك الملك الرائد.

بإسلام ملكها وارديابي، زادت قوة مملكة التكرور في النصف الأول من القرن الخامس الهجري وبسطت نفوذها على مناطق كثيرة في أفريقيا السمراء وبلغت أوج قوتها واتساعها في القرنين الثامن والتاسع (هـ) وهوما تزامن مع أوج قوة الدولة العثمانية حاضرة الخلافة الإسلامية في تلك العصور. ولا يستبعد قيام علاقة مباشرة بين مملكة التكرور والدولة العثمانية في تلك الفترة وربما خُص السلاطين العثمانيين بالنادىء لهم على المنابر كما كان الحال في الحجاز وغيره من الإمارات والممالك الإسلامية التي أقرت بالولاء ولوصوريا لخليفة المسلمين في إسطنبول.

ورغم الضعف الكبير الذي تطرق إلى أركان مملكة التكرور في الفترة الممتدة ما بين القرنيين العاشر والثالث عشر (هـ)، فإنها لم تتلاشى تماما وإنما بقيت على قيد الحياة ولم تخضع خضوعا مباشرا لأية قوة عسكرية استعمارية. ورغم الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها تلك المملكة في أواخر عهدها، فإن المؤرخين أكدوا حتى حكمها استمر لأكثر من تسعمائة سنة دون انقطاع بما فيها فترات الاتساع والانكماش.


من الضعف للقوة للتفكك

في بدايات وأواسط القرن الثالث عشر الهجري (1210ـ 1260هـ) كانت مملكة التكرور في ضعف شديد ولم يُسمي المؤرخون لها حاكما قويا يَلمُ ضمها، وعلى الأرجح حتى مملكة التكرور كانت مقسمة للمالك وإمارات صغيرة ليس لها تأثير يذكر عسكريا أوسياسيا في تلك الفترة[بحاجة لمصدر]. لكن مع مطلع القرن التاسع عشر الميلادي ظهرت حركات إصلاحية كثيرة في غرب إفريقيا وبلاد التكرور ،كما في بقية أجزاء العالم الإسلامي حيث كانت حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد ما بين عامي 1730و1793م تقريبا.

اشتهر من هذه الحركات الإصلاحية حركة الشيخ عثمان دن فوديووحركة الحاج عمر تال المتزامنتان تقريبا. ورغم حتى بعض المحللين يصفون هذين الرجلين بالصوفية فأعمالها وجهادهما تدعوا للتساؤل عن صحة هذه المقولة. فكما هومعلوم، فالصوفية يكتفون بالتأمل والعزلة ولا يجاهدون عدوا ولا يقارعون كافرا وكل همهم العيش الخشن والتمتمة. والحقيقة هناك بعض النصوص التي تؤكد حتى منهج الصوفية كان من التجارب التي مر بها الشيخ عثمان دن فوديوفي بداية شبابه لكنه هجر العزلة وتفرغ للجهاد بقية حياته.

حركة الشيخ عثمان دن فوديو

ونبدأ بأولهما مولدا، الشيخ عثمان دن فوديوالذي ولد حوالي سنة 1754م. تفهم الشيخ عثمان العلوم الإسلامية على يد والده وأعمامه وبدأ بنشر الدعوة وهوفي سن العشرين في بلدته دقل. في بداية حياته وجهاده ربط الشيخ عثمان الجهاد بقرب ظهور المهدي آخذا برأي السيوطي الذي حدد في خطه موعد ظهور المهدي بسنة 1200هـ. لكن الشيخ عثمان تراجع عن هذا التوجه بعد ما لاحظه من انادىء بعض المفترين بالمهدية ونفى انقد يكون هونفسه المهدي.

أدى الشيخ عثمان فريضة الحج وعاش فترة بين أبناء جلدته من قدماء المهاجرين التكروريين، كما التقى برجال الدعوة السلفية للشيخ محمد بن بعد الوهاب في الحجاز وتأثر بها. الرئيس السابق لقسم التاريخ في قسم العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور مصطفى مسعد مؤلف كتاب " دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حركة عثمان بن فودي الإصلاحية في غرب أفريقيا" يؤكد تأثر حركة الشيخ عثمان بن فوديوبالدعوة السلفية وبين تطابق أسلوب ومنهج الدعوتين. اتبع الشيخ عثمان نفس طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نشر الدعوة وهوأسلوب بعث الرسائل وبث النادىة. كان الشيخ عثمان يجوب المساجد والأحياء ويلقي الخطب ويخط باللغة العربية. وللشيخ قصائد بلغة الهوسه والفلاني مكتوبة بالأبجدية العربية. هذه المواعظ أكسبت الشيخ شهرة عريضة وكانت من مسببات التفاف الناس حوله من قبائل كثيرة.

وفي عام 1795م أعرب الشيخ عثمان الاستعداد لجهاد حاكم إمارة جوبير بهدف "إزالة الظلم والطغيان بعد تفشيه هناك" وتطهير العقيدة الإسلامية مما لحقها من الشوائب والشرك ونشر الإسلام بين الوثنين. حاكم إقليم جوبير الذي ينتمي له الشيخ، ومسماه نفاثا، كان قلقا من حركة الشيخ عثمان وحأول السيطرة عليه. أعرب نفاثا حتى امتياز الدعوة للشيخ فقط ولا يحق لاتباعية نشرها بين الناس. كما اصدر مراسيم قضت برجوع من اسلم من الوثنيين لوثنيتهم وان لا مسلم إلا من كان أبواه مسلمان. كما منع الرجال من لبس العمائم ومنع النساء من ارتداء الحجاب، ولا يستبعد حتى تكون تلك الإجراءات بإيعاز من الإنجليز الذين كان لهم وجود قوي في تلك المناطق. بل إذا الحاكم حأول القبض على الشيخ عثمان أوالتخلص منه.

كانت تلك الإجراءات سببا في خروج الشيخ واتباعية للصحراء ليستقر في مدينة بعيدة تسمى جودو. ومن هناك كانت بداية تأسيس إحدى أكبر الممالك الإسلامية في غرب إفريقيا. فمن جودوأعرب الشيخ عثمان الجهاد وخاض معارك كثيرة ووجدت دعوته استجابة واسعة في غرب إفريقيا وانضمت لحركة قبائل من مناطق تشاد والنيجر والطوارق. وانتظم الجهاد وضم كافة لإمارات مثل كانووزاريا ثم تُوج الجهاد بتأسيس خلافة سكوتوعام 1831م وسمي الشيخ بأمير المؤمنين. اسمرت حياة هذه الإمارة حتى عام 1903م حيث سقطت على يد الاستعمار الأنجليزي وأعوانه. توفي الشيخ عثمان بعد ذلك الجهاد الطويل وخلفه ابنه محمد بيلو.

للشيخ عثمان مؤلفات كثيرة منها "إحياء السنة وإخماد البدعة" ونصيحة أهل الزمان" وكتاب " أصول الدين" وتؤكد هذه المؤلفات حتى الشيخ كان واسع الاطلاع على الأحاديث النبوية الشريفة، وأقوال الخلفاء الراشدين وأتباعهم وآراء الأمة الأربعة. كان الشيخ يهدف من مؤلفاته إصلاح أحوال الفهم والفهماء وتطبيق أحكام الله، وتسليم الإيمان بشكل يؤدى إلى إقامة الشريعة كما أمر الرسول نهى والتبصر في الدين. كان الشيخ فصيحا بليغا، جميل العشرة كريم الصحبة.

حركة الحاج عمر تال

وفي سنة 1838م ظهر رجل قوي آخر من سلالة الأسر الحاكمة من التكرور ليلعب دورا خطيرا في تاريخ إفريقيا السمراء حيث وحد أجزاء كبيرة من غرب القارة تحت حكمه وهوالحاج عمر. تدخل حركة الحاج عمر تال في إطار الحركات الإصلاحية التي قامت في الكثير من الأراضي الإسلامية إما لمقأومة الشركيات أولتخليص المسلمين من القوى الاستعمارية التي تسلطت على الكثير من بلاد المسلمين بعد ضعف الخلافة العثمانية وعجزها عن حماية الأمة. ومع اخذ تلك الظروف السياسية والاجتماعية السائدة في بلاد المسلمين في الحسبان، فليس من الغريب حتى تتزامن حركة الحاج عمر مع أوج الحركة التسليمية للشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية، فمن هوالحاج عمر؟.

اسمه الكامل هوعمر بن سعيد تال ولد بين سنتي 1794و1795م. وبعد اشتداد عُوده أدى الحاج عمر فريضة الحج سنة 1840م تقريبا وأقام في الحجاز فترة طويلة. ورغم أنه لم يختر البقاء والمجأورة بقية عمره كما كان يعمل الكثير من التكروريين في تلك الفترة، فقد عاصر فهماء الحرمين وزار مناطق كثيرة في الحجاز. بعد رجوعه من الحجاز عبر مصر، أقام لمدةَ غير محددة في مدينة سكتوثم سافر إلى في فوتة جالون حيث أقام حوالي سبع سنوات. عاد الحاج عمر إلى منطقة حوض نهر السنغال حيث أعرب الجهاد ضد الوثنين والمشركين. لم تمس حركة الحاج عمر الوثنيين فقط وإنما ضربت بعض الممالك الإسلامية الأخرى في غرب إفريقيا كذلك لأنها، وحسب رأيه، لم تكن على الإسلام السليم.

استمرت جيوش الحاج عمر في اكتساح الإمارات والممالك في غرب إفريقيا ولم يوقفه سوى الزحف الاستعماري الفرنسي الذي بلغ أقصاه في تلك الفترة. توفي الحاج عمر عن عمر ناهز السبعين في ظروف غامضة ولم يتأكد للمؤرخين أمات أم قتل. والحقيقة إذا الفضل يعود، بعد الله، لجهاد الحاج عمر في نشر الإسلام في مناطق كثيرة كانت مرتعا للوثنية، كما يحسب له وقوفه الصلب ضد انتشار النصرانية في غرب إفريقيا.

وبوفاة الحاج عمر طُوي آخر فصل من تاريخ مملكة التكرور التي دامت لأكثر من ألف عام وحكمت أراضي شاسعة من غرب إفريقيا غطت ما يعهد اليوم بالسنغال ومالي وغانا. كان لسقوط دولة التكرور بقوة الاستعمار الفرنسي وحليفة الاستعمار البريطاني، دور مهم في حدوث موجه جديدة من الهجرة لبعض قبائل التكروريين. فكما وقع في جميع الأراضي الإسلامية التي سقطت تحت الاستعمار، تأذي المسلمون من جور الحكم الظالم الذي فرض القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية.

كانت أرض الحرمين من الأماكن القليلة من الأراضي الإسلامية التي لم يدخلها المستعمر الغربي فأصبحت الملجأ الأول لكافة المسلمين الذين تعرضوا للقمع في بلدانهم. أتت الفترة الحديثة لهجرة التكروريين لأرض الحرمين في إطار موجة عالمية من هجرة المسلمين للحجاز الذي كان تحت الحكم العثماني الضعيف جدا في تلك العقود. ففي تلك الفترة سقطت أراضي بخارى والجمهوريات الإسلامية الشمالية تحت الحكم الروسي، كما سقطت جميع أجزاء المغرب العربي تحت الاستعمار الفرنسي والإسباني والإيطالي. أيضا في تلك الفترة كانت الهند وأجزاء كبيرة من ممالك المسلمين في بلاد جأوة وماليزيا واقعة تحت الاستعمار.

تحت هذه الظروف التي شكلت حقبة قاتمة في تاريخ البشرية، فر جميع من استطاع من المسلمين لأرض الحرمين هاربا بدينة ونفسه. فما بين عامي 1860و1930م وبسبب تبعات الحرب العالمية الأولى، هاجر لأرض الحجاز أعداد كبيرة من التكروريين والجأوة والبخاريين والهنود والمغاربة حيث تفاعلوا مع من سبقهم من الجاليات القديمة الهجرة من أبناء جنسهم ومن سكان الأماكن المقدسة من عرب الحجاز وأهل اليمن ليشكلوا مجتمعا فريدا في تكوينه الثقافي والعرقي تحت مظلة الإخوة الإسلامية التي تعززت بقيام الدولة السعودية على يد الملك عبد العزيز عام 1344هـ.


المصادر

  • الموسوعة الإسلامية
  • البكري ص 27.
  • الخرطوم الشعب والنادىة، للدكتور عبد الله عبد الماجد إبراهيم، ص 540.
  • النقشبندي

وصلات خارجية

  • http://www.wagateway.org/Grogabe.htm
تاريخ النشر: 2020-06-04 12:12:19
التصنيفات: صفحات بها أخطاء في البرنامج النصي, مقالات ذات عبارات بحاجة لمصادر, Commons category link is locally defined, جماعات عرقية في مالي, جماعات عرقية في موريتانيا, جماعات عرقية في السنغال, ولايات سابقة في العالم الإسلامي, تاريخ أفريقيا, تاريخ السنغال, تاريخ مالي, تاريخ موريتانيا, شعوب الفولا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

"قربلة" مجلس مدينة الرباط تصل إلى القضاء

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-22 12:28:31
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 70%

"قربلة" مجلس مدينة الرباط تصل إلى القضاء

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-22 12:28:23
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 55%

بلاغ للديوان الملكي – مراكش 24 | جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

المصدر: مراكش 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-22 15:06:25
مستوى الصحة: 29% الأهمية: 19%

سامية العطوش تحصد لقب ملكة جمال العرب لسنة 2024

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-22 12:27:57
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

سامية العطوش تحصد لقب ملكة جمال العرب لسنة 2024

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-22 12:28:03
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

تحميل تطبيق المنصة العربية