دعبل الخزاعي

عودة للموسوعة

دعبل الخزاعي

محمد بن علي بن رزين، الملقب بدعبل الخزاعي، من مشاهير شعراء العصر العباسي. اشتهر بتشيعه لآل علي بن أبي طالب وهجائه اللاذع للخلفاء العباسيين. من شعراء أهل البيت. له من القصائد أشهرها القصيدة التائية التي يبين فيها مناقب أهل البيت. وقد أهداه الإمام الرضا شيئاً من ثيابه تطبيقاً لطلبه من الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، وكانت السلطة العباسية حينها تحاول إغوائه ليمدحها وكان ذلك في عصر الخليفة العباسي المأمون ولكنه قضى حياته بعيداً عن الترف وكان من أبرز شعراء آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

أسرته

عاش دعبل الخزاعي في بيت فهم وفضل وأدب، برز فيه محدثون وشعراء (وفيهم السؤدد والشرف وكل الفضل والفضيلة) وقد كلل الله عزّ وجلّ هذا البيت بالشرف العظيم حين كرمه بخمسة شهداء.. على رأسهم بطل الإسلام العظيم عبد الله بن ورقاء الذي كان هووأخواه (عبد الرحمن ومحمد) رسل النبي (صلى الله عليه واله وسلم) إلى اليمن.. (وكان الثلاثة وأخوهم الرابع (عثمان) من فرسان أمير المؤمنين الشهداء في صفين) وأخوهم الخامس نافع بن بديل استشهد على عهد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ورثاه ابن رواحه بقوله:

رحم الله نافع بن بديل رحمة المبتغي ثواب الجهاد
صابراً صادق الحديث إذا ما أكثر القوم نطق قول السداد

ورثى عدي بن حاتم البطل الشهيد (عبد الله بن بديل) بقوله:

أبعد عمّار وبعد هاشم وابن بديل فارس الملاحم
نرجوالبقاء مثل حلم الحالم وقد عضضنا أمس بالأباهم


ولادته

ولد أبوعلي محمد بن علي بن رزين بن ربيعة الخزاعي في الكوفة سنة 148 هـ. ولقبته (الداية) بدعبل، لنادىبة كانت فيه. فهي أرادت (ذعبلاً) فقلبت الذال دالاً..

تربيته

شبّ في بيت اختص بالشعر فجده (رزين) شاعر كما ذكره ابن قتيبة في (الشعر والشعراء) وأبوه (علي) كان من شعراء عصره وعمه عبد الله بن رزين أحد الشعراء، وابن عمه (محمد بن عبد الله) شاعر له ديوان ويلقب بـ (أبي الشيص) وابن هذا عبد الله بن محمد أبي الشيص شاعر له ديوان أيضاً وأخواه (علي أبوالحسن ورزين) من الشعراء المشهورين...

وعن هؤلاء جميعاً أخذ دعبل ومنهم استقى وتفهم؛ فتلقف أبجدية الشعر وأصوله، وفهم معانيه وغاص في بحوره، وحفظ الكثير الكثير من الأبيات والقصائد.. إلا أنه لم يشرع في النظم، وعاهد نفسه ألا يعمل ذلك إلا بعد حتى ينهل المزيد من منابع الشعر الأصيلة، ويتقن صناعته اتقاناً جيداً.. إلى غير ذلك خرج من الكوفة وسافر إلى الحجاز مع أخيه رزين، وإلى الري وخراسان مع أخيه علي.. (كان دعبل يخرج فيغيب سنيناً يدور خلالها الدنيا كلها ويرجع، وقد أفاد وأثرى، وكانت الشراة والصعاليك يلقونه ولا يؤذونه ويواكلونه ويشاربونه ويبرّونه، وكان إذا لقيهم وضع طعامه وشرابه ونادىهم إليه فكانوا يواصلونه ويصلونه، وأنشد دعبل لنفسه في بعض أسفاره يقول:

حللت محلاً يقصر البرق دونه ويعجز عنه الطيف حتى يتجشما

إلى غير ذلك رافق مسلم بن الوليد (وكان شاعراً متصرفاً في فنون القول حسن الأسلوب أستاذ الفن وينطق أنه أول من نطق الشعر المعروف بالبديع ووسمه وتبعه فيه أبوتمام وغيره توفي بجرجان سنة 208 هـ) .

رافقه دعبل ليأخذ الأدب عنه ويستقي من فنونه، وعبر دعبل عن تلك الفترة بقوله: ما زلت أقول الشعر وأعرضه على مسلم فيقول لي: أكتم هذا.. حتى قلت:

أين الشباب؟! وأيّة سلكا؟! لا أين يطلب؟! ضلّ بل هلكا

لا تعجبي يا سلم من رجل ضحك المشيب برأسه فبكى

فلما أنشدته هذه القصيدة نطق: امضى الآن فاظهر شعرك كيف من الممكن أن شئت ولمن شئت!

سرّ دعبل لهذه النتيجة وانطلق مارده الشعري من عنطقه وراح ينشد أحلى القصائد وأعذبها.. ولأنه تربى على محبة أهل البيت(ع) والولاء لهم، فقد كرس شعره من أجل الدفاع عن البيت النبوي الطاهر والتجاهر بأحقيتهم دون مبالاة بالموت الذي كان يترصده.

وله من قصيدة طويلة في رثاء الإمام الحسين قوله:

يا آل أحمد ما لقيتم بعده من عصبة هم في القياس مجوس

كم عبرة فاضت لكم وتبترتيوم الطفوف على الحسين نـفوس

صبراً موالينا فسوف نديلكم يوماً على آل اللعين عبـوس

ما زلت متّبعاً لكم ولأمركم وعليه نفسي ما حيـيـت أسوس

أسفاره وجرأته

سافر دعبل الخزاعي إلى بغداد وأقام فيها زمن المأمون فاختلط بأدبائها وشعرائها فاكتسب منهم ما أغنى تجربته، فبلغ الذروة في نشاطه الشعري واتقان صناعته؛ فنظم في بغداد أقوى وأشهر قصائده (فتوغل لا يقرّ به قرار ولا يهاب في الهاتى والسباب المقذع فيمن حسبهم أعداء العترة الطاهرة وغاصبي مناصبهم، فكان يتقرب بشعره إلى الله وهومن المقربات إليه سبحانه زلفى، وأن الولاية لا تكون خالصة إلا بالبراءة ممن يضادها ويعاندها كما تبرأ الله ورسوله من المشركين) .

وبسبب الجرأة والهاتى كثر أعداء الشاعر ومناوئوه، فتربصوا للوقيعة به وقتله، لكنه لم يبال ورد عليهم بقصائد أشد وأقوى. واشتهر بقوله: (أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين سنة لست أجد أحداً يصلبني عليها)!! وبسبب بأسه الشديد وقوة حجته تجنب الكثير لسانه (قيل للوزير محمد بن عبد الملك الزيات: لم لا تجيب دعبلاً عن قصيدته التي هجاك فيها؟! نطق: إذا دعبلاً جعل خشبته على عنقه يدور بها يطلب من يصلبه بها دون حتى يبالي) .

وكان الوزير الزيات على حق، فدعبل لم يعهد الخوف ولم يتردد في هاتى الخليفة المأمون قائلاً:

أخذ المشيب من الشباب الأغيد والنائبات من الأنام بمرصد

أيسومني المأمون خطّة جاهل أوما رأى بالأمس رأس محمد؟!

إني من القوم الذين سيوفهم قتلت أخاك وشرفتك بمقعد

شادوا بذكرك بعد طول خمولة واستنقذوك من الحضيض الأوهد

محمد - الوارد اسمه في هذه الأبيات - هو(الأمين بن الرشيد) الذي قتله طاهر الخزاعي وبذلك ولي المأمون الخلافة. وهجا إبراهيم بن المهدي بقوله:

يا معشر الأجياد لا تقنطوا وارضوا بما كان ولا تسخطوا

فسوف تعطون حنينيّة يلتذّها الأمرد والأشمط

والمعديّات لقوّادكم لا تدخل الكيس ولا تربط

إلى غير ذلك يرزق قوّاده خليفة مصحفه البربط

فدخل إبراهيم على المأمون فشكى إليه حاله ونطق: يا أمير المؤمنين إذا الله سبحانه وتعالى فضلك في نفسك عليّ وألهمك الرأفة والعفوعني، والنسب واحد، وقد هجاني دعبل فانتقم لي منه.. وأنشده الأبيات السابقة، فنطق المأمون: لك أسوة بي فقد هجاني بما هوأقبح من ذلك واحتملته. ونطق دعبل بحق الفضل بن مروان موبخاً وساخراً:

نصحت فأخلصت النصيحة للفضل وقلت فسيّرت الموضوعة في الفضل

ألا إذا في الفضل بن سهل لعبرة إذ اعتبر الفضل بن مروان بالفضل

وللفضل في الفضل بن يحيى مواعظ إذا فكر الفضل بن مروان في الفضل

فأبق حميداً من حديث تفز به ولا تدع الإحسان والأخذ بالفضل

فبعث إليه الفضل بن مروان بدنانير ونطق له: قد قبلت نصحك فأكفني خيرك وشرك..

نبوغه

لم يكتف دعبل الخزاعي بنبوغه في الشعر الذي صار يُستشهد به في إثبات معاني الألفاظ ومواد اللغة ويهتف به في مجتمعات الشيعة في آناء الليل وأطراف النهار، ويردده الأعداء قبل الأصدقاء؛ فقد نبغ في الأدب والتاريخ وألف فيهما، كما اشتهر بروايته للحديث وبسيرته مع الخلفاء والوزراء.. وانتشر خبر كتابه (الواحدة) في مناقب العرب ومثالبها انتشاراً عجيباً وانهمك النساخ لسنوات طويلة في نسخه وبيعه للراغبين في اقتنائه وهم كثر.. ونجح كتابه القيّم (طبقات الشعراء) نجاحاً كبيراً واعتبر المرجع الكبير ومن الأصول المعوّل عليها في الأدب والتراجم ونقل عنه جميع المؤلفين الذين اتىوا بعده.. لما تضمنه من معلومات نادرة وموثقة عن شعراء البصرة - وشعراء الحجاز - وشعراء بغداد وأخبارهم...

وديوان دعبل الخزاعي خير شاهد على نبوغه ومقدرته الفذة على سبك القصائد المتينة وحسن اختياره للمواضيع.

نطق القرآن بفضل آل محمد وولاية لعليّه لم تجحد

بولاية المختار من خير الذي بعد النبي الصادق المتودد

إذ اتىه المسكين حال صلاته فامتد طوعاً بالذراع وباليد

فتناول المسكين منه خاتماً هبة الكريم الأجود بن الأجود

فاختصّه الرحمن في تنزيله من حاز مثل فخاره فليعدد

إن الإله وليّكم ورسوله والمؤمنين فمن يشأ فليجـحد

يكن الإله خصيمه فيها غدا والله ليس بمـخلف في الموعد

نطقها في مدح الإمام علي يذكر تصدّقه بخاتمه في الصلاة ونزول الآية الكريمة: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون). وله قصيدة أخرى في مدح الإمام علي منها:

سقياً لبيعة أحمد ووصيه أعني الإمام وليّنا المحسودا

أعنـي الذي نصر النبي محمداً قبل البريّة ناشئاً ووليدا

أعني الذي كشف الكروب ولم يكن في الحرب عند لقائه رعديدا

أعنـي الموحد قبل جميع موحد لا عابداً وثناً ولا جلمودا

عهد عن دعبل الخزاعي شدة ولائه لآل البيت والجهر بحبهم لذا أنشد بحقهم أجمل القصائد العربية وأحسنها على الإطلاق ولم تزل الألسن ترددها على مر السنين..

سقياً ورعياً لأيام الصبابات أيام أرفل في أثواب لذّاتي

أيام غصني رطيب من ليانته أصبوا إلى خير جارات وكنّات

دع عنك ذكر زمان فات مطلبه وأقذف برجلك عن متـن الجهالات

وأقصد بكل مديح أنت قائله نحوالهداة بني بيت الكرامات

وهذه الأبيات أنشدها عبد الله بن طاهر عن دعبل على المأمون بناءاً على طلبه، وعلق عليها بعد سماعها: إذا دعبل قد عثر والله منطقاً ونال ببعيد ذكرهم ما لا يناله في وصف غيرهم!


القصيدة المدرسة

اعتبرت قصيدة دعبل الخزاعي (مدارس آيات) إحدى قمم البلاغة العربية و(أحسن الشعر وفاخر المدايح المقولة في أهل البيت) ، وامتازت بقوة التعبير وروعة الأداء، عدد أبياتها (121) بيتاً..

و(قصيدة دعبل التائية في أهل البيت من أحسن الشعر وأسنى المدايح)

نطق دعبل: في سنة 198 هـدخلت على سيدي الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا بخراسان، فقلت له: يا بن رسول الله، إني قلت فيكم أهل البيت قصيدة، وآليت على نفسي حتى لا أنشدها أحداً قبلك وأحب حتى تسمعها مني.

فنطق لي: هاتها.... فأنشدته:

مدارس آيات خلت من تلاوة ومهبط وحي مقفر العرصات

لآل رسول الله بالخيف من منى وبالبيت والتعريف والجمرات

ديار علي والحسين وجعفر وحمزة والسجاد ذي الثفنـات

ديار عفاها جور جميع منابذ ولم تعف بالأيام والسنوات

ديار لعبد الله والفضل صنوه سليل رسول الله ذي الدعوات

منازل كانت للصلاة وللتقى وللصوم والتطهير والحسنات

منازل جبريل الأمـين يحلها من الله بالتسليم والزكوات

ولما بلغت قولي:

أرى فيئهم في غيرهم متقسما وأيديهم من فيئهم صفرات

بكى أبوالحسن ونطق لي: صدقت يا خزاعي، فواصلت إنشادي.. حتى انتهيت إلى قولي:

إذا وتروا مدّوا إلى أهل وترهم أكفّاً عن الأوتار منقبضات

فبكى الإمام الرضا حتى أغمي عليه.. فأومأ إليّ خادم كان على رأسه: حتى أسكت.. فسكتّ!!. فمكث ساعة ثم نطق لي: أعد.. فأعدت القصيدة ثانية. حتى انتهيت إلى هذا البيت أيضاً فأصابه مثل الذي أصابه في المرة الأولى. وأومأ الخادم إليّ مجدداً: حتى أسكت.. فسكت!! فمكث الإمام الرضا ساعة أخرى ثم نطق لي: أعد.. فأعدت القصيدة.. فجعل يقلب كفيه ويقول: أجل والله (منقبضات). فتابعت إنشادي:

وآل رسول الله نحف جسومهم وآل زياد أغلظ القصرات

سأبكيهم ما ذرّ في الأفق شارق ونادى منادي الخير بالصلوات

وما طلعت شمس وحان غروبها وبالليل أبكيهم وبالغدوات

ديار رسول الله أصبحن بلقعاً وآل زياد تسكن الحجرات

وآل زياد في القصور مصونة وآل رسول الله في الفلوات

وحين ذكرت الحجة القائم عجل الله فرجه بقولي:

فلولا الذي أرجوه في اليوم أوغد تبتر نفسي إثرهم حسراتي

خروج إمام لا محالة خارج يقوم على اسم الله بالبركات

يميّز فينا كلّ حقّ وباطل ويجزي عن النعماء والنقمات

فيا نفسي طيبي ثم يا نفسي فاصبري فغير بعيد جميع ما آت

فوضع الرضا يده على رأسه وتواضع قائماً ودعى له بالفرج . ثم حمل رأسه إليّ ونطق: يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين فهل تدري من هذا الإمام؟! أومتى يقوم،يا ترى؟ فقلت: لا يا سيدي،يا ترى؟ إلا أني سمعت عن آبائي بخروج إمام منكم، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

فنطق: إذا الإمام بعدي ابني محمد وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم، وهوالمنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت جوراً وظلما، وأما متى يقوم فإخبار عن الوقت، لقد حدّثني أبي عن آبائه عن رسول الله (ص) نطق: مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة !!

وتابعت الإنشاد.. ولما بلغت إلي قولي:

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها وإني لأرجوالأمن بعد وفاتي

نطق الرضا: آمنك الله يوم الفزع الأكبر..ولما انتهيت إلى قولي:

وقبر ببغداد لنفس زكية تضمّنها الرحمن في الغرفات

نطق لي الرضا: أفلا ألحق بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟.

فقلت: بلى يا بن رسول الله... فنطق:

وقبر بطوس يا لها من مصيبة توقّد في الأحشاء بالحرقات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً يفرّج عنّا الهمّ والكربات

فقلت: يا بن رسول الله، هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟! فنطق: قبري ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزائريي، ألا فمن زارني في غربتي كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له. ولما فرغت من إنشاد قصيدتي كاملة نطق لي: أحسنت - ثلاث مرات - ثم نهض وأمرني: لا تبرح.. وبعد حين أنفذ إليّ بيد الخادم صرة فيها عشرة آلاف درهم رضوي مما ضرب باسمه واعتذر إليّ!! فرددتها وقلت للخادم: والله ما لهذا جئت وإنما جئت للسلام على ابن رسول الله(ص) والتبرك بالنظر إلى وجهه الميمون وإني لفي غنى.. فإن رأى حتى يستوهبني ثوباً من ثيابه للتبرك به وليكون كفني في آخرتي فهوأحبّ إليّ..

فأعطاني الإمام الرضا قميصاً خزاً أخضر وخاتماً فصه عقيق مع الصرة.. ونطق للخادم: قل لدعبل خذها ولا تردها فإنك ستصرفها، وأنت أحوج ما تكون إليها.. (واحتفظ بهذا القميص فقد صليت فيه ألف ركعة وختمت فيه القرآن ألف ختمة) ، فأخذتها فرحاً.. وأمر لي من في منزل الإمام الرضا بحليّ كثيرة أخرجها إليّ الخادم، (فقدمت العراق فبعت جميع درهم رضوي منها بعشرة دراهم اشتراها مني الشيعة فحصل لي مائة ألف درهم فكان أول مال اعتقدته) .

وبلغ خبر القميص - وقيل (الجبة) - أهل (قم) فاعترضوا طريق دعبل وسعوا للحصول عليها.. وسألوه حتى يبيعهم إياها بثلاثين ألف درهم فلم يعمل.. فخرجوا عليه في طريقه فأخذوها منه غصباً فهددهم بالشكوى إلى الإمام الرضا.. فصالحوه.. وأعطوه الثلاثين ألف درهم وأحد أكمامها..

قيل لدعبل: لم بدأت عند إنشادك للرضا بمدارس آيات؟! ولم تبدأ بأول القصيدة ومطلعها:

ذكرت محلّ الربع من عهدات فأجريت دمع العين بالعبرات

وفلّ عرى صبري وهاجت صبابتي رسوم ديار أقفرت وعرات

فرد دعبل: استحييت من الإمام حتى أنشده التشبيب فأنشدته المناقب ورأس القصيدة:

تجاوبن بالأرنان والزفرات نوائح عجم اللفظ والنطقات

مع المأمون

اشتهرت القصيدة وذاع صيت دعبل الخزاعي (ثم إذا المأمون لما ثبّتت قدمه في الخلافة وضرب الدنانير باسمه أقبل يجمع الآثار في فضائل آل الرسول فتناهى إليه فيما تناهى من فضائلهم قصيدة دعبل (مدارس آيات) فما زالت تردد في صدر المأمون حتى قدم عليه دعبل فنطق له: أنشدني قصيدتك التائية ولا بأس عليك ولك الأمان من جميع شيء فيها فإني أعهدها وقد رويتها إلا أني أحب حتى أسمعها من فيك.. فأنشده إياها فبكى المأمون حتى اخضلّت لحيته وجرت دموعه على نحره.. وكان دعبل أول داخل عليه وآخر خارج من عنده) .

وروى الشيخ الصدوق في أماليه بإسناده عن دعبل الخزاعي أنه نطق: اتىني خبر موت الرضا(ع) وأنا مقيم بـ (قم) فقلت القصيدة الرائية التي طلب المأمون الاستماع إليها، ومنها:

أصبحت أبلغ عن أهلي وعن ولدي كحالمٍ قصّ رؤيا بعد مدّكر

وفي مواليك للحرَّين مشغلة من حتى تبيت لمشغول على أثر

كم ذراع لهم بالطفّ بائنة وعارض بصعيد الترب منعفر

أمسى الحسين ومسراهم لمقتله وهم يقولون: هذا سيد البشر

يا أمة السوء ما جازيت أحمد في حسن البلاء على التنزيل والسور

خلفتموه على الأبناء حين مضى خلافة الذئب في إنفاد ذي بقر

لم يبق حيّ من الأحياء نفهمه من ذي يمان ولا بكر ولا مضر

إلا وهم شركاء في دمائهم كما تشارك أيسار على جزر

قتلاً وأسراً وتخويفاً ومنهبةً عمل الغزاة بأرض الروم والخزر

نطق: فضرب المأمون عمامته الأرض ونطق: صدقت والله يا دعبل.

مع المعتصم

بعد موت المأمون اتى المعتصم الذي كان يبغض دعبلاً لجرأته وقرر قتله فهرب إلى الجبل ونطق يهجوه:

بكى لشتات الدين مكتئب صبّ وفاض بفرط الدمع من عينيه غرب

وقام إمام لم يكن ذا هداية فليس له دين وليس له لبّ

وحين توفي المعتصم وخلفه الواثق نطق دعبل:

الحمد لله لا صبر ولا جلد ولا عزاء إذا أهل البلا رقدوا

خليفة توفي لم يحزن له أحد وآخر قام لم يفرح به أحد

بعد هروبه من بغداد جال دعبل في الآفاق فدخل البصرة ودمشق ومصر على عهد المطلب بن عبد الله بن مالك المصري وولاه أسوان، فلما بلغ هجاؤه إياه عزله، فأنفذ إليه كتاب العزل مع مولى له ونطق: انتظره حتى يصعد المنبر يوم الجمعة فإذا علاه فأوصل الكتاب إليه وأمنعه من الخطبة وأنزله عن المنبر واصعد مكانه. (فلما علا دعبل المنبر وتنحنح ليخطب ناوله المولى الكتاب فنطق له دعبل: دعني أخطب فإذا نزلت قرأته. نطق: لا، قد أمرني حتى أمنعك من الخطبة حتى تقرأه.. فقرأه وأنزله عن المنبر معزولاً وخرج إلى المغرب إلى بني الأغلب) .


وفاته

لقد اسرف دعبل الخزاعي في هاتى الناس فكان حتفه على يد أحد مهجويه، ومن الملفت للنظر أنه قد تعرض في شعره لخلفاء كثيرين، كما تجاوز الا انه نهايته كانت على يد من كان اقل منهم مكانة وسلطانا. فقد قصد دعبل يوما ما مالك بن طوق ومدحه، فلم يرض ثوابه، فخرج عنه ونطق فيه:

ان ابن طوق وبني تغلب لوقتلوا أواجرحوا قصره

لم يأخذوا من دية درهما يوما ولا من آرشهم بعرة

دماؤهم ليس لها طالب مطلولة مثل دم العذرة

وجوههم بيض وأحسابهم سود وفي آذانهم صفره

وهجاه في ابيات أخرى غيرها بقبح لسانه. وبلغت الأبيات مالكا، فطلبه فهرب، فأتى البصرة وعليها اسحاق بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبدالمطلب وقد كان بلغه هاتى دعبل وعبدالله بن ابي عيينة نزارا، فأما ابن عيينة هرب منه فلم يظهر بالبصرة طول أيامه، وأما دعبل فانه حين ولج البصرة بعث اليه مالك فقبض عليه ونادى بالنطع والسيف ليضرب عنقه، فجحد القصيدة وحلف عليها بالطلاق ثلاثا وبكل يمين تبرئ من الدين انه لم يقلها، وان عدوا له، نطقها ونسبها اليه ليغرى بدمه، وجعل يتضرع اليه، ويبكي بين يديه، فرق له ونطق: اما إذ أعفيتك من القتل فلا بد من حتى أشهرك. ثم نادى له بالعصا فضرب بها حتى سلح، وامر به فألقي على قفاه وفتح فمه، فرد سلحه فيه!! والمقارع تأخذ رجليه وهويحلف ألا يكف عنه حتى يستوفيه ويبلعه أويقتله، فما حملت عنه حتى بلع سلحه كله! ثم خلاه، فهرب إلى الأهواز.

فبعث مالك بن طوق رجلا حصيفا مقداما أعطاه سما وأمره حتى يغتاله كيف من الممكن أن شاء، وأعطاه على ذلك عشرة آلاف درهم، فلم يزل الرجل يطلبه حتى وجده في قرية من نواحي السوس، فاغتاله في وقت من الأوقات بعد الصلاة العتمة، إذ ضرب ظهر قدمه بعكاز مسموم فمات من الغد، ودفن بتلك القرية في سنة 220 هـ.

المصادر

  1. ^ الأمالي للشيخ الصدوق: 239
  2. ^ الغدير: الأميني 2/ 363.
  3. ^ صفين: ابن مزاحم 126.
  4. ^ العمدة: ابن رشيق 2/ 290.
  5. ^ معجم الشعراء: المرزباني 1/ 283
  6. ^ الغدير: 6/ 370
  7. ^ الغدير: 2/ 369
  8. ^ طبقات الشعراء: ابن المعتز / 125
  9. ^ الأغاني: 18/ 29
  10. ^ معجم الأدباء: ياقوت الحموي 4/ 196.
  11. ^ الأمالي: 211.
  12. ^ مشكاة الأنوار: محمد البحراني، ومؤجج الأحزان: عبد الرضا البحراني عن الغدير 6/ 361.
  13. ^ الغدير: 6/ 355.
  14. ^ أمالي الشيخ: 299.
  15. ^ عيون أخبار الرضا: 280.
  16. ^ تاريخ ابن عساكر: 5/ 234 - الأغاني: 18/ 58.
  17. ^ الأمالي: 390.
  18. ^ الأمالي: 61.
  19. ^ الأغاني: 18/ 48.
تاريخ النشر: 2020-06-04 13:11:53
التصنيفات: أعلام الشيعة, مواليد 148 هـ, وفيات 220 هـ, مواليد 766, وفيات 835, شعراء العصر العباسي, مكفوفون, أزديون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

للمرة الثانية.. إسرائيل تستهدف مواقع عسكرية بريف حماة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-14 00:08:55
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 94%

روسيا.. إهدار 7 ركلات ترجيح في مباراتين أمام حارس مرمى أوفا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-14 00:07:40
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 97%

بعد واقعة افتراس الروسي بالغردقة.. قرش يلتهم ذراع مصرية بسيناء

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-14 00:08:45
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 95%

أوكرانيا: نحتاج إلى طائرات لن تكون أسوأ من "سو 35" الروسية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-14 00:07:30
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 91%

المنتخبات المتأهلة إلى كأس آسيا تحت 23 عاما.. وتفاصيل البطولة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-14 00:07:39
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 94%

العلماء يرصدون "أمرا غريبا" في زلزال "الحوز" في المغرب

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-14 00:08:14
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 87%

الأهلي ينهي مرانه الأول علي ملعب الملك فهد

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-09-14 00:11:17
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 45%

السيناتور رومني منتقدا بايدن وترمب.. "لن اترشح لولاية ثانية"

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-14 00:09:06
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 97%

ليبيا.. إخلاء درنة من السكان وتوقعات قاتمة بوفاة 20 ألفا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-14 00:09:29
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 87%

موديست: كنت مثل الطفل الصغير أمام عرض الأهلي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-09-14 00:11:13
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 42%

موديست: مع الأهلي عليك الاستعداد لهزيمة جميع الفرق

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-09-14 00:11:08
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 40%

بيرو.. عمل جراحي إسعافي ينقذ طفلا ابتلع 8 إبر حقن أثناء لهوه بها

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-14 00:07:29
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 89%

تحميل تطبيق المنصة العربية