عمارة الهند

عودة للموسوعة

عمارة الهند

العمارة الهندية تطورت عبر مختلف العصور في مناطق مختلفة في البلد. Apart from these natural and obvious evolution from the pre-historic and historic periods,evolution of Indian architecture was generally affected by the emergence and decay of great empires and dynasties في شبه القارة.

حضارة وادي السند (2700 ق.م.-1700 ق.م.)

بئر ونظام صرف في لوثال.
A bath and toilet excavated in Lothal.
The entire Kalibangan citadel unexcavated.

لم يبق لنا شيء من العمارة الهندية قبل "أشوكا" فلدينا آثار من اللبِن في "موهنجو- دارو"، لكن أبنية في العهدين الفيدي والبوذي كانت فيما يظهر من الخشب، والأغلب حتى "أشوكا" كان أول من استخدم الحجر لأغراض البناء(64) وإننا لنصادف في أدبهم ما يشير على حتى قد كان لهم أبنية ذات سبعة طوابق (65) كما قد كان لهم قصور فخمة، لكن لم يبق من جميع هذا أثر واحد، ويصف المجسطي قصور الملوك من أسرة "شاندراجوبتا" فيقول إنها أعظم من أي شيء مما عساك حتى تراه في فارس ما عدا "فرسوبولس" (أي مدينة الفرس) التي اتخذت نموذجاً احتذاه هؤلاء الملوك الهنود فيما يظهر(66) ولبث هذا التأثير الفارسي حتى عهر "أشوكا" لأنك تراه ظاهراً في تصميم قصره، إذ تجد هذا القصر مطابقاً "للقاعة ذات الأعمدة المائة" في "فرسوبولس" (67) كما ترى تأثير الفرس أيضاً ظاهراً في عمود "أشوكا" البديع في "لوريا" متوجاً في قمته العليا بتمثال الأسد.

فلما تحول "أشوكا" إلى البوذية، أخذت العمارة الهندية تلقي عن كاهلها هذا التأثير الأجنبي وتستمد روحها ورموزها من الديانة الجديدة، وفترة الانتنطق ظاهرة في رأس عمود كبير، هوجميع ما بقي لنا الآن من عمود آخر يرجع إلى عهد "أشوكا" في "سارنات"(68) فهاهنا نشهد أية بلغت من الكمال حداً يستوقف النظر حتى لقد نطق عنه "سير جون مارشال" إنه يضارع "أي شيء من نوعه في العالم القديم"(69) ، إذا ترى أربعة أسود قوية وقفت ظهراً لظهر حارسة، وهي فارسية خالصة من حيث الصورة والملامح. لكنك ترى أسفل هذه الأسود إفريزاً نحتت فيه بعض الشخوص نحتاً جيداً، من ذلك تمثال لحيوان قريب إلى نفوس الهنود وهوالفيل، ورمز مطبوع بطابعهم وهو"العجلة البوذية التي ترمز للقانون"، ثم ترى تحت الإفريز صورة حجرية لزهرة كبيرة من زهرات اللوتس، أخطأ الباحثون من قبل فظنوها رأس عمود على صورة جرس مما يشير على تأثير الفرس، أما الآن فقد أجمع الرأي على أنها بين رموز الفن الهندي أقدمها وأوسعها انتشاراً وأخصها انطباعاً بالروح الهندية(70) والزهرة قائمة عمودية، وأوراقها منحنية إلى أسفل بحيث يظهر عضوالتأنيث في الزهرة، الذي يحتوي على البذور، وهم يمثلون به رحم العالم، أويصورون به عرش الله، باعتباره من أجمل ما تبديه من الطبيعة من ظواهر؛ وقد انتقلت زهرة اللوتس- أوسوسنة الماء- بما ترمز إليه، مع البوذية، حيث تغلغلت في ثنايا الفن الصيني والياباني، وقد اصطنعوا في عهد "أشوكا" صورة شبيهة بزهرة اللوتس في بناء النوافذ والأبواب، هي التي أصبحت "قوس حدوة الفرس الذي نشاهده في الأبهاء والقباب التي ترجع إلى "أشوكا"، وهوفي بادئ أمره مستمد من تقويس السقوف المصنوعة من القش في منازل البنغال، والتي تشبه "العربة المُغَطَّاة" تلك السقوف التي كانت تسندها نادىئم من قضبان الخيزران المثنى(71).

ولم تخلّف لنا العمارة الدينية في العصور البوذية إلا قليلاً من المعابد المخربة وعدداً كبيراً من "أكمات المقابر" وما يحيطها من "أسوار"، وقد كانت "أكمة المقابر" في الأيام الأولى مكاناً للدفن، ثم أصبحت في عهد البوذية ضريحاً كارياً يضم عادة آثار قديس بوذي؛ وتتخذ "أكمة المقابر" في معظم الأحيان صورة قبة من اللبن المجفف، في رأسها برج مدبب الطرف، وحولها سور حجري منحوت بالشخوص البارزة، ومن أقدم هذه "الأكمات" أكمة في "بهارهوت" غير حتى الشخوص البارزة هناك غليظة الفن إلى درجة تجعلها بدائية الصناعة، وأرقى ما بقي لنا من هذه الأسوار في زُخرُفه هوالسور الموجود في "أمارافاتي"، ففيه ترى مسطحاً مساحته سبعة عشر ألفاً من الأقدام المربعة، تغطيها شخوص صغيرة بارزة، تدل على دقة في الصناعة بلغت من الروعة حداً جعل "فرجسون" يشهد لهذا السور بأنه "على الأرجح أبدع أثر في الهند كلها"؛ وأجمل ما نعهده من "أكمات المقابر" أكمة "سانكي"، وهي واحدة من مجموعة في "بِهِلْسَا" من بلدان "بهوبال"؛ والظاهر حتى البوابات الحجرية تحاكي نماذج خشبية قديمة، وهي التي رسمت الطريق للبوابات التي تراها عند مداخل المعابد في الشرق الأقصى؛ فكل قدم مربعة من الأعمدة أوتيجانها أوالبتر المستعرضة أوالنادىئم، محفورة بما لا يقع تحت الحصر من صور النبات والحيوان وأشخاص الإنسان وصور الأرباب؛ ونرى على عمود من أعمدة البوابة الشرقية نحتاً رقيقاً يمثل رمز البوذية الدائم- وهو"شجرة بوذى" أي المكان الذي أشرقت فيه على صاحب العقيدة أنوار الحقيقة؛ وعلى نفس البوابة كذلك تجد تمثالاً لإلهة على هيئة قوس رشيق، وهي "ياكشي" ولها أطراف وشفاه بدينة وشفاه مليئة وخصر نحيل وثديان ممتلئان.

وبينما كان الموتى من القديسين يرقدون في "الأكمات" كان أحياء الرهبان يحتفرون لأنفسهم في صخور الجبل معابد يعتزلون فيها الدنيا ويعيشون في تراخ وسلام، بمنجاة من عوامل الجوومن لفحة الشمس ووهجها؛ ونستطيع حتى نتبين مدى قوة الحافز الديني في الهند إذا لحظنا أنه قد بقي لنا أكثر من ألف ومائتي معبد من هذه المعابد الكهفية، بقي هذا العدد لنا من عدة ألوف بنيت في القرون الأولى بعد ميلاد المسيح، بعضها للجانتيين والبراهمة، لكن معظمها للجماعات البوذية، وفي معظم الحالات ترى مداخل هذه الأديرة (أوالفهارات كما يسمونها) بوابة ساذجة على هيئة حدوة الفرس أوقوس زهرة اللوتس؛ وأحياناً - كما هي الحال في "ناسيك" -قد يكون المدخل قابلة مزخرفة، قوامها أعمدة قوية ورؤوس حيوان وعَتَبٌّ منحوت نحتاً يحتاج صبراً لا ينفد، وكثيراً ما كانوا يزينون المدخل بأعمدة وأستار حجرية وبوابات غاية في جمال التصوير(74) ، وأما الداخل ففيه "شايتيا" أي قاعة للاجتماع بأعمدة تفصل الوسط عن الجانبين، وعلى كلا الجانبين حجيرات للرهبان، وفي الطرف النائي من الداخل مذبح عليه بعض الآثار القديمة ومن أقدم هذه المعابد الكهفية، وقد يحدث أجملها جميعاً، معبد في "كارل" الواقعة بين "بونا" و"بمباي"، ففي هذا المعبد أنتجت بوذية "هنايانا" أروع آياتها الفنية.

وأما كهوف "أجانتا" ففضلاً عن كونها مخابئ لأعظم الصور البوذية، فهي كذلك تضارع "كارل" في كونها أمثلة لذلك الفن المركب من جانبين: فنصفه عمارة ونصفه نحت، وهوما يميز معابد الهند؛ ففي الكهفين رقم (1) ورقم (2) قاعات فسيحة للاجتماع، سقوفها - المنحوتة والمرسومة بزخارف رصينة لكنها رشيقة - قائمة على عمد منقوشة بخطوط محفورة، مربعة عند أسفلها مستديرة عند قمتها، مزخرفة برسوم من الزهر ومتوجة برؤوس لها فخامتها(75) ويتميز الكهف رقم (19) بقابلة أتقنت زخرفتها بتماثيل بدينة ورسوم بارزة مشتبكة الأجزاء(76) ، وفي الكهف رقم (26) تنهض أعمدة إلى إفريز متوج بتماثيل منحوتة في دقة تفصيلية يستحيل حتى تتم إلا إذا توفرت لها الحماسة الدينية والفنية في آن معاً(77) ؛ فلا تكاد تجد ما يبرر لك حتى تسلب "أجانتا" الحق في حتى تعدَّ واحدة من أعظم ما خلف تاريخ الفن من آثار.

وأفخم المعابد البوذية الأخرى التي لا تزال قائمة في الهند، البرج العظيم في "بوذ - جايا"، وقيمته في أقواسه المصطبغة بصبغة قوطية خالصة، ومع ذلك فتاريخها يرجع - فيما يظهر - إلى القرن الأول الميلادي(78).

وأهم ما تتميز به العمارة البوذية على وجه الجملة هوأنها مفككة، وجلالها في تمثيلها قبل حتىقد يكون في بنائها؛ ويجوز حتى تكون روح التزمت الديني العالقة بها هي التي جعلتها في ظاهرها منفرة للعين عارية عما يجذب النظر؛ وأما الجانتيون فقد توجهوا بعناية أكبر من عناية البوذيين، إلى فن العمارة، وكانت معابدهم خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر أجمل معابد الهند على الإطلاق وهم في بادئ أمرهم لم يخلقوا لأنفسهم نمطاً في العمارة خاصاً بهم، واكتفوا في البداية بمحاكاة الطريقة البوذية (مثال ذلك ما نراه في إكوار) التي تحتقر المعابد في صخور الجبل، ثم بمحاكاة معابد فشنووشيفا، وهي على نمط يتميز بأنه يقوم على مجموعة من الجدر فوق نشز من الأرض؛ هذه المعابد كانت بسيطة الظاهر، لكنها كانت كثيرة التفصيلات غنية الفن من الباطن - ولعلها في ذلك حتى تكون رمزاً موفقاً للحياة المتواضعة، وأخذ الناس يندفعون بروح التقوى فيضيفون إلى هذه المعابد تمثالاً في إثر تمثال مما يخلد أبطال الجانتية، حتى لقد بلغ عددها في "شاترونجايا" - حسب إحصاء فيرجسون - ستة آلاف وأربعمائة وتسعة وأربعين تمثالاً(79).

وأما المعبد الجانتي في "أيهول" فيكادقد يكون إغريقي النمط، بصورته الرباعية الأضلاع، وأعمدته الخارجية، ومدخله، والغرفة الداخلية، أوإذا شئت فقل الحجيرة التي تتوسطه من الداخل(80) ؛ وقد أقام الجانتيون والفشناويون والشيفاريون في "خاجوراهو" ما يقرب من ثمانية وعشرين معبداً قريباً بعضها إلى بعض؛ كأنما أرادوا بها حتى يضربوا مثلاً لروح التسامح الديني في الهند؛ وبين تلك المعابد معبد "بارشوانات"(81) الذي يبلغ درجة الكمال، وهوينهض مخروطاً فوق مخروط حتى يبلغ ارتفاعاً هائلاً، ويؤوي في جدرانه المحفورة مدينة حقيقية من القديسين الجانتيين؛ وقد أقام الجانتيون على جبل "أبو"، وارتفاعه فوق صدر الصحراء أربع آلاف قدم، معابد كثيرة منها اثنان باقيان، هما معبد "فيمالا" ومعبد "تجاه بالا"، يعدان أعظم ما أبدعته هذه الطائفة في مجال الفنون؛ فقبة الضريح "تجاه بالا" من الأمور التي تسقط في نفس الرائي أثراً عميقاً يتضاءل أمامه جميع ما يخط عن الفنون بحيث يصبح تافهاً عاجزاً(82)؛ وأما معبد "فيمالا" المبني كله من المرمر الأبيض فمؤلف من خليط من أعمدة لا يطرد فيها نظام، ترتبط بأقواس أبدعها الخيال العجيب بمصاطب منحوتة نحتاً أميل إلى البساطة، وفوق الأعمدة قبة من المرمر بولغ في حفرها بالتماثيل الكثيرة لكن حفرها بلغ من الرقة حداً يروعك جلاله وأنت تستعرضه؛ ويقول فيه "فيرجسون": "إن النحت قد أتقنت تفصيلاته وأجيدت زخرفته؛ حتى ليجوز لنا حتى نقول إنه ليس في العالم كله ما يفوقه في ذلك؛ إذ النقوش التي زخرف بها المعماريون مُصَلَّى هنري السابع في وستمنستر أوفي أكسفورد، تعتبر غليظة بغيضة إذا قورنت بنقوش ذلك المعبد(83).


فترة ما بعد مها جناباداس (1500 ق.م.—200 م)

The Great Stupa at Sanchi (4th-1st century BC). The dome shaped stupa was used in India as a commemorative monument associated with storing sacred relics.
Grand Anicut dam on river Kaveri (1st-2nd Century AD) is one of the oldest water-regulation structures in the world still in use.

ونستطيع حتى نلحظ في هذه المعابد الجانتية ومعاصراتها ، فترة الانتنطق من صورة الضريح البوذي المستديرة إلى نمط البرج الذي ساد في عصور الهند الوسطى فقاعة الاجتماع المحاطة بأعمدة من الداخل اتىوا بها إلى الخارج حيث تحولت إلى مسار عند المدخل ، ثم تقع الحجيرة خلف هذا المسار ، ويرتفع فوقها البرج المعقد المنحوت في مستويات تقل مساحة حدثا ازدادت ارتفاعاً ، وعلى هذا التصميم بنيت معابد الهندوس في الشمال ، وأسقط مجموعة من هذه المعابد في نفس الرائي ، هي المجموعة المسماة (بهوفانشوارا) في إقليم "أوريسا" ، وأجمل معبد في هذه المجموعة هومعبد "راجاراتي" الذي أقيم للإله "فشنو" في القرن الحادي عشر الميلادي ، وهوتعبير عن برج شامخ يتألف من أعمدة نصف دائرية ملاصق بعضها لبعض ، تغطيها التماثيل وتعلوها طبقات من الحجر تتناقص حجماً حدثا ازددنا معها صعوداً ، وبهذاقد يكون البرج منحنياً إلى الداخل ومنتهياً بتاج دائري كبير ومسلة ؛ وبالقرب منه يقع معبد "لنجاراجا" وهوأكبر من معبد "راجاراني" لكنه لا يبلغ في الجمال مبلغه ، ومع ذلك فكل نقطة من مسطح البناء قد مَرَّت عليها يد النحات بإزميلها ، حتى لقد قدرت تكاليف النحت ثلاثة أمثال تكاليف البناء ذاته. فالهندوسي لم يعبّر عن تقواه بضخامة معابده الجبارة وحدها ، بل أضاف إلى الضخامة تفصيلات فنية احتاجت في إخراجها إلى صبر طويل ، فلم يكن عنده شيء يَضِنُّ به على الإله مهما بلغت نفاسته.

وإنه لمن البغيض إلى النفس حتى نذكر قائمة آيات البناء الهندوسي في الشمال غير التي ذكرناها ، دون حتى نذكر أوصافها التي تتميز بها ، وأن نمثلها بصورها الفوتوغرافية ؛ ومع ذلك فيستحيل على من يسجِّل المدنيَّة الهندية حتى يغض الطرف عن معابد "سوريا" في "كاناراك" و"موزيرا"، وعن برج "جاجانات بوري"، وعن البوابة الجميلة في "فادناجار"والمعبدين الضخمين "ساس- باهو" و"تلى- كار- ماندير" في "جواليور" وقصر "راجا مان سنج" وهي أيضاً في "جواليور" "وبرج النصر" في شيتور ، ولا تستطيع العين حتى تخطئ معابد الشيفاويين في "خاجوراهو"؛ وفي المدينة نفسها ترى القبة الكائنة عند دهليز المدخل في معبد "خانوارماث" ؛ وهي تدل دلالة جديدة على قوة الفتوة السارية في العمارة الهندية ، وعلى ما في النحت الهندي من غزارة تفصيلات وصبر في الصناعة.

القرن الثالث الميلادي — أعلى العصور الوسطى (200 AD—1200 AD)

The temple complex at Khajuraho—adhering to the shikhara temple style architecture—is a UNESCO World Heritage Site.

وعلى الرغم من حتى معبد شيفا في "إلفانتا" لم يبق منه إلا أنقاض ، فهومرشد بأعمدته الضخمة المحفورة ، ورؤوس الأعمدة التي على شكل نبات الفُطْر ، ونقوشه البارزة التي لا يفوقها شيء في بابها ، وتماثيله القوية ، هوبهذا كله مرشد على عصر قويت فيه الروح القومية ، وازدادت المهارة الفنية على نحولا يكاد يعلق منه بالذاكرة شيء. إنه ليستحيل علينا إلى الأبد حتى نقدر الفن الهندي حق قدره ، لأن الجهل والتعصب قد قضيا على أعظم آثاره ، ثم كادت تدمر البقية الباقية منه ؛ ففي "إلفانتا" أثبت البرتغاليون تقواهم بتحطيم التماثيل والنقوش البارزة على نحومن الهمجية لم يعهد حدوداً يقف عندها ؛ وتكاد لا تجد مكاناً في الشمال لم يقوض فيه المسلمون تلك الروائع الباهرة التي يجمع رأي الرواة على أنها كانت أحمل قدراً من آيات العهد الذي تلا عهدها ، مع حتى هذه الأخيرة تثير فينا اليوم شعور العجب والإعجاب؛ لقد أطاح المسلمون برؤوس التماثيل ، ثم حطموها عضواً عضواً، وعدلوا من الأعمدة الرشيقة التي كانت في معابد الجانتيين بحيث تصلح لمساجدهم ، ثم قلدوها إلى حد كبير فيما صنعوه لأنفسهم ؛ لقد تعاون الزمن والتعصب على عملية الهدم ، ذلك لأن الهندوس المتمسكين بأصول عقيدتهم هجروا وأهملوا المعابد التي دنستها أيدي الأجانب حين مسَّتها. لكنه في مقدورنا حتى نحدس كم بلغت العمارة الهندية في الشمال من عظمة مفقودة ، وذلك استدلالاً من الأبنية القوية التي لا تزال قائمة في الجنوب ، حيث الحكم الإسلامي لم يتوغل إلا إلى حد ضئيل ، وحيث أدى إلف المسلمين للأوضاع في الهند إلى الحدِّ من كراهيتهم لأساليب الحياة عند الهندوس ؛ زد على ذلك حتى العصر الزاهر لعمارة المعابد في الجنوب ، اتى في القرنين السادس عشر والسابع عشر ، بعد حتى راض "أكبر" المسلمين وفهمهم بعض الشيء كيف من الممكن أن يقدرون الفن الهندي ؛ فنتج عن ذلك حتى أصبح الجنوب غنياً بمعابده ، التي تسموعادة على قريناتها التي ما زالت قائمة في الشمال ، وتزيد عليها ضخامة وروعة ؛ ولقد أحصى "فيرجسون" نحوثلاثين معبداً "درافيديا" أي كائناً في الجنوب - جميع معبد منها في رأيه لا بد حتىقد يكون قد كلف ما تكلفه كاتدرائية إنجليزية من النفقات ؛ واصطنع الجنوب أنماط الشمال بأن جعلوا أمام الدهليز (ويسمونه ماندا بام) (بوابة واسمها جوبورام) ودعموا الدهليز بأعمدة أسرفوا في كثرتها ، وراح هذا الجنوب يستخدم في غير تحفظ عشرات من الرموز ، من الصليب المعقوف "السواستكتا" ورمز الشمس وعجلة الحياة ، إلى شتى ضروب الحيوان المقدس ؛ فالثعبان رمز لعودة الروح بالتناسخ لما له من قدرة على تبديل جلده ؛ والثور هوالمثل الأعلى المرموق باعتباره رمزاً للقوة التناسلية ، وعضوالذكورة يمثل تفوق "شيفا" في التناسل ، وكثيراً ما كانوا يخلعون صورته على المعبد كله.

ويتألف تصميم البناء في هذه المعابد الجنوبية من ثلاثة عناصر هي:

- البوابة.

- الدهليز ذوالأعمدة.

-البرج (فيمانا) الذي يحتوي على قاعة الاجتماع السياسية أوالحجرة.

ولواستثنينا حالات قليلة مثل قصر "تيرومالاناياك" في "مادورا" وجدنا جميع العمارة في جنوب الهند كهنوتية، ذلك لأن الناس لم يُعنِهم كثيراً حتى يبنوا دوراً فخمة لأنفسهم فتوجهوا بفنهم إلى الكهنة والآلهة؛ ولن نجد مثلاً أوضح من هذا نبين به إلا معابد من الأبنية الكثيرة التي أقامها الملوك الشالوكيون وشعبهم؛ ولا يستطيع حتى يصف التناسق الجميل الذي تراه في ضريح "إتاجي" في حيدر أباد أوالمعبد القائم في "سمناثبور" في إقليم "ميسور"(96) الذي نقشت في صخوره الضخمة الجبارة نقوش رقيقة كأنها الوشى، أومعبد "هويشا ليشوارا" في "هاليبيدا"(97) وهي أيضاً في إقليم وميسور" - أقول لا يستطيع حتى يصف التناسق البديع في هذا كله، سوى هندوسي ورع طلق اللسان؛ ويقول "فيرجسون" عن هذا المعبد الأخير "إنه أحد الأبنية التي يتخذها المدافع عن العمارة الهندية حجة تؤيد دفاعه، ثم يضيف إلى ذلك قوله: إذا في هذا المعبد "ترى الفن في مزج الخطوط الأفقية بالخطوط الرأسية، وترى تصرف الفنان في التخطيط وفي النور والظل، مما يفوق بكثير أي أثر من آثار الفن القوطي؛ فسقط هذا المعبد في نفس الرائي هوبالضبط ما كان يصبوإليه مهندسوالعمارة في القرون الوسطى، لكنهم لم يبلغوا ما كان يصبوإليه مهندسوالعمارة في القرون الوسطى، لكنهم لم يبلغوا منه قط هذه الدرجة من الكمال التي تراها في هاليبيدا"(98).

ولقد عجبنا لهذا الورع الدؤوب الذي في مستطاعه حتى يحفر ألفاً وثمانمائة قدم من إفريز في معبد "هاليبيدا" وأن يصور فيها ألفي فيل، جميع فيل منها يختلف عن جميع ما عداه(99) فماذا نقول في الصبر والشجاعة اللذين استطاعا حتى يضطلعا بحفر معبد بأسره من الحجر الأصم،يا ترى؟ ومع ذلك فقد كان هذا عملاً شائعاً لدى صنّاع الهنود، فقد نحتوا في "ممالابورام" على الساحل الشرقي بالقرب من "مدراس" عدة معابد (مما يسمى بادوجا) أجملها معبد" ذارما- راجا- راذا" معناها دير لأسمى الطوائف الدينية، وفي "إلورا"- وهومكان يحج إليه المتعبدون في حيدر أباد- تنافس البوذيون والجانتيون والهندوس المتمسكون بعقيدتهم الأصلية، في احتقار معابد كبيرة ذات حجر واحد، من صخور الجبال؛ وأفخم هذه المعابد هوالضريح الهندوسي في "كايلاشا"(100) وقد أطلق عليه هذا الاسم نقلاً عن اسم الجنة الأسطورية التي تتبع "شيفا" في جبال الهمالايا؛ فها هنا ترى البناءين قد حفروا في غير كلل مائة قدم في جوف الصخر، ليفرغوا المكان حول الجلمود المطلوب - وكتلته مائتان وخمسون قدماً في الطول ومائة وستون قدماً في العرض - لتحويله إلي معبد، وبعدئذ حفروا الجدران فصيروها أعمدة قوية وتماثيل ونقشاً بارزاً، ثم نقروا جوف الحجر نقراً بالأزاميل حتى أفرغوه، وأسرفوا في زخرفة ذلك الداخل بأعجب ألوان الفنون، وليكن النقش الجداري الثابت الخطوط، والذي يطلق عليه اسم "المحبين"(101) مثلاً لها، وأخيراً عمدوا إلى حفر سلسلة من المُصلَّبات والأديرة عميقة في الصخر على ثلاثة من جوانب المعبد المحفور(102)، كأن ما صنعوه لم يكْف لاستنفاد جميع ما يختلج في صدورهم من رغبة في البناء؛ وفي رأي بعض الهندوس(103) حتى معبد "كايلاشا" يضارع أية آية من آيات الفن في تاريخه كله.

ومع ذلك فقد كان هذا البناء سخرة كما كانت الأهرامات من قبل، ولا بد حتىقد يكون قد كلف طائفة كبيرة من الناس عرقهم ودماءهم، وأما الذي دأب بإرادته على هذه الأبنية دأباً لم يعهد الفتور، فالنقابات العمالية، أوأصحاب السلطان، لأنهم نثروا في جميع إقليم من أنطقيم الهند الجنوبية أضرحة جبارة بلغت من كثرة العدد حداً يسقط الحيرة في نفس الدارس أوالسائح، حتى لينسى الخصائص القروية التي تميز جميع معبد على حدة، إزاء كثرتها وقوتها؛ ففي "باتاداكال" أهدت "الملكة لوكاما هايفي" إحدى زوجات "الملك الشلوكيّ فكراماديتيا الثاني" - أهدت إلى "شيفا" "معبد ثيروباكشا" الذي يعد من أسمى المعابد العظيمة في الهند(104): وفي "تانجور" جنوبي "مدراس" اقتسم "الملك الكوليّ "راجا العظيم" - بعد حتى فتح جنوبي الهند كله وجزيرة سيلان - اقتسم ما ظفر به من غنائم مع الإله "شيفا" بأن أقام له معبداً جليلاً صُمِّمَ بناؤه على أساس حتى يمثل الرمز التناسلي لذلك الإله ؛ وبالقرب من "تريكبنوبولي" إلى الغرب من تانجور - أقام عُبّاد "فشنو" معبد "شِرِى رانجام" على تل عال، أخص خصائصه المميزة "ماندابام" (قاعة ذات أعمدة كثيرة) على هيئة "قاعة من ذوات الألف عمود" وكل عمود منها كتلة واحدة من الجرانيت، حفر بالنقوش المعقدة؛ وكان الصناع الهندوس لا يزالون ماضين في عملهم ليتمموا بناء هذا المعبد، حين اتىت رصاصات الفرنسيين والإنجليز الذين كانوا يقاتلون في سبيل امتلاك الهند ففرقتهم، وانتهى بذلك عملهم(106)؛ وعلى مقربة من ذلك المكان - في مادورا - أقام الشقيقان "موتو" و"تيرومالا ناياك" ضريحاً فسيحاً لشيفا، فيه قاعة أخرى بألف عمود وحوض مقدس، وعشر بوابات، منها أربع ترتفع ارتفاعاً هائلاً، وقد نحتت بعدد كبير متشابك من التماثيل؛ وهذه الأجزاء مجتمعة تؤلف منظراً من أشد المناظر سقطاً في النفس مما عساك حتى تصادفه في الهند؛ ويحق لنا حتى نحكم استدلالاً من هذه النتف الباقية ما كانت عليه العمارة أيام ملوك "فيجاياناجار" من خصوبة فنية واتساع؛ وأخيراً ترى في "رامش فارام" وسط مجموعة الجزائر التي يتكون منها "جسر آدم" الواقع بين الهند وسيلان، أقام براهمة الجنوب خلال خمسة قرون (1200 - 1769 ميلادية) معبداً زُخْرِف محيطه بأروع ما قد تصادفه من أبهاء أومماش - وطول هذا البهوأربعة آلاف قدم من العُمُد المزدوجة، نحتت نحتاً غاية في الجلال وأريد بها في تصميمها حتى تفئ بظل بارد، وأن تمكن من مشاهدة مناظر رائعة للشمس والبحر، لملايين الحجاج الذين يلتمسون سبلهم إليها من مدن بعيدة حتى يومنا هذا لكي يتقدموا بآمالهم وآلامهم خُشَّعاً أمام آلهة لا تعبأ مما لهم من آمال وآلام.


العصور الوسطى المتأخرة (1100 AD—1526 AD)

Ornate lintel over mantapa entrance, Belur temple.

2- العمارة في "المستعمرات"

سيلان - جاوه - كمبوديا - الخمارسة - ديانتهم - أنكور - سقوط الخمارسة - سيام - بورما

على حتى الفن الهندي قد صحب الديانة الهندية في عبورها للمضايق والحدود، حتى بلغا معاً سيلان وجاوه وكمبوديا وسيام وبورما والتبت وحوتان وهجرستان ومنغوليا والصين وكوريا واليابان؛ ففي آسيا تخرج الطرق كلها من الهند"(107) فقد استقرت جماعات هندوسية اتىت من وادي الكنج، في جزيرة سيلان في القرن الخامس قبل المسيح؛ وبعد ذلك التاريخ بمائتي عام أوفد أشوكا بابنه وابنته ليحولا أهل تلك الجزيرة إلى البوذية، وعلى الرغم من حتى هذه الجزيرة الغاصَّة بسكانها اضطرت إلى مقاومة الغزوات "التامِليّة" خمسة عشر قرناً، فقد استطاعت حتى تحتفظ بثقافة خصبة حتى اتى البريطانيون واستولوا عليها سنة 1815. بدأ الفن السنغالي بما يسمى "داجوبات" - والداجوبا ضريح قديم ذوقبة يشبه "أكمة المدافن" عند بوذيي الشمال، ثم تطورت "الداجوبات" حتى أصبحت معابد عظيمة تميز بآثارها العاصمة القديمة "أنوراذابورا" وقد كان مما أنتجه ذلك الفن عدد من تماثيل بوذا تعدّ بين أجمل التماثيل البوذية(108) كما ابتكر "تشكيلة" كبيرة من التحف الفنية، ثم بلغ ختامه مؤقتاً حين أقام آخر ملك عظيم حكم سيلان - وهوالملك "شِرِى راجا سِنْغا" - "معبد السِّنْ" في "كاندي"؛ وكان من أثر فقدان البلاد استقلالها حتى دب الانحلال في الطبقات العليا، فاختفت من سيلان تلك الرعاية وذلك الذوق اللذان لا بد منهما ليكونا حافزين وضابطين للفنان في عمله (109).

والعجيب حتى أعظم المعابد البوذية - وقد يزعم بعض الباحثين أنه أعظم المعابد إطلاقاً في العالم كله(110) - ليس في الهند بل تراه في جاوه؛ ففي القرن الثامن فتحت أسرة "شايلندرا" السومطرية جزيرة جاوه، وأقامت فيها البوذية ديانة رسمية، وأعدت المال اللازم لبناء المعبد الضخم في "بوروبودور" (ومعناها بوذون كثيرون)(111)، والمعبد في ذاته معتدل الحجم غريب التصميم فهوتعبير عن " أكمة للمدافن" صغيرة يعلوها ما يشبه القبة، وتحيط بها اثنتان وسبعون أكيمة رصت حولها في دوائر متحدة المراكز ؛ ولوكان هذا جميع شيء لما كانت "بوروبودور" شيئاً مذكوراً؛ أما ما يخلع الجلال على البناء فقاعدته التي تبلغ مساحتها أربعمائة قدم مربعة، فهي مصطبة عظيمة تتألف من سبع درجات تتدرج صغراً حدثا علوت معها، وفي جميع درجة منها أركان للتماثيل، حتى لقط عَنّ لمن قاموا بنحت التماثيل في "بوروبودور" حتى يقيموا تمثال بوذا في هذا الركن أوذاك أربعمائة وستاً وثلاثين مرة، ولم يكْفِهم جميع هذا، فنحتوا في جوانب الدّرَج ثلاثة أميال من النقوش البارزة يصورون بها ما ترويه الأساطير عن مولد صاحب القصيدة ونشأته وإشراق الحقيقة عليه، وأظهروا في جميع ذلك مهارة جعلت هذه النقوش البارزة من أبدع مثيلاتها في آسيا(112)؛ وبلغت العمارة الجاوية أوجها في هذا الضريح البوذي الجبار، والمعابد البرهمية المجاورة في "برامبانام"، ثم انحدرت بعدئذ انحداراً سريعاً، فقد كانت جزيرة جاوه حيناً من الدهر قوة بحرية فارتفعت إلى الثروة والترف، ورعت في ظلها كثيراً من الشعراء؛ لكن ما اتىت سنة 1479 حتى أخذ المسلمون يعمرون هذا الفردوس الاستوائي، ومنذ ذلك الحين لم تنتج فناً ذا خطر، ثم وثب فيها الهولنديون سنة 1595، وجعلوا يستولون عليها إقليماً بعد إقليم مدى القرن التالي لذلك التاريخ، حتى بسطوا عليها سلطانهم كاملاً.

ولا يفوق معبد "بوروبودور" إلا معبد هندوسي واحد، وهوأيضاً ليس في الهند، ولوحتى هذا المعبد قد طمسته الغابة البعيدة التي اكتنفته بأشجارها مدى قرون عدة، حتى اتى مستكشف فرنسي سنة 1858، وهويشق لنفسه الطريق خلال الجزء الأعلى من وادي نهر ميكونج، وعندئذ سقط بصره خلال الأشجار والغصون، على منظر بدا له معجزة من المعجزات، إذ رأى معبداً ضخماً يبلغ في تصميم بنائه حداً من الجلال لا يكاد يصدقه العقل؛ رآه قائماً وسط الغابة، تلتف حوله: وتكاد تخفيه أغصان الشجر وأوراقه، وشهد في ذلك اليوم معابد كثيرة كان بعضها قد غطته الأشجار عملا أوشَقَّته نصفين؛ فالظاهر حتى هذا المستكشف قد وصل في أخر لحظة يمكن فيها حتى يحول دون فوز الأشجار الملتفة على هذه الآيات التي أبدعتها يد الإنسان، ولم يؤمن أحد بصدق ما رواه هذا الرحالة "هنري موهو" حتى مضى إلى المكان غيره من الأوربيين وأيدوا روايته؛ وبعدئذ هبطت بعثة فهمية على ذلك المكان الذي قد كان يوماً صومعة مسكونة، وقامت مدرسة بأسرها في باريس، هي "مدرسة الشرق الأقصى" كرست نفسها لرسم هذا البناء المستكشف ودراسته؛ هذا هو"أنجوروات" الذي يعد اليوم أعجوبة من أعاجيب العالم.

كان يسكن الهند الصينية، أوكمبوديا، في نهاية التاريخ المسيحي، قوم أغلبهم من الصينيين، ومنهم فريق من أهل التبت، وكان هؤلاء السكان في جملتهم يسمون بالخمارسة (أوالخمبوجيين)؛ فلما زار "تشيو- نا - خوان" - وكان يسفر لقبلاي خان - عاصمة "خامر" واسمها "انكورثوم"، عثر حكومة قوية تحكم أمة جمعت ثراءها من أرزها وعرقها، ويقول "تشيو" إذا ملكهم كانت له خمس زوجات "إحداهن خاصة، والأربع الأخريات يقابلن الجهات الرئيسية الأربع" كما كان له نحوأربعة آلاف محظية يحددن أوضاع إبرة البوصلة على تفصيل أدق(114)؛ وكانت البلاد تزخر بمضىها وحليها، والبحيرة مليئة بزائريق النزهة، وشوارع العاصمة غاصة بالعربات والهوادج ذات الستائر، والفيلة المطهمة، وكان سكانها يقربون من المليون، ومستشفياتهم كانت ملحقة بمعابدهم، ولكل منها جماعتها الخاصة من مسقمات وأطباء(115).

ولئن كان السكان صينيين، فقد كانت ثقافتهم هندية، تقوم دياناتهم على أساس بدائي هوعبادة الثعبان "ناجا" الذي ترى رأسه المروحية أينما وجهت النظر في الفن الكمبودي، وبعدئذ ولج آلهة الهندوسيين الكبار، الذين يكوّنون الثالوث الهندي وهم براهما: وفشنو، وشيفا, دخلوا تلك البلاد عن طريق بورما؛ وفي الوقت نفسه تقريباً اتى بوذا وارتبط عندهم بفشنووشيفا، وأصبح إلهاً مقرباً عند الخمارسة، وتنبئنا النقوش عن الكميات الهائلة من الأرز والزبد والزيوت النادرة التي كان يقدمها الشعب جميع يوم إلى القائمين بخدمة الآلهة(116).

وفي أواخر القرن التاسع, أهدى الخمارسة إلى الإله شيفا أقدم ما بقي لنا من معابدهم - معبد بايون - وهوالآن خراب منفر تكسوه إلى نصفه أنواع من النبات الذي يمسك بجذوره في الجدران فلا يزول عنها، وأما أحجاره التي وضعت بغير ملاط، فقد تباعدت في غضون الألف عام التي انقضت، حتى نتج عن تباعدها مَطٌّ في وجوه براهما وشيفا، على نحوجعلها تبدومكشِّرة عن أنيابها في ابتسامة صفراء لا تليق بالآلهة، ومن تمثيل هذين الإلهين تكاد تتكوّن الأبراج كلها، وبعد ذلك بثلاثة قرون استخدم العبيد ومن اتى بهم الملوك من أسرى الحرب في بناء "أبحوروات"(117) وهي آية فنية تضارع أجمل الآثار المعمارية عند المصريين أواليونان أوبناء الكاتدرائيات في أوربا، ويحيط بهذا المعبد فندق كبير طوله اثنا عشر ميلاً، ويَعْبُرُ الخندق جسرٌ مرصوف تحرسه ثعابين الناجا المخيفة نحتت من الحجر، وبعدئذ يجيء جدار مزخرف يحيط بالمعبد، تتلوه أبهاء فسيحة على جدرانها نقوش بارزة تقص من حديث حكايات "الماهابهاراتا" و"رامايانا" ثم بعدئذ يجيء البناء نفسه بما له من جلال، ينهض على رقعة فسيحة، درجة فوق درجة كأنه هرم مدرج، حتى يصل إلى حرم الإله الذي يرتفع مائتي قدم؛ وضخامة الحجم في هذا المعبد لا تقلل من روعة الجمال، بل تتعاون الضخامة مع الجمال فيتكون منهما جلال يروع النفس، ويهز عقل المشاهِد الغربّي هزّاً حتى يتبين في غموض ذلك المجد القديم الذي ظفرت به المدنية الشرقية يوماً؛ فقد يستطيع المشاهد حتى يرى بعين الخيال تلك العاصمة وقد زخرت بساكنيها، وحشد العبيد وهم ينحتون ثنطق الأحجار ويجرونها ويحملونها، وطوائف الصناع وهم ينقشون النقوش البارزة وينحتون التماثيل في أناة كأنما يستحيل حتى يفلت الزمن من أيديهم قبل حتى يفرغوا من عملهم؛ وجماعة الكهنة وهم يخدعون الناس ويُسرّون عن نفوسهم و"زانيات المعبد" (وما زلن مرسومات على الجرانيت) وهن يغوين الناس ويسرِّين عن نفوس الكهنة؛ وهل الطبقة العالية وهم يبنون القصور شبيهة ببناء "فنيان آكا" بما له من "شرفة شرفية" فسيحة؛ ثم يرتفع فوق هؤلاء جميعاً، بمجهود الناس جميعاً، الملوك القساة الأقوياء.

كان الملوك بحاجة إلى كثرة من العبيد، فلم يجدوا بداً من إثارة الحروب الكثيرة، وكان النصر حليفهم غالباً، حتى اقترب القرن الثالث عشر من ختامه - وكان ذلك "في منتصف الطريق" من حياة دانتي - هزمت جيوش سيام هؤلاء الخمارسة، ونهبوا مدنهم، وهجروا معابدهم المتألقة وقصورهم الأنيقة خراباً بلقعاً؛ وترى اليوم قلة من الزائرين يتخللون الأحجار التي تخلخل بنيانها، ويشاهدون كيف من الممكن أن دأبت الأشجار في صبر لا ينفد على الضرب بجذورها، أوالنفاذ بغصونها في ثنايا الصخور، تنزعها بعضها عن بعض شيئاً فشيئاً، لأن الأحجار ليس فيها ما في الشجر من رغبة تعمل على تحقيقها فتنمو، ويحدثنا "تشيو- تا - خوان" عن الخط الكثيرة التي خطها الناس في "أنكور" لكنه لم يبق لنا من هذه المؤلفات صفحة واحدة؛ لأنهم صنعوا ما نصنعه نحن الآن، وهوأنهم خطوا أفكاراً سريعة الزوال على نسيج سريع الفناء، ومات جميع ما قد ظنوا به الخلود؛ إذا النقوش البارزة الرائعة تصور الرجال والنساء وقد لبسوا غلالات وشباكاً ليتقوا البعوض والزواحف الثعبانية الملمس، أما الرجال والنساء فقد انحدروا إلى فناء، لا يخلدون إلا على الصخور وأما البعوض والضَّباب فما تزال باقية.

وعلى مقربة من تلك البلاد تقع سيام التي أخذ شعبها - ونصفه من التبت ونصفه الأخر من الصين - بطرد الخمارسة الفاتحين شيئاً فشيئاً وارتقى بمدينة قائمة على أساس من الديانة الهندية والفن الهندي، وبعد حتى تغلبت سيام على "كمبوديا" بنى أهلها لأنفسهم عاصمة جديدة، هي "أيوذيا" على نفس المسقط الذي كانت تقوم عليه مدينة الخمارسة القديمة؛ ومن هذا المركز وسعوا من نطاق نفوذهم حتى إذا ما دنا التاريخ من عام 1600، كانت إمبراطوريتهم تضم جنوبي بورما وكمبوديا وشبه جزيرة الملايو؛ ووصلت تجارتهم إلى الصين شرقاً وإلى أوربا غرباً، وقام فنانوهم بزخرفة المخطوطات، والرسم على الخشب بدهان "اللُّكْ" وإحراق الخزف على نحوما يعمل الصينيون، والوشي على القماش الحريري الجميل، وكانوا أحياناً ينحتون تماثيل من الطراز الأول ؛ ودار التاريخ دورته التي لا يصدر فيها عن هوى، وإذا بأهل بورما يستولون على "أيوذيا" ويخربونها بكل ما فيها من فنون؛ فابتنى السياميون في عاصمتهم الجديدة "بنكوك" معبداً عظيماً، فيه إسراف في الزخرفة، لكنه على جميع حال إسراف لا يخفي جمال تصميمه إخفاء تاماً.

كان أهل بورما من أعظم من شهدت آسيا من بناة للعمارة؛ فقد اتىوا هابطين على هذه الحقول الخصبة من منغوليا والتبت، فسقطوا تحت تأثير الهنود، وأخذوا منذ القرن الخامس ينتجون الفنون في كثرة غزيرة على الطرز البوذية والفشناوية والشيفاوية، فينحتون التماثيل على غرار هذه الأنماط، ويقيمون "أكمات المدافن" التي بلغوا بها ذروتهم في معبد "أناندا" العظيم - وهوأحد المعابد في عاصمتهم القديمة "باجان" التي بلغ عدد معابدها خمسة آلاف؛ لكن "باجان" هذه سقطت فريسة لقبلاي خان فسلبها سلباً، ولبثت الحكومة البورمية مدى خمسمائة عام تنتقل من عاصمة إلى عاصمة؛ فكانت "مندلاي" حيناً من الدهر هي المركز الزاهر للحياة في بورما، ومستقر رجال الفن الذين أنتجوا الآيات الروائع في نواح كثيرة؛ من الوشي وصياغة الحلي إلى بناء القصر الملكي الذي نهض دليلاً على مدى استطاعتهم الفنية في المادة الهزيلة التي كانت تحت أيديهم، وهي الخشب(119)؛ واتى الإنجليز إذ ساءهم ما عومل به مبشّروهم وتجارهم، فضموا بورما إلى أملاكهم سنة 1886، ونقلوا العاصمة إلى "رانجون"، وهي مدينة تقع في متناول البحرية الإمبراطورية، لتؤدبها إذا سقط فيها شيء من العصيان؛ فشيد البورميون في "رانجون" ضريحاً يعدّ من أبدع ما لديهم من أضرحة، وهو"شوي داجون" المشهور، ذلك المعبد المضىي الذي يحج إلى قمته الملايين في إثر الملايين من بوذيي بورما جميع عام، ولم لا،يا ترى؟ أليس يشتمل هذا المعبد على الشعرات نفسها التي كانت تغطي "شاكيا موني"؟


العمارة الإسلامية في الهند

In the August 1604 CE the construction of the Harmandir Sahib—the holiest shrine of the Sikh religion—was completed.
Qutub Minar a prominent example of Islamic architecture in India.

الطراز الأفغاني - الطراز المغولي - دلهي - أجرا - تاج محل


شهد الحكم المغولي آخر مراحل النصر التي بلغتها العمارة الهندية؛ إذ برهن أتباع محمد على أنهم أساتذة في فن البناء حيثما حلوا بقوة سلاحهم - غرناطة، والقاهرة، وأورشليم, وبغداد؛ فقد كان المنتظر من هؤلاء الرجال الأشداء، بعد حتى يوطدوا ملكهم في الهند على أركان ثابتة، حتى يقيموا على هذه الأرض التي فتحوها مساجد في تأنق مسجد عمر في بيت المقدس، وفي ضخامة مسجد السلطان حسن في القاهرة، وفي رشاقة قصر الحمراء؛ نعم إذا الأسرة المالكة "الأفغانية" استخدمت رجال الفن الهنود، واقتبست أسس الفن الهندوسي بل نقلت العمد من معابد الهنود وعدلت فيها بما يجعلها ملائمة لأغراضهم في العمارة، بحيث لم يكن كثير من المساجد سوى معابد هندية أعيد بناؤها لصلاة المسلمين(119)؛ لكن هذه المحاكاة الطبيعية سرعان ما تحولت إلى طراز يمثل النزعة الإسلامية تمثيلاً يبلغ من الدقة حداً يثير فيك العجب حتى ترى "تاج محل" في الهند، ولا تراه في فارس أوشمالي إفريقيا أوإسبانيا.

والبناء الذي يمثل فترة التطور هو"منار قطب" ؛ وهوجزء من مسجد بدئ في بنائه في دلهي القديمة بأمر من "قطب الدين أيبك" تخليداً لذكرى فوزات هذا السلطان السفاك للدماء على الهنود، ولقد انتزعت أجزاء سبعة وعشرين معبداً هندياً لتتخذ مادة لبناء هذا المسجد ومنارته(120) ؛ وها قد صمدت المنارة العظيمة لعوامل الجوسبعة قرون - ويبلغ ارتفاعها مائتين وخمسين قدماً، وهي مبنية من الحجر الرملي الأحمر الجميل، والنسب بين أجزائها هي غاية الكمال، ويتوجها المرمر الأبيض في طبقاتها العليا - هاهي ذي بعد سبعة قرون من عمل عوامل الجو، لا تزال آية من آيات الهند في دقة الصناعة وروعة الفن؛ وعلى وجه الجملة كان سلاطين دلهي في شغل بالقتل بحيث لم يبق لهم من وقتهم فراغ طويل ينفقونه في فن العمارة؛ وأكثر الأبنية التي خلفوها لنا مقابر أنشأوها لأنفسهم في حياتهم تذكرهم بأنهم - رغم سلطانهم - ذائقوا الموت كسائر الناس؛ وخير مثال لهذه المقابر، مقبرة "شير شاه" في "ساسيرام" من بلدان "بهِار"(121) فبناؤها شامخ صلب متين، وهويمثل آخر مراحل الفن الإسلامي القوي قبل حتى تدب فيه الطراوة حين أصبحت العمارة حليّاً من الحجر على أيدي ملوك المغول.

واتى "أكبر" بما له من قدرة على الحياد في مشاعره بحيث يختار من جميع ثقافة ما يراه صالحاً، فشج الميل السائد نحودمج الطرز الإسلامية والهندوسية، وقد تضافرت الأساليب الهندية والفارسية في الآيات الفنية التي شيدها له فنانوه، تضافراً جعل بينها اتساقاً رائعاً، يرمز إلى الامتزاج الضعيف بين عقائد الهندوس وعقائد المسلمين، كما أراد لها "أكبر" حتى تمتزج، في الديانة التي ركبها هجريباً من عناصر اختار بعضها من هذه وبعضها الآخر من تلك؛ وأول أثر فني بقي لنا من حكمه، هوالقبر الذي شيده قريباً من دلهي لأبيه "هميون"، وفيه يتمثل طراز من الفن خاص به - هوسهل التخطيط، معتدل الزخارف، لكنه مع ذلك ينبئ برشاقة بنائه عما ستنتهي إليه الطريق في أبنية "شاه جهان" التي تفوقه جمالاً؛ وفي "فتح بورسِكْري" أقام له فنانوه مدينة امتزجت فيها قوة المغول الأوائل كلها برقة الأباطرة المتأخرين فهناك سُلّم يؤدي صعوداً إلى بوابة رائعة بنيت من الحجر الرملي الأحمر، وخلال قوسها الفخم يدخل الداخل إلى قاعة ملئت بآيات الفن الروائع، والبناء الأساسي تعبير عن مسجد، لكن أجمل أجزاء البناء ثلاث مقصورات أعدت لزوجات الإمبراطور المقربات إليه، والقبر المرمري الذي دفن فيه صديقه "سليم شِستي" الحكيم؛ فها هنا بدأ رجال الفن في الهند يُظهرون تلك المهارة في وشي الحجر التي بلغت ذروتها في الستار الموجود في "تاج محل". ولم يسهم "جهان كير" في تاريخ العمارة عند شعبه إلا بقسط ضئيل، أما ابنه "شاه جهان" فقد كاد يجعل من اسمه اسماً يضارع اسم "أكبر" في سطوعه لميله الشديد نحوالبناء الجميل؛ فأخذ ينثر ماله نثراً بغير حساب على رجال الفن عنده، على نحوما نثر "جهان كير" ماله بغير حساب على زوجاته؛ وقد خلق ما صنعه ملوك أوربا الشمالية، في استنادىئه لرجال الفن الإيطاليين الذين فاضوا عن حاجة بلادهم، وجعلهم يعلَّمون رجال النحت في بلاده كيف من الممكن أن يطعمون المرمر بفسيفساء من الأحجار الكريمة، ذلك الفن الذي أصبح أحد مميزات الزخرفة الهندية في عصره؛ ولم يكن "جهان" مسرفاً في تدينه، ومع ذلك فمسجدان من أجمل مساجد الهند بُنيا في ظل رعايته، وهما مسجد الجمعة في "دلهي" ومسجد اللؤلؤة في "أجرا".

وبنى "جهان" في "دلهي" وفي "أجرا" "حصونا" - وهي مجموعات من القصور الملكية يحيط بها حائط يحميها؛ فقد دفعته الكراهية الشديدة حتى يحطم في دلهي القصور القرمزية التي كانت "لأكبر" وأحل محلها أبنية تراها - في أسوأ جوانبها - ضرباً من المرمر المزخرف كأنه بتر من الحلوى، لكنها - من أحسن جوانبها - أصفى جمال بلغته العمارة في أراتى الأرض جميعاً؛ فها هي ذي "قاعة الاجتماعات العامة" بأسفل حيطانها وقد زخرفت بفسيفساء من الزهر على أرضية من المرمر الأسود، وأسقفها وعمدها وأقواسها المنحوتة في وشي حجري له جمال الشيء النحيل الهزيل، لكنه جمال يعز على التصديق، وهاهنا أيضاً "قاعة الاجتماعات الخاصة" التي خلق سقفها من الفضة والمضى وأعمدتها من مُخَرَّم المرمر، وأقواسها على هيئة نصف الدائرة مدبباً في وسطه، يتألف من أنصاف دوائر صغرى يتخذ جميع منها صورة الزهرة، وعرشها المسمى "عرش الطاووس" الذي بات أسطورة يتحدث بها العالم أجمعين، وجداره الذي لا يزال يحمل في تطعيم بالحجر النفيس، بيت الشاعر المسلم المليئة ألفاظه بروح الزهو، ومعناه حتى لوكان على الأرض فردوس فهي هاهنا.

ونعود فنستجمع في أذهاننا صورة خافتة "لكنوز الهند" في أيام المغول، حين نسمع أعظم مؤرخي فن العمارة يصف لنا مقر الملك في دلهي، فيقول إنه يشغل مساحة ضعف ما تشغله "الأسكوريال" الفسيحة بالقرب من مدريد، ولقد كان ذلك القصر في زمانه ذاك، وبالقياس إلى أضرابه "أفخم قصر في الشرق، بل من الممكن كان أجمل قصر في العالم كله" .

وحصن "أجرا" اليوم أنقاض ، وكل ما في وسعنا حتى نحزر على سبيل التخمين ما كان عليه بادئ أمره من جلال؛ فهنا وسط الحدائق الكثيرة كان مسجد اللؤلؤة ومسجد الجوهرة وقاعتا الاجتماعات العامة والخاصة وقصر العرش وحمامات الملك وقاعة المرايا وقصور "جهان كير" و"شاه جهان" وقصر الياسمينة لـ "نور جهان" وبرج الياسمينة الذي كان يطل منه "شاه جهان" وهوأسير، يطل منه عَبر "الجمنة" على القبر الذي كان ابتناه لزوجته الحبيبة "ممتاز محل".

ويعهد العالم كله ذلك القبر باسم تلك الزوجة المختصر وهو"تاج محل" وما أكثر مهندسي العمارة الذين يضعون هذا البناء في منزلة تجعله أكمل بناء قائم على وجه الأرض في يومنا هذا؛ وقد وضع تصميمه ثلاثة من رجال الفنون: فارسيّ يدعى "أستاذ عيسى"، وإيطالي يدعى "جيرونيموفيرونيو" وفرنسي يسمى "أوستن دي بوردو"؛ ولم يُسْهم في فكرته هندي واحد، فهوبناء لا هندوسي من أوله إلى آخره، وهوإسلامي خالص؛ حتى مهرة الصناع جيء ببعضهم من بغداد والآستانة وغيرهما من مراكز المِلَّة الإسلامية(124).

وقد لبث اثنان وعشرون ألفاً من العمال اثنين وعشرين عاماً مسخّرين في بناء "التاج"، وعلى الرغم من حتى المرمر اتى إلى "شاه جهان" هدية من "مهراجا جايبور" فقد كلَّف البناء وما حوله ما يساوي اليوم مائتين وثلاثين مليوناً من الريالات الأمريكية - وهوفي ذلك العهد مبلغ ضخم من المال والمدخل إلى البناء ملائم للغرض منه ملاءمة لا يضارعها إلا مدخل "القديس بطرس"؛ فإذا ما ولج الداخل خلال سور عالٍ ذي أبراج صغيرة على قمته، التقى بغتة "بالتاج" - وهوقائم على مصطبة من المرمر، يحيط به على الجانبين إطار من المساجد الجميلة والمآذن الشامخة، وفي الجانب الأمامي حدائق فسيحة في وسطها بركة ينعكس القصر على مائها فيكون سحراً يرتعش مع رعشة الموج؛ وكل جزء من البناء مصنوع من المرمر الأبيض والمعادن النفيسة أوالأحجار الكريمة؛ وللبناء اثنا عشر ضلعاً، في أربعة منها بوابات، وعند جميع ركن من أركانه مئذنة نحيلة، والسقف قوامه قبة ضخمة ذات برج مُدَبَّب؛ والمدخل الرئيسي الذي كانت تحرسه فيما مضى أبواب من الفضة الخالصة، متاهةٌ للخيال بما فيه من وشي مرمري؛ ونقشت على الجدران آيات من القرآن، خطت بكريم الجواهر، منها آية تدعو"المتقين" حتى يدخلوا "جنة الفردوس" وأما الداخل فبسيط، وربما تعاون اللصوص من أهل البلاد ومن الأوربيين على السواء، على سلب الجواهر التي كانت تزين القبر في كثرة مسرفة، والسور المضىي المغطى بطبقة من الأحجار الكريمة الذي كان أول الأمر يحيط بالتابوتين الحجريين اللذين كان يرقد فيهما "جهان" وملكته؛ فوضع "أورنجزيب" مكان السور المضىي ستاراً ثُمانيَّ الأضلاع من مرمر يكاد يشف عما وراءه، والستار منقوش بزخرفة رقيقة من "الرخام ذي العروق" نقشاً هومن المعجزات؛ حتى ليبدولبعض الزائرين حتى جمال هذا الستار لم يفُقْه جمال في جميع ما أنتجه الإنسان من آثار فنية صغيرة.

وليس هذا البناء أفخم الأبنية، ولكنه أجملها جميعاً؛ فإذا ما بعدت عنه قليلاً بحيث تخفى عليك تفصيلاته الرقيقة، لم يبهرك بعظمته، لكنك تحس له في نفسك نشوة؛ ولا ينكشف لك كماله الذي لا يتناسب مع حجمه إلا إذا دنوت منه ونظرت إليه عن كثب، إننا إذ نرى في عصرنا هذا الذي يتميز بالسرعة، أبنية ضخمة من ذوات الطوابق المائة يكمل بناؤها في عام أوعامين، ثم نتذكر حتى اثنين وعشرين ألفاً من العمال ظلوا يكدّون اثنين وعشرين عاماً في إقامة هذا القبر الصغير الذي لا يكاد يبلغ ارتفاعه مائة قدم، فإننا نحسّ عندئذ بعض الإحساس، الفرق بين الصناعة والفن؛ فربما كانت قوة العزيمة الكامنة في تصور إقامة بناء مثل "تاج محل" أعظم وأعمق من قوة العزيمة التي نصف بها أمجد الفاتحين؛ ولوكان الزمن بصيراً بما يعمل، لأبى على جميع شيء قبل حتى ينال من "التاج" ليبقيه شاهداً على سموالنفس الإنسانية سمواً تمازجه الشوائب، لعل هذا السموفيهاقد يكون عزاء لآخر من تشهد الأرض من بني الإنسان.


4- العمارة الهندية والمدنية

انهيار الفن الهندي - الموازنة بين العمارة الهندوسية والعمارة الإسلامية - نظرة عامة إلى المدنية الهندية


على الرغم من الستار الذي تم على يدي "أورنجزيب" فقد كان هذا الرجل عثرة نكداء في حظ المغول والفن الهندي، إذ حفزه التعصب الديني الضيق الأفق إلى حتى ينصرف بكل نفسه إلى ديانة بعينها لا يسمح بغيرها إلى جانبها، ولذا فلم تر عيناه إلا وثنية وغروراً؛ وكان "شاه جهان" من قبل قد حرم إقامة المعابد الهندوسية(127)؛ ولم يكتف "أورنجزيب" باستمرار ذلك التحريم بل أضاف إلى ذلك شحاً في إعانة العمارة الإسلامية، حتى تضاءلت هي الأخرى تحت سلطانه؛ فلما مات، تبعه الفن الهندي إلى قبره فثوى معه.

إذا ما تأملنا العمارة الهندية باستعراضنا إياها استعراضاً موجزاً يعيد لنا سابق مراحلها، ألفيناها تنطوي على موضوعين، أحدهما فيه صلابة الرجولة والآخر فيه طراوة الأنوثة، أحدهما هندوسي والآخر إسلامي، وحول هذين المحورين تدور العمارة على اختلاف وجوهها كأنها السمفونية المتنوعة النغمات؛ ولما كانت أشهر السمفونيات تبدأ بضربات قوية كضربات المطرقة تثير الانتباه اليقظ في الأسماع، ثم سرعان ما يتلوها سيل متدفق من نغمات تبلغ من الرقة حدها الأقصى، كذلك ترى في العمارة الهندية بداية مهيبة تجلت فيها العبقرية الهندسية، وهي آثار "بوذ- جايا" و"بهوفانشوارا" و"مادورا" و"تانجور" ثم يتبعها الطراز المغولي بما فيه من رشاقة ونغم، كالآثار التي في "فتح بورسِكْري" و"دلهي" و"أجرا"، ويظل هذان المحوران يمتزجان في اشتباك مخلوط حتى النهاية؛ لقد قيل عن المغول إنهم شيدوا كما تُشَيِّد العمالقة، ثم ختموا بناءهم بصناعة الصائغين الرقيقة، لكن هذا القول أصح انطباقاً على العمارة الهندية بصفة عامة؛ ذلك لأن الهندوس بنوا كما تبني العمالقة، ثم اتى المغول فختموا المطاف برقة الصائغين؛ فالعمارة الهندوسية تستوقف انتباهنا بضخامتها، والعمارة الإسلامية تستوقف أنظارنا بتفصيلاتها؛ فللأولى جلال القوة، وللثانية كمال الجمال؛ كان للهندوس عاطفة وخصوبة، وللمسلمين ذوق وكبح لجماح نفوسهم، ملأ الهندوسيُّ مبانيه بكثرة زاخرة من التماثيل حتى ليتردد الإنسان أيضع تلك المباني في باب العمارة أم في باب النحت، وكره المسلم تشخيص الأجسام، فحصر نفسه في الزخرفة الزهرية والهندسية، الهندوس هم للهند بمثابة رجال الفن في العصور الوسطى، الذين جمعوا في أنفسهم فني النحت والعمارة، والمسلمون بمثابة الدخيلين في عالم الفن الذين اتىوا في عصر النهضة فأفاضوا؛ وعلى وجه الجملة، كان الطراز الهندوسي أحمل سماكاً بمقدار ما يسموالجلال على الجمال، وإذا ما عاودنا التفكير في الموازنة بين الفنين، بعد حتى يزول عن أنفسنا سقط النظرة الأولى، تبين لنا حتى "حصن دلهي" و"تاج محل" بالقياس إلى "أنكور" و"بوروبودور" هما كالقصائد الوجدانية الجميلة بالقياس إلى المسرحيات العميقة- مثل بترارك بالقياس إلى دانتى، أوكيتس بالقياس إلى شكسبير، أوسافوبالقياس إلى سوفوكليز، أحد الفنين تعبير رشيق من وجهة نظر جزئية عن نفوس أفراد جادت حظوظهم، وأما الآخر فتعبير قوي تام عن روح جنس بأسره.

ومن ثم وجب علينا حتى نختم هذا العرض الموجز بما بدأناه به، وهوالاعتراف بأنه لا يستطيع حتى يقدر فن الهند جميع قدره، أوحتى يخط عنه كتابة تعفوعن نقائصه، إلا هندوسي؛ فهذا الفن المقرب إلى نفوسهم، الذي تملؤه الزخرفة إلى حد الإسراف؛ وتشتبك أجزاؤه إلى حد التعقيد، قد يظهر لعين الأوربي الذي نشأ على قواعد يونانية أرستقراطية من الاعتدال والبساطة، قريباً من الفن البدائي الهمجي؛ لكن هذه الحدثة الأخيرة هي نفسها الصفة التي استخدمها "جوته" صاحب النزعة الكلاسيكية، حين ازورت نفسه عن كاتدرائية ستراسبورج، والطراز القوطي؛ فهي تعبر عن رد العمل العقلي للوجدان، والتدليل المنطقي للدين؛ لا يستطيع حتى يشعر بجلال المعابد الهندوسية إلا هندوسي مؤمن، لأن هذه المعابد لم تشيد لتكون صورة معبرة عن الجمال وكفى، بل شيدت لتكون حافزاً على التقوى، وأساساً للإيمان، ولا يستطيع أحد منا حتى يفهم الهند إلا أهل عصورنا الوسطى- أمثال "جيوتو" و"دانتي".

على هذا الأساس وحده ينبغي حتى ننظر إلى المدنية الهندية- أعني على أساس أنها تعبير عن نفوس شعب "وسيط" اعتبر الديانة أعمق من الفهم، ويكفيها لتكون أعمق منه، حتى سلم منذ البداية بالجهل البشري الذي لازم الإنسان منذ الأزل، وبغرور الإنسان قدرته؛ في هذه التقوى يكمن ضعف الهندوسي وتكمن قوته على السواء: فيه تكمن خرافته ووداعته، ويكمن ميله إلى الانطواء على نفسه ونفاذ بصيرته؛ ويكمن تأخره وعمقه، ويكمن ضعفه في القتال وبراعته في الفنون؛ ولا شك حتى مناخ بلاده قد أثر في عقيدته الدينية وتعاون كلاهما على إضعافه؛ ولهذا استسلم في يأس المؤمن ببطش القضاء، للآريين والهون والمسلمين والأوربيين، ولقد عاقبه التاريخ على إهماله للفهم؛ فلما أخذت مدافع "كلايف" المتفوقة على أسلحتهم، تطيح بالجيش الأهلي في معركة بلاسي (1757) كان في قصفها إعلانٌ بالثورة الصناعية، وسنشهد في عصرنا تلك الثورة، وقد أصابت نجاحاً في الهند كما وُفِّقَتْ في تسجيل إرادتها وفرض طابعها على إنجلترا وأمريكا وألمانيا وروسيا واليابان، فسيكون للهند كذلك رأسماليتها واشتراكيتها، وسيكون فيها أصحاب الملايين وسكان الخرائب الوبيئة؛ لقد أُسدل ستار على المدنية الهندية القديمة، إذ أخذت تلفظ أنفاسها الأخيرة حين اتىها البريطانيون.


العصر الاستعماري (1500 AD—1947 AD)

The Chepauk Palace at Chennai, once the residence of the Nawab of Arcot



British Colonial Era: 1615 to 1947

French: 1673 to 1954

Dutch: 1605 to 1825

Portuguese: 1498 to 1961

جمهورية الهند (1947م —الحاضر)


List of eminent Indian Architects:

Laurie Baker,

Charles Correa,

B V Doshi,

Achute Kanvinde,

Raj Rewal,

Bhinchesh jabadiwala,

Piloo Modi,

Kastur Srkikanth,

Mithoo Chakraborty

Kamlesh Hastmaithun

Joseph Alain Stein

Madhav Raman

Amritha Ballal

Christopher Charles Benninger

معرض

Architecture of India in detail

  • Western Chalukya architecture
  • Badami Chalukya architecture
  • Hoysala architecture
  • Vijayanagara architecture
  • Dravidian architecture
  • Architecture of Karnataka
  • Hindu temple architecture
  • Hoysala architecture
  • Badami cave temples
  • Temples of North Karnataka
  • Indian vernacular architecture
  • Rajasthani architecture
  • Hemadpanthi
  • Jainism in North Karnataka
  • List of Indian architects
  • Kalinga Architecture
  • Architecture of Kerala

Notes

  1. ^ Singh & Yadava, 508
  2. ^ http://www.odissi.com/orissa/jagannath.htm

الهامش

  • Vastu-Silpa Kosha, Encyclopedia of Hindu Temple architecture and Vastu/S.K.Ramachandara Rao, Delhi, Devine Books, (Lala Murari Lal Chharia Oriental series) ISBN.978-93-81218-51-8 (Set)
  • Chandra, Pramod (2008), South Asian arts, Encyclopædia Britannica.
  • Foekema, Gerard (1996), A Complete Guide to Hoysaḷa Temples, Abhinav Publications, ISBN 81-7017-345-0.
  • Gast, Klaus-Peter (2007), Modern Traditions: Contemporary Architecture in India, Birkhäuser, ISBN 978-3-7643-7754-0.
  • Lach, Donald F. (1993), Asia in the Making of Europe (vol. 2), University of Chicago Press, ISBN 0-226-46730-9.
  • Livingston, Morna & Beach, Milo (2002), Steps to Water: The Ancient Stepwells of India, Princeton Architectural Press, ISBN 1-56898-324-7.
  • Moffett, Marion; Fazio, Michael W.; Wodehouse Lawrence (2003), A World History of Architecture, McGraw-Hill Professional, ISBN 0-07-141751-6.
  • Piercey, W. Douglas & Scarborough, Harold (2008), hospital, Encyclopædia Britannica.
  • Possehl, Gregory L. (1996), "Mehrgarh", Oxford Companion to Archaeology edited by Brian Fagan, Oxford University Press.
  • Rodda & Ubertini (2004), The Basis of Civilization-Water Science?, International Association of Hydrological Science, ISBN 1-901502-57-0.
  • Savage, George (2008), interior design, Encyclopædia Britannica.
  • Sinopoli, Carla M. (2003), The Political Economy of Craft Production: Crafting Empire in South India, C. 1350-1650, Cambridge University Press, ISBN 0-521-82613-6.
  • Sinopoli, Carla M. (2003), "Echoes of Empire: Vijayanagara and Historical Memory, Vijayanagara as Historical Memory", Archaeologies of memory edited by Ruth M. Van Dyke & Susan E. Alcock, Blackwell Publishing, ISBN 0-631-23585-X.
  • Singh, Vijay P. & Yadava, R. N. (2003), Water Resources System Operation: Proceedings of the International Conference on Water and Environment, Allied Publishers, ISBN 81-7764-548-X.
  • Teresi, Dick (2002), Lost Discoveries: The Ancient Roots of Modern Science—from the Babylonians to the Maya, Simon & Schuster, ISBN 0-684-83718-8.

وصلات خارجية

  • .
  • .
تاريخ النشر: 2020-06-04 13:30:53
التصنيفات: صفحات بها أخطاء في البرنامج النصي, Commons category link is locally defined, Indian architecture

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

وقوع 6 تفجيرات في تايلاند وتدمير منشآت حيوية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 11:43:29
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 66%

بدء الترشيح لبرنامج ممرض الرعاية المزمنة بالمدينة المنورة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 11:43:36
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 65%

بعد تحريات أمن مراكش.. اعتقال متورطة ضمن عصابة ابتزاز قطري جنسيا

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 12:10:51
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 44%

مصرع تسعة أشخاص جراء حريق شمال شرق الصين

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 12:10:50
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 36%

عكس الاعتقاد السائد..هذا ما يحدثه “الفشار” في جسمك

المصدر: زاكورة بريس - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 12:10:34
مستوى الصحة: 13% الأهمية: 20%

خاليلوزيتش يوجه رسالة للجمهور المغربي

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 12:10:48
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 35%

بريطانيا تسجل أعلى درجة حرارة في أول يوم من السنة الجديدة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 12:10:47
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 37%

حريق في أحد مباني برلمان جنوب إفريقيا في مدينة الكاب

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 12:14:44
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 86%

نشوب حريق في مقر برلمان جنوب أفريقيا بمدينة كيب تاون

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 12:14:39
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 98%

تسجيل أدنى حصيلة لإصابات كورونا في روسيا منذ سبتمبر الماضي

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 11:43:26
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 63%

قناة السويس تسجل أرقاما قياسية في 2021

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 12:14:52
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 88%

الألغام تعرقل العمل الإنساني في شمال غرب إفريقيا الوسطى

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 12:14:45
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 93%

المغرب يشرع في تشغيل جميع قطارات ‘البراق’ بالطاقة النظيفة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 12:10:45
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 37%

"تعطل الإنترنت" قبل مظاهرة مزمعة ضد النخبة العسكرية في السودان

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 12:14:23
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 85%

كأس أمم إفريقيا: السنغال تتفهم نادي واتفورد ب"منع" سار من المشاركة

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 12:14:43
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 91%

حزب الله يتحدث عن تحركات سليماني ما بين سوريا ولبنان والعراق

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 12:14:57
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 95%

تحميل تطبيق المنصة العربية