يزيد بن مزيد الشيباني

يزيد بن مزيد بن زائدة بن عبد الله ابن مطر بن شريك بن خالد الشيباني (توفي 185هـ/801م)، وهوابن أخي معن بن زائدة. كان أحد الأمراء المشهورين، والشجعان المذكورين، وكان عمّه معن يقدّمه على أولاده، فعاتبته امرأته في ذلك ونطقت له: «لِمَ تقدِّم يزيد ابن أخيك،يا ترى؟ وتؤخِّر بنيك،يا ترى؟ ولوقدّمتهم لتقدّموا، ولوحملتهم لارتفعوا».

فنطق لها: «سأريك ما تبسطين به عذري»، يا غلام؛ امضى فادع حسّاناً وزائدة وعبدالله وفلاناً وفلاناً. حتى أتى على جميع ولده، فلم يلبثوا حتى جاؤوا في الغلال المطيّبة، فسلموا وجلسوا، ثم نطق: يا غلام ادع يزيد. فلم يلبث حتى ولج عجلاً وعليه سلاحه، فوضع رمحه بباب المجلس ثم دخل.

فنطق معن: «ما هذه الهيئة يا ابن أخي؟»

نطق: «اتىني رسول الأمير فسبق إلى وهمي أنه يريدني لمهمّ، فلبست سلاحي وقلت إذا كان الأمر كذلك مضيت ولم أعرج، وإن كان غير ذلك فنزع هذه الآلة عني أيسر شيء».

فنطق معن للجميع: «انصرفوا في حفظ الله».

فلما خرجوا نطقت له زوجته: «قد تبين لي عذرك».

ولما خرج في خلافة الرشيد الوليد بن طريف الشيباني، وحشد جموعاً كثيرة أوفد إليه الرشيد يزيد بن مزيد الشيباني، فجعل يحايله ويماكره، وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد، فأغروا به الرشيد، ونطقوا له إنه يراعيه لأجل الرحم، وإلا فشوكة الوليد يسيرة، وهويواعده وينتظر ماقد يكون من أمره، فوجّه إليه الرشيد كتاباً يقول فيه: «لووجّهت بأحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به، ولكنك مداهن متعصّب، وأمير المؤمنين يقسم بالله، لئن أخّرت مناجزة الوليد ليبعثنّ إليك من يحمل رأسك إليه».

فلقي الوليد عشيّة خميس في شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومئة، وينطق جهد يزيد عطشاً حتى رمى بخاتمه في فيه وجعل يلوكه ويقول: «اللهم إنها شدّة شديدة فاسترها» ونطق لأصحابه: «فداكم أبي وأمي، إنما هي الخوارج ولهم حملة فاثبتوا، فإنهم إذا انهزموا لم يرجعوا».

فكان كما نطق، إذ حين بدأت المعركة حمل أصحاب الوليد عليهم حملة شديدة، فثبت يزيد ومن معه، ودارت رحى معركة قاسية، ثم نادى يزيدُ الوليدَ، ونطق: «يا وليد، ما حاجتك إلى التستّر بالرجال،يا ترى؟ ابرز إليَّ».

فبرز الوليد وهويرتجز:

أنا الوليد بن طريف الشاري قسورة لا يصطلى بناري

جوركم أخرجني من داري وتقدّم من يزيد وهويضيف:

ستفهم يا يزيد إذا التقينا بشطّ الزاب إيّ فتىقد يكون

ووقف العسكران ينظران وينتظران نتيجة اللقاء بينهما، فتطاردا ساعة فأمكنت يزيد فيه الفرصة فضرب رجله فسقط، فاحتزوا رأسه.

ولما قُتل الوليد بن طريف لبست أخته الفارعة الشيبانية عدّة الحرب، وحملت على جيش يزيد، فنطق دعوها، ثم خرج فضرب بالرمح فرسها ونطق لها: إغربي، غضب الله عليك، فقد فضحت العشيرة، فانصرفت، وكانت تقول الشعر فرثت الوليد بأشعار سارت في الناس، ومن شعرها القصيدة التي تقول فيها:

فيا شجر الخابور ما لك مورقاً كأنك لم تجزع على ابن طريف

فتى لا يحب الزاد إلا من التقى ولا المال إلا من قنا وسـيوف

ولما انصرف يزيد بن مزيد إلى الرشيد قدّمه وحمل مرتبته، وكان فيما وليه أيام الرشيد إمارة اليمن، وأخبار شجاعته وكرمه كثيرة، ومنها، نطق يزيد ابن مزيد: «أوفد إليَّ الرشيد يوماً في وقت لا يرسل فيه إلى مثلي، فأتيته لابساً سلاحي، مستعداً لأمرٍ إذا رآه، فلما رآني ضحك ونطق، من القائل:

تراه في الأمن في درعٍ مضاعفة لا يأمن الدهر حتى يُدْعَى على عجل

فقلت: لا أعهده يا أمير المؤمنين.

فنطق: سوءة لك من سيد قوم يُمْدَحُ بمثل هذا الشعر ولا يعهد قائله، وقد بلغ أمير المؤمنين فرواه ووصل قائله.

ويروى أنه ولج على الرشيد يوماً، فنطق له الرشيد: يا يزيد، من الذي يقول فيك:

لا يعبق الطيب كفيه ومفرقه ولا يُمَسِّحُ عينيه من الكحل

قد عوّد الطير عادات وثقن بها فهنَّ يتبعنه في جميع مرتحل

فنطق: لا أدري يا أمير المؤمنين.

فنطق: أفينطق فيك مثل هذا الشعر، ولا تدري قائله!.

توفي يزيد بن مزيد الشيباني في برذعة من بلاد أذربيجان، ورثاه شعراء كثيرون.