دستور الهند

عودة للموسوعة

دستور الهند

The original text of the Preamble, before the 42nd Amendment) of the Constitution

ليس من السهل حتى تضع دستوراً لقارة بكاملها، أودستوراً قادراً على حكم أكثر من مليار ومائتي مليون إنسان في جمهوريّة مثل جمهوريّة الهند. لكن الهنود عملوها منذ بدء تطبيقهم لأطول وأكثر الدساتير ديمقراطيّة في العالم بتاريخ 26 يناير 1950، بعد استقلالهم عن التاج البريطاني يوم 15 أغسطس 1947. هذا الاستقلال أيضاً اتى كبراءة اختراع هنديّة؛ حيث استطاع الهنود الحصول عليه بالسلام؛ أوالسلميّة، وليس بالعنف؛ من خلال نضال أفكار إنسان مثل المهاتما غاندي. من أجل فهم الطريقة المركبة لهذا الدستور، مع الحفاظ على لمعان حجر الديمقراطيّة الكريم، لا بدّ حتى نفهم الحالة المركّبة لكلّ ما هنديّ، بدءاً من التاريخ والحضارة، مروراً بقبائل البشر وقبائل اللغات، وانتهاء بالروح الهنديّة الحيّة.

لم يكن الهاجس هومجرّد الحصول على الاستقلال الوطنيّ، بل كيف من الممكن أن ستستمرّ “الأمّة الهنديّة” في الحياة والنهوض، ومن ثمّة منافسة كلّ العالم، وليس بريطانيا وحدها كمحتلّ، وفي كلّ شيء.

وهذا السؤال بالضبط ما أرّق الزعيم غاندي، خلال سنوات ثورته، وزملاءه، في حزب المؤتمر الشعبيّ وحزب اليسار، وبقيّة الأحزاب، والذين اشتغلوا ما يقارب الخمس سنوات في الجمعيّة التأسيسيّة، كي ترى الأمة الهنديّة النور، وليس الدستور الهنديّ النور فحسب.


لا ديانة رسمية للبلاد

ظهر في الهند أربع من أبرز الديانات الوضعيّة في العالم، وهي الهندوسيّة والبوذيّة، التي تراجع نفوذها وانتشارها في الهند إلى خارجها، والجاينيّة والسيخيّة. وقد بقيت الهندوسيّة هي الديانة “السائدة” في الهند، فهي تشكّل (80.5 بالمئة) من سكانها. بينما بقية نسب الديانات الأخرى هي على هذال النحو: الإسلام 13.4 بالمئة، المسيحيّة 2.3 بالمئة، السيخ 1.8 بالمئة، البوذيّة 0.76 بالمئة، الجاينيّة 0.40 بالمئة. إضافة إلى أقليّات دينيّة أخرى، وهم اليهود والزرادشتيّون والقاديانون والبهائيون.

ورغم حتى أكثر من ثمانين بالمئة من السكان يدينون بالهندوسيّة، إلا حتى الدستور الهنديّ لا ينصّ على وجود ديانة رسميّة للبلاد، وهذا يعني اعترافه بجميع الأديان، وجعلها على قدم المساواة.


الاعتراف الدستوريّ بثلاث وعشرين لغة

تاريخيّاً تعتبر اللغتان السنسكريتيّة والتاميليّة هما اللغتان “الأصليّتان” للهند، لأنّهما ظهرتا على الأرض الهنديّة. ولكن للّغة تاريخ سحيق وكبير في بلد أسطوريّ مثل الهند؛ فهي تعتبر موطناً لاثنين من العائلات اللغويّة الرئيسيّة وهما الهندو– آريّة والدرافيديّة (نسبة إلى درافيدا)، وقد ظهرت هاتان العائلتان بالتمازج بين عدّة عائلات من اللغات.

أما عدد اللهجات المحلية في الهند فهو(652) لهجة، يعود 74 بالمئة منها إلى عائلة الهندو- آريّة و25 بالمئة إلى عائلة الدرافيديّة و1 بالمئة إلى عائلتي آسسترو- آسيويّة وتبتيّة البرمانيّة. واستناداً إلى هذه الاختلافات في الأصول اللغويّة، فإنّ اللغات الهنديّة تختلف فيها كلّ لغة جوهريّاً عن الأخرى.

في الوقت الذي تعتبر اللغتان الهنديّة والإنكليزيّة هما الرسميّتان في مراسلات الحكومة الاتحاديّة، فإنّ الدستور الهنديّ يعترف بـ 23 لغة تستخدم محليَاً في الولايات الهنديّة.


بهارات ومنبوذون

اشتقّ اسم الهند من “إندوس″، وهي مشتقة من الحدثة الفارسيّة القديمة “الهندوس″، المشتقة بدورها من “سيندو” السنسكريتيّة، وهي التسمية التاريخيّة المحليّة لنهر “إندوس″.

وظلّت الهند مشهورة بالزراعة، التي كانت تشكل عمود الاقتصاد قبل حتى تنخفض مساهمتها حاليّاً إلى 25 بالمئة تقريباً، وخاصة البهارات، وهي التسمية التي كان يحلوللمحليّين إطلاقها على بلدهم، ولكن ليس بسبب تجارتهم للبهارات، بل نسبة إلى الملك الأسطوريّ “بهرات” في الأساطير الهندوسيّة. فالدستور الهنديّ سيعترف بهذا اللقب للبلاد عندما يُعرّف الدولة الهنديّة.

الحدث الأكبر أوالفظاعات الكبرى حدثت قبل الميلاد بنحوألف عام؛ عندما غزا الأريون بلاد الهند، ويعني اسمهم النبلاء أوالبيض باللغة السنسكريتيّة لتمييزهم عن السود أي السكان الأصلييّن للهند، فقد كان لهذا الغزوتأثير إنسانيّ سلبيّ، تواصل لآلاف الأعوام؛ وهوتقسيم المجتمع الهنديّ إلى طبقات يصعب هدم الجدران العالية والسميكة بينها، كونها بنيت من اسمنت وحديد ونار الدين. فقد تمّ التقسيم إلى أربع طبقات هي: البراهمة، وهي أعلى طبقة، وتضم الكهنة ورجال الدين الذين خلقوا من رأس كبير الآلهة براهما أومن فمه. ثمّ طبقة كاشاتريا وتضم الفرسان وقادة الجيش والأشراف، وهم خلقوا من يدي الإله. ثمّ طبقة الفايشا وتضم التجار والمزارعين وأصحاب المهن، وهؤلاء خلقوا من فخذي الإله براهما. وأخيراً طبقة الشودرا وهم المنبوذون أصحاب ومتوارثوالمهن الحقيرة، وهؤلاء هم السود الذين خلقوا من قدم الإله.

هنا بالضبط نعثر على إله التمييز العنصري الذي كفرت به كلّ البشريّة وأديانها في تطوّرها الحقوقيّ والإنسانيّ، إلا أنّه ظلّ محافظاً على نوازعه الشرّيرة؛ وذلك بجعل كلّ طبقة من هذه الطبقات مجتمعاً منفصلاً عن باقي المجتمعات، أوالطبقات، بكلّ معنى الحدثة.

حيث طبقت سياسة الفصل العنصريّ، والنبذ والكراهية، في أعلى مستوياتها. وكان على طبقة المنبوذين، المحرومة من أبسط حقوق المواطنة، ويبلغ تعدادهم حالياً ما يفوق المائتي مليون نسمة، حتى تدفع ثمناً باهظاً من دم أبنائها عاماً، وعقداً وقرناً، بعد آخر. إلى حتى اتىت ثورة المهاتما، الروح العظيمة بالسنسكريتيّة، غاندي، موهنداس كرمشاند غاندي (1869 – 1948)، الذي قاد حركات احتجاجيّة ضد الاستبداد والظلم الاجتماعيّ وضد المستعمر البريطانيّ، حتى نجحت ثورته بالاستقلال. وغاندي نفسه أعرب “صياماً حتى الموت” في سبتمبر من عام 1932، احتجاجاً على مشروع قانون يكرّس التمييز في الانتخابات ضد المنبوذين الهنود، الذين كان يطلق عليهم وصف “أبناء الله”، ممّا دفع بالزعماء السياسييّن والدينييّن، بعد مضي حوالي 21 ساعة من بدء صيامه، إلى الرضوخ لأفكاره الديمقراطيّة وإلغاء ذلك المشروع، وزيادة مقاعد “المنبوذين” في البرلمان.

أضخم دستور

كان لا بدّ لواضعي الدستور الهنديّ حتى يتحلوا بتلك الأفكار الاستشرافيّة لاستقرار دولتهم وازدهارها، من خلال البنية الديمقراطيّة وأعمدة الحق والمواطنة والقانون والقضاء على النبذ. فجعلوه دستوراً جامعاً للولايات الـ28، والأنطقيم الاتحاديّة السبعة، وليس مفرّقاً لها. حيث اتى في ديباجة الدستور وجوب تحقيق أربعة أهداف لكلّ الهنود، وهي المساواة والحرّية وإنهاء الكراهية وبدء عهد حديث من الإخاء، مشكّلاً بذلك شكل الدولة المستقلة بأن تتكون جمهوريّة فهمانيّة ديمقراطيّة اشتراكيّة مختارة لنفسها النظام البرلماني الفيدراليّ. حيث تخلّص الهنود من إمكانيّة ظهور ديكتاتوريّات لديهم، قد بحاجة لثورات دمويّة لإسقاطها، كما يحصل في ربيع عالمنا العربيّ منذ سنوات، فأعطوا لرئيس البلاد صفة شرفيّة فحسب، ولمدة رئاسيّة واحدة هي خمس سنوات، معطين للحكومة أغلب الصلاحيّات. وبمعنى آخر، احتفظت الهند بأفضل إرث من المستعمر البريطانيّ؛ من خلال النظام السياسيّ البرلمانيّ، “ويستمنستر”، وتشكيل واستقلال القضاء وحرية الإعلام ونظام التعليم والجيش…

وفي الوقت الذي يخضع هذا الدستور للتعديل المستمر، مما يعطيه وصف الدستور الحيّ، بإضافات ديمقراطيّة جديدة، فإنّه جنّد الكثير من المحاكم ومؤسسات المجتمع المدني، وكذلك البرلمان ورئيس الجمهوريّة، للدفاع عن الدستور ومصداقية تطبيقه. وذلك خلافاً للكثير من الأنظمة الديكتاتوريّة التي تضع دساتير ديمقراطيّة على الورق، ثمّ تسهر أجهزتها على خرقه وتعطيله ومنع تطبيقه!!. يتألف الدستور الهنديّ من 21 باباً قابلاً للزيادة أوالنقصان بشكل دائم. والحقوق الأساسيّة تأتي في الباب الثالث، حيث تنقسم الحقوق الأساسيّة إلى ثلاثة فروع:

1 - الحق في المساواة ويضم: المساواة أمام القانون (المادة 14)، حظر التمييز على أساس الدين أوالعنصر أوالطبقة أوالجنس أومحل الميلاد (م 15)، تكافؤ الفرص في شؤون العمالة العامة (م 16)، إلغاء النبذ (م 17)، إلغاء الألقاب (م 18).

2 - الحق في الحرية ويضم: حماية الحقوق الخاصة بحريّة الكلام (م 19)، الحماية القانونية (م 20)، حماية الحياة والحرية الشخصيّة (م 21)، الحماية من الاعتنطق والاحتجاز في حالات معينة (م 22).

3 - حق الحماية من الاستغلال ويضم: حظر الاتجار بالبشر والسخرة (م 23)، حظر عمل الأطفال في المصانع (م 24)، الحق في حرّية الديانة (م25).

من الواضح حتى هذا الدستور اتى متجاوباً مع العهود والمواثيق الدوليّة الخاصة بشرعة حقوق الإنسان، ومن جانب آخر ألغى جميع أشكال التمييز العنصري والنبذ. ورغم حتى النبذ لم يُلغ نهائيّاً لعوائق دينية، إلا حتى الأمور تجري في طريقها السليم؛ من خلال نشر ثقافة الديمقراطية، والإسراع في مجالات التنمية للتغلب على وحشية الأمية والفقر، حيث استطاعت الدولة، مثلاً، حتى تخفّض نسبة الأميّة من 66 بالمئة إلى 27 بالمئة خلال ربع قرن. وفرضت الدولة على نفسها إقراراً دستوريّاً؛ من خلال الفقرة الأولى من المادة (38) على أنه: “تسعى الدولة جاهدة إلى النهوض برفاه المواطنين عن طريق كفالة وجود نظام اجتماعي وحمايته، تهتدي فيه جميع مؤسسات الحياة الوطنية بالعدل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بفاعليّة”.

النهوض الاجتماعي والاستهلاكي والصناعيّ سيعصف بالهند لتصبح ثاني أكبر دولة في صناعة البرمجيّات، حيث استفادت من أعرق كليّات الرياضيات لديها، إضافة إلى الماس والبترول والسينما… ووصلت إلى صناعة ماكينات التصوير الإلكترونيّة، والتي تستخدمها في خدمة دستورها الديمقراطيّ في نضاله للتغلّب على مشكلات الأمّية والفقر والزيادة السكانيّة، وكذلك في مراقبة العمليّات الانتخابيّة، حيث تعتبر الهند أكبر دولة ديمقراطيّة في العالم من حيث عدد الناخبين. كما حتى معدل النموالاقتصاديّ وصل إلىثمانية بالمئة، بينما معدل نموالاقتصاد البريطاني، مثلاً، لنفس العام كان أقل من نصف بالمئة. وتعتبر الهند رابع قوّة شرائيّة في العالم، وبهذا المعنى فإنّ الهنود ذاهبون لاستعمار العالم بكل هدوء وديمقراطيّة.


انظر أيضاً

  • فهم الاقتصاد الدستوري
  • Constitutionalism
  • تاريخ الديمقراطية
  • List of national constitutions
  • ماگنا كارتا
  • Rule according to higher law
  • Uniform civil code of India

الهامش

المصادر

  • عارف حمزة (2014-03-02). "الدستور الهندي والثقافة الديمقراطية". صحيفة العرب اللندنية.

وصلات خارجية

  • Original Unamended version of the Constitution of India
  • Ministry of Law and Justice of India – The Constitution of India Page
  • Constitution of India as of 29 July 2008
  • Constitutional predilections
  • Commonwealth Legal Information Institute – Online Copy
تاريخ النشر: 2020-06-04 13:46:43
التصنيفات: Portal templates with redlinked portals, Indian federal legislation, 1949 في القانون, دستور الهند, Indian historical documents, الهند المستقلة, World Digital Library related

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بث مباشر.. كلمة الرئيس السيسي بمناسبة الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-23 12:21:01
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 50%

امرأة تدخل الإسعاف لإخراج صرصور من أذنها !

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-23 12:20:49
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 69%

كلب روسي مزود برشاش يثير الرعب على الانترنت .. (فيديو)

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-23 12:20:50
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 61%

هل استخدم الفراعنة العطور؟ .. وهل تعطّرت كليوباترا بـ"شانيل رقم 5" !

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-23 12:20:46
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 58%

الأردن: 6 أشهر سجن و13 الف دينار غرامة لمعالج شعبي تسبب ببتر أصابع مريض سكري

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-23 12:20:48
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 51%

ولى عهد الكويت يهنئ الرئيس السيسى بذكرى ثورة 23 يوليو

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-23 12:21:03
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 65%

دبا الفجيرة يلاعب كاظمة الكويتي وديا في صربيا

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-23 12:20:47
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 59%

تبرئة شاب بريطاني شارك في سرقة علكة بقيمة 30 ألف جنيه إسترليني !

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-23 12:20:51
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

رئيس الدولة ونائبه يهنئان الرئيس المصري بذكرى ثورة 23 يوليو المجيدة

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-23 12:20:52
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 54%

الرئيس السيسي: علاقة الجيش والشعب فريدة من نوعها عبر عقود طويلة

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-23 12:20:53
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 60%

إصدار 4313 ترخيصاً لمؤسسات مهنية في عجمان خلال عام

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-23 12:20:52
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 53%

تحميل تطبيق المنصة العربية