العشاق (رواية)

عودة للموسوعة

العشاق (رواية)

العشاق
المؤلف رشاد أبوشاور
البلد فلسطين
اللغة عربية
الناشر مؤسسة العربية للدراسات والنشر
الإصدار 1973

العشاق، (1973) هي رواية شهيرة للمحرر الفلسطيني رشاد أبوشاور. وهي ضمن أفضل مائة رواية عربية.

أحداث الرواية

ملف:Eloushaa.pdf
لقراءة الرواية، اضغط على الصورة

رواية " العشّاق" لرشاد أبوشاور في طبعتها السادسة (2004) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، تؤكد من حديث حيوية القضية الفلسطينية وكونها، أي القضية، ليست مسألة عابرة إنّما تبحث في ثنايا هذا العالم عن إحقاق العدل وتثبيت الحقوق المشروعة لشعب شُرّد بصورة وحشية لم يشهد مثلها التاريخ البشري من قبل.

والرواية في مختصرها تنقل صورة التشرد الفلسطيني منذ العام 1948 حتى مطلع السبعينات، خاصة تلك الصورة القاتمة للغاية التي أعقبت نكسة أونكبة 1967 وما حل بفلسطينيي المخيمات من مصائب وكوارث. وأبوشاور لم يتمحور فقط في الأحداث المتعلقة بالفترة التاريخية المشار إليها سابقا فحسب، بل إنه سعى في صفحات كثيرة من روايته إلى تثبيت التاريخ العريق والقديم للفلسطينيين في ارض آبائهم وأجدادهم.

وإذا كان أبوشاور قد اختار مدينة أريحا وضواحيها مركزًا أساسيا ورئيسيا لأحداث روايته، فإن هذا الاختيار اتى ليؤكد مدى ارتباط الفلسطيني بأرضه وعلاقته غير المنقسمة مع تاريخه وماضيه. فأريحا وما تمثله من عراقة في التاريخ والدور الإنساني الذي لعبته لم تتفرغ كليّا من سكانها، أوبالأحرى لم تتحول إلى مدينة فارغة من أهلها، بل إذا أهلها بقوا فيها على مدى قرون طويلة متناقلين تراثها بكافة مركباته.

وبالرغم من العواصف العاتية التي لحقت بهذه المدينة عبر المسيرة التاريخية الخاصة بها وبسكانها، إلا أنها ما زالت صامدة في وجه العتاة الظالمين. وهذا ما عكسته هذه الرواية في طرحها هجمات يشوع بن نون وورثته في عصر الظلام الحالي.

وبكون مسيرة تاريخ الفلسطيني غير مفروشة بالورود إنما بالأشواك والأشواق في الوقت ذاته، فإن الحب والعشق لا يبرحان أحداث هذه الرواية. كيف من الممكن أن لا، فالفلسطيني الذي أحب، وما زال، أرضه وجبالها ووديانها وأنهارها ومدنها... ، يعهد كيف من الممكن أن يحب أخيه الإنسان ويحترمه ويقدره. فالحب الصافي والنقي والحقيقي يواكب أحداث الرواية بين محمود وندى اللذين يخططان مستقبلهما رغم جميع الصعاب والمتاعب. فقرار الفلسطيني حتى الحياة ستستمر، وهوأي الفلسطيني المجبول بالصلابة والقوة والعنفوان يعهد كيف من الممكن أن يحب وكيف يتحول حبه هذا إلى تضحية حقيقية ملموسة على ارض الواقع.

ولا يفوت ابوشاور في روايته هذه، وهوالمعروف عنه مواقفه الثابتة والصريحة من توجيه الانتقاد السياسي اللاذع للأنظمة العربية كافة حول تعاملها مع الفلسطينيين عبر التاريخ الخاص بالقضية، إصراره على حتى الفلسطيني قادر لوحده على إدارة قضيته وتوجيهها نحوالوجهة السليمة والسليمة ليحقق حلمه في إقامة دولة فلسطينية حقيقية غير مقطوعة ومشلولة.

سأحاول في دراستي هذه التطرق إلى بعض الجوانب التاريخية المطروحة في رواية "العُشّاق" بهدف فهم وإدراك كيفية نجاح ابوشاور في تجنيد الحدث التاريخي لتثبيت الحدث أولاً ثم لاستخدامه في بناء الرواية. ومجددًا لست بصدد دراسة الملامح الروائية أوالفنية في هذه الرواية، إنما ما تحويه من أحداث تاريخية جُندّت على مسار تقدم الرواية.

  • ) ذاكرة المكان وحيوية الحدث

يُكثر أبوشاور من استخدام أسماء المواقع التاريخية والجغرافية في روايته هذه. ويحاول حتى يورد أكبر قدر منها، خاصة في جميع ما له علاقة بمنطقة أريحا. إضافة إلى أسماء مواقع أخرى بعيدة ذات صلة بأحداث الرواية، مثل القدس ونابلس والخليل...

ولا يكتفي بذكر اسم المسقط في سياق الرواية بل يحاول بعمق اكبر ذكر مرادفات أخرى للاسم ذاته، أوكما يرد على السنة الفلسطينيين حسب مواقع عيشهم وتواجدهم.

ف "البحر الميت" وهوالاسم الأكثر شيوعًا لتلك البحيرة الواقعة بين فلسطين وشرقي الاردن، والأكثر انخفاضا في العالم تحمل أسماء أخرى كانت مستعملة لدى الفلسطينيين في السابق، وما زال عدد قليل منهم يميل إلى استخدامها. فمن بين هذه الأسماء "بحيرة لوط"، "بحيرة سدوم"، " البحيرة الميتة"، "بحيرة الملح". وهذه الأسماء مرتبطة تاريخيا وواقعيا بالمكان ذاته المعروف ب "البحر الميت" الى يومنا هذا.

ويقدّم ابوشاور وصفًا لمناطق محيطة بأريحا محور أحداث الرواية فيذكر جبل القرنطل ( صستة ، 47 ، 48) وهوالجبل الذي جرّب فيه إبليس السيد المسيح، وفيه اليوم دير للرهبان الارثوذكس. وهذا الجبل وقور وأسطوري في صموده وإشرافه على بقعة منطقة أريحا.

وجبل التجربة هذا الشامخ الجليل، حكيم وقور، صخري، برونزي في الصباح، رصاصي في الظهيرة، وداكن عند المساء، وأسود في الليالي القمراء، رهبانه ونساكه ينتظرون المسيح " ما يدريني أنهم لا ينتظرون، وأنهم ورثوا الانتظار عن أقوام خلت، وأن الانتظار هنا بلا فائدة. ولكنه ضروري مع ذلك"(ص 101).

لا يفقد الفلسطيني الأمل في عودته إلى موطنه وتحرير نفسه وأرضه من الاحتلال، فهوينتظر كالرهبان المشار إليهم في رواية أبوشاور، حتى لولا توجد فائدة من هذا الانتظار التاريخي الطويل والمديد إلا انه ضروري لوجود بارقة أمل ما زال الفلسطيني يراها في أُفق حياته مهما حصل من أحداث مؤلمة وموجعة.

ومع جميع هذا، لا يهجر أبوشاور أبطاله ينتظرون من منطلق الضرورة الواجبة، بل يدعوهم إلى تحقيق الأمل بالعمل، أي ضرورة التحرك وعدم التوقف على وجه الإطلاق.

وبالنسبة للمخيمات المحيطة بأريحا والتي ورد ذكرها في الرواية ولها علاقة وثيقة ووطيدة بأحداث الرواية فهي:" مخيم عين السلطان" و" مخيم النويعمة" و" مخيم عقبة جبر"(ص6).

ولا يفوت أبوشاور مسألة تجنيد المعلومات التاريخية حول مكتشفات أريحا الأثرية بكونها أقدم مدينة في العالم، وذلك لتوثيق العلاقة الفلسطينية الحالية والحاضرة بالماضي البعيد الضارب في عمق التاريخ.

ومن بين المواقع الهامة في الرواية التي لعبت دورًا بارزًا في حياة الفلسطينيين بصورة سلبية "البناء الأصفر" وأشير إليه باللون وليس بالاسم للدلالة على انه السجن الذي شيده الانكليز زمن احتلالهم لفلسطين أوكما يعهد بالانتداب البريطاني على فلسطين. واستخدمه الانكليز لسجن وتعذيب المقاومين الفلسطينيين ولم يتغير السجن إذ ورثه النظام الاردني وتابع أداء نفس مهامه ووظائفه. وبعد نكبة 1967 جعله الاحتلال الاسرائيلي مقرًا للحاكم العسكري الذي عهد كيف من الممكن أن يستفيد من ملفات المخابرات الاردنية التي خلفها الاردنيون في هذا البناء. وسهلّت هذه الملفات على المخابرات الاسرائيلية وأجهزتها الأمنية من تطبيق مختلف عمليات القمع والبطش في حق الفلسطينيين العائشين في اريحا والمخيمات المحيطة بها.

ولقاء جبل القرنطل في الطرف الآخر تمتد جبال موآب والتي تبدوكأنها أسوار اسطورية تحرس اريحا ولا تهجرها وحدها. وهذا أمل بضرورة التواصل العربي وعدم الانقطاع عن صُلب القضية العربية ألا وهي مأساة فلسطين.

ولا يفارق المكان مسقطه المركزي في الرواية، ويكثر أبوشاور من ذكر أسماء الأماكن التي لها صلة مباشرة أوغير مباشرة بأحداث الرواية، وكلها مرتبطة زمنيا ومكانيا بتاريخ القضية الفلسطينية وتطوراتها ، خاصة في الفترة الزمنية التي تدور حولها أحداث الرواية. فجبل القرنطل وقد أشرنا إليه مرات كثيرة، والمخيمات الفلسطينية بالقرب من اريحا تلعب دورا مركزيا في أحداث الرواية وتطورها. وقرى مثل: عين ديوك (ص 57)، وذكرين (ص 61)، والسموع (ص 141)؛ ومدن مثل :دمشق (ص60)، ونابلس (ص 56)، وعمّان والخليل ورام الله والقدس وأبوابها(باب العمود، باب الخليل، باب الاسباط)، وأزقتها التاريخية. جميع هذه الأسماء متماسكة بشدة في أحداث الرواية، ولها دور مركزي في تاريخ القضية واستمرارها.

وهناك بعض الأمكنة التي تحمل دلالات قوية في عمق وصلب الذاكرة الفلسطينية، فالجسر الفاصل بين الوادي الفاصل بين مخيمي النويعمة وعين السلطان يثير من حديث سقوط الجرحى والقتلى في المظاهرات ضد حلف بغداد الاستعماري في العام 1955، مما دفع بالفلسطينيين إلى الانتقام بكل ما له صلة بالانكليز صانعي هذا الحلف حتى من خلال مشروع الفهمي الزراعي في أريحا وجوارها(ص 18).

ويحمل محمود ذكريات المكان من خلال عودته إلى شريط الطفولة الفلسطينية الوادعة والهادئة والتي لم يكن شيء يعكر صفوها:" سار محمود على امتداد مخيم عين السلطان، على الطريق المؤدي إلى نابلس، حتى بلغ حافة الوادي، الذي يفصل المخيمين. الوادي جاف هذه الأيام، لكنه في الشتاء يهدر، وتلاطم المياه الطينية المندفعة بين ضفتيه إلى الشرق.

هنا لعبت، هناك بنينا، بيوت الطين معًا، لكن المياه محت جميع شيء، عند تعرج الوادي، لعبت أنا وحسن. كان يأتي من مخيمهم مع الكثيرين من الاولاد مرات عديدة اشتبكنا ولاحقنا بعضنا بعض بالموضوعيع.." (ص 56).

وما زال يتذكر البيوت التي يسكنها خلق اتىوا من بلاد بعيدة، ومعهم سلاح، فقتلوا وذبحوا وطردوا... فصرنا على أرضنا وعلى أرض الآخرين، وهذا العالم غرباء"(ص 58). إشارة منه إلى تغير الأدوار على أرض فلسطين بين أصحابها الأصليين والشرعيين وبين الدخلاء والغرباء والمحتلين.

إلى غير ذلك وفق أبوشاور في جعل المكان جزءًا لصيقًا بالحدث التاريخي الواقع على محور زمني متحرك نحوالأمام في مخزون القضية الفلسطينية. ومرة أخرى، فإن الأمكنة ليست خيالية إطلاقًا أوأنها بعيدة عن واقع الأحداث التي جرت في فترة ما بعد النكبة حتى مطلع السبعينات من القرن العشرين، إنها أي الأمكنة ذات المعنى التاريخي العملي في حياة الفلسطينيين. فهوبهذا أي أبوشاور لم يكن بحاجة إلى خلق أماكن من نسج الخيال، إنها موجودة وتحوي الرواية في جوفها.

  • ) السياسة في قلوب"العُشّاق"

دير الرهبان الاورثوذكس على سفح جبل القرنطل يوجه أبوشاور سهام قلمه نحوالسياسيين العرب في مختلف مستوياتهم القيادية، ولا يوفر أحدًا من توجيه نقد لاذع إلى دوره في تهميش وتحييد القضية الفلسطينية وتحويلها إلى وقع صغير في الماضي. وبكونه فلسطيني لاجئ ابن القضية، تبنى مشروعًا روائيًا أساسه سياسي واضح المعالم في سياق تطور أحداث الرواية.

والقيادة العربية التي تبنت القضية الفلسطينية منذ قرن من الزمان أوصلت الشعب الفلسطيني إلى ما فيه اليوم، ولم تكن هذه القيادة تاريخيًا بمعزل عن التواطؤ مع أعداء العرب كاسرائيل وبعض الدول الغربية المنتفعة من الموضوع كبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية.

هذا يعني، وجود مؤامرة محبوكة بحنكة ودراية لشق إمكانية وحدة العرب جغرافيا وسياسيا عن طريق خلق قضية (أوقضايا) تشغلهم مدة طويلة وتهدر طاقاتهم وقدراتهم العقلية وثرواتهم ومواردهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية. ويشير إلى التعاون بين سياسيين فلسطينيين في أدنى درجات السياسة وبين المخابرات الاسرائيلية، ف " أبوصالح، غني، لا يقرأ ولا يخط، لا يفهم بالسياسة، رئيس بلدية اريحا، فشل في الانتخابات، وهوماسوني والمحفل الماسوني فوق كراج له. من أصدقائه وزراء وضباط مخابرات ويهود"(ص 17). وهذا الشخص يتصدر شكلاً من أشكال الزعامة. ولم يفت أبوشاور الربط بين الماسونية واليهود، ومحاولة هذه المؤسسة المشبوهة من توسيع رقعة الملاحقة والقمع ضد الفلسطينيين.

وموقفه من نظام الحكم يعبر عنه محمد في ص 104 بقوله:" سأنزع الضمادات، وأسير برأسي المهشم، وشعري المقصوص الشائه، أمام الناس، لينظروا، وليعهدوا وليتفهموا الحقد. إذا هذا النظام يغتصب وطننا، وينتهك كرامة شعبنا، رئيس المخفر فلسطيني مرتزق، والشرطي ادريس اردني، بدوي دجنه النظام، وحوله إلى برغي في الآلة التي تطحن الانسان الفلسطيني...و...حتى الاردني. لا أخفيك، أخي حسن، بأني حزين، وأن شعورًا بالهوان يكاد يطفح من حلقي".

ويعود الأمل بالمستقبل وما ينتظر الفلسطيني ليتابع مسيرة حياته بصورة طبيعية أسوة ببقية الشعوب، وكونه يناضل ويكافح من أجل بقائه: " قصوا شعرك، وداسوا على وجهك يا أخي محمد، وقتلوا والدنا وهويعبر الحدود ليحارب العصابات اليهودية مع غيره من الرجال الذين رفضوا الهدنة، والاتفاقات، وتمزيق الوطن، لا بأس. ها نحن نكبر، ولا ننسى الدم، وهدير الطائرات، أيام التمرد والجوع والخبز الجاف صنعتنا فهيهات حتى ننكص، أونلين، أونسكت"(ص121). هذا ما احتاج إليه الفلسطيني ليبق متمسكًا بالأمل الحقيقي كي لا يضيع هووتضيع قضيته ويتحول إلى لا شيء في العالم.

وسلمان عباس رمز للمقاومة الشعبية الفلسطينية عبر تاريخ هذه المقاومة التي لم تتوقف في وجه الإذلال ومحاولات السحق عبر الزمن التاريخي. "وأنت يا سلمان عباس، يا أبي،يا ترى؟ نطقوا لك، انتهى لا تتسلل، فلم تستجب.

انتقلنا إلى أريحا، مسكينة أمي. نطقت: الحمد لله أننا غادرنا الخليل. لن يعود إلى القرية. لكنك لم تتب، لقد أدمنت يا سلمان عباس. أدمنت، حتى قتلوك على الحدود. لقد كانوا يحرسون الحدود لليهود، أولئك هم إخوتنا الجنود العرب، جنود الملك عبدالله. إنهم يتوارثون الخيانة، ونحن نتوارث الهموم والأعباء"(ص121). هذا المشهد المتكرر في حياة الفلسطيني يعكس بوضوح وصراحة إصرار الفلسطيني على العودة إلى أرضه ووطنه وبيته وهوائه، وإصرار العربي الآخر على منعه تحقيقا للمخطط التاريخي البغيض بسلب فلسطين من أهلها وتقديمها هدية على طبق مضىي لهجريبة شعوب غير متجانسة أبدًا تدّعي حتى الله منحها هذه الأرض قبل آلاف السنين.

وهنا يطرح أبوشاور موضوع " وعد الله" في نقاش مع الأب الياس، راهب القرنطل. لقد احتاج إلى هذا الكاهن ليعطيه صورة حقيقية حول مفهوم الوعد." أبونا الياس هذه أخفض نقطة في العالم، وهي مقدسة، ولقد طهرناها من الأفاعي والعقارب، أنا ذكي، وهذا ما تشهد لي به درجاتي في المدرسة والجامعة. باختصار، لقد تحدث الله مع موسى، فلماذا لا يتحدث معي،يا ترى؟ اريد ان اطرح سؤالا واحدا، ذي شقين: أولاً: هل وعد اليهود بأرض كنعان، أرض فلسطين، أرض اللبن والعسل،يا ترى؟ الشق الثاني: إذا لم يعدهم، فلماذا يقف على الحياد؟"(ص122). هذه أسئلة لاهوتية وسياسية في الوقت ذاته. وواضح النظرة الرافضة لفكرة تجنيد الله في التوراة لصالح أطماع ورغبات اليهود والصهيونية. فهل الله خالق الكون وجابل الإنسان يميز بين أبنائه من كافة الشعوب التي خلقها؟ ومحمود احد الابطال المركزيين في هذه الرواية يحمل في جوفه وبقناعة ان العرب لن يستطيعوا تحقيق فوز في حربهم مع العدو:" المشكلة، الجماهير غير معدّة للمعركة، لا سلاح، لا ثقة بهذه الحكومة، ولكن الأمل في جيش مصر، عبد الناصر قادر على الصمود، اما الجيش الاردني، فقد اعتاد على محاصرة المخيمات والمدن، وتفريق المظاهرات، وبسلاحه الانكليزي والامريكي السيئ لن يحقق نتائج طيبة. لقد أعد لغايات تتناقض مع تحرير فلسطين رغم شجاعة أفراده"(ص 124).

وتعود الذكريات التاريخية القريبة زمنيا إلى مخيلة وفكر محمود فيتعمق بها أمام الأب الياس. إلا حتى الأب الياس يستبقه في مبادلة الذكريات بقوله:" ذكريات سوداء ثقيلة لكنها عظيمة. لقد كلل المسيح بالشوك من اجل الإنسان في جميع مكان، دقت المسامير في كفيه فتحمل من اجل الإنسان، وهذا ما يعمله شعب فلسطين"(ص 124).

فيأتيه جواب محمود المعبر عن موقف تاريخي وسياسي صلب لا تردد فيه على وجه الإطلاق:" نحن يا أبت لن نغفر، سندق المسامير في نعوشهم، سننظف وطننا من هؤلاء القتلة. إنه حلم، ولكن يطلع من الواقع. أتعهد، مرات أقول إذا هذا الجبل، جبل التجربة، هوتمثال للصبر الفلسطيني. إنه راسخ، مهيب، ثقيل، صلب يا أبونا، مهما وقع في الحرب، التي ستقع فلا بد حتى نعود"(ص 124).

ويعود بعد إصراره على حق العودة إلى توجيه النقد اللاذع لسوء التنظيم في الجانب العربي:" ولكن الجماهير غير منظمة، الغضب يملأ الصدور، وهذا الغضب تأجج عندما اعتدى الصهاينة على السموع، ولم يدافع الجيش الملكي عن الناس، وفضلاً عن الغضب هناك الإصرار على تحرير الوطن، ولكن الناس غير منظمين"(ص 141).

ويعترف محمود حتى "حدود الضفة الغربية مفتوحة أمام اليهود، لا سلاح، ولا ملاجىء، لا ثقة بالحكومة، ولعبة المعاهدة التي سقطها الملك في القاهرة، مضحكة ومكشوفة، أما نحن فما زلنا غير قادرين على قيادة الناس، عواطفهم معنا، هذا سليم، ولكن ما نحتاجه أكثر من العواطف"(ص 142).

إن طرح موضوع القيادة كان في صلب النقاش الفلسطيني لفترة طويلة ولقد لعبت بعض الأنظمة العربية دورا في تمييع تكوين قيادة واقعية حقيقية إلى حتى اتخذ الفلسطينيون قرارهم بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وتحويلها إلى جسم تمثيلي وحيد لهم لتنطلق مسيرة بناء القيادة رغم الزعزعات التي تعرضت لها هذه المنظمة عبر العقود الأربعة الأخيرة.

وأثارت حرب حزيران 1967 تساؤلات كثيرة ومتكررة لدى جميع فلسطيني وعربي من حيث الاستعدادات العسكرية السابقة لها. هل كانت كافية،يا ترى؟ هل تعهد العرب بما فيه الكفاية على المبنى التنظيمي الأمني/العسكري الاسرائيلي؟ويأتي الجواب على لسان محمود:" لسنا ندري ماذا نعمل، ما هذه الحرب، وإلى أين تتجه،يا ترى؟ وكيف ستكون نتائجها. ولكن ومع جميع الاحتمالات، فهناك أمر لن تحققه هذه الحرب: إنها لن تحرر فلسطين"(ص 154).

ولا يمر أبوشاور مرورًا خاطفًا على الانجازات الحربية التي كانت تحققها الإذاعات العربية في ذاك العام(أي 1967) بينما التقهقر والهزيمة في ميدان الواقع:" في صدري نار. الإذاعات تقول: نحن نتقدم ونحرر. طائرات العدوتحرق المعسكرات بسهولة عجيبة. حرب الإذاعة، وحرب أخرى أمامنا، هناك حربان يا حسن"(على لسان زياد ص 162). ويؤكد محمود في سياق استعراض حالة الجيوش العربية حتى الإذاعات تقول أشياء والواقع ينفي أغانيهم وتفاؤلهم(ص 165).

ويشير إلى لغة الخطاب التي استخدمها قادة العرب، وهي لغة عفى عليها الزمن ف" هذا صوت الملك يقول: قاتلوهم بأظافركم وأسنانكم"(ص 165). وبسخرية مسرحية تثير الضحك والأسى في ذات الوقت يجيب" الأمور سيئة وما يزيدها سوءا يا أمي حتى أظافرنا قد قلمت، وأسناننا كسرت"(ص 166). وهذه إشارة واضحة وفاضحة إلى قمع الأنظمة العربية لحركات المقاومة والثورة. حتى لم يبق أي شيء يستطيعون بواسطته لقاءة العدوبما في ذلك أظافرهم وأسنانهم. لقد أُفرغت المقاومة من جميع إمكانية للمقاومة العملية، ليبق النظام الحاكم سائدًا وليمضى الفلسطيني وقضيته إلى الجحيم!.

ولا يتوقف النقد اللاذع عند هذا الحد بل يسترسل جميع من محمود وزياد في تفصيل العجز السائد في الساحة السياسية/العسكري:" هذا خطاب كوميدي على نحوما، فيه شيء من التفكه، وخفة الدم، ولكن كان ينقصه حتى يأمرنا بأن نحاربهم بأعضائنا التناسلية، إلاّ إذا كان هذا السلاح محرم دوليا"(ص 166).

ويفتح أبوشاور حساباته التاريخية حسابات الشعب الفلسطيني ليحاسب الزعامة العربية" لوامتلك بعض القنابل الذرية، إذن لفجرت الكرة الأرضية، وأنهيت سفالة الإنسان. لوامتلك القدرة على إلقاء القبض على الزعامات العربية ومحاسبتهم جميعًا، في الساحات العامة وعلى المكشوف، آخ من جميع شيء"(ص 168).

ويُصرّ الفلسطينيون على رفض خوض تجربة الرحيل للمرة الثانية كي لا يتحقق مشروع العدوبتفريغ فلسطين من أهلها. كانت التجربة الأولى في العام 1948 قاسية وصعبة ومهينة، حيث فقد الفلسطينيون أرضهم وبيوتهم وأملاكهم ولم يبق لديهم سوى شيء واحد وهوالصراع من أجل البقاء والديمومة." يظنون حتى باستطاعتهم كشطنا عن أرضنا، نحن لسنا هذه البيوت الطينية التي يسهل هدمها، نحن التراب، فحدثا كشطوا طبقة قابلوا أخرى، وحدثا أزاحوا صخرة، جوبهوا بصخرة. أنا باق ولن أرحل. ستظل أمي معي وأخي محمد وهذه أرضنا وهنا سنموت"(ص 171). هذا التحشيد للقوى الروحية والنفسية سلاح صنعه الفلسطينيون ليستمروا في كفاحهم وصراعهم من أجل البقاء ومن أجل إعادة الكرامة بقواهم الذاتية ودافعيتهم نحومستقبل يستحقونه لكونهم أصحاب حق. ويوجه أبوشاور نقدًا لاذعًا للشرطة التي من واجبها حماية المواطنين الفلسطينيين ولكنها تبرح أريحا ومواقع أخرى متواجدة فيها. حتى الفهم لم يدافعوا عنه، وهذا مرشد على ابتعادهم عن الأصول والقيم، فالفهم يدافع عنه الفلسطينيون لأنه فهم عربي سيأتي يومًا يرفرف عاليًا فوق هضاب وتلال الوطن الغالي. " حمل الشباب رؤوسهم، فرأوا الفهم يرفرف، وكأنه طائر انطلق بعد طول حبس، أخذ يضرب بالهواء بجناحيه ببطء، وكأنما يمرن الجناحين ويفجر طاقته المخزونة، ثم يرتفع ويرتفع في الأفق..."(ص 175).

هنا، استوعب الفلسطينيون معنى ومفهوم حماية الفهم والحفاظ عليه لأنه رمز وجودهم التاريخي وتطلعاتهم المستقبلية نحوالحرية والاستقلال. من هذه الحرب تفتقت عيون الفلسطينيين على واقع حديث عليهم مجابهته بأنفسهم. لقد تحرروا من احتلال الأنظمة العربية للقضية الفلسطينية، وسقطوا تحت احتلال بشع وقمعي وشرس جعلهم يتخذون قرارا ذاتيا بالتحرر الذاتي من ربقة هذا الاحتلال.

ومن بين المراحل الأولى للقاءة الاحتلال الاسرائيلي هوعدم الرحيل نحوالشرق، وعلى جميع فلسطيني التمسك بوطنه وأرضه وعدم هجرها إطلاقا(ص 184).

كانت الهزيمة في العام 1967 مؤشرًا لتنشيط العمل الفدائي النشط لإنقاذ فلسطين والسعي من أجل خلاصها وإعادة أبنائها إليها. واجتمعت جميع الأطراف الفلسطينية المدنية والدينية (بشخص الأب الياس) على حتى الحل الأساسي في سبيل خلاص وتحرير فلسطين هوحمل السلاح. فالفلسطيني" لم يختر منفانا" كما نطق غسان كنفاني في روايته" رجال في الشمس".

لقد كان احتلال الضفة الغربية بالنسبة للفلسطينيين بداية حقيقية وواقعية للتعهد على العدو. لم يعد التعهد على العدومن خلال الإذاعات والنادىية الكاذبة، إنما من خلال الاحتكاك اليومي والصراع الدائم(ص 210).

ويحتاج جميع شعب إلى من يحمل معنوياته ويبعد عنه الكرب والكآبة والتقهقر النفسي، ويردد محمود حدثات تدل على وعي كبير وإدراك عميق لأهمية الحفاظ على ترابط الشعب الفلسطيني وتماسك إرادته مهما تشتت ضمه جغرافيا" الآن تبدأ المعركة عملاً، هذا هوالاشتباك الحقيقي، يريدون تدمير إرادة المقاومة عند شعبنا، ولكنهم لن ينجحوا"(ص 230).

  • ) العامية الفلسطينية، جزء من تكوين صراع البقاء

لجأ ابوشاور إلى إدخال عدد لا يستهان به من التعابير والحدثات من العامية الفلسطينية في سياق سير وتقدم روايته. ولا يشعر القارئ بأنها دخيلة ومقحمة على النص بل إنها تنساب انسيابًا سلسًا لا تأثير فيه على مضمون النص وتراتب الأفكار.

واستخدامه للعامية الفلسطينية لدعم شعبية المقاومة وابتعادها عن حرفية النص من جهة ولتأكيد حيوية اللهجة العامية وكبريائها في تحالفها مع القضية من جهة أخرى. إلى غير ذلك نجد حتى التشابك بين الفصحى والعامية ما إلا مسار نحوتكامل الفكرة المطروحة في رواية " العشاق".

ودرج الفلسطينيون إلى يومنا هذا على استعمال مصطلحات وتعابير عامية كجزء من الميراث التاريخي والقيمي، ف" شد حيلك"(ص 40)، و" لم لسانك"(ص51)، و" شلة من الزعران"(ص 51)، و" فشرت"(ص 31)... تحمل دلالات عملية تشير بوضوح على حاجة أحداث الرواية إلى مثل هذه الحدثات والتعابير لتتابع سيرها دون تصدع في المعنى. ولا ينسى أبوشاور ما دامت روايته تعالج جوانب من الشخصية الريفية الفلسطينية من حتى يُعرّج على التراث الغنائي الشعبي فيورد مقاطع من الأغاني الفلسطينية: إيويا شقحنا بطيخة إيويا طلعت حمرا ومليحة إيوياما نابك يلي وشيت بمحمود غير الفضيحة. لولولو...لي وتجد أغنية فلسطينية شعبية مكانها في الرواية وتندرج مع أحداثها دونما تردد، وما زال الفلسطينيون في مواقع عديدة من فلسطين يرددونها حتى في أفراحهم، مثلاً في مدينة الناصرة في الجليل: عذب الجمال قلبي لما نوى عالرحيل قلت يا جمال خذني نطق لي حملي ثقيل قلت يا جمال بمشي نطق لي دربي طويل(ص 24).

ويتعمق القاموس العامي في "العشاق" عندما يورد محرر الرواية حدثات لا يعهدها إلا الفلسطيني الخبير بلغته ومعارجها، مثلاً:" تجعص"(ص 94، أي تحمل رأسها إلى أعلى)، " وابور الكاز"(ص 96، أي آلة نار تعمل على الكاز، كثر استعمالها في فلسطين وجوارها إلى نهاية السبعينات)، " تحت السواهي دواهي"(ص 96، وهومثل شعبي رائج في الديار الفلسطينية إشارة إلى مكر واحتيال الرجل الهادئ والصامت بشكل عام).

  • ) الأب الياس رمز وشهادة للمسيحية الفلسطينية

شاء أبوشاور حتى يخصص في روايته مكاناً للمسيحيين والمسيحية من منطلق مبدئي، كونه مدرك مدى أهمية المكانة والدور الذي لعبه ويلعبه المسيحيون العرب الفلسطينيين وغيرهم من أجل وطنهم فلسطين والقضية الفلسطينية. وهذا الإدراك الواقعي يرقى فوق جميع اعتبار طائفي وممضىي ضيق يجعل من المسيحيين العرب جماعة هامشية مغلقة على ذاتها.

كان المسيحيون العرب، وما زالوا، من اشد المتمسكين بانتمائهم العروبي والقومي والفكري، وساهموا في النهضات العربية بكافة أشكالها على مدى العصور.

والمسيحي الفلسطيني هوفلسطيني صرف قبل حتىقد يكون مسيحي الديانة، عهد الفرح عندما عهده الفلسطينيون عامة، وعهد الحزن والغم عندما عهده الفلسطينيون أيضا.

ورأى أبوشاور حتى يفي شيئا من التقدير والتكريم لدور الكهنة المسيحيين الزطنيين من خلال مشاركة الأب الياس في أحداث الرواية وتفاعله معها وكونه جزءا من مركباتها، وإن كان دوره في الرواية في بعض الأحيان يظهر مقحما عليها، إلا حتى شهادته الصادقة تنم عن دور الكهنة المسيحيين في مواساة اللاجئين عام 1948(ص88)، وان الكنائس والمساجد قد آوت عائلات كثيرة في العام 1948. ولدعم هذه الشهادة فإنني شخصيا قد استمعت وسجلت عشرات الشهادات الحية من مسيحيين ومسلمين فلسطينيين تشير إلى لجوء مئات العائلات إلى المعابد الدينية طلبا للحماية ولاقوا فيها بيتا حميميا زودهم بالأمل. وتستعيد الأم في الرواية ذكريات سنة النكبة أمام الأب الياس على مائدة الغداء بتذكرها الأب حنا" بجسده الصغير، ووجهه الطيب السمح، وعينيه الحزينتين. أتذكر كيف من الممكن أن عمل بدأب وشجاعة لمواساة اللاجئين عام 1948. كانت سنة صعبة، نكبنا بالخروج من الوطن، ثم هاجمنا ثلج الشتاء في مخيم (الدهيشة)، قرب بيت لحم. لقد غمرت الثلوج الطرق والخيام وكدنا نهلك، لولا حتى اتىت السيارات، وشحنت مئات الأسرى إلى الكنائس والمساجد في بيت لحم.

مسكين الأب حنا، لقد ظل يعمل ليل نهار، يدلّك أقدام الأطفال بالماء الساخن، يحضر الطعام، يتفقد الأسر المكدسة لصق بعضها. في الليل يخرج باحثاً عن الحطب في بيوت أهالي بيت لحم... والله أنه توفي شهيدًا... لقد أحب المسيح فيكم، وأحبكم في المسيح"(ص 88 و89).

وتتواصل الشهادة الحية والصادقة عن دور المسيحيين، فها هوالأب الياس الناسك المتزهد في الدنيا له رأي وموقف من الأحداث المتسارعة الجارية على أرض الوطن فلسطين. نطق الأب الياس، وعيناه تتطلعان بعيدًا:" أصارحك أنا خائف على بقية الوطن حتى تضيع"(ص 123). وحال الأب الياس بعد الهزيمة في 1967 في غاية التراجع النفسي والذهني فهو" حزين جدًّا، لقد أذهلته الهزيمة، إنه لا يأكل، ولا ينام، يدور في شوارع المخيم وأزقته، كأنما يبحث عن الناس، إذا التقيت به فإنه لا ينطلق معك في الحديث، إذا استمر على هذه الحالة فلن يعيش طويلاً"( ص 199).

الواقع التاريخي حتى ما سقط في 1967 كان ضربة شديدة على الفلسطينيين، إذ أنهم لم ينهضوا بعد من نكبة 1948 إلا وحلت عليهم هذه النكبة الجديدة. فالحجر واجم ومذهول فكيف الحال بالبشر، خاصة الفلسطينيون العاجزون في تلك الفترة عن قيادة مشروعهم الفدائي بقوة وزخم.

ولكن الأب الياس يعود إلى واقعه وأحاسيسه ورؤيته المستقبلية ليؤكد فرحه بتنظيم العمل الفدائي واستعداده للمساعدة" أنا أعهد أنكم تعملون منذ زمن، لا تظن أنني لا أؤمن بالعنف، أنا مع حمل السلاح في سبيل تحرير الوطن، تذكر هذا"(ص 217). هذه العبارة كانت صرخة من جوف الأب الياس بعودة الروح إليه وانتعاش أساريره لفهمه وإيمانه أنه بعد الصلب تأتي القيامة لا محالة، وأن المقاومة مشروعة وحق طبيعي للإنسان الواقع تحت ربقة الاحتلال. وهذه المقاومة ليست إرهابًا، بل صرخة مدّوية في وجه المحتل ومناصريه وصولاً إلى إحقاق العدل.

  • ) حياة الفلسطيني اليومية، خليط من الألم والأمل، الحزن والفرح

تختلط حياة الفلسطيني بين الألم والأمل والحزن والفرح اختلاطًا لم يشهده شعب عانى كمعاناة الشعب الفلسطيني.

وهوأي الفلسطيني على بينة من أمره بعمل الخبرة التاريخية حتى فرحه اليوم أفضل من الغد لأن الغد يخبئ في جوانبه ألمًا وحزنًا. فأريحا الجميلة في الليل بهدوئها وصمتها السماوي، إلاّ حتى الفرح قد غادرها في أعقاب المآسي الشديدة والنكبات المتلاحقة التي ألمت بها(ص245). ولا يجعل الفلسطيني الألم والحزن يسيطران عليه، فهوفي عجلة من أمره ليفرح ويسر قليلاً" من يدري، من الممكن نفرح ذات يوم: من كثرة الأحزان نسينا الفرح"(ص 255).

والفلسطيني في خضم عراكه اليومي مصر على ممارسة جميع أشكال الفرح، " علينا حتى نفرح قبل حتى نموت، أونسجن..."(ص 263). إنه عارف فهم جيدة حتى مصيره المستقبلي يتأرجح بين الموت أوالسجن، وكلا الحالتين موت. فالموت فقدان للحياة وخروج من دائرتها، والسجن أيضا فقدان للحياة وأسر تحركات الإنسان والحيلولة دون مواصلة مسيرته نحوتحرير أرضه ووطنه. فما الفرق بين الحالتين،يا ترى؟ على ما يظهر حتى الفرح هوالحد الفاصل في تنقلات الفلسطيني الحياتية.

  • ) الأمل رفيق دائم ل " العُشّاق"

غريب أمر هذه الرواية، فالعشاق الذين يختبرون أشكالاً متنوعة من الحياة، ذاقوا مرّها وحلوها، تحملوا الإساءة من ذوي القربى وأبناء الجلدة الواحدة المشهجرة، ومن الغريب والعدو،على حدٍّ سواء، إلاّ حتى الأمل مستولٍ دائم على رؤاهم وتطلعاتهم والحياة في استمراريتها وليست في توقفها، في تدفقها وليس في جمودها. " تمتم أبوخليل وهويسير بمحاذاة الجدول، مصغيا للخرير،(تزوجا، يا محمود أنت وندى، وأنجبا كثيرًا من الأطفال)، أنا أعهد أنها موافقة. سمع ضحكة طفل، ضحكة جذلى، مرحة ولكن الرصاص كان يبتر تلك الضحكة، التي كانت تعود لتنطلق من حديث حلوة ومرحة"(ص281).

لا يهجرنا أبوشاور دون الأمل والتطلع إلى مستقبل زاهر آتٍ لا محالة. وهنا، الفلسطيني يجهز لمستقبله المؤسس على الفرح، هكذا يريده حتىقد يكون. حتىقد يكون مليئًا بالفرح بعد التحرر من الاحتلال وتحقيق استقلاله، فالشهادة الفلسطينية ليست موتًا إنما انطلاقة حياة.

  • ) خلاصة

هذه الرواية بنظري تحمل مخزونا تاريخيا غنيا. عهد واضعها كيفية الاستفادة من هذا المخزون لتجنيده لصالح أحداث الرواية بصورة واقعية للغاية. فهويؤرخ بأسلوب روائي وقفات أومحطات من التاريخ الفلسطيني منذ عام النكبة 1948 إلى عام النكسة(وهي نكبة ايضا) في العام 1967، وكيف تعامل معها الفلسطيني والعربي جميع من منطلق رؤيته ومصلحته. والأهم بالنسبة لرشاد أبوشاور ما هجرته هذه النكبات في عمق التاريخ الفلسطيني من متغيرات على الساحة الحياتية والنضالية. رواية " العشّاق" تحمل في جنباتها ملامح من حياة وتشرد محررها الروائي رشاد أبوشاور، وتنقل صورًا لما حل بالشعب الفلسطيني من مصائب وويلات على مر الفترة الزمنية التي تدور فيها أحداث الرواية، أي من العام 1948 إلى مطلع السبعينات.

رواية " العشاق" تفهم من دروس التاريخ الفلسطيني والعربي كونها تضع القارئ أمام تحديات الماضي برؤية الواقع المعاش بكل مركباته وعناصره.


انظر أيضاً

  • أفضل مائة رواية عربية

المصادر

  1. ^ مصرس, "العشّاق" لرشاد أبوشاور: مسيرة التاريخ الفلسطيني .. المعاناة والأمل
تاريخ النشر: 2020-06-04 13:58:29
التصنيفات: صفحات تحوي وصلات ملفات معطوبة, روايات فلسطينية, روايات عربية, روايات 1973, أفضل مائة رواية عربية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

فيديو لا يوصف.. أفرغ رصاصه بصدره وسط الشارع في العراق

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:20:14
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 97%

الثلاثاء.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر رمضان المبارك

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:21:40
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 55%

أول تعليق من فيريرا بعد وداع الزمالك دورى أبطال أفريقيا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:21:49
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 57%

طوارئ بغرف عمليات المرور لمواجهة تداعيات تقلبات الطقس على الطرق

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:23:52
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 35%

سفير مصر فى فيينا: قدرات مصر السياحية واعدة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:21:41
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 65%

مواعيد الصلاة اليوم السبت 18 مارس 2023 فى محافظات مصر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:21:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 63%

والد ميسي يكشف السر أخيراً.. و"يبق البحصة" حول عرض الهلال

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:20:46
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 100%

مواعيد قطارات السكة الحديد فى الوجهين البحرى والقبلى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:24:01
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 37%

النتيجة الكاملة لانتخابات التجديد النصفي بنقابة الصحفيين 2023

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:22:21
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 61%

قبل رمضان 2023.. اسعار الفراخ والبانية والبيض اليوم في بورصة الدواجن

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:22:37
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

ارتفاع إنتاج مصر من حديد التسليح إلى 7.8 مليون طن خلال 11 شهرًا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:23:59
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 38%

حرب حياة أو موت!

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:20:28
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 94%

تشيلسى يستضيف إيفرتون فى مواجهة قوية بالدورى الإنجليزى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:23:49
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 40%

أسعار مواد البناء.. سعر الحديد والأسمنت اليوم السبت 18 مارس 2023

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:21:36
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 54%

 التعاون الإسلامي تدعم حق شعب جامو وكشمير في تقرير المصير

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:22:17
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

حظك اليوم.. جميع الأبراج الفلكية السبت 18 مارس 2023

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:21:32
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 50%

دعاء الفجر.. أبرز ادعية الصباح اليوم السبت 18 مارس 2023

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:21:42
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 54%

تنفيذ 4 مشروعات بقطاع الصحة فى سوهاج بـ1.1 مليار جنيه.. صور

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:23:55
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 48%

أول تعليق من أمريكا على مذكرة اعتقال بوتين

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:21:34
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 57%

الصحة العالمية: كورونا 2023 سيكون مثل الإنفلونزا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:21:37
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 63%

سعر الريال السعودى اليوم السبت 18 مارس 2023 فى البنوك المصرية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:21:33
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 69%

بعد «وادى السيليكون» شبح الإفلاس يهدد 200 بنك فى الولايات المتحدة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:21:31
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 60%

هجوم لـ«طالبان» على موقع لتنظيم «داعش خرسان» فى أفغانستان

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:22:29
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 65%

الشئون الإسلامية بمكة تنهى جميع تجهيزات رمضان

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:22:27
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 60%

رئيس وزراء فلسطين: غياب المساءلة وراء تكرار الاحتلال لعمليات القتل

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-18 06:22:29
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 55%

تحميل تطبيق المنصة العربية