الإبدال اللغوي
الإبدال لغة: حمل الشيء ووضع غيره في مكانه. والإبدال اللغوي أوالاشتقاق الكبير (ويسمى أيضاً: البدل والمبدل منه، والقلب والمقلوب، والمحوَّل، والمضارعة، والتعاقب، والنظائر) هوظاهرة لغوية صوتية دلالية تعني إقامة حرف مكان حرف مع الإبقاء على سائر حروف الحدثة، وبذلك قد تشهجر الحدثتان بحرفين أوأكثر، ويبدل حرف منهما بحرف آخر يتقاربان مخرجاً أوفي المخرج والصفة معاً نحو«قضب وقضم، وبتر وقطم» فقد اشهجر الزوج الأول بحرفين منهما القاف والضاد، واختلف بالباء والميم، أحدهما مبدل من الآخر، وكلاهما من مخرج واحد، أي هما حرفان شفهيان. وأما الزوج الثاني فقد اشهجرت لفظتاه أوصورتاه بحرفين منهما القاف والطاء، واختلف بالعين والميم، غير حتى العين حلقية، والميم شفهية.
ولايُقيَّد الإبدال بالحرف الثالث من الأصل الثلاثي، أي بلام العمل، وإنما قد يطرأ الإبدال على الحرف الأول وهوفاء العمل نحو: خبن وغبن، أوعلى الثاني وهوعين العمل نحو: رسم ورشم، وقد تكون اللفظتان رباعيتين كتَوْلَج ودَوْلَج (كناس الظبي)، والبدل في الحرف الأول منهما، وقد تكونان خماسيتين والبدل في الحرف الثاني كجرسام وجلسام (السمّ، وتسمية العامة: البِرْسام)، أوسداسيتين نحو: اعرَنْكَسَ الليل واعلَنكس إذا أظلم.
وأما الإبدال في النحووالصرف فيُصنف في إطار القلب النحوي الذي جعلوه شاملاً لإعلال ونقل الحركات والافتعال. نطق أبوالبقاء الكفوي في «الكليَّات»: «الإبدالقد يكون من حرف العلة وغيرها، والقلب لاقد يكون إلا من حرف العلَّة». ويرى النحاة حتى هذا الإبدال قد يقع في جميع حروف الإبدال وإن قصره بعضهم على تسعة أحرف في الإطراد، أوجعلوه في اثني عشر حرفاً، أوأربعة عشر، أواثنين وعشرين حرفاً. ومن المرجح حتى أول من سمّى هذه الظاهرة اللغوية «إبدالاً» عبد الملك بن قريب الأصمعي (ت 216هـ)، وعرض لها الزجاجي (ت 337 هـ) فنطق «ينطق لهذه الحروف (يعني الحدثات): الإبدال والمعاقبة والنظائر، منها ما يجوز بعضه مكان حرف واثنين وثلاثة، وليس جميع الحروف كذلك».
وذلك يعني حتى أكثر ما يجيء التعاقب بين حرفين كالضاد والطاء في قضم وقطم، أوبين ثلاثة أحرف كمدّ ومتّ ومطّ، ولا يجيء الإبدال في الحرف الواحد إلا في إبدال تخفيف الهمزة نحو: سأل وسال فإن الهمزة والألف كالحرف الواحد. وقد يجري الإبدال في حرفين من البدلين نحو: سحق وسهك فإن الحاء بدل من الهاء وهما أختان في المخرج، والقاف بدل الكاف وهما أختان، وهومن مسوغات الإبدال. وقد يجري بين حروف ثلاثة في الحدثة الواحدة نحو: درأ وطلع، فإن الدال والطاء متعاقبتان لأنهما نطعيتان، والراء واللام ذلقيتان وأختان، والهمزة والعين أختان حلقيتان، ومن فهماء اللغة من يقول بهذا الإبدال الثنائي والثلاثي. ولعل أول من عرض للإبدال الثلاثي أبوالفتح بن جني (ت 392هـ) وسمّاه الاشتقاق الأكبر وعرّفه بقوله: «وأما الاشتقاق الأكبر فهوحتى تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثية فتعقد عليه وعلى تنطقيبه الستة معنى واحداً تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من جميع واحد منها عليه، وإن تباعد شيء من ذلك عنه رُدّ بلطف الصنعة والتأويل إليه».
ويبدوحتى هذا النوع من الإبدال القائم على التقليب قد ابتعد عمّا عالجه اللغويون قبل ابن جني واختلفت أمثلته وفلسفته فاتجه نحوالدلالة مبتعداً عن الصوتية التي كانت منطلق السابقين إلى التصنيف في الإبدال، ومع ذلك فقد صنف ابن جني كتاباً سماه «تعاقب العربية» ويُفهم مما اتى في مقدمته أنه كان الأقرب إلى إبدال سابقيه، إذ يقول: «افهم حتى جميع واحد من ضربي التعاقب، وهما البدل والعِوَض، قد يقع في الاستعمال مسقط صاحبه وربما امتاز أحدهما دون رسيله، إلا حتى البدل أعم استعمالاً». وما هذا التوزع بين الإبدال والتنطقيب الذي يظهر عليه بعض القلق عنده إلا نتيجة لعدم استقرار المصطلح عند جمهور اللغويين.
ويشار هنا إلى حتى ابن جني قد عقد في كتابه «الخصائص» باباً للإبدال هو«باب في الحرفين المتقاربين، يستعمل أحدهما مكان الآخر» فهويميل في هذا إلى جعل الإبدال في الحروف المتقاربة صفة ومخرجاً، وإن كان الكثير من فهماء اللغة لا يشترطون هذا التقارب، بل لقد جمع بعضهم جميع ما تقارب لفظاً وخطاً ومبنى وسلكه في إطار الإبدال.
ومن الجدير بالذكر هنا حتى اللغويين اختلفوا حول جريان الإبدال على ألسنة العرب عفواً أوتعمُّداً، فرأى بعضهم أنه لم يجر على ألسنة العرب عفواً، وإنما كان بقصد تنويع معاني الحدثة الواحدة، ومن هنا حسب أصحاب المعاجم حتى الإبدال في النظائر بنطقين متساويين هومن سنن العرب في كلامها، في حين مضى أبوالطيب اللغوي (ت 351هـ) إلى أنه «ليس المراد بالإبدال حتى تتعمد العرب تعويض حرف من حرف، وإنما هي لغات مختلفة لمعان متفقة، واستُدلّ على ذلك بأن قبيلة واحدة لا تتحدث بحدثة طوراً مهموزة وطوراً غير مهموزة، ولا بالصاد مرة وبالسين أخرى، إنما يقول هذا وذاك آخرون».
وثمة شواهد شبيهة بالإبدال ليست منه في شيء أيضاً، إِنما هي وليدة أمراض النطق والكلام كاللثغة والغمغمة والحُبْسة والتأتأة والفأفأة، أووليدة التصحيف الناجم عن سوء السمع أوعن إِغفال الإِعجام.
أما أشهر من عرض لهذه الظاهرة بالبحث أوبالتصنيف فالأصمعي ويعقوب بن السكيت (ت 244هـ) والزجاجي وكتابه «الإبدال والمعاقبة والنظائر» وأبوالطيب اللغوي وكتابه «الإبدال»، وقد حقق هذين الكتابين الأخيرين عز الدين التنوخي ونشرهما المجمع الفهمي العربي بدمشق. وكتاب «الإبدال» لأبي الطيب من أوعب ما أُلِّف في هذا الباب وأغزرها مادة تم حشدها وتقييدها وفق منهج حسن التبويب والتنظيم، مرتب على تسلسل حروف الهاتى.
وأشهر من صنف في هذه الظاهرة من المحدثين أحمد فارس الشدياق، وكتابه: «سر الليال في القلب والإبدال»، وربحي كمال، وكتابه: «الإبدال في ضوء اللغات السامية».
مسعود بوبو
الموضوعات ذات الصلة
- عز الدين التنوخي
- عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي
- ابن السكيت
- أبوالطيب اللغوي
للاستزادة
- أبوالطيب اللغوي الحلبي، الإبدال، تحقيق عز الدين التنوخي.ط. (مجمع دمشق 1960).
- عبد الرحمن بن إسحق الزجاجي، الإبدال والمعاقبة والنظائر، تح، عز الدين التنوخي (مجمع دمشق، 1962).
- يعقوب بن السكيت، الإبدال، تحقيق، حسين محمد شرف (القاهرة 1978).