بنك الحبشة

عودة للموسوعة

بنك الحبشة

تأسيس بنك الحبشة

سعت بريطنيا بعد حتى دعمت نفوذها السياسي في اثيوبيا بمعاهدة 15 مايوسنة 1902 (37)، الى تدعيم نفوذها الاقتصادي أيضا، فحاولت استقطاب التجارة الأثيوبية الى السودان ومصر عن طريق المحطة التجارية التي حصلت عليها في المعاهدة المذكورة في حدود السودان مع أثيوبيا، وذلك بدلا من ميناء جيبوتي الفرنسي (38)، وساعد على ازدياد نفوذ بريطانيا الاقتصادي، تحول منليك عن فرنسا بسبب غلطة سياسية كبرى سقطت فيها حكومة فرنسا، اذ لم تنتبه الى تاثير الاتفاقية التي عقدتها مع الشركة الفرنسية المنفذة لمشروع الخط الحديدي جيبوتي – أديس أبابا على علاقتها بأثيوبيا (39).

وكانت هذه الشركة قد حصلت على امتياز بناء هذا الخط الحديدي، وعانت اضطرابا ماليا عاقها عن الاستمرار في تطبيق هذا المشروع، وحاولت انجلترا عن طريق شركاتها المسيطرة على المشروع وبالتالي على تجارة أثيوبيا التي يخدمها هذا المشروع في نقلها الى ميناء جيبوتي. على حتى الحكومة الفرنسية عقدت اتفاقية مع الشركة منحتها اعانة سنوية مقدارها نصف مليون فرنك لمدة خمسين عاما وذلك لمنعها من الالتاتى لمعونة بريطانية، واشترطت حتى تظل الشركة الفرنسية وتحت اشراف وزير المستعمرات الفرنسي سواء في لائحتها أوخط سيرها الذي لا يعدل الات باذن منه، كما أسندت عملية تحديد أجور النقل الى الادارة الفرنسية في الصومال الفرنسي الذي تنتقل اليه ملكية الخط من جيبوتي الى هرر، وذلك بعد 99 سنة من تأسيس الشركة التي تلتزم باعطاء تخفيض لنقل موظفي الحكومة الفرنسية وبضائعهم أوأي بضائع أخرى مرسلة باسم الحكومة الفرنسية. كما خولت الاتفاقية لوزير المستعمرات الغاء الاتفاقية ومصارة، جزء من الخط يقع بين جيبوتي وحدود أثيوبيا (40).

وكانت غلطة الحكومة الفرنسية أنها حلت محل الشركة دون استشارة منليك في ذلك. ولما كان الامبراطور الأثيوبي حريصا على استقلاله، فقد استغل سيرجون هارينجتون معتمد بريطانيا في أثيوبيا هذه الفرصة، ولفت نظر منليك الى مطامح فرنسا في بلاده، مما أدى الى انقلاب سياسته ازاء الفرنسيين، فاحتج رسميا على الاتفاقية السابقة الذكر، واعتبرها تعديا على حقوقه كحاكم دولة مستقلة، وبذلك هبط النفوذ الفرنسي في أثيوبيا هبوطا فاحشا (41).

لذلك فعندما أصبح من الضروري انشاء نظام مصرفي في البلاد خصوصا بعد تأسيس العاصمة أديس أبابا وانفتاح البلاد على العالم الأوروبي وبالذات بعد فوز عدوه، وتدفق الأوروبيين عليها، رفض منليك أول مشروع لتأسيس بنك أثيوبي لأنه مقدمه كان فرنسا. على حتى ضرورة وجود بنك أثيوبيا عادت الى الظهور مرة أخرى في أوائل شهر مايوسنة 1903، جعلت منليك يطلب – وذلك بعد تحوله عن فرنسا – من هارينتجتون المعتمد البريطاني في أثيوبيا، حتى يطلب من حكومته المساعدة والتدعيم في انشاء هذا البنك (42).

وبالعمل ارسل هارينجتون برقية الى وزارة الخارجية البريطانية يعرض عليها رغبة الامبراطور الاثيوبي، ويطلب منها حتى تعهد بتطبيق هذه الرغبة الى بعض رجال المال والتجارة في انجلترا. وحول هذا المطلب بعد عام ونصف الى اللورد كرومر في مصر الذي خط الى سير الوين بالمر مدير البنك الأهلي المصري يقول له حتى منليك يعطي امتيازا لمدة خمسين عاما لشركة مصرفية لها اختصاصات تتعلق بأعمال المصارف وسك العملة واصدار الأوراق المالية وتخليص البضائع وتخزينها والحفاظ على جميع أموال الدولة واقراضها. وأضاف كرومر حتى الحكومة البريطانية تحبذ هذه الفكرة وتؤيدها وأن الايطاليين والفرنسيين مهتمون بها ولهذا فهويرحب بدخولهم في المساهمة في انشاء هذا البنك، وقد استجاب مدير البنك لهذا الطلب بسرعة وارسل مندوبا عنه ذا سلطات تطبيقية واسعة الى أديس أبابا للبحث والدراسة (43).

وتسلم ماك جيلفري مبعوث البنك الأهلي إلى أديس أبابا الامتياز الصادر من الامبراطور منليك فيعشرة مارس سنة 1905 الخاص بالاحتكار المصرفي في أثيوبيا واتى في مادته الأولى، بأن يمنح البنك الأهلي المصري امتيازا لمدة خمسين عاما لكي ينشئ شركة مصرفية تسمى باسم "بنك الحبشة" لا يقل راس مالها عن نصف مليون جنيه موزعة على مائة ألف سهم تطرح في أسواق المال في جميع من لندن وباريس ونيويورك وبرلين وروما وفينا والقاهرة وأديس أبابا للاكتتاب العام فيها مع موافقة حكوماتها، ويكن لهذا البنك حتى يزيد راس ماله حدثا استدعى الأمر ذلك على حتىقد يكون مركزه الرئيسي في أديس أبابا ومع ذلك فقد صرح له بانشاء فروع حدثا راى ذلك وجابا سواء كان في الداخل أوالخارج (44).

وضمانا لهذا البنك وموقفه الاحتكاري لمدة خمسين عاما، منحه منليك ثمانية امتيازات هي: حتى لا يسمح لاي بنك آخر بممارسة أية أعمال مصرفية في أثيوبيا وأن له الحق وحده في اصدار الأوراق النقدية والعملات والتبادل الحر في المضى والفضة، وأن لا تقوم الدولة بسك أية عملة معدنية، انما اسند اليه ذلك بالتشاور مع الحكومة الاثيوبية التي اعتبرته بنك الدولة تضع فيها أموالها العامة ومدفوعاتها الحكومية تكون بموجب اذون مقبولة الدفع لدى هذا البنك، وتعطي الحكومة الأثيوبية ايضا الافضلية في الاقتراض منه، كما سمحت له بأن يبني مخازنه في المناطق التي يستطيع فيها التجار تخزين بضائعهم في لقاء القروض، هذا بالاضافة الى حتى الحكومة الأثيوبية منحت البنك أرضا بلا لقاء سواء للمركز الرئيسي في أديس أبابا أوفروعه وتوكيلاته ومخازنه – وسمح للبنك بأن يستخدم السكك الحديدية في نقل البضائع بالنسبة الحكومة المقررة لها، ويحصل الامبارطور منليك على 20 % من صافي الأرباح، وذلك بعد دفع التكاليف ووضع جزء من الأرباح كاحتياطي وتوزيع جزء آخر على حاملي الأسهم، وقد حدد هذا الامتياز بانه اذا لم يفتح البنك قبل أول يوليوسنة 1906 يعتبر لاغيا (45).

وقد أثارت هذه الامتيازات التي بموجبها أصبح هذا البنك المقترح انشاؤه مسيطرا على كافة الأنشطة الاقتصادية في أثيوبيا. اثارت الدهشة والحيرة في الراي العام المصري واعتقد ان استقلال أثيوبيا قد انتهى وذلك بالرغم من حتى هذا البنك كان يخضع للبنك الأهلي المصري وكان سيعمل على تنمية العلاقات التجارية بين مصر وأثيوبيا (46). والواقع حتى منليك فطن الى هذا، فطلب حتىقد يكون المكتتبون في راس مال البنك من جنسيات مختلفة وتتاح الفرصة للاشتراك في تأسيس البنك. وذلك لكي يستخدم أموال هذا البنك الدولي في تمويل سكك حديد جيبوتي – أديس أبابا بقصد تدويلها هي أيضا (47).

ومع هذا فقد كانت نسبة الأموال المودعة والمكتتب بها المجموعة الانجليزية والمصرية تمثل 39% أي أكثر من الثلث وذلك بالنسبة الى المجموعات الأخرى فكانت المجموعة الفرنسية حوالي 19.5% والمجموعة الايطالية كذلك. والمجموعة الألمانية والنمسوية والأمريكية حوالي 11%، ومجلس ادارة البنك 5% والمكتتبين الأثيوبيين حوالي 6% (48). إلى غير ذلك نرى حتى انجلترا ومصر احتفظتا بالسيادة على البنك بحكم أنها أكبر نسبة وبالتالي على اقتصاديات أثيوبيا وتدعيم النفوذ الاقتصادي البريطاني في هذه البلاد (49).

وبعد وصول الامتياز الى البنك الأهلي المصري، وتقديم ماك جيلفري تقريره في 15 مارس سنة 1905 مزكيا قيام بنك الحبشة، ومشروحا حتى هناك مجالات كثيرة يمكن حتى يحقق البنك ارباحا من خلالها والتي تزيد كثيرا عن أرباح أي بنك ينشأ في البلاد المتقدمة، سعى المسئولون في البنك الأهلي المصري الى الحصول على ديكريتومن الخديوي عباس حلمي الثاني يسمح فيه باقامة هذا البنك طبقا للقانون المصري (50). وبالعمل صدر هذا الدكريتوفي 30 مايوسنة 1905، حيث وافق فيه على عقد الشركة الابتدائي المحرر بصفة عهدية في القاهرة في 29 مايوسنة 1905 بين الأجانب سير الوين بالمر، ف. ت. رولت، وماك جليفري وجميعهم من رعايا انجلترا، بوهوبخار، روفائيل فنري، هيمبرت ايبانووهم من رعايا ايطاليا، ألفريد فيبت من رعايا ألمانيا، وذكر حتى هؤلاء مقيمون في القاهرة وأسسوا شركة مساهمة مصرية تدعى "بنك الحبشة" ورخص لها ذلك على عهدتهم ومسئوليتهم في مصر، بحيث لا يترتب لى هذا الترخيص أدنى مسئولية أواحتكار أوامتياز من الحكومة المصرية أوعليها، وبشرط حتى يتبع هؤلاء المؤسسون قوانين القطر المصري وعاداته وأنظمته (51). وفي نفس يوم صدور هذا الدكريتوصدر دكريتوآخر يزيادة رأس مال البنك الأهلي الصمري بمبلغ نصف مليون جنيه هي قيمة راس مال بنك الحبشة المزمع انشاؤه (52).

إلى غير ذلك اتى "بنك الحبشة" على أنه فرع للبنك الأهلي المصري، له وضع خاص بادارة في أديس ابابا والقاهرة، وعين محافظ البنك الأهلي المصري محافظا لبنك الحبشة، ولكن كان له مدير تطبيقي وهيئة ادارية مكونة من جنسيات مختلفة يغلب عليهم الجنسية البريطانية (53). وقد عين ماك جيلفري مديرا تطبيقيا لبنك الحبشة، وتكون مجلس ادارته من ثمانية أعضاء منهم اثنان من الرؤوس الاثيوبيين وقد عين الامبراطور منليك الرئيس الشرفي للبنك الرأس تساما بدلا من الرأس ماكونين الذي توفي سنة 1906، الراس ولد جيورجيس وهما اللذان يمثلان الجانب الأثيوبي في هذا البنك (54) على حتى جميع العاملين في هذا البنك كانوا من اليونانيين والايطاليين والفرنسيين والانجليز لافي المركز الرئيسي في أديس أبابا وفي الفروع الأخرى التي افتتحت في أنحاء الامبراطورية الأثيوبية (55)ز

وبمجرد اعلان تأسيس البنك بدأت اجراءات طرح أسهمه للاكتتاب العام وتحدد أول شهر نوفمبر سنة 1905 موعدا لبدء بيع أسهمه في مصر وسائر العواصم الأجنبية الأخرى (56). وقد بلغ عدد الأسهم 100.000 سهم قيمة جميع سهم منها خمسة جنيهات، وقد أخذت المجموعة المصرية الانجليزي ربع هذه الأسهم، والمجموعة الفرنسية والايطالية الربع الثاني منها، أما ما تظل فقد احتفظ مجلس ادارة البنك منه ب5000 سهما وطرح الباقي (45.000 ) للاكتتاب العام، فطرح في أديس ابابا 7.500 سهم وفي مصر 6.625 سهم ومثلها في جميع من المدن، لندن، باريس، روما، فينا وأخيرا نيويورك (57).

وبالرغم من حتى الثمن المحدد لبيع الأسهم كان خمسة جنيهات، فان القائمين على البنك طرحوها في الأسواق المالية بأزيد من ثمنها هذا، فبيعت في مصر بسبعة وتسعة جنيهات على حتى هذا الثمن لم يستمر طويلا في الأسوال المالية بمصر. اذ سعان ما هبط تدريجيا حتى وصل إلى 6.75 جنيها، وذلك يرجع الى اضطراب الثقة في هذا المشروع ولأن مستقبله محفوف بالمخاطر وقائم في بلاد لا تعهد حتى هذا الوقت قيمة التعهدات، هذا بالاضافة الى حتى مصر كانت تمر بأزمة ثقفة في المصارف والأوراق المالية فقل اقبال الناس عليها مما أدى الى هبوط أسعارها الاسمية في الأسواق المالية، وبالطبع تأثرت أسهم بنك الحبشة، بل حتى اسهم البنك الأهلي المصري نفسه تأثرت. فانخفض ثمن السهم بأزيد من جنيهين (58). وظلت أسهم بنك الحبشة في الانخفاض حتى اتى الوقت الذي سارت تباع فيه بأقل من ثمنها الأصلي أي أقل من خمسة جنيهات (59).

وعلى أي حال فقد افتتح الامبراطور منليك البنك في 15 فبراير سنة 1906، وذلك في قصر الرأس ماكونين، وفي هذا القصر المركز الرئيسي للبنك حتى يناير سنة 1910 عندما انتقل الى مبنى حديث صممه وبناه المهندسون الايطاليون، كذلك انشئت فروع للبنك في ديرداوا في سنة 1908، وجوري وجامبيلا، سايو، في سنة 1912 ، في دبسي وجيبوتي في سنة 1920. وظل محافظوالبنك من الرعايا البريطانيين يعينهم البنك الأهلي المصري وذلك حتى سنة 1931 عندما أمم وأصبح خاضعا للحكومة الأثيوبية (60).

ومن البداية قابل البنك مشاكل جدية خطيرة، فقد كان عليه حتى يغطي المرتبات الكبيرة لموظفيه وتكاليف الادارة للبنك وفروعه في أنحاء أثيوبيا، وكانت هناك صعوبة أخرى قابلت البنك، تتمثل في اصطدامه بمصالح المستثمرين الأجانب في بلد بعيدة كأثيوبيا بحاجة الى مجهودات ضخمة لكي تبدأ في اعطاء عائد مجز لها، كذلك لم يجد البن قبولا من المستثمرين الأثيوبيين الذين لم تجذبهم معدل الفائدة المنخفض (3%) لايداعاتهم، مفضلين استثمار أموالهم في الأرض، كما حتى عملية الاقراض كانت تتم بين الأثيوبيين بمعدل فائدة (10) شهريا، هذا بالاضافة إلى احتياج الشعب الأثيوبي الى وقت كاف لادراك وفهم أهمية وفائدة البنوك. اذ لم ينظروا اليه الا على أنه يقرض جميع أفراد الشعب، وحتى الحكومة الأثيوبية لم تستعمل البنك كما كان متسقطا فهي لم تضع دخلها القومي المتراكم في البنك ولكنه كان يخبأ في القصر الامبراطوري (61).

وساعد على بطء تقدم هذا البنك عدم اكتمال بناء الخط الحديدي ومده الى أديس أبابا، وبالتالي تفرعه الى المدن والانطقيم المجاورة مما يؤدي إلى وجود شبكة مواصلات جيدة تساعد على رواج التجارة فتزداد معاملات التجارة مع البنك، هذا بالاضافة الى حتى الأثيوبي لا يعهد ولا يفهم معنى التجارة، ولذلك فقد كانت الأعمال التجارةي يقوم بها الأوروبيون والهنود واليمنيون والعرب، وكان عدد الأوربيين قليلا والفئات الأخرى لها عاداتها التجارية المستقلة عن البنوك (62). لذلك كان التقدم في هذه الظروف بطيئا، فلم تحصل أرباح مجزية حتى سنة 1914، اذ كان السهم يدر عائدا وقف عند أربعة أوخمسة شلن فقط، الا أنها قفزت في السنة المذكورة الىعشرة شلن وبعد ذلك الى 40 شلن، وكان السبب وراء ذلك تدهور الفرنك الفرنسي نتيجة الحرب العالمية الأولى، على أنه بعد انتهاء الحرب بدأ البنك يعطي عائدا 3.5 % لحاملي أسهمه، تزايدت بعد ذلك الى 4.5% واستمرت هذه الزيادة ، نتيجة لازدياد أعمال البنك المالية وتطورها وذلك حتى سنة 931 سنة التأميم (63).

وقد ظل هذا البنك خاضعها للبنك الأهلي المصري طوال هذه المدة (19.6-1931) في ادارته وتوجيه سياسته، وكانت جمعيته العمومية تعقد في مصر سنويات بمقر البنك الأهلي المصري بالقارة، حيث ينظر في تقرير مجلس ادارة بنك الحبشة وتقرير مراقبي الحسابات، والحسابات الختامية للعام السابق، وتعيين مراقبين للعام الالي، وتقدير المكافأة التي تمنح لهم. وكان لكل مساهم في البنك يحمل على الأقل خمسة أسهم، الحق في حتى يحضر هذه الجلسة، وذلك بشرط ايداعها باحدى المراكز التي يحددها البنك الألي المصري سواء في مصر أوفي الخارج وذلك قبل عقد الجلسة بخمسة أيام على الأقل يحصل بعدها على تذكرة تسمح له بحضور الجلسة (64)، وظل هذا التقليد ساريا حتى بطل بانتنطق ملكية بنك الحبشة الى الحكومة الأثيوبية (65).


تصفية بنك الحبشة

منذ حتى وصل الرأس تفري الى الحكم في سنة 1917 وهويعمل على تطوير إثيوبيا وتحديثها لذلك فقد كان هووأتباعه وراء حركة المعارضة التي ظهرت منذ سنة 1882، لاستمرار وجود مؤسسة مصرفية خارجية تستغل بلادهم وتحقق ربحا حقيقيا كبيرا لصالحها. وقد تزايدت هذه المعارضة خصوصا بعد حتى عبر أحد الماليين البلجيكيين من الكونجوعن أمانيه في التعاون في اقامة بنك تملكه الحكومة الأثيوبية (183). وعلى ذلك أوفد الامبراطور هيلاسلاسي بعد حتى توفيت الامبراطورة زوديتووفدا الى القاهرة مكونا من أتوماكونن وهومن كبار مجلس أديس أباب البلدي، لمفاوضة البنك الأهلي المصري الذي يملك "بنك الحبشة" تمهيدا لشرائه (184).

وكانت الحكومة الاثيوبية قد استعدت لشراء بنك الحبشة، بأن فرضت ضريبة فادحة على جميع الواردات ما عدا مواد البناء والماكينات والسيارات والبنزين، ومن حصيلة هذه الضرائب تحصل على الأموال اللازمة لشراء البنك ولادخال نظام ثابت للعملة المضىية واصلاح نظام النقد في البلاد (185).

وقد نجحت المفاوضات بين مندوبي أثيوبيا والبنك الأهلي المصري، واتفق الطرفان على حتى تأخذ أثيوبيا البنك بشروط يراعا مجلس ادارته أنها في مصلحة المساهمين، وعرضت هذه الشروط على جمعية عمومية للمساهمين عقدت في القاهرة في شهر سبتمبر 1930 وذلك لاقرارها (186). وبالعمل فقد وافق أغلب المساهمين، وتنازلت الجمعية العمومية عن الادارة وعن امتيازه وممتلكاته وجميع حقوقه لقاء ما تدفعه الحكومة لها نقدا من المضى يساوي تلك الممتلكات والمباني والحقوق هذا علاوة على مكافأة مالية لا تقل عن أربعين ألف جنيه. وقد دفعت الحكومة الأثيوبية حتى أواخر سنة 1839 0 125 ألف جنيه مضىيا والباقي يدفع قبل أواخر العام التالي (187).

وعندما تمت تصفية أعمال البنك القديم، أعرب ذلك فيعشرة اكتوبر 1931 وخطت ادارة هذا البنك المصفى الى عملائه بأن يستردوا ودائعهم وأوراقهم منه اذا شاءوا أويرخصوا بنقلها الى البنك الأهلي الإثيوپي (188). وقد صدر مرسوم في القاهرة بتاريخ 29 أغسطس 1931 بتصفية بنك الحبشة واحلال البنك الأهلي الاثيوبي محله ليقوم بالأعمال التي كان يقوم بها "بنك الحبشة"، وان كان اختلف عنه في أنه أصبح بنكا وطنيا في جميع أعماله محافظ بنك الحبشة المصفى نائبا للرئيس، وكان أغلبية مجلس الادارة للأثيوبيين وان استمر الموظفون في البنك المصري يعملون في البنك الجديد، الذي شغل نفس مقاره سواء في أديس أباب أوفي فروعه الأخرى في أنحاء أثيوبيا وخارجها. كما حتى الحكومة الاثيوبية تملك 60% من رأس ماله وطرح الباقي للاكتتاب العام (189).

على حتى تصفية بنك الحبشة وانشاء بنك وطني أثيوبي لا يعني حتى العلاقات التجارية قد انتهت بل استمرت ولكنها كانت محدودة جدا، وتحت البحث والدراسة من كلا البلدين لفهم امكانية التوسع التجاري بينهما (190). ومع ذلك فقد عقد اتفاق تجاري مؤقت بين البلدين في أواخر شهر ديسمبر 1920. وكان هذا الاتفاق قد اعتمد على خطابين متبادلين بين قنصل مصر في أديس أبابا ووزير الخارجية الأثيوبي. وبموجب هذا الاتفاق تقبل الحكومة المصرية تطبيق معاملة الدولة الأكثر امتيازا على جميع الحاصلات والمصنوعات المنتجة أصلا في أثيوبيا والتي تستورد الى مصر للاستهلاك المحلي فيها أوتصدر منها أوتعبرها الى بلاد أخرى. وتطبق هذه المعادلة بصفة مؤقتة على الوارد من هذه المنتجات الى مصر عن طريق بلاد لم تعقد مع مصر اتفاقات تجارية. وهذه المعاملة تقوم على شرط المعاملة التامة بالمثل مع استثناء المعاملة الخاصة بالحاصلات السودانية والتي قد تطبق على حاصلات البلاد المتاخمة بمقتضى اتفاقات محلية خاصة بها. وقد وافقت الدولتان مصر وأثيوبيا على أحكام هذه الاتفاقية وبدأ العمل بها من 29 ديسمبر سنة 1930 (191).

وبالرغم من ذلك، فقد ظلت الحركة التجارية محدودة بين البلدين، بدليل حتى واردات مصر من أثيوبيا لم تكن تقارن بما تصدره مصر اليها، فقد بلغت واردات مصر من أثيوبيا في سنة 1933 (85) جنيها مصريا تقريبا، وتتمثل هذه الواردات في الماشية والدجاج والبن والجلود وغيرها، أما صادرات مصر الى أثيوبيا في نفس العام فكانت 1932 جنيها مصريا، وتتمثل هذه الصادرات في البصل والثوم والصودا الكاوية والأحذية والجلود وخيوط الحرير الطبيعي والمنسوجات الحريرية (192). وعندما اكتمل تبادل التمثيل القنصلي بين البلدين في أواخر سنة 1934 بدأ القنصل الأثيوبي الجديد في مصر يفهم امكانيات تجارية بينهما (193)، على حتى هذا القنصل لم يستمر طويلا في منصبه اذ سرعان ما نقل، وحل محله قنصل آخر (194)، ثم تأزمت الأمور بين ايطاليا وأثيوبيا أدت بعد ذلك الى قيام الحرب بينهما واحتلال الأولى للثانية. وبذلك لم تتطور العلاقات التجارية عن ذلك.

تاريخ النشر: 2020-06-04 14:05:37
التصنيفات: العلاقات الإثيوپية المصرية, التاريخ الاقتصادي لإثيوپيا, البنك الأهلي المصري, انحلالات 1936

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

وكيل «الشباب والرياضة» بالدقهلية يتفقد أندية ومراكز شباب المنزلة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-14 00:20:45
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 53%

«الصحة»: تسجيل 2131 إصابة جديدة بكورونا.. و57 حالة وفاة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-14 00:20:39
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 66%

ياسمين سمير: «كنز الدنيا» محطة فارقة فى مشواري

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-14 00:20:49
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

السياحة والآثار تبحث الاستفادة القصوى من مؤتمر تغير المناخ

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-14 00:20:41
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 55%

محافظ بورسعيد: حركة التنقلات في الأحياء هدفها جودة الأداء

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-14 00:20:46
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 67%

أبوعاصى: الأزهر يحرم الزواج الثانى فى حالة الإضرار بالزوجة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-14 00:20:39
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 62%

الصحة التونسية: تطعيم 3092 شخصا خلال ال24 ساعة الماضية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-14 00:20:50
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 70%

تعرف على بوابة الوظائف الحكومية لعام 2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-14 00:20:41
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 67%

حصاد وزارة الري اليوم.. أسبوع القاهرة للمياه منصة دولية للحوار

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-14 00:20:42
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 59%

بدون إصابات بشرية.. إخماد حريق في أحد الشقق السكنية بـ" 6 أكتوبر"

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-14 00:20:46
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

إحالة المتهم بانتحال صفة ضابط شرطة ونصب كمائن بالطريق للمحاكمة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-14 00:20:47
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 59%

عم الطفل فواز القطيفان يكشف تفاصيل تحريره

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-14 00:20:39
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 58%

محمد جبر: أحلم بفؤاد المهندس ونجيب الريحانى ومحمد صبحى (حوار)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-14 00:20:40
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 62%

بالأرقام .. تعرف على جهود قطاع أمن الموانيء والمنافذ .. "إنفوجراف"

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-14 00:20:47
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 56%

تحميل تطبيق المنصة العربية