تاريخ أيرلندا

عودة للموسوعة

تاريخ أيرلندا

جزء من عن
زمني
قبل التاريخ
التاريخ المبكر
ايرلندا المسيحية المبكرة
Early medieval and Viking era
ايرلندا النورمانية
ايرلندا الحديثة المبكرة 1536–1691
ايرلندا 1691–1801
ايرلندا 1801–1922
تاريخ ايرلندا (دولة)
تاريخ ايرلندا الشمالية
موضوعات
التاريخ الاقتصادي
بوابة ايرلندا


أيرلندا 160-529

يقول الأيرلنديون- ولا نستطيع حتى نكذبهم فيما يقولون- إذا جزيرتهم جزيرة الضباب والفاكهة الرطبة "قد سكنها في أول الأمر اليونان والسكوذيون قبل ميلاد المسيح بألف عام أوأكثر، وإن زعماءهم الأولين كتشلين Cutchalain، وكونور Conor، وكونال Conall، من أبناء الآلهة(12). وقد مس هملكوHimilco المستكشف الفينيقي أرض أيرلندة حوالي عام 510 ق.م. ووصفها بأنها بلاد خصبة كثيرة السكان". ولعل جماعة من المغامرين الكلت قد عبروا البحر إلى أيرلندة من غالة أوبريطانيا أومنهما معاً في القرن الخامس قبل الميلاد، وغلبوا الأهلين الأصليين الذين لا نعهد عنهم شيئاً.

ويبدوحتى قد اتىوا معهم إلى أيرلندة بثقافة عصر الحديد الهولستاتية Hallstatt ، كما اتىوا معهم بنظام قوي من الصلات العائلية يجعل الفرد فخوراً بقبيلته فخراً يمنعه حتىقد يكون دولة مستقلة، وظلت القبائل تحارب بعضها بعضاً، والممالك تقتتل نحوألف عام، فإذا سكتت حرب القبائل أوالممالك فترة من الزمان اقتتل أفراد القبائل فيما بينهم؛ فإذا ماتوا دفن الأيرلنديون الصالحون قبل أيام القديس باهجر Patrick ، واقفين متأهبين للقتال ، ووجوههم متجهة نحوأعدائهم. وقد توفي معظم ملوك البلاد في المعارك الحربية أواغتيلوا.

وتقول الروايات الأيرلندية إنه كان من حق هؤلاء الملوك حتى يفضوا بكارة جميع زوجة قبل حتى يسلموها إلى زوجها، ولعلهم كانوا يعملون هذا لأنه فريضة تتطلبها الرغبة في تحسين النسل ، أولعلهم كانوا يعملونها بوصفهم خدام الآلهة الذين يتطلبون حتى يجنوا هم أولى الثمار. وقد وُجِّه إلى الملك كنكوبار Conchobar أعظم الثناء لحرصه الشديد على أداء هذا الواجب. وكانت جميع قبيلة تحتفظ بسجل لأفرادها، ونسبهم، ولملوكها ووقائعها الحربية، وتاريخها القديم "منذ بداية العالم".

وفرض الكلت سلطانهم على البلاد بوصفهم الطبقة الحاكمة، ووزعوا قبائلهم في خمس ممالك؛ ألصتر Ulster، ولينستر Leinster الشمالية، ومونستر Munster، وكنوث Connaught. وكان جميع ملك من هؤلاء الملوك تام السيادة في مملكته، ولكن القبائل كلها رضيت حتى تكون تارا Tara من أعمال ميث Meath عاصمتها القومية ، فيها يتوج جميع ملك من الملوك ، وفيها يجمع في بداية حكمة الفيس Feis أومؤتمر أعيان أيرلندة كلها لإقرار التشريعات التي تخضع لها الممالك بأجمعها ، ولتسليم أنساب القبائل وتدوينها، ثم تسجيلها في المحفوظات الأهلية. وشاد الملك كرماك ماك إيرت Cormac Mac Airt في القرن الثالث بهواً كبيراً لا يزال أساسه باقياً حتى الآن لتعقد فيه جلسات هذا المؤتمر. وكان مجلس إقليمي يدعى الأوناك Aonach يجتمع مرة جميع سنة أوجميع ثلاث سنين في عاصمة جميع مملكة، ليسن قوانينها، ويقر الضرائب التي يجب على أهلها أداؤها، ويقوم بوظيفة محكمة الإقليم. وكانت الألعاب والمباريات تسير على النمط التقليدي الآتي: الموسيقى، والغناء، وألعاب الشعوذة؛ والتمثيل الهزلي، والقصص، وإنشاد الشعر وكانت تعقد في أثنائها الزيجات فتزيدها بهجة، وكان عدد كبير من السكان يشهجرون في هذه الحفلات. ويبدولمن يرجع بفكره من خلال القرون الطوال، التي تخلع على القديم رواء وسحراً، إلى هذا التوفيق بين الحكومة المركزية والحرية الإقليمية أنه هوالمثل الأعلى للنظم الحكومة. وظل المؤتمر (الفيس Feis) قائماً حتى عام 560 ، أما المجلس المحلي (الأوناك Aonach) فقد بقي حتى عام 1168.

وأول شخصية نستطيع حتى نعدها وتقين شخصية تاريخية بحق هي شخصية تواثال Tuathal الذي حكم لينستر Leinster وميث حوالي عام 160 م. ومن ملوك أيرلندة أيضاً الملك نيال Niall (حوالي 358) الذي غزا ويلز وعاد منها بغنائم لا تحصى، وأغار على غالة ، ثم اغتال رجل من أهل أيرلندة عند نهر اللوار. وكان معظم ملوك أيرلندة الذي اتىوا بعده من نسله. وفي السنة الخامسة من حكم ولده ليجير Laeghaire (ليري Leary) وفد القديس بتريك على أيرلندة. وكان الأيرلنديون قد استنبطوا لهم حروفاً هجائية مكونة من خطوط مستقيمة؛ وكان لهم أدب واسع من شعر وقصص يأخذه الناس مشافهة بعضهم عن بعض، وكانت لهم مصنوعات طيبة من الزخرف والبرونز والمضى. وكان دينهم من أديان الشرك وعبادة الطبيعة؛ فكانوا يعبدون الشمس والقمر وغيرهما من مختلف الأجسام الطبيعية، وقد أسكنوا بقاعاً لا حصر لها في أيرلندة بالجن والشياطين والعفاريت.

وكانت طائفة من الكهنة ذوي الثياب البيض تتنبأ بالغيب ، وتسيطر في زعمها على الشمس والرياح بعصى وعجلات سحرية، وتنزل أمطاراً وتوقد نيراناً سحرية، وتحفظ أخبار القبائل وأشعارها عن ظهر قلب، وتلقنها إلى من يأتون بعدها، وتدرس مواقع النجوم، وتفهم الشبان، وتسدي النصح إلى الملوك، وتجلس للقضاء بين الناس، وتسن الشرائع، وتقرب القرابين للآلهة من فوق مذابح قائمة في الهواء الطلق. وكان من بين أوثانها المقدسة تمثال مغطى بصفائح المضى يسمونه كرم كرواك Crom Cruach؛ وكان هوإله جميع القبائل الأيرلندية؛ ويلوح أنه كان يُقَرَّب إليه الابن الأول الذي يولد لكل أسرة في البلاد(18) -وربما كان منشأ هذه العادة الرغبة في الحد من كثرة النسل. وكان أيرلنديون يؤمنون بتجسد الأرواح بعد الموت، ولكنهم كانوا يحملون بوجود جزيرة سماوية وراء البحر، "ليس فيها عويل أوغدر، ولا خشونة أوعنف، بل فيها موسيقى حلوة تشنف الأسماع، وفيها أرض جميلة عجيبة ذات منظر لا يدانيه شيء آخر في روعته وبهائه". وتقول إحدى القصص إذا الأمير كونال Couall تأثر بهذا الوصف فأبحر في قارب من اللؤلؤ ليكشف هذه الجزيرة السعيدة.


القديس باتريك

وكانت المسيحية قد دخلت إنجلترا قبل قدوم القديس بتريك إليها بنحوجيل أوكثر من جيل. وقد ورد في أحد التواريخ الإخبارية، التي يؤيدها بيدي، ضمن حوادث عام 431 حتى "الباب سلستيني Celstine قد رسم بلديوس Palladius أسقفاً وأوفده إلى من يؤمنون بالمسيح من الأيرلنديين ليكون أول أسقف لهم"، لكن بلديوس توفي ذلك العام ذاته ونال القديس بتريك راعي أيرلندة وحاميها شرف اعتناق أيرلندة الممضى الكاثوليكي الذي لم تتحول عنه قط.

وكان مولده حوالي 389 في قرية بنافنتا Bonnaventa من قرى غربي إنجلترا ، من أسرة متوسطة الثراء والجاه. وإذ كان طفل ابن مواطن روماني فقد سمي باسم روماني هوبتريكيوس Patricius. ولم ينل من التعليم إلا قسطاً قليلاً، ولهذا كان يعتذر للناس عن خشونة، ولكنه تفهم الكتاب المقدس دراسة متقنة يستطيع معها حتى يورد منه شواهد من الذاكرة في جميع ما يعرض له من المناسبات. ولما بلغ السادسة عشرة من عمره أسره جماعة من المغيرين الأسكتلنديين" (أي الأيرلنديين) واتىوا به إلى أيرلندة، حيث أقام ست سنين يرعى الخنازير. و"تحول" في هذه الساعات التي كان يقضيها بعيداً عن الخلق فتبدلت حاله من عدم المبالاة بشؤون الدين إلى الصلاح البالغ الحد؛ ويقول هوعن نفسه إنه كان يستيقظ في جميع يوم قبل الفجر، ثم يخرج للصلاة مهما يكن الجو-سواء كان يتساقط فيه البرد أوالمطر أوالثلج. ثم استطاع آخر الأمر حتى يفر، واتخذ سبيله إلى البحر، وعثر عليه جماعة من الملاحين في مكان مقفر، فأخذوه معهم إلى غالة أولعلهم أخذوه إلى إيطاليا. ثم تمكن من حتى يسلك سبيله إلى إنجلترا، وأن ينضم مرة أخرى إلى أسرته، وأن يعيش معها بضع سنين.

ولكن شيئاً ما نادىه حتى يعود إلى أيرلندا - وقد يحدث هذا الشيء هوذكرى جمالها الريفي، أوطيبة قلوب أبنائها وحنوهم. وفسر هوهذا الإحساس بأنه رسالة إلهية، تدعوه إلى نشر المسيحية بين الأيرلنديين. فمضى من ليرنز Lerins وأوكسير Auxerr ودرس اللاهوت، ورسم قسيساً. ولما وصل إلى أوكسير نبأ وفاة بلديوس، عين بتريك أسقفاً، ومنح بعض مخلفات بطرس وبولس، وأوفد إلى أيرلندا.

ووجد فيها ملكاً وثنياً مستنيراً يدعى ليجير يجلس على عرش تارا. وعجز بتريك عن هداية هذا الملك إلى الدين المسيحي، ولكنه حصل على عهد منه بأنقد يكون له مطلق الحرية في التبشير بهذا الدين. وقاومه كهنة البلاد، وعرضوا على البلاد سحرهم. وقابل بتريك عملهم هذا بأن عرض على الأهلين تعاويذ طاردي الأرواح الخبيثة، وهم طائفة من صغار الكهان اتى بهم معه ليستعينهم على طرد الشياطين. ويحدثنا بتريك في "الاعترافات" التي خطها حين تقدمت به السن عما تعرض له من الأخطار في عمله فيقول: إذا حياته تعرضت للخطر اثنتي عشرة مرة؛ وإنه هوورفاقه قبض عليهم في يوم من الأيام، وظلوا في الأسر أسبوعين، وهددوا بالقتل، ولكن بعض أصدقائهم أفلحوا في إقناع من قبضوا عليهم بإطلاق سراحهم. وتقص الروايات المتواترة الصادرة عن بعض الأتقياء الصالحين من الكتاب مئات من القصص المدهشة عن معجزات بتريك. من ذلك ما نطقه ننيوس Nennius من أنه "رد البصر للعمي والسمع للصم ، وطهر المجذومين، وأخرج الشياطين، وأعاد الأسرى، وأحيا تسعة من الموتى وخط 365 كتاباً". ولكن أغلب الظن حتى أخلاق بتريك لا معجزاته هي التي هدت الأيرلنديين إلى الدين المسيحي - هدنهم ثقته التي لا تتزعزع بعقيدته، ودأبه على عمله وتحمسه له. ولم يكن الصبر من طبعه، وكان استعداده لأن يصب اللعنات لا يقل عن استعداده لمنح البركات(24)، على حتى هذا العمل نفسه كان يصدر عن إقناع تمليه عقائده الواثق بها والتي لا يقبل فيها جدلاً. وكان يعين القساوسة، ويشيد الكنائس، وينشئ الأديرة للرجال والنساء، ويهجر حاميات روحية قوية لتقوم بحراسة فتوحه الدينية في جميع مكان غزاه، وجعا الناس يظنون حتى قبولهم في دولته الكهنوتية مغامرة من أسمى المغامرات وأجلها خطراً، وجمع حوله رجالاً ونساء من ذوي الشجاعة والإخلاص، يتحملون جميع الحرمان ليبشروا الناس بأن الإنسان قد نجا من الخطيئة. على حتى بتريك لم يهد أيرلندة كلها، بل بقيت فيها للوثنية جيوب منعزلة، كما بقي لها شعرها، ولا تزال فيها إلى الآن آثار من الدين القديم، لكنه حين واتته منيته (461) كان يمكن حتى ينطق عنه؛ ما لا حتى ينطق عن رجل غيره. وهوحتى رجلاً واحداً قد هدى أمة بأجمعها.

وأقرب الناس بعده لقلوب الأيرلنديين امرأة كان لها أكبر الفضل في تثبيت نادىئم نصره، تلك هي القديسة بردجد Brigid وينطق إنها ابنة عبد وملك؛ ولكننا لا نعهد عنها شيئاً موثوقاً به قبل حتى تترهب في عام 476. وقد استطاعت حتى تنشئ كنيسة شجرة البلوط (كل دارا Cill Dara) بعد حتى تغلبت على عقبات يخطئها الحصر؛ ولا يزال الموضع الذي أقامتها فيه يسمى بهذا الاسم كلدير Kildare حتى اليوم. وسرعان ما استحالت الكنيسة ديراً للرجال وللنساء، ومدرسة لا تقل شهرة عن المدرسة الأخرى التي قامت في أرماغ Armagh. وتوفيت بردجد في عام 525، معززة مكرمة من جميع الأيرلنديين، ولا يزال عشرة آلاف من الأيرلنديات يسمين باسم ماري الجيلية Mary of Gael. وبعد جيل من ذلك الوقت صب القديس روادهان لعنة على تارا؛ ثم هجرت الأبهاء القديمة بعد عام 558 حين توفي الملك ديرمويد Diarmuid، واعتنق ملوك أيرلندا الدين المسيحي وإن ظلوا مع هذا وثنيين في ثقافتهم.

أيرلندا المسيحية المبكرة400-800

Kevin's monastery at Glendalough, Co. Wicklow.


كانت أيرلندة في الفترة الواقعة بعد موت القديس بارتك والقرن الحادي عشر مقسمة إل سبع ممالك، منها ثلاث في ألصتر Ulster، أما الباقية فهي كنوت Connought، ولينستر Leinster، ومنشستر Munster؛ وميث Meath. وكانت هذه الممالك تحارب بعضها بعضاً في أغلب الأوقات لأنها لم تستطع الانتنطق إلى آفاق من الحياة أوسع من آفاقها الضيقة؛ ولكننا نسمع من بداية القرن الثالث الميلادي من غارات يشنها الأيرلنديون على السواحل البريطانية الغربية، وعن محلات أيرلندية في هذه السواحل. ويسمي الإخباريون هؤلاء المغيرين بالاسكتلنديين Scots-ويبدوحتى هذا اللفظ لفظ أيرلندي معناه الجوالون، وإذا ذكر هذا اللفظ متصلاً بهذه الفترة من الزمن فمعناه الأيرلنديون. ولم تنبتر الحروب في أثنائها؛ وظلت النساء حتى عام 590 يطلبن إلى الاشتراك في القتال، والرهبان والقساوسة يدعون إليه إلى جانب غيرهم ممن هم أكثر اعتياداً له، وكان ثمة قانون يماثل في جوهره قوانين "البرابرة" الذين يسكنون القارة الأوربية، ويشرف على تطبيق البريهون Brehons-وهم قضاة من رجال القانون مدربون أحسن تدريب، كانوا منذ القرن الرابع يعلّمون في مدارس الحقوق ويؤلفون رسائل قانونية باللغة الجيلية Gaelic(33).

ونجت أيرلندة كما نجت اسكتلندة من الفتوح الرومانية، ولهذا فإنها لم تتح لها نعمة الاستمتاع بالقانون الروماني وبالحكومة المنظمة، فلم يفلح قانونها يوماً من الأيام في استبدال الأحكام القضائية بعادات الثأر والانتقام، أوالتأديب بالانفعال. وظلت الحكومة قائمة على الأساس القبلي، ولم فلح قط في تحقيق الوحدة القومية أوالنظرة القومية الكاملة.

وكانت الأسرة هي الوحدة التي يقوم عليها المجتمع وشئونه الاقتصادية. ويتألف من عدة أسر بطن، ومن عدة بطون عمارة، ومن عدة عمائر قبيلة. وكان المفروض حتى جميع أفراد القبيلة أبناء رجل واحد، وأخذت كثير من الأسر تضيف اسم القبيلة التي تنتمي إليها Ul أوO' (حفيد) للدلالة على نسبها، فأسرة أونيل مثلاً تقول إنها تنسب إلى نيال جلندبة Mial Glundubh ملك أيرلندة في عام 916. واتخذت أسر أخرى لنفسها اسم أبيها ولم تضف إليه إلا لفظ ماك Mac أي ابن. وكانت معظم الأراضي في القرن السابع ملكاً مشهجراً للبطون أوالعمائر(34)، وكانت الأملاك الفردية الخاصة مقصورة على الأدوات والبضائع المنزلية(35)؛ ولكن الملكية الفردية انتشرت في البلاد قبل حتى يحل القرن العاشر الميلادي، وسرعان ما نشأت طبقة أرستقراطية صغيرة العدد يمتلك أفرادها ضياعاً واسعة، كما نشأ عدد لا حصر له من الزراع الأحرار، وطبقة صغيرة من مستأجري الأرض، وطبقة أخرى من العبيد أصغر عدداً من أولئك المستأجرين(36). وظل الأيرلنديون في القرون الثلاثة التي أعقبت دخول المسيحية في البلاد (461-570) متأخرين عن الإنجليز من الناحيتين المادية والسياسية، أما من الناحية الثقافية فقد كانوا في أغلب الظن أرقى جميع الشعوب التي تسكن في شمال جبال البرانس والألب.

ويرجع هذا الاختلاف العجيب بين الناحيتين المادية والسياسية من جهة والناحية الثقافية من جهة أخرى إلى مسببات كثيرة: تدفق الفهماء الغاليين والبريطانيين الفارين من الغارات الألمانية في القرن الخامس، وازدياد الصلات التجارية بالبريطانيين والغاليين، ونجاة أيرلندة قبل القرن التاسع من الهجمات الأجنبية، وقد افتتح فيها الرهبان، والقساوسة، والراهبات مدارس كثيرة مختلفة الأنواع والدرجات؛ منها مدرسة في كلونارد Clonard أنشئت في عام 520 كانت تضم 3000 طالب (إذا أخذنا بأقوال المؤرخين المشايعين لوطنهم(37))؛ ومدارس أخرى في كلنماكنويس Clonmacnois (544)، وكلنفرت Clonfert (550)، وبنجور Bangor (560). وكان عدد غير قليل من هذه المدارس يعد للطلاّب مناهج تستمر أثني عشر عاماً تؤدي إلى درجة الدكتوراه في الفلسفة، وتضم دراسات للكتاب المقدس، وأصول الدين، والآداب اللاتينية واليونانية القديمة، ونحواللغة الجيلية وآدابها، وعلوم الرياضة والهيئة، والتاريخ والموسيقى، والطب والقانون(38). وكان ينفق على فقراء الطلبة ممن لا يستطيع آباؤهم حتى يعولوهم من الأموال العامة، لأن كثرة الطلبة كانت تعد نفسها لخدمة الدين، ولهذا لم يكن الأيرلنديون يضنون بأي بذل في سبيل إعداد الطلاب لهذه المهنة. وظلت هذه المدارس تدرس اللغة اليونانية بعد حتى كاد الفهم بهذه اللغة يختفي من أوربا الغربية بزمن طويل. وقد تفهم ألكوين في مدرسة كلنما كنويس، وفي أيرلندة تفهم جون اسكوتس إرجينا John Scotus Erigena اللسان اليوناني الذي جعله موضع إعجاب شارل الأصلع في فرنسا.

وكان مزاج هذا العصر وآدابه يساعدان على نشأة الأقاصيص والروايات الغرامية، لكن بعض العقول كانت تتجه إلى العلوم الطبيعية في أماكن متفرقة من البلاد، نذكر من أصحاب هذه العقول دنجال Dungal العالم الفلكي، وفرجيل Fergil العالم في الهندسة النظرية الذي فهم قومه حتى الأرض كروية، ودكويل Dicuil العالم الجغرافي الذي أعرب كشف أيسلندة على أيدي الرهبان الأيرلنديين في عام 795؛ والذي أوضح شد الضوء في منتصف ليالي الصيف الأيرلندي بقوله إذا في وسع الإنسان حتى يجد وقتئذ من الضوء ما يمكنه من تنقية البراغيث من قميصه(39). وكان النحويين كثيري العدد، ويكفي سبباً لهذه الكثرة حتى فهم العروض في أيرلندة كان في ذلك الوقت أكثر تعقيداً منه في أي مكان آخر. كذلك كان الشعراء كثيرين، وكانت لهم في المجتمع منزلة عالية، وكانوا في العادة يجمعون إلى قرض الشعر وكتابة التواريخ وظائف التدريس والمحاماة ويجتمعون في مدارس للشعر حول شاعر نابه، ولهذا ورثوا كثيراً مما كان للكهنة الدرويد Druid قبل دخول المسيحية في البلاد من سلطات وامتيازات خاصة. وظلت مدارس الشعراء هذه مزدهرة من القرن السادس إلى القرن السابع عشر دون انقطاع، وكانت تعتمد في العادة على ما تهيئه لها الكنيسة أوالدولة من أرضين(40). وازدان القرن العاشر بأربعة شعراء قوميين مشهورين: فلان ماك لونين Flanne Mac Lonin، وكنث Kenneth، وأهارتجان O,Hartigan، وإيوكيد أفلين Eochid 'Flainn، وماك لياج Mac Liage الذي اتخذه الملك بريان بوروBrain Boru شاعر بلاطه.

واتخذت قصص أيرلندة في ذلك العصر صورة أدبية، وكان جزء كبير من مادة هذه القصص متداولاً قبل أيام بتريك، ولكن الناس كانوا يتناقلونها شفوياً ثم صيغت وقتئذ في نطقب من النثر الموزون، والشعر الغنائي وما من شك في حتى شعراء ذلك العصر هم الذين وضعوها في نطقبها الأدبي، وإن لم تصل إلينا مخططة إلا بعد القرن الحادي عشر. ومن هذه القصص طائفة متصلة الحلقات تخلد ذكرى آباء الشعب الأيرلندي الأسطوريين. فمنها طائفة "فنية Fenion" أو"أسيانية Ossianic" تقص في شعر حماسي مثير مغامرات البطل الخرافي فن ماك-كمهيل Finn Mac Cumhail وأبنائه وحفدته الفيانا Fianna أوللفنيين Flinains. وتعزوالروايات المتداولة معظم هذه القصائد إلى أسيان Ossian بن فن Finn، الذي عاش، كما تقول الروايات، ثلاثمائة عام ومات في أيام القديس بتريك، بعد حتى وهب القديس قسطاً من عقله الوثني. وتدور طائفة حماسية من القصص حول كوشولين Cuchulain الملك الأيرلندي، الذي نشهده في مائة منظر داعر من مغامرات الحرب والحب. وأجمل سيرة في هذه المجموعة تروي سيرة ديردر Deirdre ابنة فليم Felim كبير شعراء الملك كونور Conor ومضمونها حتى قساً درويدياً يتنبأ لها ساعة مولدها بأنها ستسبب كثيراً من النكبات لبلادها ألصتر؛ ويحمل الشعب عقيلته قائلاً: "فلتذبح"، ولكن الملك كونور يحميها من غضب الشعب، ويربيها، ويعتزم الزواج بها. وتزداد الفتاة جمالاً على مر الأيام، ثم تبصر ذات صباح الفتى ناأويز Naoise الوسيم يلعب الكرة مع غيره من الشبان، وتلتقط الفتاة كرة ألقيت خطأ وتعيدها إليه، و"ضغط على يدي وهومبتهج". وتؤثر هذه الحادثة في عواطفها الناضجة فترجوخادمتها الخاصة قائلة: "أي مربيتي الرقيقة، إذا كنت تحبين لي الحياة، فاحملي مني رسالة إليه، وقولي له حتى يأتي ليتحدث إليَّ سراً في هذه الليلة". ويقبل ناأويز ويغترف من حبها حتى يسكر، ثم يأتي إليها هووأخواه إينل Ainnle وأردان Ardan في الليلة الثانية وينقلانها برضاها بطريق البحر إلى اسكتلندة. ويقع أحد ملوك اسكتلندة أسير هواها، فيخفيها الأخوة الثلاثة في شعاب الجبال، ثم يبعث الملك كونور بعد حين رسالة يقول فيها إنه يعفوعنهم جميعاً إذا عادوا إلى إيرين Erin . ويوافق ناأويز على طلب الملك مندفعاً إلى ذلك بحنينه إلى وطنه ومسارح صباه، وإن كانت ديريدر تحذره عاقبة هذه العودة وتنذره بأم الملك سيغدر به. وما كادوا يصلون إلى أيرلندة حتى هاجمهم جنود كونور؛ ويقاتل الأخوة قتال الأبطال، ولكنهم يخرون جميعاً صرعى، ويطير لب ديردر من شدة الحزن، فتلقى بنفسها على الأرض وتمتص دماء حبيبها، وتنشد هذه الأغنية الحزينة:

بينا كان أعيان البا Alba (اسكتلندة) ذات يوم يقصفون ويمرحون

إذا طبع ناأويز في السر قبلة

على وجنة ابنة لورد دنترون Duntrone،

ثم بعث إليها بظبية وثابة،

ظبية من ظباء الغاب وتحت قدميها خشف،

ثم أقبل عليها زائراً

وهوعائد من جيش إنفرنس Inverness،

فلما سمعت هذا، اكتوى قلبي بنار الغيرة،

ودفعت زور الصغير فوق الموج

ولم أبال هل قدر لي حتى أحيا أوأموت.

ونزلا إلى الماء في إثري

إينل وأردان، اللذان لم ينطقا قط بغير الحق

واتى بي مرة أخرى إلى البر،

وهما فتيان يغلبان مائة من الأبطال،

وبتر لي ناأويز عهداً صادقاً

وقسم بسلاحه ثلاث إيمان مغلظة

ألا يمس وجهي مرة أخرى

حتى يمضى من عندي غلى جيش الموتى.

يا ويلها، لوأنها سمعت في هذه الليلة

أن ناأويز مسجى في التراب

إذن لزرفت الدمع مدراراً

ولبكيت معها سبع مرات.

وتختتم أقدم صيغة من صيغ سيرة "ديردر ذات الأشجان" بخاتمة قوية في سذاجتها: "وكانت بالقرب منها صخرة كبيرة، وضربت برأسها الحجر فتحطمت جمجمتها ولاقت حتفها"(41).

وكان الشعر والموسيقى وثيق الصلة في أيرلندة، شأنهما في غيرها من البلاد في حياة العصور الوسطى. فكانت الفتيات يغنين وهن ينسجن أويغزان أويحلبن الأبقار؛ وكان الرجال يغنون وهم يفلحون الأرض أويسيرون إلى ميدان القتال؛ والمبشرون يعزفون على القيثارة ليجمعوا حولهم مستمعيهم، وكانت أحب الآلات الموسيقية هي القيثارة، وكانت تتألف عادة من ستين وتراً يعزف عليها بالأنامل، وكانت التمبان timpan كماناً ذات سبعة أوتار تضرب بالريشة أوالقوس؛ وكانت آلات موسيقى القرب تعلق في الكتف وتنفخ بالفم؛ ووصف جيرالدس كمبرنسس Giraldus Cambrensis (1185) العازفين الأيرلنديين على القيثارة بأنهم أحسن من سمع من العازفين، وهوإطراء عظيم القيمة لصدوره من ويلز المحبة للموسيقى.

وليس أجمل ما أثمره الفن الأيرلندي في ذلك العصر كأس أرداغ Ardagh الذائعة الصيت (حوالي عام 1000) التي اجتمعت فيها 354 بترة من الفضة، والمضى، والكهرمان، والبلور، والميناء المقسمة، والزجاج بل إذا أجمل منها "كتاب كلز Book of Kells وهويحتوي الأناجيل الأربعة مخطوطة في القرن التاسع على الرق بأيدي ربان أيرلنديين في بلدة كاز من أعمال ميث Mcath أوفي جزيرة أيونا Iona وهوالآن من أعظم ما تمتلكه كلية ترنتي Trinity College بدبلن. واتى طراز تزيين الخط البيزنطي والإسلامي إلى أيرلندة عن طريق الاتصال البطيء بين الرهبان بعضهم ببعض مخترقين الحدود، وبلغ فيها درجة الكمال في فترة قصيرة من الوقت. ولم يكن لصور الإنسان والحيوان في تزيين الخط بأيرلندة إلا شأن ضئيل، مثله في هذا كمثل الفن عند المسلمين، فقد كانوا يرون حتى إنساناً أوحيواناً مهما بلغ لا يساوي نصف الحرف الأول. وكانت الروح السارية في هذا الفن هي حتى يؤخذ حرف من الحروف أوشكل زخرفي واحد، ويمد فوق أرضية زرقاء أومضىية اللون بشكل فكه مبهج حتى يكاد يغطي الصفحة بتمامها في نسيج متشابك أشبه بالمتاهة. وليس في المخطوطات المسيحية المزخرفة ما يفوق كتاب كلز هذا، ويصفه جرلد من كتاب ويلز- وهوالذي لا ينفك يظهر غيرته من أيرلندة- بأنه من عمل اللائكة المتخفين في أثواب البشر(42).


العصور الوسطى المبكرة 800-1166

Model of a typical Viking Longship.

وإذ كان هذا العصر المضىي في أيرلندة نتيجة لسلامتها من الغزوات الألمانية التي أرجعت سائر أوربا مئات السنين إلى الوراء، فقد قضت عليه غزوات الشماليين التي قضت في فرنسا وإنجلترا خلال القرنين التاسع والعاشر على جميع ما أحرزه هذا البلدان بفضل ما بذله شارلمان وألفرد من جهود جبارة. ولعله قد ترامى إلى أهل النرويج والدنمرقة-وكانوا لا يزالون وثنيين-أن الأديرة الأيرلندية غنية بالمضى، والفضة، والحلي، وأن انقسام البلاد السياسي يجعلها عاجزة عن مقاومة أعدائها متحدة. وحدثت غزوة تجريبية في عام 795 ولكنها لم تسبب للبلاد خسارة تذكر، غير أيدت ما كان يشاع من عدم قدرة هذه الفريسة على صد الغزاة؛ ثم أعقبتها غزوات أخرى أكثر منها في عام 823 نهب فيها الغزاة كورك Cork وكلوين Gloyne، وخربوا ديري بنجور Bangor وموفيل Moville وذبحوا رجال الدين. ولم تكد تخلوسنة واحدة بعد ذلك العام الأخير من غزوة أوغزوات، استطاعت جيوش صغيرة باسلة حتى تصد فيها الغزاة من بعض الأحيان، ولكنهم كانوا يعيدون الكرّة وينهبون الأديرة أينما حلوا. واستقرت جماعات من الغزاة الشماليين قرب شاطئ البحر، وأنشئوا مدائن دبلن، ولمرك Limerick، ووترفورد Waterford وفرضوا الجزية على نصف الجزيرة الشمالي. واتخذ مليكهم ثورجست Thorgest أرماغ Armagh مدينة القديس بتريك عاصمة لملكه الوثني، وتوّج زوجه الوثنية على مذبح كنيسة القديس كيران St, Kieran في كلونماكنيوس(43). وحارب ملوك أيرلندة متفرقين غزاة بلادهم، ولكنهم كانوا في الوقت عينه يحارب بعضهم بعضاً.فقد قبض ملاخي Malachi ميث على ثورجست وأماته غرقاً (845)، ولكن أولاف الأبيض Olof the White أحد الأمراء النرويجيين أسس في عام 851 مملكة دبلن التي ظلت تابعة لأهل الشمال حتى القرن الثاني عشر. وقضت هذه الغزوات المتتابعة على عصر الفهم والشعر، وأحلت محله عصر الحروب الطاحنة، وكان الجمود المسيحيون والوثنيون في خلاله ينهبون الأديرة ويحرقونها، ويتلفون المخطوطات القديمة ويشتتون ما تجمع من التحف الفنية خلال القرون الطوال، "ولم يمارس شاعر، أوفيلسوف، أوموسيقي فنه المعتاد في تلك البلاد" كما يقول مؤرخ أيرلندي قديم(44).

وظلت الحال كذلك حتى ظهر آخر الأمر رجل كان له من القوة ما أمكنه حتى يجمع شتات هذه الممالك ويؤلف منها أمة واحدة. كان يريان بورمها أوبوروBrian Borumha or Boru (941-1094) أخاً لماهون ملك منستر King Mahon of Munster، وزعيم عمارة دلجاس Dalgas. وحارب الأخوان جيشاً دنمرقياً بالقرب من تبريري Tipperary (968) ومزقاه شر ممزق، ولم يرحما فلوله المنهزمة؛ ثم استوليا على لمرك، وقتلا جميع من عثرا عليه فيها من الشماليين. ولكن اثنين من صغار الملوك-ملوي ملك دزمند Molloy of Desmond ودونافان ملك هاي كاربيري Donanvan of Hy Garbery-خشيا حتى يستولي الأخوان الزاحفان على مملكتيهما فعقدا حلفاً مع المهاجرين الدنمرقيين، واختطفا ماهون وقتلاه (976). وأسقط بريان، وقد أصبح الآن ملكاً، هزيمة ثانية بالدنمرقيين، وقتل ملوي. وصمم على توحيد أيرلندة كلها، ولم يتردد في إتباع أية وسيلة توصله إلى هذه الغاية، فتحالف مع الدنمرقيين مالكي دبلن، وهزم بمعونتهم ملك ميث، وندى به ملكاً على أيرلندة كلها (1013). ولما استمتع بالسلم بعد حروب دامت أربعين عاماً، أخذ يعيد بناء الكنائس والأديرة، ويصلح الجسور والرق، وينشئ المدارس والكليات، ويقر النظام ويقضي على الجرائم. ولقد وصف الخلف ذووالخيال الواسع ما ساد البلاد من أمن بفضل هذه "السلم الملكية" في سيرة كثيراً ما نراها في غير هذه المناسبة، فنطقوا إنه كان في مقدور الفتاة المثقلة بالحلي والجواهر حتى تطوف في أنحاء البلاد بمفردها دون حتى يتعرض لها أي أحد بأذى. وحشد أهل الشمال بأيرلندة في هذه الأحداث جيشاً آخر، زحفوا به على الملك الطاعن في السن، والتقى بهم الملك الإيرلندي عند كلنتارف Clontarf القريبة من دبلن في يوم الجمعة الحزينة في الثالث والعشرين من إبريل عام 1014 وهزمهم، ولكن ابنه مروغ Murrogh اغتال في أثناء المعركة ثم ذبح بريان نفسه في خيمته.

أيرلندة في 1014: فسيفساء من الممالك المتناحرة.
مدى السيطرة النورمانية على أيرلندة في 1300.

وحلّت السلم- وهي الترف الذي لا يستمتع به إلا المحظوظون- في البلاد المنكوبة إلى حين، وانتعشت الفنون والآداب من حديث في القرن الحادي عشر، وظهر في خلاله كتاب لينستر the Book of Leinster وكتاب الترانيم وهما لا يكادان يقلان في جمال زخرفهما عن كتاب كلز نفسه. وكان للمؤرخين والفهماء شأن كبير في مدرس الأديرة، غير حتى الروح الأيرلندية الشكسة لم تكن قد روضت بعد، فقد عادت الأمة فانقسمت غلى ممالك متعادية، وأنهكت قواها في الحروب الداخلية، ورأت حفنة من المغامرين من أهل ويلز وإنجلترا في عام 1172 حتى من السهل عليها حتى تفتح "جزيرة الدكاترة والقديسين"-وإن لم تجد من السهل عليها حتى تحكمها.



الحروب الأهلية والقوانين الجزائية

After Irish Catholic rebellion and civil war, Oliver Cromwell, on behalf of the English Commonwealth, re-conquered Ireland during the time from 1649 to 1651. Under Cromwell's government, landownership in Ireland was transferred overwhelmingly to Protestant colonists.


أيرلندة 1714-1756

لم يعهد التاريخ أمة ظلمت كما ظلم الإيرلنديون، إلا فيما ندر. فطوال الفوزات المتكررة التي أحرزتها الجيوش الإنجليزية على الثورات الوطنية، شُرّعت مجموعة من القوانين قيدت الإيرلنديين بالأغلال جسداً وروحاً. فصودرت أرضهم حتى لم يبق غير حفنة من الملاك الكاثوليك، وامتلكتها كلها تقريباً بروتستنت عاملوا فلاحيهم معاملة العبيد. يقول تشسترفيلد "إن الفقراء في إيرلندة يلقون من الملاك والسادة معاملة أسوأ مما يلقاه الزنوج(51)". ويقول ليكي "لم يكن من الغريب في إيرلندة حتىقد يكون للكبار ملاك الأراضي سجون دائمة في بيوتهم لعقاب الطبقات الدنيا عقاباً عاجلاً(52)". وكان كثير من الملاك يعيشون في إنجلترا، وينفقون فيها (حسب تقدير سويفت) ثلث الإيجارات التي يدفعها المستأجرون الإيرلنديون(53). أما المستأجرون-الذين طحنتهم الإيجارات التي يؤدونها للمالك، والعشور التي يؤدونها للكنيسة الرسمية التي يمقتونها، والفروض التي يؤدونها لقساوستهم-فكانوا يسكنون أكواخاً من الطين يرشح الماء من سقوفها، ويمشون نصف عراة، ويتضورون جوعاً في أكثر الأحايين، ومضى سويفت إلى حتى "المستأجرين الإيرلنديين يعيشون حياة أسوأ من حياة المتسولين الإنجليز(54)". وأما الملاك الذين ظلوا يقطنون إيرلندة، ووكلاء الملاك الغائبين، فكانوا يستعينون على همجية بيئتهم وعدائها بحفلات الطعام والشراب الصاخبة المخمورة، والضيافة المسرفية، والشجار والمبارزة، والمقامرة على رهانات كبيرة.

ولما كان للبرلمان البريطاني مطلق السلطان على إيرلندة، فإنه خنق أي صناعة تنافس إنجلترا. وقد رأينا في غير هذا الموضع كيف من الممكن أن قضي قانون صدر في 1699 على الصناعات الصوفية الوليدة بحظره تصدير الأصواف الإيرلندية إلى أي بلد كائناً ما كان. وبالمثل خنقت القوانين الإنجليزية بغير رحمة جميع ما احتفظت به إيرلندة من تجارة خارجية وسط زعازع السياسة وخراب الحروب. فأثقلت الصادرات الإيرلندية برسوم التصدير التي عزلتها عن جميع الأسواق تقريباً إلا إنجلترا(55)، وكان كثير من الإيرلنديين يعيشون على تربية الماشية وتصديرها لإنجلترا، ولكن قوانين 1665 و1680 حظرت استيراد إنجلترا لماشية إيرلندة أوأغنامها أوخنازيرها، أولحم البقر أوالضأن أوالخنزير، حتى الزبد أوالجبن. وكانت إيرلندة تصدر حاصلاتها للمستعمرات الإنجليزية، فاشترط قانون صدر في 1663 ألا تستورد سلع أوربية للمستعمرات الإنجليزية، باستثناءات قليلة، إلا من إنجلترا، في مراكب إنجليزية، بحارتها إنجليز. وماتت البحرية التجارية الإيرلندية. يقول سويفت "إن مزايا الموانئ والمرافئ التي سخت بها الطبيعة على هذه المملكة، ليست أكثر فائدة لنا من حلم جميل يراود رجلاً حبس في زنزانة(56)".

وأرهقت القوانين التي شرعتها إنجلترا لرعاياها الإيرلنديين البروتستنت كما أرهقت الكاثوليك؛ وفي مناسبة مشهودة انضموا إلى الكاثوليك في التمرد على الحكم البريطاني. وكان تصدير مال الإيجارات للملاك الغائبين عن إيرلندة قد خلق عجزاً في العملة المعدنية بإيرلندة في 1722. وعرض ولبول تخفيف هذا العجز بإصدار عملة نحاسية. وكانت الخطة معقولة، ولكن لوثها الفساد المألوف، فقد مُنِحت دوقة كندال امتياز سك النقود الجديدة، فباعته لوليم وود صاحب مصانع الحديد نظير 10.000 جنيه؛ ولكي يجمع وليم هذا المبلغ مضافاً إليه ربحه اقترح حتى يسك 100.800 جنيه أنصاف بنسات أوأرباعها. ولما كانت جملة عملة إيرلندة المعدنية آنئذ لا تتجاوز 400.000 جنيه، فقد احتج الإيرلنديون بأن سيكون ضرورياً استعمال النقود النحاسية في المدفوعات وفي الصرافة، ودفع الحسابات الأجنبية بما فيها إيجارات الملاك الغائبين بالفضة أوالعملة الورقية، وأن العملات الأرخص ستحمل الناس على اختزان العملات الأفضل أوتصديرها، وأنه لنقد يكون في إيرلندة عمل قليل عملة غير النقود النحاسية المزعجة. ورغبة في علاج هذه الشكاوي وافقت الحكومة البريطانية على خفض الإصدار الجديد إلى 40.000 جنيه وقدمت تقريراً من إسحاق نيوتن، مدير دار سك النقود، يقرر حتى أنصاف بنسات وود وافية من حيث محتواها المعدني بشروط الامتياز، وأنها أفضل كثيراً من العملات الموروثة عن العهود السابقة.

عند هذا المنعطف ولج الجدل جوناثان سويفت، الناظر الأنجليكاني لكاتدرائية القديس باتريك بدبلن، بنشره سلسلة من الرسائل تحت اسم مستعار هوم. ب. درابير، هاجم فيها العملة الجديدة بكل ما في روحه من عنف وما في جعبته من هجو، لأنها محاولة لغش الشعب الإيرلندي. وزعم حتى العملة التي أوفدت إلى نيوتن لاختبارها سكت خصيصاً لهذا الغرض، وأن الكثرة الغالبة من أنصاف بنسات وود تساوي أقل كثيراً من قيمتها الاسمية؛ والواقع حتى بعض الاقتصاديين أيدوا دعواه بأن قدروا حتى إيرلندة ستخسر 60.480 جنيهاً بالإصدار الذي اقترح أولاً(57). وفي الرسالة الرابعة انتقل سويفت إلى اتهام قوي للحكم الإنجليزي كله في إيرلندة، ووضع هذا المبدأ "إن جميع حكم بغير رضي المحكومين ما إلا العبودية بعينها(58)". واستجاب الارلنديون، بما فيهم أغلبية البروتستنت لهذه النغمة الجريئة في لهفة، وراح الناس يغنون في الشوارع أغاني شعبية تحض على مقاومة إنجلترا. ووجدت الحكومة الإنجليزية نفسها تتقهقر أمام قلم واحد، وهي التي تَحدّت شعباً بأكمله قروناً طوالاً. وقدمت مكافأة من ثلاثمائة جنيه للقبض على المحرر، ولكن أحداً لم يجرؤ على اتخاذ إجراء ضد الناظر العابس وإن عهده المئات منهم. كذلك لم يجرؤ أي إيرلندي على حتى يقابل غضب الشعب بقبوله العملة الجديدة. وسلم ولبول بالهزيمة، وألغى الإصدار، وعوض وود بمبلغ 24.000 جنيه نظير مصروفاته التي أنفقتها عبثاً ومكاسبه التي تبخرت.

وقد استحالت جميع مقاومة للسيطرة الإنجليزية إلا حتى تكون من عمل الغوغاء أوعنف الأفراد، وذلك بسبب بنيان السياسة الإيرلندية. ذلك حتى البرلمان الإيرلندي بعد 1692 كان كله من البروتستنت، لأن شرط المنصب كان الولاء للكنيسة الإنجليزية(59)، وكان الآن خاضعاً جميع الخضوع لإنجلترا. وفي 1719 أكد البرلمان الإنجليزي من حديث حقه الأعلى في التشريع لإيرلندة. فالقوانين التي حمت الحرية البرلمانية أوالفردية في إنجلترا، كقانون هابياس كوريس وقانون الحقوق، لم تطبق على إيرلندة؛ أما الحرية النسبية للصحافة، التي كانت تتمتع بها إنجلترا، فلم يكن لها وجود في إيرلندة. ولم يكن بين البرلمانيين شبه إلا في فساد ناخبيهما وأعضائهما. وكان بينهما خلاف آخر في غلبة نفوذ الأساقفة الأنجليكان في مجلس اللوردات الإيرلندي.

كانت الكنيسة الرسمية تضم نحوسبع السكان بين أتباعها، ولكنها تعتمد على العشور التي تجنى من الفلاحين، وكل هؤلاء تقريباً كاثوليك. واتبعت نسبة صغيرة من السكان الممضى المشيخي (الكلفني) أوغيره من المذاهب المنشقة، ونالت قسطاً من التسامح، إلا حقها في مناصب الدولة. ولم يقتصر حرمان الكاثوليك على مناصب الدولة فقط بل تجاوزه إلى جميع المهن الراقية إلا الطب، وكل سبيل تقريباً إلى التعليم العالي، أوالثروة، أوالنفوذ(60). وحظر عليهم شراء الأرض، أوالاستثمار في رهون على الأرض، أوحيازة أي إيجار طويل الأجل أوذي قيمة. وحظر عليهم حتىقد يكونوا محلفين إلا عند الافتقار إلى محلفين بروتستنت. ولم يكن في استطاعتهم التعليم في المدارس، ولا التصويت للمناصب البلدية أوالقومية، ولا الزواج زواجاً شرعياً من بروتستنتية(61). وكان شرط عبادتهم حتى يقوم بها كاهن سجل اسمه في الحكومة وأقسم يمين التخلي التي تنبذ الولاء لأسرة ستيوارت. أما غير هؤلاء من الكهنة فعاقبهم السجن. ولكن هذا القانون نادراً ما طبق بعد 1725؛ وفي 1732 ذكرت لجنة في البرلمان الإيرلندي في تقرير لها حتى في إيرلندة 1.445 كاهناً، و229 كنيسة كاثوليكية، و549 مدرسة كاثوليكية. وبعد 1753 خفف الإنجليز من غلوائهم وتحسنت حال الكاثوليك في إيرلندة.

وتضافر اضطراب الحياة الدينية، وفقر الشعب، واليأس من التقدم الاجتماعي، ليهبط جميع أولئك بمعنويات الحياة الإيرلندية. فهاجر إلى فرنسا أوأسبانيا أوأمريكا أكثر الكاثوليك كفاية وجرأة، ممن كانوا قادرين على النهوض بمستوى الكفاية والذكاء والأخلاق الإيرلندية. وانحدر الكثير من الإيرلنديين إلى درك التسول أوالجريمة اتقاء الموت جوعاً. واختبأت عصابات اللصوص في الريف، واتخذ المهربون ولصوص السفن الغارقة من السواحل ممكناً، واحتفظ ببعض أصحاب الملكيات "ببلطجية" وصل عددهم أحياناً إلى الثمانين لتطبيق أوامرهم، ضاربين بالقانون عرض الحائط. وذبحت العصابات الجوابة آلاف الماشية والأغنام، انتقاماً كاثوليكياً-على ما يبدو-من الملاك البروتستنت. وكان عسيراً على شعب حتى يحترم القوانين التي يصدرها برلمان إيرلندي طالما تحدث عن الكاثوليك-وهم ثلاثة أرباع السكان-بوصفهم "العدوالمشهجر".

على حتى الحياة الإيرلندية لم تخل من عناصر أكثر إشراقاً. فقد بقي للشعب مزاجه البشوش، الهادئ، الضحوك، خلال شدائده كلها، وأحاطت خرافاته وأساطيره حياته بالسحر والشعر دون حتى تفضي به إلى عنف كذلك الذي اتسمت به اضطهادات السحرة والساحرات في إسكتلندة وألمانيا. وكان بين الأكليروس الأنجليكاني في إيرلندة فهماء أفذاذ (كالأسقف آشر، أسقف أرما)، وفيلسوف نابه (هوجورج باركلي أسقف كلوين)، وأعظم كتاب الإنجليزية قاطبة في الربع الأول من القرن الثامن عشر، وهوجوناثان سويفت، ناظر كاتدرائية القديس باتريك. وجاهدت جمعية دبلن المؤسسة في 1731 لتحسن التكنولوجيا في الزراعة والصناعة، وتحفز الاختراع، وتشجع الفن. وكان هناك أمثلة كثيرة لأفراد من البروتستنت مدوا يد المعونة للكاثوليك الفقراء، وقضاة لانوا في تطبيق اللوائح الوحشية التي تضمنها قانون العقوبات.

ولكن صورة الحياة الإيرلندية كانت في جملتها من أشد ما حواه التاريخ خزياً وعاراً. فقر مذل، وتمرد فوضوي على القانون، وإملاق مترحل، و34.000 متسول، وعدد لا حصر له من اللصوص، وطبقة عليا تعيش في إسراف مخمور بين فلاحين يتضورون جوعاً، وكل إخفاق في المحصول يجر مجاعة واسعة الانتشار-"فالشيوخ والسقمي يموتون وينتنون من البرد والمجاعة والقذارة والحشرات(62)"-على حد قول سويفت. هذه الصورة الرهيبة يجب حتى تجد مكاناً في مفهومنا عن الإنسان. وبعد الصقيع الطويل القاسي الذي أصاب إيرلندة في 1739 اتىت مجاعة 1740-41 القاسية، التي هلك فيها حسب أحد التقديرات عشرون في المائة من السكان، مخلفين الكثير من القرى المهجورة. ففي مقاطعة كري هبط عند دافعي الضرائب من 14.346 في عام 1733 إلى 9.372 في عام 1744. وقدر باركلي حتى "الأمة في أغلب الظن لن تعوض هذه الخسارة بعد قرن(63)" ولكنه أخطأ التقدير. فما لبثت النساء حتى ولدن الأطفال في صبر ليعوضن مَن فُقِد من الموتى. وفترت الحماسة الدينية بين البروتستنت بانتشار التعليم، واشتدت بين الكاثوليك حدثا وحد الدين بينه وبين صراع الأمة في سبيل الحرية. وسرعان ما عوضت النسبة العالية للمواليد، التي حبذتها الكنيسة الكاثوليكية سلاحاً سرياً لها ضد معارضة، عما سلبته المجاعة والوباء والحرب؛ فما حلت سنة 1750 حتى ارتفع سكان إيرلندة من قرابة 2.000.000 في 1700 إلى نحو2.370.000 وفي نهاية الشوط غلب إيمان المظلومين وخصوبتهم سلاح الغزاة وجشعهم.

أيرلندة جراتان 1756-1789

شرح رحالة إنجليزي زار إرلندة في 1764 مسببات جنوح الفقراء إلى الإجرام فنطق: "أي خوف من العدالة أوالعقاب يمكن تسقطه من فلاح إرلندي يتردى طالما من التعاسة والفقر المدقع، حال لوحتى أول رجل صادفه ضربه على أم رأسه وأراحه إلى الأبد من حياته البائسة الضنكة لحق له حتى يحسبه عملاً جديراً بالثناء؛... واحتمال الكثيرين منهم... لحالتهم المزرية بصبر مرشد كاف لدي على ما في طبعهم من لطف فطري"(1).

ولك يكن ملاك الأرض-ومعظمهم من البروتستانت-هم الظلمة المباشرين للفلاحين-ومعظمهم من الكاثوليك-ولا أشدهم ضراوة، فالملاك كانوا يعيشون عادة في إنجلترا لا يرون الدم الذي لطخ الإيجارات التي يبتزها الوسطاء الذين يؤجرون لهم أرضهم؛ والوسطاء هم الذين استنزفوا جميع درهم استطاعوا ابتزازه من الفلاحين، حتى اضطر هؤلاء إلى حتى يكتفوا في غذائهم بالبطاطس وفي لباسهم بالأسمال.

وفي 1758، جاز لإيرلندة خمس سنين بتصدير الماشية إلى بريطانيا لأن السقم كان يفتك بالماشية في إنجلترا. فتحولت أفدنة كثيرة في إيرلندة-بما فيها الأرض المشاع التي كان المزارعون المقيمون يستعملونها من قبل-من الزراعة إلى رعي الأغنام أوالماشية، فازداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً. ثم أضافوا إلى مشكلاتهم بالزواج المبكر-"عند أول ميسرة" كما نطق السير وليام بتي، ولعل الأمل راودهم في حتى أطفالهم لن يلبثوا يغطوا نفقاتهم ثم يعيونهم على دفع الإيجار. إلى غير ذلك، ورغم ازدياد نسبة الوفيات، زاد سكان إيرلندة من 3.191.000 عام 1745 إلى 4.753.000 عام 1791(3).

أما صورة الصناعة فأخذت في الإشراق. ذلك حتى الكثير من البروتستانت وبعض الكاثوليك قد أخذوا يحترفون إنتاج الأتيال أوالأصواف أوالبضائع القطنية أوالحرير أوالزجاج. وفي الربع الأخير من القرن، بعد حتى حصل جراتان على تخفيف للقيود البريطانية المفروضة على رجال الصناعة الإيرلنديين وعلى التجارة الإيرلندية، نشأت طبقة وسطى وفرت الركيزة الاقتصادية للسياسة التحريرية والنموالثقافي. وغدت دبلن من أمهات المراكز في التعليم والموسيقى والدراما والعمارة في الجزر البريطانية. وكانت كلية ترنتي بسبلها إلى حتى تصبح جامعة، تملك عملاً قائمة طويلة من الخريجين الممتازين. ولوحتى إيرلندة احتفظت بنجومها الساطعة في أرض الوطن-بيرك، وجولدسمث، وشريدان، وسويفت، وباركلي-لسطعت جنباً إلى جنب مع ألمع الأمم في ذلك العهد. وبعد فهم 1761 جعل نائب الملك دبلن مقره الدائم بدلاً من الاكتفاء بزيارات قصيرة مرة جميع عام. وقامت الآن الصروح العامة الشامخة والقصورة الأنيقة. ونافست مسارح دبلن مسارح لندن في تفوق إخراجها، وهنا رتلت "مسيا" هندل أول مرة ولقيت أول ترحيب (1742)، وأخرج شريدان التمثيليات الناجحة الكثيرة التي ألفت زوجته بعضها.

وكان الدين من طبيعة الحال هوالقضية الطاغية في إيرلندة، وقد حرم المنشقون-أعني المشيخيين، والمستقلين البيورتان)، والمعمدانيين-من تقلد الوظائف الحكومية ومن عضوية البرلمان بمقتضى قانون الاختبار، الذي اشترط في الموظف أوعضوالبرلمان قبول سر التناول طبقاً للطقس الأنجليكاني. أما قانون التسامح الصادر في 1689 فلم يطبق على إيرلندة. وعبثاً احتج مشيخيوألتر على هذه القيود، وهاجر الألوف منهم إلى أمريكا، حيث قاتل كثيرون منهم بإخلاص في صفوف جيوش الثوار.

وكان ثمانون في المائة من سكان إيرلندة كاثوليكياً، ولكن لم يكن جائزاً انتخاب أي كاثوليكي لعضوية البرلمان. ولم يملك أرضاً من الكاثوليك إلا قلة. وكان المستأجرون البروتستانت يعطون إيجارات مدى الحياة، أما إيجارات الكاثوليك فلا تمتد أكثر من إحدى وثلاثين سنة؛ وكان عليهم حتى يدفعوا ثلثي أرباحهم إيجار(4). ولم يسمح بالمدارس الكاثوليكية، ولكن المسئولين لم يطبقوا القانون الذي حرم على الإيرلنديين التماس التعليم خارج وطنهم. وقبل بعض الطلاب الكاثوليك في كلية ترنتي، ولكنهم لم يستطيعوا نيل درجة فهمية. وسمح بالعبادة الكاثوليكية، ولكن لم يكن هناك وسائل شرعية لإعداد القساوسة الكاثوليك؛ على أنه جاز للطلاب حتى يلتحقوا بالكليات اللاهوتية في القارة. وقد اكتسب بعض هؤلاء الطلاب ما تحلى به الكهنوت في فرنسا وإيطاليا من دماثة طبع وتحرر آراء، فلما عادوا إلى إيرلندة قسساً لقوا الترحيب على موائد البروتستانت المتفهمين، وأعانوا على التخفيف من حدة التعصب على الجانبين، فلما حتى ولج هنري گراتان البرلمان الإيرلندي (1775) كانت حركة التحرير الكاثوليكي قد اكتسبت تأييد الألوف من البروتستانت سواء في إنجلترا أوفي إيرلندة.

وفي 1760 كان يحكم إيرلندة نائب عن الملك يعينه ملك إنجلترا وهومسئول أمامه، وبرلمان يسوده الأساقفة الأنجليكان في مجلس اللوردات ويسوده في مجلس العموم ملاك الأرض وأرباب الرواتب الحكومية من الأنجليكان. وكانت الانتخابات البرلمانية خاضعة لنظام الدوائر "العفنة" أودوائر "الجيب" ذاته المتبع في إنجلترا. وكانت قلة من كبار الأسر تعهد باسم "المتعهدين" تملك أصوات دوائرها كما تملك بيوتها(5).

وكانت المقاومة الكاثوليكية للحكم الإنجليزي متفرقة عديمة الفاعلية. ففي 1763 راحت عصابات من الكاثوليك سموا "الصبيان البيض"-نسبة للقمصان البيضاء التي كانوا يرتدونها فوق ملابسهم-تجوب أنحاء الريف وتهدم سياجات الأراضي المسورة، وتعجز الماشية، وتهاجم جباة الضرائب أوالعشور؛ ولكن قبض على زعمائهم وشنقوا، وفشل التمرد. وكانت حركة التحرير "القومي" أحسن حظاً. ففي 1776 أخذ أكثر الجنود البريطانيون من إيرلندة ليحاربوا في أمريكا، وفي الوقت ذاته اعترى الاقتصاد أوالغزومن الخارج جند بروتستانت إيرلندة جيشاً سموه "المتطوعين". وازداد هؤلاء عدداً وسطوة حتى باتوا في 1780 قوة رهيبة. وبفضل تأييد هؤلاء المسلحين الذي بلغ عددهم أربعين ألفاً ظفر هنري فلود وهنري گراتان بفوزاتهما التشريعية.

وكان كلاهما ضابطاً في جيش المتطوعين، وخطيباً مفوهاً من أعظم الخطباء في بلد استطاع حتى يبعث ببيرك ورتشارد شريدان إلى إنجلترا ويبقى فيه رغم ذلك معين لا ينضب من البلاغة. ودخل فلود البرلمان الإيرلندي في 1759. وقد تزعم حملة للتخفيف عن الفساد في مجلس كان نصف أعضائه مدينين بالفضل للحكومة. ولكن الرشوة الكاملة هزمته، فاستسلم (1775) بقبول وظيفة نائب المخازن نظير راتب قدره 3.500 جنيه.

الاتحاد مع بريطانيا العظمى(1801-1922)

Daniel O'Connell.

الحكم الداخلي، عيد الفصح 1916 وحرب الإستقلال

The Easter Proclamation
It was issued by the Leaders of the Easter Rising.
البرلمانات الايرلندية
مجلس لوردات مملكة ايرلندا (ألغي في 1800)
مجلس عموم مملكة ايرلندا (ألغي في 1800)
بيت لينستر , مقر لبرلمان ايرلندا حتى 1922.


الدولة المستقلة/الجمهورية (1922-للحاضر)

Main articles: تاريخ جمهورية أيرلندة; الدولة الأيرلندية المستقلة, جمهورية أيرلندة; أسماء الدولة الأيرلندية

خريطة أيرلندا السياسية.

الأعلام في أيرلندا

The Irish tricolour
The Union Flag (انظر ايضا: فهم ايرلندا الشمالية).

المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

المصادر

  • Irish History, Séamus Mac Annaidh, Bath: Paragon, 1999, ISBN 0-76256-139-1
  • Irish Kings and High Kings, Francis John Byrne, Dublin, 1973.
  • A New History of Ireland: I - PreHistoric and Early Ireland, ed. Daibhi O Croinin. 2005
  • A New History of Ireland: II- Medieval Ireland 1169-1534, ed. Art Cosgrove. 1987.
  • Braudel, Fernand, The Perspective of the World, vol III of Civilization and Capitalism (1979, in English 1985)
  • Plumb, J.H., England in the 18th Century, 1973: "The Irish Empire"
  • Murray N. Rothbard, For a New Liberty, 1973, online.

قراءات اضافية

  • S.J. Connolly (editor) The Oxford Companion to Irish History (Oxford University Press, 2000)
  • Tim Pat Coogan De Valera (Hutchinson, 1993)
  • Norman Davies The Isles: A History (Macmillan, 1999)
  • Nancy Edwards, The archaeology of early medieval Ireland (London, Batsford 1990).
  • R. F. Foster Modern Ireland, 1600-1972
  • J.J.Lee The Modernisation of Irish Society 1848-1918 (Gill and Macmillan)
  • FSL Lyons Ireland Since the Famine
  • Dorothy McCardle The Irish Republic
  • T.W. Moody and F.X. Martin "The Course of Irish History" Fourth Edition (Lanham, Maryland: Roberts Rinehart Publishers, 2001).
  • James H. Murphy Abject Loyalty: Nationalism and Monarchy in Ireland During the Reign of Queen Victoria (Cork University Press, 2001)
  • http://www.ucc.ie/celt/published/E900003-001/ - the 1921 Treaty debates online.
  • John A. Murphy Ireland in the Twentieth Century (Gill and Macmillan)
  • Frank Packenham (Lord Longford) Peace by Ordeal
  • Alan J. Ward The Irish Constitutional Tradition: Responsible Government & Modern Ireland 1782-1992 (Irish Academic Press, 1994)
  • Robert Kee The Green Flag Volumes 1-3 (The Most Distressful Country, The Bold Fenian Men, Ourselves Alone)
  • Carmel McCaffrey and Leo Eaton In Search of Ancient Ireland: the origins of the Irish from Neolithic Times to the Coming of the English (Ivan R Dee, 2002)
  • Carmel McCaffrey In Search of Ireland's Heroes: the Story of the Irish from the English Invasion to the Present Day (Ivan R Dee, 2006)
  • Hugh F. Kearney Ireland:Contested Ideas of Nationalism and History (NYU Press, 2007)]
  • Nicholas Canny "The Elizabethan Conquest of Ireland"(London, 1976) ISBN 0-85527-034-9.

وصلات خارجية

  • http://hnn.us/roundup/entries/7406.html
  • http://www.prospect-magazine.co.uk/article_details.php?id=7817
  • http://www.pbs.org/wnet/ancientireland/
  • History of Ireland: Primary Documents
  • History of Ireland guide
  • Ireland Under Coercion - "The diary of an American", by William Henry Hurlbert, published 1888, from Project Gutenberg
  • The Story of Ireland by Emily Lawless, 1896 (Project Gutenberg)
  • Timeline of Irish History 1840-1916 (1916 Rebellion Walking Tour)
  • A Concise History of Ireland by P. W. Joyce

تاريخ النشر: 2020-06-04 14:08:29
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, تاريخ أيرلندا, تاريخ حسب المجموعة العرقية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الأحداث الرئيسية منذ اندلاع النزاع في السودان قبل شهر

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-15 12:16:28
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 87%

أسعار النفط تعود للارتفاع.. وخام برنت فوق 74 دولارا للبرميل

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-15 12:16:38
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 93%

"رويترز": السعودية تبيع صكوكاً دولارية على شريحتين

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-15 12:16:35
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 90%

العراق يسعى لإنشاء "طريق التنمية" بتكلفة 17 مليار دولار 

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-15 12:17:36
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 93%

فلكياً.. هذا موعد وقفة عرفة وعيد الأضحى

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-15 12:16:38
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 97%

سوريا تحضر اجتماعًا لجامعة الدول العربية للمرة الأولى منذ 2011

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-15 12:16:30
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 93%

اشتباكات السودان: ملخص لأهم الأحداث منذ بدء الاقتتال قبل شهر

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-15 12:16:19
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 89%

الليرة التركية قرب أدنى مستوى في شهرين على وقع الانتخابات

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-15 12:16:36
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 86%

إصابة شرطيين عراقيين باشتباكات مع مسلحين من "حزب الله"

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-15 12:17:31
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 91%

مبعوث صيني يزور أوكرانيا وروسيا ضمن جولة أوروبية لإحلال السلام

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-15 12:16:39
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 90%

زيلينسكي يتوجه إلى بريطانيا للقاء ريشي سوناك

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-15 12:16:41
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 88%

السعودية تخصص صندوقاً للاستثمار في البحرين بـ5 مليارات دولار

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-15 12:16:52
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 88%

وثائق مسربة تكشف خطط زيلينسكي لشن هجمات داخل روسيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-15 12:16:40
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 98%

كييف تعلن عن "أول نجاح" لجيشها في محيط مدينة باخموت الاستراتيجية

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-15 12:16:24
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 85%

تحميل تطبيق المنصة العربية