رسم عصر النهضة الإيطالي
ظلت روما قصبة العالم الفنية. سليم حتى عصر التصوير الروماني العظيم قد انتهى، ولم يعد الآن إيطالي ينافس روبنز أورمبرانت، ولكن العمارة الرومانية أزهرت، وظل برنيني أشهر فناني أوربا طوال جيل من الزمان. ومع حتى بولونيا سطت على زعامة روما في التصوير، فإن نجوم هذه المدرسة كانوا يفدون على روما استكمالا لازدهارهم، وقد وصل فازاري عام 1572 ليرسم الصور الجصية للصالة الملكية في الفاتيكان. وأحتشد في »بوتيجي« روما الرسامون الذين ما زالوا محل التبجيل من أقليات مغرمة: ناديووفديريجوزوكارو، وجيرولاموموتزيانو، وفرانشيسكودي سالفياتي، وجوفاني لانفرانكو، وبرتولوميومانفزيدي، ودومنيكوفيتي وأندريا ساكي. وأكثر هؤلاء يصنفون عادة تحت اسم »أصحاب اللازمات« -أي الفنانون المقلدون لطريقة فنان بعينه من أساطين الفن أيام عز النهضة. ويجوز ان نعتبر هذه »اللازمية« (1550-1600) فترة أولى للباروك.
أما فيديريجوزوكاروفقد نشر قلوعه فوق أمم أربع. ففي فلورنسة أكمل الصور الجصية التي بدأها فازاري في قبة الكتدرائية، وفي روما رسم »المصلى البولسي« في الفاتيكان، وفي فلاندر صمم سلسلة من الرسوم الهزلية، وفي إنجلترا رسم لوحات مشهورة للملكة اليزابث ولماري ستيوارت، وفي أسبانيا شارك في زخرفة الأسكوريال، وحين عاد إلى روما أنشأ أكاديمية القديس لوقا، التي أوحى نظامها لرينولدز بأكاديمية الفنون الملكية بإنجلترا. وكان الإقبال على فنه أعظم من جميع الرسامين الإيطاليين في ذلك الجيل، ولكن الخلف فضلوا عليه بييتروبيريتيتي كاكورتونا. وبروح الكفايات المتعددة التي أثرت على فناني النهضة صمم بييتروقصري باربريني وبامفيلي بروما، ورسم في قصر بيتي بفلورنسة صوراً جصية تزخر بالأشكال الغريبة في جميع غزارة الباروك وتدفقه.
أما القطب الحقيقي للتصوير الروماني في هذا العهد فهوميكل أنجيلومريزي دا كارافادجو. كان رجلا فيه روح تشلليني، وقد ولد لبناء بالحجر في لومبارديا، ودرس في ميلان، وانتقل إلى روما واستمتع بعدة مشاجرات، وقتل صديقاً في مبارزة، ثم هرب من السجن، وفر إلى مالطة وقطانيا وسيراقبوز، ومات بضربة شمس على أحد شواطئ صقليووهوفي الرابعة والأربعين (1609)، وفي الفترات التي تخللت هذه المغامرات أحدث ما يشبه الثورة في مزاج التصوير الإيطالي واسلوبه. وقد أحب التناقضات العنيفة بين الضوء والظل، واستخدم حيلا كإضاءة المنظر من مدفأة مخفاة، وشكل صوره بالضوء، وأخرجها من خلفية معتمة، وبدأ في إيطاليا عهد »الفن المعتم« الذي تزعمه جويرتشينو؛ وريبيرا، وسلفاتور روزا. وإذ احتقر عاطفية الرسامين البولونيين المثالية، فقد روع العصر بواقعيته التي أشرفت على الوحشية. كان إذا تناول موضوعاً دينياً يجعل الرسل والقديسين يبدون وكأنهم عمال ضخام غلاظ نقلهم من عمال أرصفة الموانئ. وقد أكسبته لوحة »لاعبي الورق« (المحفوظة بمجموعة روتشيلد بباريس) شهرة دولية. أما لوحة »الموسيقيين«- وهم ثلاثة من المغنيين وعواد جميل-فقد تراكم عليها التراب ثلاثة قرون قبل حتى يعثر عليها في متجر للتحف القديمة بشمالي إنجلترا حوالي 1935، وبيعت لجراح بمبلغ مائة جنيه، ثم اشتراها متحف المتروبوليتان بنيويورك (1952) بخمسين ألف دولار. وقد درجت الكنيسة على رفض صور كارافادجوالدينية باعتبارها مسرفة في الابتذال مفتقرة إلى السمو، أما اليوم فهي مشتهى جميع ذواقة الفن. وقد بلغ إعجاب روبنز بلوحة هذا الإيطالي المسماة »مادونا ديل روزاريو« مبلغاً حمله على جمع 1.800 جولدن من فناني أنتورب ليشتريها ويهديها إلى كنيسة القديس بولس(85)، ولوحة »عشاء عمواس« (بلندن) لا تبلغ في عمقها نظيرتها التي رسمها رمبرانت، ولكنها تصوير قوي لأشكال الفلاحين. أما »موت العذراء« (المحفوظة باللوفر)- وهي أيضاً صورة ريفية-فكانت إحدى الصور التي وطدت مدرسة »الطبيعيين« في إيطاليا والواقعيين في اسبانيا والأراضي المنخفضة. لقد أكثر كارافادجومن تأكيد ميلودراما العنف والخشونة، ولكن التاريخ كالخطابة قلما يقرر نقطة دون حتى يبالغ فيها. وقد أقشعر لمرأى عمال الشحن مفتولي العضل هؤلاء جيل استنفد موضوعات العاطفة، ثم قبلهم على أنهم مدخل منشط ولج به إلى الفن رجال منسيون. والتقط ريبيرا فرشاة كارافادجوالقائمة ولحق به، واقتفى رمبرانت أسلوب الإيطالي في توزيع الضوء والظل وجوّده، وحتى مصوروالقرن التاسع عشر شعروا بهذا التأثير العاصف.
الموضوعات
رسم النهضة الأولي
تنطقيد الرسم التوسكاني في القرن 13
جوتو
الموت والخلاص
رسم النهضة المبكر
تطور المنظور الخطي
فهم الضوء
رسم النهضة المبكر في أجزاء أخرى من إيطاليا
كوزمي تورا في فـِرارا
أوج النهضة
الرعاية والنزعة الإنسانية
التأثير الفلمنكي
التكليفات البابوية
ليوناردودا ڤنشي
مايكلانجلو
تصوير أوج النهضة في البند
جوڤاني بليني
جورجونه وتيتيان
تأثير تصوير النهضة الإيطالية
أما المعمار فقد شهد مجيء الباروك وذروته. وراح البابوات الواحد تلوالآخر يحيلون عرق المؤمنين الراضين ودراهمهم أمجاداً لروما. فأكمل بيوس الرابع البلفديري وقاعات أخرى في الفاتيكان. وبنى جريجوري الثالث عشر كلية روما وبدأ تشييد قصر الكويرينال-الذي اصبح مسكنا للملك عام 1870. أما دومنيكوفونتانا، الأثير بين المعماريين عند سيكستوس الخامس، فقد صمم قصر اللاتيران الجديد، ومصلى السيستين في كنيسة سانتا ماريا مادجوري، ومقبرة بيوس الخامس في هذا المصلى، وهي باروك مسرف. واضاف الكرادلة والنبلاء خلال ذلك إلى روما قصوراً جديدة (جوستنياني، ولاتشلوتي، وبورجيزي، وباربريني، وروسبليوري)، وفيللات جديدة (بامفيلي، وبورجيزي، ومديتشي). كذلك واصل الهدم أفاعليه، ففي هذه الفترة هدم بولس الخامس حمامات قسطنطين التي عمرت منذ عهد أول الأباطرة دون حتى يمسها سوء تقريبا.
وكثر عدد المعماريين الأكفاء، ومنهم جاكوموديللا بورتا الذي أكمل بكفاية عدة معابد خلفها أساتذة فنيولا ناسيرة، كقابلة كنيسة يسوع وقبة كنيسة القديس بطرس، وبهذه الضخامة صمم كابييلا جريجوريانا الفخمة، ولمس قصر فارينزي لمساته الأخيرة، وكان ميكل أنجيلوقد بدأه؛ وهوصاحب الفضل في نافورتين رائعتين تضفيان على روما رواء شباب لا يشيخ.
وابدعهما نافورة السلاحف التي أقامها تاديولونديني أمام قصر ماتي واشهجر مارتينولونجي الأب مع ديللا بورتا في تشييد قصر الكونسر فاتوري نقلا عن رسوم لميكل أنجيلو، وبدأ هوذاته قصر بورجيزي، الذي أكمله فلامينوبونتزيوللبابا بولس الخامس. وأسهم دومنيكوفونتانا بنافورة »الفونتانوني« ديل أكوا فيليتشي، وفونتانا ديل أكوا باولينا، وشيد »قاعة البركة« الجميلة على الرواق المعمد الشمالي للاتيران القديس يوحنا. وخلفه أبن أخته كارلوماديرنا معماريا لكنيسة القديس بطرس، فغير خطتها الأساسية من صليب ميكل أنجيلواليوناني إلى الصليب اللاتيني، وصمم قابلة هذا الضريح العظيم، ووجد في حمامات كاراكاللا ودقلديانوس إلهاما بصحنها الهائل. وأعاد فرانشسكوبوروميني، تلميذ ماديرنا، بناء مدخل لاتيران القديس يوحنا بناء فاخرا، وبدأ رائعته-كنيسة سانت أجنيس-الفخمة الأنيقة التي تضارع »كنيسة يسوع« في بيانها للباروك الروماني. أما كنيسة يسوع فقد صممها (1568) جاكومودا فنيولا تحقيقا لرغبة اليسوعيين في معمار تروع فخامته العابدين وتلهمهم وتسموبنفوسهم. وصمم المعماري وخلفاؤه صحنا فسيحا دون اجنحة، فيه النادىمات والسبندلات والتيجان والكرانيش المزخرفة، ثم مذبح مهيب، وقبة مضيئة، وحلية رائعة من الصور والتماثيل والرخام والفضة والمضى. وفي عام 1700 أضاف أندريا ديل بوتزو، وكان هوذاته يسوعياً، مقبرة القديس اغناطيوس ومذبحه الرائعين. وقد اختلفت نظرة اليسوعيين للحياة عن نظرة غيرهم من رجال الكنيسة الكاثوليكية، وكانت النقيض التام لنظرة البيورتان, فالفن في رأيهم يجب حتى يطهر من الحس الدنيوي، ولكن يجب حتى يرحب به في تزيين الحياة والإيمان. على أنه لم يكن هناك »أسلوب يسوعي« بعينه. كانت كنيسة يسوع باروكا في الحجر، وكثير من كنائس اليسوعيين لا سيما في ألمانيا كانت باروكا، ولكن جميع كنيسة اتبعت الأشكال والأمزجة المحلية والفاشية.
وكان اكمال كنيسة القديس بطرس آخر منجزات الفن الروماني. فقد خلف ميكل أنجيلونموذجا للقبة، ولكن »الطبلة« وحدها هي التي كانت ممدودة حين ارتقى سيكستوس الخامس كرسي البابوية. وكان قطرها 138 قدما. ولم يجرؤ على تغطية مساحة هائلة كهذه دون نادىمات تتخللها سوى بروتولليسكي بفلورنسة. وأحجم المعماريون والمهندسون أمام العمل الذي اقترحه بووناروتي (ميكل أنجيلو)، وشكا رجال المال من أنه سيكلف مليون دوكاتية وجهد عشر سنين. ولكن سيكستوس أمر بالشروع في العمل آملاً حتى يحي القداس تحت القبة الجديدة قبل حتى يودع الحياة. وتكفل جاكوموديللا بورتا بالمهمة يساعده فيها دومنيكوفونتانا. وراح ثمانمائة من الرجال يكدحون ليل نهار-فيما عدا الآحاد-من مارس 1589، إلى حتى اعلنت روما في 21 مايو1590، قبل موت الحبر الجريء بثلاثة أشهر، بإن »البابا المقدس سيكستوس الخامس«، قد أتم عقد قبة كنيسة القديس بطرس، لمجده الدائم وخزي أسلافه«(86).
وقد انتقص من سقط منظر القبة، إلا على بعد، قابلة الباروك التي أقامها ماديرنا في 1607-14. اما الكنيسة نفسها فقد كرست نهائيا عام 1626، بعد 174 سنة من البدء بتخطيطها. وفي عام 1633 صب برنيني بالبرونز البلداكينو(أي المظللة) المزوقة فوق »مقبرة القديس بطرس« والمذبح المرتفع. وقد أنقذ النحات العظيم نفسه باحاطة المدخل إلى الضريح بصف اعمدة بيضي هائل (1655-67) أعان على جعل كنيسة القديس بطرس أفخم بناء على وجه الأرض، كما حتى قبتها ذروة توجت جميع ما بلغه الفن الحديث من انجازات.
انظر أيضاً
- Thematic development of Italian Renaissance painting
- عصر النهضة
- Renaissance architecture
- Mannerism
- Lives of the Most Excellent Painters, Sculptors, and Architects
- Timeline of Italian painters to 1800