الامبراطورية الكارولنجية

عودة للموسوعة

الامبراطورية الكارولنجية

الامبراطورية الكارولنجية في أقصى اتساعاها، والتقسيمات الرئيسية الثلاثة في عام 843.

الامبراطورية الكارولنجية Carolingian Empire (800–888)، مصطلح تاريخي استخدم للاشارة إلى مملكة الفرنجة تحت حكم الأسرة الكارولنجية في أوائل العصور الوسطى. ينظر لهذه الأسرة على أنها مؤسسة فرنسا وألمانيا، ويبدأ تاريخ بدايتها معتمداً على تتويج شارلمان، أوشارل العظيم، وتنتهي بوفاة شارل السمين. حسب وجهة نظر واحدة، يمكن اعتبار هذه الامبراطورية على أنها التاريخ المتأخر لمملكة الفرنجة أوالتاريخ المبكر لفرنسا والامبراطورية الرومانية المقدسة.

ورد مصطلح تتويج شارلمان من قبل البابا ليوالثالث عام 800. حيث حتى شارل وأسلافه كانوا حكاماً لمملكة الفرنجة في فترة مبكرة (كان جده شارل مارتل قد تأسست الامبراطورية في حياته)، فلم يكن التتويج يشكل في الواقع امبراطورية جديدة. يفضل معظم المؤرخين استخدام مصطلح "ممالك الفرنجة" أو"مملكة الفرنجة"، للإشارة إلى المساحة التي تغطي المناطق التي تعهد اليوم باسم ألمانيا وفرنسا من القرن 15 حتى القرن 19.

كان حجم الامبراطورية في ذروتها حوالي عام 800م 1.112.000 كم²، وكان عدد سكانها منعشرة إلى 20 مليون نسمة.


تعزيز والدفاع عن مملكة الفرنجة

شارل مارتل في معركة تور، حيث أوقف تقدم قوات الغزوالأموي.

لما جلس كلوتير Clotaire الثاني على عرش الفرنجة لاح حتى مركز الأسرة المروفنجية وطيد؛ ذلك أنه لم يحكم ملك قبله من ملوك هذه الأسرة دولة تضارع دولته في الاتساع والوحدة؛ ولكن كلوتير كان مديناً بقوته إلى أشراف استراسيا وبرگندية؛ وقد كافأهم على تأييدهم له بأن زاد من استقلالهم ووسع أملاكهم وبأن اختار واحداً منهم هوپيبين الأول الأكبر ليكون "ناظراً للقصر". وكان ناظر القصر في بادئ الأمر هوالمشرف على القصر الملكي وناظراً على المزارع الملكية؛ وزادت مهام مناصبه حين عكف الملوك المروفنجيون على النادىرة والدسائس، وأخذ يشرف شيئاً فشيئاً على شئون المحاكم، والجيش، والمال، وحَدَّ الملك داجوبرت (628-639) ابن كلوتير من سلطان ناظر القصر والأشراف وقتاً ما "فوزع العدالة بين الأغنياء والفقراء على السواء" كما يقول فرديجار الإخباري، "وكان قليل النوم والطعام، ولم يكن همه إلا حتى يخرج الناس من مجلسه ممتلئة قلوبهم غبطة وإعجاباً". غير حتى فرديجار يضيف إلى ذلك قوله: "وكانت له ثلاث ملكات وعدد كبير من الحظايا" كما كان عبداً لشهواته". وعادت السلطة في عهد خلفائه- الملوك الذين لا يعملون شيئاً-إلى ناظر القصر. وهزم بيبين الثاني الأصغر منافسيه في واقعة تستري (687)، واستبدل بلقب "ناظر القصر" لقب دوق الفرنجة وكبيرهم، وحكم غالة جميعها ما عدا أكتين. وحكم شارل مارتل (المطرقة)، الذي كان بالاسم ناظراً للقصر ودوق استراسيا، گالة كلها تحت سلطان كلوتير الرابع (717-719). وهوالذي صد بعزيمته غارات الگاليين مستعيناً بالفريزيين والسكسون، وهوالذي صد المسلمين عند تور وردهم عن أوربا. وأعان بنيفاس وغيره من المبشرين على تنصير ألمانيا، ولكنه حين اشتدت حاجته إلى المال صادر أراضي الكنيسة. وباع مناصب الأساقفة لقواد الجيش، وأسكن جيوشه في الأديرة، وبتر عنق راهب بروتستنتي. وحُكِمَ عليها في مائة منشور وخطبة منبرية بأن مأواه الجحيم.

وأوفد ابنه پيبين الثالث ناظر قصر كلدريك الثالث بعثة إلى البابا زخرياس يسأله هل يأثم إذا خلع الإمعة المروفنجي وأصبح هوملكاً بالاسم كما هوملك بالعمل. وكان زخرياس وقتئذ في حاجة إلى تأييد الفرنجة ضد مطامع اللمبارد فبعث إليه بجواب مطمئن يقول فيه إنه لا يأثم. فلما تلقى بيبين الرد عقد جمعية من الأشراف والمطارنة في سواسون اختير فيها بإجماع الآراء ملكاً على الفرنجة (751)، ثم قص شعر آخر الملوك المروفنجيين البلداء وأوفده إلى دير. واتى البابا استيفن الثاني في عام 754 إلى دير القديس دنيس في أرباض باريس، ومسح بيبين "ملكاً بنعمة الله". إلى غير ذلك انتهت الأسرة المروفنجية (486-751) وبدأت الأسرة الكارولنجية (751-987).

وكان پيبين الثالث "القيصر" حاكماً صبوراً يعيد النظر، نقياً عملياً، محباً للسلم، لا يغلب في الحرب، متمسكاً بالأخلاق الفاضلة إلى حد لم يسبقه إليه ملك آخر في غالة في تلك القرون. وكان بيبين هوالذي مهد لشارلمان سبيل جميع ما أتاه من جليل الأعمال؛ وفي خلال حكمها الذي دام ثلاثاً وستين سنة (571-814) تحولت بلدهما نهائياً من گالة إلى فرنسا. وأدرك بيبن ما في الحكم بغير معونة الدين من صعاب، فأعاد إلى الكنيسة أملاكها، وامتيازاتها وحصانتها، واتى إلى فرنسا بالمخلفات المقدسة، وحملها على كتفيه في موكب فخم؛ وأنقذ البابوية من الملوك اللمبارد، ومنحها سلطات زمنية واسعة في عهده المعروف باسم "عطية بيبين" (756)، وقنع بأن ينال في نظير هذا لقب "النبيل الروماني" وتحذيراً من البابا للفرنجة بألا يختاروا ملكاً إلا من سلالته. وتوفي بيبين في عنفوان قوته عام 768 بعد حتى أوصى بملكه الفرنجة لولديه كارلومان الثاني وشارل الذي أصبح فيما بعد شارلمان على حتى يحكماها معاً.


الامبراطورية في عهد شارلمان (768–814)

عملة معدنية لشارلمان منقوش عليها KAROLVS IMP AVG (كارلوس امبراطور أوگستوس)

ولد شارلمان، أعظم ملوك العصور الوسطى عام 742 في مكان غير معروف. وكان يجري في عروقه الدم الألماني وينطق باللسان الألماني، ويشهجر مع قومه في بعض الصفات-قوة الجسم، والبسالة ورباطة الجأش، والافتخار بالأصل، والبساطة الخشنة التي تفصلها مئات السنين عن رقة الفرنسيين الحضرية المصقولة. وكان قليل الفهم بالخط وما فيها، لم يقرأ منها إلا عدداً قليلاً، لكن ما قرأه منها كان من خيارها، وحاول في شيخوخته حتى يتفهم الكتابة باللغة التيوتونية القديمة واللاتينية الأدبية، وكان يفهم اللغة اليونانية. ولما توفي كارلون الثاني في عام 771 انفرد شارل بالحكم وهوفي التاسعة والعشرين من عمره.

وبعد سنتين من انفراده به بعث إليه البابا هدريان الثاني بدعوة عاجلة ليساعده على دسديريوس اللمباردي الذي كان وقتئذ يغزوالولايات البابوية. ولبى شارلمان الدعوة وحاصر بافيا واستولى عليها، ولبس تاج لمباردي، وأيد عطية بيبي، وارتضى حتىقد يكون حامي الكنيسة، جميع سلطاتها الزمنية. ولما عاد إلى عاصمة في آخن بدأ سلسلة من الحروب عدتها ثلاث وخمسون- قادها كلها تقريباً بنفسه- يهدف بها إلى تأمين دولته بفتح بافاريا وسكسونية وجعلها مسيحيتين، والقضاء على الآفار المشاغبين المتعبين، وحماية إيطاليا من غارات المسلمين، وتقوية حصون فرنسا حتى تستطيع الوقوف في وجه مسلمي أسبانيا الذين يبغون بسط سلطانهم عليها. وكان السكسون المقيمون عند الحدود الشرقية لبلاده وثنيين، أحرقوا كنيسة مسيحية وأغاروا مراراً على غالة، وكانت هذه الأسباب كافية في رأي شارلمان لأن يوجه إليهم ثماني عشرة حملة (772-804)، قاتل فيها الطرفان بمنتهى الوحشية. فلما هزم السكسون خيرهم شارلمان بين التعميد والموت وأمر بضرب رقاب 4500 منهم في يوم واحد، وسار بعد عملته هذه إلى ثيونفيل ليحتفل بميلاد المسيح.

ولما كان شارلمان في بادربون إذ استغاث به ابن العربي حاكم برشلونة المسلم في عام 777 لينصره على خليفة قرطبة. فما كان منه إلا حتى سار على رأس جيش عبر به جبال البرانس، وحاصر مدينة بمبلونا المسيحية، وعامل البشكنس، الباسك مسيحي أسبانيا الشمالية الذين لا يحصى عديدهم، معاملة الأعداء، وواصل زحفه حتى وصل إلى سرقسطة نفسها. غير حتى الفتن الإسلامية التي وعد ابن العربي بإثارتها على الخليفة والتي كانت جزءاً من الخطة الحربية المدبرة لم يظهر لها أثر، ورأى شارلمان حتى جيوشه بمفردها لا تستطيع مقاومة جيوش قرطبة، وترامى إليه حتى السكسون ثائرون عليه وأنهم يزحفون وهم غضاب على كولوني، فرأى من حسن السياسة حتى يعود بجيشه إلى بلاده، واخترق بهم في وصف طويل رفيع ممرات جبال البرانس. وبينما كان يعبر أحد هذه الممرات عند رُنسفال من أعمال نافاري إذا انقضت على مؤخرة الفرنجة قوة من البشكنس، ولم تكد تظل على أحد منها (778)، وهناك توفي هرودلاند النبيل الذي أصبح بعد ثلاثة قرون بطل القصيدة الفرنسية الذائعة الصيت أغنية رولان. وسير شارلمان في عام 795 جيشاً آخر عبر جبال البرانس، واستولى به على شريط ضيق في شمالي أسبانيا الشرقي وضمه إلى فرنسيا. واستسلمت له برشلونة، وأقرت أستراسيا ونابرة بسيادة الفرنجة عليهما (806). وكان شارلمان في هذه الأثناء قد أخضع السكسون لسلطانه (785)، وصد الصنطقبة الزاحفين على بلاده (789)، وهزم الآفار وشتت ضمهم (790-805)، ثم أخلد في السنة الرابعة الثلاثين من حكمه والثالثة والستين من عمره إلى السلام. والحق أنه كان على الدوام يحب شئون الإدارة والحكم أكثر مما يحب الحرب، ولم ينزل إلى ميدان القتال إلا ليفرض على أوربا الغربية، التي مزقتها منذ قرون طوال منازعات القبائل والعقائد، شيئاً من وحدة الحكم والعقيدة.

وكان في أثناء هذا الحكم قد أخضع لسلطانه جميع الشعوب الضاربة بين نهر الفستيولا والمحيط الأطلنطي، وبين البحر البلطي وجبال البرانس، وإيطاليا كلها تقريباً، والجزء الأكبر من بلاد البلقان. ترى كيف من الممكن أن استطاع رجل واحد حتى يحكم هذه المملكة المتباينة المترامية الأطراف،يا ترى؟ الجواب أنه قد وهب من قوة الجسم والأعصاب ما يستطيع به حتى يأخذ على عاتقه مئات التبعات، والأخطار، والأزمات، وأن يتحمل ما أصعب على النفس من هذا كله وهوائتمار أبنائه به ليقتلوه. وكان في دمائه دم أوتعاليم بيبين الثالث الحذر الحكيم، وشارل مارتل الذي لا يرحم ولايلين، وكان هونفسه إلى حد ما مطرقة مثل مارتل. وقد وسع أملاكهما وحافظ عليها بما وضعه لها من نظام عسكري قوي النادىئم، وسندها بما أفاء عليها من ظل الدين وشعائره. وكان في وسعه حتى يضع لنفسه الأهداف الكبار، وأن يهيئ الرسائل ويبتغي الغايات. وكان في مقدوره حتى يقود الجيوش، ويقنع الجمعيات، ويشرح صدور الأعيان، ويسيطر على رجال الدين، ويكبح جماح الحريم.

وقد جعل الخدمة العسكرية شرطاً لامتلاك أكثر من الكفاف من الأملاك، وبهذا أقام الروح العسكرية المعنوية على أساس الدفاع عن الأرض وتوسيع رقعتها، وأوجب على جميع حر إذا دُعي لحمل السلاح حتى يمثل تام العدة أمام الكونت المحلي، وكان جميع عامل نبيل مسئولاً أمامه عن كفاية وحداته. وكان بناء الدولة يقوم على هذه القوة المنظمة يؤيدها جميع عامل نفساني تخلعه عليها قداسة صاحب الجلالة الذي باركه رجال الدين، وفخامة الاحتفالات الإمبراطورية، والطاعة التقليدية للحكم القائم الموطد النادىئم. وكانت تجتمع حول الملك حاشية من النبلاء الإداريين ورجال الدين-رئيس خدم البيت، وقاضي القضاة وقضاة حاشية القصر، ومائة من الفهماء، والخدم، والخطة. وكان مما قوى إحساس الشعب باشتراكه في الحكم ما كان يعقده جميع نصف عام من اجتماعات يحضرها الملاك المسلحون، يجتمعون حدثا تطلبت اجتماعهم الشئون الحربية أوغيرها في مدن ورمز، وفلنسين، وآخن، وجنيف وباربون... وكانت هذه الاجتماعات تعقد عادة في الهواء الطلق. وكان الملك يعرض على جماعات قليلة من الأعيان أوالأساقفة ما عنده من الاقتراحات التشريعية، فكانت تبحثها وتعيدها إليه مشفوعة باقتراحاتها ثم يضع هوالقوانين ويعرضها على المجتمعين ليوافقوا عليها بصياحهم؛ وكان يحدث في بعض الأحوال النادرة حتى ترفضها الجمعية بالأنين أوالقباع الجماعي. وقد نقل إلينا هنكمار كبير أساقفة ريمس صورة دقيقة لشارلمان في هذه الاجتماعات، فنطق إنه كان "يسلم على أكابر الحاضرين، ويتحدث إلى من لم يكن يراهم إلا قليلاً، ويظهر اهتماماً ظريفاً بالكبار، ويلهومع الصغار". وكان يطلب إلى أسقف جميع إقليم ورئيسه الإداري حتى يبلغ الملك في هذه الاجتماعات عن جميع حادثة هامة سقطت في إقليمه منذ الاجتماع السابق، ويضيف هنكمار إلى أقواله السابقة حتى "الملك كان يرغب في حتى يعهد هل الأهلون في أي ركن من أركان مملكته قلقون مستاءون، وما سبب قلقهم واستيائهم"(22). وكان عمال الملك يواصلون نظام الاستعلامات الرومانية القديمة فيستدعون إليهم كبار المواطنين ويطلبون إليهم حتى "يعطوا بيانات سليمة"، معززة بالإيمان عما في الإقليم الذي يزورونه من أملاك ترفض عليها الضرائب، وعن حالة النظام في هذا الإقليم وعما يقع فيه من الجرائم أومن فيه من المجرمين. وكانت شهادة جماعة الباحثين الذين يقسمون الإيمان تستخدم في أرض الفرنجة في القرن العاشر للفصل في كثير من المشاكل المحلية الخاصة بالأملاك العقارية أوالجرائم. وقد نشأ من هذه الجماعات، بعد تطورها على يد النورمان والإنجليز، نظام المحلفين القائم في هذه الأيام.

وكانت الدولة مقسمة إلى مقاطعات يحكم جميع مقاطعة في الشئون الروحية أسقف أوكبير أساقفة، وفي الشئون الدنيوية قومس (رفيق للملك أوكونت. وكانت جمعية محلية من الملاك تجتمع مرتين أوثلاث مرات جميع سنة في عاصمة جميع مقاطعة لتبدي رأيها في حكومة الإقليم وتكون بمثابة محكمة استئناف فيه. وكان للمقاطعات الواقعة على الحدود المعرضة للخطر حكام من طراز خاص يسمونهم گراف أومارگرفڤ، أومرخرزوج، فكان رولان المرسستفالي مثلاً حاكم مقاطعة برتن وكانت جميع الإدارات المحلية خاضعة لسلطان "مبعوثي السيد" - الذين يرسلهم شارلمان يحملون رغباته للموظفين المحليين، ويطلعون على أعمالهم، وأحكامهم، وحساباتهم، ويمنعون الربا، والاغتصاب، والمحاباة، واستغلال النفوذ، ويتلقون الشكاوي، ويردون المظالم، ويحمون "الكنيسة، والفقراء، والذين تحت الوصاية، والشعب أجمع" من سوء استعمال السلطة أوالاستبداد، وأن يعهدوا الملك بأحوال مملكته. وكان العهد الذي عين بمقتضاه هؤلاء المبعوثون بمثابة عهد أعظم للشعب وضع قبل حتى يوضع العهد الأعظم لحماية أشراف إنجلترا بأربعة قرون. ومما يشير على حتى هذا العهد كان يقصد به ما اتى فيه ما وقع لدوق إستريا، إذ اتهمه المبعوثون بارتكاب عدة مظالم، واغتصاب الأموال، فأرغمه الملك على حتى يرد ما اختلسه، وأن يعوض جميع مظلوم عما سقط عليه من ظلم، ويعترف علناً بجرائمه، ويقدم الضمانات التي تمنعه من تكرارها. وإذا ما غضضنا النظر عن حروب شارلمان كان هوأعدل الحكام الذين عهدتهم أوربا منذ عهد ثيودريك القوطي وأكثرهم استنارة.

وتعد القوانين الست والخمسون الباقية من تشريعات شارلمان من أكثر المجموعات القانونية طرافة في العصور الوسطى. فهي لا تكون مجموعة منتظمة، بل هي توسيع القوانين "الهمجية" الأقدم منها عهداً وتطبيقاً على الظروف والمطالب الجديدة. ولقد كانت في بعض تفاصيلها أقل استنارة من قوانين ليوتبراند اللمباردي: فقد أبقت على عادات الكفارة عن الجرائم الكبرى، والتحكم الإلهي، والمحاكمة بالاقتتال، والعقاب ببتر الأعضاء، وحكمت بالإعدام على من يرتد إلى الوثنية، أومن يأكل اللحم في أيام الصوم الكبير-وإن كان يسمح لرجال الدين حتى يخففوا هذه العقوبة الأخيرة. ولم تكن هذه كلها قوانين، بل منها ما كان فتاوي، ومنها ما كان أسئلة موجهة من شارلمان إلى موظفيه، ومنها ما نصائح أخلاقية. وقد اتى في إحدى المواد: "يجب على جميع إنسان حتى يعمل بكل ما لديه من قوة وكفاية لخدمة الله وإتباع أوامره، لأن الإمبراطور لا يستطيع حتى يراقب جميع إنسان في أخلاقه الخاصة". وحاولت بعض المواد حتى تقيم العلاقات الجنسية والزوجية بين أفراد الشعب على قواعد أكثر نظاماً مما كانت قبل، على حتى الناس لم يطيعوا هذه النصائح كلها؛ ولكن القوانين والنصائح في مجموعها تنم عن جهود صادقة لتحويل الهمجية إلى حضارة. وشرع شارلمان للزراعة، والصناعة، والشئون المالية، والتعليم، والدين، كما شرع لشئون الحكم والأخلاق. وكان حكمه في فترة انحطت فيها الحالة الاقتصادية في جنوبي فرنسا وإيطاليا إلى الحضيض من جراء سيطرة المسلمين على البحر المتوسط. وفي هذا يقول ابن خلدون إذا المسيحيين لم يكن في وسعهم حتى يسيروا لوحاً فوق البحر، وكانت العلاقات التجارية بأجمعها بين غربي أوربا وأفريقية وشرقي البحر المتوسط غاية في الاضطراب. وكان اليهود وحدهم هم الذين يربطون النصفين المتعاديين من البلاد التي كانت أيام حكم روما عالماً اقتصادياً موحداً. وبقيت التجارة قائمة في أوربا الخاضعة لحكم الصنطقبة وبيزنطية، وفي شمالها التيوتوني. وكذلك كانت القناة الإنجليزية وكان بحر الشمال يموجان بالمتاجر، ولكن هذه التجارة الأخيرة أيضاً اضطربت أحوالها قبل موت شارلمان، وقد أسقطتها في هذا الاضطراب غارات أهل الشمال وقرصنتهم. وكاد أهل الشمال يغلقون ثغور فرنسا الشمالية، والمسلمون يغلقون ثغورها الجنوبية، حتى أضحت لهذا السبب جزيرة منفصلة عن العالم، وبلداً زراعياً، واضمحلت فيها طبقة التجار الوسطى، فلم تبق هناك طبقة تنافس كبار الملاك في الريف؛ وكان مما ساعد على قيام نظام الإقطاع في فرنسا هبات شارلمان للأراضي وفوز الإسلام. وبذل شارلمان جهوداً جبارة لحماية الفلاحين الأحرار من نظام رقيق الأرض الآخذ في الانتشار. ولكن قوة الأشراف والظروف القاهرة المحيطة به أحبطت جهوده. وحتى الاسترقاق نفسه اتسع نطاقه وقتاً ما نتيجة لحروب الكارولنجيين ضد القبائل الوثنية. وكانت أبرز موارد الملك مزارعه الخاصة التي كانت مساحتها تتسع من حين إلى حين نتيجة المصادرة، والهبات، وعودة بعض الأراضي إلى الملك ممن يموتون بغير ورثة، واستصلاح الأراضي البور. وقد أصدر للعناية بهذه الأراضي قانوناً زراعياً مفصلاً أعظم تفصيل يشهد بعنايته التامة في درس جميع موارد الدولة ومصروفاتها. وكانت الغابات والأراضي البور، والطرق العامة، والمواني وجميع ما في الأرض من معادن ملكاً للدولة. وشجع ما بقي في البلاد من تجارة بكافة السبل ؛ فبسطت الدولة حمايتها على الأسواق، ووُضع نظام دقيق للموازين والمقاييس والأثمان، وجففت المكوس، ومُنعت المضاربات على المحاصيل قبل حصادها، وأنشئت الطرق والجسور أوأصلحت، وأنشئ جسر عظيم على نهر الرين عند مينز، وطهرت المسالك المائية لتبقى مفتوحة على الدوام، واختطت قناة تصل الرين بالدانوب حتى يتصل بحر الشمال بالبحر الأسود. وحافظت الدولة على ثبات النقد، ولكن قلة المضى في فرنسا واضمحلال التجارة أدّيا إلى استبدال الجنيه الفضي بجنيه شارلمان المعروف باسم السوليدس.

وامتدت جهود الملك وعنايته إلى جميع ناحية من نواحي الحياة، فأسمى الرياح الأربع بأسمائها التي تعهد بها الآن؛ ووضع نظاماً إعانة الفقراء، وفرض على النبلاء ورجال الدين ما يلزمه من المال لهذا المشروع، ثم حرم التسول وجعله جريمة يعاقب عليها القانون. وهاله انتشار الأمية في أيامه حتى لا يكاد أحد يعهد القراءة والكتابة غير رجال الدين، كما هاله انعدام التعليم بين الطبقات الدنيا من هذه الطائفة، فاستدعى فهماء من الأجانب لإعادة مدارس فرنسا إلى سابق عهدها؛ فأغرى بولس الشماس على حتى يأتي إليه من منتي كسينو، وألكوين من يورك (782)، ليفهما في المدرسة التي أنشأها شارلمان في القصر الملكي بآخن. وكان ألكوين هذا (735-804) رجلاً سكسونياً، ولد بالقرب من مدينة يورك، وتفهم في مدرسة الكتدرائية وهي المدرسة التي أنشأها الأسقف إجبرت في تلك المدينة، وقد كانت بريطانيا وأيرلندة في القرن الثامن متقدمتين من الناحية الثقافية عن فرنسا. ولما بعث أفا ملك مرسية ألكوين في بعثة إلى شارلمان ألح شارلمان على ألكوين حتى يبقى عنده، وسر ألكوين حتى يخرج من إنجلترا حين كان "الدنمرقيون يتلفون أرضها، ويدنسون الأديرة بما يرتكبونه فيها من الزنى"، فآثر البقاء، وبعث إلى إنجلترا وغيرها من البلاد في طلب الخط والمفهمين، وسرعان ما أضحت مدرسة القصر مركزاً نشيطاً من مراكز الدرس، ومراجعة المخطوطات ونسخها، كما أضحت مركزاً لإصلاح نظم التربية إصلاحاً عم جميع المملكة. وكان من بين طلابها شارلمان نفسه، وزوجته ليوتجارد، وأولاده وابنته گيزلا Gisela، وأمين سره اجنهارد، وإحدى الراهبات، وكثيرون غيرهم، وكان أكثرهم شغفاً بالتعليم؛ فكان يحرص على الفهم حرصه على تملك البلاد، يفهم البلاغة وعلوم الكلام، والهيئة؛ ويقول إجنهارد إنه بذل جهوداً جبارة ليتفهم الكتابة "وكان من عادته حتى يحتفظ بالألواح تحت وسادته، حتى يستطيع في أوقات فراغه حتى يمرن يده على رسم الحروف؛ ولكن جهوده هذه لم تلق إلا قليلاً من النجاح لأنه بدأ هذه الجهود في سني حياته". ودرس اللاتينية بنهم شديد، ولكنه ظل يتحدث بالألمانية مع أفراد حاشيته؛ وقد وضع كتاباً فينحواللغة الألمانية وجمع نماذج من الشعر الألماني القديم.

ولما ألح ألكوين على شارلمان، وبعد حتى قضي في مدرسة القصر ثمة سنين، حتى ينقله إلى بيئة أكثر منها هدوءاً، عينه الملك على كره منه رئيساً لدير تور (796)؛ وهناك حشد ألكوين الرهبان لينقلوا نسخاً من الترجمة اللاتينية المتداولة للتوراة والإنجيل التي قام جيروم أحد آباء الكنيسة اللاتين، ومن الخط اللاتينية القديمة، بحيث تكون أكثر دقة من النسخ المتداولة وقتئذ. وحذت الأديرة الأخرى حذوهذا الدير، وبفضل هذه الجهود كانت كثير من أحسن ما وصل إلينا من النصوص القديمة من مخطوطات هذه الأديرة في القرن التاسع الميلادي؛ وقد احتفظ لنا رهبان العصر الكارولنجي بما لدينا من الشعر اللاتيني كله تقريباً عدا شعر كاتلس، وتيبلس، وبروبرتيوس، وبما لدينا من النثر اللاتيني كله تقريباً ما عدا كتابات فارو، وتاستس وأبوليوس. وكانت كثير من المخطوطات الكارولنجية جميلة الزخرفة يزينها فن الرهبان وصبرهم الطويل،

وكان من آثار هذه الخط المزخرفة التي أخرجتها مدرسة القصر أناجيل "فينا" التي كانت أباطرة ألمانيا المتأخرون يقسمون عليها أيمان تتويجهم.


الامبراطورية حتى معاهدة ڤردون (814–840)

لويس الورع على عملة مضىية


الامبراطورية بعد معاهدة ڤردون (843–877)

الامبراطورية الكارولنجية بعد معاهدة ڤردون تقسيمات عام 843.
الامبراطورية الكارولنجية بعد معاهدة ميرسن

وأصدر شارلمان في عام 787 إلى جميع أساقفة فرنسا ورؤساء أديرتها "توجيهات لدراسة الآداب"، يلوم فيها رجال الدين على ما يستخدمونه من "اللغة الفظة" و"الألسنة غير المهذبة" ويحث جميع كنيسة ودير على إنشاء مدارس يتفهم فيها رجال الدين على السواء القراءة والكتابة. ثم أصدر توجيهات أخرى في عام 789 يدعوفيها مديري هذه المدارس حتى "يحرصوا على ألا يفرقوا بين أبناء رقيق الأرض وأبناء الأحرار، حتى يمكنهم حتى يأتوا ويجلسوا على المقاعد نفسها ليدرسوا النحو، والموسيقى، والحساب". وفي عام 805 صدرت تعليمات أخرى تهيئ لهذه المدارس تعليم الطب، وتعليمات غيرها تندد بالخرافات الطبية. ومما يدلنا على حتى أوامره لم تمضى أدراج الرياح كثرة ما أنشئ في فرنسا وألمانيا الغربية من مدارس في الكنائس والأديرة؛ فلقد أنشأ ثيودولف أسقف أورليان مدارس في جميع أبرشية من أسقفيته، رحب فيها بجميع الأطفال على السواء، وحرم على القساوسة الذين يتولون التدريس حتى يتناولوا أجوراً، وذلك أول مثل للتعليم العام المجاني في تاريخ كله. ونشأت مدارس هامة، متصلة كلها تقريباً بالأديرة، في خلال القرن التاسع في تور، وأوكسير، وبافيا، وسانت جول، وفلدا، وگنت وغيرها من المدن. وأراد شارلمان حتى يوفر حاجة هذه المدارس إلى المفهمين، فاستقدم الفهماء من أيرلندة، وبريطانيا، وإيطاليا، ومن هذه المدارس نشأت في المستقبل الجامعات الأوربية.

على أننا يجب حتى لا نغالي في تقدير القيمة العقلية لذلك العهد. فلقد كان هذا البعث المدرسي أشبه بيقظة الأطفال منه بالنضوج الثقافي الذي كان قائماً وقتئذ في القسطنطينية، وبغداد، وقرطبة، فلم يثمر هذا البعث كتاباً كباراً من أي نوع كان. وكتابات ألكوين الشكلي مملة، مقبضة، خانقة؛ وليس فيها ما ينفي عنه تهمة التحذلق والتباهي بالفهم، وتدل على أنه إنسان لطيف يستطيع حتى يوفق بين السعادة والتقي؛ وليس فيها ما يشير على هذا وينفي ذاك إلا بعض وسائله وأبيات من شعره. ولقد أنشأ كثير من الناس أشعاراً في أثناء هذه النهضة الفهمية القصيرة الأجل، منها قصائد ثيودولف التي فيها قدر كاف من الجمال على طريقتها الضعيفة الخاصة بها. غير حتى الأثر الأدبي الخالد الوحيد الذي خلفه ذلك العهد هوالترجمة المختصرة البسيطة لشارلمان التي خطها اجنهارد. وهي تحذوحذوكتاب ستونيوس حياة القياصرة، بل الكتاب الأول ليقتطف بعض فقرات من الثاني يصف بها شارلمان. على أننا يجب حتى نغفر جميع شيء للمؤلف الذي يصف نفسه في تواضع جم بأنه "همجي، لا يعهد إلا قليلاً من لسان الرومان"، وما من شك رغم هذا الاعتراف في أنه رجل عظيم المواهب، لأن شارلمان عيّنَه أستاذاً اقصره، وخازناً لبيت ماله، واتخذه صديقاً مقرباً له، واختاره ليشرف على الكثير من العمائر في حكمه الإنساني العظيم، ولعله قد اختاره لتخطيطها.

وشيدت قصور للإمبراطور في أنجلهيم ونجمجين، وأقام في آخن عاصمته المحببة القصر والكنيسة الصغيرة الذائعي الصيت الذين تعرضا لأكثر من ألف من الأخطار وظلا قائمين حتى دمرتهما قنابل الحرب العالمية الثانية. وقد أقام المهندسون المجهولون تلك الكنيسة على نمط كنيسة سان فيتال برافنا وهي التي أقيمت على غرار الكنائس البيزنطية السورية؛ فكانت النتيجة حتى وجدت كنيسة شرقية جانحة في الغرب. وقد أقيمت فوق البناء المثمن قبة مستديرة، وقسم البناء من الداخل عدة أقسام بطابقين من عمد مستديرة "وزينت بمصابيح من المضى والفضة، وحظارٍ، وأبواب من البرونز المصمت، وأعمدة وبوارق جيء بها من روما ورافنا"، وينقش فسيفسائي ذائع الصيت في القبة.

وكان شارلمان سخياً غاية السخاء على الكنيسة، ولكنه مع هذا جعل نفسه سيدها، واتخذ من عقائدها ورجالها أدوات لتعليم الناس وحكمهم. وكانت كثرة رسائله متعلقة بشئون الدين، فكان يقذف الفاسدين من موظفيه والقساوسة الدنيويين بعبارات مقتبسة من الكتاب المقدس؛ وإن ما في أقواله من القوة لينفي عنه مظنة حتى تقواه كانت خدعة سياسية. فقد كان يبعث بالمال إلى المسيحيين المنكوبين في البلاد الأجنبية، وكان يصر في مفاوضاته مع الحكام المسلمين على حتى يراعوا العدالة في معاملة رعاياهم المسيحيين. وكان للأساقفة شأن كبير في مجالسه، وجمعياته، ونظامه الإداري، ولكنه كان ينظر إليهم، رغم احترامه الشديد لهم، على أنهم عماله بأمر الله، ولم يكن يتردد في حتى يصدر أوامره لهم، حتى في المسائل المتعلقة بالعقائد أوالأخلاق. ولقد ندد بعبارة الصور والتماثيل حين كان البابوات يدافعون عنها، وطلب إلى جميع قس حتى يبعث إليه بوصف مكتوب لكيفية التعميد في أبرشيته، ولم تكن توجيهاته للبابوات أقل من هداياه لهم، وقضى على ما يحدث في الأديرة من تمرد، ووضع نظاماً للرقابة الصارمة على أديرة النساء ليمنع "النادىرة، والسكر، والشره" بين الراهبات. سأل القساوسة في أمر وجهه لهم عام 811 عما يقصدون بقولهم إنهم ينبذون العالم على حين "أننا نرى" بعضهم يكدحون يوماً بعد يوم بجميع الوسائل، ليزيدوا أملاكهم، فتارة يتخذون التهديد بالنار الأبدية وسيلة يستخدمونها لأغراضهم الخاصة، وتارة يعدون الناس بالنعيم السرمدي لهذه الأغراض نفسها، وطوراً يسلبون السذج أموالهم باسم الله أواسم أحد القديسين، ويلحقون بذلك أعظم الضرر بورثتهم الشرعيين". على أنه رغم هذا قد أبقى لرجال الدين محاكمهم الخاصة، وأمر بأن يؤدي إلى الكنيسة عشر غلة الأرض، وجعل لرجال الدين الإشراف على شئون الزواج، والوصايا، وأوصى هونفسه بثلثي ضياعه لأسقفيات مملكته(37)، ولكنه كان يطلب إلى الأساقفة بين الفينة والفينة حتى يقدموا "هبات" قيمة لتساعد على الوفاء بنفقات الحكومة.

وقد أثمر هذا التعاون الوثيق بين الكنيسة والدولة فكرة من أجلّ الأفكار في تاريخ الحكم: ألا وهي استحالة دولة شارلمان إلى الإمبراطورية الرومانية المقدسة التي تستند إلى جميع ما كان لروما الإمبراطورية والبابوية من هيبة، وقداسة، واستقرار. ولقد كان البابوات من زمن طويل يستنكرون خضوع أنطقيمهم إلى بيزنطية التي لا تصد عنها غارة ولا تقر فيها أمناً، وكانوا يشاهدون خضوع البطارقة المتزايد إلى إمبراطور القسطنطينية ويخشون حتى تضيع حريتهم هم أيضاً. ولسنا نعهد من الذي لاحت له فكرة تتويج شارلمان إمبراطوراً رومانياً على يد البابا أومنذا الذي وضع خطة هذا التتويج، وكل ما نعهده حتى ألكوين، وثيودولف وغيرهما من الملتفين حوله قد تناقشوا في إمكانه، ولعلهم هم الذين خطوا فيه المستوى الأولى، أولعل مستشاري البابا هم الذي فكروا في هذا الأمر. وقامت في سبيل تطبيقه صعاب شديدة: فقد كان إمبراطور الروم يلقب وقتئذ بلقب الإمبراطور الروماني، وكان أحق الناس من الوجهة التاريخية بذلك اللقب، ولم يكن للكنيسة حق معترف به في حمل الألقاب أونقلها من إنسان إلى آخر، ولربما كان منح اللقب لشخص منافس لبيزنطية سبباً في إشعال نار حرب عاجلة عوان بين المسيحيين في الشرق وإخوانهم في الغرب، حرب تهجر أوربا المخربة غنيمة سهلة للفتوح الإسلامية. غير حتى الأمر قد سيره بعض التيسير إذا إيريني جلست على عرش أباطرة الروم (797)، فقد نطق البعض وقتئذ إنه لم يعد هناك إمبراطور روماني، وإن الباب أصبح مفتوحاً لكل من يطالب باللقب، فإذا ما نفذت هذه الخطة الجريئة قام مرة أخرى إمبراطور روماني في الغرب، تقوى به المسيحية اللاتينية وتتوحد، فتستطيع مقاومة انشقاق بيزنطية وتهديد المسلمين ولعل ما في اللقب الإمبراطوري من رهبة وسحر يمكن أوربا الهمجية من حتى تعود أدراجها خلال القرون المظلمة وترث حضارة العالم القديم وثقافته وتنشر المسيحية في ربوعه.

وحدث في السادس والعشرين من ديسمبر عام 795 حتى اختير ليوالثالث بابا؛ ولم يكن شعب روما يحبه، وكان يتهمه بعدة فعال خبيثة، ثم هاجمه العامة في الخامس والعشرين من إبريل عام 799، وأساءوا معاملته، وسجنوه في دير. لكنه هرب من سجنه، وفر إلى شارلمان في بادربورن وطلب إليه حتى يحميه. وأحسن الملك استقباله، وأعاده إلى رومة مع حرس مسلح، وأمر البابا ومتهميه حتى يمثلوا أمامه في تلك المدينة في العام المقبل. ودخل شارلمان العاصمة القديمة بموكب فخم في الرابع والعشرين من نوفمبر عام 800، واجتمعت في أول ديسمبر جمعية من الفرنجة الرومان، واتفقت على إسقاط التهم الموجهة إلى ليوإذا ما أقسم يميناً مغلظة على أنه لم يرتكبها. وأقسم ليواليمين وتهيأت السبيل إلى إقامة احتفال فخم بعيد الميلاد. فلما أقبل ذلك اليوم ركع شارلمان للصلاة أمام مذبح القديس بطرس بالعباءة اليونانية القصيرة والصندلين، وهما اللباس الذي كان يرتديه كبراء الرومان، ثم أخرج ليوعلى حين غفلة تاجاً مطعماً بالجواهر ووضعه على رأس الملك. ولعل المصلين كانوا قد فهموا من قبل حتى يعملوا ما توجبه عليهم الشعائر القديمة التي يقوم بها كبراء الشعب الروماني لتأييد هذا التتويج، فنادوا ثلاث مرات: "ليحي شارل الأفخم، الذي توجه الله إمبراطوراً عظيماً للرومان لينشر بينهم السلام!". ومسح رأس الملك بالزيت المقدس، وحيا البابا شارلمان ونادى به إمبراطوراً وأغسطس، وتقدم إليهم بمراهم الولاء التي ظلت محتفظاً بها للإمبراطور الشرقي منذ عام 476.

وإذا جاز لنا حتى نصدق اجنهارد، فإن شارلمان قد نطق له إنه ما كان ليدخل الكنيسة لوأنه عهد حتى ليوينوي تتويجه إمبراطوراً. ولربما كان قد عهد الخطة بوجه عام، ولكنه لم يرض عن السرعة التي تمت بها والظروف المحيطة بها وقت إتمامها؛ ولعله لم يكن يسره حتى يتلقى التاج من البابا، فيفتح بقبوله منه باباً للنزاع الذي دام قروناً طوالاً بين البابا والإمبراطور، وأيهما أعظم مكانة وأقوى سلطاناً: المعطي: أوآخذ العطية؛ ولعله فكر أيضاً فيما يفترض أن يجره ذلك من نزاع مع بيزنطية في المستقبل. ثم أوفد شارلمان عدة رسائل وبعوث إلى القسطنطينية يريد بها حتى يأسوالجرح الذي أحدثته هذه العملة، وظل زمناً طويلاً لا ينتفع بلقبه الجديد؛ حتى كان عام 802 فعرض الزواج على إيريني ليكون ذلك وسيلة يجعل بها لقبيهما المشكوك فيهما شرعيين(39)، ولكن سقوط إيريني عن عرشهما أفسد هذه الخطة اللطيفة. وأراد بعد ذلك حتى يقلل من خطر هجوم بيزنطية عليه فوضع خطة لعقد اتفاق ودي مع هارون الرشيد، وقد أيد هارون ما نشأ بينهما من حسن التفاهم بأن أوفد إليه عدداً من الفيلة ومفاتيح الأماكن المقدسة في بيت المقدس. وردّ الإمبراطور الشرقي على ذلك بأن شجع أمير قرطبة على عدم الولاء لبغداد، وانتهى الأمر في عام 812 حين اعترف إمبراطور الروم بشارلمان إمبراطوراً نظير اعترافه بأن البندقية وإيطاليا الجنوبية من أملاك بيزنطية.

وكان لتتويج شارلمان نتائج دامت ألف عام، فقد قوى البابوية والأساقفة إذ جعل السلطة المدنية مستمدة من الهبة الكنسية، وأتاحت حوادث عام 800 لجريجوري السابع وإنوسنت الثالث حتى يقيما على أساسها كنيسة أقوى من الكنيسة السابقة، وقوت شارلمان على البارونات الغضاب وغيرهم لأنها جعلته ولياً لله في أرضه، وأيدت أعظم التأييد نظرية حق الملوك الإلهي في الحكم، ووسعت الهوة بين الكنيسة اليونانية والكنيسة اللاتينية، لأن أولاهما لم تكن ترغب في الخضوع إلى كنيسة رومانية متحالفة مع إمبراطورية منافسة لبيزنطية. ولقد كان استمرار شارلمان في اتخاذ آخن لا روما عاصمة له شاهداً على انتنطق السلطة السياسية من بلاد البحر المتوسط إلى أوربا الشمالية، ومن الشعوب اللاتينية إلى التيوتون. وأهم من هذا كله حتى تتويج شارلمان أقام الإمبراطورية الرومانية المقدسة عملياً وإن لم يقمها من الوجهة النظرية. وكان شارلمان ومستشاروه يرون حتى سلطته الجديدة إحياء للسلطة الإمبراطورية القديمة، على حتى الصبغة الجديدة الخاصة بهذا النظام لم يعترف بها إلا في عهد أتوالأول، كما أنها لم تصبح "مقدسة" إلا حين ضم فردريك باربروسا لفظ مقدس إلى ألقابه في عام 1155. وجملة القول حتى الإمبراطورية الرومانية المقدسة كانت-على الرغم من تهديدها للعقول والمواطنين-فكرة نبيلة، وحلماً من أحلام الأمن والسلام، وعودة للنظام والحضارة إلى عالم أنقذ من براثن الهمجية، والعنف، والجهل.

وأصبحت المراسيم الإمبراطورية تكتنف الإمبراطور في المهام الرسمية، فكان عليه حتى يلبس أثواباً مزركشة، ذات مشبك مضىي، وحذاءين مرصعين بالجواهر وتاجاً من المضى والجوهر، وكان على زائريه حتى يسجدوا أمامه لقبلوا قدمه أوركبته، هذا ما أخذه شارلمان عن بيزنطية وما أخذته بيزنطية عن طيسفون. غير حتى اجنهارد يؤكد لنا حتى ثيابه-إذا استثنينا ما ذكرناه عنها آنفاً-لم تكن تختلف إلا قليلاً عن ثياب الفرنجة العادية: كانت تتألف من قميص من التيل، وسروال قصير لا شيء تحته، ومن فوق القميص والسروال القصير قناء من الصوف من الممكن كانت له أهداب من الحرير، وجورب طويل مربوط بشريطين يغطي ساقيه وحذاءين من الجلد في قدميه، وكان يضيف إليها في الشتاء معطفاً ضيقاً من جلود ثعلب الماء أوالفنك ، وكان يحتفظ بسيف إلى جانبه لا يفارقه أبداً. وكان طول قامته ست أقدام وأربع بوصات، وكانت بنيته تناسب مع هذا الطول. وكان أشقر الشعر، شفذ العينين ، أشم الأنف، له شاربان وليست له لحية "جليلاً مهيب الطلعة على الدوام". وكان معتدلاً في طعامه وشرابه، يمقت السكر أشد المقت، جيد الصحة على الدوام مهما تعرض لتقلبات الجوومهما قاسي من الصعاب. وكثيراً ما كان يخرج للصيد أويمارس ضروب الرياضة العنيفة على ظهور الخيل، وكان سبّاحاً ماهراً، يحب الاستحمام في عيون آخن الدفيئة. وقلّما كان يدعوالناس إلى الولائم، لأنه كان يفضل الاستماع إلى الموسيقى أوقراءة كتاب في أثناء الطعام. وكان يعهد قيمة الوقت كما يعهدها جميع عظيم. وكان يستقبل زائريه ويستمع إلى قضاياهم في الصباح وهويرتدي ثيابه أويلبس حذائيه.

وكان من وراء مهابته وجلاله عاطفة قوية وهمة عالية، ولكنه كان يسخّر عاطفته وهمته لتحقيق أغراضه ويوجههما بذكائه وثاقب بصره. ولم تستنفد حروبه التي تربى على نصف المائة قوته وحيويته. وكان إلى هذا كله شديد العناية بالعلوم والقوانين، والآداب، وعلوم الدين لا تفتر حماسته لها على مر السنين، وكان يسوئه حتى يبقى جزء من الأرض لم يستول عليه أوأي فرع من فروع الفهم لم يضرب فيه بسهم. وكان شريف النفس من بعض الوجوه، وكان يزدري الخرافات، ويحرّم أعمال المتنبئين أوالعرّافين، ولكنه صدّق كثيراً من الأعاجيب الأسطورية، وبالغ في مقدرة الشرائع على إصلاح أخلاق الناس وعقولهم. ولقد كان لهذه السذاجة النفسية بعض المحاسن: لقد كان في تفكيره وحديثه صراحة ونُبل قلَّما نراهما في رجال الحكم.

وكان يسعه حتىقد يكون قاسياً إذا تطلبت سياسة الدولة القسوة، وأشد ما كانت قسوته فيما بذله من جهود لنشر الدين المسيحي، ولكنه مع هذا كان عظيم الرأفة، كثير الإحسان، وفياً مخلصاً لأصدقائه، ولقد بكى بالدمع عند وفاة أولاده، وبنته، والبابا هدريان. ويرسم لنا ثيودولف في قصيدة له عنوانها "حكم شارل" صورة لطيفة للإمبراطور في بيته، فيقول إنه إذا قدم من أعماله أحاط به أبناؤه، فيخلع عنه ابنه شارل عباءته، ويأخذ ابنه نويس سيفه، وتعانقه بناته الست، ويأتين له بالخبز، والخمر، والتفاح، والأزهار، ويدخل الأسقف ليبارك طعام الملك، ويقترب منه ألكوين ليبحث معه ما لديه من الرسائل، ويهرول إجنهارد الضئيل الجسم هنا وهناك كأنه نملة، ويأتيه بخط ضخمة. وقد بلغ من حبه لبناته حتى أقنعهن بعدم الزواج، ونطق إنه لا يطيق فراقهن، ومن أجل هذا أخذن يواسين أنفسهن بالارتماء إلى أحضان العشاق وجئن بعدة أبناء غير شرعيين(42). وقد قابل شارلمان هذه الأعمال منهن بنفس سمحة، لأنه هونفسه قد جرى على سنة أسلافه، فاتخذ له أربع أزواج واحدة بعد الأخرى، وأربع عشيقات أوحظايا. ذلك حتى حيويته الموفورة جعلته شديد الإحساس بمفاتن النساء، وكانت نساؤه يؤثرن حتىقد يكون للواحدة منهن نصيب منه على حتىقد يكون لها رجل آخر بمفردها. وقد ولدت له نساؤه نحوثمانية عشر من الأبناء والبنات منهم أربعة شرعيون. وغض من في حاشيته ومن في روما من رجال الدين أبصارهم عن تحلل رجل مسيحي مثله من قيود الأخلاق المسيحية.

وكان شارلمان وقتئذ على رأس دولة أعظم من الإمبراطورية البيزنطية لا يعلوعليها في عالم الرجل الأبيض إلا دولة الخلفاء العباسيين. ولكن جميع توسع في حدود الإمبراطوريات أوالعلوم يخلق مشاكل جديدة. فلقد حاولت أوربا الغربية حتى تحمي نفسها من الألمان بإدماجهم في حضارتها؛ غير حتى ألمانيا كان عليها في هذا الوقت حتى تحمي نفسها من أهل الشمال ومن الصنطقبة؛ وكان الملاحون من أهل الشمال قد أنشئوا لهم مملكة في جتلندة قبل عام 800 م وأخذوا يغيرون على سواحل فريزيا. وأسرع إليهم شارل من روما، وأنشأ الأساطيل والقلاع عند الشواطئ والأنهار، وأقام حاميات في الأماكن المعرضة للأخطار، ولما أغار ملك جتلندة على فريزيا عام 810 صُدَّ عنها، ولكن شارلمان هاله حتى يشهد من قصره في نربونة بعد قليل من ذلك الوقت، إذا جاز لنا حتى نصدق أخبار راهب سانت جول، سفن القراصنة الدنمرقيين في خليج ليون. ولعله قد تنبأ، كما تنبأ دقلديانوس من قبل، بأن إمبراطوريته الواسعة في حاجة إلى الدفاع السريع عنها في عدة مواضع في وقت واحد، فقسمها في عام 806 بين أولاده الثلاثة-بيبين، ولويس، وشارل. ولكن بيبن توفي عام 810، وشارل في عام 811، ولم يبق من هؤلاء الأبناء إلا لويس، وكان منهمكاً في العبادة انهماكا بدا معه أنه غير خليق بأن يحكم عالماً مليئاً بالاضطراب والغدر. غير حتى لويس رغم هذا قد حمل باحتفال مهيب في عام 813 من ملك إلى إمبراطور ونطق المليك الشيخ قائلاً: "حمداً لله يا إلهي إذ أنعمت عليَّ بأن أرى بعين ولدي يجلس على عرشي".

وبعد أربع سنين من ذلك الوقت أصيب الملك الشيخ وهويقضي الشتاء في آخن بحمى شديدة نتج عنها التهاب البلورة، وحاول حتى يداوي نفسه بالاقتصار على السوائل، ولكنه توفي بعد سبعة أيام من بداية السقم بعد حتى حكم سبعاً وأربعين سنة وعاش اثنتين وسبعين (814)، ودفن تحت قبة كتدرائية آخن، مرتدياً أثوابه الإمبراطورية. وما لبث العالم كله حتى أسماه كارولس ماجنس أوكارل در جروس أوشارلمان (أي شارل العظيم)، ولما حل عام 1165 ومحا الزمان جميع ذكريات عشيقاته ضمته الكنيسة التي أحسن إليها الإحسان كله في زمرة الصالحين المنعمين.


تراجع الامبراطورية (877–888)

شارل الجسور، دنيه، Bourges، بعد 848

كانت النهضة الكارولنجية فترة من فترات البطولة المتعددة في العصور المظلمة، ولولا ما اتصف به خلفاء شارلمان من عجز وما شجر بينهم من نزاع لكان من المستطاع حتى تقضي هذه الفترات قبل مجيء أبلار بثلاثة قرون على ظلمات تلك العصور، وعلى فوضى بارونات الإقطاع. وعلى النزاع الذي قام بين الكنيسة والدولة ومزقها شر ممزق، وعلى غارات النورمان، والمجر، والمسلمين التي أدى إليها هذا النزاع الأخرق. لكن رجلاً بمفرده، وحياة بمفردها لم يكفيا لإقامة حضارة جديدة. يضاف إلى هذا حتى تلك النهضة القصيرة الأجل كانت نهضة كنسية ضيقة أشد الضيق، فلم يكن للمواطن العادي فيها نصيب، وما أقل من كان يعني بها من النبلاء، وما أقل من كان منهم يشغل نفسه بتفهم القراءة. وما من شك في حتى شارل نفسه ملوم إلى حد ما على انهيار دولته. فلقد أفاء على رجال الدين من الثراء ما جعل سلطان الأساقفة، بعد حتى حملت يده القوية عنهم، يرجح سلطان الإمبراطور؛ ولقد اضطرته مسببات حربية وإدارية حتى يمنح المحاكم والبارونات في الأنطقيم قدراً من الاستقلال شديد الخطورة. ثم إنه جعل مالية الحكومة الإمبراطورية ذات الأعباء الجسام تعتمد على ولاء هؤلاء الأشراف الغلاظ واستقامتهم، وعلى ما تدره أراضيه ومناجمه من إيراد غير كبير، ولم يكن في وسعه حتى يعمل ما عمله أباطرة الروم فينشئ بيروقراطية من الموظفين المدنيين مسئولين أمام السلطة المركزية دون غيرها، وقادرين على النهوض بأعباء الحكم مهما تكن شخصية الإمبراطور وأتباعه، فلم يكد يمضي على وفاته جيل واحد حتى أقبل رسل الإمبراطور الذين بسطوا سلطانه في الولايات أوتجاهل الولاة وجودهم، وألقى الأعيان المحليون عن كاهلهم سلطان الحكومة المركزية. وملاك القول حتى حكم شارلمان كان عملاً جليلاً من أعمال العباقرة يمثل الرقي السياسي في عصر وفي رقعة من الأرض يعمهما الاضمحلال الاقتصادي.

وإن الألقاب التي أطلقها المعاصرون لخلفائه عليهم لتكفي وحدها لأن تقص علينا قصتهم: لويس التقي، وشارل الأصلع، ولويس المتلعثم وشارل البدين، وشارل الساذج. فأما لويس "التقي" (814-840) فكان كأبيه طويل القامة، بهي الطلعة؛ وكان متواضعاً، رقيق الحاشية، خيّراً كريماً، مفرطاً في اللين إفراط يوليوس قيصر. وكان قد تربى على أيدي القساوسة فجعلته هذه التربية شديد الاهتمام بالمبادئ الأخلاقية التي كان يزاولها شارلمان باعتدال.من ذلك أنه لم تكن له إلا زوج واحدة ولم يكن له قط حظايا، وأنه طرد من حاشيته عشيقات أبيه وعشاق أخواته، ولما احتجت أخواته، ولما احتجت أخواته على عمله هذا حبسهن في أديرة الراهبات. وأرغم القساوسة على حتى يعملوا بأقوالهم، وأمر الرهبان حتى يحيوا الحياة التي توجبها عليها قواعد البنكتين، وحاول حتى يقضي على المظالم والاستغلال أينما وجدا، وأن يصلح ما كان فاسداً من قبل. وقد أحب الناس به لانحيازه إلى الضعفاء على الأقوياء في جميع الأحوال.

وأحس لويس حتى عادت الفرنجة توجب عليهم تقسيم دولته فقسمها إلى ممالك يحكمها أبناؤه-بيبن، ولوثير ، ولويس "الألماني" (وسنسميه لدفج فيما بعد). وقد رزق لويس من يوديت زوجته الثانية ابناً رابعاً يعهد في التاريخ باسم شارل الأصلع؛ وكان لويس يحبه حباً لا يكاد يقل عن افتتان الأجداد بأحفادهم، ويريد حتى يعطيه قسطاً من إمبراطوريته بعد حتى يلغي التقسيم الذي عمله في عام 817، لكن أولاده الثلاثة الكبار عارضوا في هذا وشنوا على أبيهم حرباً داخية دامت ثمانية أعوام. وأيدت كثرة النبلاء ورجال الدين هذه الفتنة، ثم خرجت عليه القلة التي ظلت موالية له عندما تأزمت الأحوال في رُثفلد (القريبة من حدثار) والتي عهدت فيما بعد باسم لوجنفلد أي ميدان الأكاذيب. فلما رأى ذلك لويس أمر من بقي من أنصاره حتى يهجروه وشأنه وأن يهتموا بحماية أنفسهم، ثم استسلم لأبنائه (833)، فلما تم لهم ذلك سجنوا يوديث وجزوا شعرها، وأودعوا شارل الصغير في دير، وأمروا أباهم حتى ينزل عن العرش وأن يكفر علناً عما عمل، وجيء بلويس إلى كنيسة بسواسون يحيط به ثلاثون أسقفاً، وأرغم في حضرة لوثير ابنه وخلفه على حتى يخلع ملابسه حتى وسطه، وأن يسجد على بترة من نسيج الشعر ويقرأ جهرة اعترافاً بجريمته. ثم لبس مسوح الندم الرمادية اللون، وقضى سنة في أحد الأديرة. وحكمت فرنسا من تلك اللحظة أسقفية موحدة قامت بين الأسرة الكارلنجية المتفككة.

واشمأز الشعب من سوء معاملة لوثير لأبيه لويس؛ واستجاب كثيرون من النبلاء وبعض رجال الدين لنداء يوديث حين طالبت بإلغاء قرار الخلع، ودب النزاع بين الأخوة الثلاثة، وأطلق بيبين ولدفج أباهما، وأجلساه على عرشه، وأعادا يوديث وشارل إلى أحضانه (834). ولم يثأر لويس لنفسه، بل عفا عن جميع من أساءوا إليه. ولما توفي بيبين (838) قسمت الدولة تقسيماً جديداً لم يرض عنه لدفج، وهجم على سكسونيا، ونزل الإمبراطور الشيخ مرة أخرى إلى ميدان القتال، وصد المهاجمين، ولكنه سقم من تعرضه لتقلبات الجووهوعائد من الميدان، وتوفي بالقرب من إنجلهايم (840). وكان من آخر الألفاظ التي نطق بها رسالة يصفح بها لدفج، ويدعولوثير، وقد أصبح إمبراطوراً، حتى يحمي يوديث وشارل.

وحاول لوثير حتى ينزل شارل ولدفج منزلة الأتباع، ولكنهما هزماه عند فنتناي (841)، وأقسما عند استراسبرج يمين الولاء المتبادلة المشهرة بأنها أقدم وثيقة خطت باللغة الفرنسية.لكنهما سقطا مع لوثير في عام 843 معاهدة فردون، وقسموا فيما بينهم إمبراطورية شارلمان أقساماً ثلاثة تنطبق بوجه التقريب على إيطاليا، وألمانيا، وفرنسا الحالية. فاختص لدفج بالأراضي المحصورة بين نهري الرين والإلب، واختص شارل بالجزء الأكبر من فرنسا وبولايات الحدود الأسبانية، ومنح لوثير إيطاليا والأراضي المحصورة بين الرين شرقاً، والشلد ، والساءون والرون غرباً. وسميت هذه الأراضي الغير متجانسة، والممتدة من هواندة إلى بروفانس باسم لوثير-فكانت أرض بوثير، أولوئرنجيا. أولوثرنجار، أولورين. ولم تكن ذات وحدة جنسية أولغوية، فكان لا بد حتى تصبح ميداناً للقتال بين ألمانيا وفرنسا. وكثيراً ما استبدلت سيداً يسيد فيما تقلب عليها من نصر وهزيمة أريقت فيهما الدماء أنهاراً. وفي خلال هذه الحروب الداخلية الكثيرة الأكلاف، والتي أضعفت الحكومة، وأنقصت السكان، والثروة، والروح المعنوية في أوربا الغربية، غزت القبائل الإسكنديناوية في سعيها إلى التوسع وبسط السلطان بلاد فرنسا فاكتسحتها بموجة همجية واصلت وأنمت الخراب والذعر اللذين اتىا في أعقاب الهجرات الألمانية قبل ذلك الوقت بثلاثة قرون. فبينما كان أهل السويد يتسربون إلى الروسيا والنرويجيون يضعون أقدامهم في أيرلندة، والدنمرقيون يفتحون إنجلترا، كان خليط من أهل إسكنديناوة، في وسعنا حتى نسميهم الشماليين أوأهل الشمال، يغيرون على مدائن فرنسا القائمة على شواطئ البحار أوضفاف الأنهار. واستحالت هذه الغارات بعد موت لويس التقي حملات قوية تقوم بها أساطيل مؤلفة من أكثر من مائة سفينة، يسيرها ملاحون محاربون. وقاست فرنسا في القرنين التاسع والعاشر سبعاً وأربعين من هذه الهجمات الشمالية؛ ونهب المغيرون في عام 840 مدينة رون، وبدءوا مائة عام من الهجمات على نورماندي، وفي عام 843 دخلوا مدينة نانت وذبحوا أسقفها وهوقائم للصلاة أمام مذبحه، وفي عام 844 صعدوا في نهر الجارون إلى طلوشة. وفي عام 845 صعدوا في نهر السين إلى باريس، ولكنهم هجروا المدينة وشأنها بعد حتى أخذوا جزية مقدارها سبعة آلاف رطل من الفضة.

وبينا كان المسلمون يهاجمون روما استولى أهل الشمال على فريزيا في عام 846 وأحرقوا دوردرخت، ونهبوا ليموج. ثم حاصروا بوردوفي عام 847، ولكنهم ردوا عنها وأعادوا الكرة عليها في عام 848، واستولوا عليها في هذه المرة، ونهبوها، وقتلوا أهلها، وأحرقوها عن آخرها. وفي العالم الذي تلاه وجهوا مثل هذه الضربات إلى بوفيه وبايو، وسانت لو، ومو، وإيفرو، وتور وفي وسعنا حتى نصور ما حل بهذه البلاد من رعب إذا قلنا حتى تور نهبت في أعوام 853، و856، و862، 872، و886، و903، 919، وإن باريس نهبت في عامي 856، و861، وأحرقت في عام 865. وجهز الأساقفة في أورليان وشارتر جيشين صدوا بهما المغيرين (855)؛ ولكن القراصنة الدنمرقيين خربوا أورليان في عام 856. وفي عام 859 اخترق أسطول شمال مضيق جبل طارق ودخل البحر المتوسط، ونهب المدن الواقعة على ضفاف الرون من مصبه حتى مدينة فالنس شمالاً، ثم عبر خليج جنوا، ونهب بيزا وغيرها من المدن الإيطالية. ولما قاومتهم قلاع النبلاء الحصينة في أماكن متفرقة في طريقهم نهبوا أوأتلفوا كنوز الكنائس والأديرة غير المحمية، وكثيراً ما أحرقوها بما فيها من مخطات، ولم ينج القساوسة والرهبان من القتل في بعض الأحيان. وكان الناس في تلك الأيام الحالكة يدعون ربهم في صلواتهم قائلين: "اللهم أنقذنا من شر أهل الشمال"! وكأنما كان المسلمون على موعد مع الشماليين فاستولوا على قورسقة وسردينية في عام 810، ونهبوا ساحل الرفييرا الفرنسي في عام 820، وخربوا أرل في 842، واستولوا على ساحل فرنسا الواقع على البحر المتوسط وبقى في أيديهم حتى عام 972.

ترى ماذا كان يعمل الملوك والأشراف خلال هذه الأعوام الخمسين الملية بالتدمير والتخريب،يا ترى؟ فأما الأشراف فقد كان لديهم من المشاغل ما يكفيهم، ولمقد يكونوا يرغبون في حتى يخفوا لمساعدة أنطقيمهم، ولم يستجيبوا إلا استجابات ضعيفة لما وجه إليهم من نداء للعمل الإجماعي. وأما الملوك فكانوا في شغل شاغل بحروبهم في سبيل التملك أوالاستيلاء على تاج الإمبراطورية، وكانوا أحياناً يشجعون الساحليين في غاراتهم على سواحل منافسيهم. وحدث في عام 859 حتى اتهم هنكمار كبير أساقفة ريمس شارل الأصلع علناً بالإهمال في الدفاع عن فرنسا. وخلف شارل فيما بين 877 و888 ملوك أكثر منه ضعفاً-لويس الثالث، وكارلومان، وشارل البدين. وتعاونت أحداث الزمان والمنايا فتوحدت مملكة شارلمان مرة أخرى تحت حكم شارل البدين، وأتيحت للإمبراطورية المحتضرة فرصة أخرى للدفاع عن حياتها. ولكن أهل الشمال استولوا على نجمين وأحرقوها في عام 880، واتخذوا من كورتراي وگنت قلاعاً لهم حصينة، وفي عام 881 أحرقوا لياج، وكولوني، وبن وبروم، وآخن؛ وفي 882 استولوا على تريير، وقتلوا كبير أساقفتها الذي قاد المدافعين عنها؛ وفي السنة نفسها استولوا على ريمس، وأرغموا هنكمار على حتى يقاتل ويموت. وفي عام 883 استولوا على أمين، ولكنهم انسحبوا منها بعد حتى أخذوا أثنى عشر ألف رطل من الفضة من كارلومان. وفي عام 885 استولوا على رون، وساروا في النهر صعداً إلى باريس في سبعمائة سفينة عليها ثلاثون ألف رجل. وقاد حاكم المدينة الكونت أودوأوأود، وأسقفها جزلان المدافعين عنها، وقاوموا المغيرين مقاومة باسلة. وظلت باريس مضروباً عليها الحصار ثلاثة عشر شهراً هاجم المدافعون عنها المحاصرين أثنى عشر مرة؛ وانتهى الأمر بأن أدى شارل البدين الشماليين 7000 رطل من الفضة بدل حتى يخف لإنقاذ المدينة، وأذن لهم فوق ذلك حتى يسيروا في نهر السين صعداً ويقضوا الشتاء في برغندية التي نهبوها نهباً ترتضيه نفوسهم.ثم خلع شارل وتوفي عام 888، وأختير أودوملكاً على فرنسا، وصارت باريس بعد ثبت قيمتها من الوجهة الحربية الفنية مقر الحكومة.

وحمى شارل الساذج الذي خلف أودوعلى العرش (895-923) إقليم السين والساءون من المغيرين، ولكنه لم يحمل يده ضد غارات الشماليين على بقية فرنسا، ثم لم يكتف بهذا بل أسلم إلى رولف أورلوأحد زعماء النورمان في عام 911 أنطقيم رون، وليزيو، وإفرو. وكان النورمان قد استولوا عليها من قبل. ووافق النورمان على حتى يؤدوا عنها للملك ما يؤديه أمراء الإقطاع عن أملاكهم، ولكنهم كانوا يسخرون منه وهم يقومون بمراسم الولاء التقليدية. وارتضى ليوحتى يُعَمَّد، وحذا رجاله حذوه، ثم استقروا على مهل وأصبحوا زراعاً ومتحضرين. إلى غير ذلك بدأت نورمنديا بأن كانت ولاية في فرنسا فتحها أهل الشمال. ولقد عثر الملك الساذج حلاً لمشكلة باريس إذا لم يكن لغيرها من المشاكل، ذلك حتى النورمان أنفسهم سيصدون بعد ذلك الوقت من يحاولون دخول السين من المغيرين. أما في غير هذا الجزء من فرنسا فلم تنبتر غارات الشماليين، فنهبت تشارتر في عام 911، وأنجير في عام 919، ونهبت أكتين وأوفرني في عام 923، كما نهبت آرتوا وإقليم بوفيه في عام 924. وفي هذا الوقت نفسه تقريباً ولج المجر برغندية في عام 917 بعد حتى خربوا جنوبي ألمانيا، واجتازوا الحدود الفرنسية، ثم اجتازوها راجعين دون حتى يلقوا مقاومة، ونهبوا الأديرة القريبة من ريمس وسان وأحرقوها (937)، واخترقوا كأرجال الجراد الفتاك أكتين (951) وأحرقوا ضواحي كورتراي، وليون، وريمس (954)، ونهبوا برغندية على مهل. وأوشك صرح النظام الاجتماعي في فرنسا حتى ينهار تحت هذه الضربات المتكررة التي كالها له الماليون والهون. وفي ذلك يقول أحد المجاميع الدينية المقدسة في عام 909.

لقد أقفرت المدن من السكان، وخربت الأديرة وحرقت، وأضحت البلاد في عزلة... وكما كان الناس الأولون يعيشون بغير قانون... فكذلك يعمل الآن جميع إنسان ما يظهر حسناً في نظره غير آبه بالشرائع البشرية والدينية... فالأقوياء يظلمون الضعفاء، والعالم مليء بالعنف والقسوة على الفقراء، وأملاك الكنائس تنهب... ويلتهم الناس بعضهم بعضاً كما يعمل السمك في البحر. وكان آخر الملوك الكارولنجيين- لويس الرابع، ولوثير الرابع، ولويس الخامس ملوكاً حسني النية، ولكنهم لم يكن لهم من القوة ما لا بد منه قامة نظام دائم من ذلك الخراب الكامل. ولما توفي لويس الخامس ولم يكن له أبناء (987)، درس أعيان فرنسا ورجال الدين فيها عن زعيم لهم من أسرة أخرى غير الكارولنجيين، حتى وجدوا هذا الزعيم المنشود من نسل مركيز من نوستريا يحمل ذلك الاسم العظيم الدلالة وهوروبرت القوي (المتوفي عام 966). وكان أودومنقذ باريس ابن هذا المركيز؛ وكان هيوالأكبر أحد أجداده (المتوفي 956) قد حصل بالشراء أوالحرب على الإقليم المحصور بين نورمنديا، والسين، واللوار كله تقريباً وكان فيه أميراً إقطاعياً، واجتمع له فيه من الثروة والسلطان ما لم يجتمع للملوك. وورث هيوكابت ابن هيوهذا جميع تلك الثروة وذاك السلطان؛ وورث، كما يلوح، العزيمة التي كسبتهما. وعرض أدلبروكبير الأساقفة، بإرشاد العالم الداهية جربرت، حتىقد يكون هيوكابت ملكاً على فرنسا، فاختير لهذا المنصب بالإجماع (987) وبدأت بذلك الأسرة الكابتية التي حكمت ابناً أوأباً أوحكم فروعها مملكة فرنسا إلى عهد الثورة الكبرى.

تقسيمات الامبراطورية الكارولنجية 887

تم تقسيم الامبراطورية الكارولنجية: فاحتفظ أرنولف ضمن فرنسيا الشرقية بكل من كارنثيا، باڤاريا، اللورين وألمانيا الحديثة؛ بينما اُنتُخب الكونت اودومن پاريس ملكاً على فرنسيا الغربية (فرنسا)، وأصبح رانولف الثاني ملكاً على أكيتين؛ ومضىت إيطاليا لصالح برنگار من فريولي، برگنديا العليا إلى رودلف الأول، وبرگنديا السفلى إلى لويس الأعمى، ابن بوسومن آرل، ملك برگنديا السفلى والحفيد (من ناحية الابنة) للامبراطور لويس الثاني. الأجزاء الأخرى من لوثارنگيا أصبحت دوقية برگنديا.

العسكرية

الحكومة

انظر أيضاً

  • عمارة كارولنجية
  • فن كارولنجي
  • قائمة الأديرة الكارولنجية
  • تصنيف:الفترة الكارولنجية
  • امبراطورية الفرنجة
  • Frisian–Frankish wars
  • قائمة ملوك الفرنجة
  • الامبراطورية الرومانية
  • الامبراطورية الرومانية المقدسة

المصادر

  1. ^ "Carolingian Empire". A Dictionary of World History. Retrieved 2008-04-07.
  2. ^ http://books.google.dk/books?id=ZK3bdq6ihM8C&pg=PA50&lpg=PA50&dq=carolingian+empire+in+km2&source=bl&ots=vaaIwKIVTX&sig=GPLTXog-YNfRL5vYwuxldYN8esE&hl=da&sa=X&ei=hvW3UOa6OcqM4gT_n4CwCQ&ved=0CD8Q6AEwAw#v=onepage&q=carolingian%20empire%20in%20km2&f=false
  3. ^ ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  4. ^ Simon MacLean, Kingship and Politics in the Late Ninth Century: Charles the Fat and the End of the Carolingian Empire, Cambridge University Press, 2003 ISBN 978-0-521-81945-9
تاريخ النشر: 2020-06-04 14:24:21
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, صفحات تستخدم خطا زمنيا, الفترة الكارولنجية, الأسرة الكارولنجية, تاريخ الشعوب الجرمانية, تاريخ ألمانيا في العصور الوسطى, فرنسا في العصور الوسطى, الفرنجة, بلدان سابقة في اوروبا, دول ومناطق تاسست في 800

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بعد مخاض عسير.. عبداللطيف رشيد رئيساً للعراق - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:23:47
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 57%

هيئة الحكومة الرقمية تبرز إنجازاتها خلال ملتقاها الأول

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:24:37
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 68%

ميلة: حجز 04 أسلحة من الصنف السابع

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:24:17
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 60%

حكومة الدبيبة تتجاهل اشتباكات مسلحة محدودة غرب طرابلس

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:23:41
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 97%

«سينديكيشن بورو»: الاختفاء القسري سلاح "الأسد" ضد السوريين

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:24:35
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 67%

كارلوس تافاريس: “سنقدم أفضل ما لدينا”

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:23:50
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

أطلس أون لاين: مباراة توظيف 20 مستشارا للهاتف. آخر أجل هو 27 أكتوبر 2022

المصدر: الوظيفة مروك - المغرب التصنيف: وظائف وأعمال
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:24:04
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 91%

أعضاء مجلس الأمة يؤكدون على أهمية تعزيز القدرة الشرائية للمواطن

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:24:03
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 66%

فيصل بن فرحان يستقبل وزير خارجية نيجيريا - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:23:48
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 58%

بوريل: سيتم «القضاء» على الجيش الروسي إذا استخدم بوتين أسلحة نووية

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:23:39
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 95%

الإنتاج يسبب أزمة حادة في Bollywood السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:23:49
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 63%

إصابة 4 مدنيين في انفجار لسيارة مفخخة بالعاصمة الصومالية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:24:31
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 62%

رئيس جديد للعراق.. من هو عبد اللطيف جمال رشيد؟

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:24:33
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 64%

زغدار: أولى سيارات فيات المصنعة في الجزائر ستكون متوفرة في سنة 2023

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:24:11
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 67%

6 فوائد لـ«الالتهام الذاتي» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:23:48
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 56%

إيران تهدد عواصم الاتحاد الأوروبي بسبب العقوبات

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:23:42
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 88%

4 فنانات عربيات في افتتاح مونديال كأس العالم السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:23:50
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 61%

«هتش» تحكم سيطرتها للمرة الأولى على عفرين شمال حلب

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-13 18:23:41
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 88%

تحميل تطبيق المنصة العربية