خطاب حول أصل التفاوت وجذوره بين البشر

عودة للموسوعة

خطاب حول أصل التفاوت وجذوره بين البشر

صورة الغلاف وصفحة العنوان لكتاب روسوخطاب حول أصل التفاوت وجذوره بين البشر (1754)، الذي نشره Marc-Michel Rey في 1755 في هولندا.

خطاب حول أصل التفاوت وجذوره بين البشر (Discours sur l'origine et les fondements de l'inégalité parmi les hommes)، وأيضاً يشيع تسميته "الحوار الثاني"، هومن أعمال الفيلسوف جان-جاك روسو.

ويكشف روسوفي بداية هذا العمل عن مفهوم حالة الطبيعة البشرية، التي يقدمها كرواية فلسفية (كما عمل هبس، وعلى النقيض من لوك)، كما يتعرض لسعي البشر للكمال، وهي فكرة التقدم. ثم يشرح الطريق، حسب ما يرى، بأن البشر من الممكن أسسوا المجتمع المدني، الذي يدلف منه لتقديم الملكية الخاصة لكونها المصدر الأصلي وأساس جميع اللامساواة.


نص كتاب خطاب حول أصل التفاوت وجذوره بين البشر، بقلم جان جاك روسو. اضغط على الصورة للمطالعة.

«إن أول كائن بشري وضع سياجاً حول بترة من الأرض ونطق: هذه الأرض أرضي، ووجد أناساً آخرين كانوا من البساطة إلى درجة أنهم صدّقوه، كان هوالمؤسس الأول للتجمع المدني».

هذه العبارة الأكثر شهرة بين العبارات المأثورة عن المفكر الفرنسي جان - جاك روسو، هي واحدة من التأكيدات الفائقة الأهمية التي إذ انتزعت من الإطار الذي وردت فيه ضمن سياق نص أساسي ورائد لهذا المفكر التنويري، صارت ذات معنى وأهمية ذاتيين، إذ استغني غالباً عن إعادتها الى إطارها الطبيعي لدراسة حيثياتها. والإطار الطبيعي لهذه العبارة هوكتاب روسو«خطاب حول أصل التفاوت وجذوره بين البشر»، ويعتبر واحد من أبرز خط مفكر القرن الثامن عشر هذا، بل واحد من أبرز الخط الفكرية التي صدرت خلال تلك الفترة الحاسمة من تاريخ الفكر الغربي، أواسط ذلك القرن، يوم كان التنوير نصوصاً تتتالى وأفكاراً تترسخ، وعقلانية تسود الفكر الغربي كله، وضروب وعي تتجمع وتتضافر لتنتج تلك الحركة الفكرية التي مهدت للثورة الفرنسية وغيرها من الثورات الفكرية التي لم يكن من الضروري على أية حال حتى تتحول بسرعة إلى ثورات وتغيّرات سياسية.

أصدر روسوكتابه هذا عام 1754، وهووقف فيه إلى جانب ذلك الارتباط البشري بالطبيعة وعفوية بدائيتها، على الضد مثلاً، من هوبس الذي كان يرى حتى التمدّن هوالذي جعل الإنسان أقل وحشية وشراً، ومن ديني ديدروالذي كان يرى حتى حدثة «حرية» حدثة «خاوية، لا معنى لها...». بالنسبة إلى روسو، في هذا الكتاب كما في الكثير من النصوص الأخرى، لم يكن الإنسان - على مدى تاريخه كله - سعيداً وطيباً إلا حينما كان بعد في الحال البدائية لم تعصف به ضروب التمدن وضرورات الحياة الاجتماعية. ويقيناً حتى مثل هذه التأكيدات الواردة في هذا الكتاب، هوما جعل روسو، خلال الثلث الأخير من القرن العشرين، يعتبر الأب الشرعي للحركات الهيبية وحركات العودة إلى الطبيعة.

ومنبع هذا، مثلاً، هوالوصف الذي يورده روسوفي أحد فصول هذا الكتاب لعلاقة الإنسان البدائي - أي إنسان ما قبل المجتمع - بالحرية وعلاقة ذلك بالسعادة، إذ يقول على سبيل المثل، متحدثاً عن ذلك الإنسان: «ها أنذا أراه يجلس من حديث تحت السنديانة، قافزاً نحوالساقية الأولى التي يراها، عاثراً على سريره تحت الشجرة نفسها التي تناول في ظلها وجبة طعامه (...). ها هوذا يتجوّل في غابات لا أثر فيها لمصنع أولصناعة، لا أثر فيها لكلام من أي نوع، لا أثر فيها لأي حرب أوأي علاقة. إنه في حياته تلك لا يحتاج إلى أيّ من رفاقه في الكون، ولا يشعر بأي حاجة إلى أذيتهم، أورغبة في إيذائهم... بل حتى يمكن ألاقد يكون قد تعرّف إلى أيّ منهم بصورة إفرادية. إنه فرد بدائي ملتحم بالطبيعة لا تحركه الأهواء ويعيش وضعاً يكفي فيه نفسه بنفسه، ولا يعهد سوى حال الضياء النابعة من مثل هذه الحال التي يعيش». إذا هذه، كما نرى، هي الصورة المثالية التي يرسمها روسوهنا للسعادة وللحرية... بالتالي، للإنسان كما كان في الأصل وكما يجب حتىقد يكون من جديد. فما الذي بدّل حال الإنسان بحال على مرّ التاريخ،يا ترى؟ بالتالي كيف من الممكن أن خلق التفاوت بين البشر،يا ترى؟ وكيف أدى هذا التفاوت إلى إلغاء الحرية وزوال السعادة؟

تلكم هي الأسئلة التي يحاول روسو، في هذا الكتاب الشيّق، حتى يجيب عنها. فروسو، منذ بداية صفحات هذا الكتاب يحاول حتى يقنعنا بأن جميع الشرور وضروب البؤس والمظالم التي هي في أساس التفاوت بين البشر، كما أنها في الوقت نفسه تنتج - جدلياً - عن ذلك التفاوت، إنما تنتج في الحقيقة عن الأوضاع الاجتماعية. ومن أجل حلّ هذه المعضلة يرى روسوحتى المهمة الأساسية التي يتعيّن على إنسان اليوم حتى يقوم بها هي حتى يتذكر هذا الواقع ويتذكر خصوصاً حتى الإنسان الحديث إنما بات أشبه «بتمثال الإله الوثني القديم گلوكوس، هذا التمثال الذي تمكّن الزمن ومياه البحر والعواصف من تشويه سماته أكثر وأكثر إلى درجة أنه بعدما كان يشبه رفاقه الآلهة الوثنية، صار اليوم أكثر شبهاً بالحيوانات الضارية». من هنا، «بات على الإنسان حتى يجعل مرجعيته الإنسان نفسه في حاله البدائية، يوم لم تكن روحه قد فسدت بعد، بعمل الأهواء وشتى أنواع الأخطاء التي يقترفها». وفي إطار تأكيده هذا يستند روسوإلى مبدأين أولين سابقين للعقل، كما يقول: أولهما ذاك الذي يتعلق برفاه الإنسان، وحفاظه على وجوده، والثاني هوالمبدأ الذي يتعلق بنفور الإنسان من رؤية البشر الآخرين يعانون أويفنون.

وروسو، إذ ينطلق من الفرضية التي تقول إذا بنية أجسامنا وسماتها لم تتبدل في شكل جذري، يرى في الإنسان البدائي كائناً يعيش حياة بدائية جوالة: يعيش ككائن حر. سليم حتى هذا الكائن لنقد يكون عليه حتى يتبع غرائزه في شكل مستدام، لكن في إمكانه حتى يتصرف على هواه وسجيته. وهومن أجل هذا يعيش معزولاً، خارج المجتمع، وتقتصر أهواؤه على إرضاء رغباته الطبيعية، إلى درجة أنه لا يعهد خلال وجوده أيّة تعقيدات عاطفية أوخيالية. هنا، في التعارض مع زميله الفيلسوف الإنكليزي هوبس ينكر روسوحتى مثل هذا الإنسان قد يحدث سيئاً في طبيعته شريراً... بل إنه، بسبب بدائيته يظهر ممتلكاً حسّاً عفوياً بالشفقة والتعاطف، ما يجعله يهرع - غريزياً - إلى معاونة جميع أولئك الذين قد يجدهم يعانون... خصوصاً حتى ضروب التفاوت بين البشر، في مثل هذه الحالات، تكون جوّانية، بالتالي طبيعية: تفاوت في القوة وفي الصحة وفي الجمال وما إلى ذلك.

وإذ يصل روسوفي تحليله إلى هذا المستوى من الحديث عن الإنسان البدائي، كمثال يحتذى، يصل إلى الحديث عن المجتمع، منذ اللحظة التي يقرر فيها فرد ما حتى يمتلك أرضاً فيكون المجتمع، ويبدأ بالتحضير لعملية تطوره البطيئة أولاً والمتسارعة بعد ذلك: إنه يشعر بالحاجة إلى الاستقرار وتتأسس الأسر، وتبنى الأكواخ، ثم تتكون الصناعات الصغيرة والزراعة ثم الاقتصاد التبادلي البسيط... وكل هذا يحمل في جذوره بدايات الملكية الخاصة، وصولاً إلى ازدياد الحاجات والمتطلبات وضروب الرفاه، ويبدأ الناس في التسابق للحصول على الثروات، من طريق جميع الوسائل المتاحة، بما فيها تلك الوسائل الشريرة، إذ إذا البشر يكتشفون في خضم ذلك ضرورة حتى يحسّنوا أوضاعهم على حساب البشر الآخرين. من هنا، تفرض نفسها لعبة السيطرة والتفاوت بين الغني والفقير، القوي والضعيف، ويصبح الجميع أشبه بذئاب ضارية، البعض يفترس لكي يحصل على المزيد، والبعض الآخر لكي يحافظ على ما لديه. أما المجتمع المدني الحقيقي الأول فيتأسس حينما يتمكن القوي المنتصر من إقناع الآخرين بأن عليهم حتى يتكاتفوا معاً، تحت قيادته، للحفاظ على كينونتهم ضد الآخر الغريب المستعد لافتراسهم، إلى غير ذلك هنا مع تكون الطبقات، تتكون مشاعر العصبية وكراهية الآخر، وتندلع الصراعات والحروب...

حينما صدر هذا الكتاب فهم معاصروروسوأنه، أكثر مما هوبيان تاريخي يدعوللعودة إلى البدائية، صرخة ضد استشراء الظلم والفساد في زمنه، ومن هنا صفّقوا لهذا الجانب فيه... بل إذا صدور الكتاب، كان نقطة انعطافية في تاريخ النظريات السياسية على مر الأزمان، وهذا بالتحديد ما جعل روسو(1712 - 1778) يعتبر من أكبر المفكرين التنويريين الذين مهدوا للثورة الفرنسية، إلى جانب فولتير ومونتسكيووالموسوعيين. طبعاً، لم يكن هذا الكتاب سوى حلقة في مؤلفات روسوالكثيرة، والتي لا تزال تعيش بيننا، شديدة المعاصرة والتأثير، ومن بينها «إميل أوالتربية» و«إيلويز الجديدة» و«الاعترافات»، خصوصا «العقد الاجتماعي» الذي يسير عميقاً في تحليل الأفكار التي تطالعنا في «خطاب حول أصل وجذور التفاوت بين البشر».

الهامش

  1. ^ ابراهيم العريس (2014-09-02). "«التفاوت بين البشر» لروسو: تاريخ المجتمع المدمّر لإنسانية الإنسان". صحيفة الحياة اللبنانية.


وصلات خارجية

اقرأ اقتباسات ذات علاقة بخطاب حول أصل التفاوت وجذوره بين البشر، في فهم الاقتباس.
اقرأ نصاً ذا علاقة في

Discourse on the Origin of Inequality Among Men


  • Full text of the Discourse on Inequality
  • Complete audio-recording of the Discourse from Librivox.org
تاريخ النشر: 2020-06-04 14:27:17
التصنيفات: كتب 1754, أعمال جان جاك روسو

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

"الجيش الصحراوي" يشن هجمات "مركزة" استهدفت القوات المغربية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-28 00:16:47
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 98%

بيتكوين: جمهورية أفريقيا الوسطى تعتمد استخدام العملة المشفرة

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-28 00:16:20
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 100%

الشرطة المغربية تحبط محاولة لتهريب أكثر من 31 طناً من الحشيشة

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-28 00:16:23
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 87%

بريطانيا تسحب كتاب أطفال "يسيء" للمسلمين

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-28 00:16:45
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 94%

بطولة إيطاليا: إنتر يسقط بهفوة من الحارس ويفشل في خطف الصدارة

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-28 00:16:24
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 99%

بساكي: لا توجد بنود إضافية في صفقة تبادل السجينين مع روسيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-28 00:16:30
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 95%

واشنطن ترصد مساعدات بـ200 مليون دولار للقرن الإفريقي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-28 00:16:30
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 95%

مرتضى منصور يعلق على صدور حكم بحبسه (فيديو)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-28 00:16:47
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 85%

شاهد.. هدف بعد خطأ "كوميدي قاتل" لحارس إنتر ميلان قد يكلفه اللقب

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-28 00:16:47
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 89%

الجنائية الدولية: وجهنا 3 رسائل لموسكو بصدد أوكرانيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-28 00:16:28
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 86%

تعيين بيلاوال بوتو نجل بينظير وزيراً للخارجية الباكستانية

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-28 00:16:23
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 96%

بطولة إيطاليا: إنتر يسقط بهفوة من الحارس ويفشل في خطف الصدارة

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-28 00:16:25
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 100%

الداخلية المصرية: السيسي يصدر عفوا عن أكثر من 3 آلاف سجين

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-28 00:16:42
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 95%

مصر.. شهادة طفل تنقذ شابا من السجن 15 عاما

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-28 00:16:46
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 92%

بلينكن: نبحث إدراج روسيا على قائمة الدول الراعية للإرهاب

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-28 00:16:43
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 88%

تحميل تطبيق المنصة العربية