أحمد بن طولون
أحمد بن طولون (سبتمبر 835 – مارس 884)، مؤسس الأسرة الطولونية التي حكمت مصر ما بين عام 868 و905م. أوفده الخليفة العباسي حاكماً لمصر، فأعرب ابن طولون نفسه حاكماً مستقلاً.
تعود جذور أحمد بن طولون إلى أصول هجرية، وكان أبوه من مماليك "نوح بن أسد" والي "بخارى"؛ فأعتقه لِمَا رأى فيه من قدرة وكفاءة، ثم أوفده إلى الخليفة المأمون؛ فأعجب به، وألحقه ببلاط الخلافة، وتدرَّج في المناصب العسكرية حتى صار رئيسًا لحرس الخليفة.
وفي مدينة "بغداد" عاصمة دولة الخلافة وُلِد أحمد بن طولون في (23 رمضان 220هـ = 20 سبتمبر 835)، وعُني به أبوه عناية فائقة؛ عملمه الفنون العسكرية، وتلقى الفقه والحديث، وتردد على حلقات الفهماء ينهل منها، ورُزق حسن الصوت في قراءة القرآن، وكان من أدرس الناس له وأفهمهم به، ثم رحل إلى طرسوس بعد حتى تولى بعض أمورها بناء على رغبته؛ ليكون على مقربة من فهمائها الذين اشتهروا بالفقه والحديث والتفسير، وبعد رجوعه صار موضع ثقة الخلفاء العباسيين لفهمه وشجاعته، والتحق بخدمة الخليفة "المستعين بالله" في (248-252هـ = 862-866)، وصار مسقط ثقته وتقديره.
ولاية مصر
كان من عادة الولاة الكبار، الذين يعينهم الخليفة للأنطقيم الخاضعة له حتى يبقوا في عاصمة الخلافة؛ لينعموا بالجاه والسلطان، والقرب من مناطق السيادة والنفوذ، وفي الوقت نفسه ينيبون عنهم في حكم تلك الولايات من يثقون فيهم من أتباعهم وأقاربهم، ويجدون فيهم المهارة والكفاءة. وكانت مصر في تلك الفترة تحت ولاية القائد الهجري "باكباك" زوج أم أحمد بن طولون، فأناب عنه وفقًا لهذه العادة ابن زوجته "أحمد" في حكم مصر، وأمدَّه بجيش كبير ولج مصر في (23 رمضان 254هـ = 16 سبتمبر 868م).
وما إذا هبط مصر حتى قابلته مصاعب عديدة ومشكلات مستعصية، وشغله أصحاب المصالح بإشعال ثورات تصرفه عما اتى من أجله، لكن ابن طولون لم يكن كمن سبقه من الولاة؛ فسرعان ما اشتد نفوذه، وأخمد الفتن التي اشتعلت بكل حزم، وأجبر ولاة الأنطقيم على الرضوخ له وتطبيق أوامره، وكانوا من قبل يستهينون بالولاة، ولا يعبئون بقراراتهم؛ استخفافًا بهم، ويعملون على ما يحلولهم.
وازدادت قدم ابن طولون رسوخًا، وقويَ سلطانه بعد حتى أسندت ولاية مصر إلى "يارجوخ" والد زوجة ابن طولون، فعمل على تثبيت صهره، وزاده نفوذًا بأن أضاف إليه حكم الإسكندرية، ولم يكتفِ ابن طولون بما حقق من نفوذ في مصر؛ فتطلع إلى حتى تكون أعمال الخراج في يده، وكان عامل الخراج يُعيَّن من قِبَل الخليفة العباسي، ولم يكن لوالي مصر سلطان عليه، غير حتى أحمد بن طولون نجح في حتى يستصدر من الخليفة "المعتمد على الله" في (256-279هـ = 870-892م) قرارًا بأن يضيف إليه أعمال الخراج؛ فجمع بهذا بين السلطتين المالية والسياسية، وقويت شوكته، وعظم سلطانه، وكان أول عمل قام به حتى ألغى المكوس والضرائب التي أثقل بها عامل الخراج السابق كاهل الشعب.
ضمّ الشام إلى ولايته
ولما كثرت اعتداءات الدولة البيزنطية على ثغور الشام في أنطاكية وطرسوس والمصيصة، وغيرها.. لم يجد الخليفة المعتمد أفضل من ابن طولون يوليه أمر الشام؛ لدفع هذا الخطر، ورد البيزنطيين، خاصة حتى دولة الخلافة كانت مشغولة بالقضاء على فتنة للزنج في البصرة، حيث شبت كالحريق الهائل، وأصبحت تهدد كيان الدولة وتهز أركانها.
وفي سنة (264هـ = 878) خرج ابن طولون بحملة عسكرية إلى الشام لتثبيت نفوذه وتأديب البيزنطيين وحماية حدود الدولة الشمالية، وفي هذه الحملة دخلت في طاعته مدن الشام الكبرى كدمشق، وحمص، وحلب، وأنطاكية. وواصل زحفه حتى مدينة الرقة، وبينما هويستعد لمحاربة البيزنطيين وافته الأنباء بأن ابنه العباس، الذي هجره في مصر نائبًا عنه، قد أعرب الثورة عليه، وانفرد بالحكم دونه؛ فقفل راجعًا إلى مصر، وحاول بالطرق السلمية حتى يضع حدًّا لهذه المشكلة مع ابنه، الذي فرّ مع أتباعه إلى برقه بليبيا، ونصحه بالعودة إليه، ووعده بالعفوعنه، لكنه ركب رأسه وغرَّته قوته، ورفض النصح، ولم يعد أمام ابن طولون سوى سلاح القوة، بعد حتى أخفقت سياسة اللين، فنجح في القبض عليه، والزجّ به في السجن سنة (268هـ = 882م).
ابن طولون والخليفة المعتمد
وعلى الرغم من حتى "المعتمد على الله" كان يتولى منصب الخلافة فإنه لم يكن له من الأمر شيء!! وكانت منطقيد الأمور في يد أخيه "الموفق" ولي عهده. وحاول ابن طولون بعد حتى امتد سلطانه، واتسع نفوذه حتى يغري الخليفة المعتمد بالقدوم عليه في مصر، وأن يجعل من مصر مقرًا لدولة الخلافة؛ فخط إليه بهذا الشأن في سنة (268هـ = 882م)، ووعده بالنصر والحماية، لكن الخليفة لم يُجبه إلى عرضه إلا بعد ذلك بعام، فأوفد إليه يخبره بأنه خارج إليه، وكان ابن طولون في دمشق يستعد لقمع فتنة شبَّتْ في طرسوس، غير حتى محاولة الخليفة اللحاق بأحمد بن طولون فشلت، وتمكن الموفق من رد الخليفة إلى "سامراء" عاصمة الخلافة، وإثنائه عن محاولته.
وترتب على هذا حتى قام الموفق بعزل ابن طولون عن مصر، لكن القرار لم يلقَ قبولاً من ابن طولون الحاكم القوي وصاحب النفوذ والسلطان. ولم يكتفِ بعدم التطبيق، بل عقد اجتماعًا في دمشق جمع فيه القضاة والفقهاء والأشراف من أنحاء ولايته، وأعرب خلع الموفق عن ولاية العهد؛ لتحكمه في الخليفة الشرعي واستبداده بالأمر دونه، وخط بذلك إلى عماله في أنحاء مصر والشام، غير حتى صوت العقل تدخل بين الطرفين، وعُقد بينهما صلح، وأقر ابن طولون على ما تحت يديه من البلاد.
بناء القطائع
لما رأى ابن طولون الفسطاط والعسكر تضيقان عنه وعن جنوده، فكر في بناء عاصمة جديدة وسماها القطائع، فبناها متأثراً ببهاء سامراء التي نشأ بها. وأنشأ فيها قصره الضخم وجامعه الشامخ والمستشفيات والبيوت والبساتين. وتشغل القطائع القديمة من أحياء القاهرة الحالية أحياء السيدة زينب والقلعة والدرب الأحمر والحلمية.
جامع أحمد بن طولون
يُعتبر جامع أحمد بن طولون شيخ جوامع القاهرة بلا نزاع ، إذ أنه أقد مسجد باقي على حالته الأصلية بشكل تام مع بعض الإضافات المملوكية ، على عكس جامع عمروبن العاص الذي محت التجديدات والتوسعات معالمه الأصلية تماماً، وقد أنشأه الأمير أحمد ابن طولون في الفترة بين عامي 263هـ ـ 265هـ ، ويشعر زاهره برهبة وخشوع عظيم.
كما أنشأ أحمد بن طولون قصره العظيم في مسقط ميدان القلعة الحالي وقد اندثر تماماً ، ويُحكى من ضخامته أنه كان له أربعون باباً ، وتحفل القاهرة بقليل من الآثار الطولونية الأخرى كالبيت الطولوني القائم بمنطقة المدابغ بمصر القديمة.
وفاة أحمد بن طولون
توفي أحمد بن طولون سنة 270هـ 884م وخلفه على الحكم ابنه خمارويه .
انظر أيضاً
- جامع أحمد بن طولون
- طولونيون
- قائمة حكام مصر في الدولة الطولونية
الهوامش
- ^ "The Mosque of Ahmad ibn Tulun"
المصادر
- البعلاوي، سيرة أحمد بن طولون
- زكي حسن، "أحمد بن طولون"، الموسوعة الإسلامية، الجزء الأول، لايدن: إي جي بريل، 1960، ص. 278-9.
| سبقه أزجور بن هجري (كحاكم عباسي) |
أمير مصر الطولونية 868-884 |
تبعه خمارويه |
