شنودة الأول (بابا الإسكندرية)

البابا شنودة الأول' بابا الإسكندرية بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية السابع عشر (859 - 880).

نشأ في البتانون، وترهب بدير القديس مقاريوس، وعُيّن قمصًا على كنيسة الدير

ختير بعد قليل للبطريركية بتزكية الشعب والأساقفة واعتلى الكرسي في 13 طوبة 576ش الموافقثمانية يناير سنة 859م. في كنيسة القديس أبي سرجة، في خلافة المتوكل.

كانت بداية حبريته فترة خير وسلام للكنيسة، إذ كان الوالي عبد الواحد بن يحي إنسانًا عادلاً أحسن معاملة المصريين جميعًا على السواء. ولكن بعد أربع سنوات تغيّر الوالي وأتى من بعده ولاة أتراك معينين من قِبَل الخلفاء العباسيين، فنالته هووالشعب شدائد كثيرة واضطهادات عظيمة.

في عام 861م صار يزيد واليًا على مصر، فأمر البابا حتى يدفع خمسة آلاف دينارًا جميع عام. وإذ لم يكن ممكنًا للبابا دفع هذا المبلغ هرب واختفى في أحد الأديرة البعيدة. صار الوالي ينهب الكنائس ويسلب الكهنة ويهين الشعب، فاضطر البابا حتى يُسلّم نفسه للوالي، فطلب منه الوالي دفع سبعة آلاف دينارًا، فأخذ الأساقفة والكهنة يجدون في جمع المبلغ من الشعب فلم يستطيعوا حتى يجمعوا سوى أربعة آلاف دينارًا سلّموها للبابا، فسلّمها للوالي وتعهد بدفعها سنويًا إذا أطلقه.

في عام 866م تولّى كرسي الخلافة المعتزّ بالله، فاختار البابا الأرخن ساويرس والأرخن إبراهيم ليبسطا الأمر عليه، وكيف ذاقت مصر المرّ والعلقم لجور ولاتها وظلم حكّامها ويرجواه حتى يترفق ببلاده ويقيم العدل. أحسن الخليفة استقبالهما وأجاب مطلبهما وأمر بإعادة الأراضي والكنائس والأديرة وأواني المذبح المسلوبة. خط البابا عدة صور من هذا القرار وبعث به إلى أساقفة القطر معلنًا الشكر للّه ومادحًا الخليفة.

إذ استتب الملك في مصر لأحمد بن طولون كان يتوهم حتى البابا في إمكانه حتى يقاومه لذا كان يتحين الفرص لاضطهاد المسيحيين.ادعى راهب حتى البابا يعهد فهم الكيمياء وعنده من المضى والفضة ما لا يُحصى. وأخر اشتكى البابا لدى ابن طولون بأنه يجمع الأموال بالاختلاس ويبدّدها. فقبض عليه الوالي ومعه جماعة من الأساقفة وقيّدهم وساقهم إلى بابيلون وأمر حتى يُطاف بهم في الشوارع ليكونوا موضوع سخرية وهزء للناظرين. وأخيرًا أُلقي في السجن لمدة شهر، ولم يستطيع الراهب حتى يُثبت اتهامه ضد البابا بل اضطر حتى يعتذر عما وقع فسامحه. عاد الراهب إلى شره ومضى إلى الإسكندرية يضطهد التجار والمسافرين فحملوا أمره إلى الحاكم الذي أمر بضربه بأعصاب البقر حتى تمزق لحمه ومات.

ادعى راهب آخر بأن البابا ضغط على بعض المسلمين لكي يصيروا مسيحيين ويُرهْبنهم. مضى بعض الجنود إلى أحد الأديره وادعوا على بعض الرهبان أنهم كانوا مسلمين وإذ أكدوا أنهم مسيحيون من آباء مسيحيين قبضوا عليهم وأتوا بهم إلى الوالي. هكذا استغل البعض كراهية الوالي للبابا لكي يقدموا اتهامات كثيرة ضده. اتفق راهب شرير مع بعض اليهود على إثارة المسلمين بان البابا يعمل على رد المسلمين إلى المسيحية فقام المسلمون يقتلون الكثير من المسيحيين وينهبون أموالهم وألزموا الوالي حتى يضطهد البابا والأساقفة. صلوات مقبولة كان الله يجري على يديه آيات كثيرة وشفى أمراضًا مستعصية.

حدث مرة حتى امتنع المطر عن مدينة مريوط ثلاث سنوات حتى جفّت الآبار وأجدبت الأراضي، فاتى هذا الأب إلى كنيسة القديس أبا مينا بمريوط وقام بخدمة القداس وطلب من الله حتى يرحم خليقته، وكان يصلى قائلاً: "يا ربى يسوع ارحم شعبك يليق بغنى رحمتك ليمتلئوا من مسرتك"، ولم ينتهِ من صلاته حتى حصلت بروق ورعود ونزل غيث كالسيل المنهمر حتى امتلأت البقاع والكروم والآبار، فرويت الأرض وابتهج الخلق ممجدين الله صانع العجائب. رعايته قام برحلة رعوية لجميع البلاد المصرية موليًا أديرة الصعيد عنايته الخاصة. وقع عندما كان هذا الأب بالبرية لزيارة الأديرة حتى أغار عربان الصعيد على الأديرة للقتل والنهب فخرج إليهم وبيده صليبه، فحين أبصروا الصليب تقهقروا عبره وولوا هاربين. وإذ تكرر الأمر وأظهر الرهبان الخوف بنى لهم في جميع دير حصنًا منيعًا.

بعد حتى عاد إلى مقر كرسيه بعث برسالة الشركة إلى أخيه في الخدمة الرسولية البطريرك الإنطاكي، فلم يكتفِ بطريرك إنطاكية بالرد عليها بل بعث مع رده بالهدايا النفيسة. اهتمامه بالإيمان المستقيم كان هذا البابا عالمًا تقيًّا، بذل جميع جهده في إزالة البدع والهرطقات من بين المؤمنين. كان بقرية تسمى بوخنسا من قرى مريوط قوم يقولون إذا الآلام لم تقع على الجسد حقيقة ولكنها كانت خيالية، فمضى إليهم وأرشدهم فقبلوا نصحه وعادوا إلى الإيمان. وفي أثناء افتقاده لشعبه في صعيد مصر عثر شعب البلينا قد هجرا أسقفيهما وصاروا يقولون بموت اللاهوت، فأخذ يوضّح لهم الإيمان الحقيقي من الكتاب المقدس وأقوال الآباء حتى رجعوا في حضن الكنيسة وخضعوا للأسقفين. كان هذا البابا كثير الاهتمام بأمور الكنائس ومواضع الغرباء وكان جميع ما يفضل عنه يتصدق به. ولما أكمل سعيه الصالح تنيح بسلام بعد حتى أقام على الكرسي المرقسي حوالي إحدى عشرين سنة.