نزاع بحر قزوين

عودة للموسوعة

نزاع بحر قزوين

خطوط أنابيب النفط في منطقة بحر قزوين، سبتمبر 2002.
البنية التحتية للنفط والغاز الطبيعي في منطقة بحر قزوين، أغسطس 2013.

نزاع بحر قزوين، منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين بدأ الحديث عن تحوّل منطقة آسيا الوسطى إلى أحد اللاعبين الأساسيين على ساحة الطاقة العالميّة، حيث أظهرت التّوقّعات الّتي قامت بها مراكز الأبحاث وشركات النّفط الغربيّة أنّ احتياطات النّفط والغاز الطّبيعي في بحر قزوين تساوي الاحتياطات الموجودة في منطقة الخليج العربي. في ظل هذه الأوضاع سعت حكومات الدّول الجّديدة إلى استغلال الثّروات بهدف تحسين الأوضاع الاقتصاديّة في بلادها الّتي كانت تعاني صعوبات اقتصاديّة كبيرة بعد تفكّك الاتّحاد السّوفياتي، وخروجها من تحت عباءته لتصبح أمام معضلة تحقيق الإستقلال الاقتصادي بعد حصولها على الإستقلال السّياسي.

التحولات السياسية في آسيا الوسطى بعد تفكك الاتحاد السوڤيتي

أدى تفكك الاتحاد السوڤيتي إلى زوال المنظومة السياسية الّتي كانت قائمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهوما ألقى بتداعيات كبيرة على هجريبة النّظام العالمي الّذي أصبح نظامًا أُحادي القطب، بزعامة الولايات المتحدة. ولعلّ الأثر المباشر الّذي خلّفه كان بروز كيانات سياسيّة جديدة على السّاحة الدّوليّة، كانت حتّى الأمس القريب جزءًا من الاتّحاد السوڤيتي من القوقاز إلى أوروپا الشرقية وصولاً إلى المنطقة المعروفة بإسم آسيا الوسطى. وهي تعتبر منطقة مغلقة جغرافيًّا لا تُطل على أي بحر وتضمّ خمس دول هي هجرمنستان، كازاخستان، طاجكستان، قيرغستان، وأوزبكستان. تحدّها من الشمال روسيا، من الشّرق الصين، من الجنوب أفغانستان، من الجنوب الغربي إيران، ومن الغرب بحر قزوين.

تقع آسيا الوسطى في قلب المنطقة المعروفة بإسم أوراسيا الّتي تضم أوروبا وآسيا، والتي تمتد حدودها غربًا من أوروبا الغربية على المحيط الاطلسي حتى ضفاف الصين وروسيا على المحيط الهادئ في الشرق. وبحسب مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبگنييڤ بريجنسكي فإن أوراسيا هي رقعة الشطرنج التي يدور فيها الصراع للهيمنة العالمية، وإن هذا الصراع يتضمن الجغرافيا الاستراتيجية، أي الإدارة الاستراتيجية للمصالح الجيوبوليتيكية.

من هنا فإنّ تأثيرات هذه الدّول في المنطقة لا تقتصر على الإطار القانوني البحت، لأن ظهورها دفعة واحدة ألقى بتداعياته على التّوازنات الإقليميّة، كونها على تماس مباشر مع مجموعة من الدّول الفاعلة على الصّعيدين الإقليمي والدّولي. فهذه الدّول تجاور روسيا والصّين، بالإضافة إلى غرب آسيا وجنوبها، وبالتّالي كان هناك إعادة هيكلة جيوسياسيّة للمنطقة الّتي كانت تاريخيًّا جزءًا من الفضاء السّوفيتي. فإلى جانب العوامل الجغرافيّة والتّاريخيّة والثّقافيّة، برزت آسيا الوسطى بإمكاناتها الاقتصاديّة خصوصًا تلك المتعلّقة بمصادر الطّاقة من نفط وغاز لتصبح نقطة التقاء لمصالح الدّول الكبرى، وبالتّالي تتحوّل المنطقة إلى ساحة تنافس وصراع ينحوعدد من الباحثين إلى تسميته "اللعبة الكبرى الجديدة".


البعد الجيوسياسي للصراع على بحر قزوين

بامتداد يصل إلى 1300 كم من الشّمال إلى الجّنوب و300 كم من الغرب إلى الشّرق، وبمساحة تصل إلى حوالى 400,000 كم² يُعتبر بحر قزوين أكبر بحر مغلق. ويعرّف القانون الدّولي للبحار البحر المغلق على انّه "خليج أوحوض أوبحر تحيط به دولتان أوأكثر، ويتصل ببحر آخر أوبالمحيط بواسطة منفذ ضيّق، أويتألّف كلّيًّا أوأساسًا من البحار الإقليميّة والمناطق الاقتصاديّة الخالصة لدولتين ساحليّتين أوأكثر".

ويرتفع بحر قزوين 27 مترًا فوق مستوى سطح البحر، ويتألّف من ثلاث أحواض أساسيّة: الأوّل في الشّمال لا يتجاوز عمقه 100 متر، والثّاني في الوسط ويتراوح عمقه بين 500 و800 متر، والقسم الجنوبي يصل عمقه إلى 1000 متر. ويقع بحر قزوين في منطقة إستراتيجيّة فمن ناحية هومجاور لآسيا الوسطى (طاجكستان، أوزباكستان) والقوقاز عبر آذربيجان، ومن ناحية آخرى هوعلى مقربة من منطقة الخليج الفارسي، حيث لا تفصله عنها سوى إيران، بالإضافة إلى قربه من هجريا.

حتّى منتصف القرن السّادس عشر كان بحر قزوين بحرًا "فارسيًّا- طورانيًّا" لكن مع بداية القرن التّاسع عشر بدأت روسيا القيصريّة تفرض هيمنتها شبه الكاملة على قزوين خصوصًا بعد فوزها في عدد من المعارك على الإمبراطوريّة الفارسيّة، واستمرّت هذه الهيمنة بعد العام 1917 وبروز الاتّحاد السّوفياتي على السّاحة الدّوليّة، في ظل قدرة مناورة محدودة من قبل إيران. لكن الجديد في هذه الفترة هوسعي الفريقين إلى وضع إطار قانوني لتنظيم الواقع الجديد، فكانت مجموعة من الاتّفاقات لتنظيم الملاحة والصّيد والاستكشاف (اتّفاقيّة العام 1921، اتّفاقيّة العام 1927 واتّفاقيّة العام 1940) بحيث يتحوّل قزوين بعدها إلى بحر "سوفياتي- إيراني".

وشكّل تفكّك الاتّحاد السّوفياتي نقطة تحوّل أساسيّة في واقع بحر قزوين وذلك لعدّة أسباب، فمن ناحية أدى إلى بروز دول جديدة مشاطئة لبحر قزوين ارتفع عددها إلى خمس دول (إيران وروسيا وآذربيجان وكازاخستان وهجرمانستان) وهذا ما أدّى إلى بروز تعقيدات قانونيّة واقتصاديّة وجيوبولتيكيّة. ومن ناحية ثانية ظهور الدّراسات والتّقارير الّتي تتناول مصادر الطّاقة في بحر قزوين، خصوصًا لناحية التّقديرات في حجم احتياطات النّفط والغاز الطّبيعي، وهوما حوّل هذا المسطّح المائي إلى نقطة استقطاب كبرى.

فمن النّاحية الاقتصاديّة يُعتبر بحر قزوين من المناطق الأساسيّة المنتجة لمصادر الطّاقة في العالم، حيث تقدّر الاحتياطات الإستراتيجيّة في هذه المنطقة بحوالى 33 مليار برميل يتم استخراج ما بين ثلاثة وخمسة مليون برميل منها يوميًّا. أمّا الاحتياطات الإستراتيجيّة للغاز الطّبيعي في قزوين فهي تقدّر بحوالى 232 تريليون متر مكعب. وعلى الرّغم من أنّه لا يمكن مقارنة هذه الأرقام مع أرقام الاحتياطات الموجودة في الخليج الفارسي إلاّ أنها تعتبر أساسيّة خصوصًا وأنّ الدّول المستوردة غالبًا ما تسعى إلى تنويع مصادر وارداتها.

وتعتبر مسألة الاحتياطات في بحر قزوين من المواضيع المهمّة والشّائكة في الوقت ذاته، فالتّفاوت الكبير بين التّقديرات الّتي ظهرت بداية تسعينيّات القرن المنصرم أثارت الكثير من التّساؤلات. إذ في العام 1996 قدّرت وكالة الطّاقة الأميركيّة الاحتياطات الإستراتيجيّة في بحر قزوبن بحوالى 200 مليار برميل، أي أقل بقليل من احتياطات المملكة العربيّة السّعوديّة الّتي تقدّر بحوالى 265 مليار برميل. هذه الأرقام تعادل ما نسبته 16% من احتياطات النّفط العالميّة. لكن حتّى التّقديرات هذه سرعان ما تراجعت لتبدأ الأرقام الحقيقيّة للاحتياطات بالظّهور، مظهرة حتى بحر قزوين لا يشكّل سوى 3% من احتياطات النّفط العالمي. من هنا يظهر جليًّا أنّ الهدف من المبالغة في أرقام هذه التّقديرات، كان سياسيًّا، فالولايات المتّحدة سعت إلى إيصال رسالة مفادها أنّها قادرة على الإستغناء عن النفط العربي، لقاء مصادر أخرى أهمّها قزوين.

الإحتياطات المثبتة والمتسقطة للنّفط والغاز


من الواضح، واستنادًا إلى الأرقام، أنّ بحر قزوين لا يُعتبر بأي حال من الأحوال بديلًا من احتياطات الخليج الفارسي، إلاّ أنّه من ناحية ثانية أحد المصادر المهمّة لتزويد الأسواق العالميّة احتياجاتها، خصوصًا في ظل ازدياد الطّلب على مصادر الطّاقة. لكن من دون هذا الأمر عدد من العقبات، أهمّها إشكاليّة إيصال المواد المستخرجة إلى البحار المفتوحة، بالإضافة إلى افتقاد عدد من الدّول المشاطئة لبحر قزوين الأموال والتّقنيّات اللازمة لعمليات البحث والتنقيب.


التنافس الإقليمي والدّولي على بحر قزوين

على الرّغم من الأهميّة الاقتصاديّة لبحر قزوين، إلاّ أنّ الصّراع على هذه المنطقة لا يقتصر على هذه النّقطة، فالتّنافس الدّولي هناك أخذ بعدًا آخر بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 والغزوالأميركي لأفغانستان، ما أضاف أبعادًا جديدة للنّزاع في المنطقة، لتكتمل معها عناصر «اللعبة الكبرى الجديدة» الّتي تضم بالإضافة إلى روسيا والولايات المتّحدة الكثير من القوى الأخرى، مثل الصّين وإيران والهند ودول آسيا الوسطى، وبالتّحديد تلك المشاطئة لبحر قزوين.

روسيا

تبدوروسيا في مقدّمة الدّول المؤثّرة في واقع هذه المنطقة، فمنذ تفكّك الاتّحاد السّوفياتي فقدت روسيا هيمنتها التّاريخيّة على بحر قزوين، وذلك بعد حتى أصبحت هذه الدّول- التي كانت حتّى الأمس القريب جزءًا من الاتّحاد السّوفياتي- وجزءًا من النّظام الإقليمي لبحر قزوين، وبالتّالي فإن هذا الصّراع يتجاوز موضوع مصادر الطّاقة ليصل إلى طرح مسألة التوازن السياسي في منطقة تعهد أزمات مزمنة. من هنا كانت السّياسة الرّوسيّة في تعاملها مع الواقع المستجد تتغيّر لتتكيّف مع النّفوذ المتنامي للقوى الإقليميّة والدّوليّة، وبالتّحديد واشنطن وبكين.

فآسيا الوسطى والقوقاز كانتا على الدّوام في صلب الاهتمامات الرّوسيّة، فمن جهة هي حيويّة للأمن الرّوسي حيث تعتبر السّياسة الرّوسيّة أنّ الدّفاع عن أمن هذه المناطق هوخط الدّفاع الأوّل عن روسيا، ومن جهة أخرى تسعى روسيا لتعزيز نفوذها في هذه الدّول للعمل على خلق المناخات المناسبة للتّوسّع اقتصاديًّا فيها. لهذه الأسباب، وبالإضافة إلى المعطيات التّاريخيّة، فإنّ روسيا تعتبر أنّ لديها مسؤوليّات كبيرة لتعزيز الأمن في هذه المنطقة. ونتيجة للأزمات الاقتصاديّة الّتي كانت تمر بها البلاد، بالإضافة إلى السّياسة القريبة من الغرب الّتي انتهجها الرّئيس الأسبق بوريس يلتسن، لم يكن لموسكوسياسة واضحة تجاه بحر قزوين. ولكن التّدخّل الغربي في البلقان، والحرب في الشّيشان، بدأتا تُشعران روسيا أنّها محاصرة، ما أدّى إلى بروز تحوّلات في السّياسة الخارجيّة الرّوسيّة.

واعتُبر توقيع اتّفاقيّة خط أنابيب باكو- جيهان هزيمة كبيرة لموسكو، وهذا ما مضى إليه أندريه أورنوف رئيس مجموعة العمل حول قزوين، وبحسب رأيه «فإن هناك قوى خارجيّة تعمل على إضعاف مسقط روسيا في بحر قزوين، عبر دق إسفين بين موسكووالدّول المشاطئة للبحر». ومع وصول فلاديمير بوتين إلى سدًة الرئاسة في روسيا في العام 2000، حدثت مراجعة للسياسة الروسية تجاه قزوين عبًر عنها بوتين نفسه في حدثة ألقاها في اجتماع مجلس الأمن الرّوسي ً لمناقشة الوضع في بحر قزوين نطق فيها: «إنّ علينا الفهم أنّ اهتمام شركائنا في الدّول الأخرى (هجريا، بريطانيا والولايات المتّحدة) في بحر قزوين ليس مصادفة، وهذا لأنّنا غير فاعلين... هذه منافسة، وعلينا حتى نكون منافسين».

نتيجة هذه المعطيات أصبحت قضيّة قزوين من القضايا الأساس في السّياسة الخارجيّة الرّوسيّة الّتي تؤكّد على ضرورة تطوير التّعاون الاقتصادي بين دول بحر قزوين، عبر اتّخاذ عدد من الإجراءات، بما فيها إنشاء منطقة تجارة حرّة، فالإستراتيجيّة الرّوسيّة في بحر قزوين تهدف إلى تحقيق هدفين أساسيين: الأوّل السّيطرة على عمليّات التّنقيب، وتطوير مصادر الطّاقة في هذا البحر ونقلها، والثّاني العمل على الحفاظ على مسقطها كالدّولة الأكثر تأثيرًا في المنطقة.

لكن أحداث 11 سبتمبر والهجمة الأميركيّة على المنطقة بعد احتلال أفغانستان، جعلت الرّوس يقلقون، خصوصًا وأنّ الأميركيين ما انفكّوا يحاولون كسر الاحتكار الرّوسي لنقل مصادر الطّاقة وهوما ترافق مع تعزيزات عسكريّة أميركيّة في أوزبكستان وقرغيزستان، لكن مصالح روسيا جعلتها تتقبّل الدّور الأميركي في المنطقة، فهي شعرت بالارتياح لسقوط طالبان لأنّ من مصلحتها استقرار أفغانستان، كما أنّ تفجيرات 11 سبتمبر وبدء "الحرب الأميركيّة على الإرهاب، أعطتها فرصة لخوض حربها مع المتمرّدين الشّيشان.

إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّ روسيا كانت مرتاحة للتّوسّع الأميركي، بل على العكس فإن موقف موسكويظهر أكثر تشدّدًا مع مرور الوقت، وهوما عكسه الدّور الكبير الّذي أخذت منظّمة شنغهاي تقوم به حتّى أصبح من الواضح أنّها تسعى إلى الاضطلاع بدور موازٍ للولايات المتّحدة. ففي العام 2003 أجرى أعضاؤها أوّل تدريبات عسكريّة مشهجرة، أعقبها في يوليو2005 صدور بيان يدعوالولايات المتّحدة إلى وضع جدول زمني لسحب قوّاتها من المنطقة، أضف إلى ذلك دعم المنظّمة لموقف الصّين في صراعها مع تايوان، ووقوفها إلى جانب روسيا في معارضة مشروع الدّرع الصّاروخي الأميركي.

وشكّل صعود بوتين إلى السّلطة رافعة للاقتصاد الرّوسي الّذي نجح في تحقيق نسب نموعالية خلال سنوات متتالية نتيجة ازدياد أسعار النّفط والغاز الّذي استفادت منه الحكومة الرّوسيّة باتّجاهين: الأوّل عبر صادراتها النّفطيّة، والثّاني عبر إعادة تصدير شحنات الطّاقة القادمة من قزوين والقوقاز وهوما جاز للحكومة الرّوسيّة بتمويل خططها الاقتصاديّة. من هنا كان الإصرار الرّوسي دائمًا على العمل على بقاء الأراضي الرّوسيّة الممر الأساسي وشبه الوحيد لمصادر الطّاقة القادمة من آسيا الوسطى وقزوين. أمام هذا الواقع لا تبدوروسيا مستعدّة للتّنازل في هذه المسألة، وبحسب المحرر مارشال غولدمان فإنّ موسكوتخوض «مباراة شطرنج عظمى» تسعى خلالها للتّصدّي لمحاولات الولايات المتّحدة بناء خطوط أنابيب تتجاوز موسكو. وانطلاقًا مما تقدّم يظهر حتى روسيا تملك الكثير من الأوراق الرّابحة لتبقى اللاّعب الأوّل في هذه المنطقة، على الأقل في المستقبل المنظور.

الولايات المتّحدة

على الرّغم من بُعدها عن المنطقة إلاّ أنّ الولايات المتّحدة تملك الكثير من أوراق القوّة في آسيا الوسطى وبحر قزوين. فتدريجيًّا، وبعد انتهاء الحرب الباردة، بدأت اهتمامات الولايات المتّحدة ومخاوفها تأخذ أبعادًا أكثر عمقًا، وهي استمرّت زهاء عقدٍ من الزّمان حتّى بلورت سياسة خارجيّة تعبّر عن مصالحها.

وتعود جذور السّياسة الأميركيّة تجاه بحر قزوين إلى العام 1993 حين قام عدد من شركات النّفط الأميركيّة بتوقيع عقود ضخمة مع حكومات جميع من كازاخستان وآذربيجان، وبالتّالي فإنّ مصالح الشّركات الأميركيّة كانت المحرّك الأوّل لصانعي السّياسات الأميركيّة لوضع استراتيجيّاتهم في بحر قزوين وآسيا الوسطى، وذلك حين أوصلتهم استنتاجاتهم إلى أنّ احتياطات الطّاقة في بحر قزوين يمكن حتى تجعله مصدرًا أساسًّا للنّفط والغاز في العالم.

لكن في هذه الفترة لم تكن المقاربة الأميركيّة لآسيا الوسطى وبحر قزوين موحّدة، فكل فرع من فروع الإدارة الأميركيّة كان له مقاربة خاصّة للأوضاع في هذه المنطقة، فمثلاً كانت مقاربة الوكالة الأميركيّة للتّنميّة مخالفة كلّيًّا لرؤية وزارة الخارجيّة، أضف إلى ذلك أنّ الرّؤية داخل البنتاغون كانت مختلفة بين قسم وآخر. وفي ظل غياب رؤية واضحة من السّلطة المركزيّة الأميركيّة كانت جميع دائرة من هذه الدّوائر تضع سياساتها وتنفّذها، وكان من الصّعب في هذه الفترة من الفوضى التّوصّل إلى رؤية أميركيّة موحّدة تجاه هذه المنطقة.

وفي محاولة للخروج من هذه المعضلة عمدت إدارة كلينتون إلى إنشاء مجموعة حوض قزوين تابعة لمجلس الأمن القومي وذلك بهدف التّنسيق بين مقاربات الوزارات والهيئات المتنوعة. وكان لمجلس الأمن القومي الدّور الأكبر في هذه المجموعة، خصوصًا لناحية مقاربة المخاطر الّتي يفترض أن تقابل الولايات المتّحدة من جرّاء دخولها بحر قزوين. واضطلعت المصالح السّياسيّة بدور مهمٍ في بلورة السّياسة الأميركيّة في المنطقة، ويمكننا تحديد هدفين أساسيّين لواشنطن يتمثّل الأوّل بحماية مصالح شركات النّفط الأميركيّة في بحر قزوين، فيما يتمثّل الثّاني بتنويع مصادر استيراد الطّاقة. ومع مرور الوقت أُضيف إليهما هدف جيوستراتيجي حديث يتمثّل بإبعاد النّفوذين الرّوسي والإيراني. عملى الرّغم من أهمّيّة مصادر الطّاقة للولايات المتّحدة إلاّ حتى المقاربة الأميركيّة في المنطقة استمرّت خاضعة لأولويّات السّياسة الخارجيّة وبالتّحديد للعلاقة مع روسيا وإيران.

واتى الغزوالأميركي لأفغانستان ليُدخل المنطقة في فترة جديدة أكثر تعقيدًا من سابقتها، عملى الرّغم من تراجع التّوقّعات حول حجم الاحتياطات الإستراتيجيّة في بحر قزوين إلاّ أنّ الاهتمام الأميركي في المنطقة لم يتراجع، بل نتيجة "الحرب على الإرهاب" أصبح متعدّد الأبعاد. أوّلًا، تمكّنت الولايات المتّحدة من الحصول على تعاون دول آسيا الوسطى وبحر قزوين المستقلّة عن الاتّحاد السّوفياتي في "حربها المعلنة على الإرهاب". ثانياً، إذا الوجود العسكري الأميركي في المنطقة يهدف بالأساس إلى إزالة جميع العوائق السّياسيّة والاقتصاديّة والقانونيّة الّتي تقف حائلًا أمام التّدفّق الحر والمستمر للنّفط والغاز. ثالثًا، إنّ الوجود الأميركي المباشر يساعد الإدارة الأميركيّة وشركاتها على تأمين طرق بديلة لتصدير النّفط بواسطة شبكة أنابيب عبر أفغانستان.

وتسعى الولايات المتّحدة إلى ضمان استقرار هذه الدّول خوفًا من تحوّلها إلى دول فاشلة تصبح ملاذًا آمنًا للمجموعات "الإرهابيّة"، إلاّ أنّ إدارة الرّئيس باراك أوباما تقابل أساساَ عقبتين في هذه المنطقة: أوّلًا، الوضع المتدهور في أفغانستان وثانيًا، الأوضاع الاقتصاديّة لدول حوض قزوين وآسيا الوسطى، خصوصًا وأنّها تؤدّي بشكل كبير إلى توّتر داخل مجتمعات هذه الدّول، ولاسيما في ظل الفساد المستشري فيها.

ويرى الكثير من الخبراء أنّ النّظام العالمي الّذي ساد بعد الحرب الباردة، وهيمنت فيه الولايات المتّحدة يتطلّب حضورًا أميركيًّا مباشرًا، ليس من خلال نشر سياساتها الاقتصادية "النّيوليبراليّة"، فقط بل أيضًا عبر الحضور العسكري المباشر في المناطق الحيويّة بالنّسبة لها، مثل منطقة الخليج الفارسي وبحر قزوين. وإذا كان وجود القوّات العسكريّة الأميركيّة في المنطقة يوفّر لواشنطن مسقطًا أكثر قوّة وفعاليّة في لقاءتها مع روسيا والصّين وإيران فإنّه باللقاء يؤدّي إلى إدخال المنطقة طالما من عدم الإستقرار بدلاً من المساهمة في استقرارها.


الصين

في ظل هذا الصّراع تبرز الصّين كلاعب أساس في المنطقة، لكن، وعلى الرّغم من ذلك، فإن المقاربة الصّينيّة للواقع في بحر قزوين وآسيا الوسطى لم تكن واضحة المعالم، خصوصًا في النّصف الأوّل من تسعينيات القرن الماضي، وقد اقتصرت اهتمامات الحكومة الصّينيّة على عنصرين أساسيين الأوّل هوأمن حدودها، والثّاني هوالحفاظ على استقرار المنطقة. وعلى الرّغم من الأهمّيّة الكبيرة لبحر قزوين كمصدر أساس للطّاقة، إلا أنّ هذا الأمر لم يكن من أولويّات الحكومة الصّينيّة لسببين أساسيين، الأوّل، هوأنّ الصيّن وعلى الرّغم من حاجتها لمصادر الطّاقة، فإنّ ضعف الطّلب العالمي في تلك الفترة، مقارنة مع الإنتاج، جاز لها بتأمين احتياجاتها من الأسواق العالميّة، والسّبب الثّاني هوأنّ ثمن النّفط المنخفض لم يشجّع الصّين على الدّخول في صراع على مصادر الطّاقة العالميّة. أمّا من الناحية الجيوبوليتيكيّة، فإنّ الصّين في تلك الفترة لم تشعر بتهديد حقيقي، خصوصًا وأن الولايات المتّحدة لم تكن قد دخلت بقوّة إلى المنطقة.

لكن ومنذ العام 2001 بدأت الإستراتيجيّة الصّينيّة في المنطقة تأخذ أبعادًا مختلفة، فقد كان لتفجيرات 11 سبتمبر دور أساسي في بلورة المقاربة الصّينيّة الجّديدة. والدّخول الأميركي إلى أفغانستان وآسيا الوسطى والسّيطرة على مصادر الطّاقة أدّيا إلى تحوّلات كبيرة في أسواق الطّاقة العالميّة كانت سمتها الأساسيّة الارتفاع المستمر في الأسعار العالميّة. ومع الازدياد الكبير في احتياجاتها إلى الطّاقة بدت الصّين أكثر اهتمامًا من ذي قبل بمصادر جديدة، لإدراكها أنّ الدّخول الأميركي إلى آسيا الوسطى وغزوالعراق والضّغوط على إيران جعلها تتيقّن أنّ واشنطن تسعى إلى السّيطرة على مصادر الطّاقة الأساسيّة في العالم.

هذه المعطيات دفعت الصّين إلى الاهتمام أكثر فأكثر بمصادر الطّاقة في بحر قزوين، ويمكن هنا الاستناد إلى واقعتين أساسيّتين: الأولى، قرار شركة النّفط الوطنيّة الصّينيّة توسيع استثماراتها في أحواض بحر قزوين وآسيا الوسطى، والثّانيّة، استعداد الصّين لبناء خط أنابيب من كازاخستان تلبية لاحتياجاتها النّفطيّة. وبالنّسبة للصّين، فإنّ مصادر الطّاقة في هذه المنطقة مهمّة لعدّة أسباب،: إذا بحر قزوين قادر على تلبيّة جزء مهم من احتياجات الصّين المتزايدة للطّاقة، وثانيًا، إذا الصّين تسعى إلى تنويع مصادر استيراد النّفط والغاز، وبالتّالي فإن بحر قزوين يفترض أن يعزّز هذا الهدف الّذي يُعتبر جزءًا من الاستراتيجيّة الصّينيّة.

ولا تقتصر الاهتمامات الصّينيّة في بحر قزوين وآسيا الوسطى على موضوع مصادر الطّاقة، بل يتعدّاه إلى مواضيع أخرى تُعتبر أساسيّة بالنّسبة إلى الصّين: فأوّلًا، هناك موضوع التّوسّع الأميركي العسكري والاقتصادي في المنطقة والّذي ترى فيه بكين تهديدًا مباشرًا لأمنها ومصالحها، وثانياّ، هناك التّصدّي للحركات الانفصاليّة والمجموعات المتمرّدة، وخصوصًا منظّمة هجرستان الشّرقيّة، وضمان أمن إقليم سينكجيانگ (Xinjiang)، وثالثًا، هناك بناء علاقات قويّة مع دول المنطقة بما يسمح للصّين بتحقيق مصالحها الاقتصاديّة والتّجاريّة.

وإذا كان بعض المحلّلين يعتبر أنّ الصّين لا تسعى إلى السّيطرة وفرض هيمنتها على المنطقة لأنّها ترغب علاقات جيّدة مع مختلف القوى الدّوليّة والإقليميّة، فإن سعي الصّين إلى المحافظة على مسارها التّصاعدي اقتصاديًّا وسياسيًّا يدفعها بطبيعة الحال إلى التّشدّد تجاه مساعي هذه القوى للتّوسّع في مناطق نفوذها.

إيران وهجريا

تحتل إيران مسقطًا جغرافيًّا مميّزًا في المنطقة، فهي فمن جهة مطلّة على الخليج الفارسي، ومن جهة ثانية محاذية لآسيا الوسطى، وفي نفس الوقت مشاطئة لبحر قزوين. هذا المسقط يجعل من إيران لاعبًا مهمًّا على صعيد مصادر الطّاقة في بحر قزوين، خصوصًا أنّها تستطيع حتى تكون لهذه المنطقة الحبيسة منفذًا أساسيًّا إلى البحر عبر الخليج الفارسي وبحر عمان.

ومنذ بروزها كساحة تنافس دولي كانت السّياسة الإيرانيّة تجاهها تتّصف بالواقعيّة والبراغماتيّة، خصوصًا وأنّ إيران تملك الكثير من المصالح في هذه المنطقة الّتي تعتبر حيويّة بالنّسبة لها. فمن ناحية، ترى إيران أنّ عدم الاستقرار يشكّل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، ومن ناحية أخرى، فإنّها تشكّل لإيران سوقًا مهمًّا خصوصًا لصادراتها غير النّفطيّة ومصدرًا للمواد الأوّليّة الضّروريّة لصناعاتها. وفي لقاءة التّحدّيات الّتي تقابلها في بحر قزوين كانت السّياسة الإيرانيّة تتدرّج لتتكيّف مع التّطوّرات الّتي تطرأ، وتستند هذه السّياسة إلى نقطة أساس ألا وهي تعزيز التّعاون مع دولها. وعلى الرّغم من العزلة الّتي تحاول الولايات المتّحدة فرضها على إيران إلا أنّ هذه الأخيرة تستمر في السّعي إلى تعزيز نفوذها في المنطقة حيث تتّسم سياستها تجاه بحر قزوين بعدد من الخصائص، أهمّها:

  • التّوصّل إلى اتّفاق بين دول حوض قزوين يحكم الأنشطة الّتي تجري على سطحه وفي أعماقه.
  • أي نظام يحكم بحر قزوين لابدّ حتى يأخذ بالإعتبار مصالحها الاقتصاديّة وهواجسها الأمنيّة.
  • رفض أي إجراءات تتّخذها أي دولة مشاطئة لبحر قزوين بشكل أحادي.
  • رفض وجود أي قوى عسكريّة من خارج المنطقة تهدّد الاستقرار.

هذه الثّوابت تُعزّزها السّياسات الّتي تتّخذها إيران في مقاربتها للواقع في بحر قزوين، فمن جهة تسعى للاستفادة من مصادر الطّاقة في المنطقة والمساهمة في تطوير قطاع الطّاقة هناك، خصوصًا في الدّول المستقلّة حديثًا. ومن جهة ثانية فإنّ إيران تنظر بعين القلق إلى تغلغل الولايات المتّحدة في المنطقة، وتعتبر أنّ الانتشار العسكري الأميركي والإستثمارات الضّخمة لا تهدف فقط إلى وضع اليد على مصادر الطّاقة فيها، بل تهدف بالأساس إلى إضعاف الدّور الإيراني.

وفي اللقاء تُعتبر هجريا لاعبًا مهمًّا على ساحة بحر قزوين وآسيا الوسطى بشكل عام، وعلى الرّغم من عدم مشاطأتها للبحر، إلاّ أنّ السّياسة التّركيّة في المنطقة تنطلق من نقطتين: الأولى، وتتمثًل بالرّوابط التّاريخيّة، والثّانية، وتتمثًل بالمصالح الاقتصاديّة. ومن البداية سعت هجريا إلى الاستفادة من الصّلات الّتي تجمعها بعدد من دول المنطقة الّتي تشهجر معها بروابط عرقيّة وتاريخيّة، وذلك في محاولة لجعل المنطقة ضمن دائرة نفوذها بدعم أميركي برز خصوصًا بعد 11 سبتمبر، عبر التّرويج لما اصطلح على تسميته "بالنّموذج التّركي" (الدّيمقراطيّة والفهمانيّة والنّظام الاقتصادي الرّأسمالي) والّذي سعت الولايات المتّحدة إلى تطبيقه على عدد من دول حوض قزوين.

أمّا من النّاحية الإقتصاديّة فإنّ بحر قزوين يشكّل فرصة مهمّة لهجريا لما تملكه هذه المنطقة من امكانات، خصوصًا في مجال الطّاقة. فمن جهة تبدوهجريا، في ظل نمواقتصادها في حاجة إلى مصادر الطّاقة، وفي هذا الإطار يشكّل بحر قزوين فرصة كبيرة أمامها. ومن جهة ثانية فإنّ هجريا ترغب حتى تتحوّل إلى ممرّ أساسي لمصادر الطّاقة القادمة من بحر قزوين وآسيا الوسطى، والمتّجهة إلى أوروبا عبر سلسلة من الأنابيب قد تجعلها لاعبًا أساسًّا في هذه المجال.

ولكن من الصّعب على هجريا حتى تسعى إلى فرض "أجندتها" الخاصّة على بحر قزوين على الرغم من الرّوابط الّتي تجمعها مع دول المنطقة، ذلك أنّ أي سياسة مستقلّة تسعى إلى تحقيقها يفترض أن تصطدم مباشرة بالصراع بين الدّول الكبرى، خصوصًا وأنّ أنقرة لا تملك الأدوات الكافية للتّأثير فيه. من هنا تبدوأنّ المقاربة التّركيّة تتخذ اتّجاهين أساسيين، الأوّل يتمثّل بالانسجام مع السّياسة الغربيّة، وخصوصًا الأميركيّة. والثّاني يتمثّل بالتّركيز على تعزيز التّعاون الاقتصادي مع دول المنطقة عوضًا عن الدّخول في الصّراع الدّائر بين هذه الدّول. ولعلّ هذه المقاربة تبدوالأمثل لهجريا في هذه الفترة الّتي يمكن حتى تتيح لها تعزيز مصالحها الاقتصاديّة في المنطقة بشكل عام والابتعاد ما أمكن عن الصّراعات القائمة.

الوضع القانوني لبحر قزوين

تُعتبر مسألة النّظام القانوني لبحر قزوين من الأمور الأكثر تعقيدًا، فتفكّك الاتحاد السّوفياتي أدخل المنطقة طالما نزاع كان الموضوع القانوني أحد الأوجه الأساسيّة له. فتاريخيًّا كان البحر يُعتبر حوضًا روسيًّا- إيرانيًّا، وأوّل معاهدة دوليّة في هذا الشّأن تمّ توقيعها بين روسيا والإمبراطوريّة الفارسيّة كان في العام 1732، وعُرِفت بمعاهدة "رشت"، أعقبها توقيع مجموعة من المعاهدات. ولكن بعد نجاح الثّورة الشّيوعيّة قرّرت القيادة السّوفياتيّة، بالاتّفاق مع القيادة الإيرانيّة، التّوقيع على معاهدات جديدة كان أبرزها معاهدة الصّداقة في العام 1921 ومعاهدة الملاحة والتّجارة في العام 1940. وشكّلت هاتان المعاهدتان الإطار القانوني لبحر قزوين طوال فترة الحرب الباردة، لكنّ تفكّك الاتحاد السّوفياتي أحدث تحوّلات كبيرة وأنتج واقعًا سياسيًّا وقانونيًّا جديدًا.

مدى قانونية استمرار العمل باتّفاقيّة عامي 1921 و1940

تبرز في هذا الإطار عدّة نقاط، فمن جهة استبعد الكثير من القانونيّين إمكان استمرار العمل بهذه الاتفاقات بعد نشوء الواقع الجديد في المنطقة، وبسبب محدوديّة هاتين الاتّفاقيّتين واقتصارهما على المواضيع العسكريّة والملاحيّة والتّجاريّة، وبالتّالي فهما لا تضمان الكثير من المواضيع الخلافيّة الأساسيّة، خصوصًا ما يتعلّق بالموارد الطّبيعيّة في باطن البحر. باللقاء هناك وجهات نظر تقول بضرورة الالتزام بالاتفاقيّتين قانونيًّا بهما إلى حين التّوصّل إلى إطار قانوني حديث لبحر قزوين.

تقول المادّة 34 من اتّفاقيّة فيينا في العام 1978، والّتي تتعلّق بموضوع خلافة الدّول، إنّه طالما انفصال جزء أوأكثر من دولة أومن عدّة دول، فإنّ أي اتّفاقات كانت قد عقدتها الدّولة الأساس تظل ملزمة لجميع الكيانات الّتي انسلخت عنها. وبالاستناد إلى اتّفاقيّة "مينسك"1991، والّتي أسّست لمجموعة الدّول المستقلّة (Commonwealth of Independent States) والّتي ضمت جميع جمهوريّات الاتّحاد السّوفياتي ما عدا دول البلطيق، اعتبرت في المادة 12 منها أنّ الدّول الموقّعة على هذه الاتّفاقيّة تتعهّد بالوفاء بجميع الالتزامات المتوجّبة عليها من جرّاء الاتفاقيات الّتي عقدها الاتّحاد السّوفياتي.

وبالاستناد إلى اتفاقية ڤيينا في العام 1978 والّتي تتعلّق بموضوع خلافة الدّول، فإنّ الاتّفاقيات الدّوليّة لا تتأثّر بموضوع تفكّك الدّولة، بمعنى آخر فإنّ اتّفاقيّة فيينا في العام 1978 أقرّت مبدأ الاستمراريّة في موضوع الاتّفاقيات الدّوليّة طالما تفكّك الدّولة، وبالتّالي فإنّ الدّول المستقلّة عن الاتّحاد السّوفياتي تُعتبر مُلزَمة بالاتّفاقيات الّتي أبرمها هذا الأخير. أمّا مبدأ التّغيير الجّذري للظّروف (Principle of Rebus Sic Stantibus) كسبب لإبطال المعاهدة فلا يمكن الاستناد إليه، ذلك حتى طبيعة التّغيير الّذي طرأ لا يسمح بإعلان بطلان المعاهدات السّابقة، كما أنّ بعض الخبراء يرى أنّ اتّفاقيّة فيينا في العام 1962 حول قانون الاتّفاقيّات في المادّة 62 تعتبر أنّه لا يمكن الاستناد إلى التّغيير الجذري كسبب لإبطال المعاهدة طالما رسمها لحدود، وعلى الرّغم من أنّ اتّفاقيّتي العام 1921 و1940 لم ترسما أي حدود إلاّ أنّهما تناولتا موضوع تحديد المجال البحري بين إيران والاتّحاد السّوفياتي وبالتّالي تناولت شأنًا حدوديًّا ما يجعل من موضوع إبطالهما أمرًا صعبًا وبالتّالي فهما ملزمتان لجميع الدّول المشاطئة للبحر.

إشكالية النظام القانوني الجديد لبحر قزوين

أظهر الواقع الجديد حتى استمرار التّظام القانوني القديم لبحر قزوين لا يتماشى مع التّطوّرات الجيوسياسيّة للمنطقة، فهذا النّظام لا يعالج الكثير من القضايا السّياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة والبيئيّة خصوصًا مع بروز معطيات جديدة في المنطقة متمثّلة بمصادر الطّاقة الّتي تُعتبر المحرّك الأساس لهذا النّزاع. هذه المعطيات تبرز أهمّيّة التّوصّل إلى إطار قانوني حديث ينظّم العلاقة بين الدّول المشاطئة لبحر قزوين. لكن هذه المهمّة تبدوصعبة ومعقّدة، فحل هذه الخلافات هوبين أيدي الدّول المعنيّة لكن التّوصّل إلى حل يرضي جميع الأطراف لنقد يكون بالأمر اليسير في ظل تعدّد المقاربات القانونيّة والتناقض في ما بينها في الكثير من الأحيان.

الفترة الأولى من المفاوضات المتعدّدة الأطراف (1991-1994)

بدأت هذه الفترة في أعقاب الحديث عن الاكتشافات الكبيرة لمصادر الطّاقة في بحر قزوين، حيث سعت الدّول المستقلّة حديثًا إلى استغلال هذه الموارد لتحسين أوضاعها الاقتصاديّة المتدهورة بعد تفكّك الاتحاد السّوفياتي. وتميّزت هذه الفترة بخاصّيّتين، الأولى سعي جميع من روسيا وإيران إلى الحفاظ على مسقطهما المهيمن على البحر، والثّانية محاولة الدّول المستقلّة التّخلّص من هذه الهيمنة، من هنا بدأ الوضع القانوني لبحر قزوين يتحوّل إلى إشكاليّة حقيقيّة.

لقد مثّلت هذه الفترة المستوى الأولى باتّجاه البحث عن إطار تنظيمي حديث لبحر قزوين واستمرّت من العام 1991 إلى العام 1994، وشهدت عقد مجموعة من المؤتمرات ضمّت الدّول المشاطئة لبحر قزوين وتقديم الكثير من المقترحات. لكن هذه المجهودات سرعان ما تعرّضت للانتكاسة بعد قيام آذربيجان في العام 1994 بالتّوقيع على مجموعة عقود مع تجمّع شركات نفط غربيّة للتّنقيب عن مصادر الطّاقة في مناطق حدّدتها منفردة.

وكانت إيران أكثر الدّول الفاعلة في هذه الفترة، ففي خلال انعقاد مؤتمر منظّمة التّعاون الاقتصادي في 17 فبراير1992، قامت، ولأوّل مرّة، بطرح فكرة إنشاء "منظّمة قزوين" لتعزيز التّعاون في مجال التّنقيب واستغلال ثروات المنطقة. واتى الإعلان النّهائي للمؤتمر ليتبنّى فكرة إنشاء آليّة إقليميّة فاعلة تبحث في المسائل المتعلّقة باستغلال الموارد الطّبيعيّة للمنطقة، لكن باللقاء كانت جميع من آذربيجان وكازاخستان قد اتّخذتا قرار العمل بشكل منفرد.

وفي الاجتماع الّذي عُقد في سبتمبر 1992 في طهران طُرِحت لأوّل مرّة مسألة تحديد الوضع القانوني لبحر قزوين من قبل ممثّل دولة آذربيجان . وفي مؤتمر "رشت" في إيران عام 1993، والّذي حضره خبراء، وقع أوّل صدام بين دول حوض قزوين بسبب محاولة آذربيجان تعريف بحر قزوين على أنه "بحيرة"، وهوما عثر موقفًا رافضًا من كلّ من روسيا وإيران، في حين كان موقف المندوب الهجرماني غير مبالٍ وباللقاء كانت كازاخستان أقرب إلى موقف آذربيجان. إلى غير ذلك تمَّ تأجيل البت بهذا المشروع بحجّة دراسته.

واستمرّت المحاولات السّاعية إلى التّوصّل لأرضيّة مشهجرة بين دول بحر قزوين من خلال عقد عدّة لقاءات لم تؤدّ إلى نتيجة تذكر. ولكنّ التّحوّل الأساس بدأ في المؤتمر الّذي انعقد في موسكوفي يناير 1994، وكان هدفه مناقشة مسودات مشاريع حول الوضع القانوني لبحر قزوين قدّمتها جميع من روسيا وآذربيجان وكازاخستان، كلٌّ على حدة.

وتضمّن المشروع الآذري تعريفًا واضحًا لبحر قزوين على انّه "بحيرة حدوديّة"، ويقضي المشروع باعتبار أنّ نشاطات الدّول المشاطئة للحوض، وآليّات التعاون في ما بينها، يجب حتى تتم بموجب مقتضيات مبادئ القانون الدّولي. كما تضمّن المشروع تقسيم البحر بشكل متناسب على الدّول المشاطئة على حتى يتم ترسيم هذه الأقسام انطلاقًا من اتّفاقات ثنائيّة أومتعدّدة الأطراف، أضف إلى ذلك أنّ المشروع الآذري اعتبر أنّ قوانين الدّولة المشاطئة هوالذي يسود على القسم التّابع لها ما لم تنص الإتّفاقيات الثّنائيّة على غير ذلك.

وسعت آذربيجان، من خلال اعتبار قزوين بحيرة ورفض جميع المقاربات الأخرى، إلى السّيطرة على جميع الحقول الأساسيّة في البحر مثل حوض "أسفيرون" وحوض "أزاري"، وحوض "شيراغ"، واستندت باكوفي مقاربتها هذه إلى قرار كانت قد اتّخذته وزارة البترول السّوفياتيّة في العام 1970 بتقسيم بحر قزوين على الجمهوريّات السّوفياتيّة الأربع، وعمدت الحكومة الآذريّة إلى تطبيق هذه الرّؤية من دون الحصول على موافقة الدّول الأخرى التي سارعت إلى توقيع عقود التّنقيب واستخراج النّفط من الحقول الكبرى الأساس. إلا أنّ القرار الآذري شكّل معضلة حديث فقد سمحت العقود الموقّعة للشّركات بالتّنقيب عن النّفط حتّى مسافة 120 وقع من شواطئها، ما يدخلها إلى المناطق الّتي تعتبرها هجرمانستان خاضعة لسيادتها.

واستندت آذربيجان في مقاربتها لبحر قزوين على أساس أنّه "بحيرة حدوديّة" في ما اعتبرت كازاخستان أنّ قزوين هو"بحر" وبالتّالي يخضع لقانون البحار (UNCLOS) بما يترتّب على ذلك من وجود المياه الإقليميّة والمنطقة الاقتصاديّة الحصريّة. إلا أنّ هذه المقاربة لم تلق حماسة كبيرة في مؤتمر موسكوحيث نظرت إليها جميع من روسيا وإيران بريبة لأنّ هذه المقاربة لا تتناسب ومصالحهما، فالموافقة على اعتبار حوض قزوين بحرًا يعني خضوعه لقانون البحار للعام 1982، ويصبح ترسيم الحدود البحريّة خاضعًا للقانون المذكور.

إنّ تبنّي مبادئ القانون الدّولي للبحار لتطبيقها على بحر قزوين يعني حصول جميع دولة مشاطئة على حدود بحريّة إقليميّة على حتى لا يتجاوز عرض بحرها الإقليمي 12 ميلًا بحريًّا بالإضافة إلى المنطقة الاقتصاديّة الخالصة الّتي لا يتجاوز امتدادها 200 ميل بحري وجرف قارّي. لكن نظرًا لعدم وجود نقطة في بحر قزوين تتجاوز فيها المساحة بين سواحل دولتين متقابلتين 400 ميل فإن ترسيم هذه الحدود انطلاقًا من القانون الدّولي للبحار، يقابل مجموعة من العقبات، خصوصًا وأنّ هذا القانون لم يقدّم مبادئ لكيفيّة ترسيم الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدّول المتجاورة والمتقابلة. ولكن الاجتهاد وضع عدّة مبادئ لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القارّي، فمن جهة هناك مبدأ خط الارتكاز (الوسط) الّذي يفصل بالأساس بين الجرف القاري للدول ذوات السّواحل المتقابلة، وينطلق من اعتبار أنّ جميع نقطة من هذا الخط هي على مسافة متساوية من السّاحلين المتقابلين، في حين أنّ المبدأ الثّاني هوخط المسافة المتساوية (equidistance line) الّذي يرسّم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القارّي بين دولتين سواحلهما متجاورة، ويتم رسمه بخط عمودي ليشكّل زاوية 90؛ مع خط أساس البحر الإقليمي للدوّلتين المعنيّتين. وفي اللقاء ركّزت الرّؤية الرّوسيّة في المؤتمر على مبدأ «التّعاون الإقليمي» بين الدّول المشاطئة لبحر قزوين. وتقول الورقة الرّوسيّة أنّ من الصّعب تحديد ماهيّة حوض، وبالتّالي اقترحت روسيا تأجيل هذه المسألة إلى وقت لاحق، وحتّى ذلك الوقت يجب الإلتزام بالنّظام القانوني السّائد والقائم بالأساس على أحكام الاتّفاقيّتين السّوفياتيّتين-الإيرانيّتين للعامين 1921 و1940. واقترحت الورقة الرّوسيّة أيضًا إنشاء منظّمة تتعامل مع مشاكل بحر قزوين. ولقيت وجهة النّظر الرّوسيّة تأييدًا إيرانيًّا لكنّها وجدت معارضة من كازاخستان وهجرمانستان وآذربيجان.

تقسيم قزوين استنادًا إلى المشروعين الآذري والكازاخي.

وسبق لروسيا حتى اعترضت على توقيع آذربيجان للعقود مع شركات النّفط العالميّة وقامت وزارة الخارجيّة الرّوسيّة بتوجيه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتّحدة فيخمسة أكتوبر 1994، نطقت فيها أنّ قزوين هوحوض مائي مغلق لا تحكمه مبادئ قانون البحار وإنّ إدّعاءات الدّول المشاطئة للبحر لا يمكن اعتبارها قانونيّة. وختمت الخارجيّة الرّوسيّة الرّسالة بالقول أنّ روسيا تحتفظ لنفسها باتّخاذ الإجراءات الّتي تراها مناسبة لإعادة الوضع إلى ما كان عليه.

أمّا هجرمانستان فقد اعتبرت في هذه الفترة أنً بحر قزوين يخضع للقانون الدّولي للبحار، وانطلاقًا من هذا الاعتبار سعت إلى تأسيس إطار قانوني يسمح لها بالتّنقيب عن الموارد الطّبيعيّة، خصوصًا وأنّها تملك أحد أكبر احتياطات الغاز الطّبيعي في العالم. ولكن نظرًا لأنّ المسافة بين السّواحل الهجرمانيّة والآذرية أقل من 400 ميل فإنّه من الصّعوبة بمكان تطبيق مبادئ القانون الدّولي للبحار.

إلى غير ذلك يتبيّن أنّ الفترة الأولى من المفاوضات متعدّدة الأطراف عهدت تباينًا واضحًا بين الدّول المشاطئة لبحر قزوين، فقد سعت جميع دولة إلى تبنّي الموقف الّذي يتناسب ومصالحها، ولم يكن هناك مجال لوجود أي رؤية مشهجرة تكون نقطة انطلاق نحووضع نظام قانوني حديث للمنطقة في ظل التشبّث بالمواقف والتضارب الكبير في المصالح.

الفترة الثانية من المفاوضات متعدّدة الأطراف (1995-1999)

يمكن وصف هذه الفترة بأنّها "لعبة جيوبوليتيكيّة" تتعدّى في إطارها الجغرافي منطقة بحر قزوين، فموضوع وضع نظام قانوني لقزوين أصبح أمرًا مهمًّا ليس فقط للدول المشاطئة، بل لعدد من الدّول الأخرى في أميركا وأوروبا وآسيا. كما تميّزت هذه الفترة بكثافة الاجتماعات الرّسميّة والفهميّة، بالإضافة إلى التّبدّلات المستمرّة في مواقف الدّول المشاطئة وأولويّاتها والصّدامات الكبيرة في ما بينها.

أول هذه الاجتماعات عُقِدَ في عشق أباد في هجرمانستان في يناير 1995، بهدف تنظيم وضع الصّيد والمصائد في البحر، حيث تمّ التّوصّل إلى اتّفاق حول كيفيّة الاستعمال والمحافظة على الموارد الطّبيعيّة. وكانت آذربيجان الدولة المعترضة الوحيدة، فقد اعتبرت أنّ الموافقة على هذه الاتّفاقيّة يفترض أن تكون بمنزلة إقرار للنّظام القانوني لبحر قزوين. والاجتماع الثّاني عُقِدَ في مايومن نفس العام في "ألماآتا"، شارك فيه ممثّلون رسميّون بالإضافة إلى فهماء وأصحاب اختصاص، وانعقد على هامش اجتماع نواب وزراء خارجيّة الدّول المشاطئة لبحر لقزوين بغياب هجرمانستان.

ولم تشهد المواقف أي تغيير، فقد أصرّ جميع فريق على مواقفه السّابقة، حتّى أنّ موضوع بحر قزوين أثّر في العلاقات الثّنائيّة بين هذه الدّول فأخذت تتدهور شيئًا فشيئًا. ولاحقًا بدأت المقاربة الرّوسيّة تتبدّل تدريجيًّا، وهذا التّحوّل ظهر عبر الاقتراح الّذي تقدّم به المسؤولون الرّوس في اجتماع لوزراء خارجيّة دول حوض قزوين في عشق أباد، وقضى بحصول جميع دولة على حقوق سياديّة من الموارد الطّبيعيّة لمسافة 45 ميلًا من شواطئها، أمّا في ما أبعد من هذه المسافة، فتكون المناطق ملكيّة مشهجرة قابلة للتّفاوض بين الأطراف المعنيّة، لكن هذا الطّرح عثر رفضًا من جميع الدّول الأخرى.

وبدأ النّزاع القانوني في المنطقة يستقطب اهتمامًا دوليًّا كانت أبرز تجلّياته القرار الّذي صدر عن البرلمان الأوروبي في العام 1997، وشدّد على أهميّة الاستثمارات الضّخمة الّتي قامت بها شركات النّفط الغربيّة خلال السّنوات القليلة الماضية، وطالب بضرورة تعزيز التّنسيق بين هذه الشّركات والاتّحاد الأوروبي واللّاعبين المحلّيّين، كما تمّ إرسال عدد من الخبراء إلى المنطقة لتقديم المساعدة. ومن خلال التّعاون الوثيق مع جميع من الولايات المتّحدة وهجريا، كان الاتّحاد الأوروبي يعمل على إنشاء ممرّ آمن لنقل مصادر الطّاقة من بحر قزوين إلى البحر المتوسّط.

أدركت موسكوبعدها أنّه لابد من تطوير مواقفها، لأنّها خشيت من حتى دخول الشّركات الغربيّة يفترض أن يحد من تفوّقها في المنطقة، من هنا فضّل الرّوس الدّخول في مفاوضات مع شركائهم في حوض قزوين بهدف الحفاظ على أكبر قدر ممكن من مصالحهم، عوضًا عن فرض أمر واقع عليهم لا يتوافق ومصالحهم، خصوصًا وأنّ الكثير من التّطوّرات الّتي حدثت في هذه الفترة أقلقت روسيا، وكان أهمّها "إعلان إسطنبول" الّذي شاركت فيه جميع من هجريا وآذربيجان وجورجيا وهجرمانستان وكازاخستان في أوائل مارس 1998، وتقرّر فيه نقل النّفط والغاز من قزوين عبر الأراضي التّركيّة. وأعقبه اجتماع آخر برعاية الاتّحاد الأوروبي في سبتمبر من العام نفسه، تمّت خلاله مناقشة ترتيبات إنشاء ممر لنقل الطّاقة إلى أوروبا والقوقاز وآسيا حضرته 35 دولة.

من هنا اتى تفعيل آليّات التّفاوض الثّنائيّة والّتي أدّت في يوليو1998 إلى توقيع اتّفاقيّة بين روسيا وكازاخستان لتقسيم أعماق الجّزء الشّمالي من بحر قزوين وباطنه. واتى هذا التّقسيم بناءً على مبدأ خط الوسط المعدّل (Modified Median Line) الّذي اقترحته روسيا ولاقى قبولاً لدى الكازاخ. ويقوم هذا المُقترح على أساس تعديل مبدأ خط الوسط حيث تقسّم أعماق بحر قزوين على أساس أنّه كلّما زاد طول سواحل الدّولة المشاطئة زادت المساحة الّتي تحصل عليها من البحر، على حتى يبقى سطح البحر مخصّصًا للاستخدام المشهجر.

هذا الأمر أزعج كُلًا من إيران وهجرمانستان، فموافقة إيران على اعتبار قزوين بحيرة، وتقسيمه على هذا الأساس تعني أنّ حصّة إيران ستنحسر إلى حوالى 12% من المساحة الإجماليّة للبحر. ولكن بعد حتى توافقت الدّول الأخرى في الاجتماع الّذي انعقد أواخر العام 1998 على ضرورة تقسيم البحر، سعت إيران إلى البحث عن مقاربة جديدة تحقّق من خلالها مصالحها، لذا اقترحت تقسيم بحر قزوين إلى خمسة أجزاء متساوية تحصل جميع دولة بموجبها على 20% من مساحة البحر، وهواقتراح لاقى رفضًا من الدّول الأخرى.

وكان الرّفض التّركماني للاتّفاق الرّوسي الكازاخستاني أمرًا متوقّعًا إلاّ أنّه لم يكن مبنيًّا على أُسس واضحة لأنّ هجرمانستان طوال هذه الفترة لم تكوّن رؤية متكاملة للمسألة القانونيّة لبحر قزوين. فبعد تبنّيها للموقف الكازاخي ولاحقًا للموقف الآذري، اتى الموقف التّركماني هذه المرّة ليتوافق والمقترح الإيراني والتّسليم بأنّ اتّفاقيّتي العامين 1921 و1940 تحكمان الوضع القانوني لبحر قزوين، بالإضافة إلى الدعوة إلى تقاسمه وثرواته بشكل متساوٍ.

وعلى الرّغم من عدم التّوصّل إلى اتّفاق حول الإطار القانوني لبحر قزوين، إلا أنّ هذه الفترة عهدت تطوّرًا مهمًّا وجذريًّا تمثّل بموافقة جميع الدّول المشاطئة لبحر قزوين على تقسيم البحر. إلا أنّ الهوّة تظل شاسعة بين هذه الدّول حول كيفيّة هذا التقسيم، لأنّ جميع دولة بطبيعة الحال تبنّت الآليّة الأكثر ملاءمة لمصالحها، فالتّوصّل إلى إجماع في هذه الحالة لنقد يكون بالأمر اليسير، لكن المراحل أحاديّة الجانب باللقاء لن تؤدّي إلا إلى حمل مستوى التّوتّر في المنطقة.

الفترة الثالثة من المفاوضات متعددة الأطراف (2000-2012)

طبعت هذه الفترة عددًا من السّمات الأساس الّتي أدّت إلى تحوّل كبير في طريقة مقاربة جميع دولة لموقفها من مسألة بحر قزوين. فالسّمة الأولى تمثّلت بالدّور الرّوسي الفاعل، وذلك بعد حتى أصبحت قضيّة بحر قزوين من المسائل الأساس بالنّسبة لروسيا، أمّا السّمة الثّانية فهي هجريز النّقاش على الوضع القانوني لبحر قزوين (توصيفه بأنّه كبحر أوبحيرة)، وإهمال مناقشة النّظام القانوني للبحر (الصّيد، الإبحار، أنابيب النّفط)، في حين أنّ السّمة الأخيرة تمثّلت بتفاقم الخلافات بين الدّول المشاطئة وتشبّث كلّ منها بموقفها. وعلى الرّغم من الاجتماعات الدّوريّة الّتي عقدتها هذه الدّول إلاّ أنّها لم تنجح في التّوصّل بالحد الأدنى إلى رؤية مشهجرة تشكّل نقطة اجتياز نحوتفاهمات تؤسّس لنظام قانوني مستقر.

وصعود فلاديمير بوتين إلى سدّة الرّئاسة شكّل نقطة مهمّة في الموقف الرّوسي تجاه بحر قزوين، فهوعمد إلى تبنّي سياسة أكثر واقعيّة بدأت ملامحها تتبلور منذ العام 1998، تاريخ توقيع المعاهدة مع كازخستان. ودعمًا لهذا الموقف عمدت روسيا إلى توقيع اتّفاقيّة شبيهة بها مع آذربيجان في العام 2001(66). وتبنّت المقاربة الرّوسيّة الجديدة تقسيم أعماق حوض قزوين إلى أجزاء وطنيّة استنادًا إلى مبدأ خط الوسط المعدّل، على حتى يبقى السطح للاستخدام المشهجر.

وقامت روسيا في مايو2002 بالتّوقيع على اتّفاقيّة جديدة مع كازاخستان لتقسيم الجّزء الشّمالي من أعماق بحر قزوين، استنادًا إلى خط الوسط المعدّل، وكانت نتيجة هذا الاتّفاق حل إشكاليّة الحقول النّفطيّة الّتي تمتد على جانبي الخط (كورمان‌غازي وتسنترالنووخافلنسكو)، من خلال تشغيلها بصورة مشهجرة. وفي سبتمير 2002، قامت روسيا بالتّوقيع على اتّفاق آخر مع آذربيجان تمّ بموجبه تقاسم الموارد الطّبيعيّة في البحر استنادًا إلى القانون الدّولي والممارسات التّاريخيّة. من هنا يمكن القول بحصول تحالف موضوعي بين هذه الدّول الثّلاث في شمال البحر تجسّد في 14 مايو2003 عبر توقيع هذه الدّول لاتّفاق ثلاثي الأطراف لتقاسم ثروات الجزءين الشّمالي والأوسط.

وفي اللقاء، رفضت إيران المقاربة الرّوسيّة وعارضت الإتفاقيات الثّنائيّة الموقّعة بين عدد من الدّول المشاطئة لأنّها اعتبرتها مخالفة للتعهّدات الّتي تقضي بأنّ التّوصّل لأي صيغة للنّظام القانوني لبحر قزوين لا يمر إلاّ بالإجماع. لكن الموقف الإيراني في الحقيقة اقتضته عدّة أسباب: فمن جهة تدرك طهران أنّه بسبب قصر سواحلها نسبيًّا فإنّها طالما تقسيم بحر قزوين على أساس خط الوسط المعدّل، لن تحصل سوى على حصّة صغيرة من مساحة البحر. من جهة ثانية أظهرت المعطيات الأوّليّة أنّ السّواحل الإيرانيّة لا تحوي كميّات تجاريّة من النّفط والغاز الطّبيعي. وأخيرًا لا ترغب إيران حتى يتحوّل بحر قزوين إلى ما يشبه "الخليج الفارسي" حيث تعتبر أنّ سياسة "الباب المفتوح" يفترض أن تؤدّي إلى تدخّل أميركي مباشر في المنطقة. من هنا فإنّ الموقف الإيراني من الوضع القانوني في بحر قزوين في تلك الفترة تمثّل بالآتي:

  • أي خطوات أحاديّة الجانب يجب حتى تتوقّف إلى حين التّوصّل إلى نظام قانوني متكامل.
  • جميع العقود الموقّعة أحاديًّا مع شركات النّفط تعتبر باطلة استنادًا إلى القانون الدّولي.
  • أي نظام قانوني حديث لقزوين يجب حتى يستند إلى المعاهدات السّوفياتيّة-الإيرانيّة.
  • أي اتّفاق على نظام قانوني لبحر قزوين يجب حتى يحصل بالإجماع.
  • البديل من هذه الآليّة هوتقسيم بحر قزوين وأعماقه بشكل متساوٍ بين الدّول المشاطئة.

وباللقاء، دعت باكومنذ البداية إلى تقسيم بحر قزوين على أساس مناطق وطنيّة خاضعة لسيادة جميع دولة، من هنا تبنّيها لمبدأ تقسيم البحر على اعتبار أنّه بحيرة حدوديّة، وهي كانت موافقة على أي اقتراح يحقّق لها هذه الغاية، ويأتي موقفها المؤّيد للمقترح الرّوسي، الدّاعي لاعتماد مبدأ خط الوسط المعدّل ليصب في هذا الإطار، فقد قام الطّرفان بالتّوقيع على معاهدة في العام 2001 تقضي بتقسيم قاع البحر بين البلدين، أضف إلى ذلك قيام جميع من آذربيجان وكازاخستان بالتّوقيع على معاهدة مشابهة. وبناءً على هذه المعطيات، تمّ تقسيم الجزء الشّمالي لبحر قزوين، وأصبح له إطار قانوني مبني على عدد من المعاهدات الثّنائيّة التي أدّت إلى تقسيم 66% من بحر قزوين بين ثلاث دول؟؟؟،يا ترى؟ (الراتى التوضيح عن الدول الثلاث) به+وف يوسّع منطقة النّفوذ الإيرانيّة بحوالى 80 كم طولًا ما يسمح لها بالوصول إلى عدد من الأحواض الّتي تقوم الحكومة الآذريّة بتطويرها، مثل «ألوف» و»أراز» و»شارغ». كما أنّ المقترح الإيراني يفترض أن يوسّع المنطقة التّركمانيّة لتصل إلى حوض «شارغ» وهوأمر لن ترضى به الحكومة الآذريّة . هذا الموقف شاركتها فيه كازاخستان كون المقترحات الإيرانيّة المتنوعة تقلّص من حصّتها بشكل كبير.

غير أنّ تقسيم الجزء الشّمالي من بحر قزوين انطلاقًا من معاهدات ثنائيّة وثلاثيّة الأطراف لا ينهي الإشكاليّة المتعلّقة بالنّظام القانوني لقزوين، لأنّ هذه المعاهدات تفتقر إلى قوّة الاتفاق المتكامل باعتبار أنّ ثلاثًا من أصل خمس دول فقط هي الموقّعة عليها. أضف إلى ذلك أنّ هذه الاتّفاقيات تتناول فقط موضوع تقسيم أعماق بحر قزوين وباطنه، ولا تتناول موضوع تحديد الوضع القانوني للبحر، وبالتّالي فإنّ هذه الاتّفاقيات شكّلت حلًا براغماتيًا للمشكلة المتعلّقة بتقاسم مصادر الطّاقة، مع تجنّب تناول أي تسوية طويلة الأمد لمسألة بحر قزوين.

حقول النّفط والغاز في بحر قزوين

حقول النفط والغاز في بحر قزوين.

ولا تبدوهجرمانستان في وارد القبول بالاقتراحات المتداولة، فالاقتراح الرّوسي لنقد يكون متوافقًا مع المصالح التّركمانيّة لأنّ معظم الحقول الّتي تطالب بها عشق أباد ستصبح من حصّة آذربيجان. وتبدوهجرمانستان في هذه الفترة أقرب الى الموقف الإيراني في ما يتعلّق بتقسيم بحر قزوين، لكن من الصّعب القول أنّ الحكومة التّركمانيّة يفترض أن تستمر على موقفها هذا، خصوصًا وأنّها بدأت في الآونة الأخيرة تبدي ليونة تجاه مبدأ خط الوسط المعدّل وتبقى عدّة إشكاليّات أهمّها وضع حقل كاباز.

ولم تشهد جولات المفاوضات في هذه الفترة اختراقات تذكر، لكن الجديد في هذه الفترة هوانعقاد المؤتمر الأوّل لدول حوض قزوين الّذي تحوّل إلى مؤتمر دوري ينعقد جميع عدّة سنوات. وكان أوّل هذه المؤتمرات قد انعقد في 23 و24 أبريل 2002 في عشق أباد بحضور الدّول الخمس تحت عنوان "الوضع القانوني وتقاسم مصادر النّفط والغاز في حوض قزوين". وكان الأمر الوحيد الّذي اتّفقت عليه هذه الأطراف هوالالتزام بالمفاوضات إلى حين التّوصّل إلى اتّفاق يرضي الجميع. وشهدت الفترة الّتي أعقبت هذا الاجتماع المزيد من التّأزم بين هذه الدّول، وذلك في أعقاب تدخّل تجمّع للشّركات النّفطيّة الخاصّة المدعومة من الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي، الّتي كانت ترغب إقامة عدد من المشاريع أهمّها خط أنابيب للنّفط.

وبعد تأجيل مستمر انعقد المؤتمر الثّاني لدول بحر قزوين في أكتوبر 2007 في إيران وكان الشّيء الوحيد الّذي نجح هذا المؤتمر في تظهيره هوحجم الخلاف. إلى غير ذلك لم ينجح هذا المؤتمر في إعادة إحياء المفاوضات بين هذه الدّول حول النّظام القانوني لبحر قزوين. وبعد هذا الاجتماع اقتصرت المفاوضات على البعد الثنائي، فكانت مفاوضات مكثّفة – وإن فاشلة - بين آذربيجان وهجرمانستان حول ترسيم الحدود البحريّة بين البلدين وبناء خط أنابيب لنقل النّفط.

وفي نهاية العام 2010 بدأ الموقف الإيراني يشهد تحوّلًا كبيرًا، ففي أعقاب اجتماع وزراء خارجيّة دول حوض قزوين في نوفمبر2010، وفي جوابه على ما إذا كانت إيران لاتزال متمسّكة بحصّة 20%، نطق المندوب الإيراني «إنّ أهدافنا تتخطّى هذا الحد». هذا الموقف شكّل مفاجأة للدّول الأخرى الّتي كانت تعتقد أنّها تستطيع عبر المفاوضات جعل طهران تتنازل عن هذه النّسبة لتحصل على 17% من مساحة البحر. ويبدوأنّ إيران تستند في هذا الموقف إلى ما يُعهد «بالحقوق التّاريخيّة»، فقد رأى عدد من الخبراء إمكان العودة إلى الفترة الّتي أعقبت تفكّك الاتّحاد السّوفياتي حيث يحصل ورثته على الحصّة السّوفياتيّة، وتحصل إيران على الخمسين بالمئة المتبقّية. وتبقى أمام هذه المقاربة إشكاليّة أخرى: وجوب الأخذ بعين الإعتبار عدد سكّان الدّول المشاطئة للبحر وحجم اعتمادهم على هذا المسطّح. ومن جهة ثانية تظهر المعطيات أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة تمكّنت من اكتشاف حوالى 46 حوضًا جديدًا، وقد أعرب وزير النّفط الإيراني غلام حسين نوزاري أنّثمانية من هذه الحقول تُعتبر جاهزة للشّروع بعمليّات الاستكشاف والتّنقيب.

ولم تقتصر المفاوضات في هذه الفترة على الوضع القانوني لبحر قزوين، بل كانت تتناول عددًا من المواضيع الخلافيّة الأخرى مثل الموارد البيولوجيّة والملاحة والصّيد... وعلى الرّغم من نجاح هذه الدّول في 18 نوفمبر 2010 في التّوصّل إلى اتّفاق حول التّعاون الأمني، إلاّ أنّ الخلافات استمرّت حول موضوعي الصّيد وحال البيئة البحريّة وحمايتها. واتى مؤتمر دول بحر قزوين الأخير في ديسمبر 2012 في عشق أباد مشابهًا للمؤتمرات الّتي سبقته حيث فشلت هذه الدّول في التّوصّل إلى تفاهمات حول النّظام القانوني لبحر قزوين، وانتهى المؤتمر بالدّعوة إلى التّوصّل إلى اتّفاق عبر الدّبلوماسيّة وبالإستناد إلى القانون والأعراف الدّوليّة.

في ظل الفشل في التّوصّل إلى اتّفاق بدأت في السّنوات الأخيرة عمليّة عسكرة بحر قزوين من معظم الدّول المشاطئة، وفي مقدّمتها بطبيعة الحال روسيا الّتي تعمل على تجديد أسطولها بالكامل في هذا البحر بالإضافة إلى محاولات كازاخستان وهجرمانستان تعزيز قوّتهما البحريّة وسعي آذربيجان لتحديث راداراتها البحريّة، في حين عمدت إيران في العام 2010 إلى إدخال أوّل مدمّرة لها إلى البحر. هذه المعطيات دفعت الكثير من المتابعين إلى اعتبار أنّه لا وجود لحل قريب لهذه القضيّة، وبالتّالي يطرح إمكان اندلاع لقاءة عسكريّة، خصوصًا في ظل الخلافات التّركمانيّة-الآذريّة والإيرانيّة-الآذريّة.

طرق تصدير مصادر الطاقة من قزوين

على الرّغم من أنّ الاكتشافات النّفطيّة في بحر قزوين تعود إلى بداية التّسعينيات إلا أنّ هذه المنطقة لم تكن تملك البنى التّحتيّة اللازمة لنقل مصادر الطّاقة بكيفية تلبّي حاجات الأسواق المتصاعدة. أمام هذا الواقع برزت ثلاث طرق أساسيّة تسابقت عبرها القوى الإقليميّة والدّوليّة بهدف فرض مشروع الأنابيب الّذي تدعمه لأنّه يحقّق مصالحها السّياسيّة والاقتصاديّة: الطّريق الشّمالي وهوالذي يمرّ بالأساس عبر روسيا حيث ستكون محطّة في ميناء نوفوروسييسك على البحر الأسود، ويبدأ من باكوإلى الميناء المذكور، ومن حقل تنجيز في كازاخستان إلى الميناء نفسه، الطّريق الجنوبي وهوالّذي يمر عبر إيران وصولاً مباشرة إلى الخليج الفارسي، وطريق شرق-غرب من باكوفي آذربيجان وهوالذي يمرّ عبر تبليسي في جورجيا وصولًا الى مرفأ جيهان في هجريا.

طرق نقل النفط من بحر قزوين

في البداية برز مشروع خط أنابيب اتّحاد أنابيب قزوين وكان رأس حربته شركة شيفرون الأميركيّة، وقد قامت جميع من كازاخستان وروسيا بتطوير هذا المشروع مع تجمّع من شركات النّفط الخاصّة، وهوتعبير عن وصلة جديدة على خطوط قديمة تمّ افتتاحه في 27 نوفمبر 2001 وينقل النّفط من حوض تنجيز في كازاخستان إلى ميناء نوفوروسييسك على البحر الأسود بقدرة 90000 برميل في اليوم، لكن الحكومة الرّوسيّة حدّدت الكمّيات الّتي تمرّ عبره لأسباب سياسيّة واقتصاديّة فكان ينقل بالحد الأقصى 50000 برميل في اليوم. وتكمن أهمّيّة المشروع في أنّه أوّل خط انابيب يمر في روسيا غير خاضع لسيطرة الدّولة وشركاتها. ولكنّ الدّخول الأميركي على الخط وبداية الحديث عن مشاريع الأنابيب الأكثر ضخامة أدّيا إلى تراجع أهميّة هذا الخط. ومن ناحية ثانية فإنّ خط باكو-نوفوروسييسك يُعتبر من الخطوط الأساس في هذه الفترة، ويعود إلى الحقبة السّوفياتيّة، وينطلق من ميناء باكوفي آذربيجان إلى ميناء نفوروسييك عبر جنوب روسيا على البحر الأسود. وكان هذا الخط يمرّ عبر الشّيشان، ما أدّى إلى تعرّضه لأضرار كبيرة في وصلة الشّيشان، ما أدّى إلى توقّفه عن العمل في أغسطس 1996، ولم يتم إصلاحه حتّى أغسطس 1997، بعد مفاوضات مع غروزني، إلا أنّ نتيجة الخلاف على تعهدة النّقل لم يتمّ معاودة العمل به حتى نوفمبر 1998. وفي العام 2000 لجأت الحكومة الرّوسيّة إلى تعديل مساره تفاديًا لمروره بالشّيشان.

وفي اللقاء برز خط أتيراو-سمارا، فكانت كازاخستان تعتمد بشكل كلّي على خطوط النّقل الرّوسيّة لنقل نفطها من مدينة أتيراوعبر الحدود الرّوسيّة إلى مصافي أورسك شمال الأورال، ومنها إلى سمارا على نهر الفولغا ليتّصل بعدها بالخط الرّوسي الأساسي دروزبا. ولكن آستانة كانت تعاني من تأخير كبير في نقل إنتاجها إلى الأسواق العالميّة . ومنذ البداية كان هناك توجّه بالبحث عن خط أنابيب لنقل النّفط إلى الأسواق العالميّة يتجاوز روسيا فكانت البداية عبر الخط الّذي يمر عبر جورجيا إلى ميناء سوبسا على البحر الأسود الّذي افتتح في العام 1998، وكان عرضة للقاءة الكثير من الصّعويات الماليّة والجيوسياسيّة واللّوجستيّة، فخط باكو- سوبسا تطلّب إنشاء خطوط بطول 985 كم بسعة 115000 مليون برميل في اليوم، بالإضافة إلى المضخّات ومحطّة التّصدير على المرفأ. كما أنّ الخط يمر بأربع مناطق تشهد نزاعًاعرقيًا في القوقاز، ما جعله عرضة للتّوقّف في أي لحظة.

وبالنّسبة إلى الدّول المستقلّة حديثًا فإنّ مصلحتها تكمن في إيجاد طرق تصدير تسمح لها بالإتّصال بأهم الأسواق العالميّة. وكانت الولايات المتّحدة وحلفاؤها يدركون أنّ تمكين أي دولة من السّيطرة على طرق التّصدير سيسمح لها بالحصول على نفوذ سياسي واقتصادي هائلين مثل إمكان بتر أوالتّحكّم بتعهدة المرور.

وتحوّل موضوع أنابيب النّفط من إطار اقتصادي إلى أداة تسعى الدّول من خلالها إلى تحقيق أهداف سياسيّة. ففي خلال المناقشات العلنيّة للمشاريع المتعلّقة بأنابيب قزوين على الصّعيدين الإقليمي والدّولي بدت المصالح التّجاريّة للشّركات هامشيّة وثانويّة أمام الاعتبارات الأخرى. وكانت الولايات المتّحدة قد دخلت هذه المعركة منذ العام 1995 ونجحت بالضّغط لبناء خط أنابيب لنقل نفط قزوين من باكوإلى مرفأ سوبسا، بالإضافة إلى الإسراع ببناء أنبوب النّفط من باكوإلى المتوسّط عبر المرفأ التّركي جيهان. وكان مجلس الأمن القومي الأميركي هومن وضع أولويّة بناء هذه الأنابيب وليس وزارة التّجارة الأميركيّة أوحتّى شركات النّفط الخاصة وذلك في دلالة واضحة إلى أنّ أنابيب النّفط أصبحت أداة استراتيجيّة عوضًا عن أداة تجاريّة.

وكانت العلاقة الأميركيّة مع جميع من روسيا وإيران هي المحدد الأساس لسياستها تجاه قزوين وآسيا الوسطى، وهذه العلاقة دفعت الولايات المتّحدة إلى وضع هدف يتمثّل بإنشاء ممر لنقل النّفط باتّجاه محور شرق-غرب. ولا يمكن القول أنّه من المصلحة الاقتصادية للولايات المتّحدة إيصال النّفط الآذري والكازاخي إلى ميناء جيهان في هجريا، لكن عبر دعمها لخطوط الأنابيب باتّجاه الغرب فإنّ واشنطن تحقّق هدفها السّياسي في المنطقة، وهوإبعاد جميع من روسيا وإيران عن المشهد السّياسي والاقتصادي للمنطقة.

مسارات نقل النفط من بحر قزوين.

ودأبت واشنطن على الإلحاح على دول آسيا الوسطى وبحر قزوين بالابتعاد عن جميع من موسكووطهران خصوصًا في ما يتعلّق بموضوعي النّفط والغاز الطّبيعي، من هنا خاضت واشنطن في أكتوبر 1999 معركة دبلوماسيّة عمدت من خلالها إلى تذليل جميع العقبات الّتي اعترضت سبيل توقيع اتّفاق أنابيب باكو-تبليسي-جيهان حيث تصدّرت الإدارة الأميركيّة قابلة المفاوضات، والتّمويل وحل الخلافات بين الدّول المشاركة في الخط. وفي مايو2005 تمّ افتتاح هذا الخط الّذي يبلغ طوله 1760 وقع وتبلغ سعته 50 مليون طن سنويًّا (مليون برميل يوميًّا).

حقّق هذا الخط عددًا من الأهداف الحيويّة للسّياسة الخارجيّة الأميركيّة، أوّلًا أدّى إلى تعزيز عزلة إيران في قزوين كما في الخليج الفارسي وذلك بعد تبنّي قرار العقوبات على إيران وليبيا في أغسطس 1996 من قبل الكونجرس الأميركي. وثانيًا كافأ هجريا على دعمها للولايات المتّحدة خلال حرب الخليج، فمرفأ جيهان في هجريا الّذي يقع على المتوسّط كان إحدى المحطّات الأساس للنّفط العراقي وبعد حرب الخليج توقّفت الصّادرات العراقيّة إلى المرفأ وانعكس ذلك سلبًا على الاقتصاد التّركي. وثالثًا عزّز هذا الخط الخيارات المتاحة لتصدير النّفط والغاز بعيدًا عن روسيا.

وتتعامل روسيا مع موضوع طرق تصدير مصادر الطّاقة من بحر قزوين بجدّيّة كبيرة، فبالنّسبة إلى غالبيّة الباحثين الأميركيين فإنّ موسكوتنظر إلى منطقة بحر قزوين كحديقتها الخلفيّة وإنّ التّدخّل الأميركي في المنطقة يُعتبر بالنّسبة للرّوس تهديدًا لمصالحهم في المنطقة. وهذه المقاربة هي الّتي دفعت الرّوس إلى الدّخول في موضوع التّنافس على أنابيب النّفط بقوّة، فكان أوّلًا بناء الخط على ميناء نوفوروسيسك، وأعقبه إنشاء خط تنجيز- شفرون، وخط اتّحاد بحر قزوين.

وعمدت روسيا إلى الضّغط على جميع من آذربيجان وكازاخستان وهجرمانستان من أجل نقل النّفط عبر شبكة الأنابيب الرّوسيّة بدلاً من تأييد الخيار المدعوم أميركيًّا. أضف إلى ذلك سعي موسكوإلى استحداث عدد من الممرّات الجديدة الّتي تهدف إلى نقل النّفط الرّوسي أوّلاً، والقزويني ثانيًا، عبر السّواحل الغربيّة للبحر الأسود إلى المتوسّط والأدرياتيكي، على سبيل المثال، وخلال اجتماع وزراء الطّاقة في جميع من روسيا-اليونان وبلغاريا في مارس 2007، وقّعت هذه الدّول اتّفاقًا يسمح ببناء خط أنابيب روسي بطول 175 ميلاً من مرفأ بورغاس البلغاري على البحر الأسود إلى ألكسندرابوليس شمال اليونان.

من النّاحية التّركيّة فإنّ هذا المشروع يدعم الكثير من المصالح التّركيّة، فمشروع باكو-جيهان ينتهي عند نقطة كانت بالأساس مجهّزة ومحطّة ضخمة معدّة لاستقبال كميّات كبيرة من النّفط والغاز الطّبيعي، ما يعطي أنقرة ميزة جيوبوليتيكيّة كبيرة، ثمَّ إنّ هذا الخط يمر بالأساس عبر الأراضي التّركيّة وهوما يعطي أنقرة ميزة اقتصاديّة إضافيّة متمثّلة بعوائد نقل النّفط عبر أراضيها. وأخيرًا هذا الخط يفترض أن يلبّي الطّلب التّركي المتصاعد على مصادر الطّاقة.

أمّا بالنّسية إلى دول بحر قزوين الأخرى، وبالتّحديد جميع من آذربيجان وهجرمانستان، فإنّ خط باكو-تبليسي-جيهان شكّل نقطة تحوّل كبيرة في طريق تحوّلهما إلى مصدّرين أساسيّين للطّاقة. فبالنّسبة إلى آذربيجان يُشكّل نجاحها في تصدير الطّاقة إلى أوروبا، من دون المرور بروسيا، امتيازًا، فجُل الخطوط السّابقة كانت توصل معظم نفط بحر قزوبن إلى مرافئ جنوب أوروبا، وبالتّالي إلزاميّة مرورها بالبوسفور. ولكن مع بناء خط باكو-تبليسي-جيهان يتم نقل النّفط من باكوإلى المتوسّط عبر مرفأ جيهان، وبالتّالي تجنّب إزدحام البوسفور لا يعني دخولًا أسهل وأسرع إلى الأسواق الأوروبيّة. وستكون هناك حصّة لخط باكو-سوبسا الّذي سيصل إلى أوكرانيا ورومانيا، ومنها إلى الاتّحاد الأوروبي بعد وصله بخط أوديسا-برودي الأوكراني، الّذي سيتم توسيعه من أجل استقبال هذه الكمّيّات.

أمّا بالنّسبة إلى كازاخستان فقد شكّل خط باكو-تبليسي-جيهان فرصة لها لتصدير نفطها إلى الأسواق الأوروبيّة خصوصًا مع الارتفاع الملحوظ في حجم إنتاجها من النّفط حيث تظهر الأرقام أنّه في العام 2015 سيتجاوز ثلاثة مليون برميل في اليوم. كما أنّ هناك خط كازاخستان-الصّين الّذي تمّ بناؤه على ثلاث مراحل في بداية العام 2003 وانتهى في العام 2009. وهويصل أتاسووسط كازاخستان بشمال غرب سينكجيانگ (Xinjiang).

خيارات تصدير الغاز من بحر قزوين

مع الارتفاع الكبير في الطّلب على الغاز في أوروبا أصبح من المهم البحث عن خيارات بديلة للحصول على الغاز الطّبيعي، وتشكّل احتياطات الغاز في بحر قزوين خيارًا مناسبًا في هذا الإطار. ومن هنا أخذت الدّول الأوروبيّة تبحث عن خيارات بديلة لنقل الغاز من قزوين إلى أوروبا. وفي اللقاء تسعى روسيا إلى تغطية الارتفاع في حجم الطلب عبر احتياطاتها، أوعبر الغاز من هجرمانستان، أوزبكستان وكازاخستان، خصوصًا وأنّ هذه الدّول لا تملك خيارات أخرى لنقل إنتاجها إلى الأسواق العالميّة.

وتسعى دول بحر قزوين إلى نقل إنتاجها إلى الأسواق العالميّة، وفي نفس الوقت تتفادى العبور في الممر الرّوسي، وذلك لعدّة أسباب: فهذه الدّول تعاني من تعهدة الغاز الّذي تبيعه لروسيا وتخوض صراعًا كبيرًا على الأسعار، عملى سبيل المثال تقوم روسيا بشراء الغاز من هذه الدّول بنصف الثّمن الّذي تبيعه إلى الأسواق الأوروبيّة، وبالتّالي تبدوهذه الدّول طالما مفاوضات شبه دائمة حول هذا الموضوع. أضف إلى ذلك أنّ هذه الدّول تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع الغرب، وقد وجدت في المفاوضات حول الأنابيب وسيلة لبناء روابط مع الاتّحاد الأوروبي، وعلاقات إستراتيجيّة مع الولايات المتّحدة وعضويّة في النّاتو.

من هنا تسعى هذه الدّول إلى البحث عن طرق بديلة لنقل صادراتها، فالغاز في هذه المنطقة مهم استراتيجيًّا لعدّة أسباب: أوّلًا، لأنّ احتياط الغاز الكبير الّذي تملكه هذه الدّول، وبالتّحديد جميع من آذربيجان وهجرمانستان، لقاء قلّة الإستهلاك في الأسواق المحلّيّة يجعلها خيارًا مغريًا للأسواق الأوروبّية، خصوصًا على المدى البعيد، وثانيًا فإنّ الحصول على الغاز من هذه الدّول يحقّق لأوروبا التّنوّع في واردات الغاز(98).وشكّل خط باكو-تبليسي أرزورم شريانًا مهمًّا لأوروبا في سعيها لتنويع مصادر الطّاقة. وتمّ افتتاحه في يونيو2006‘ وبطول يتجاوز 890 كم، مع سعة قصوى تصل إلى حوالى 16 مليار متر مكعب سنويًّا. ومع تطوير حقل شاه دنيز الآذري للغاز الّذي من المتوقّع حتى تصل احتياطاته إلى أكثر من تريليون متر مكعب، يتحوّل هذا الخط إلى جزء من الممر الإستراتيجي الّذي يُطلق عليه شبكة آذربيجان -جورجيا-هجريا أوممر شرق-غرب والهدف الأساس منه التّخلّص من السّيطرة الرّوسيّة على طرق النّقل.

ويُعتبر هذا الخط ممرًّا أساسيًّا للغاز الطّبيعي إلى أوروبا، ولكن لايزال ينقصه الرّابط الّذي سيصله بأوروبا حيث سيغطّي خط نابوكوهذا الفراغ الّذي يُعتبر جزءًا حيويًّا من مشروع ممر شرق-غرب.هذا الخط ينطلق من هجريا ليصل إلى النّمسا عبر جميع من بلغاريا ورومانيا، وهنغاريا حيث قامت خمس شركات (بوتاس من هجريا-بلغارغاز من بلغاريا-ترابزغاز من رومانيا MOL من المجر -وOMV من النّمسا) بتوقيع اتّفاق تعاون في العام 2002 لنقل الغاز من هجريا والبلقان إلى وسط أوروبا وغربها قبل حتى تقوم في العام 2005 بإنشاء شركة (Nabucco Gas Pipeline International Ltd)، لتعود شركة RWE الألمانيّة للانضمام إلى المشروع. وتتولّى هذه الشّركة مسؤوليّة تمويل المشروع الّذي سيصل طوله إلى حوالى 3300 وقع مع إمكان نقل 31 مليار متر مكعب من الغاز الطّبيعي في السّنة.

مشروع خط أنابيب نابوكو

ولكن يقف في وجه هذا المشروع عدد من العوائق التي حالت دون تطبيقه، فمن جهة أولى قابلت هذه الشّركات إشكاليّة تزويد هذا الأنبوب بالكمّيّات الكافية من الغاز الطّبيعي. ومن ناحية ثانية أبرزت قدرة استيعاب خط باكو-أرزورم المعضلة الأولى حيث أنّ سعته القصوى وصلت في أحسن التّقديرات إلى 16 مليار متر مكعب، أي نصف قدرة خط نابوكوالاستيعابيّة، الّذي سيتّصل به، من هنا بدأ السّعي إلى توسيع هذا الخط. ومن ناحية ثالثة شكّلت الاكتشافات النّفطيّة في آذربيجان حجر الأساس في هذا المجال. ولكن المعطيات على أرض الواقع أظهرت أنّ قدرة حقل شاه دنيز تصل في أقصى أحوالها إلى حوالى 12 مليار متر مكعب في العام، وبالتّالي ليست قادرة على تلبية خط نابوكووخط هجريا-اليونان-إيطاليا، الّذي تبلغ قدرته الاستعابيّة الأوّليّة حوالىثمانية مليار متر مكعب، يأتي معظمها من هذا الحقل.

أمام هذا الواقع برز الخيار التّركماني لتعويض هذا النّقص، فهجرمانستان كانت جزءًا من ممر شرق-غرب، ولكن مع الاكتشافات الّتي حصلت في آذربيجان، وتحوّلها إلى ممر ومنتج في الوقت نفسه، تراجع الدور الهجرمانستاني، خصوصًا في ظل تشكيك دول الاتّحاد الأوروبي بقدرة هجرمانستان على الإيفاء بالتزاماتها في ظل التّعاون التّركماني مع الشّركات الصّينيّة. ولكن الحصول على الغاز التّركماني يتطلّب بناء خط عبر قزوين من هجرمانستان إلى آذربيجان وعبرها إلى هجريا لتزويد نابوكوبالغاز التّركماني. إلا أنّ مشروع عبر قزوين يقابل الكثير من الصّعوبات، فهوأكثر المشاريع كلفة من بين جميع المشاريع المطروحة، وهناك الاعتراض الرّوسي الإيراني على مشروع الأنابيب لاعتبارات بيئيّة. وهناك المشاكل اللّوجستيّة النّاتجة من إنشاء الخط تحت الماء. وهناك عدم التّوصّل إلى حل نهائي للمشاكل القانونيّة لذلك البحر.

وفي يناير 2011 قام الرّئيس التّركماني (غوربانغولا برديمكوخامدوف) ورئيس المفوضية الأوروبيّة (خوسيه مانويل باروسو)، بالإعلان عن استعداد الاتّحاد الأوروبي لشراء الغاز التّركماني. ولكن تظل إشكاليّة إضافيّة وهي أنّ الصّين تسعى للحصول على هذا الغاز نظرًا لوجود اتّفاق يقضي بأن تزوّد عشق أباد بكين بحوالى 30 مليار متر مكعب سنويّا من الغاز لمدّة 30 عام.

هذه الإشكاليّات أعادت إلى السّاحة مشروع خط الأنابيب عبر أفغانستان، والّذي يوصل الغاز التّركماني إلى الهند عبر جميع من أفغانستان وباكستان (TAPI)، وهوالحاصل على التّأييد والدّعم الأميركي. هذا الخط يبلغ طوله 1700 كم بكلفة تقدّر بحوالىثمانية مليارات دولار أميركي. وسعت جميع من أوروبا والولايات المتّحدة إلى دعمه والتّرويج له، وذلك في إطار البحث عن طرق إمداد بديلة خوفًا من تكرار المشكلة بين روسيا وأوكرانيا، في شتاء 2005-2006، والّتي أدّت إلى بتر إمدادات الغاز عن أوروبا. وفي هذا الإطار بدأ عدد من الشّركات دراسة هذا المشروع، وعلى سبيل المثال، قامت الشّركة النّمساويّة OMV والشّركة الألمانيّة RWE]] AG]] في ديسمبر 2008 بتأسيس شركة بحر قزوين بهدف تقييم إمكانات هذا المشروع والبحث في طرق تمويله. لكن تقف أمام هذا المشروع عقبتان، الأولى الوضع الأمني في أفغانستان، خصوصًا وأنّ هذا المشروع يقتضي المرور يمر بأكثر مناطقها توتّرًا، والثّانية، تردّد نيودلهي في الاعتماد على إسلام أباد بهدف تأمين أمن الطّاقة لديها، نظرًا لطبيعة العلاقة الّتي تجمع الدّولتين.

وتدرك جميع من روسيا وإيران أنّ جُل هذه المخطّطات تهدف إلى عزلهما، لذلك كان من الطّبيعي حتى تتّخذ جميع دولة منهما إجراءاتها للقاءتها. فالحكومة الرّوسيّة استفادت بشكل كبير من الارتفاع الضخم الّذي شهدته أسعار النّفط والغاز لتحقيق النّمووتمويل خططها الاقتصاديّة. ومن هنا ترى موسكوأنّ درس الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي عن بدائل للغاز الرّوسي هدفه بالأساس سياسي، وهومنعها من الاضطلاع بدورٍ فاعل على السّاحة الدّوليّة. فروسيا في البداية كانت تملك لنقل الغاز إلى أوروبا خطّين عبر البلقان، بالإضافة إلى خط يامال، ولكن مع المحاولات الغربيّة لبناء شبكة أنابيب غاز تتجاوزها، عمدت موسكوإلى المبادرة بدورها عبر مشروع بلوستريم الّذي ينطلق عبر البحر الأسود وصولاً إلى أوروبا والّذي تمّ افتتاحه في العام 2005 ووصلت سعته في العام 2010 إلى 16 مليون متر مكعب.

أنابيب الغاز الموجودة، قيد الإنشاء والمقترحة

تطرح موسكوعددًا من مشاريع الأنابيب الأخرى (مثل بلوستريم 2) الّذي يتبع طريق (بلوستريم 1) ذاتها، بالإضافة إلى مشروع ساوثستريم الذي ينطلق من شواطئ البحر الأسود وعبر أعماقه وصولاً إلى بلغاريا مع قدرة استيعاب تصل إلى 30 مليار متر مكعب سنويًّا، وهوالخط المنافس لنابوكو. وتقوم شركة غازبروم بالتّسويق لهذا المشروع في جميع من النّمسا والمجر لتكونا مركزًا رئيسًّا للغاز الرّوسي في وسط أوروبا إذا ما التزمتا بمشروع (بلوستريم 2) بدلاً عن مشروع نابوكو. وفي 12 أبريل 2012 أعرب وزير الخارجيّة المجري فيكتور أوربان) أنّ شركة MOL تنوي الانسحاب من مشروع نابوكو، كما أعرب النّاطق بإسم شركة النّفط الألمانيّة RWE في 13 مايوأنّ الشّركة تفكّر في الانسحاب من المشروع بسبب تضاعف كلفته وعدم اليقين من وصول الغاز التّركماني، ما يعزّز من فرص المشروع الرّوسي على حساب نابوكو.

وعلى الرّغم من الحصار الغربي لها إلاّ أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة تمكّنت من استغلال مسقطها الإستراتيجي للحد من تأثير هذا الحصار. فخط تبريز-أنقرة الّذي افتُتح في العام 2001 منح إيران في البداية فرصة الدّخول بقوّة إلى أسواق الغاز العالميّة. ولكن في العام 2002 توقفت هجريا عن استيراد النّفط من إيران بسبب الأسعار المخفّضة الّتي قدّمتها روسيا لها، لتعود في العام 2004 لتطلب من إيران شراء الغاز بأسعار مخفّضة، لكن طهران رفضت بسبب أنّ انقرة كانت ترغب إعادة بيع هذا الغاز إلى أوروبا بهدف تحقيق الأرباح. وباللقاء تدور مفاوضات بين جميع من إيران والهند وباكستان لبناء خط أنابيب IPI لتأمين الغاز الإيراني لهذه الدّول، وتقدّر كلفة المشروع بحوالى 7.5 مليار دولار. لهذا الخط إمكانات كبيرة لمنافسة خط TAPI ، فهوبكلفة مماثلة وسوف يتيح تزويد جميع من باكستان والهند الغاز من دون المرور بالمخاطر الموجودة في أفغانستان.

وبطبيعة الحال تعارض الإدارة الأميركيّة هذا المشروع، وقد صرّح المسؤول في الخارجيّة الأميركيّة ستيفن مان، " أنّ الإدارة الأميركيّة تدعم عددًا من خطوط الأنابيب من بحر قزوين، لكنّها تظل معارضة بشكل تام لخطوط أنابيب تتضمّن إيران". فالإدارة الأميركيّة تخشى تحوّل هذا الخط إلى بوّابة لتصدير الغاز الإيراني إلى الأسواق العالميّة.

على الرّغم من استمرار الخلاف على حوض بحر قزوين، إلا أنّه من المستبعد في المستقبل القريب تحوّل هذا النّزاع إلى لقاءة عسكريّة، أضف إلى ذلك، فالصراع هوبالأساس على النّفط وليس على الأراضي، فإنّ القوّة العسكريّة في هذه الظّروف لا تعود بذات التّأثير لأنّ أي لقاءة عسكريّة، مهما كان حجمها، ستنعكس سلبًا على عمليّة التنقيب عن النّفط واستخراجه، وبالتّالي يفترض أن تدفع المستثمرين إلى الخروج من المنطقة، ما يعني أنّ أي لقاءة عسكريّة ستكون كلفتها أكثر من مردودها. لكن باللقاء تبدوآفاق الحل شبه منعدمة في المدى المنظور، فتمسّك جميع طرف بموقفه يجعل من الصّعب التّوصّل إلى تسوية. ونجاح جميع من روسيا وكازاخستان وآذربيجان بالتّوصّل إلى اتّفاق لتقسيم الجزء الشّمالي لبحر قزوين لا يعني إنهاء الخلاف على الوضع القانوني، كون هذا التّقسيم يقتصر فقط على موضوع البحث والتّنقيب عن النّفط والغاز، في حين أنّ وضع إطار قانوني تام لبحر قزوين هوأشدّ تعقيدًا من ذلك، خصوصًا بعدما تحوّل الخلاف القانوني إلى غطاء لصراعات إقليميّة ودوليّة.

أخيرًا، ومن خلال مراقبة مجريات الأحداث، باللقاء يظهر حتى الوضع الأمني والسّياسي مرتبط بالأساس بالقيمة الإستراتيجيّة للمنطقة لما تحويه من مصادر طاقة، من هنا يرى الكثير من المراقبين أنّ المستقبل هناك مرتبط إلى حد كبير بعمليّات الاستكشافات الجارية في بحر قزوين، فإذا كانت نتائج الاكتشافات مشجّعة لناحية كمّيّات احتياطات النّفط والغاز، فإن هذا الأمر سيدفع المنطقة نحومزيد من التّوتّر، وذلك لأنّ القوى الإقليميّة والدّوليّة ستسعى للحصول على أكبر حصّة من النّفط والغاز. وباللقاء إذا لم تأتِ عمليّات الاستكشاف على قدر التّوقّعات، فإنّ الاهتمام بالمنطقة يفترض أن يتراجع، وبالتّالي فإن حدّة التّوتّر يفترض أن تتراجع هي الأخرى.

انظر أيضاً

  • بحر قزوين
  • المبارة الكبرى
  • نابوكو(خط أنابيب)
  • خط الأنابيب عبر أفغانستان
  • التيار الجنوبي
  • خط أنابيب إيران-پاكستان-الهند

المصادر

  1. ^ "التّنافس الدّولي على حوض قزوين". مجلة الدفاع الوطني، المسقط الرسمي للجيش اللبناني. 2014-07-01. Retrieved 2014-12-23.

المراجع

1- Rajan Menon، "Introduction: Central Asia in the Twenty-First Century"، in Central Asia: Views From Washington، Moscow & Beijing، M.E. Sharpe، New York، 2007، pp 3-17

2- Zbigniew Brzezinski، "The Grand Chessboard"، Basic Books،1997، New York، p 6، 31-34

3- يُقصد «باللّعبة الكبرى»بحسب وصف الرّوائي البريطاني- الهندي «روديار كيبلينج»: الصّراع الإنكليزي الرّوسي في القرن التّاسع عشر حول النّفوذ في منطقة آسيا الوسطى، والذي أدّى في نهاية المطاف إلى حصول أفغانستان على استقلالها.

4- Robert Ebel & Menon Rajan، "Energy and Conflict in Central Asia and The Caucasus"، Rowman and Littlefield Publishers، New York، 2000، p 214-216

5- المادّة 122 من مؤتمر الأمم المتّحدة حول القانون الدّولي للبحار،10/12/1982

6- Vladimir Mamaev، "The Caspian Sea: Enclosed and with Many Endemic Species"، Report، European Environmental Agency، 2002

7- Mehmet Ogütçü، "Caspian Energy and Legal Dispute"، Report، Institut français des relations internationals، June 2003

8- Gennady Chufrin، "Introduction: The changing Caspian security environment"، In The security of the Caspian Sea Region، Edited By (Gennady Chufrin)، Oxford University

Press، New York، 2001، pp 1-7


9- محمّد رضا جليلي، تيري كيلر،"جيوسياسية آسيا الوسطى"، دار الإستقلال للثقافة والعلوم القانونية، بيروت، 2001، ص 214.

10- www.asc-centralasia.edu.pk، "The Economic and Geo Strategic Importance of the Caspian Sea"، Accessed on 23/10/2012

11- محمّد رضا جليلي، تيري كيلر، مرجع سابق، ص214-215

12- Gregory Hall & Tiara Grant، "Russia، China، and the Energy-Security Politics of the Caspian Sea Region after the Cold War"، Mediterranean Quarterly، Vol 20 No 2، 2009، pp 113-137

13-Ibid

14- Carol R Saivetz، "Caspian Geopolitics: The View from Moscow"، Davis Center for Russian Studies، Harvard University، Summer/Fall 2000 – Volume VII، Issue 2

15- Carol R Saivetz، op.cit

16- Dmitri Trenin، "Russia and Central Asia: Interests، Policies، and Prospects"، in Central Asia: Views From Washington، Moscow & Beijing، M.E. Sharpe، New York، 2007، pp 75-136

17- تضم منظّمة شانغهاي الّتي تأسّست في العام 2001 كلاً من: روسيا، الصّين، كازاخستان، قرغيزستان، طاجكستان وهجرمانستان، بالإضافة إلى وجود دول مراقبة مثل إيران، باكستان والهند.

18- Nathan L. Burns، & Houman A. Sadri، "Russia، Iran، & Strategic Cooperation in the Caspian Region"، Report، March 2008

19- Russia، China، and the Energy-Security Politics of the Caspian Sea Region after the Cold War، Op.Cit، pp 113-137

20- Ian Rutledge، "Addicted to Oil"، I.B. Tauris، New York، 2005، pp 102-110

21- www.brookings.edu، "A Not-So-Grand Strategy"، Accessed 30/5/2011

22- "A Not-So-Grand Strategy، Op.Cit"

23- Ian Rutledge، Op.Cit، p 104

24-Gawdat Bahgat، "American Oil Diplomacy in the Persian Gulf and the Caspian Sea"، University Press of Florida، Florida، 2003، pp 154 - 155،

25- Eugene Rumer، "The United States and Central Asia"، in Search of a Strategy central Asia، in Central Asia: Views From Washington، Moscow & Beijing، M.E. Sharpe، New York، 2007، pp 18-74

26- Stephen J. Blank، "Challenges and Opportunities for the Obama Administration in Central Asia"، Strategic Studies Institute، 2009

27- Ozden Zeynep Oktav، "American policies towards the Caspian sea and the Baku-Tbilisi- Ceyhan Pipeline"، Perceptions، Spring 2005، pp 17 - 34

28- Zhao Huasheng، "Central Asia in China’s Diplomacy"، in Search of a Strategy central Asia، in Central Asia: Views From Washington، Moscow & Beijing، M.E. Sharpe، New York، 2007، pp137-214

29- Zhao Huasheng، Op.Cit، pp 137-214

30- Ibid pp 137-214

31- Ibid

32- Russia، China، and the Energy-Security Politics of the Caspian Sea Region after the Cold War، Op.Cit

33- Mehrdad M. Mohsenin، "The evolving security role of Iran in the Caspian region"، in The security of the Caspian Sea Region، Edited By (Gennady Chufrin)، Oxford University Press، New York، 2001، pp 166-177

34- Mehrdad M. Mohsenin، Op.Cit، pp 166-177

35- Ian Rutledge، Op.Cit، p 170

36- Ali Karaosmanoglu، "Turkey’s objectives in the Caspian region"، in The security of the Caspian Sea Region، Edited By (Gennady Chufrin)، Oxford University Press، New York، 2001، pp 151-165

37- Ali Karaosmanoglu، Op.Cit، pp 151-165

38- Mehmet ?gütçü، "Caspian Energy، Poker Game and Turkey"، Report for the Conference on International Energy Security and Regional Instabilities، Berlin، 2000

39- Barbara Janusz، "The Caspian Sea Legal Status and Regime Problems"، Report، The Royal Institute of International Affairs، Berlin، 2005

40- L’accord portant sur la création d’une communauté des Etats indépendants، Nations Unies، Doc.A/46/771

41- Rima Tkatova، «La Mer Caspienne et le droit international: délimitation et gestion des ressources»، Mémoire، Université Jean Moulin، Lyon، 2006، pp 19-26

42- Federico Formentini، & Tommaso Milani، "The legal status of the Caspian sea"، Report، European Center for Energy Security Analysis، Working Paper No 4، 2012

43- Ibid

44- Rustam Mamedov، "International Legal Status of the Caspian Sea: Issues of Theory and Practice"، The Turkish Yearbook of International Relations، vol. XXXII، Ankara،2002، pp 217-259

45- Ibid

46- بناء على الاقتراح الآذري فإنّ اعتبار بحر قزوين «بحيرة حدوديّة» يفرض تطبيق تدابير قانونيّة مختلفة عن تلك الّتي كانت موجودة سابقًا، وبالتّالي يتطلّب إبرام معاهدات بين الدّول المشاطئة للبحر. وفي ظل غياب الإتّفاقيات الدّوليّة الّتي تتناول موضوع ترسيم البحيرات الحدوديّة فإنّ الأعراف الدّوليّة تظل المصدر الأساس لهذا الهدف حيث تظهر الممارسات السّابقة أنّ البحيرة يتم تقسيمها لتحصل جميع دولة مشاطئة على سيادة كاملة على السّطح، وعلى الموارد الطّبيعيّة والإحيائيّة والملاحة داخل الحيّز الخاص بها.

47- Ibid

48- Faraz Sanei،"The Caspian Sea Legal Regime، Pipeline Diplomacy، and the Propsects for Iran's Isolation from the Oil and Gas Frenzy"، Vanderbilt Journal of Transnational Law، May 1، 2001

49- Rima Tkatova، Op.Cit، pp 41-43

50- UNCLOS: United Nations Convention on the Law of the Sea

51- Barbara Janusz، Op.Cit

52- Federico Formentini & Tommaso Milani، Op.Cit

53- Rima Tkatova. Op.Cit، pp 55-57

54- Rustam Mamedov، Op.Cit، pp 217-259

55- Rima Tkatova، Op.Cit، p 44، 49

56- Ibid، pp 29-30

57- المادّة 83 من المؤتمر الأمم المتّحدة للقانون الدّولي للبحار،10/12/1982

58- Rustam Mamedov، Op.Cit، pp 217-259

59- Federico Formentini& Tommaso Milani، Op.Cit

60- "Caspian Energy and Legal Dispute، Op.Cit"

61- Federico Formentini& Tommaso Milani، Op.Cit

62- Rustam Mamedov، Op.Cit، pp 217-259

63- www.payvand.com، "National Interests of Iran in the Caspian Sea"، Accessed on 8/11/2011

64- Caspian Energy and Legal Dispute، Op.Cit

65- Ibid

66- Federico Formentini & Tommaso Milani، Op.Cit

67- National Interests of Iran in the Caspian Sea،Op.Cit

68- Rima Tkatova، Op.Cit، 53-54

69- National Interests of Iran in the Caspian Sea"، Op.Cit"

70"Baku Summit and New Policy of Iran in the Caspian Sea"، Op.Cit -

71- Federico Formentini& Tommaso Milani، Op.Cit

72- theseasproject.weebly.com، Accessed on 12/5/2012

73- National Interests of Iran in the Caspian Sea"، Op.Cit"

74- www.jamestown.org، "The Caspian legal Settlement Remains Elusive"، Accessed on 17/7/2010

75- www.payvand.com، "Baku Summit and New Policy of Iran in the Caspian Sea"، Accessed on 22/5/2011

76- Ibid

77- www.islamicinvitationturkey.com، "Iran discovers 46 oil fields in Caspian Sea"، Accessed on 17/2/ 2010

78- The Caspian legal Settlement Remains Elusive"، Op.Cit"

79- www.islamicinvitationturkey.com، "Turkmen President Calls for Diplomatic Solution to Caspian Legal Regime"، Accessed on 9/1/2012

80- www.payvand.com، "Caspian Sea: Potentials for Conflict"، Accessed on 13/6/2010 - www.eurasianet.org، "Frustration Mounting، Moscow Talks about Militarizing"، Accessed on 6/7/2011

81- Mamuka Tsereteli، "Economic and Energy Security Connecting Europe and the Black Sea Caspian Region"، Report، Central Asia-Caucasus Institute، Washington، 2008

82- Faraz Sanei، Op.Cit

83- Ibid

84- A Not-So-Grand Strategy" Op.Cit"

85- Viktor Sergeyev & Sevak Sarukhanyan، "Caspian Gas and Europe New Pipeline: New Pipelines Old Problems"، 21 st Century، No 2، 2007

86- John Miglietta، "American Alliances in Central Asia"، Report Prepared for the International Studies Association، Montreal، 2011

87- "The Baku-Tbilisi-Ceyhan Pipeline: Oil Window to the West" Edited by Frederick Starr and Svante E.Cornell، Central Asia-Caucasus Institute،Washington، 2005

88- www.novinite.com، Accessed on 3/7/2012

89- Fiona Hill، "Pipelines in the Caspian"، Goergetown Journal of International Affairs، Winter/Spring 2004

90- Faraz Sanei، Op.Cit

91- Mamuka Tsereteli، Op.Cit

92- Faraz Sanei،Op.Cit

93- Mamuka Tsereteli، Op.Cit

94- Nicklas Norling، "Gazprom’s Monopoly and Nabucco’s Potentials: Strategic Decisions for Europe"، Report، Central Asia-Caucasus Institute، Washington، 2007

95- Irina Ionela Pop، "China’s energy strategy in Central Asia"، UNISCI Discussion Papers، N? 24، 2010

96- Mamuka Tsereteli، Op.Cit

97- Fiona Hill، "Russia's International Integration and Caspian Sea Oil Russia's International Integration and Caspian Sea Oil"، PONARS Policy Memo 9، October 1997

98- Nicklas Norling، Op.Cit

99- Ibid

100- Nicklas Norling، Op.Cit

101- www.nabucco-pipeline.com، Accessed on 2/1/2013

102- Nicklas Norling، Op.Cit

103- www.noravank.am، "Trans-Caspian Gas Pipeline: Goals، Problems and Risks"، Accessed on 3/7/2012

104- Trans-Caspian Gas Pipeline: Goals، Problems and Risks" Op.Cit"

105- John Foster، "A Pipeline Through a Troubled Land"، Canadian Center for Policy Alternatives، June 2008

106- Trans-Caspian Gas Pipeline: Goals، Problems and Risks"، Op.Cit"

107- Nicklas Norling،Op.Cit

108- A Pipeline Through a Troubled Land"، Op.Cit"

109- Ibid

110- Trans-Caspian Gas Pipeline: Goals، Problems and Risks"، Op.Cit"

111- A Pipeline Through a Troubled Land"، Op.Cit"

112- Ibid

تاريخ النشر: 2020-06-04 15:14:52
التصنيفات: بحر قزوين, مياه متنازع عليها, المبارة الكبرى, خطوط أنابيب غاز طبيعي, آسيا الوسطى, الغاز الطبيعي, الطاقة في روسيا, الطاقة في أذربيجان, الطاقة في تركمنستان, الطاقة في قزخستان, الطاقة في إيران, العلاقات الأذربيجانية الروسية, العلاقات الإيرانية الروسية, العلاقات الروسية القزخستانية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

‫المنستير: غلق معهدين و3 إعداديات

المصدر: جوهرة أف أم - تونس التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:33:30
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 35%

الصحة تكشف تطورات الوضع الوبائي لفيروس كورونا في مصر

المصدر: الرئيس نيوز - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:32:15
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 66%

اشتباك مهربين يقتل ضابطا أردنيا السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:29:36
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 53%

رفع عدة بسطات مخالفة ومصادرة الأطعمة وسط الدمام

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:33:38
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 64%

كوريا: رفع سعر الفائدة 0.25 % السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:29:31
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 65%

نائب أمير الشرقية يستقبل مدير الجوازات السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:29:28
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 50%

أمير الشرقية يستقبل أبطال الدوري النسائي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:29:26
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 52%

أطباء سودانيون يحتجون على استهداف المستشفيات السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:29:34
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 61%

200 ريال لتسجيل الطلاب بالنقل المدرسي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:29:27
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 61%

عام / البرلمان الفرنسي يقر نهائياً مشروع القانون في شأن شهادة التلقيح

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:32:14
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 68%

50 متحدثا في المؤتمر السعودي لطب الأسنان السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:29:29
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

16 فريقا عالميا يتسابقون على 5 مراحل لطواف السعودية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:29:30
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 57%

"التجارة" تستطلع "رضا المستهلك عن وكالات السيارات" في السعودية

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:33:18
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 47%

مخيم الهول: تهديد المنظمات الإنسانية سابقة خطيرة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:29:33
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

رياضي / فيوتشر يفوز على بيراميدز بثنائية في كأس رابطة الأندية المصرية

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:32:08
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 62%

هددهن بصور مفبركة.. حبس المتهم بابتزاز نساء كفر البطيخ في دمياط

المصدر: الرئيس نيوز - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:32:17
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 68%

جنوب إفريقيا: تزايد مخاطر انقطاع الكهرباء السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-01-16 20:29:32
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

تحميل تطبيق المنصة العربية