القسطنطينية (رواية گوتييه)

عودة للموسوعة

القسطنطينية (رواية گوتييه)

هذا الموضوع مبني على
منطقة لابراهيم العريس
بعنوان .
غلاف أول طبعة من رواية القسطنطينية لگوتييه، عام 1853.

القسطنطينية Constantinople رواية خطها تيوفيل گوتييه في عام 1853.

خلفية

شكل الكتابة في «أدب الرحلات»، ومنذ زمن بعيد جزءاً أساسياً من النتاجات الإبداعية لعدد كبير من الروائيين والكتّاب غير الروائيين. ومنهم من كان ذلك الأدب يكمن في خلفية أعماله الروائية نفسها (على غرار بيار لوتي الذي يصعب أحياناً التفريق بين رواياته ونصوص رحلاته، أي بين ما ابتدعه خياله وما عاشه حقاً). وتواصَل هذا التقليد في عصرنا الحديث بحيث نعهد حتى كتّاباً مثل نايبول ووليام گولدنگ، من بعد أندريه جيد وجان كوكتو، يشكل متن نصوصهم في أدب الرحلات أعمالاً كبيرة. ومن كبار منتجي أدب الرحلات في القرن التاسع عشر، كان تيوفيل گوتييه، الفرنسي الذي عاد من بعض رحلاته - لا سيما إلى مصر - ببعض أقوى نصوصه الأدبية. غير حتى هناك من الباحثين والنقاد من يرى حتى النصوص التي خطها گوتييه عن رحلاته، تنبض بالحياة أكثر مما تعمل نصوصه الأدبيـــة الخالصة. وگوتييه لم يكن بخيلاً في الاستفاضة في الكتابة عن رحلاته، إذ إنه خلّف خطاً عــدة في هذا الميدان، إثر رحلات ظلت تشغل وقته وهمه طوال أربعة عقود، وعايشت الحياة الثقافية الفــــرنسية وغير الفرنسية منذ ذلك الحين، ولا تزال تعمل حتى الآن. وبين هذه الكتـــب ما يتحـــدث عن رحلاته إلى إسبانيا وإيطاليا وروسيا، حيث إذا كثيراً منها يعتبر أشبه بوثائق تصور الحياة الاجتماعية، وحتى أحياناً السياسية، في تلك البلدان أواسط القرن الذي عاش فيه گوتييه. ومع هذا، على رغم جمال النصوص التي ذكرنا وحيويتها، تظل خط غوتيــــيه ونصوصه عن «الشرق» أجمل ما خط، وهي مجموعة في ثلاثة خط يجمع بينها ذلك الحنـــين الدائم إلى زرقة السماء وإلى إطلالة الشمس جميع يوم على هذه الدنيا. وهي تحمل العناويـــن الآتية «الشرق» (1877) و«بعيداً من باريس» (1865) أما النص الذي يحمل عنوان «القسطنطينية» (1853) فيعتبر من جانب الباحثين أقدمها وأجملها... وهوالذي يهمنا هنا.


الرواية

صدر كتاب «القسطنطينية» لتيوفيل گوتييه أول الأمر في شكل حلقات مسلسلة في مجلة «لا برس» بدءاً من أول تشرين الأول (أكتوبر) 1852، ثم ظهر في كتاب جامع في العام التالي. ولقد حقق الكتاب فور صدوره للمرة الأولى من النجاح ما جعله يطبع أكثر منعشرة مرات حتى نهاية القرن الذي صدر فيه. ويصف غوتييه في الكتاب الرحلة التي بدأها أوائل صيف عام 1852 منطلقاً من مرسيليا، ليصل بعد 11 يوماً إلى اسطنبول حيث بقي حتى 28 آب (أغسطس) أي خلال الفترة الطويلة نسبياً، والتي أعطته المادة الغنية التي تشغل صفحات الجزء الأكبر من النصّ. أما عند عودته، فإنه هبط في أثينا وكورفووالبندقية، ليصل إلى باريس أوائل شهر تشرين الأول، وبعد أيام من بدء نشر حلقات الكتاب التي كان أوفدها قبل وصوله انطلاقاً من هجريا، وكان عنوانها العام أولاً هو«من باريس إلى القسطنطينية... نزهة صيفية».

إذا كان الكتاب لقي إقبالاً من جمهور القراء العريض، ورسّخ توجهات جديدة في الأدب الاستشراقي، فإن النقاد والباحثين لمقد يكونوا أقل حماسة له وإدراكاً لمرامي گوتييه من خلاله. وها هوواحد منهم يقول متحدثاً عن الكتاب: «إن الجهد الكبير الذي يبذله غوتييه هنا، إنما يطاول بحثه الحثيث عن عالم لم تلامسه الحضارة الغربية بعد. وبالتالي عن عالم لا تزال له براءته الأولية. فإذا كان المسافر اتّبع هنا مساراً أخرجه من المدينة - بالمعنى المعاصر الحديث لحدثة مدينة - فإنه كان من حظه حتى عثر هناك، في البعيد، على شرق لا يزال على حاله. غير حتى غوتييه، في الوقت نفسه، لم يكتفِ بالتمعن في شرق جامد حُوّل إلى مومياء، بل تجاوز هذا ليحاول حتى يحدث النظرة إلى هجريا «الحقيقية» عبر قراءته الإشارات إلى الحياة اليومية والتي كانت لا تزال قابلة لأن تُقرأ». والحقيقة حتى تلك الحياة اليومية بعبقها وبعدها الإنساني، هي ما كان يهمّ تيوفيل غوتييه أكثر من أي أمر آخر. من هنا، لم يعد نصّه نصّ مستشرق مندهش، ولا نصّ عالم إناسة يفهم ويحلل، بل صار نصَّ راءٍ يتمعّن ويصف الأمور كما هي، يصف نبض الناس كما هو.

والحال حتى من حظ گوتيـــيه حتى زار هجرـــيا في حقبة كانت تعيش فيها تطورات إصلاحية كثيـــرة... كان نصّـه شاهداً عليها. لكن هذا النص يأتي كذلك شاهداً على انبهار گوتييــه بإسلام كانت لا تزال له هوالآخر براءته الأولى، بعيداً من الإصلاحات السلطوية ذات المنحى الأوروبي، والتـــي أتته من أعلى، أي من سلطات راحت تسعى أكثر فأكثر إلى استخدامه في تبرير ما تقـــدم عليه، كما بعيداً من استخدام سياسي أتى ليبرر ضروب عنـــف وكراهية للآخرين. ولـــعل فـــي نظرة نلقيها على عناوين فصول الكتاب، ما يكشف عن تـــوجّه تيوفيل گوتييه في تعبيره عن نظرته إلى هجريا التي يختلط فيها الدين بالحياة اليومية، والحـــداثة السلطوية بعفــوية الشارع. فهوبعدما يتحدث عن اجتيازه البحر المتوسط وتوقفه فـــي [[مالطا، وسيرا، ونزوله في إزمير، يتوقــف عند الدردنيل، ثم عند القرن المضىي، قبل حتى يغـــوص مباشرة في ليلة رمضانية، ثم تقوده خطواته إلى المقاهي فالحوانيت والبازار. ومن ثم كان لا بد من حتى يلتقي الدراويش الدوارين ثم إخوانهم الدراويش الصارخين. ومن هناك يتجه إلى حيث حفلات الأراغوز. وبعدما يصف مظاهر الحياة الاحتفالية الشعبية، يفاجأ غوتـــييه بوجود السلطان في المسجد، ليدعى بعد ذلك إلى عشاء هجري تقليدي. وتكون هذه، بالنـــسبة إليه، مناسبة للحديث عن النساء الهجريات. وإذ تحل في يوم تالٍ ساعة الفطور، يجد صاحـــبنا الرحالة لذة مطلقة في مشاركة الصائمين إفطارهم بعد يوم صيام شاق. وهوبعد ذلك يتـــوجه إلى أسوار اسطنبول لزيارتها «لا سيما في مناطق من اسطنبول نائية، كان يحدث نـــادراً للمسافرين الأوروبيين حتى يصلوا إليها. فهؤلاء لم يكن فضولهم ليبعثهم إلى أبعد من بزستين وآق‌ميدان وساحة السلطان بايزيد، حيث تهجرز جميع مظاهر الحياة الإسلامية...».

گوتييه يزور مقهى في اسطنبول في 1852، رسم بصحيفة لوموند

ومن الواضح هنا، حتى فضول گوتييه يبعث به إلى أبعد من ذلك، إلى حيث يزور الفنار، ثم حماماً هجرياً. ومنذ تلك اللحظة تتخذ رحلة گوتييه طابع التعمّق في الحياة - وليس فقط في المشاهد - الهجرية. هكذا، حتى إذا كانت خطواته التالية، بدءاً من توغله في احتفالات السكان بعيد الفطر (البيرم)، ستقوده إلى حيث تقاد عادة خطى غيره من الرحالة الأجانب، فإن نظرته ستبدومختلفة تماماً. ذلك حتى حنينه الدائم إلى الأزرق وإلى المجتمعات البعيدة، سيكسونظرته تلك بألوان محلية غير مندهشة ولا مستغربة، بل ستكون نظرة إنسان يعهد جيداً كيف من الممكن أن يندمج في المكان وكيف يتأقلم. من هنا، في الكثير من النصوص التالية نجد تيوفيل غوتييه يصف المكان وإنسانه كأنه يصفهما من الداخل. ولم يفت هذا الأمر النقاد، إذ نجدهم دائماً يؤكدون أنه إذا كان غوتييه يقارن دائماً، وفي جميع فصل بين هذا العالم المسلم الذي يكتشفه وبين سمات الحياة في أوروبا المسيحية التي يعهدها جيداً، فإن «الإسلام هوالذي يخرج في معظم الأحيان متفوقاً. وليس أدل على هذا من حتى گوتييه يحدثنا في آخر فصول الكتاب عن حتى «المرء بعد نهار صيفي حار، يجد جسده وقد عادت إليه الحياة، ويشعر بفرح الوجود عند المساء بحيث لا تعطيه العودة إلى السرير سوى الندم»، مع حتى مستشرقين غيره كانوا لا يتوقفون عن وصف الدولة العثمانية بـ «الباردة»، «المترنحة» بل «المشلولة».

المحرر

تيوفيل گوتييه

عندما نشر تيوفيل گوتييه (1811 - 1872) نصوصه هذه عن اسطنبول، كان قد تجاوز الأربعين من عمره، لكنه كان قد عهد المجد الأدبي كمحرر روائي رومانسي وغرائبي النزعة بأعمال مثل «السلسلة المضىية» و«كوميديا الموت» و«إسبانيا» و«فورتونيو». أما مجده المرتبط بالشرق، فسيبزغ اعتباراً من صدور «القسطنطينية»، ليصل إلى ذروته مع أعماله التالية المرتبطة بالشرق - خصوصاً في مصر - مثل «حكاية المومياء».

الهامش

تاريخ النشر: 2020-06-04 15:23:06
التصنيفات: روايات گوتييه, روايات 1853, روايات تدور أحداثها في اسطنبول, 1853 في الأدب, 1853 في الدولة العثمانية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

أسوأ 10 زلازل ضربت المنطقة العربية خلال القرن الماضي

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-10 21:06:40
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 86%

بايدن ينهي مؤتمرا صحفيا لأنه يريد النوم (فيديو)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-10 21:07:18
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 99%

سوريا تطالب الولايات المتحدة بدفع تعويضات عن النفط الذي سرقته

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-10 21:07:06
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 86%

تحطم طائرة خلال عرض جوي في هنغاريا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-10 21:07:10
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 88%

ليبيا.. استنفار في طبرق تحسبا لأي إعصار محتمل

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-10 21:07:13
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

بيان من الخارجية المصرية عقب الملء الرابع لسد النهضة الإثيوبي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-10 21:07:09
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 99%

تحميل تطبيق المنصة العربية