اوديب ملكاً (اوبرا)

عودة للموسوعة

اوديب ملكاً (اوبرا)

هذا الموضوع مبني على
منطقة لابراهيم العريس
بعنوان .


حيث قدمت أوبرا «اوديب ملكاً» للموسيقي الروسي الأصل إيگور ستراڤنسكي، في عام 1974 في باريس بعد ان جرى تجاهلها - تقريباً - طوال نصف قرن من الزمن، أي منذ عروضها الأولى في العامين 1926-1927، لم يكن على خطأ ذلك الناقد الذي تحدث عن العرض الجديد قائلاً: «ان هذه الأوبرا تأسر المشاهد، وتجعله حابساً أنفاسه منذ النوطة الأولى وحتى النوطة الأخيرة. جاعلة ايّاه يقول لنفسه وحمرة الخجل تعلووجنتيه: آه كم اننا أسأنا بتجاهلنا الى هذا العمل الفني الكبير». والحال ان ثمة من حول هذه الأوبرا لغزاً يظهر مستعصياً على الحل، وبسيطاً في آن معاً، يتعلق بعقود التجاهل التي طالت، والتي كانت ضحيتها. وربما يكمن حل اللغز في ان سترافنسكي نفسه لحّن الأوبرا، في سنوات كانت فقيرة إجمالاً في الميدان الفني، إذ ان أواسط سنوات العشرين في القرن الفائت، كانت صاخبة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وكانت تشهد انطلاقة فن السينما والغناء الفردي، الى درجة ان بعض الفنون، ومنها الأوبرا، عهدت تراجعاً ووهناً، بالنسبة الى تقديم ما كلاسيكي منها. فكيف الأمر اذا كان ما يقدم، عملاً حديثاً ينطلق من اقتباس للأسطورة الأوديبية الشهيرة قام به شاعر ومحرر طليعي لم يكن ليلقى استقبالاً طيباً من لدن الجمهور في ذلك الحين، ونعني به جان كوكتو؟

فالحال ان إيگور ستراڤنسكي، حين أراد ان يقدّم عملاً أوبرالياً يسم به القرن العشرين كله، اختار الانطلاق من نص جان كوكتو، الذي كان هذا الأخير أنجزه في عام 1925، وعلى الفور ما إذا قرأه سترافنسكي حتى عثر فيه ضالته. إلى غير ذلك أمضى سنتين في تلحينه، غير مدرك ان الجمهور لن يتبعه، أول الأمر، وغير مدرك أيضاً ان سبعينات ذلك القرن ستعيد الى العمل جميع اعتباره، وعلى الأقل ضمن اطار فورة الاهتمام المتجدد بفن الأوبرا، وكذلك ضمن اطار الاهتمام بإعادة اكتشاف اعمال سترافنسكي نفسه الكبيرة بعد رحيله في عام 1971.

الأدوار

الدور نوع الصوت Premiere Cast,
30 May 1927
(Conductor: Igor Stravinsky)
Oedipus, king of Thebes tenor Stepan Belina-Skupierwski
Jocasta, his wife & mother mezzo-soprano Hélène de Sadowen
Creon, Jocasta's brother bass-baritone Georges Lanskoy
Tiresias, soothsayer basso Kapiton Zaporojetz
Shepherd tenor
Messenger bass-baritone Kapiton Zaporojetz
Narrator speaking role Pierre Brasseur
Men's chorus

إلى غير ذلك، مهما كان من أمر، عادت أوبرا «اوديب ملكاً» لتتربع على عرش كان من حقها، وعادت لتتخذ مسرى حياة خاصاً بها. وهي بهذا، تضاف الى سلسلة الأعمال الكبيرة والخالدة التي ما فتئت منذ العصور اليونانية القديمة تستقي من تلك الأسطورة، بدءاً من تراجيديات اسخيلوس وسوفولكيس، وصولاً الى اقتباسات درايدن وفولتير ونيكوليتي، وحتى أشغال فرويد واشتغالات اندريه جيد وهوفمنشتال، وفيلم بيار باولوبازوليني الأشهر. ذلك ان جان كوكتولم يكن، بالطبع، المفتون الوحيد بأسطورة أوديب... عملى الدوام كان ثمة من يستلهمها ويشتغل عليها، الى درجة انها تعتبر الاسطورة التأسيسية وأسطورة الأساطير، من حيث رسمها بدقة - قد تساجل أحياناً - للعلاقة العفوية في الوسط العائلي.

المهم ان سترافنسكي كان يعتبر نفسه على حق، حين أراد ان يحذوحذومن سبقه من الموسيقيين (بورميل وتسنغاريللي وأنطونيوساكيني، بين آخرين) في تحويل الأسطورة الى أوبرا، فاستعان بنص كوكتو، اذ ان هذا النص، الذي يظهر شديد الراهنية في تعامله مع الاسطورة، اتى في الوقت نفسه بسيطاً لا يحتاج الى تعمّق، بل خطه اصلاً ليقدم على شكل اوراتوريو، من جانب سترافنسكي وبمصاحبة موسيقاه. والواقع ان العمل الذي بدأ في تعاون بين كوكتووسترافنسكي، متخذاً سمة الأوراتوريو، سرعان ما تحول نحوالطابع الدرامي في شكل حتمي. إلى غير ذلك صار ثمة نوع من المزج بين الأساليب، حتى وإن ظل سترافنسكي يعتبر عمله، في نهاية الأمر، تحية الى فن الأوراتوريوكما اعاد هاندل تأسيسه.

حين وضع سترافنسكي ألحان «اوديب ملكاً» كان لا يزال يسعى جاهداً لكي يتم الاعتراف به، سليم انه كان قد حقّق أعمالاً كثيرة، غير ان تلك الأعمال لم تكن قد تمكنت من ان تفرض نفسها. وكانت الأوساط الموسيقية لا تزال تفضل ان تتعامل مع الموسيقي الروسي الشاب بصفته عازف بيانووقائد أوركسترا ماهراً، اكثر مما بصفته مؤلفاً. وكان هويريد ان يقلب صورته تماماً. وقد أتته الفرصة بعدما حقق كونشرتوله كان وضعه في ذلك الحين («كونشرتوالبيانووآلات النفخ») قبولاً ملحوظاً. ومن هنا أراد ان ينتقل الى مستوى ثان، يتيح له في الوقت نفسه ان يحيي المفهم الكبير هاندل، صاحب اشهر اوراتوريوفي تاريخ الموسيقى («ميسّيا»). إلى غير ذلك، اذ اكتشف نص جان كوكتو(المتحدث عن أوديب الذي تأخذه الأقدار فيقتل أباه من دون ان يدري انه أبوه، ويتزوج أمه من دون ان يعهد انها أمه، وقد صار بعد ذلك ملكاً) غاص في العمل راغباً في ان يجعل من عمله «إنجازاً جمالياً يقف خارج الزمن» وهوواثق من ان عملاً من هذا المستوى سيكون وحده القادر على «اغواء جمهور الأوبرا المثقف الذي صار هوجمهور هذا الفن الوحيد في القرن العشرين». إلى غير ذلك مزج سترافنسكي بين الطابع الدرامي المطلق للأغاني الفردية، وبين الأسلوب الكلاسيكي (الهاندلي - نسبة الى هاندل - تقريباً) الذي لحّن به أجواء الكورس. إلى غير ذلك بدا غناء الكورس حيادياً خالياً من أية أحاسيس ومشاعر، ما نزع الطابع الدرامي الاندماجي عن العمل في اللحظات التي يتدخل فيها الكورس - وكأننا هنا أمام بريختية صرفة منقولة من المسرح الخالص الى الموسيقى الخالصة -. إلى غير ذلك، انطلاقاً من لعبة المزج بين الطابع الدرامي، بل الميلودرامي العاطفي جداً أحياناً، والطابع المحايد، بزغ تلحين هجين جعل النقاد يقولون باكراً ان «التفاصيل ولا سيما منها تدخلات جوكاست تبدووكأنها تحرف اهتمام المشاهد المستمع في اتجاهات عدة، ما ينزع عن العمل وحدة كانت متوخاة له». غير ان هذا الأمر الذي اعتبر في حينه عيباً ونقصاناً، سيتخذ أبعاداً أخرى خلال النصف الثاني من القرن العشرين، حين تكون ثورة الموسيقى وتفجر الأساليب والأنواع، قد اكتملت، ما منح العمل حداثة راهنة، من الصعب تصوّر ان سترافنسكي كان يقصدها أويتوخاها في ذلك الوقت المبكر، حتى وإن كان من المطلعين على بدايات تلك الثورة كما تجلت في مدرسة فيينا، وعلى يد اصحاب الموسيقى الاثنتي عشرية (البن برغ، وشوينبرغ وغيرهما).

المهم ان ذلك كله أضفى على «اوديب ملكاً» لكوكتو/ سترافنسكي راهنية مطلقة، وحقق ما كان فرويد يقوله دائماً من ان أوديب بيننا، لا يبارحنا ولا يمكنه ابداً ان ينتمي الى التاريخ ليصبح جزءاً من متحفه. وحسبنا للتيقن من هذا، ان نصغي مرات ومرات الى كورس اهل طيبة وهويحيي وصول جوكاست، أوالكورس نفسه وهويلقي على أوديب، في النهاية، وبلغة لاتينية مدهشة، وداعاً أخيراً صارخاً بما يشبه النحيب والاحتفال - من الممكن بانبعاث حديث - : «وداعاً يا أوديب... اننا كلنا نحبك». إذ هنا في تلك اللحظة يحدث للموسيقى «التي، كما يقول النقاد، كانت قبل ذلك وطوال العمل تبدومنفصلة عن الشخصيات بغية تحقيق مبدأ التغريب، تبدووكأنها عادت للالتقاء بتلك الشخصيات جاعلة منها ومنهم كلاً واحداً، معطية العمل ككل قوة عاطفية، كان العمل، طوال الوقت يظهر رافضاً لها».


نبذة عن ستراڤنسكي

إيگور ستراڤنسكي المولود عام 1882 في اورانين‌باوم في روسيا (ليموت عام 1971 في نيويورك)، يعتبر واحداً من كبار موسيقيي القرن العشرين، ومجدداً أساسياً في فن الكتابة للباليه، إذا لم يكن في الكتابة للأوبرا أوللأعمال الأوركسترالية الصرفة. والطريف ان ستراڤنسكي تفهم أول ما درس، القانون الجنائي وفلسفة التشريع في جامعة سانت بطرسبورگ، متخرجاً منها عام 1905. وفي ذلك الحين ارتبط بصداقة وتلمذة مع الموسيقي الكبير رمسكي-كورساكوڤ. وفي عام 1909 نادىه دياگيليڤ (مجدد الباليه الروسي) وقد فتنته بترة خطها الموسيقي الشاب، متأثراً بهاندل، ليخط موسيقى عروض باليه روسية قدمت في باريس، إلى غير ذلك خط على التوالي موسيقى باليهات «عصفور النار» و«پتروشكا» و«تطويب الربيع» وكلها اعمال حققت نجاحاً، لكن ستراڤنسكي كان يعتبر نفسه فاشلاً، إذ كان يتطلع الى نجاحات موسيقية خالصة تأتيه بفضل كونشرتات وسيمفونيات وأوبرات. لكن ذلك لم يتحقق له. بل ان همّته تراجعت خلال السنوات التالية. وهوعاش في باريس بين 1920 و1939، وفيها خط أبرز أعماله التالية لـ «اوديب ملكاً»، مثل «سيمفونية اگرامير» وباليه «بولتشينيلا»، كما خط عملين راقصين لإدا روبنشتاين (التي خط لها رافيل «البوليرو» الشهير). وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية هاجر ستراڤنسكي الى الولايات المتحدة، حيث أتيح له حتى يخط اعمالاً سيمفونية وأوبرالية كان يحلم بها منذ زمن بعيد. وهوظل يخطها حتى عام 1966، لكن اياً منها لم يرق الى اعماله القديمة والشهيرة.

انظر أيضاً

Other musical works on the same subject:

  • Oedipus (Z.583) by Henry Purcell
  • Oedipe by George Enescu
  • Oedipus by Wolfgang Rihm
  • Greek by Mark-Anthony Turnage
  • Oedipus Rex by Tom Lehrer
  • Oedipus Tex by P. D. Q. Bach

المصادر

  • دار الحياة
  1. ^ , AmadeusOnline
تاريخ النشر: 2020-06-04 15:25:00
التصنيفات: وفيات 1971, مواليد 1882, اوپرات إيگور ستراڤنسكي, اوپرات متعددة اللغات, اوپرات اللغة اللاتينية, Oratorios, اوپرات, Opera oratorios, Neoclassicism (music), اوپرات 1927, اوپرات مبنية على أساطير يونانية-رومانية, Compositions with a narrator

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

قوات كييف تقصف بلدة ماكيفكا ومدينة دونيتسك

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-14 00:17:33
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 90%

مستثمرون قطريون بصدد التقدم بعرض لشراء مانشستر يونايتد

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-02-14 00:16:46
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

في زمن التضخم بفرنسا... لم يعد الحب بلا حساب!

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-14 00:17:21
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 91%

ترويج “ماء الحياة” يقود صاحب سوابق إلى الاعتقال بمراكش

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-14 00:15:20
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 42%

طائرة “كنادير” جديدة تعزز أسطول إخماد الحرائق في المغرب

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-14 00:15:22
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 37%

روسيا وأوكرانيا: قوات موسكو تحرز تقدما تدريجيا في باخموت

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-14 00:17:10
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 98%

رئيسة مولدوفا تتهم روسيا بالتخطيط لتنفيذ إنقلاب في بلادها

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-14 00:17:09
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 98%

الحافلات “ذات خدمات عالية المستوى” تجر وزير الداخلية للمساءلة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-14 00:15:24
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 35%

الأمن التونسي يعتقل قياديا في حزب النهضة ومدير محطة إذاعية خاصة

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-14 00:17:24
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 93%

إصابة رضيعة حديثة الولادة في حريق بمستشفى محمد السادس بمراكش

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-14 00:15:25
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 40%

الإصابة تحرم دورتموند من موكوكو لـ 6 أسابيع

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-02-14 00:16:47
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 51%

نيويورك: دهس ثمانية أشخاص في بروكلين

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-14 00:17:08
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 86%

المغرب يلجأ إلى البصمة الإلكترونية لمحاربة السطو على العقارات

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-14 00:15:27
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 37%

وفاة والدة المنصوري تعجل بالتحاق أعضاء حكوميين بمراكش

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-14 00:15:21
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 48%

دوري الأبطال/ ميلان يستضيف توتنهام في مباراة "فك النحس"

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-02-14 00:16:45
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 62%

تحميل تطبيق المنصة العربية