أحمد مستجير

أحمد مستجير (و. ديسمبر 1934) عالم أحياء مصري متخصص في البيوتكنولوجي، وشاعر.

نص كتاب الجينات والشعوب واللغة(1)انقر على الصورة للمطالعة

ولد مستجير في ديسمبر 1934 بقرية الصلاحات - محافظة الدقهلية - شمال مصر، وفي الفترة الثانوية اهتم مستجير بخط البيولوجيا؛ لأنه أحب مدرسها "خليل أفندي" الذي تخرج في كلية الزراعة، فأحب مستجير حتى يلتحق بنفس الكلية، افتتن بأستاذه في الكلية عبد الحليم الطوبجي أستاذ فهم الوراثة، فسلك ذات المجال، وبلغت ثقة "الطوبجي" في مستجير "الطالب" أنه لما احتاج حتى يخط مذكرة للطلاب ولم يكن وقته يسمح بذلك منح الطلاب ما خطه أحمد في المحاضرات!

عمل مستجير مدرسا بكلية الزراعة جامعة القاهرة سنة 1964، ثم أستاذا مساعدا عام 1971، ثم أستاذا سنة 1974، ثم أصبح عميدا للكلية من سنة 1986 إلى سنة 1995، ثم أستاذا متفرغا بها حتى الآن، كما أنه عضوفي 12 هيئة وجمعية فهمية وثقافية، منها: مجمع الخالدين، والجمعية المصرية لعلوم الإنتاج الحيواني، والجمعية المصرية للعلوم الوراثية، واتحاد الكتاب، ولجنة المعجم العربي الزراعي، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، حصل على الكثير من الجوائز، منها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى وجائزتَـيْ الدولة التشجيعية والتقديرية.

مؤثرات في تكوينه: الخضرة ووالده

أحب من صغره هذا اللون المبهر، وعن ذلك يقول: "أنحاز إلى الأرض الريفية؛ لأني ابنها، وربما كان تفوقي في كلية الفلاحين (الزراعة) بسبب عشقي للزراعة والخيال واللون الأخضر، والريف هوعشقي الأبدي ومنبع الرومانسية المتأججة بداخلي".

كما أثر فيه والده تأثيرا كبيرا، فقد كان والده قارئا نهما، ملأ المنزل بالخط، فشابهه في حب القراءة كما شابهه في ملامحه الخلقية، وكان الأديب "كامل الكيلاني" صديقا لوالده فزوده بعشرات الخط يشتريها له من المنصورة (إحدى المدن القريبة من قريته).

حين كان في العاشرة من عمره نهر مدرس اللغة الإنجليزية "شفيق أفندي" أحد التلاميذ قائلا: "روح موت"، ومضت ثلاثة أيام ولم يظهر يوسف وفي اليوم الرابع وصل للأطفال خبر موته، فبكى مستجير طويلا، واعتقد حتى شفيق أفندي اغتال زميله (!!)، ولم يكتف بالاعتقاد بل خط خطابا لرئيس الوزراء أحمد ماهر باشا، لكن الناظر توفيق أفندي عفيفي حاول حتى يقنعه بما حدث، ولكنه يقول عن نفسه: "لم أقتنع ساعتها أبدا".

مستجير الإنسان

بعد حتى تخرج مستجير الملقب بـ"الأديب المتنكر في صورة العالم"؛ نظراً لتعدد إسهاماته في أكثر من ميدان فهمي وأدبـي وإنسانـي عام 1954، عمل مهندسا زراعيا لمدة 55 يوما فقط، هجرت في نفسه أثرا كبيرا حيث تعامل مع الأرض بحب جارف. يذكر مستجير أنه أثناء إشرافه على الأرض لفت نظره طفل يجمع القطن، يقول إنه: "قرأ في وجهه وجه مصر؛ بهجة غامرة، وحزن بعيد وغامض وعميق"، فأعطاه قرشين، بعدها اتى مفتش من القاهرة وفهم ما عمله مستجير فعنفه وأوصاه حتى يعامل الفلاحين بقسوة حتى يهابوه، ليلتها لم ينم وخط في مفكرته: "هل تستلزم الوظيفة الجديدة اغتال الإنسان داخلي؟.. هل يستكثرون حتى يحظى الفلاح مني ببسمة،يا ترى؟ يكرهون حتى يربت إنسان على كتف إنسان، أمن أجل 15 جنيها أحتاجها يقتلون فيَّ الإنسان؟"، ومن فوره هجر مستجير العمل.

بداية طريق الفهم

التحق مستجير بالمركز القومي للبحوث عام 1955 ليحصل على الماجستير في تربية الدواجن من كلية الزراعة جامعة القاهرة سنة 1958 ويعمل معيدا بنفس الكلية، وفي هذه الفترة عهد من خلال قراءاته "آلان روبرتسون" أستاذ فهم الوراثة البريطاني، فراسله وطلب منه مساعدته للالتحاق بمعهد الوراثة جامعة أدنبرة وقد كان.

ومن المواقف الطريفة التي أسقطته فيها جرأته أنه أثناء دراسته في المعهد مضى إلى رئيس المعهد بروفيسور "وادنجتون" يشتكي من عدم فهمه شرح أحد الأساتذة؛ فاستنادىه على الفور وقابلهما معا، وكانت النتيجة عقوبة قراءة كتاب إضافي مكون من 400 صفحة!".

حصل عام 1961 على دبلوم وراثة الحيوان بامتياز، وكانت المرة الأولى في تاريخ المعهد حتى يحصل طالب على هذا التقدير.. ثم بدأ العمل للدكتوراة مع أستاذه "آلان روبرتسون"، وعنه يقول مستجير: "ذلك الرجل الذي سافرت كي أتتلمذ على يديه، أصبح عندي بعد حتى عهدته المثال الحق لرجل الفهم! تواضعا وحبا للخير، كان أذكى من قابلت في حياتي".

ولا ينسى مستجير يوم حتى مضى إلى سكرتيرة المعهد لتخط له رسالة الدكتوراة، فاعتذرت عن كتابتها لأن بها جزءًا كبيرًا من المعادلات الجبرية، فخرج حزينا، وعلى باب مخطها قابله روبرتسون، ولما عهد سبب حزنه أبلغه أنه سيجعل زوجته تخط رسالته، ونظرًا لهذه العلاقة الراقية التي نشأت بين أستاذ وتلميذه فبعد حصوله على الدكتوراة عام 1963 وعودته إلى وطنه لم تنبتر صلته بأستاذه، "بعد عودتي من أدنبرة كنت أتلقى منه في جميع عيد بطاقة تهنئة بخطه الجميل، إلى حتى توفي في أغسطس 1990".

القرية الصغيرة الظالمة!!

مبارك يكرم مستجير

حين كان يتابع نشرة الأخبار، ويسمع كيف من الممكن أن أصبح العالم قرية صغيرة، كان يصرخ –بحسه الشاعري- ما أظلمها من قرية تلك التي تدع أطفالا تحولوا بعمل الجوع إلى هياكل عظمية؛ ولذا كان الأمل الذي يرفرف بين ضلوعه حتى يقوم الفهم بدوره الحقيقي في إنقاذ أرواح ملايين البشر، وتوفير الغذاء لمن يموتون جوعا، فحشد جهوده في تطوير مفهوم الزراعة واستنباط أنواع جديدة من المحاصيل والإنتاج الحيواني فأسس مركز علوم الوراثة وأصبح رائد فهم الهندسة الوراثية في مصر والعالم العربي.

يردد مستجير دائمًا: "في عالمنا الآن أطفال يولدون للشقاء، لليل طويل بلا نهاية! في جعبة الفهم الكثير الكثير، في جعبته طعام وبسمة لكل فم".

يرى حتى البيوتكنولوجيا تستطيع إسعاد الفقراء، فهي تتضمن زراعة الأنسجة ودمج الخلايا والهندسة الوراثية - وباستخدامها يمكن إنتاج نبات مقاوم للأمراض أومقاوم للملوحة أومتميز بمحصول وفير، والبشر يعتمدون في غذائهم على القمح والأرز، من هنا بدأ د. مستجير في استنباط سلالات من القمح والأرز تتحمل الملوحة والجفاف يقول مستجير: "إننا نتبنى حاليا التكنولوجيات التي تصلح لحل مشاكلنا الخاصة ببلادنا، فلوعهدنا الاستغلال الأمثل لمياه البحر في الري، لتمكننا من إنتاج أصناف من المحاصيل الزراعية التي تتحمل الملوحة والجفاف".

وتبرز أهمية هذه التجربة بعد قيام الشركات الأمريكية بإنتاج بذور عقيمة صالحة للإنتاج، ولكن لا تصلح للاستنبات مرة أخرى، وهوما يحرم الفلاح من حقه الأزلي في الاحتفاظ بكمية من البذور لغرسها في الموسم القادم، ويجعل أمريكا تتحكم في المستقبل الغذائي للبشرية، وقد أطلق مستجير على هذه البذور "بذور الشيطان" محذرا من خطرها على زراعتنا واقتصادنا.. ولمستجير تاريخ حافل سواء في مسيرته الفهمية أومؤلفاته أوالجوائز التي حصل عليها.

مستجير.. شاعرًا مجيدًا

كان أحمد محمود أعز أصدقاء مستجير صديقا للشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، تزاملا بمدرسة الزقازيق الثانوية، وكانت قصيدة "الملك لك" لصلاح عبد الصبور هي أول قصيدة من الشعر الحر يقرؤها مستجير، بعدها أحبهما (الشعر الحر وصلاح عبد الصبور). وخط مستجير أول مرة في حياته قصيدة من الشعر الحر بعنوان "غدا نلتقي"، وطلب من صديقه أحمد حتى يصطحبه ليقرأها أمام صلاح.

قرأ مستجير القصيدة في خجل متخوفا حتىقد يكون قد أصاب عبد الصبور بالملل، أما الشاعر فقد ظل صامتا إلى حتى وصل مستجير لقوله "... فأصل المياه بكاء المحبين منذ القدم"، هنا نظر عبد الصبور إلى صديقه ونطق: "محرر هذه القصيدة شاعر" يومها طار مستجير فرحا، وبدأ يخط الشعر وقد أصدر ديوانين هما: "عزف ناي قديم"، و"هل ترجع أسراب البط؟" (اقرأ قصيدته غدًا نلتقي).

ومن أبرز جهوده الأدبية كتاباته في عروض الشعر، وضع في إحداها نظرية فهمية رياضية لدراسة عروض الشعر العربي وإيقاعاته الموسيقية أودعها في كتابه "مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي"، قدم فيها رؤية مختلفة في موسيقى الشعر، من شأنها حتى تبسط أمره لكل من يود معهدته، عوضًا عن الكيفية التقليدية التي تعتمد على التفعيلات والتي تقوم على الذوق أساسًا.

قصــــــائده

زهرة العمر سقطت زهرة كلٌّ يجدِّف في زورقه هل ترجع أسراب البط وأخفت مقلتي بحراً وجهك والقمر

دواوين الشاعر

ديوان هل ترجع أسراب البط

زوجتي.. عميدة حياتي

يقول الدكتور أحمد مستجير: لحسن حظي حتى زوجتي امرأة عظيمة تعهد كيف من الممكن أن تدفعني للأمام، رغم أنها أوربية التقيت بها أثناء دراستي هناك وتزوجتها عام 1965، فإنها لم تتردد لحظة في هجر بلادها من أجلي، إذا من أسرار نجاحي وجود مثل هذه الزوجة في حياتي، فإذا كانت عمادتي لكلية الزراعة استمرتتسعة سنوات فإن زوجتي عميدة حياتي لأكثر من 35 عاما.

لدى مستجير ثلاثة أبناء: طارق مهندس يعمل في الكمبيوتر والبرمجة، وسلمى معها ماجستير في اللغة الألمانية، ومروة تعمل في البيولوجيا الجزئية، وقد اكتشفت مع فريق الباحثين معها في فيينا أحد الجينات الوراثية التي تزيد من احتمال إصابة الإنسان بسرطان القولون والرئة.. فهل تكون مروة وريثة أبيها في كنزه الفهمي،يا ترى؟ هذا ما قد تثبته الأيام.