التنصير فى جنوب السودان

عودة للموسوعة

التنصير فى جنوب السودان


التنصير في جنوب السودان



قد يظهر غريباً حتى نفهم حتى جنوب السودان الذي يمثل الآن قاعدة صليبية حيوية لفرض النصرانية ومنع انتشار الإسلام في أعماق أفريقيا هونفسه جنوب السودان الذي دخله الإسلام قبل النصرانية بعدة قرون، بل إذا مملكة الفونج الإسلامية (السلطنة الزرقاء1500م ـ 1821م) كانت من أصول جنوبية، كما حتى قبائل الجنوب كانت أكثر تجاوباً مع حركة المهدي الإسلامية (1885م ـ 1898م)؛ إذ أخذت بعض القبائل بتقليد لباسها وأعلامها وصيحاتها في الحرب بصورة عفوية، وهاجرت إليه قبائل أخرى لمبايعته طوعاً؛ في حين حتى تلك القبائل قابلت الإرساليات التنصيرية الأولى بتوجس ونفور شديدين؛ إذ لم تفلح تلك الإرساليات منذ مقدمها عام 1846م ولمدة خمسة عشر عاماً في تنصير فرد واحد مع أنها فقدت في سبيل ذلك أكثر من أربعين مُنصِّراً، وقد خط القس (رفيجوأنطوني ماريا) عام 1901م قائلاً: حينما بدأ مع الأب تابي العمل وسط الشلك: «لمقد يكونوا يريدوننا وسطهم، كانوا يكرهوننا، وحاولوا مرتين حتى يقتلونا».


المؤامرة رؤية تاريخية

غير حتى هذه الغرابة ستتبدد تماماً حينما ندرك مقدار المؤامرة والمكر الكبير الذي أعاد تشكيل ذلك الإقليم، وأعده للعب دور فعال ومؤثر في صياغة هوية جميع السودان، وفي تكوين حائط ضد التوجهات العربية الإسلامية.

لم تحظ مجاهل السودان الجنوبية البعيدة باهتمام معتبر من قِبَل الممالك النصرانية القديمة (كممالك النوبة ونبتة وكوش)، ولا من الممالك الإسلامية (كمملكة الفور والفونج) فيما قبل القرن التاسع عشر، كما انشغلت حركة المهدي بالتوسع واستقرار الدولة في الشمال عن الزحف باتجاه الجنوب الذي كان يعيش في حالة أقرب إلى الفوضى وانعدام السلطان، وباستثناء التوافد التجاري لبعض الأوروبيين فإن إرساليات التنصير لم تبدأ بصورة جدية إلا بعد إنشاء دائرة أفريقيا الوسطى بأمر من البابا جريجوري السادس عشر عام 1846م، في محاولة لاستباق البروتستانت والتجار المسلمين إلى المنطقة، ثم توالت بعد ذلك الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية والإنجليكانية والأميركية وغيرها في سباق شره ومحموم للاستحواذ على تلك الأنطقيم.


البيئة الجغرافية

تميزت مناطق الجنوب ببيئة جغرافية ومناخية قاسية تسببت في هلاك عشرات القساوسة والمنصرين مما ألهب حمية الآخرين، وأكسب القضية بعداً جديداً لتحفيز العمل الصليبي وليس تثبيطه. لقد أخذ المنصِّر الإيطالي الشهير (دانيال كمبوني) العهد على نفسه وهويشهد احتضار أحد القساوسة بأن ينذر حياته لتنصير أفريقيا أوالموت على درب من سبقوه. وبدأ القس (ليوللن قوبي) تأسيسه للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية بشعار «إعادة نصب راية المسيح التي سقطت» ويقول: «إن على الكنيسة ألا تخلد إلى الراحة حتى تستعيد ما كان لها مرة أخرى»، إذا دوائر التنصير تتحدث عن إقليم الجنوب السوداني كما لوأنه ملك لهم وحدهم لا يسع أحداً حتى يزاحمهم فيه رغم حتى تلك الكنائس لم تقدم لأهل الجنوب طوال قرن ونصف ما يصلح حتى تنبني عليه حضارة. إذا تلك المقاطعات الآن هي أكثر مناطق السودان جهلاً وتخلفاً وبدائية مع حتى تلك الكنائس كانت تستأثر بالسلطة والدعم الحكومي والإمداد الأجنبي لفترات طويلة كانت كافية لإحداث تغيير كبير إذا أريد له ذلك!


الخطر الإسلامى

إن الضغينة والحنق على الإسلام والرغبة العنيفة لإقصائه هي أبرز أهداف تلك الحملة الصليبية على المنطقة، إنها تدرك أنه لونفذ الإسلام إلى هناك فإن ذلك منادىة لانتشاره في تام القرن الأفريقي ومنابع النيل ومنطقة البحيرات، وهي مناطق استراتيجية مهمة ومفصل حركة القارة، وهذه ميادين لا مساومة فيها؛ ومن ثم سعت الكنيسة إلى نفي جميع أثر يتعلق به من الجنوب، لقد خط (اللورد كتشنر) عام 1892م قائلاً: «ليس من شك في حتى الدين الإسلامي يلقى ترحيباً حاراً من أهالي هذه البلاد، فإذا لم تقبض القوى النصرانية على ناصية الأمر في أفريقيا فأعتقد حتى العرب سيخطون هذه المستوى، وسيصبح لهم مركز في وسط القارة يستطيعون منه طرد كافة التأثيرات الحضارية إلى الساحل، وستقع البلاد في هذه العبودية». ويشرح القس (أرشيد كون شو) الأمر فيقول عام 1909م: «إن لم يتم تغيير هذه القبائل السوداء في السنوات القليلة القادمة فإنهم سيصيرون محمديين؛ إذْ هذه المنطقة منطقة استراتيجية لأغراض التبشير، إنها تمتد في منطقة شرق أفريقيا في منتصف الطريق بين القاهرة والكاب». ثم يقول: «إن كانت الكنيسة في حاجة إلى مكان لإيوائها فهوهنا لصد انتشار الإسلام، والقضاء على تعاليم النبي الزائف». ونحن نقول: وهوتماماً ما تمت التوصية به في المؤتمر الإرسالي العالمي بأدنبرة عام 1910م: «إن أول ما يحتاج العمل إذا كانت أفريقيا ستكسب لمصلحة المسيح حتى نقذف بقوة تنصيرية قوية في قلب أفريقيا لمنع تقدّم الإسلام».


نظرة في التاريخ

إن مجمل السياسات المصيرية في الفترة التي حكم الإنجليز فيها السودان بالانتداب بمواطئة من محمد علي باشا والي مصر آنذاك وهي تمتد من 1821م حتى 1885م، كانت تصنع في الكنيسة؛ إذ إنها تملك الحضور الفاعل في الميدان، وتملك المعلومات الاستخباراتية من شبكات كنائسها المنتشرة في جميع النواحي، وتملك أدوات التأثير والضغط على الإدارة الحكومية، وتملك كذلك التمويل اللازم لتطبيق سياساتها؛ ولذا كانت توجهات الإدارة الاستعمارية تسير باتجاه فصل الجنوب؛ يتحدث عن ذلك السكرتير الإداري (ماكمايكل) فيقول: «إنه من المعلوم حتى تلجأ البعوث النصرانية خوفاً من التغلغل الإسلامي المتزايد إلى استخدام نفوذها في اتجاه فصل الجنوب»، وعلى إثر ذلك صدرت سياسة الجنوب والمناطق المقفولة في عام 1922م، كما كانت المؤسسات الإدارية الشمالية تقام بمعزل عن رصيفاتها الجنوبية، وعملت الكنائس على إيجاد أبعاد أخرى لمسوغات الانفصال بعد تحويل ديانة الجنوب إلى النصرانية كتعميق العنصرية، وإثارة الضغائن ضد المسلمين من أهل الشمال، وتقوية اللهجات المحلية مع جعل الإنجليزية هي لغة التواصل والثقافة. غير حتى الإدارة الاستعمارية لأمر ما قد عدلت -آخر أمرها- عن فصل الجنوب، فأصدر السكرتير الإداري (جيمس روبرتسون) في ديسمبر عام 1946م أمراً بإلغاء سياسة الجنوب، وأقام مؤتمر جوبا عام 1947م -الذي جمع فيه الشماليين والجنوبيين ليختاروا خيار الوحدة، وكان هذا فخ أسقط الإنجليز فيه المسلمين في هذا البلد حيث كان مؤتمر جوبا هذا اعترافاً بأن البلد فيها شعبان مختلفان ويراد توحيدهما- ليحمل بعد ذلك توصياته للحاكم العام بأن الجنوبيين يفضلون الوحدة مع الشمال، ولم تكن مطالب الحركات الجنوبية أيام الاستقلال تتعدى الحكم الذاتي، وبعض المشاركة في الحكومة المركزية.


قضية إنفصال الجنوب والدعم الكنسي الصليبي

ومهما يكن من أمر فإن قضية انفصال الجنوب قضية معقدة لا يخلوأي خيار فيها من خسائر؛ لكن اليقين الوحيد هوحتى القوى الصليبية لا تدعم وحدة تحت راية إسلامية ولا وحدة تمكن الإسلام من التغلغل في الجنوب. أما حينقد يكون الانفصال فإن تلك القوى ستضغط باتجاه كسب حدود أوسع كثيراً بصورة تكفي لتحويل ميزان الموارد الاستراتيجية كـ (النفظ والثروة الحيوانية والمراعي) لصالح الجنوب، ثم تقوم هي بباقي مهام بناء إمبراطورية صليبية هناك.

من خلال الأرضية المتينة التي توفرها الهيئات الكنسية والصليبية للحركات الجنوبية تمكنت ـ عبرها ـ من عرقلة أي محاولة لإقامة دستور إسلامي أوتطبيق الشريعة الإسلامية، ورغم حتى جميع الأحزاب السودانية الكبيرة لا تستصحب أي نية جادة في تطبيق حقيقي للشريعة الإسلامية، كما أنها تلتزم باستثناء المديريات الجنوبية منها. إلا حتى مجرد إدراج عبارات فضفاضة بإسلامية الدستور أوالشريعة يعد سبباً كافياً لإثارة حملة شعواء ضدها وضد جميع من يتبناها؛ فقد اعترضت المجموعات الجنوبية على النص بأن الإسلام دين الدولة والعربية لغتها في محاولة عام 1957م لكتابة الدستور. وحينما تكونت اللجنة القومية للدستور في إبريل/ نيسان عام 1967م خطت الأحزاب الجنوبية مذكرة حذرت فيها اللجنة من خطورة أي توجه نحوتضمين مواد إسلامية في الدستور، ومن داخل الجمعية التأسيسية في يناير/ كانون الثاني 1968م اعترض الجنوبيون على المواد المتعلقة بالإسلام، ونطق عنها العضو(وليم دينج): «إنها الجزء المتعفن الذي يجب إزالته حتى لا تتعفن به البقية». لقد كانت حركة التمرد (الحركة الشعبية) تتمسك بصلابة في كافة مفاوضاتها مع أحزاب الحكومات الانتنطقية والمنتخبة بإلغاء قوانين الشريعة التي أعرب عن تطبيقها جعفر محمد نميري في سبتمبر/ أيلول 1983م. والعجيب حتى حركات التمرد الجنوبية ومن ورائها المنظمات التنصيرية ترغب حتى تفرض رؤيتها الدينية على الشمال والجنوب في الوقت الذي ترفض بشدة حتى يطبق الشمال رؤيته حتى في داخل حدوده الشمالية وحدها إذا كان خياره الإسلام!!


الحركات التنصيرية

لقد كانت الحركة التنصيرية تستهدف تنصير جميع السودان ابتداءً من الوثنيين والذين لا عقيدة لهم من أهل الجنوب والنوبة وحتى تنصير المسلمين في شتى أنحاء السودان. اتى في خطط أعمال مؤتمر (كولورادو) عام 1978م: «لقد أوقفنا انتشار الإسلام في جنوب ووسط أفريقيا، وما نحتاج إليه هوالعمل لإيجاد منافذ إلى داخل الإسلام»، لقد عملت الكنائس بجد على إيجاد مراكز لها في الشمال رغم حتى القوانين الحكومية كانت تمنع أي إرساليات تنصيرية شمال خط عرض 10، وحتى الحكومة الإنجليزية نفسها لا تسمح لتلك الإرساليات بالعمل في الشمال إلا من خلال المدارس والمعاهد التعليمية؛ إلا حتى الكنيسة أفلحت في تكسير تلك الحواجز ومد سلطانها إلى أبعد ما تبلغه ركابها. إذا من المدهش حتى نفهم حتى نتاج هذا الجهد هوفقط 5% من مجموع ثلاثين مليون نسمة؛ بينما المسلمون 70%، وأصحاب المعتقدات المحلية 25% كما قدرته منشورة (CIA The world Fact back) وسوى مثل هذه التخمينات؛ فليس ثمة أي إحصائيات موثوقة لظروف الحرب والنزوح. أما الذي حققته الكنيسة في هذا المضمار فهوإيجاد صفوة جنوبية ذات ثقافة غربية حانقة على الإسلام بدرجة أكبر من حنق الكنيسة ذاتها. يقول المحرر الإنجليزي (ساندرسون): “تحاول الكنيسة السودانية حتى تستند إلى مقاومة الإسلام مقاومة إيجابية؛ أما المقاومة السلبية فهي عند الصفوة الجنوبية من خريجي مدارس الإرساليات تمثل واجباً دينياً مسيحياً”. هذه الصفوة هي التي يراد لها حتى تقود جموع الجنوبيين وتسيِّر حركتهم الاجتماعية والسياسية إلى حيث تريدهم القوى الصليبية؛ ففي بوادر حركة الإرساليات النصرانية صرح القس (دانيال كمبوني) بهذه الاستراتيجية قائلاً: “سيتم توفير التعليم العالي للعناصر الأكثر كفاءة، والمأمول حتى يتسلموا منطقيد القيادة في بلادهم” ، وهذا عين ما يحدث الآن. لقد استطاعت الكنيسة أيضاً حتى تحدث شرخاً غائراً في وجدان الإنسان الجنوبي تجاه الإسلام والعروبة، وكل من يتبناها بشكل يمكن استغلاله دائماً في إثارة القلاقل وصناعة حركات تمرد جديدة. إذا الكنيسة تعمل بجهد لكسب ولاء الجنوبيين لصالحها، وتنصِّب نفسها حارساً لمصالحهم، ومدافعاً مخلصاً عن حقوقهم ضد ما تسميه باضطهاد الدولة والهوس الإسلامي والاستعمار الشمالي.

إن المحصلة النهائية التي تسعى لها الصليبية في السودان هي طمس جميع معالم الإسلام والعربية على مستوى التشريع والدولة، ومستوى الهيئات والمؤسسات الاجتماعية، ومستوى قطاعات الشعب والأفراد، إنها تطمح عملاً لـ«سودان جديد»، فقد اتى في ورقة عمل قدمها مجلس الكنائس السوداني ضمن اجتماع مجلس عموم كنائس أفريقيا في لومي عام 1987م بعنوان (إنقاذ السودان): “المناداة بضرورة إيجاد السودان الجديد الخالي من السيطرة العربية”، ثم طالبت الورقة بدعم مجلس الكنائس الأفريقي والعالمي لإيجاده. هذا السودان الجديد هومطلب الحركة الشعبية لتحرير السودان الذي تردده دائماً في بياناتها الرسمية.


المدارس الإرسالية

لقد دُجّن الطلاب الجنوبيون باعتبارهم مسيحيين في المدارس الإرسالية التي كانت وحدها في الساحة، وكانت المسيحية تُمَثَّل بأنها ديانة متفوقة، ولم يكن من الصعب بناء أحقاد جنوبية ضد الشمال في مدارس الجنوب التي كانت تدرّس في تاريخها دوْر العرب في شراء وبيع الأفارقة كرقيق ؛ وهذه شهادة الوزير السابق وأحد قادة التمرد السياسيين (بونا ملوال)، وهونفس ما أكدته لجان التحقيق في اضطرابات أغسطس 1955م التي كانت بداية التمرد المسلح.


تجارة الرقيق

لقد عملت الكنيسة -بخبث- على ربط الإسلام بتجارة الرق؛ في حين حتى التجار الغربيين هم أصحاب هذه التجارة ، وعملت على إذكاء نار التفريق العنصري وإلصاقه بالإسلام؛ بينما لا تتحدث مطلقاً عما في كتابهم -المحرف- (الكتاب المقدس - الإصحاح التاسع): عن حام جد الأفارقة حيث يقول: “فلما استيقظ نوح من خمرة فهم به ابنه الصغير فنطق: عبد العبيدقد يكون لإخوته، ونطق: مبارك إله سام، وليكن كنعان عبداً لهم”. لقد صورت الكنيسة الدعوة إلى الإسلام على أنها حرب عنصرية ضد الجنوبيين، وأنه لا مناص من الانضمام إلى صف الكنيسة من أجل بقائهم، وأن جميع جنوبي هوبالضرورة مضطهد من المستعمرين الشماليين الذين تعمل الكنيسة على محاربتهم من أجله. إلى غير ذلك استطاعت الكنيسة حتى تضمن تشبث تلك المجموعات بها بنفس القدر الذي تضمن به شحنها ضد أي نشاط دعوي يمكن حتى يبذله المسلمون.


الجذور التاريخية لمشكلة أبيي في السودان وتطورها

لقد احتدم الصراع بين شريكي الحكم في السودان (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية )، حول منطقة أبيي الغنية بالنفط إلى حتى وصل أضابير هيئة التحكيم الدولية بلاهاي.


فما هي الجذور التاريخية لمشكلة أبيي،يا ترى؟ وماهي الأسباب التي أدت إلى تفاقمها إلى هذا الحد،يا ترى؟ وما هوالعلاج السليم؟وقبل الإجابة على هذه التساؤلات نعطي نبذة مختصرة عن هذه المنطقة، وذلك مما يكشف الأسباب التي تجعل لبعض المناطق أهمية.


خارطة أبيي:


تقع منطقة أبيي بين كردفان ومنطقة بحر الغزال، ضمن حزام السافنا الغنية بالنباتات والأراضي الخصبة والمياه الغزيرة، فالأمطار في منطقة أبيي تستمر ثمانية أشهر خلال العام، وتتخلل المنطقة الكثير من الأودية الكبيرة ذات السهول الواسعة؛ والتي فيها القابلية لإنتاج المحــــــاصــــــيل الزراعية بمختلف أنواعها، وإن نباتات نادرة من مثل الزنجبيل والحرجل والغرنجال والشيح وغيرها تنبت بكثرة في أودية أبيي.


وتمتاز أبيي بمناخ معتدل طوال العام. أما في باطن الأرض فقد ذكرت التقارير حتى حوالى 70% من بترول السودان في منطقة أبيي وما حولها، هذا غير الثروات الأخرى التي لم تكتشف بعد.

الوجود القبلي في منطقة أبيي:

وضعية أبيي جعلت الناس يقصدونها من جميع حدب وصوب، وبالأخص الرعاة والمزارعين، فقد وفد إليها قبيلة الداجو، هرباً من سلاطين دارفور بعد حتى انهار سلطانهم الذي استمر حتى القرن الخامس عشر الميلادي. وهاجر إليها قبائل المسيرية، ضمن هجرتهم إلى منطقة غرب كردفان من مملكة (ودّاي) (دولة تشاد حالياً)، ويعتبرون أنفسهم أقدم من هاجر إلى المنطقة، ويستندون على مخطوطة (الفكي النور موسى) المؤرخة عام 1110هـ؛ أي 1700م، نطق هندرسون في كتابه «مذكرات هجرة المسيرية إلى جنوب غرب كردفان» [المجلد 22]: «إن النور موسى هوأقدم إنسان يؤرخ للمسيرية من مملكة وداي إلى وطنهم الجديد (أبيي)».


وهاجر إلى منطقة أبيي كذلك (دينكا أنقوك)؛ الطرف الثاني في النزاع حول المنطقة مع المسيربة، وهم- أي الدينكا- كذلك يعتبرون أنفسهم الأحق بالمنطقة، أما تاريخ دخولهم إليها فيصعب تحديده، نطق (بي بي هاول) في كتابه «مذكرات عن دينكا نقوك بغرب كردفان» [المجلد 30] الذي نشر مقتطفات منه عام 1951م: «يصعب تحديد الوقت الذي بدأت فيه هجرة دينكا نقوك» ونطق: «يتعذر تقديم تاريخ دقيق لهذا الحدث». وغاية ما يستند إليه اليوم مرجعاً لهجرة دينكا نقوك إلى أبيي هوعام 1904 -1905م كما اتى في تقرير استخبارات السودان رقم 128 بتاريخ مارس1905 م بأن السلطان (أروب) قرر سنة 1904 م حتى يتبع لمديرية كردفان وليس بحر الغزال، إلا حتى هذا التاريخ لا يشير بشكل بتري على حتى الدينكا قبل ذلك لم يكن لهم وجود، فهوانضمام إداري.


فبغض النظر عن من الذي اتى لمنطقة أبيي أولاً، فإن المنطقة شهدت تعايشاً منبتر النظير بين القبائل المتنوعة؛ خاصة بين القبيلتين الكبيرتين في المنطقة (المسيرية ودينكا انقوك) إثر ميثاق التعايش الذي وُقّع بين الناظر (علي الجلة) من جانب المسيرية والسلطان (أروب) من جانب دينكا نقوك. وقد كان لميثاق الإخاء هذا دور كبير في تطور العلاقة والمودة السائدة لفترة طويلة بين القبيلتين، فكان هناك احترام متبادل من قبل الطرفين لهذا الميثاق ما أوجد انصهاراً واندماجاً ومودة بينهما، وكان يشهد بها الأعداء قبل الأصدقاء، فقد أثنى المفتش الإنجليزي على هذه المودة في تقريره سنة 1920م _ 1921م وكذلك مدير مديرية بحر الغزال أشاد بهذه العلاقة في خطابه بتاريخ 21/7/1927م وأوصى بأن يستمر دينكا نقوك في مجلس ريفي المسيرية نتيجة لعلاقتهم الجيدة. هذه نظرة بسيطة عن منطقة أبيي وما كان عليه السكان من تعايش بمختلف قبائلهم.


جذور المشكلة:

يمكننا القول إذا جذور المشكلة ترجع إلى عهد الاستعمار الإنجليزي للسودان، فقد قامت الإدارة البريطانية في أواخر الثلاثينات بإجراء استفتاء لدينكا نقوك بزعامة (كوال أروب) وأعطته الخيار إذا كان يريد الانضمام إلى الجنوب أوالاستمرار في الشمال وأن يبقى تابعاً لمجلس ريفي المسيرية، وقد قامت الإدارة البريطانية بحشد عدد كبير من سلاطين الدينكا بعد حتى عقدت معهم سلسلة من الاجتماعات السرية، وطلبت منهم إقناع (كوال أروب) بخيار الانضمام إلى بحر الغزال والتخلي عن الشمال.

تكررت محاولات الإدارة البريطانية وبذلت مجهوداً كبيراً لإقناع زعماء دينكا نقوك بالتخلي عن الشمال والانضمام إلى الجنوب، ولكن محاولاتها فشلت. وفي عام 1943م توفي السلطان كوال أروب وخلفه ابنه السلطان (دينق مجوك)، وأثناء الاستعداد لمؤتمر جوبا عام 1943م، التقى مفتش المركز البريطاني بالسلطان (دينق مجوك) وطلب منه التخلي عن التبعية لكردفان لقاء امتيازات ومخصصات كبيرة بضمانات من الإدارة البريطانية في الانضمام لبحر الغزال، إلا حتى السلطان (دينق مجوك) أيضاً رفض هذا العرض وقرر البقاء في الشمال.

استمرت الإدارة البريطانية في مجهوداتها وقامت بعدد كبير من المحاولات وأجرت استفتاءات في السنوات (1950م و1951م و1953م و1954م و1955م)، إلا حتى هذه المحاولات والمجهودات لم تفلح في ثني زعماء وسلاطين دينكا نقوك عن موقفهم والوفاء لميثاق الإخاء الذي أبرمه جدهم (كوال أروب) مع المسيرية، وانتهت المحاولات بخروج الاستعمار البريطاني عام 1956م.

والراجح حتى الإنجليز لمقد يكونوا حريصين في ذلك الوقت على ضم منطقة أبيي لبحر الغزال أوبقائها في كردفان بقدر ما كان قصدهم إيجاد حالة من القطيعة بين أهل الوطن الواحد وإشعار كلا الطرفين أنه غير الآخر، مما يوجد حالة من الاضطراب والضغائن يمكن استغلالها في الوقت المناسب، والإنجليز مشهورون بمثل هذه الأساليب الخبيثة.

كان من المفترض أنه بخروج الاستعمار الإنجليزي حتى تستقر الأمور، وأن يظل أهل البلد الواحد كما هم يتعايشون، ولكن كما هومعروف عن الاستعمار فهويحرص حتى تنفذ مشاريعه بأيدي أهل البلد أنفسهم، حتى تأخذ الشرعية، وحتى لا يرمون باللوم على أحد، وذلك عن طريق العملاء من الحكام والسياسيين، وكان أول من فتح ملف أبيي من ما يسمى بالحكومات الوطنية هي حكومة مايو(عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري)، ففي اتفاقية أديس أبابا عام 1972م ورد في المادة ثلاثة بند ثلاثة تعريف المديريات الجنوبية الثلاث بحدودها لسنة 1956م، لقد ذكر هذا النص بأن «أبيي ومناطق أخرى مجاورة ثقافياً وجغرافياً تعتبر من المجتمع الجنوبي، ويتم تحديد موقفها بواسطة استفتاء»، وهونفس الخط الذي كان يسير عليه الإنجليز كما ذكر هذا الإعلان من قبل حكومة مايومما دفع المسيرية للقيام بتحرك واسع احتجاجاً عليه وإعلان رفضهم له ومطالبتهم حكومة مايوبتعديله، بينما فسر دينكا نقوك بأن النص الوارد في البند ثلاثة كان لصالحهم، وأن الاستفتاء يضم منطقة أبيي.

وتمت بعض المراحل العملية من قبل حكومة مايوفي هذا الاتجاه، أهمها تعيين (جاستن أقوير) بدرجة نائب محافظ مسؤولاً جنوبياً عن أبيي الذي أغضب المسيرية ودفعهم لشن هجوم واسع عل منطقة أبيي، مما أجبر حكومة مايوعلى إلغاء تعيين (أقوير) ورجوع المنطقة لوضعها السابق.

وفي عام 1980م قامت مجموعة قليلة من أبناء دينكا نقوك) من المثقفين بتقديم اقتراح لبرلمان حكومة مايو، طالبوا فيه إصدار قرار بإجراء استفتاء على أبيي وقد فاز الاقتراح، إلا حتى زعماء وسلاطين الدينكا قاموا بإرسال برقية عاجلة بتاريخ 08/12/1980م نطقوا فيها: «نحن نرفض بشدة أصوات اولئك المعزولين عن أهلهم ولم يتمكنوا حتى يدّعوا بحق أنهم يتحدثون بالنيابة عنا، وفيما يتعلق بموضوع الحدود فإننا جزء لا ينفصل عن إقليم كردفان».

ثم هدأت الأمور إلى حتى اتىت حكومة الإنقاذ عام 1989م، وكان أول موقف رسمي لها بخصوص أبيي في اتفاقية الخرطوم للسلام سنة 1997م. وفي فبراير عام 2000م وضعت حكومة الإنقاذ جدول أعمال لحل معضلة أبيي كجزء من تطبيق اتفاقية الخرطوم للسلام تحت البنود 2/1 و2/3 و2/4 أقرت حكومة الإنقاذ بالآتي:


1*/ إذا أبيي موطن المسيرية ودينكا نقوك، وهي ليست جزءاً من الجنوب.


2*/ إذا أبيي منطقة تعدد عرقي وثقافي، وهي واحدة من المناطق الأقل نمواً في البلاد، وأن أبيي لها مشاكلها الخاصة بها، وأن حكومة السودان مستعدة لمناقشة هذه المشاكل حسبماقد يكون ملائماً.


3*/ تناقش مشاكل أبيي بحضور جميع من لهم حق فيها.


4*/ تقترح حكومة السودان عقد مؤتمر جامع حول أبيي لمناقشة مشاكل المنطقة، والخروج بحلول وافية.


ثم تطورت قضية أبيي في عهد الإنقاذ عندما شرعت أميركا في تسوية قضية جنوب السودان بشكل جدي عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م. وأثارت قضية أبيي صراعاً حاداً بين الحكومة وحركة التمرد، وأصبح ملفها يرحّل من جولة إلى أخرى إلى حتى تدخل القس (جون دانفورث) المبعوث الأميركي آنذاك وطرح رؤية للحل سُميت بالورقة الأميركية، وذلك في مارس 2004م، وهدد دانفورث الطرفين قائلاً: «إن الإدارة الأميركية تحمّل المسؤولية طالما انهيار المفاوضات لأي طرف يعوق مسيرة السلام». فأصبحت الورقة الأميركية بعد ذلك جزءاً من اتفاقية نيفاشا.

وأخطر ما فيها تثبيت مبدأ الاستفتاء الذي حُدد له عام 2011م تزامناً مع استفتاء الجنوب.

ومن الأمور الخطيرة في ورقة دانفورث كذلك عدم تحديد حدود منطقة أبيي التيقد يكون الاستفتاء حولها، وتُرك ذلك للجنة الخبراء التي كونت من (15) عضواً (5) من الحكومة، و(5) من الحركة، ورئيس اللجنة هوسفير أميركي سابق بالسودان ومسماه (دونالد بيترسون)، ونائبه من جنوب أفريقيا وثلاثة أعضاء من دول الإيقاد.

حملت اللجنة تقريرها. ومما اتى فيه أنها فشلت في ترسيم حدود أبيي وفق حدود 1956م، إلا أنها بالرغم من ذلك قامت بترسيم حدود جديدة تمتد شمال بحر العرب؛ وهونهر محاذي لمنطقة أبيي من الناحية الجنوبية تمتد شماله حوالى (100) حدث. رفضت الحكومة هذا التقرير واعتبرته تغولاً على أراضي الشمال بينما أيدته الحركة الشعبية. وعلى إثر ذلك نشأت اشتباكات عنيفة بين المسيرية والدينكا في ديسمبر 2007م واشتدت في 13/5/2008م حيث اغتال العشرات ونزح حوالى 50 ألف حتى وصفت أبيي من قبل الأمم المتحدة بأنها (مدينة أشباح). وعلى اثر ذلك وفي 8/6/2008م اتفقت الحكومة السودانية وحكومة الجنوب إلى إحالة النزاع حول حدود أبيي، وتقرير لجنة الخبراء إلى هيئة التحكيم الدولية بلاهاي، وقد استمعت هيئة التحكيم إلى الطرفين وشهودهم في الفترة من 18/4 إلى 23/4/2009م على حتى تصدر حكمها خلال ثلاثة أشهر من هذا التاريخ حسبما أفادت التقارير.

تاريخ النشر: 2020-06-04 15:43:40
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

كيف عبرنا النكسة؟

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:17:05
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 88%

البرهان يدعو للتعامل مع قضايا حقوق الإنسان "من دون تسييس"

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:16:32
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 88%

حكم بالسجن لمدة عام.. بنزيما يتخلى عن استئنافه في قضية الابتزاز

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:16:21
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 97%

ألمانيا.. العثور على ضحية خامسة لحادث قطار الألب

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:16:18
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 86%

طريق المطار

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:17:03
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 91%

دوري الأمم الأوروبية.. هزيمة موجعة لإنجلترا في المجر

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:16:20
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 87%

كيف تنجو الأمم من المأزق؟!

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:17:00
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 95%

بوتين: دمرنا عشرات من قطع الأسلحة الأميركية المقدمة لأوكرانيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:16:32
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 97%

إطلاق عملية لنزع السلاح شمالي تشاد بعد اشتباكات دامية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:16:18
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 89%

الأرجنتيني تيفيز يعلن اعتزاله كرة القدم

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:16:20
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 86%

التقاعد النفسي المبكر

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:17:06
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 97%

حول جريمة ابن الوزيرة نبيلة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:17:04
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 94%

خبير مصري يكشف سبب رفض القاهرة للقمح الهندي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:16:15
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 94%

إيران... تنازلات باللون الأحمر

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:17:00
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 93%

الجيش الأميركي: انضمام السويد للناتو إضافة عسكرية نوعية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:16:48
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 87%

بعد أخبار خيانة بيكيه.. شاكيرا تدخل المستشفى

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:17:08
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 86%

فيديو.. الحوثيون يحولون ملعبًا لمعسكر تدريب للأطفال على القتال

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:16:51
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 93%

فيديوهات متداولة للهزة الأرضية التي وقعت في الكويت صباح اليوم

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:16:17
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 90%

تحالف الشعب يدعم ترشح أردوغان للانتخابات الرئاسية القادمة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:16:19
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 96%

إيران وميليشياتها وإسرائيل: حرب مطلوبة لكنها مرهوبة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:17:01
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 86%

اعرف شخصيتك من طريقة نومك

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-04 21:17:08
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 85%

تحميل تطبيق المنصة العربية