بهاء الدين قراقوش
أبوسعيد قراقوش بن عبد الله الأسدي الملقب بهاء الدين ( - 597هـ) كان خادم صلاح الدين الأيوبي وقيل خادم أسد الدين شيركوه، عم صلاح الدين، فأعتقه. ولما استقل صلاح الدين بالديار المصرية جعله زمام القصر، ثم ناب عنه مدة بالديار المصرية، وفوّض أمورها إليه، واعتمد في تدبير أحوالها عليه. وكان رجلاً مسعودًا، حسن المقاصد، جميل النية، وصاحب همة عالية، فآثاره تدل على ذلك، فهوالذى بنى السور المحيط بالقاهرة، ومصر وما بينهما، وبنى قلعة الجبل، وبنى القناطر التي بالجيزة على طريق الأهرام، وعمر بالمقس رباطا، وعلى باب الفتوح بظاهر القاهرة خان سبيل، وله وقف كثير لا يعهد مصرفه.
الاسم
قراقوش: وهولفظ هجري معناه بالعربي العُقاب، الطائر المعروف، وبه سمي الإنسان.
النشأة
أنه فتى رومي خصي أبيض ولد في بلاد آسيا الوسطى وفيها عاش فترة طفولته ثم في ظروف غامضة اتصل بأسد الدين شيركوه عم صلاح الدين، وبعد وفاة شيركوه سنة 564 هـ التحق قراقوش بخدمة صلاح الدين الأيوبي حيث برزت مواهبه منذ أول يوم تولى فيه صلاح الدين الوزارة في مصر وتمثل ذلك في سعي قراقوش مع الفقيه عيسى الهكاري لإقناع معارضي تولية صلاح الدين الوزارة، ثم قيام صلاح الدين بتولية قراقوش إدارة القصر الفاطمي الذي كان مصدر إزعاج لصلاح الدين بسبب ما كان يضمه القصر من حاشية كبيرة زاد نفوذها وأصبحت ذات دور مؤثر في إدارة البلاد ولم تكن راضية على تعيين صلاح الدين في الوزارة وقد استطاع قراقوش إدارة القصر بحنكة واقتدار.
ثم تولي أمور عكا وعمارة سورها لصد هجمات الصليبيين ثم تكليفه ببناء الكثير من القلاع والحصون منها قلعة صلاح الدين بالقاهرة وبناء القناطر الخيرية.
بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي (589 هـ)
عمل في خدمة الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب فكان ينوب عنه حين يسافر خارج القاهرة، وحينما غدر بالعزيز بعض أمراء الأسدية بقي قراقوش الذي كان نائبه في القاهرة مواليا له فعاد العزيز إلى الديار المصرية للقضاء على ذلك التمرد، كما أوكل إليه العزيز مهمات آخر حيث كان يتولى حفظ أموال الزكاة ويتولى النظر في المظالم.
وبعد وفاة الملك العزيز أصبح قراقوش وصيا على ابنه الملك المنصور محمد الذي كان عمره تسع سنين حتى عزل قراقوش من الأتابكية (الوصاية) إلا حتى قراقوش بقي على أهميته حتى وفاته في رجب سنة 597 هـ.
ولما أخذ صلاح الدين مدينة عكا من الفرنج سلمها إليه، ثم لما عادوا واستولوا عليها سقط أسيرًا في أيديهم، وافتك نفسه منهم بعشرة آلاف دينار في سنة (588هـ)، ففرح به السلطان فرحًا شديدًا، وكان له حقوق كثيرة على السطان وعلى الإسلام والمسلمين، واستأذن في المسير إلى دمشق ليحصل مال إقطاعه فأذن له.
الفاشوش في حكم قراقوش
والناس ينسبون إليه أحكاماً عجيبة في ولايته، حتى إذا للأسعد بن مماتي له جزء سماه "الفاشوش في أحكام قراقوش"، وفيه أشياء يبعد وقوع مثلها منه، والظاهر أنها موضوعة، حيث إذا صلاح الدين كان معتمدا عليه في أحوال المملكة، ولولا وثوقه بمعهدته وكفايته ما فوضها إليه، وتوفي بالقاهرة سنة (597هـ).
(الفاشوش في أحكام قراقوش) للأسعد بن مماتي الذي كان معاصرا لقراقوش وكان هذا الكتاب وماتبعه من خط سببا في تشويه سيرة قراقوش، وتطرق المؤلف إلى مسببات تأليف هذا الكتاب الذي لم يؤدي الغرض الذي ذكره ابن مماتي في مقدمته وهوحتى يريح صلاح الدين من قراقوش المسلمين كما يطرح المؤلف عدة تساؤلات حول الكتاب، هل المقصود منه قراقوش أم الدولة الأيوبية بكاملها،يا ترى؟ وهل رأى صلاح الدين هذا الكتاب وإذا كان قد رآه لما لم يذكر المؤرخون موقف صلاح الدين من الكتاب أومن قراقوش المقصود به. ويشير المؤلف إلى الآراء التي تناولت هذا الموضوع كما يسوق معظم الحكايات التي ضمنها ابن مماتي كتابه ويبدي ملحوظاته عليها. كما يتطرق المؤلف إلى من اتخذوا كتاب الفاشوش في أحكام قراقوش مرجعا لهم حين تطرقهم لشخصية قراقوش ويناقش ماطرحوه من آراء متأثرة بكتاب البن مماتي.
انجازاته
لبيان الوجه المشرق الذي أثبته المؤرخون الثقاة لقراقوش فيورد الكثير من النصوص التي وردت في عدد من خط التراجم والتاريخ وعهدت بقراقوش كما استبعدت ماينسب إليه من أحكام ومن أبرز هذه الآراء رأي شمس الدين أحمد بن خلكان الذي أفرد لقراقوش ترجمة خاصة في كتابه وفيات الأعيان تطرق فيها إلى ماينسب لقراقوش من أحكام فنطق: "والناس ينسبون إليه أحكاما عجيبة في ولايته، حتى حتى الأسعد بن مماتي المقدم ذكره له جزء لطيف سماه (الفاشوش، في أحكام قراقوش) وفيه أشياء يبعد وقوع مثلها منه، والظاهر أنها موضوعة، فان صلاح الدين كان معتمداً في أحوال المملكة عليه، ولولا وثوقه بمعهدته وكفايته مافوضـها إليه".
قيل أنه (أي قراقوش) سابق رجلاً بفرس له، فسبقه الرجل بفرسه، فحلف أنه لايُعلفه ثلاثة أيام. فنطق له السابق : "يا مولاي يموت" فنطق له قراقوش : "احلف لي أنك إذا علفته ياهذا لاتفهمه أنني دريت بذلك" قيل وأتوه بغلام له ركبدار (أي صاحب الركاب) وقد قَتَل، فنطق : "اشنقوه". فقيل له : "إنه حدادك، وينعل لك الفرس، فإن شنقته انبترت منه". فنظر قراقوش قبالة بابه لرجل قفاص (أي صانع أقفاص) فنطق : "ليس لنا بهذا القفاص حاجة". فلما أتوه به، نطق : "اشنقوا القفاص، وسيبوا الركبدار الحداد الذي ينعل لنا الفرس". قيل وأتاه شيخ وصبي أمرد، جميع منهما يقول : "يا مولاي داري !" فنطق عند ذلك قراقوش للصبي : "معك كتاب يشهد لك ،يا ترى؟ فالدار ماتكون إلا للشيخ الكبير، ياصبي ادفع له داره، وإذا صرت في عمر هذا الشيخ الكبير دفع لك الدار". وأتوه بغلام، وفي يده ديك. فنطق : "ياهذا إذا هذا الديك لونقر عينك لكان يقلعها، ياغلمان، خذوا منه دية عينه". فحلف الغلام ألا يقعد في مدينةقد يكون حاكمها قراقوش أبدا. حُكي عن قراقوش أنه نشر قميصه، فسقط من على الحبل، فبلغه ذلك، فتصدق بألف درهم، ونطق : "لوكنت لابسه وسقط بي لانكسرت!". وحُكي حتى شخصاً شكا له مماطلة غريمه، فنطق له المدين : "يامولانا، إني رجل فقير، وإذا حصلت شيئا له، لاأجده، فإذا صـرفته اتى وطالبني". فنطق قراقوش : "احبسوا صاحب الحق، حتى يصير المديون إذا حصل شيئاً يجد له موضعاً معلوماً، يدفع له فيه". فنطق صاحب الحق : "هجرت أجري على الله" ومضى.
مصادر
- وفيات الأعيان لابن خلكان.
