قضية الطحان أرنولد
أيمن زغلول |
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع |
قضية الطحان أرنولد Müller-Arnold-Fall نشبت في 1778، في زمن الملك فريدريش الثاني من پروسيا، هي التي برز نتيجة لها مبدأ استقلال القضاء عن السلطة التطبيقية.
مقدمة تاريخية
فى أوروبا العصور الوسطى كانت توجد ثلاثة أنواع من المحاكم. المحاكم الإقطاعية ويقوم بالحكم فيها أصحاب الأراضى الشاسعة التى تقع عليها وقائع القضية، ومحاكم الكنيسة وهي تتعلق بالقضايا التى بها إتصال بأمور الدين والعقيدة وأخيرا المحاكم الملكية التي تحكم في القضايا التى تدور وقائعها على أراضى تابعة مباشرة للملك. ونظرا لقسوة محاكم الكنائس ومحاكم الإقطاع كان المواطنون يحاولون دائما اللجوء إلى محاكم الملك للهروب من مظالم المحاكم الأخرى. وقد ظل هذا الوضع سائدا على أراضى الامبراطورية الرومانية المقدسة التى كانت أراضي ألمانيا التي نعهدها اليوم جزءاً منها حتى قامت ثورة أوروبا الكبرى في 1848.
وقائع القضية
في 1773 ببلدة اودربوخ، أقام الطحان أرنولد طاحونة، تعمل بالطاقة المائية، على أرض يملكها الإقطاعي الكونت شمتاو، على حتى يدفع إيجاراً محدداً لقاء إستغلال أرضه. وبعد فترة قام فون گرسدورف، صاحب بترة أرض مجاورة أعلى النهر بإنشاء بحيرة لتربية أسماك المبروك تتم تغذيتها من مياه النهر مما استهلك الكثير من ماء النهر فجعل سريان النهر إلى الطاحونة يخفت، الأمر الذي أدى إلى تعطل الطاحونة. امتنع الطحان عن سداد إيجار الطاحونة بحجة حتى نقص المياه في النهر قد أثر على كفاءة المطحنة وبالتالى إلى خسارته. فلجا المالك، الكونت شمتاوإلى المحكمة الاقطاعية (التي يترأسها هونفسه)، في 1778، فقضت بوجوب حتى يدفع الطحان الإيجار المستحق ورفض دفاعه القائم على نقص المياه. المحكمة الإقطاعية يعمل فيها أشخاص هم أجراء لدى الإقطاعيين في النهار، ثم ينظرون في قضايا داخل زمام الإقطاع في المساء، مما كان يثير الكثير من اللغط هول نزاهة أحكامهم.
استأنف الطحان الحكم أمام المحكمة الإقليمية والمحكمة العليا في كوسترين Küstrin، ولكنهما أيدتا حكم المحكمة الإقطاعية. ومع امتناع الطحان عن دفع الإيجار، تم تطبيق الحجز الجبرى على المطحنة في عام 1778.
التدخل الملكى وتصاعد الخلاف
تحدى الطحان الحكم فتقدم بشكوى مباشرة للملك فريدرش الأكبر الذى أمر بإعادة درس الأمر وحمل تقرير إليه. وقد اتى التقرير في غير صالح الطحان أرنولد حيث أنه أكد صحة الحكم الصادر بالحجز على المطحنة.
لكن الملك أصدر قراراً ملكياً بوجوب إعادة حق الطحان إليه بدون تأخير.
وقد قام القضاة بتفسير قرار الملك بأنه يعنى حمل دعوى تعويض مدني (تعويض مالي) للطحان عما أصابه من ضرر فقدمت الأوراق للمحكمة التي قامت برفض الدعوى لعدم أحقية الطحان في أى تعويض حيث حتى البحيرة التى أنشأها الجار لا تؤثر على المياه اللازمة للعمل بالمطحنة. وتقدم الطحان باستئناف حديث رفض أيضا بدوره لعدم وقوع ضرر عليه.
وعندها تقدم الطحان من حديث بشكوى للملك ضد قرار المحكمة ذكر فيه أنه لا يتلقى حقوقه لكونه فقيرا وخصما لأمير غني وقوى مما أغضب الملك كثيرا فقام باستنادىء هيئة المحكمة إلى القصر وعنفهم على رفض الإستئناف وعلى إساءة إستخدام إسمه (حيث أنها كانت محكمة الملك هذه المرة) بل ولم يسمح لهم بعرض وجهة نظرهم قائلا: "اخرسوا أيها الكلاب!" بل حتى رئيس موظفى القصر عندما حاول الدفاع عنهم صرخ فيه الملك قائلا: "أغرب عن وجهي فقد عزلتك!"
وأكثر من ذلك أمر الملك بحبس قضاة محكمته على الفور وقام بإصدار حكم بنفسه في قضية التعويض بأن تعود المطحنة للطحان أرنولد مع دفع القضاة من جيوبهم لتعويض مدني (مالي) للطحان!
بل وأصدر أمره لدائرة الجنايات بتحريك الدعوى ضدهم. إلا حتى قضاة المحكمة الجنائية لم يكنوا مقتنعين بذنب القضاة وأوصوا بإطلاق سراح القضاة المحبوسين.
فما كان من الملك سوى حتى أصدر بنفسه حكما بعزل قاضيين من الثلاثة المحبوسين من مناصبهم مع الحبس لمدة عام، في قلعة شپانداو، بالإضافة إلى دفع التعويض المدنى (المالي) للطحان. أما ثالثهما حاجب المحكمة فقد حكم الملك ببراءته نظرا للمجهود الذى بذله خلال القضية التى استمرت سنوات!
وقد رفض القضاة المحكوم عليهم تقديم عريضة إلتماس بالعفوللملك حيث أنهم لمقد يكونوا مقتنعين بارتكاب أية أخطاء حيث أنهم طبقوا القانون الساري وقتها وبالتالي فمن حقهم حتى تسري عليهم قواعد العدالة وليس أحكام العفو. وانتهت القضية في النهاية بأن أخرجهم الملك من السجن قبل فوات السنة.
عودة إلى الحق
وعندما تبدل الحكم ومات الملك اتى خلفا له ابن أخيه ملكاً جديداً فريدرش ڤلهلم الثاني بعقلية مختلفة فأمر بإعادة القضاة المعزولين إلى وظائفهم مع رد الإعتبار الكامل لهم كما دفع لهم تعويضات عما لحق بهم من ظلم من ماله الخاص. وأوصى الملك رجاله بالعمل فورا على إصدار تشريع حديث يحكم العلاقات بين سلطات الدولة بحيث تنفصل السلطات الثلاثة عن بعضها ولا يضطر الملك للتدخل من حديث في أعمال القضاء. فتمت، في 1794، صياغة القانون العام للولايات الپروسية Allgemeines Landrecht für die Preußischen Staaten، الذي كان من أبرز انجازات الملك فريدرش ڤلهلم الثاني. وقد تجاوز ذلك القانون صياغة شريعة نابليون (1800) بست سنوات، والتي لم تُطبق إلا بعد أربعة سنوات أخر في 1804. فكان القانون الپروسي أول قانون مدني تام في العالم ينص على مبدأ استقلال القضاء عن السلطة التطبيقية وعن أي مؤثرات خارجية.
وثبت حتى الملك الراحل، فريدرش الأكبر، كان مخطئا فيما مضى إليه من رأى وفيما إندفع إليه من تصرفات لا تليق بسمعة ومكانة ملك. فكانت تلك القضية وصمة في تاريخه الناصع، رغم حسن نواياه وبحثه عن العدالة ولكن على طريقته.
وكانت هذه القضية بمثابة الشرارة التى أشعلت فكرة فصل السلطات الثلاثة في الدولة مع الحرص الكامل على إستقلال القضاء وعدم التدخل في شئونه، لا من الملك ولا من أى جهة سلطة.
الهامش
- ^ Udo Hochschild. ". gewaltenteilung. Retrieved 2013-02-18.