نظام الجمارك في عصر محمد علي

عودة للموسوعة

نظام الجمارك في عصر محمد علي

بدأ تطبيق نظام الجمارك في مصر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، حيث كانت تعتبر الجمارك أحد أنواع الضرائب غير المباشرة التي تحصلها الدولة على البضائع التي تعبر حدودها السياسية ، سواء كانت واردة إليها من الدول الأخرى أوصادرة منها لهذه الدول، أومجرد عابرة على أراضيها من دولة إلى أخرى، وتتناول الدراسة استعراض تاريخي للنظام الجمركي في عصر محمد علي وبعده حتى تصل إلى مستهل القرن العشرين الميلادي، وقد اعتمدت الدراسة على الوحدتين الأرشيفيتين المحفوظتين بدار الوثائق القومية والتي تنتمي إحداهما لديوان عموم الجمارك ، والثانية لمصلحة الجمارك المصرية في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين ، بالإضافة لوثائق وسجلات عدد من المصالح والدواوين منها الجفالك والجهادية والبحرية والمالية وغير ذلك من الوثائق التاريخية التى أعتمد عليها البحث ।وسوف يلى هذا الجزء أجزاء تالية مع الوثائق التى نشرت في الموضوع لتكتمل بذلك الفائدة.

التعريف بالجمارك

تعهد الجمارك أوالضرائب الجمركية – كما يطلق عليها بصفة عامة – بأنها مبلغ من المال تفرضه الدول جبراً – أي بقوة القانون – على البضائع التي تجتاز حدودها السياسية أوحدودها الجمركية، سواء عند عبورها هذه الحدود إلى داخل إقليم الدولة، أوعند خروجه من هذا الإقليم بقصد الدخول إلى أنطقيم الدول الأخرى، وعلى ذلك فإن الواقعة المادية المنشئة للضرائب الجمركية، إنما تتمثل في اجتياز الحدود الدولية دخولاً أوخروجـًا أوعبورًا، ولذلك فقد قامت الدول من جانبها بتقسيم الضرائب الجمركية على نوعين رئيسيين: الأول: ضرائب الوارد وهي الجمارك التي تفرضها على البضائع التي ترد من الخارج، والثاني: وهي ضرائب الصادر وهي تلك التي تفرضها الدول على البضائع المصدرة منها إلى الخارج، وذلك لحظة خروجها من الأنطقيم الوطنية وفي مصر كانت الضرائب الجمركية دائماً هي إحدى أنواع الضرائب غير المباشرة أوغير المقررة، والتي اهتمت الحكومات المتنوعة بتحصيلها وتنميتها باعتبارها موردًا مهمـًا لزيادة الدخل للدولة وللحكام أنفسهم الذين كانوا يتحكمون في هذا المصدر المالي المهم عبر العصور المتنوعة


الجمارك في عصر محمد علي

تشير الوثائق إلي حتى محمد علي بدأ حكمه بضائقة مالية شهدتها خزانة الدولة حيث صرح بذلك في أحد الأوامر الصادرة إلي أمين جمرك الإسكندرية بقوله " حيث حتى الخزينة تعاني ضيقـًا من جهة النقود " ولذلك فقد عمل " محمد علي " علي زيادة موارد الدولة المالية لإنعاش خزانتها أوسد احتياجاته التي تحقق طموحاته في بناء دولة مصر الحديثة.

ومن تلك التدابير التي قام بها محمد علي للوصول إلي مآربه ، عمل علي نموحركة التجارة الخارجية لمصر حتى يصل إلي المستوي المطلوب ، ولذا فقد قام بالعمل علي زيادة المحاصيل القابلة للتصدير مثل القطن طويل التيلة ، وانتشار الأمن واحترام قواعد المعاملات، حيث أصدر أوامره بتوحيد الموازين والمكاييل بين الحكومة والأهالي ، وعمل علي توحيد القيمة النقدية وشدد علي عدم التلاعب فيها ، كما بدأ أيضا في تحسين سبل النقل البري والبحري ، بالإضافة إلي تعديلاته المنظمة للرسوم الجمركية لتنمية حركة الاستيراد والتصدير في مصر.

وكان محمد علي يفهم حتى مصر تدار باعتبارها إقليمـًا تابعـًا للسلطنة العثمانية أسما لا عملاً ، بحسب قوانين هذه السلطنة وأنظمتها الإدارية ، وأنه حدثا أكثر من توريد الأموال للسلطنة حدثا علا شأنه ومقداره لدي الباب العالي ، وكانت الضرائب أوالويركوهوأقوي الدلائل المادية علي خضوع مصر للسلطنة، إذ كانت تدفع بدون لقاء؛ ولقد استوعب محمد علي منذ الوهلة الأولي أنه لأجل تسيير الإدارة علي النهج القويم ، لابد من العناية بتقسيم الحكومة إلي فروع مختلفة ، إلا أنه اصطدام بقلة أوعدم وجود الأنظمة المالية والإدارية التي تعينه علي خططه للتنمية في شتي المجالات ، والتي ترتقي بالإدارة الماليةوالحكومية في مصر.

لذلك فقد حرص" محمد علي " علي استغلال الوضع القائم الذي حبت به الأقدار بلاده ، للحصول علي الفوائد المادية من خلال جذب التجار من جميع بلاد العالم ، وتوفير المنتجات العالمية في البلاد لإنعاش حركة التجارة في الأسواق ، فضلا عن زيادة ولج الحكومة من الضرائب والمكوس الجمركية. كما استوعب الباشا أنه حدثا أحكم قبضته فهم نظم التملك والاحتكار حدثا استطاع حتى يحقق الفوائد المالية الجمة لحكومته ، لذلك فقد طبق نظام الاحتكار علي التجارة الداخلية والخارجية حتي أصبحت التجارة في يد الحكومة ، وهوما حقق له أرباحا طائلة ، خاصة أنه أمسك بزمام حركة التصدير في مصر إذ كان ما مقداره 19/20 من تجارة الصادر حكرًا عليه ، لكنه لم يك له السيطرة الكاملة علي حركة الواردات ، وكانت سياسة محمد علي لاحتكار التجارة مصدرًا لشكوي الدول الأجنبية من نظمه التجارية ، حيث طالبت معظم الدول بحرية التجارة في مصر. وظل نظام الاحتكار التجاري قائما في مصر حتي عام 1842م ، عندما نفذت المعاهدة التجارية المعقودة بين انجلترا والدولة العثمانية عام 1838م (* ) والتي أعطت للتجار الإنجليز الحق في استيراد البضائع وبيعها في جميع بلاد الدولة العثمانية، وأن يشتروا من أهل هذه البلاد منتجاتهم الزراعية والصناعية مباشرة ويصدرونها للخارج بعد دفع رسم جمركي قدره (12%) ، ومن ثم فقد سارعت الدول الأوربية الأخرى بعقد معاهدات مماثلة مع الدولة العثمانية. وبموجب هذه المعاهدة المبرمة بين انجلترا وهجريا تحددت الرسوم الجمركية علي الصادرات بواقع 12% من قيمتها ، منها 9% عند وصولها إلي ميناء التصدير ، و3 % عند تصديرها ، أما الواردات فقد تحددت الرسوم الجمركية عليها بواقع 5% من قيمتها ، منها 3% عند وصولها إلي الميناء ، و2% عند نقلها من الميناء إلي الداخل. وعندما بدأ محمد علي في تطبيق بنود هذه الاتفاقية عام 1841م بعد تسوية النزاع بينة وبين السلطان العثماني (* )، أخذ في تطبيق السياسة الجمركية التي نصت عليها هذه المعاهدة. وفي عام 1841م ، وبموجب معاهدة لندن التزم محمد علي باحترام جميع المعاهدات التجارية التي عقدها الباب العالي مع الدول الأجنبية حتى ذلك العام. وفي ظل هذه الظروف التي مر بها محمد علي مع الدولة العثمانية وحلفائها الأوربيين ، حاول الاستفادة من الأوضاع المفروضة عليه ، ومن ذلك أنه حمل رسوم الاستيراد والتصدير بعد صدور اتفاقية بالطة ليمان عام 1838م ، بالإضافة إلي ترشيد النفقات العامة للقاءة تضاؤل إيرادات التجارة الخارجية لمصر. هذا هوالحال الذي انتهي عليه عصر محمد علي فيما يتعلق بالتجارة الخارجية التي ارتبطت ارتباطـًا وثيقـًا بالسياسة الجمركية في مصر، كما أرتبطت بسياساته الاحتكارية في الداخل. ولقد ظل محمد علي منذ بداية حكمه لمصر يحترم المعاهدات والاتفاقيات الدولية القائمة بين الباب العالي والدول الأجنبية إلا أنه عثر الحلول في الداخل. فمنذ بداية حكمه كانت الجمارك – كما تجاوز القول – تعطي بالالتزام للملتزمين الذين يتعهدون بدفع قيمة التزاماتهم لخزانة الدولة ، بينما كان الباشا ملتزمـًا بكل الجمارك المصرية أمام السلطان العثماني لقاء دفع مبلغ 7500 كيس في عام 1236هـ / 1820م، ثم حمل إلي 9900 كيس في عام 1238 هـ / 1822م تدفع لخزانة البحرية العثمانية علي أقساط متساوية جميع ثلاثة شهور. وكانت العوائد الجمركية من أبرز الإيرادات التي كان يحصل عليها محمد ، وهوما نادىه إلي السيطرة التامة علي التجارة الخارجية والاستفادة من الأوضاع الدولية الطارئة في تنمية إيرادات الجمارك بالثغور المصرية ، ومن ذلك أنه كون ثروة طائلة من تصدير الحبوب بأسعار مرتفعة لإنجلترا أثناء حروب نابليون بونابرت فيما بين عام 1808م إلي 1812م. أيضا فقد فرض رسوما جمركية بقيمة 10% علي التجارة الواردة إلي بلاد العرب من الهند ، وكان يتم تحصيلها نقدًا أوعينـًا ، وهي التي عهدت بتجارة الترانزيت ، بالإضافة إلي أنه فرض علي البضائع المهربة من خلال الجمارك المصرية رسومـًا تعادل الضعفين ، وكان ذلك بموجب قرار مجلس الملكية الصادر في شهر رجب من عام 1250هـ/ نوفمبر من عام 1834. ولذلك فقد بلغ ولج الحكومة من الجمارك في مصر في عام 1833م - علي سبيل المثال - كما أوردها المسيو" مانجان" ما قيمته 97.020 جنيه مصري كانت موزعة علي النحوالتالي: - جمرك الإسكندرية 30.000 جنيه مصري. - جمرك بولاق 36.765 جنيه مصري .- جمرك مصر القديمة 8.005 جنيه مصري .- جمرك السويس والقصير 30.000 جنيه مصري. - جمرك أسوان 1250 جنيه مصري .- جمارك البضائع السورية عن طريق البر 1000 جنيه مصري .وقد كانت استفادة محمد علي من زيادة حصيلة الضرائب الجمركية علي الصادرات والواردات كبيرة ، فتشير الوثائق إلي أنه استغل هذه الأموال في سد احتياجات الدولة المالية ودفع الرواتب والإنفاق علي الجيش والجفالك (* ) والمديريات وغير ذلك مما بحاجة إليه مصارف الدولة. فقد صدرت منه عدة أوامر مباشرة لأمناء جمرك الإسكندرية يطلب منهم إرسال إيراداتهم الجمركية إلي أماكن مختلفة بالدولة ، ومن ذلك أنه أصدر أمره إلي راتب أفندي أمين جمرك الإسكندرية " بإرسال مبلغ 883 كيس نقدية من حاصلات الجمرك إلي طرف بوغوص بك لتوزيعها علي بعض المصالح" ، كما أصدر أوامره لنفس الأمين يطلب منه إرسال مبلغ ألف كيس نقدية من حاصلات الجمرك إلي لطيف بك مفتش عموم الفابريقة لصرف أجرة العمال المتأخرة وذلك في 25 صفر من عام 1259هـ /فبراير 1843م، كما أصدر أمره الثاني لأمين جمرك الإسكندرية في نفس اليوم بإرسال مبلغ 50.697 قرش و20 بارة من حاصلات الجمرك لعثمان بيك لصرف أجرة الأنفار المستخدمين في أشغال الترع والجسور بجفالك البحيرة ، أيضًا فقد أصدر أوامره لراتب بك بإرسال مبلغ 207.163 قرش من حاصلات جمرك الإسكندرية لمفتش جفالك الشرقية ، وإرسال مبلغ 123.994 قرش لجفالك كفر الشيخ ، وإرسال مبلغ 128.126 قرش إلي مفتش جفالك نبروة، ومبلغ 5491 قرش إلي مفتش جفالك البحيرة وذلك لصرف أجرة الأنفار المستخدمين في هذه الجفالك في شهر صفر من عام 1259 هـ /فبراير 1843م. كما أصدر أوامره أيضًا لأمين جمرك الإسكندرية بإرسال مبلغ 862 كيس نقدية من حاصلات الجمرك لصرف أجرة أنفار العساكر المستخدمين بجفالك الشرقية ، وأمر آخر بإرسال مبلغ 223.537 قرش لمدير جفالك الدقهلية لتسوية الاستحقاقات المتأخرة لمستخدمي الجفالك ، وذلك في العام 1259هـ/ 1843م. أيضا فقد استخدم الباشا أموال وحاصلات الجمارك في سداد مرتبات الجيش ، ومن ذلك أنه أصدر أمره إلي راتب بك أمين جمرك الإسكندرية بإرسال 1500 كيس نقدية إلي خزينة البحرية. هذا، وقد استغل محمد علي بعض أموال الجمارك لحسابه الخاص ، حيث تشير أوامره التي أصدرها لأمين جمرك الإسكندرية " بإرسال 15 ألف قرش من حاصلات الجمرك إلي الخزينة الخاصة بجنابه العالي وإجراء محاسبة الخزينة دار سليم بك " ؛ وبذلك وكما هوواضح حتى الباشا لم يفصل بين مالية الجمارك وإيراداتها وبين ما يخصه، وما يحتاج إليه من هذه الأموال. وكان لعوائد الجمارك استخدامات أخري لدي محمد علي ، فقد أصدر أوامره بتطبيق عدد من الإعفاءات الجمركية علي الصناعات المصرية المصدرة للخارج ، وذلك من أجل النهوض بتلك الصناعات وتنميتها ، فمن ذلك حتى أصدر أوامره في عام 1245 هـ / 1829م إلي سليم أغا أمين جمرك الإسكندرية يطلب منه" ألا يأخذ رسم الجمرك على الزجاج الجاري وروده من معمل الزجاج بالإسكندرية علي ذمة (علكسان فنومو) وكيل ذلك المعمل المقيم بمصر لأجل البيع لأنه – أي الزجاج – يعد من أموال الحكومة"، وهوما يشير إلي احتكاره لهذه الصناعة في مصر.أيضا فقد صدرت الأوامر لديوان الجمارك بعدم تحصيل الرسوم الجمركية على الجلود التي استوردها "طاهر أغا" ملتزم المدابغ ، وذلك تشجيعـًا لهذه الصناعة في مصر، وذلك لزيادة الطلب علي الجلود المدبوغة والمصنعة لاستخدامها في أعمال الجيش، وفي تلك الأعمال التي كانت تقوم بها المطابع الحكومية والأهلية، وخاصة ما كان يستخدم في تجليد السجلات والدفاتر والخط. كما قد ضمت إعفاءات محمد علي جميع الآلات والمعدات الصناعية الواردة من الخارج من الرسوم الجمركية، وذلك تشجيعـًا للصناعات المحلية وتنميتها مما كان يعود علي خزانة الدولة بالنفع من تصدير الفائض عن حاجات الحكومة والدواوين إلي الخارج. ومن جانب آخر، فقد ضمت الإعفاءات الجمركية بعض الغلال والمهمات التي اعتبرت من لوازم الحرمين الشريفين ، كما أعفي محمد علي جميع الأمور التي كانت ترسل إلي أشراف جدة جميع عام ، بالإضافة إلي إعفاء البن المُرسل إلي السلطان عن طريق جمرك جدة، والمقدر سنويًا بأربعمائة أقة. هذا بالإضافة إلي إعفائه بعض المواد التي كانت تدخل إلي مصر عبر المنافذ الجمركية للأقليات في مصر، ومن ذلك أنه أعفي بطريرك الروم من الرسوم الجمركية المفروضة علي كمية من ماء الورد الواردة باسم البطريركية ، وأمر المختصين بألا " يمنعوا ذلك الماورد الوارد لأجل البطريقخانة من المرور من الجمرك ". ولقد هجرزت التجارة الخارجية في مصر في عصر محمد علي في جميع من الإسكندرية والقاهرة، الأولي باعتبارها ثغرًا بحريًا ، والثانية باعتبارها محطـًا مهما للقوافل التجارية، ولذلك غصت جميع منهما بطوائف التجار الأوربيين الذين استقروا في مصر في أحياء خاصة ، حتي بلغ عددهم ما يقرب من خمسة آلاف إنسان في عام 1837م ، وقد استغلوا جميع الامتيازات التي خولتها لهم حقوقهم في ولايات الإمبراطورية العثمانية ومن بينها مصر. وكان بالإسكندرية عدة مؤسسات تجارية خارجية تقوم بشراء ما تبيعه الحكومة وتصدره للخارج، وهوما أدي إلي ازدهار الحركة التجارية بالإسكندرية. وكانت الإسكندرية ترتبط بخطوط ملاحية كثيرة في الخارج مع موانئ بلاد البحر المتوسط وشمال إفريقيا ، وفي الداخل مع بولاق(* )، ومصر القديمة بالقاهرة عبر رشيد نيليـًا، أوعبر الطريق البري . وفي ميناء الإسكندرية، كانت تخرج قوارب جمرك الإسكندرية للقاءة السفن القادمة، وكانت هذه القوارب تعهد باسم (قوارب الديوان) تمييزًا لها عن غيرها ، وكانت مهمتها تنحصر في نقل البضائع كاملة إلي ديوان جمرك الإسكندرية لتقدير الرسوم الجمركية عليها وأدائها. أما في القاهرة فقد كان مينائي مصر القديمة وبولاق يعتبران من أبرز الموانئ التجارية التي تستقبل السفن المحملة بالسلع والمتاجر من الشرق والغرب ، فكانت تلك السفن تصل من الإسكندرية عن طريق فرع رشيد إلي ميناء بولاق ، ومن موانئ الشام وهجريا عن طريق فرع دمياط ، كما كانت السلع الواردة من الجنوب من الحبشة والسودان والنوبة ترد عن طريق النيل للقاهرة. وقد كانت السلع والمنتجات الإفريقية والسودانية الواردة إلي القاهرة عبر النيل ، تتعرض لكثير من الرسوم الجمركية وذلك حتى عام 1841م عندما تم توحيدها وتخفيفها، بحيث اقتصرت علي رسم جمركي واحد يؤخذ عند أسوان التي تعد البوابة الأساسية للسودان من شماله، وقدر هذا الرسم بـ 12% من قيمة البضائع نقدًا أوعينـًا ، أما البضائع والأمور المصرية المصدرة من الصعيد إلي أنطقيم السودان فلم يكن يحصل عليها أية رسوم جمركية طالما أنها مصرية ، أما إذا كانت مستوردة من الخارج من البلاد الأوربية ، فكان يكتفي بما تم تحصيله عليها من الرسوم الجمركية في ميناء الإسكندرية. أما المنافذ الجمركية في الأنطقيم المصرية الأخرى فقد كانت في السويس ، والقصير، والعريش ، ورشيد ، والبرلس.إلى غير ذلك يمكن القول إذا الموانئ المصرية قد ارتبطت بشبكة داخلية برية ونيلية وفرت لها القدرة علي نقل البضائع بين الأنطقيم المتنوعة ، ومنها إلي خارج مصر عبر تلك الموانئ علي البحرين المتوسط والأحمر ليكون لمصر مسقطـًا متميزًا في حركة التجارة العالمية يبدأ من الداخل. وتشجيعا لزيادة الثروة الحيوانية في مصر فقد صدرت الأوامر إلي أمين جمرك القصير بحمل الجمارك عن الحيوانات الواردة من الأنطقيم السودانية وذلك " لحين تكاثر الحيوانات في الأنطقيم المصرية ". كما صدرت قرارات مجلس الأحكام إلي مأمور إدارة جمارك المحروسة بناء علي ما أوضحته المالية بأن تحصل نسبة 9% علي السكر الخام والأبيض الوارد من الوجه القبلي إلي مصر القديمة، وذلك إذا استخدم داخل مصر ، أما إذا كان مصدرًا للخارج فيحصل عليه نسبة 3% أضافية. أيضا فقد صدرت الأوامر إلي أمين جمرك الإسكندرية بتحصيل 12% رسومًا جمركية علي الخط المطبوعة في المطابع المصرية، والتي تصدر للخارج عن طريق التجار الأجانب أوالمصريين ، وذلك بعد حتى كانت معفاة من الرسوم الجمركية ، إلا حتى صدور القرار كان بسبب شكوى بعض التجار من تحصيل رسومًا جمركية عالية في الموانئ التي تصدر إليها هذه الخط ، ومن ثم فقد طالبوا في شكواهم بالحصول علي الرفاتي(* ) اللازمة من المنافذ الجمركية المصرية ليتم إعفائهم من تلك الرسوم في البلاد التي يتم التصدير إليها. وكان التجار في مصر في عصر محمد علي دائموالشكوى من فرض الرسوم الجزافية علي تجارتهم ، ومن ذلك حتى تقدم تجار الأرز برشيد بشكوى يطلبون فيها تحصيل جمارك الأرز المصدر للخارج في المنفذ الجمركي برشيد بدلاً من تحصيله بجمارك الإسكندرية التي كانت تحصل الرسوم بواقع أسعار الأرز في مدينة الإسكندرية ، ولذلك ازدادت هذه الرسوم علي التجار مما نادىهم للشكوى، ولذلك صدر القرار بأن الأرز الذي يتم تصديره إلي الخارج عن طريق الإسكندرية تحصل رسومه الجمركية في منفذ الإسكندرية الجمركي ، أما الأرز الذي يتقرر " إرساله إلي المحروسة والبنادر والذي يباع بها فيتحصل جمركه برشيد بواقع أسعار رشيد" ، وهذا يشير فيما يشير عليه علي عدم وجود لوائح جمركية أوقواعد ثابتة تنظم قيمة الرسوم علي البضائع المتنوعة حتى ذلك الحين. وكانت حرية التجارة بعد معاهدة لندن عام 1841م قد أتاحت التبادل التجاري بين الأنطقيم المصرية ، إذ كانت قبل ذلك مقيدة برسوم وعوائد علي السفن العابرة بالنيل داخل مصر، كما كانت تفرض عوائد الدخولية التي تحصل عند مداخل المديريات المتنوعة علي البضائع المنقولة من مديرية إلي مديرية وذلك بواقع 12% علي قيمة هذه البضائع. وكان ديوان الجمارك في القاهرة يحدد أسعار بعض السلع والغلال الواردة إلي المديريات والمحافظات المتنوعة ، ذلك لأنه كان مسئول عن عدد من شون الغلال ومخازن السلع المتنوعة التي يتم استهلاكها في المديريات المصرية ، وتلك التي يحتاج إليها الجيش ، ولذلك أوفد ديوان الجهادية لوكيل جمارك المحروسة يطلب منه قوائم عن أثمان بيع القمح والشعير بالسواحل في شهر شعبان من عام 1263هـ/ يوليو1847م ، ومن ثم فقد أوفدت هذه القوائم إلي ملتزمين المخابز في القاهرة للعمل بمقتضاها ، حيث كان يقوم هؤلاء الملتزمون باستلام حصصهم من القمح من شون الجمارك بناء على ما يحدده لهم ديوان الجهادية.أيضًا فقد طلب ديوان الجهادية من جمارك المحروسة تحرير كشف بأثمان الفول حسب أثمان البيع بالسواحل، وإرساله للديوان للعمل بمقتضاه، ثم طلب ديوان الجهادية تحرير كشف مماثل بالمسلي الوارد لشون التعيينات بالجهادية ، وذلك لأن هذه الأصناف من التعيينات التى كانت ترد من شون الجمارك إلى ديوان الجهادية – وغيره من الدواوين-تعهدها متعهدون بالتوريد من هذه الشون إلى تلك الدواوين المتنوعة تحت إشراف ديوان المالية.ولما كان نظام الحكومة في عصر محمد علي نظامـًا مركزيـًا يعتمد في تطبيقه على النظم الأوروبية وخاصة الفرنسية، فقد أخذ عنهم بعض المبادئ الاقتصادية التي طبقها وفقـًا لرؤيته التجارية الصائبة، ومن هذه المبادئ مبدأ الاكتفاء الذاتي الذي كان يحقق له اقتصادًا قويـًا، وكانت الجمارك أحد العناصر التي يستخدمها في تطبيق هذه السياسة، فقد كان يسيطر على التجارة الخارجية سيطرة تامة من خلال المنافذ الجمركية المنتشرة في أنحاء مصر، حيث عمل على تنظيم التجارة الواردة إلى البلاد والمصدرة منها، وكان هدفه الأساسي هوزيادة التصدير للخارج أكثر من الاستيراد، وسد النقص في الأدوات والمعدات والسلع والمواد الضرورية والحيوانات من الخارج، وكان التحكم في ذلك كله من خلال المنافذ الجمركية في مصر.فلقد حققت تلك المنافذ الجمركية لمحمد علي عدداً من الأهداف الرئيسة ومنها – من وجهة نظرى: 1-زيادة الدخل القومي للبلاد باعتبارها مصدرًا مهمًـاً من مصادر 2-اعتبرها كوسيلة سياسية للضغط والتعامل مع الدول الأجنبية وخاصة الأوروبية منها، ومن ذلك أنه أصدر أوامره المباشرة لأمين جمرك الإسكندرية "بإعطاء الأرزاق اللازمة للسفينة الحربية الفرنسية الراسية في ميناء الإسكندرية وقيدها في دفاتر المصروفات" ، وعلي العكس فقد طلب من أمين جمرك الإسكندرية أيضاً تحصيل تام المبالغ المطلوبة من قنصلية أسبانيا .وكان قد أصدر أوامره بعدم "تحصيل رسوم جمركية من الشريف إدريس الذي اتى من طرف سلطان المغرب"، وكذلك أمره الصادر إلى أمين جمرك الإسكندرية بشأن صرف جميع المبالغ المستحقة لقنصل دولة النمسا ، وهوما يوضح جانب من علاقاته السياسية بهذه الدول . 3-استغل أموال الجمارك في عدد من المصارف الحكومية والشخصية التي سد بها مطالب الجيش والبحرية والجفالك وغيرهما من قطاعات 4-إلغاء الالتزام الجمركي بالمنافذ، وتحويلها للقطاع الحكومي من خلال ديوان عموم الجمارك، أدى به إلى الاستحواذ على منافع أكثر وتحكم أكبر في تلك المنافذ البحرية الجمركية.5-أحكم محمد علي قبضته على جميع المنافذ البرية والنيلية والبحرية، ومن ثم التحكم الكامل في الصادرات والواردات من مصر وإليها، ومن ذلك أنه أصدر أوامره إلى أمين جمرك الإسكندرية بتحرير كشف عن مقدار الغلال الموجودة تحت يد التجار بالإسكندرية بهدف تصديرها للخارج، على حتى يتضمن هذا الكشف الأصناف المتنوعة ومقدارها لدى جميع من هؤلاء التجار.ولكن مع جميع ما حققه محمد علي من مكاسب من خلال الجمارك إلا أنه قابل الكثير من المشكلات بسبب الجمارك، فكان من بين هذه المشكلات:-عدم وضع تسعيرة ثابتة للرسوم الجمركية التي يتم تحصيلها على البضائع المتنوعة، أوبمعنى أخر عدم وضع لوائح التسعير الضريبي الجمركي على جميع الصادرات والواردات، بما كان يجب حتى تشتمله هذه اللوائح من الإعفاءات الجمركية على تلك السلع والبضائع المستوردة أوالمصدرة للخارج.كثرة الاختلاسات التي كانت تحدث في المنافذ الجمركية، وهوما تسبب في تقليل ولج الجمارك وبالتالي ولج الحكومة.1-مشكلات التهرب الجمركي التي كانت تحدث من خلال المنافذ الجمركية، وإن كان محمد علي قد اتخذ التدابير الأمنية اللازمة ، ومنها حتى المنافذ الجمركية النيلية والبحرية قد اشتملت من ضمن موظفيها على وظيفة "البصاص" الذي كان يراقب حركة الجمرك للقبض على المتهربين، مع وجود عدد كبير من " الجاويشية " و" القواصة العرب والهجر" لحماية النظام بالجمارك.كما أنه أعد المراكب في البحر الأحمر لمكافحة التهريب، فجعل مراكب الصيد قائمة تعمل بعد الغروب حتى الشروق لا تغادر الموانئ لمراقبة حركة السفن، بالإضافة إلى ذلك فقد صدر قرار مجلس الملكية في شهر رجب من عام 1250هـ/ نوفمبر 1834م بتحصيل رسومـًا جمركية بقيمة ضعفين الرسوم المقررة على البضائع المهربة من أي ميناء مصري.ومع ذلك فقد جاز الباشا بنفسه بمرور الأمور غير المسموح بمرورها عبر المنافذ الجمركية المصرية، ومن ذلك أنه صرح لأمين جمرك الإسكندرية بالأمر المباشر بخروج "أربع من المومياوات المصرية القديمة مع المسيو"واليمه" الروسي والتي أهداها إليه ليضعها في مجمع الطب بروسيا"(* ).2-خضوع محمد علي لتطبيق المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي عقدها الباب العالي مع الدول الأجنبية قد وقف حائلاً أمام استكمال سياساته الاحتكارية في التجارة الخارجية، ومن ثم التحكم الكامل في الصادرات والواردات وخاصة بعد تطبيقه لمعاهدة بالطة ليمان المسقطة بين الباب العالي والدول الأوروبية عام 1838م.


انظر أيضا

  • مصر تحت حكم محمد علي

المصادر

  1. ^ [الجمارك في عصر محمد علي، كنانة أونلاين
تاريخ النشر: 2020-06-04 16:09:00
التصنيفات: صفحات تستعمل قالبا ببيانات مكررة, الاقتصاد في عصر محمد علي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

رسميا.. خليلوزيتش يستدعي يحيى جبران

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:19:05
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 81%

أشرف رشاد عن منال عوض: أول امرأة قبطية تتولى حقيبة محافظ في مصر

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:18:53
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 68%

المجلس العلمي الأعلى يستنكر مشاهد فلم “سيدة الجنة” ويدعو للتحرك

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:19:06
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 72%

خيرية الشارقة: "درهم حمد" يسهم في تنفيذ مشاريع بـ 18.3 مليون

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:19:37
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 57%

وجدوه في مكان لا يخطر على بال.. سائح بريطاني يختفي لأيام في مصر

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:19:37
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 55%

إنذار من المستوى البرتقالي.. طقس حار جدا يصل إلى 46 درجة بالمملكة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:19:17
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 83%

وزير الخارجية يستقبل نظيره اللاتيفي غدا الأحد

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:18:56
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 68%

تطييب رفات القديس أباهور بديره بسوادة 

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:18:55
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 61%

أشرف رشاد يشهد حفل توزيع جوائز مسابقة حفظ القرآن الكريم في دمياط

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:18:57
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 51%

ولي عهد الدنمارك ينضم لدراجين هواة في سباق فرنسا الدولي للدراجات

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:19:40
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 66%

مكتب الفوسفاط يعلق على “منع” فرنسا كبار مسؤوليه من فيزا شنغن

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:19:15
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 74%

أوكرانيا: القصف الروسي لمدينة سيفيرودونيتسك تسبب في تسرب نفطي وحريق

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:19:39
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 69%

بكين تحذر من تفش هائل لكورونا وشنغهاي تبدأ فحوصات جماعية

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:19:38
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

كورونا من جديد.. أزيد من ألف إصابة جديدة في مختلف مناطق المملكة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:19:13
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 71%

البحرين: لا توجد حالات إصابة بالسل بين نزلاء السجون

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:19:41
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 69%

قبل الديربي..حاليلوزيتش يستدعي لاعبا جديدا من الوداد

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-11 21:19:43
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 65%

تحميل تطبيق المنصة العربية