تخوم الاستيطان
«تخوم الاستيطان» Pale of Settlement ترجمة للعبارة الروسية «كرتا أوسدلوستي Cherta Osedlosti» حيث تُترجم حدثة «كرتا» إلى «نطاق» أو«حدود» أوربمـا «حظيرة» وهي الترجمـة الدقيقـة. ولأن هذا النطاق كان يتسع ويضيق، فتضم إليه مناطق وتستبعد أخرى، فإننا نفضل استخدام حدثة «منطقة».
ومنطقة الاستيطان هي منطقة داخل حدود روسيا القيصرية لم يكن يُسمَح لمعظم أعضاء الجماعة اليهودية بالسكنى أوالاستقرار خارج المدن الواقعة فيها. وكانت الحكومة القيصرية تقوم بفرض مثل هذه القيود وهوأمر كان يُعَد جزءاً أساسياً من سياستها العامة ومن موقفها من حرية الأفراد في التنقل، وهي سياسة لم تكن تُطبَّق على أعضاء الجماعة اليهودية وحسب وإنما كانت تُطبَّق على معظم سكان روسيا سواء أكانوا من الأقنان أم كانوا سكان مدن أوتجاراً. فكان على هذه القطاعات، التي تشكل أغلبية السكان، البقاء في مواطن استيطانها لا تغادرها إلا لسبب محدد وبإذن خاص. ويبدوحتى هذه القوانين صدرت بسبب طبيعة روسيا كإمبراطورية مترامية الأطراف تُوجَد بها مناطق شاسعة غير مأهولة بالسكان، الأمر الذي جعل بوسع أي مواطن حتى يهجر محل إقامته ليستوطن إحدى المناطق غير المأهولة بعيداً عن سلطة الحكومة. ولما كانت الحكومة المركزية ضعيفة نظراً لرغبتها في تدعيم أسس الإمبراطورية وضمان شيء من الثبات، ظهرت فكرة ربط المجموعات البشرية بمواطن محددة كما وقع مع الفلاحين حينما تم تحويلهم إلى أقنان، ثم مع أعضاء الجماعة اليهودية حين تم ضم أعداد كبيرة منهم إلى الإمبراطورية بعد تقسيم بولندا.
ولكن، إلى جوار هذه الأسباب العامة المتعلقة بسياسة روسيا القيصرية تجاه رعاياها، هناك مسببات خاصة بيهود روسيا من أهمها الصراع الاجتماعي الناشب بين التجار اليهود الذين كانوا يشتغلون بتقطير الخمور وبيعها وبأعمال الرهونات والالتزام من جهة، والفلاحين السلاف الذين كانوا يتعاطون الخمر بشراهة (ربما بسبب تزايد بؤسهم) وضعف النظام الإقطاعي من جهة أخرى. وكانت البيروقراطية الروسية متخلفة غير مدركة لأبعاد المشكلة الاجتماعية في الريف الروسي أوالبولندي. ولذا، أُلقي باللوم على أعضاء الجماعة اليهودية باعتبارهم مسئولين عن سُكْر الفلاحين وإفقارهم. كما كان تجار روسيا يجأرون بالشكوى دائماً من العناصر اليهودية التجارية التي تلجأ إلي الغش والتهريب لتحقيق الربح. لكل هذا، حُظر على أعضاء الجماعة اليهودية حتى يتحركوا خارج تلك المناطق التي ضُمَّت من بولندا، ولكنهم مُنحوا حق الاستيطان في المناطق التي ضُمَّت من هجريا في أواخر القرن الثامن عشر باعتبارهم عنصراً استيطانياً نافعاً، وهي التي كانت تقع أساساً حول البحر الأسود وسُمِّيت «روسيا الجديدة». وقد ضمَّت منطقة الاستيطان منطقة كبيرة امتدت من ليتوانيا وبحر البلطيق في الشمال إلى البحر الأسود في الجنوب، ومن بولندا وبيساربيا في الغرب إلى روسيا البيضاء وأوكرانيا في الشرق، وتضم خمساً وعشرين مقاطعة تشكل مساحة قدرها مليون كيلومتر مربع، أي ما يساوي مساحة فرنسا تقريباً. وكان أعضاء الجماعة اليهودية يشكلون نحو11.6% من سكان منطقة الاستيطان عام 1897، وبلغ عددهم 4.899.427 من مجموع يهود روسيا البالغ عددهم 5.054.300، ويُلاحَظ أنه كان يوجد 161.500 فقط من يهود الجبال وجورجيا، وهم ليسوا من يهود اليديشية، أي حتى منطقة الاستيطان كانت تضم أغلبية يهود روسيا الذين كان معظمهم يتحدث اليديشية.
وكانت منطقة الاستيطان تتكون من ثلاث مناطق تتميَّز الواحدة عن الأخرى تماماً:
- لتوانيا وبيلوروسيا أوروسيا البيضاء: وتضم جرودنومنسك وڤلنا وفايتبسك (بوكوتسك سابقاً) وكوفنووموجيليف.
- اوكرانيا: وتضم ڤولهنيا وپودوليا ومقاطعة كييڤ (ماعدا مدينة كييڤ) وچرينجوڤ وپولتاڤا.
- روسيا الجديدة: وتضم خرسون (ماعدا مدينة نيقولاييف) وإيكاتيرينوسلاف وتاوريدا (القرم) وبيسارابيا التي تضم اودسا، أبرز مدن اليهود في روسيا.
واستقرت حدود المنطقة عام 1835. وكانت منطقة الاستيطان تضم رسمياً جميع المناطق التي ضمت من بولندا ما عدا مقاطعات وسط بولندا والتي ظلت رسمياً خارج النطاق وداخله من الناحية العملية.
وكانت منطقة الاستيطان تضم أوكران وبولنديين وروس ولتوان ومولداف وألماناً. وكان لكل جماعة قاعدتها الإقليمية أوأرضها المهجرزة فيها ما عدا أعضاء الجماعة اليهودية والألمان. ومن هنا ظهرت إحدى السمات الخاصة للمسألة اليهودية في روسيا. وقد قررت الحكومة القيصرية (عام 1843)، لاعتبارات أمنية، عدم السماح لأعضاء الجماعة اليهودية بالسكنى على مسافة 50 فرسخاً (نحو33 ميلاً) من الحدود. وحسب القانون الصادر لتنظيم منطقة الاستيطان، لم يُسمَح لليهود بالانتنطق خارجها ولم يُسمح لهم بالدخول إلى وسط روسيا إلا مدة سـتة أسـابيع للقيام بأعمال محدَّدة على حتى يرتدوا الأزيـاء الروسية. وكان متاحاً لتجار الدرجة الأولى حتى يمكثوا ستة أشهر، كما كان مسموحاً لتجار الدرجة الثانية حتى يمكثوا ثلاثة أشهر. ومع حكم ألكسندر الثاني، بدأت الحكومة القيصرية في تخفيف القيود عن بعض العناصر اليهودية النافعة والمندمجة، وذلك بهدف تحويل اليهود إلى قطاع منتج مندمج في المجتمع. فسُمح لتجار الفئة الأولى (عام 1859) بأن يستوطنوا خارج منطقة الاستيطان، وكذلك لخريجي الجامعات عام 1861 وللحرفيين عام 1865، كما سُمح للمشتغلين بالطب عام 1879 وللجنود المُسرَّحين بهذه الميزة. ولم يزد العدد المسموح لهم بها حسب تعداد 1897 على مائتي ألف يهودي.
وكان من بين الفئات المسموح لها بمغادرة منطقة الاستيطان الفتيات اليهوديات اللائي كن يعملن بالبغاء، فكان بوسع الفتاة حتى تنتقل إلى موسكوأوأية مدينة أخرى لتمارس هذه الوظيفة وتحقق قدراً من الحراك الاجتماعي والجغرافي دون حتىقد يكون في إمكان أسرتها اللحاق بها.
انظر أيضاً
- التخوم الإنگليزية حول دبلن في أيرلندا
- قوانين مايو
- Pogrom
- تاريخ اليهود في روسيا والاتحاد السوڤيتي
- تاريخ اليهود في بولندا
الهامش
- عبد الوهاب المسيري. "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية". موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية.
- Abramson, Henry, "Jewish Representation in the Independent Ukrainian Governments of 1917–1920", Slavic Review, Vol. 50, No. ثلاثة (Autumn 1991), pp. 542–550.
وصلات خارجية
- The Pale of Settlement (with a map) at Jewish Virtual Library
- The Pale of Settlement (with map and additional documents) at The YIVO Encyclopedia of Jews in Eastern Europe
- friends-partners.org (with map)
- Life in the Pale of Settlement (with photos)
- Jewish Encyclopedia - Jewish Encyclopedia
- aish.com
- britannica.com
-
digital.library.mcgill.ca (with map)
- jpg
- [1] (with map of Polish era)
- The decree "On abolition of confessional and national restrictions", passed by the Provisional Government on March 20, 1917 (in Russian)
صتنيف:مناطق ثقافية