مالك حداد

مالك حداد (5 يوليو1927 – 2 يونيو1987) شاعر ومحرر وروائي جزائري . ولد بمدينة قسنطينة وفيها تفهم. ثم سافر إلى فرنسا ونال الإجازة في الحقوق ولما عاد أصدر مجلة " التقدم" وشارك في حرب التحرير الجزائرية. تميز إنتاجه بنفحة فلسفية.

مالك حداد.. شعرية القص ورمزية النص

والشيء نفسه من الممكنقد يكون قد عمله مالك حداد مع بعض الخصوصيات، التي رافقته طول حياته، فمن« رصيف الأزهار لا يجيب» إلى« سأهبك غزالة» إلى« الشقاء في خطر» ظل حداد يحمل مأساته المزدوجة، وربما بحس يختلف عن الآخرين، هذا الهم المزدوج« الاستعمار واللغة» هوالذي حدد مسار جميع أعماله. فبالرغم من مأساة اللغة ظل هذا الأديب نقياً، يعبر عن هموم وطنية وقومية وإنسانية، برؤية تقدمية في شكلها العام، بعيدة عن جميع روح شوفينية، الأمر الذي ساعده على عدم السقوط في التعميم والغموض، مثل بعض الكتاب الفرنسيين المتواجدين في الجزائر، الذين أفرزتهم الثقافة الاستعمارية.

رواية "سأهبك غزالة" تأليف مالك حداد وتعريب صالح القرمادي.

تتمثل الرؤية الأكثر عاطفية تجاه ثورة التحرير في أعمال « حداد» فهي تعتبر مجموعة من العواطف والأحاسيس أكثر منها مجموعة للأفكار والآراء. تشكل رواياته قصائد تأثيرية، تظهر فيها من حين لآخر تصريحات وطنية وحماسية، وهوينظر إلى الحدث كشاعر بقلبه قبل فكره. الحقيقة حتى حداد له مفهومه الخاص للالتزام، ففي روايته «سأهبك غزالة» يروي سيرة حب بين سائق شاحنة وفتاة شابة، تعيش في الواحة التي يتوقف فيها السائق ليستريح، وهوفي رحلته عبر الصحراء. فالمحرر في رأي حداد لا يلتزم إلا بشخصيات رواياته. لكنه لم يهمل ثورة التحرير والمجاهدين، الذين كانوا يقاتلون من أجل حتى يحققوا السعادة والخير لشعبهم، أومن أجل الغزلان.

وتكاد تجسد رواية «التلميذ والدرس» لمالك حداد أعمق الوثبات الفنية للمتناقضات الدامية، التي يكتوي بها وجدانه. والشكل الفني نفسه يكاد ينطق بغلبة الدماء الجديدة، وحداد يبدأ صياغته من الحدثة فالجملة إلى بقية النسيج الروائي، ولا يعمل العكس: حتى يصمم هيكلاً روائياً للأحداث والشخصيات والمواقف، ثم يملأه بالحدثات. أي حتى الشاعر ببساطة يسيطر على الروائي. وتكاد الرواية في كثير من المواضع تتحول إلى قصيدة شعرية. وهذا يفسر حتى البناء الذي انتهت إليه هو« المونولوج» إن« التلميذ والدرس» في جوهرها مونولوج طويل، فنحن لا نتعهد طوال الرواية إلا على شخصية واحدة لهذا الطبيب الجزائري الكهل، القاطن في إحدى المدن الفرنسية، وحيداً بعد حتى ماتت زوجته. والمفارقة الروائية التي ينطلق منها حداد هي حتى الطبيب –الأب- حريص على إبقاء حفيده بين أحشاء الابنة –المناضلة- التي اتىت عليه راغبة في الإجهاض. يكشف لنا حداد عن رمز البطولة في المقاومة الجزائرية، من خلال هذه الرواية.

وضع حداد في روايته الأب وابنته وجهاً لوجه، الابنة التي تعمل في صفوف المقاومة. ومثل هذه اللقاءة، تعتبر مظهراً آخر لصراع الأجيال، الذي تجلى واضحاً في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وفي الواقع فإن حداد هذه تعتبر أفضل رواياته وهي أكثرها تماسكاً وحيوية ومحتوى، بالرغم حتى الدور الكبير يهجرز في معظمه على مشاعر الوالد وهويفكر ويتأمل سلوك ابنته. لقد اختار حداد منذ الوهلة الأولى حتى كون « المنفى» هوالمهاد الذي يبذر فيه رموزه، واختار أيضاً «جيل المنفى» هوالصغيرة المعبرة عن رؤيا المقاومة في رواية «التلميذ والدرس». يقدم إبداع مالك حداد فكرة عن الدرجة النوعية الجديدة التي ارتقت إليها الرواية الواقعية الجزائرية. وقد صادف إبداعه برمته فترة الحرب، إذ حتى المؤلف لم ينشر أي كتاب بعد انتزاع الاستقلال. وتنقل مؤلفات حداد واقعاً جديداً إذا ما قورنت بإبداع كتاب التنطقيد والعادات. وقد كرست رواياته للعالم الداخلي للبطل المثقف، أولذلك الإنسان الذي إذا لم يكن مماثلاً للمؤلف، فهوعلى أية حال شديد الشبه به روحياً. ولا يمكن التأكيد حتى سيرة أبطال حداد تفتقر إلى الأحداث الدرامية بصفة خاصة، فكل واحد منهم يشعر بشكل أوبآخر بآلام قاسية، كموت القريب أوانهيار الآمال الشخصية. غير حتى هذه الأحداث لا تلفت في حد ذاتها انتباه المحرر، وهي فقط ضريبة حتمية، يدفعها للزمن جميع واحد من مواكبيه في تلك السنوات، التي أصبح فيها مفهوم الجزائري – كما يقول المحرر نفسه مرادفاً للشقاء. إذا موضوع حداد هوالحياة الروحية للشخصية، التي تنطوي على قدرة فائقة على معارضة هجوم القوى الهدامة والمعادية للإنسان. وهذه القدرة لا تتجلى في أحداث خارجية باهرة تسترعي النظر، لأن بطل حداد يحوز فوزاته في الحياة اليومية غير المحسوسة، وهذا لا يحط بتاتاً من مغزاه. وعادة ما تنكشف أمام بطل مالك حداد إمكانية سلوك الطريق السهل، والرفاهية الشخصية على حساب تسوية مع ضميره الخاص، غير حتى البطل يرفض بحزم سلوك هذا الطريق. ويوافق تماماً الأسلوب الإبداعي للمحرر محتوى مؤلفاته، التي يبرز فيها تعقد الحياة الاعتيادية وغير المحسوسة، والبساطة الأزلية اليومية، كما يفتقد سرده مثلاً إلى الزخرفة الأسلوبية والفصول المطولة.

دارت روايات حداد حول الثورة الجزائرية، وتلمسها من قريب ومن بعيد في دوامة من المشاعر والعواطف، هذا وأن شخصية المحرر والثورة تشكلان نبعاً غزيراً لرواياته، وحب الوطن يقوم بمثابة رباط الحياة، الذي يربط كافة الحوادث ببعضها بعضاً يبرز حداد في رواياته محرر شعر أكثر منه محرر سيرة. فقد تأثر بالشاعر الفرنسي « أراگون»، وكذلك بالفيلسوف « برگسون»، الذي هجر أثراً واضحاً على أعماله.