تأقلم
التأقلم الحيوي acclimatization هومجموعة التغيّرات الخاصّة بالتفاعلات الفيزيولوجية المساعدة على حياة الكائنات الحيّة خارج مهودها أوموائلها الطبيعية والممثلة بمعاودة الجفاف أوالصقيع والبرودة مثلاً. أمّا التكيّف فهومجموعة التغيرات التطورية الشكلية المتلائمة مع العوامل البيئة الطبيعية. فالتأقلم عملية حيوية خبريّة قائمة على الممارسة العملية الممثلة في زيادة تحمّل الأنواع للتغيرات البيئية عبر عدّة سلالات.
تاريخ التأقلم
مارس الإنسان أقلمة الكائنات الحية منذ أقدم العصور في الحضارات الزراعية القديمة لبلاد الرافدين، ومصر القديمة، وفي القصص القرآني لسفينة نوح والطوفان، التي جمع فيها من جميع فاكهة زوجين. وأقلمت اليونان الأرانب والدجاج الفرعوني المعروف بديك الحبش، وبعض حيوانات الصيد، وبعض الطيور المائية. وأدخل الرومان الإبل السمر إلى إنكلترة، ونقلت سلالات من هذه الإبل إلى فرنسة في القرن الثالث عشر. كما أقلم العرب المسلمون إبان الفتوحات الأموية الجمال وحيدة السنام والجواميس ودود القز أوالحرير.
وحمل العرب الديك الرومي والبط الموسكي وبعض ضروب العصافير والخرنوب من إفريقية إلى الأندلس، التي حملها الإسبان بدورهم إلى العالم الجديد.
أخذت الأقلمة في عام 1854 منهجية جديدة بتأسيس الحديقة النباتية الفرنسية في باريس، التي أوكلت دراسة التأقلم إلى «جمعية الأقلمة الفرنسية» التي عملت على أقلمة اللاما المعروفة بجمل أمريكة، والياك Yack (الحيوان المجتر الذي يشبه الثور، والمستورد من التبت)، وبعض الأسماك والعصافير وسلالات من دود القز. وتقدمت دراسات الأقلمة بتقدم العلوم والتكنولوجية، فضمت دراسة نظم التغذية المتوازنة، وطرق المحافظة على الحيوانات المستوردة ورعايتها في الشروط الحرجة، وإطالة متوسطات أعمارها، وتذليل العقبات التي تهدد انقراض بعض الحيوانات. إلى غير ذلك أسهمت الأقلمة في حماية الموارد الطبيعية من الإنقراض، وصار لها دور رئيس في تنظيم الاقتصاد الزراعي واستثمار الحيوانات المدجنة.
التأقلم النباتي
اعتمدت الأقلمة القديمة للنبات على موجات الهجرات الإنسانية في العصور الغابرة معتمدة طرق عشوائية غير منظمة. وفي دراسة نباتية مشهورة قدمها نيقولاي ڤاڤيلوڤ Vavilov أرجعت أصول النبات الأوربي الزراعي إلى ثمان مناطق جغرافية نباتية طبيعة فالقمح والأرز وقصب السكر آسيوية المنشأ، والبطاطس والطماطم والتبغ والذرة أمريكية المنشأ، وكثير من النباتات الرعوية الأوربية متوسطية المنشأ وغيرها.
أما عن محاولات الأقلمة النباتية المعاصرة، فقد أمسكت بها الكثير من الدول الصناعية المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، وأسترالية، وكندا، وروسية، ومنظمة التغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة F.A.O، ومركز البحوث الدولية للأراضي الجافة (ايكاردا) حلب، سورية. فقد دأبت هذه الدول والمنظمات على جمع الأصول النباتية من أنحاء العالم في هدف تحسين الإنتاجية الزراعية، معتمدة التدابير الآتية:
ـ إغناء المجموعة النباتية أوالفلورة المعاصرة عن طريق تكوين أنواع جديدة، أوضروب أوأصناف مستحصلة من برامج الاصطفاء النباتي التي شاع انتشارها في البرامج الزراعية المعاصرة للقمح والذرة وعباد الشمس التي توسع انتشارها في أنطقيم مغايرة لمواقعها الطبيعية، كما حاولت نشر زراعة الشمندر السكري في دول الشمال الإفريقي، وعملت على إدخال زراعة النباتات الرعوية المتوسطية من الفصيلة الفولية في مزارع جوز الهند في پولينيزيا.
ـ الاستفادة من رصيد النباتات البرية، أومن رصيد الضروب والأشكال الزراعية التي تدخر صفات تكوينية هامة من النواحي الاقتصادية: كمقاومة الجفاف أوالصقيع أوالبرودة، أوالتمتع بغزارة المحاصيل أوبكورية الإثمار في سبيل تكوين ضروب جديدة متلائمة مع النباتات المحلية مثل ذلك تكوين ضروب جديدة من القمح الأسترالي انطلاقا من أقماح هندية أوكندية أوأسترالية.
ـ الاحتفاظ بالأصول النباتية المحسنة في حالة خضرية إعاشية، أوفي حالة حيوية بذرية قادرة على التجدد واستمرارية العطاء وهذا ما يعهد ببنك الجينات.
ـ الالتزام بالسلامة الصحية وبتجنب التلوث بالطفيليات، وبإطالة فترة الإنبات الخضري، وبتجنب المؤثرات المناخية السلبية في هدف الحفاظ على المصادر النباتية المتلائمة، مع الأوساط الطبيعية من ناحية أولى، وامتلاك إنتاجية واقتصادية متلائمة مع الزراعات الواسعة من ناحية ثانية.
التأقلم الحيواني
تهدف الأقلمة الحيوانية إلى زيادة المردود الاقتصادي الممثل بزيادة إنتاج اللحم والحليب في حالات أقلمة الأبقار، وزيادة إنتاج الصوف في حالات أقلمة الأغنام على سبيل المثال. ترتبط الخصائص الفزيولوجية للأنواع الحيوانية ارتباطاً وثيقاً بالمواقع البيئية الطبيعية التي تعيش فيها: فالرنّـة الحيوان اللبون المجتر، والكلب الحيوان اللاحم في أوربة مدجنان من أصول بيئية تندرية أوغابات قطبية. والجمال مدجّنة في أصول صحراوية. والماعز والأغنام مدجّنة في أصول شبه صحراوية. والأبقار والخيول مدجّنة من أصول سافانية. فإذا مانقلت أبقار السافانة وأغنامها للرعي في المرتفعات الجبلية تأثرت أكثر من تأثر الجمل الأمريكي أواللامه التي تعيش عادة في المرتفعات الجبلية في الحالات الطبيعية حتى ازدياد 6000م فوق مستوى سطح البحر. ومرد ذلك يعود إلى انخفاض الضغط الجوي، وانخفاض نسبة الأُكسجين، وانخفاض المتوسطات الحرارية. تتطلب مثل هذه الأمور تعديلات في الوظائف الفيزيولوجية لتتآلف مع الشروط الجديدة، الأمر الذي يحتاج وضعها لبضعة أسابيع في محطات انتنطقية تخفف من تأثر تلك الحيوانات بالمناخات الجبلية.
ولكي يتأقلم الحيوان بصورة ناجحة لابد من اتخاذ التدابير الآتية: ـ اصطفاء الأفراد المناسبة للتأقلم المتميزة بالفتوة والسلامة الصحية والقوة البدنية والنظافة من الطفيليات.
ـ اصطفاء الأفراد التي أحسنت تغذيتها المدعمة تغذيتها في حالات الأنواع العاشبة بالعناصر المعدنية كالكالسيوم والفسفور والفيتامينات المناسبة.
ـ وقاية الأفراد من التقلبات المناخية الجديدة باستقبالها في الربيع، أوفي الفصول التي تكون فيها التباينات الحرارية في أضيق مجالاتها.
ـ استبعاد الأفراد البطيئة النموأوالمصابة بعاهات.
ـ توخي السلامة الصحية التامة، واستبعاد الأفراد المصابة بأمراض محلية أوخارجية. إن الأقلمة الناجحة هي التي تمكن من الحصول بسهولة على أفراد مطلوبة أومرغوبة من النواحي الاقتصادية.
تنجح أقلمة الحيوان بصورة عامة حين ينقل من المناطق الحارة إلى المناطق المعتدلة، مثلها أقلمة الحصان العربي للعيش في الأنطقيم الأوربية الباردة. أما أقلمة الحيوان أليف البرودة للعيش في الأنطقيم الحارة فغالباً ما تعترضها صعوبات ممثلة بإصابة جلودها بطفيليات خارجية، وإصابة أجهزتها الهضمية بطفيليات معوية.
انظر أيضاً
- Acclimatisation society
- Beneficial acclimation hypothesis
- Heat index
- Introduced species
- Phenotypic plasticity
- Wind chill
المصادر
- أنور الخطيب. "التأقلم". الموسوعة العربية.
- [1]
- World Book encyclopedia 1989