سوفوكليس

عودة للموسوعة

سوفوكليس

سوفقليس.


سوفقليس (Σοφοκλής باللغة اليونانية) (و. ح. 496 ق.م. بأثينا وت. 405 ق.م.) أحد أعظم ثلاثة كتاب تراجيديا إغريقية، مع إسخيلوس ويوريپيدس. وحسب سودا فقد خط 123 مسرحية، في المسابقات المسرحية في مهرجان ديونيسوس، حيث جميع تقدمة من أي محرر كان يجب حتى تتضمن أربع مسرحيات، ثلاث تراجيديات بالإضافة إلى مسرحية ساخرة). وقد نال الجائزة الأولى (حوالي عشرين مرة) أكثر من أي محرر آخر، وحصل على المركز الثاني في جميع المسابقات الأخرى.

فقط سبعة من تراجيدياته بقت إلى يومنا هذا.


حياته

تمثال رخامي لشاعر، من الممكن كان سوفوكليس.

في عام 468 انتزع الجائزة الأولى للمأساة من إسكلس قادم حديث في سن السابعة والعشرين يسمى سفكليز (سوفكل) أي العاقل المكرم. وكان سفكليز هذا أسعد الناس حظاً ويكاد حتىقد يكون أشدهم تشاؤماً. وكان موطنه الأصلي ضاحية كولونس إحدى ضواحي أثينة، وكان ابن صانع سيوف، ومن أجل هذا فإن الحروب الفارسية والبلوبونيزية التي أفقرت الأثينيين كلهم تقريباً اتىت لهذا المحرر المسرحي بثروة طائلة(57). وكان فضلاً عن ثرائه رجلاً عبقرياً وسيماً جيد الصحة، نال جائزتي المصارعة والموسيقى - فجمع بذلك بين كفايتين لوشهدهما أفلاطون لاغتبط أشد الاغتباط بوجودهما في رجل واحد. وقد أمكنته مهارته في لعب الكرة وفي العزف على القيثارة من حتى يقيم حفلات عامة في الفنين، وكان هوالذي اختارته المدينة بعد واقعة سلاميس ليقود شبان أثينة العراة في رسيرة النصر ونشيده(58). وقد ظل محتفظاً ببهاء طلعته إلى أواخر أيامه، ويظهره تمثاله المحفوظ في متحف لاتران Lateran شيخاً ملتحياً بديناً ولكنه قوي طويل القامة. وقد نشأ في أسعد عهود أثينة، وكان صديقاً لبركليز وشغل في عهده أعلى مناصب الدولة؛ فكان في عام 443 أمين بيت المال الإمبراطوري؛ وفي عام440 كان أحد القواد الذين تولوا قيادة قواد أثينة في الحملة التي سيرها بركليز على ساموس، وإن كان من واجبنا حتى نضيف إلى هذا حتى بركليز كان يعجب بشعره أكثر من إعجابه بخططه الحربية. وعين بعد الكارثة التي حلت بأثينة في سرقوصة عضواً في لجنة الأمن العام(59)، واقترع بحكم منصبه هذا على عودة الدستور الألجركي في عام 411. وكان الشعب يعجب بأخلاقه أكثر من إعجابه بسياسته، فقد كان ظريفاً، لبقاً، متواضعاً، محباً للهو، وهب من قوة الجاذبية ما يكفر عن جميع أخطائه. وكان يحب المال(60)والغلمان(61)، حتى إذا ما بلغ سن الشيخوخة تحول حبه هذا نحوالسراري(62)؛ وكان شديد الصلاح، وقد شغل مراراً منصب الكاهن(63).

وخط سفكليز 113 مسرحية، لم يبق منها إلا سبع لا نعهد الترتيب الذي خرجت به. وقد نال الجائزة الأولى في الحفلات الديونيشية ثماني عشرة مرة، ونالها مرتين في الحفلات اللينيائية Lenaean، وحصل على أولى جوائزه في سن الخامسة والعشرين وعلى آخرها وهوفي الخامسة والثمانين، وظل يسيطر على المسرح الأثيني ثلاثين عاماً، وكان له عليه من السلطان أكثر مما كان لمعاصره بركليز على الحكومة الأثينية. وهوالذي زاد عدد الممثلين إلى ثلاثة، وظل يقوم ببعض الأدوار حتى فقد صوته. وقد غير نظام المسرحية الثلاثية الذي كان يتبعه إسكلس وفضل حتى يدخل المباريات بثلاث مسرحيات مستقلة جميع منها عن الأخرى (وحذا حذوه يوربديز من بعده).

وكان إسكلس مولعاً بالموضوعات الكونية التي تطغى على أشخاص مسرحياته، أما سفكليز فكان مولعاً بالأخلاق، ويكاد حتىقد يكون حديث النزعة في إدراكه للآثار النفسانية. ومسرحية "المرأة التراقينية" في ظاهرها مسرحية غنائية عاطفية؛ وخلاصتها : حتى ديانيرا Deianeira تتملكها الغيرة من حب زوجها هرقل لأيولا Iola فتبعث إليه على غير فهم منها بثوب مسمم يقضي عليه فتقتل هي نفسها. وليس الذي يعني به سفكليز في هذه السيرة هوالعقاب الذي يحل بهرقل - أي العقاب الذي كان يظهر لإسكلس أنه أبرز ما في المسرحية - وليس هوعاطفة الحب القوية نفسها - وهي التي كانت تبدوأبرز ما فيها في نظر يوربديز - بل الذي يعني به هوسيكولوجية الغيرة. وفي مسرحية أجاكس لا يعني المؤلف بأعمال القوة التي يقوم بها بطل المسرحية، بل إذا الذي يعني به هودراسة رجل مضى عقله. ولا نكاد نرى في فلكتيتس حادثة ما، بل الذي نراه هوتحليل سافر للسذاجة التي أوذيت وللخيانة الدبلوماسية. والسيرة في مسرحية إلكترا قليلة الشأن قديمة، ولقد كان إسكلس يفتتن بما تثيره السيرة من مشاكل أخلاقية، أما سفكليز فيكاد يغفل هذه المشاكل في حرصه على دراسة كراهية الفتاة لأمها دراسة تحليلية نفسانية لا أثر للعاطفة أوللشفقة فيها. وقد اشتق من اسم هذه المسرحية اسم لنوع من الاضطراب العصبي كان موضوع البحث في يوم من الأيام، كما اشتق من مسرحية أوديب الملك اسم لنوع آخر من هذا الاضطراب.

وأشهر المسرحيات اليونانية بأجمعها مسرحية أوديب تيرانس. والفصل الأول من فصولها قوي الأثر: ترى فيه خليطاً من الرجال، والنساء، والغلمان، والبنات، والأطفال جالسين أمام قصر الملك في طيبة يحملون أغصان الغار والزيتون رمزاً لأنهم اتىوا راجين متوسلين. ذلك حتى وباء قد اجتاح المدينة فاجتمع الشعب يطلب إلى الملك أوديب حتى يقرب للآلهة قرباناً يسترضيها به. وتعلن إحدى النبوءات حتى الطاعون سيمضى عن طيبة إذا خرج القاتل غير المعروف الذي اغتال ملكها السابق. ويعلن أوديب هذا القاتل أياً كان لعنة شديدة، لأن جريمته قد سببت هذا الشقاء كله للمدينة. وبداية المسرحية على هذا النحوخير مثل لتلك الكيفية التي يشير بها هوراس طريقة الاندفاع في وسط الأمور In Medias Res أي مفاجأة النظارة بالمشكلة أولاً على حتى يأتي شرحها فيما بعد. لكن النظارة في هذه المسرحية كانوا يعهدون مجرى الحوادث بطبيعة الحال لأن سيرة ليوس Laius وأوديب وأبي الهول كانت جزءاً من القصص الشعبي اليوناني. وتقول الرواية المأثورة إذا لعنة قد حلت بليوس وأبنائه لأنه أدخل إلى هلاس رذيلة غير طبيعية(64)، وكانت نتائج هذه الخطيئة التي أهلكت الناس جيلاً بعد جيل موضوعاً شائعاً للمآسي اليونانية. وقد نطق الوحي إذا ليوس وزوجته جكستا Jocasta سيرزقان ولداً يقتل أباه ويتزوج أمه. وكانت نتيجة هذه النبوءة حتى عثر في العالم للمرة الأولى زوجان يريدان حتىقد يكون أول أبنائهما بنتاً؛ ولكنهما رزقا ولداً، وأرادا ألا تتحقق النبوءة فعرضاه للموت على أحد التلال، حيث عثر راعٍ وسماه أوديب لتورم قدميه، وأهداه إلى ملك كورنثة وملكتها فتبنياه وربياه. ولما كبر أوديب عهد من مهبط الوحي أيضاً أنه قد خط عليه حتى يقتل أباه ويتزوج أمه. واعتقد حتى ملك كورنثة وملكتها هما أبوه وأمه، ففر من المدينة واتخذ طريقه إلى طيبة. والتقى في الطريق بشيخ طاعن في السن فتشاجر معه وقتله وهولا يعهد حتى هذا الشيخ أبوه. ولما اقترب من طيبة التقى بأبي الهول، وهومخلوق له وجه امرأة، وذنب أسد، وجناحا طائر. وقد سأل أبوالهول أوديب حتى يجيب عن ذلك اللغز المشهور : "ما قولك في مخلوق ذي أربع أقدام، وثلاث أقدام، وقدمين؟". وكان أبوالهول يقتل جميع من لا يعهد الجواب السليم عن هذا السؤال؛ واستولى الهلع على أهل طيبة واشتدت رغبتهم في تطهير طريق مدينتهم من هذا المخلوق المهول، فنذروا حتىقد يكون ملكهم الثاني هوالرجل الذي يحل هذا اللغز، وذلك لأن أبا الهول قد قرر حتى ينتحر إذا عهد إنسان الجواب السليم. وأجابه أوديب بقوله : "هوالإنسان؛ لأن الطفل الرضيع يحبوأولاً على أربع أقدام، فإذا كبر سار على قدمين، وإذا هرم استعان بعصاً". وكانت إجابة عراتى، ولكن أبا الهول رضي بها ووفى بوعده فقتل نفسه. ورحب الطيبيون بأوديب وعدوه منقذاً لهم، ولما لم يعد ليوس إلى المدينة اختاروا هذا القادم الجديد ملكاً عليهم. واتبع أوديب العادة المألوفة في المدينة فتزوج الملكة ورزق منها أربعة أبناء : أنتجوني، وبولينيسيز Polynices، وإتيكليز Eteocles وإزميني Ismene.

وفي المنظر الثاني في مسرحية سفكليز - وهوأقوى منظر في المسرحيات اليونانية بأجمعها - يأمر أوديب كاهناً من كبار الكهنة بأن يكشف إذا استطاع عمن اغتال ليوس فيقول إذا القاتل هوأوديب نفسه. وليس في الفجائع كلها فجيعة أشد سقطاً أوأعظم هولاً من إدراك الملك على الرغم منه أنه هوقاتل أبيه وزوج أمه. وتأبى جوكستا حتى تصدق هذا النبأ وتقول إنه حلم فرويدي Freudian ، وتؤكد لأوديب "أن كثيرين من الناس قد حلموا أنهم ضاجعوا أمهاتهم؛ ولكن الذي يرى حتى هذه أضغاث أحلام يعيش طول حياته مستريح البال"(65). ثم تعهد الحقيقة كاملة فتشنق نفسها، ويجن أوديب من شدة الندم فيفقأ عينيه ويغادر طيبة منفياً عنها، وليس معه من يعينه في منفاه غير أنتجوني. وفي مسرحية أوديب في كولونس وهي الجزء الثاني من مسرحية ثلاثية غير مقصودة، نرى الملك السابق طريداً، أشيب الشعر، متكئاً على ذراع ابنته يطوف بالمدن يستجدي الناس الخبز. ويصل في طوافه إلى كولونس الظليلة، وينتهز سفكليز هذه الفرصة فينشد لقريته التي ولد فيها، ولزيتونها، أغنية من أحسن الأبيات اليونانية لا تستطاع ترجمتها ترجمة تظهر جمالها يقول فيها: "أيها الغريب، إنك تنزل الآن في هذه الأرض، أرض الجياد والفرسان؛ تلك أرض لا كمثلها أرض سواها؛ هاهي ذي كولونس البيضاء تتلألأ. كم من مرة غنى العندليب بصوته الشجي وهوعائد إلى عشه، تخفيه الأيك الخضر، يروي قصته الحلوة الحزينة... وترى النرجس في جميع يوم يرتشف رضاب الندى فيتفتح، وتعلوه أول عناقيد من التيجان البيض!

"وهنا تخرج الأرض عشباً عجيباً لم يتغن أحد بمثله في جزيرة بلبس Pelops الدورية القريبة، ولم ينبت في أرض آسية البعيدة. وهونبات متجدد النظارة على الدوام، يجدد نفسه، ويتوالد بنفسه، يلقي الرعب في قلوب أعدائها المسلحين: فهولا يبلغ في غير هذه البلدة ما يبلغه فيها من جمال وازدهار، بأوراقه الريشية الملساء ذات الزرقة السنجابية البراقة كالفضة، والذي يغذي البلدة بعصير زيتونه. ولن تستطيع قوة أويد مخربة حتى تخرب المدينة سواء كانت قوة الشباب الأهوج أوحكمة الشيخوخة المجربة لأن قرص زيوس السماء يرعاها هووالضياء الأزرق المنبعث من عين أثينة".

وكانت نبوءة قد سمعت بأن أوديب سيموت بجوار اليمنيديات، فلما عهد أنه الآن في أيكتهن المقدسة بكولونس أيقن هذا الشيخ الذي لم يجد في الحياة جمالاً حتى الموت يحلوفي ذلك المكان. وينادي لثسيوس ملك أثينة بأبيات كأنه يخترق بها حجب الغيب ويجمع فيها القوى التي كانت تعمل على إضعاف بلاد اليونان وهي فقر التربة، وقلة الإيمان، وضعف الأخلاق والرجال:

"إن آلهة السماء وحدها هي التي لا تصل إليها الشيخوخة ولا الموت لأي سبب من الأسباب، وكل ما عداها يعدوعليه الزمان المسيطر على جميع شيء، فتمضى قوة الأرض، وتذبل زهرة الرجولة، وينعدم الإيمان، ويزدهر الإلحاد ازدهار الزهرة، ومن ذا الذي يستطيع حتى يجد في شوارع الناس المفتوحة، أوفي مكنون حبه الخفي ريحاً تهب صادقة إلى أبد الدهر؟"(67).

ثم يظهر كأن أوديب يسمع نداء إله من الآلهة فيودع أنتجوني وإزميني وداعاً رقيقاً، ويسير إلى الأيكة المظلمة وليس معه إلا ثسيوس وحده. "وسرنا قليلاً ثم التفتنا فإذا الرجل قد اختفى؛ ولم يبق إلا الملك ، وقد حمل إحدى يديه ليظل بها عينيه، كما يعمل الإنسان إذا تراءت له رؤية رهيبة مروعة لا تقوى عيناه على التطلع إليها... وما من أحد غير ثسيوس يعهد كيف من الممكن أن قضى نحبه... فلعل إنساناً أوفدته الآلهة ليهدي خطاه، أولعل الأرض قد أشفقت عليه ففغرت فاها وابتلعته حتى لا يصيبه ألم. إلى غير ذلك اختفى الرجل ولم يخلف وراءه شيئاً نحزن لأجله - لم يهجر العالم بعد حتى ينهكه السقم والألم؛ بل اختتم حياته، إذا كان قد اختتمها، ختاماً عجيباً"(68). وفي المسرحية الثالثة في ترتيب الحوادث، والظاهر أنها هي أول ما خط من المسرحيات الثلاث، توارى أنتجوني الوفية في قبرها. فقد سمعت حتى أخويها بولينيسيز وإتيكليز يتنازعان عرش المملكة، فعادت مسرعة إلى طيبة ترجوحتى توفق بينهما، ولكنهما لا يصغيان إليها، ويوصلان الحرب حتى يقضى عليهما ويستولي كريون Creon حليف إتكليز على العرش، ويأمر ألا تدفن جثة بولينيسيز عقاباً له على ثورته. ولكن أنتجوني تعصى هذا الأمر وتدفن جثة أخيها لأنها تعتقد، كما يعتقد سائر اليونان، حتى روح الميت لا تفتأ تعذب ما دامت جثته لم تدفن. وفي هذا المقام تغني فرقة المرتلين أغنية تعد من أشهر أغاني سفكليز:

"ما أكثر العجائب في هذا العالم، ولكن لا شيء أحب من الإنسان؛ فهويشق طريقه المحفوف بالأخطار خلال المضيق ذي الماء المزبد فوق متن البحار الصاخبة، تدفعه ريح الجنوب الهواتى. والأرض أقدم الآلهة التي لا يعتريها نصب ولا وهن يفلحها ويقلبها سنة بعد سنة بمحراثه ونيره على رقاب الجياد.

"ويصيد بفخاخه المنسوجة طيور الهواء الحمقاء، ووحوش الغاب والفلوات، وسمك البحار المالحة. ألا ما أشد مكره. فهويذلل بحيله التي لا آخر لها الثور الوحشي والأيل الذي يمرح حراً في الجبال، ويخضع للجامه الجواد الأشعث ذا اللبد. أما الكلام وإسداء النصح العاجل والذكاء فقد عهدها كلها بنفسه، وعهد كيف من الممكن أن يسقط المطر السريع وكيف تهب الريح العاتية الطليقة التي تتجمد تحت سماء الشتاء. وهومستعد لكل ما يصادفه، فقد عهد كيف من الممكن أن يتحمل الوباء الوخيم، وكيف ينجومن جميع ما يصيبه، ولكنه مع هذا كله لم يجد دواء يرد عنه الموت"(69). ويحكم كريون حتى تدفن أنتجوني حية، ويحتج ابنها هيمون على هذا الحكم الظالم الرهيب، فلا يفيد احتجاجه فيقسم لأبيه "إنك لن ترى وجهي بعد الآن". وهنا لأول مرة يحدث الحب أثره في مأساة سفكليز وينشد الشاعر لإله الحب نشيداً ظل الأقدمون يذكرونه عهداً طويلاً: "أيها الحب؛ يا من لا يقوى على صدك شيء في الكفاح، جميع الناس يخضعون إذا ألقيت عليهم نظرة من عينيك. الحب يرقد طول الليل على خد العذراء، ويطوي الربا والقفار، ويشق عباب البحار. أيها الحب يا من يقع الآلهة في أسرك، هل يقوى الآدميون على النجاة من قبضتك؟"(70). ويختفي هيمون، ويجد كريون في البحث عنه ويأمر جنوده بأن يفتحوا الكهف الذي دفنت فيه أنتجوني، فيجدها ميتة وإلى جانبها هيمون قد وطد العزم على الموت.

"ونظرنا، وفي قبوة الكهف المظلم رأيت الفتاة مخنوقة هناك، وقد لف حبل من التيل وعقد حول عنقها، وإلى جانبها حبيبها ممسك بجثتها الهامدة يندب عروسه الميتة... فلما حتى رآه الملك صرخ صرخة مروعة واتجه نحوه وهويصيح: "أي ولدي، ماذا عملت بنفسك،يا ترى؟ وماذا يؤلمك،يا ترى؟ وأية كارثة حلت بك فسلبت عقلك،يا ترى؟ أقبل يا ولدي أقبل، إذا أباك يتوسل إليك". ولكن ابنه أحدق فيه بعينين كعيني النمر، وبصق في وجهه، ثم استل سيفه ذا المقبضين دون حتى ينبس ببنت شفة وضرب؛ غير حتى أباه تراجع إلى الوراء فأخطأته الضربة.وغضب الغلام الداعر البائس من نفسه، فسقط على حد سيفه، فنفذ السيف في جنبه؛ وقبل حتى تخمد أنفاسه أمسك الفتاة بذراعيه المسترخيتين، وقد اصطبغ خدها المصفر بشهيقه. إلى غير ذلك قضى الاثنان نحبهما، وأصبحا جثتين هامدتين وحَّد بينهما الموت"(71).

وأهم ما تمتاز به هذه المسرحيات صفتان لم يمضى بروعتهما مر الزمان ولا عبث المترجمين وهما جمال الأسلوب وسموالفن. ففيها النموذج الحق لعبارات العصر المضىي المصقولة، الهادئة، الرصينة، القوية في غير إسراف، الجزلة الرشيقة، التي تجمع بين قوة فدياس ورقة برلستيليز. ولا يقل السياق نفسه سمواً عن الألفاظ، فكل سطر قد وضع في الموضع اللائق به، وكل سطر يستحوذ على فكرك ويسير بك إلى تلك اللحظة التي تصل فيها الحوادث إلى غايتها ومغزاها. وقد بنيت جميع مسرحية من هذه المسرحيات كما تبنى المعابد يصقل جميع جزء منها على حدة، ولكنه يوضع في مكانه اللائق به من البناء كله، إذا استثنينا فيها عيباً واحداً هوحتى المؤلف في مسرحية فلكتيتس يقبل في غير جهد فكرة إنزال الآلهة بالآلات (وهي فكاهة من فكاهات يوربديز) ويعدها حلاً جدياً للعقدة المستعصية على الحل. وأهم النقاط البارزة في حبكة هذه المسرحيات، وفي مسرحيات إسكلس، هي أولاً انتقام لغطرسة شديدة وسفاهة في أحد الفصول (كلعنة أوديب للقاتل المجهول)، ثم فهم فجائية لحقيقة كانت قبل غامضة، ثم تعثر الحظ، ثم الانتقام الإلهي والعقاب المحتوم. وكان أرسطاطاليس يتخذ "أوديب الملك" مثلاً للمسرحية الكاملة البناء الخالية من النقص؛ وإن مسرحيتي أوديب الأخريين لتوضحان أتم الوضوح تعريف أرسطوللمسرحية، وقوله إنها تطهير للرحمة والفزع بعرضهما عرضاً موضوعياً. والشخصيات هنا مصورة تصويراً أوضح من شخصيات إسكلس وإن لم تبلغ في واقعيتها مبلغ شخصيات يوربديز. وفي ذلك يقول سفكليز نفسه: "إني أصور الرجال كما يجب حتىقد يكونوا، أما يوربديز فيصورهم كما هم"(72)، وكأنه يعني بهذا حتى التمثيل يجب حتى يتجه إلى حد ما نحوالمثل العليا، وأن الفن يجب ألاقد يكون تصويراً شمسياً. ولكن أثر يوربديز يظهر واضحاً في النقاش الذي يدور في الحوار، وفي استغلال العواطف في بعض الأحيان؛ وشاهد ذلك أنا نرى أوديب يغفل صفاته الملكية ويحاج تيرسياس Teiresias، ونراه حين يفقد بصره يتحسس أوجه بناته تحسساً يبعث الحسرة في النفس. أما إسكلس فلوأنه كان في هذا الموقف نفسه لنسي البنات وأخذ يفكر في قانون من القوانين الخالدة. وسفكليز أيضاً فيلسوف وواعظ، ولكن نصائحه لا تعتمد على رضاء الآلهة بالقدر الذي تعتمد به عليها نصائح إسكلس. وسبب ذلك أنه قد مسته روح السوفسطائيين، وهووإن كان يستمسك بأصول الدين يظهر في مسرحياته أنه لولا حتى الحظ قد واتاه لكان هوويوربديز سواء. ولكن حساسيته الشاعرية الشديدة التي تمنعه حتى يتلمس المعاذير لما يصيب الناس من ضر لا يستحقونه في أغلب الأحيان. انظر مثلاً إلى قول ليلس Lyllus أمام جسم هرقل وهويتلوى من شدة الألم:

"نحن لم نقترف ذنباً، ولكننا نقر بأن قلوب الآلهة خالية من الرحمة، فهم يلدون الأبناء، ويطلبون حتى يعبدوا باسم الآباء، ولكنهم ينظرون إلى أبنائهم نظرة مليئة بالأحقاد"(73). وهوينطق جوكستا بالسخرية من النبوءات، مع حتى مسرحياته تدور حول هذه النبوءات نفسها وتبدوفيها واضحة؛ وترى كريون يندد بالمتنبئين ويقول عنهم إنهم "طائفة لا هم لها إلا جمع المال"، ويسأل فلكتيتس السؤال القديم "كيف نبرر تصرفات السماء إذا كنا نجد السماء ظالمة؟"(74) ويجيب سفكليز عن هذا السؤال إجابة تبعث الأمل في النفوس فيقول إذا النظام الأخلاقي في العالم أدق من حتى تفهمه عقولنا، ولكنه نظام قائم بالعمل، وستكون الغلبة فيه للحق في آخر الأمر(75). وهويحذوحذوإسكلس فيرى حتى زيوس هونفسه النظام الأخلاقي، وهويقترب من الوحدانية أكثر مما يقترب منها إسكلس نفسه. ويشبه الصالحين من الإنجليز في عصر الملكة فكتوريا، فتراه قوياً في إيمانه بالأخلاق الفاضلة وإن كان غير واثق جميع الثقة من دينه، ويرى حتى أرقى أنواع الحكمة حتى نعهد القانون الذي هوزيوس، المرشد الأخلاقي لهذا العالم، وأن نتبعه متى عهدناه.

"ألا ليت قدمي الثابتين لا تعجزان عن السير في طريق الحق والصلاح. وليتني أقضي حياتي مبرأً من الخطايا في القول والعمل، مستمسكاً بتلك القوانين الأزلية التي تسموعلى الدوام إلى أبراج السماء الأثيرية النقية التي نشأت فيها: ذلك حتى موطنها الوحيد هوأولمبس، ولم تكن هي وليدة حكمة البشر؛ ومهما غفل عنها الناس فإنها مستيقظة لا تنام عيناها أبداً"(76). ذلك قلم سفكليز ولكنه صوت إسكلس، أوهوالإيمان يقف وقفته الأخيرة في وجه الكفر. وكأنا نشهد في هذا الموقف، موقف التقى والاستسلام للقضاء، أيوب يندم على ما فرط منه ويرضى بما خط له، ولكننا نلمح بين السطور شيئاً من إلهام يوربديز قبل حتى يوجد يوربديز نفسه. ويرى سفكليز، كما يرى صولون، حتى أسعد الناس هوالذي لم يولد، ويليه في هذه السعادة من يموت في طفولته. ولقد عثر أحد المتشائمين المحدثين بعض اللذة في ترجمة الأبيات المحزنة في النشيد الجنائزي الذي أنشد عند موت أوديب، وهي أبيات يظهر فيها الملل من العالم الناشئ من آلام الشيخوخة، ومن حرب البلوبونيز حيث يقتتل الإخوة ويفتك بعضهم ببعض:

"أي رجل ذاك الذي يتوق إلى طول الأجل،يا ترى؟ إذا عيني ترى الحماقة تكتنف جميع أساليبه، وحدثا مرت السنون تبدلت حياتك سوءاً بعد سوء. يفترض أن يقترب منك الحزن، ويمتنع عن عينيك السرور. هذا هوالجزاء الذي يناله من يطول أجلهم. "وخير الناس في نظري هوالذي لم يولد ؛ ويليه في هذا من يولد ثم يموت لساعته. إذا الشباب ليجيء للإنسان بالحماقات التي هي أخف وزناً من الريش، ثم تجتمع الشرور كلها فلا ينقصها شر: من الغضب، وحسد، وشقاق، ونزاع، وسيف يتعقب الحياة. وتختتم هذه المتاعب كلها باقتراب الشيخوخة التي توهن الجسم فيفر من الأصدقاء والأقارب، الشيخوخة التي يتضاعف فيها جميع ما تحت قبة السماء من أحزان. "والذي يتحرر من الكدح، تنعقد أواصر الصداقة بينه وبين غيره من الناس، ولا تصحبه عروس ولا أهل عروس، ولا يسمع صوت الدفوف والغناء لأن الموت يقضي على ذلك كله".

ويعهد جميع من تفهم حياة سفكليز أنه كان يتسلى في شيخوخته مع حظيته ثيوريس Theoris، وأنه رزق منها بطفل(78)، وأن أيوفون Iophon ابنه الشرعي أقام دعوى على أبيه يتهمه فيها بالسفه، ولعل الدافع له إلى هذا خوفه حتى يهجر الشاعر ثروته لابنه من ثيوريس. ودافع سفكليز عن نفسه وقدم دليلاً على تمتعه بكامل قواه بعض مقطوعات قرأها على المحكمة من مسرحية كان يخطها، ولعلها كانت مسرحية "أوديب في كولونس"؛ ولم يكتف القضاة بتبرئته من التهمة بل ساروا يحفون به إلى بيته(79). ومع أنه قد ولد قبل يوربديز بزمن طويل فقد عاش حتى لبس عليه الحداد، ثم توفي في السنة التي توفي فيها هذا المحرر سنة 406. ومن الخرافات الشائعة أنه لما حاصر الإسبارطيون أثينة، تجلى ديونيشس إله التمثيل للمتحاربين وشفع لأصدقاء سفكليز، فحصل لهم على ممر أمين، وأمكنهم بذلك حتى يدفنوه في مقبرة آبائه في ديسيليا Deceleia، وأجله اليونان وكرموه كما يكرمون آلهتهم، وخط له الشاعر سمياس Simmias قبرية هادئة نطق فيها:

تسلق بلطف أيها الخلباب إلى حيث يرقد سفكليز في راحته الهادئة، وأوفد غدائرك الصفراء المخضرة على قبره الرخامي، الذي يتفتح حوله الورد الأرجواني. ولتتدل حوله عناقيد الورد المكتنزة، وتلقي حول الحجر أعناقها الصغيرة الجميلة، جزاءً وِفاقاً له على حكمته الحلوة التي هومنشؤها والتي تدعى ربات الشعر وثالوث الجمال أنها أغانيها.


أهم أعماله

A modern painting portraying Oedipus at Colonus.

مسرحيات طيبة (سلسلة أوديپ)

  • أنتيگوني
  • أوديپ ملكاً
  • أوديپ في كلونوس

مسرحيات أخرى

  • نساء تراخيس
  • إجاكس
  • إلكترا
  • فيلوكتيتس

أجزاء من مسرحيات

  • أمفتريون
  • Aias Lokros (Ajax the Locrian)
  • Akhaiôn Syllogos (The Gathering of the Achaeans)
  • Hermione
  • Nauplios Katapleon (Nauplius' Arrival)
  • Nauplios Pyrkaeus (Nauplius' Fires)
  • Niobe
  • Oenomaus
  • Poimenes (The Shepherds)
  • Polyxene
  • Syndeipnoi (The Diners, or, The Banqueters)
  • Tereus
  • Troilus
  • فيدرا
  • Triptolemus
  • Tyro Keiromene (Tyro Shorn)
  • Tyro Anagnorizomene (Tyro Rediscovered).

هامش


المراجع

  • Finkel, Raphael. "Suda On Line: Byzantine Lexicography". pp. s.v. . Retrieved 2007-03-14. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  • Freeman, Charles. (1999). The Greek Achievement: The Foundation of the Western World. New York: Viking Press. ISBN 0670885150
  • Lloyd-Jones, Sir Hugh (ed.) (1994). Sophocles. Ajax. Electra. Oedipus Tyrannus. Harvard University Press.
  • Scullion, Scott (2002). Tragic dates, Classical Quarterly, new sequence 52, pp. 81-101.
  • Seaford, Richard A. S. (2003). "Satyric drama". In Simon Hornblower and Antony Spawforth (ed.). The Oxford Classical Dictionary (revised 3rd edition ed.). Oxford: Oxford University Press. p. 1361. ISBN .CS1 maint: extra text (link)
  • Smith, Philip (1867). "Sophocles". In William Smith (ed.). Dictionary of Greek and Roman Biography and Mythology. 3. Boston: Little, Brown, and Company. pp. 865–873. Retrieved 2007-02-19.
  • Sommerstein, Alan Herbert (2002). Greek Drama and Dramatists. Routledge. ISBN 0415260272


وصلات خارجية

اقرأ اقتباسات ذات علاقة بسوفوكليس، في فهم الاقتباس.
Wikisource has original works written by or about:
سوفوكليس
  • Wikipedia- Theatre of ancient Greece
  • أعمال من Sophocles في مشروع گوتنبرگ
  • Works of Sophocles at the Perseus Digital Library (Greek and English)
  • Fragmentary Tragedies of Sophocles Project
  • Studies in Sophoclean Fragments
  • Films based on Sophocles plays
  • Life of Sophocles
تاريخ النشر: 2020-06-04 16:43:40
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, CS1 maint: extra text, كتاب دراما ومسرحيات يونانيون قدماء, أثينيون قدماء, يونانيو القرن الخامس ق.م., كتاب القرن الخامس ق.م., مواليد 496 ق.م., وفيات 406 ق.م., حب الغلمان في اليونان القديمة, شعراء مأسويون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

فوز ليز تراس بزعامة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة في بريطانيا

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-05 15:17:32
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 95%

أفغانستان: مقتل عدد من طاقم السفارة الروسية في تفجير انتحاري

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-05 15:17:35
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 89%

مصر ترحب بتعيين مبعوث أممي جديد في ليبيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-05 15:17:50
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 100%

بطولة إنكلترا: تشلسي يجدد عقد ريس جيمس حتى 2028

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-05 15:17:40
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 93%

بوريس جونسون: ماذا نتعلم من حقبة رئيس الوزراء البريطاني؟ - التلغراف

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-05 15:17:33
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 95%

ولاء حتى "الاستشهاد" لمقتدى الصدر في النجف

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-05 15:17:43
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 89%

فلاشينغ ميدوز: جابر تتسلح بإرسال سيرينا في مشوارها نحو اللقب

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-05 15:17:41
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 100%

ريال مدريد يسافر إلى اسكتلندا بحضور جميع نجومه في مقدمتهم بنزيما

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-09-05 15:17:26
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 65%

الأمم المتحدة تحذر: الصومال على حافة المجاعة ونوجه تنبيها أخيرا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-05 15:17:49
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 88%

دوري أبطال أوروبا: صراع الخليفي وأنييلي ينتقل إلى الملعب

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-05 15:17:42
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 99%

إسرائيل تمدد اعتقال محام فرنسي فلسطيني لثلاثة أشهر

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-05 15:17:43
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 97%

زيلينسكي يعلن استرداد بلاده ثلاث قرى في جنوب وشرق أوكرانيا

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-05 15:17:38
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 88%

مدافع الوداد محمد رحيم قريب من الانتقال لحسنية أكادير

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-09-05 15:17:25
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 56%

"فرانس برس": مقتل 4 أطفال أشقاء في انفجار لغم شمال غرب سوريا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-05 15:17:52
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 86%

تحميل تطبيق المنصة العربية