العقد الاجتماعي (روسو)

عودة للموسوعة

العقد الاجتماعي (روسو)

العقد الاجتماعي
في العقد الاجتماعي، أومبادئ الحق السياسي
صفحة العنوان لأول نسخة من اوكتاڤو
المؤلف جان-جاك روسو
العنوان الأصلي Du contrat social ou Principes du droit politique
البلد مملكة فرنسا
اللغة الفرنسية
تاريخ النشر
1762

عن العقد الاجتماعي، أومبادئ الحق السياسي (Du contrat social ou Principes du droit politique) (1762) بقلم جان-جاك روسو، هوالكتاب الذي يضع فيه روسونظرية حتى أفضل طريق لاقامة مجتمع سياسي في لقاءة مشاكل المجتمع التجاري التي كان قد ذكرها من قبل في كتابه حديث في التفاوت (1754).

يولد الإنسان حراً، إلا أنه حيثما حل فإنه يرسف في القيود.

الحاكم السيد، إذا لم يكن لديه من القوة سوى سلطة التشريع، فسيعمل فقط من خلال القوانين؛ ولما كانت القوانين هي وحدها التعبير الحق عن ارادة العامة، فإن الحاكم السيد لا يمكنه مزاولة عمله إلا حينقد يكون الشعب منعقداً.

كل قانون لم يقره الشعب بنفسه هوباطل ولاغي — وهو، في الواقع، ليس بقانون.

السلطة التشريعية هي من حق الشعب، ولا يحق حتى يملكها غير الشعب.

كان العقد الاجتماعي كتاباً تقدمياً ساعد على إلهام الإصلاحات السياسية والثورات في اوروبا، وخصوصاً في فرنسا. جادل العقد الاجتماعي ضد فكرة حتى الملوك لهم سلطة مقدسة في التشريع؛ كما أكد روسوحتى الشعب فقط، في صيغة حاكم سيد، له جميع الحق والسلطة.

لب فكرة العقد الاجتماعي يمكن وصفها ببساطة كالتالي: جميع منا يضع شخصه وسلطته تحت التوجه الأعلى لإرادة العامة، وتنظر الجماعة لكل فرد على أنه جزء لا يتجزأ منها...

ذات عام، أيام الحرب الباردة، أصدرت «مؤسسة فرانكلن» الأميركية التي عهدت بارتباطها بمراكز اتخاذ القرار في واشنطن، وربما بتنسيقها مع الأجهزة الايديولوجية في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، أصدرت كتاباً حمل عنواناً اقتبست صياغته من مسرحية إغريقية مشهورة: «سبعة ضد البشرية». وكان السبعة الذين يضمهم هذا العنوان الاستفزازي والموحي، كبار المفكرين العقلانيين الذين عهدهم التاريخ المعاصر خلال القرون الأخيرة، من نيوتن الى كارل ماركس، ومن داروين الى فرويد. أما المركز الأساس بين هؤلاء فحفظ لجان - جاك روسو. وفحوى ما اتى في الكتاب ان هؤلاء، في اخضاعهم تاريخ البشرية وآمالها وصورتها عن نفسها لمبادئ العقل، انما نسفوا جميع الأساطير التي كانت البشرية صاغتها عن نفسها ووجودها: أصلها الإلهي، مركزية الأرض في الكون، التربية، العلاقات الاجتماعية، الى آخر ما هنالك. وكان نصيب روسوفي الهجوم، يتعلّق بأنه بعدما كان الانسان يتصور ان العلاقات العريقة العتيقة بين البشر، كانت سماوية الطابع مجردة، اتى صاحب «العقد الاجتماعي» يقول ان بداية العلاقات مادية بحت، وأن التجمّع البشري لم يقم إلا بعمل ومن جراء تنازع البشر على ملكية الأرض وملكية جميع شيء بعد ذلك.

نبذة

غير حتى ذلك الكتاب، الذي كان - كما هوواضح - يرجّح مبدأ كذب الإنسان على نفسه وأسطرته لوجوده، على مبدأ تفحص الأمور في شكل عقلاني، ونعني هنا كتاب «سبعة ضد البشرية» لا كتاب «العقد الاجتماعي» بالطبع، لم يكن أول من هاجم روسوفي عقر دار أفكاره. بل ان هذا المفكر الفرنسي - الذي قد يحدث من الصعب الموافقة على انه فيلسوف - كان عرضة للهجوم منذ وقت مبكر، كما كان موضع دفاع حار عنه. ولنتذكر ها هنا كيف من الممكن أن ان «زميليه» في حركة التنوير الفرنسية ديدرووڤولتير، كانا الأقسى في الهجوم عليه. إذ وصفه ديدروبأنه «مسعور»، بينما نطق فولتير عنه «ان هذا الرجل ممسوس كئيب... إنه عدوللطبيعة البشرية». وفي اللقاء، اعتبر روسو«فيلسوف التعساء»، في لقاء اعتبار فولتير صاحب «فلسفة الناس السعداء» (وفق المحرر الفرنسي برناردان دي سان - بيار). غير ان هذا كله لا يقلل من أهمية روسوفي تاريخ الفكر وتاريخ التنوير. تلك الأهمية التي يقر له بها، بين آخرين، برتراند رسل الذي يفرد له مكانة كبيرة وأساسية في كتابه «تاريخ الفلسفة الغربية» ناسجاً على منوال ماركس وهيگل وآخرين كانوا يرون في روسواول مفكر وضع قواعد اساسية وصائبة لدراسة العلاقات - الاجتماعية - بين البشر.

صفحة العنوان من نسخة مهربة من العقد الاجتماعي، من الممكن طبعت في ألمانيا.

طبعاً لم يكن «العقد الاجماعي» كتاب روسوالوحيد، ولا يمكن اعتباره الأكثر شهرة بين مؤلفات تحفل بأعمال لا تزال حتى اليوم تُقرأ على نطاق واسع مثل «إميل أوالتربية» و«إلواز الجديدة» و«الاعترافات». لكن «العقد الاجتماعي» يتخذ مكانته من كونه الكتاب الوحيد الذي يجعل لروسومكانة في الفكر الفلسفي والفكر الاجتماعي سواء بسواء، بينما نجد ان خطه الأخرى والأكثر ذاتية تعطيه مكانة متميزة في عالم الأدب والتأمل.


العقد

قبل نشر "إلواز الجديدة" بشهرين خط روسوإلى مسيولينبس (11 ديسمبر 1760) يقول:

"لقد طلقت حرفة المحرر إلى الأبد. وبقيت خطيئة قديمة يجب التكفير عنها في كتاب مطبوع، وبعدها لن يسمع الجمهور مني أبداً. ولست أعهد حظاً أسعد من حتىقد يكون الإنسان مجهولاً إلا من أصدقائه....ومنذ الآن سيكون نسخ الموسيقى شاغلي الوحيد(1)". ثم خط ثانية في 25 يوليو1761:

"ظللت عاقلاً إلى الأربعين. ثم تناولت القلم، وهاأنذا أضعه قبل حتى أبلغ الخمسين، وأنا ألعن في جميع يوم من أيام حياتي ذلك اليوم الذي دفعني فيه غروري الأحمق إلى تناوله، والذي رأيت فيه سعادتي، وراحتي، وصحتي، كلها تتطاير هباء دون أمل في استعادتها ثانية(2)".

أكان هذا منه تظاهراً،يا ترى؟ ليس بالضبط. سليم إنه في 1762 نشر كتابيه "في العقد الاجتماعي" و"إميل"، ولكنهما كانا قد اكتملا قبيل 1761، وكانا "الخطيئة القديمة التي يجب التكفير عنها في كتاب مطبوع"، وسليم إنه بعد ذلك خط ردوداً على رئيس أساقفة باريس، وعلى مجمع الكنائس الجنيفي، وعلى طلبات من كورسيكا وبولندا بأن يقترح عليهما دستورين، ولكن هذه المؤلفات كانت مؤلفات مناسبات، دعت إليها أحداث غير متسقطة. وقد نشرت "الاعترافات" و"الحوارات" و"أحلام جوال منفرد" بعد موته. إلى غير ذلك التزم أساساً يتعهد الجديد. ولا عجب حتى يشعر في 1761 أنه قد أرهق ونضب، لأنه كان قد ألف في خمس سنوات ثلاثة أعمال كبرى، كان جميع منها حدثاً في تاريخ الأفكار.

ومنذ عام 1743 يوم كان سكرتيراً للسفير الفرنسي في البندقية، هدته ملاحظته لحكومة البندقية بالقياس إلى الحكومتين الجنيفية والفرنسية إلى تخطيط رسالة هامة في المؤسسات السياسية. وكان "الموضوعان" شرارتين بعثتهما تلك النار، ولكنهما كانا محاولتين متعجلتين لإثارة الانتباه بالمبالغة، ولم تنصف واحدة منهما فكره المتطور. وراح خلال ذلك يفهم أفلاطون، وجروتيوس، ولوك، وبوفندورف. ولم تكتمل قط الرائعة الأدبية التي حلم بها. فروسولم يوهب الذهن المنظم، الإرادة الصابرة، والطبع الهادئ الذي يتطلبه مشروع كهذا يقتضيه الاستدلال العقلي لا الوجدان فقط، وإخفاء العاطفة لا إعلانها، وكان مثل هذا الإنكار للنفس فوق طاقته. لقد كان هجرانه للتأليف اعترافاً منه بالهزيمة. ولكنه منح العالم عام 1762 بترة رائعة من مخططه في 125 صفحة نشرت بأمستردام تحت عنوان "في العقد الاجتماعي، أومبادئ القانون السياسي".

وكلنا يعهد الصيحة الجريئة التي استهل بها الفصل الأول "ولد الإنسان حراً وهوفي جميع مكان مكبل بالأغلال" وقد افتتح روسوكتابه بمبالغة مقصودة، لأنه عليم بأن للمنطق سلطاناً منوماً قوياً، وقد أصاب في ضربه على هذه النغمة العالية، لأن هذه العبارة أصبحت شعار قرن بأكمله. وافترض روسوهنا-شأنه في "الموضوعين"-وجود "حالة طبيعية" بدائية لم تكن فيها قوانين، واتهم الدولة القائمة بتدمير تلك الحرية، واقترح بديلاً عنها "إيجاد شكل من المجتمع يدافع عن إنسان جميع عضوفيه وعن متاعه ويحميهما بكل ما أوتي من قوة مجموعة، مجتمع يظل الإنسان فيه رغم اتحاده مع الجميع يطيع نفسه فقط، ويبقى حراً كما كان من قبل...تلك هي المعضلة الأساسية التي يقدم لها العقد الاجتماعي الحل(3).

يقول روسوحتى هناك عقداً اجتماعياً، لا كتعهد من المحكومين بإطاعة الحاكم، كما اتى في كتاب هويز (اللوياثان) "الوحش"، بل كاتفاق الأفراد على حتى يخضعوا رأيهم؛ وحقوقهم، وسلطاتهم لحاجات ورأي مجتمعهم ككل. وكل إنسان يدخل ضمناً في مثل هذا العقد بقبوله حماية القوانين العامة. والسلطة العليا في أي دولة لا تستقر في أي حاكم-فرداً كان أوجماعة-بل في "الإرادة العامة" للمجتمع، وتلك السيادة لا يمكن التخلي عنها أبداً وإن جاز تفويضها جزئياً إلى حين.

ولكن ما هذه "الإرادة العامة"،يا ترى؟ أهي إرادة جميع المواطنين؛ أم إرادة الأغلبية فقط،يا ترى؟ ومن الذين يعتبرون مواطنين،يا ترى؟ إنها ليست إرادة الجميع، لأنها قد تناقض كثيراً من الإرادات الفردية. ولا هي دائماً إرادة الأغلبية الذين يعيشون (أويصوتون) في لحظة بعينها، بل عي إرادة المجتمع باعتباره صاحب حياة وواقع مضافين إلى حيوات وإرادات الأعضاء الأفراد. (وروسو، كمفكر واقعي من العصر الوسيط، ينسب للجماعة مجتمعة، أوللفكرة العامة، واقعاً بالإضافة إلى واقع أعضائها الأفراد. فالإرادة العامة أو"روح الجماعة" يجب حتى تكون الصوت المعبر لا عن المواطنين الأحياء فحسب، بل الأموات أوالذين لم يولدوا بعد، ومن ثم فالذي يعطيها طابعها ليس هوالإرادات الراهنة فحسب، بل تاريخ الجماعة الماضي وأهدافها المستقبلة. وما أشبهها بأسرة عريقة تفكر في نفسها على أنها واحدة على مر الأجيال، وتكرم أسلافها، وتحمي أخلاقها-(بمعنى حتى أباً من الآباء قد يدفعه التزامه قبل حفدته الذين لم يولدوا بعد إلى مناقضة رغبات أبنائه الأحياء، وأن سياسياً ما قد يشعر بأنه ملتزم بالتفكير لا بلغة انتخاب واحد بل أجيال كثيرة). ومع ذلك فإن (صوت الأغلبية ملزم دائماً للباقين جميعاً(4)). ومن له حق التصويت،يا ترى؟ جميع مواطن(5). ومن المواطن،يا ترى؟ واضح أنه ليس جميع بالغ ذكر. وروسوغامض جداً في هذه النقطة، ولكنه يمتدح دالامبير لتفريقه بين "طبقات الناس الأربعة...الذين يسكنون مدينتنا (جنيف)، وطبقتان من هؤلاء فقط تؤلفان الشعب. ولم يفهم محرر فرنسي آخر...المعنى الحقيقي لحدثة المواطن(6).

يقول روسوحتى القانون، في الحالة المثالية، ينبغي حتىقد يكون التعبير عن الإرادة العامة. فالإنسان بفطرته يغلب عليه الخير، ولكن له غرائز يجب التحكم فيها ليصبح المجتمع أمراً ممكناً. وليس العقد الاجتماعي تمجيد "حالة الطبيعة" فروسويتحدث لحظة كما يتحدث لوك أومونتسيكولا بل فولتير:

"إن الانتنطق من حالة الطبيعة إلى الحالة المدنية يتمخض عن تغير ملحوظ جداً في الإنسان، لأنه يحل القانون محل الغريزة في سلوكه، ويضفي على أفعاله، الفضيلة التي كانت تعوزها من قبل. ومع أنه في هذه الحالة (المدنية) يحرم نفسه من بعض المنافع التي تلقاها من الطبيعة. إلا أنه يكسب نظير ذلك منافع أخرى عظيمة جداً؛ فقدراته تحفر حفراً شديداً وتطور تطويراً كبيراً، وأفكاره توسع كثيراً وروحه كلها تسموسمواً عظيماً. ولولا حتى مساوئ حالته الجديدة كثيراً ما تهبط به إلى مستوى أدنى من ذلك الذي هجره، لكان عليه حتى يبارك على الدوام تلك اللحظة السعيدة التي نقلته من حالته الأولى إلى غير رجعة، والتي جعلته كائناً-ذكياً وإنساناً بدلاً من حتى يظل حيواناً غبياً عديم الخيال(7).

إلى غير ذلك نجد روسو(الذي تحدث يوماً ما كما يتحدث فوضوي لا يفلسف كلامه تماماً) يناصر بكليته قداسة القانون عن الإرادة العامة. فإذا لم يتفق فرد ما كما يحدث في حالات كثيرة-مع تلك الإرادة كما يعبر عنها في القانون، حق للدولة إكراهه على الخضوع(8). وليس هذا انتهاكاً للحرية لا صيانة لها، حنى للفرد المقاوم، لأنه بفضل القانون وحده يستطيع الفرد في الدولة المدنية حتى يتمتع بتحرره من العدوان، والسرقة، والاضطهاد، وتشويه السمعة، وعشرات الشرور الأخرى. ومن ثم فإن المجتمع بإكراهه الفرد على إطاعة القانون إنما "يكرهه على حتىقد يكون حراً" في الواقع(9). وهذه هي الحالة على الأخص في الجمهوريات، لأن "طاعة القانون الذي نضعه لأنفسنا هي الحرية"(10).

الحكومة جهاز تطبيقي تفوض فيه الإرادة العامة مؤقتاً بعض سلطاتها. وينبغي حتى تكون فكرتنا عن الدولة لا على أنها الحكومة فقط، بل الحكومة، والمواطنين، والإرادة العامة أوروح الجماعة. والدولة تكون جمهورية إذا حكمتها القوانين لا المراسيم الأوتقراطية، وبهذا المعنى يمكن حتى اعتبار الملكية جمهورية إذا حكمتها القوانين لا المراسيم الأوتقراطية، وبهذا المعنى يمكن حتى اعتبار الملكية جمهورية. أما إذا كانت الملكية مستبدة-أي إذا كان الملك يضع القوانين وينفذها-فليست هناك جمهورية أودولة، بل طاغية يحكم عبيداً. ومن ثم رفض روسوالانضمام إلى أولئك الفلاسفة الذين امتدحوا "الاستبداد المستنير"-استبداد فردريك الثاني أوكاترين الثانية سبيلاً لدفع الحضارة والإصلاح قدماً. وكان رأيه إذا الشعوب التي تعيش في أجواء قطبية أومدارية قد بحاجة إلى الحكم المطلق حفاظاً على الحياة والنظام(11)، أما في المناطق المعتدلة فيحسن المزج بين الأرستقراطية والديمقراطية. والأرستقراطية الوراثية "أسوأ الحكومات قاطبة"، والأرستقراطية الانتخابية أفضلها(12)، أي حتى أفضل حكومة هي تلك التي تضع القوانين وتنفذها فيها أقلية من الرجال ينتخبون دورياً لتفوقهم الفكري والخلقي. أما الديمقراطية بوصفها حكماً مباشراً بواسطة الشعب كله فقد بدت لروسومحالة.

"لوأخذنا هذا اللفظ بمعناه الدقيق لم نجد قط ديمقراطية حقيقية، ولن توجد أبداً هذه الديمقراطية. فما يناقض النظام الطبيعي حتى تكون الكثرة حاكمة والقلة محكومة. ومما لا يمكن تصوره حتى يظل الناس مجتمعين بصفة مستمرة ليتفرغوا للشؤون العامة، وواضح أنهم لا يستطيعون إنشاء لجان لهذا الغرض دون تغيير في شكل الحكومة".

ثم كم من الظروف التي يصعب الجمع بينها تفترض لهذه الحكومة،يا ترى؟

أولاً دولة صغيرة جداً يمكن جمع الشعب فيها عاجلاً، ويمكن لكل مواطن فيها حتى يعهد سائر المواطنين بسهولة؛ ثانياً، الباسطة التامة في العادات، منعاً لتكاثر الأعمال وإثارة المشاكل الشائكة، ثم قدر كبير من المساواة في الرتب والثروات بدونه لا تستطيع المساواة في الحقوق والسلطة البقاء طويلاً، وأخيراً قلة الترف أوانعدامه، لأن الترف مفسدة للأغنياء والفقراء جميعاً-للأغنياء بالاقتناء، وللفقراء بالاشتهاء..وهذا هوما حدا محرراً شهيراً (مونتسكيو) إلى اعتبار الفضيلة المبدأ الأساسي للجمهوريات، لأن هذه الظروف كلها لا يمكن توافرها بغير الفضيلة..ولوكان هناك شعب من الآلهة لكانت حكومة ديمقراطية أما البشر فليست هذه الحكومة البالغة الكمال مما يناسبهم(13).

وقد تغري هذه الفقراء بسوء التفسير. فروسويستخدم لفظ "الديمقراطية" بمعنى ندر حتى ينسب له في السياسة أوالتاريخ، وهوأنها حكومة تشرع فيها جميع القوانين بواسطة الشعب كله المجتمع في مجالس قومية. والواقع حتى "الأرستقراطية الانتخابية" التي فضلها هي ما يجب حتى نسميه الديمقراطية النيابية-أي الحكومة التي يتولاها موظفون يختارهم الشعب لما يفترض فيهم من صلاحية عليا. على حتى روسويرفض الديمقراطية النيابية على أساس حتى الممثلين أوالنواب سرعان ما يشرعون لمصلحتهم لا للخير العام. "أن الشعب الإنجليزي يعتبر نفسه حراً ولكنه يخطئ بذلك خطأ فاحشاً؛ فهوحر فقط خلال انتخاب أعضاء البرلمان؛ وما إذا يتم انتخابهم حتى تسيطر العبودية على الشعب فلا يعود له وزن"(14). فالممثلون يجب حتى ينتخبوا ليشغلوا المناصب الإدارية والقضائية لا ليشرعوا، ويجب حتى تشرع جميع القوانين بواسطة الشعب في جمعية عامة، وأنقد يكون لتلك الجمعية سلطة إنطقة الموظفين المنتخبين(15). ومن ثم وجب حتى تكون الدولة المثالية من الصغر بحيث تسمح لجميع المواطنين بالاجتماع مراراً كثيرة. "وحدثا اتسعت الدولة تقلصت الحرية"(16).

أكان روسواشتراكياً،يا ترى؟ إذا "الموضوع" الثاني نسب جميع رذائل الحضارة إلى إقرار الملكية الخاصة، ولكن حتى ذلك الموضوع رأى حتى هذا النظام أعمق جذوراً من البنيان الاجتماعي من حتى يتيح للقضاء عليه دون ثورة فوضوية مدمرة. "والعقد الاجتماعي" يسمح بالملكية الخاصة بشرط رقابة الجماعة، فيجب حتى تحتفظ الجماعة بكل الحقوق الأساسية، ولها حتى تستولي على الأملاك الخاصة لخير المجتمع، ويجب حتى تحدد أقصى ما يسمح للأسرة الواحدة بتملكه(17). ولها حتى تؤمن على توريث الملكية، ولكن إذا رأت الثورة تنحوإلى هجرز ممزق فلها حتى تستخدم ضرائب الهجرات لإعادة توزيع الثروة والتخفيف من عدم المساواة الاجتماعي والاقتصادي. "يجب حتى يتجه التشريع دائماً إلى الحفاظ على المساواة بالضبط لأن قوة الأمور تتجه دائماً إلى القضاء عليها(18). ومن أهداف "العقد الاجتماعي" حتى يصبح الأفراد الذين قد يحدثون مختلفين قوة أوذكاء متساوين في الحقوق الاجتماعية والقانونية(19). ويجب حتى تفرض الضرائب العالية على الكماليات. "إن الحالة الاجتماعية لا تقيد الناس إلا إذا ملك جميع فرد شيئاً ولم يملك أحد فوق ما ينبغي(20)". ولم يورط روسونفسه في القول بالجماعية، ولا خطرت بباله قط (دكتاتورية البرولتاريا)، وكان يحتقر البرولتاريا الوليدة في المدن، واتفق مع فولتير على تسميتها (الرعاع أوحثالة المجتمع)(21). وكان مثله الأعلى طبقة فلاحين تعيش مستقلة رخية الحال، وطبقة وسطى فاضلة تتألف من أسر كأسر فولمار في "هلويز الجديدة" وسيتهمه بيير-جوزف برودون بتمجيد "لبرجوازية"(22).

ترى أي مكان للدين في الدولة،يا ترى؟ لقد شعر روسوحتى ديناً ما لا عنى عنه للفضيلة، "ما قامت دولة قط دون أساس ديني"(23). "إن الحكماء حتى حاولوا الكلام بلغتهم إلى القطيع العام بدلاً من لغته لن يستطيعوا إيصال ما يريدون إلى إفهامهم...ولكي يمكن شعب ناشئ من إيثار الأصول السليمة للنظرية السياسية...يجب حتى تصبح النتيجة سبباً: فالروح الاجتماعية التي ينبغي حتى تخلقها هذه المؤسسات يجب حتى تسود أساسها نفسه، ويجب حتىقد يكون الناس أمام القانون ما يجب حتى يصبحوه بالقانون. إذن فالمشرع لعجزه عن الالتاتى إلى القوة أوللعقل يجب حتى يلجأ إلى سلطة من نوع مختلف، قادراً على الكبح دون عنف..هذا ما نادى آباء الأمم في جميع العصور إلى الالتاتى للتدخل الإلهي، ونسبة حكمتهم هم لآلهتهم، حتى، تطيع الشعوب بخضوعها لقوانين الدولة كما تخضع لقوانين الطبيعة... دون عائق، وتحتمل نير الخير العام عن طيب خاطر"(24).

ولن يتشبث روسودائماً بهذا الرأي السياسي القديم في الدين، ولكنه في "العقد الاجتماعي" جعل من الإيمان فوق الطبيعي أداة للدولة، واعتبر القساوسة على أفضل تقدير ضرباً من الشرطة السماوية. على أنه رفض اعتبار الكهنة الكاثوليك الرومان كذلك، لأن الكنيسة زعمت أنها فوق الدولة، فهي إذن قوة مفسحة، تقسم ولاء المواطن(25). وفضلاً عن ذلك فإن المسيحي-كما زعم-إذا أخذ لاهوته مأخذ الجد؛ يركز اهتمامه على الحياة الآخرة، ولا يقيم وزناً يذكر لهذه الحياة الدنيا، فهوإلى هذا الحد مواطن ضعيف. ومثل هذا المسيحيقد يكون جندياً وسطاً؛ قد يقاتل دفاعاً عن وطنه، ولكنه لا يعمل إلا تحت إكراه وإشراف مستمرين، وهولا يؤمن بشن الحرب دفاعاً عن الدولة؛ لأن له وطناً واحداً فقط-هوالكنيسة. والمسيحية تبشر بالعبودية والتبعية الطيعة؛ ومن ثم كانت روحها مواتية جداً للاستبداد بحيث حتى الطغاة يرحبون بتعاونها. "إن المسيحيين الحقيقيين خلقوا ليكونوا عبيداً(26)". إلى غير ذلك اتفق روسومع ديدرو، واستبق جيون، وكان في تلك الفترة أشد عنفاً في عدائه للكاثوليكية من فولتير؛ ومع ذلك شعر بأن ديناً ما لا غنى عنه؛ "ديناً مدنياً" تصيغه الدولة وتفرضه فرضاً على جميع سكانها. أما عن العقيدة:

"فأن عقائد الدين المدني يجب حتى تكون قليلة؛ بسيطة؛ دقيقة العبارة؛ دون شروح أوتعليقات. فوجود إله قادر؛ ذكي؛ خير؛ ذي بصيرة وتدبر؛ ثم حياة أخرى؛ وسعادة الأبرار؛ وعقاب الأشرار؛ وقداسة العقد الاجتماعي والقوانين؛ تلك عي عقائد الدين الإيجابية(27)".

إلى غير ذلك اعترف روسوبعقائد المسيحية الأساسية؛ على الأقل لأغراض سياسية؛ على حين رفض أخلاقياتها لغلوها في المسالمة والدولية-على العكس تماماً ومما درج عليه الفلاسفة من الاحتفاظ بأخلاقيات المسيحية مع رفض لاهوتها. وقد جاز بأديان أخرى في دولته الوهمية؛ بشرط عدم تعارضها مع العقيدة الرسمية. وهويتسامح مع الأديان "التي تتسامح مع غيرها"؛ أما من يجسر على القول "بأنه لا خلاص خارج الكنيسة" فيجب طرده من الدولة، إلا حتى تكون الدولة هي الكنيسة، والملك هوحبرها الأعظم(28)". ولا يسمح بإنكار البنود الواردة في ديانة الدولة.

"وإذا كانت الدولة لا تستطيع إكراه أحد على الإيمان بهذه البنود، فإن في استطاعتها حتى تنفيه، لا لزندقته، بل بوصفه كائناً أرستقراطياً، عاجزاً عن محبة القوانين والعدالة محبة صادقة، وعن بذل حياته عند الحاجة في سبيل الواجب. وإذا سلك إنسان-بعد إقراره بهذه العقائد علانية-مسلك من لا يؤمن بها، كان عقابه الموت(29)".

وهذه الجملة الأخيرة هي أشهر الجمل في "العقد الاجتماعي" بعد "ولد الإنسان حراً وهوفي جميع مكان مكبل بالأغلال" وإذا أخذت بمنطوقها الحرفي كان معناها إعدام جميع مكن يسلك مسلك من لا يؤمن بالله، أوالجنة أوالنار، ولوطبقت على باريس ذلك الزمان لأنضبت تلك العاصمة من أهلها. ولعل حب روسوللعبارات المسرفة التي تهز القراء طوح به إلى حتى يقول أكثر مما يعني. ولعله تذكر مجمع أوجزنورج (1555) الذي وافق فيه جميع الأمراء المسقطين على قراراته على حتىقد يكون لكل منهم الحق في حتى ينفي من أملاكه أي إنسان لا يقبل ممضى الأمير. وفي قوانين جنيف إذا أخذت حرفياً (كما وقع في حالة سرفيتوس) سابقة لوحشية روسوالمفاجئة. وقد اعتبرت أثينا القديمة "رفض الاعتراف بالآلهة الرسميين" جريمة كبرى، كما وقع في نفي أناكساجوراس وقتل سقراط بالسم، وكان هذا بالمثل القذر الذي بررت به روما الإمبراطورية اضطهادها للمسيحيين، وأخذ برأي روسوهذا في معاملة المجرمين يمكن حتى يوصف الأمر باعتنطقه ب،ه من أفعال المحبة المسيحية.

أكان "العقد الاجتماعي" كتاباً ثورياُ،يا ترى؟ لا ونعم. فهناك وهناك، وسط مطالبة روسوبحكومة مسئولة أمام الإرادة العامة، تهدئ ثائرته لحظات من الحذر، كما في قوله: "لا شيء يمكن حتى يعدل خطر تغيير النظام العام غير الأخطار الكبرى، ويجب حتى تعطل السلطة المقدسة للقوانين إطلاقاً ما لم تكن حياة الوطن في خطر"(30). ومع أنه حمل الملكية الخاصة اللوم على جميع الشرور تقريباً، إلا أنه نادى إلى صيانتها لأنها ضرورة يدعوإليها ما آل إليه الإنسان من فساد لا صلاح له. وتساءل ألا تعيد طبيعة الإنسان، بعد حتى يقوم بثورة، نظماً وعبوديات قديمة تحت أسماء جديدة،يا ترى؟ "إن قوماً تعودوا الخضوع لسادة لن يدعوا السيادة تتوقف...فهم إذ يحسبون الإباحية حرية، تسلمهم ثوراتهم إلى أيدي مضللين لا يزيدونهم إلا رسوفاً في أغلالهم(31)".

ومع ذلك كان صوت روسوأكثر أصوات العهد ثورية. ففي هذا الكتاب كان خطابه موجهاً لكثرة الشعب، وإن غض من شأن الجماهير ولم يثق بها في غيره من خطه. لقد كان يفهم إنه لا مناص من عدم المساواة، ولكنه أدانه بقوة وبلاغة. وأعرب في غير لبس أوغموض حتى من حق الشعب حتى يطيح بحكومة تصر على مخالفة الإرادة العامة. وبينما كان فولتير، وديدروودالامبير، ينحنون للملوك أوالإمبراطوريات، أطلق روسوعلى الحكومات القائمة صرخة احتجاج قدر لها حتى تسمع من أقصى أوربا إلى أقصاها. وبينما اقتصر جماعة الفلاسفة، الغارقين في "الحالة الراهنة" على الدعوة لإصلاح تدريجي لشرور معينة، هاجم جان-جاك النظام الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي بحملته، وبشمول بدا معه جميع علاج محالاً إلا على الثورة. ثم أعرب أنها آتية: "محال حتى تعمر ممالك أوربا الكبرى أكثر مما عمرت. لقد كان لكل منها فترة مجدها، ومآلها بعدها إلى الاضمحلال...إن الأزمة تقترب، ونحن على شفا ثورة(32)". وتنبأ بوقوع تغييرات بعيدة المدى بعد حتى تنشب هذه الثورة: "ستتطلع إمبراطورية روسيا إلى غزوأوربا، وستغزي هي نفسها. وسيصبح التتار-رعاياها أوجيرانها-سادتها وسادتنا، بثورة أراها آتية لا ريب فيها(33)".

على حتى "العقد الاجتماعي" الذي نرى في نظرة مؤخرة أنه كان أكثر خط روسوثورية، أثار ضجة أقل كثيراً مما أثارته "هلويز الجديدة". فلقد كانت فرنسا مهيأة للانفراج العاطفي والحب الرومانسي، ولكنها لم تتهيأ لمناقشة الإطاحة بالملكية. وكان هذا الكتاب أكثر ما ابتكر روسوإلى ذلك الحين من حجج مدعمة، ولم يكن تتبعه سهلاً كتتبع نادىيات فولتير المتألقة. ونحن الذين راعنا ما لقي من ذيوع متأخر، يدهشنا حتى نفهم حتى شعبيته وتأثيره بدأ بعد الثورة لا قبلها(34). ومع ذلك نرى دالامبير يخط لفولتير في 1762 قائلاً: "لا جدوى من مهاجمة جان-جاك أوكتابه بصوتٍ عالٍ جداً، فهوأشبه بملك في السوق" ("ليزال"(35)-أي بين العمال الغلاظ في سوق باريس المركزية، و-بالتضمين-بين جماهير الشعب). ولعل هذا كان غلواً في القول، ولكن لنا حتى نعتبر عام 1762 تاريخاً لتحول الفلسفة من مهاجمة المسيحية إلى نقد الدولة.

وقل من الخط ما أثار مثل هذا النقد الكثير. وقد أشر فولتير على نسخة من "العقد الاجتماعي" بردود على الهامش، فرداً على ما أشار به روسومن إعدام من يذنب بالكفر الإيجابي خط "كل إكراه في العقيدة مرذول(36)". ويذكرنا الفهماء بقدم الدعوى بأن السيادة مستقرة في الشعب، فقد قدم مارسيليوس البادوادي، ووليم أوكيم، وحتى اللاهوتيون الكاثوليك أمثال بيللارمين، وماريانا، وسواريز، هذه الدعوى كأنها الضربة خلف ركب الملوك. وقد ظهرت من قبل في كتابات جورج بوكانان وجروتيوس، وملتن، والجرنون سدني، ولوك، وبوفندورف...إن "العقد الاجتماعي" شأنه شأن فلسفة روسوالسياسية والأخلاقية كلها تقريباً، هوصدى وانعكاس لجنيف بقلم مواطن على بعد كافٍ يتيح له تمجيدها دون أ، يحس بمخالبها. لقد كان الكتاب مزيجاً من جنيف وإسبرطة، من "قواعد" كلفن و"قوانين" أفلاطون.

وبين عشرات النقاد ذلك التناقض بين النزعة الفردية في منطقي "روسو" وحرفية القانونية في "العقد الاجتماعي". لقد رفض فيلمر في كتابه Parriarcha (1642) قبل مولد روسوبزمن طويل الفكرة التي تزعم حتى الناس ولدوا متساوين، فهم في ميلادهم خاضعون للسلطان الأبوي ولقانون الجماعة وعاداتها. وروسونفسه، بعد الصرخة الأولى للدفاع عن الحرية، أخذ يبتعد عن الحرية أكثر فأكثر متجهاً إلى النظام-إلى خضوع الفرد للإرادة العامة. والتناقضات التي تلحظها في مؤلفاته هي أساساً بين خلقه وفكره، فلقد كان فردياً متمرداً بحكم مزاجه، وعلته، وافتقاره إلى الانضباط، وكان بيئياً (لا شيوعياً إطلاقاً، ولا حتى جماعياً) بحكم إدراكه المتأخر لاستحالة تكوين المجتمع الفعال من الخوارج. وعلينا حتى نحسب حساباً للتطور، فأفكار إنسان ما هي دالة خبرته وعمره، ومن الطبيعي للمفكر حتىقد يكون فردي النزعة في شبابه-فيحب الحرية ويبحث عن المثل العليا-وأنقد يكون معتدلاً حين ينضج، فيحب النظام ويرتضي الممكن. وقد ظل روسومن الناحية العاطفية طفلاً طوال حياته، ينكر العهد، والمحظورات، والقوانين، ولكنه حين فكر تفكيراً منطقياً استوعب حتى في الإمكان بقاء الكثير من الحريات في نطاق القيود الضرورية للنظام الاجتماعي، وانتهى إلى حتى يدرك حتى الحرية في مجتمع ما ليست ضحية القانون بل ثمرته-وأنها تتسع ولا تضيق بطاعة الجميع لقيود يفرضونها على أنفسهم جماعة. وفي وسع الفوضويين الفلسفيين والشموليين السياسيين جميعاً حتى يستشهدوا بروسوتأييداً لدعواهم(37)، وكلا الفريقين لا حق له في الاستشهاد، لأنه اعترف بأن النظام أول قوانين الحرية، والنظام الذي دافع عنه يجب حتىقد يكون التعبير عن الإرادة العامة.

وقد نفى روسوأي تناقضات حقيقية في فلسفته فنطق "كل أفكاري متسعة، ولكني لا أستطيع عرضها كلها مرة واحدة(38)". وسلم بأن كتابه "في حاجة إلى حتى يخط من جديد، ولكني لست أملك من العافية ولا الوقت ما يسمح لي بذلك(39)"، فحين كانت العافية متاحة له سلبه الاضطهاد وقته، وحين كف الاضطهاد وأتيح له الفراغ، كانت العافية قد تضاءلت. وفي تلك السنوات الأخيرة بات يتشكك في حججه، "أن الذين يفاخرون بأنهم فهموا "العقد الاجتماعي" فهماً تاماً أذكى مني". وقد أغفل تماماً، من الناحية العملية، المبادئ التي وضعها فيه، ولم يخطر بباله قط حتى يطبقها حين طلب إليه وضع دستور لبولندا أوكورسيكا. ولوأنه مضى في خط التغير الذي اتبعه بعد عام 1762 لانتهى به المطاف إلى حضن الأرستقراطية، والكنيسة، وبما تحت سكين الجيلوتين.


تاريخ

نشر روسوكتابه هذا، «العقد الاجتماعي»، العام 1762 في باريس وكان في الخمسين من عمره. ولئن كان راسل يرى ان النظريات التي يبسطها روسوفي هذا الكتاب «تخدم الديموقراطية من طرف اللسان، لكنها تميل الى تبرير الدولة المستمدة»، فإن عامة القراء لم يغوصوا، ابداً، في هذا الكتاب الى درجة حذوهم حذوراسل في تفسيره وتأويله. هؤلاء القراء - إلى غير ذلك كان الكتاب فاعلاً حقاً بالنسبة اليهم - اعطوا المكانة الأولى لتأكيدات أوردها روسوفي كتابه منذ الصفحات الأولى حيث وجدوه يخط: «لما كنت قد ولدت مواطناً في دولة حرة، وعضواً في دولة ذات سيادة، فإنني أشعر انه مهما يكن من ضعف نفوذ صوتي في الشؤون العامة، فإن حقي في التصويت على هذه الشؤون يجعل من واجبي دراستها». والواضح ان ما يدعواليه روسوهنا انما هوالمواطنة بالمعنى الحديث للحدثة، وروسويرى في كتابه ان الديموقراطية أفضل الأنظمة في الدول الصغيرة، بينما تفضل الارستقراطية في الدول المتوسطة الحجم، والملكية في الدول الكبرى. ولا يخفي روسو، على أي حال، تفصيله للدول الصغرى لأنها «تجعل الديموقراطية قابلة للتطبيق».

غير ان الأكثر أهمية من هذا كله هوان روسويؤكد ان «الإنسان ولد حراً، لكنه الآن في جميع مكان مكبّل بالأغلال. إذا الفرد يظن نفسه سيداً للآخرين، ولكنه في الحقيقة أشد عبودية منهم». وروسوينطلق من هذه المقدمة ليقول ان مرجع عبودية الإنسان هوالعقد الاجتماعي الأول الذي نتج من تطور طالما الطبيعة جعل الوقت يموت لكي لا يعود في وسع الأفراد ان يحافظوا على استقلالهم البدائي الأصيل، وغدا من الضروري لهم ان يشكّلوا مجتمعاً يتّحدون فيه. إلى غير ذلك «رهن الفرد حريته لمصالحه الاقتصادية والاجتماعية». ومن هنا، فإن روسويرى ان الحاكم الحقيقي الذي يطغى ويحد من حرية الفرد انما هوالجماعة لا الحاكم الفرد أوالملك، حيث ان ارادة الحاكم انما هي، في الحقيقة، نتيجة للإرادة العامة». وفي هذا الاطار يكمن لب نقد راسل لنظرية روسو، إذ ينطلق مما يلاحظه من «غموض نظرية الإرادة العامة».

ترى، هل كان روسوفي «العقد الاجتماعي» يدعوالى شيء أم كان يرغب في مجرد استعراض التاريخ الاجتماعي للبشرية، وتحديد جذور تخلي الإنسان عن حريته،يا ترى؟ ليس من السهل الاجابة عن هذا السؤال، إذ ان روسويظهر في ختام كتابه مشوش الفكر عاجزاً عن الخروج بنظرية. ترى أوليس من أجل هذا التشويش اعتبر غوته، محرر المانيا الكبير ان «فولتير كان الاشارة الى نهاية العالم القديم، بينما كان روسواشارة ولادة العالم الجديد»،يا ترى؟ أوليس في غياب اليقين لدى روسواشارة لولادة الحداثة الفكرية التي أخذت، أمام تعقّد الواقع وتضارب المصالح والأهواء تبدوأكثر عجزاً من حتى تأتي بحلول،يا ترى؟ أولم يكن ماركس يفكر بروسوحين نطق في واحدة من اطروحاته الشهيرة حول فويرباخ، ان الفيلسوف اكتفى حتى الآن بتفسير العالم، بينما المطلوب الآن تغييره؟

المؤلف

جان-جاك روسو

لقد رحل جان-جاك روسوعن عالمنا في العام 1778، أي أنه لم يشهد اندلاع تلك الثورة الفرنسية، التي لا ريب في انه تأملها كثيراً، ولسوف ينطق دائماً ان افكاره - ولا سيما في «العقد الاجتماعي» - كانت محرّكاً لها، كما قيل ان تلك الأفكار تبدووكأنها تبرّر سلفاً جميع الطغيان والعنف اللذين عهدتهما تلك الثورة. وإذا كان تخصصه قد تحدث لاحقاً عن روسوعلى أنه «ذلك الرجل العصري الأول، المثالي والوغد في إنسان واحد»، فما هذا إلا لأن هذه التناقضات التي ملأت وجود روسو، هي التي جعلته حديثاً الى اقصى حدود الحداثة. ولد مفكّرنا هذا العام 1712 في جنيف ليتوفى العام 1778 في أرمانوڤيل في فرنسا. ومنذ طفولته تأثر جان-جاك روسوبأبيه البروتستانتي الذي عاش متشرداً وكان قارئاً نهماً استفاد الفتى من قراءاته. لكن الأب سرعان ما تخلى عن ابنه الذي عاش حياة متقلبة بائسة، جعلته ذات مرة ترجماناً لنصّاب ايطالي يسرق باسم الدين والفقراء. لاحقاً أبدى روسواهتمامات فنية وانضم الى ديدروفي موسوعته مزوّداً اياه بكل المعلومات الضرورية للموسوعة عن الموسيقى. وتنوعت اهتماماته الموسيقية بعد ذلك، ثم خاض الأدب والفلسفة وشؤون التربية، متقلباً تقلب حياته، مصارعاً السلطات الكنسية وزملاءه ولا سيما منهم ڤولتير الذي سيسبقه إلى العالم الآخر بشهر واحد في العام 1778 كما أسلفنا.

انظر أيضاً

  • عقد اجتماعي؛ المفهوم الأكثر عمومية


المصادر

  1. ^ العقد الاجتماعي، الكتاب الأول، الفصل الأول:موضوع الكتاب الأول.
  2. ^ العقد الاجتماعي، الكتاب الثالث، الفصل 12: كيف تحافظ السلطة ذات السيادة على نفسها.
  3. ^ العقد الاجتماعي، الكتاب الثالث، الفصل 15:نواب أم ممثلون.
  4. ^ العقد الاجتماعي، الكتاب الثالث، الفصل 1:الحكومة عموماً.
  5. ^ ابراهيم العريس (الجمعة ١١ مايو٢٠١٢). "«العقد الاجتماعي» لروسّو: الإنسان يضع أول مبادئ التملّك". دار الحياة. Retrieved 26/6/2012. Check date values in: |accessdate=, |date= (help)
  6. ^ R.A. Leigh, Unsolved Problems in the Bibliography of J.-J. Rousseau, Cambridge, 1990, plate 22.
  • Wraight, Christopher D. (2008), Rousseau's The Social Contract: A Reader's Guide. London: Continuum Books.

وصلات خارجية

  • Du contrat social (MetaLibri)
  • The Social Contract at constitution.org
  • Catholic Encyclopedia Based on an article critical of The Social Contract, written in 1908.
  • Rousseaus Gesellschaftsvertrag in Kurzform
  • A site containing The Social Contract, slightly modified for easier reading
تاريخ النشر: 2020-06-04 17:24:28
التصنيفات: CS1 errors: dates, صفحات بها أخطاء في البرنامج النصي, Pages using deprecated image syntax, Commons category link is locally defined, كتب 1762, كتب فلسفة, أعمال جان-جاك روسو, أدبيات الفلسفة الاجتماعية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

جامعة الجوف تحقق قفزة في تصنيف QS 2023 العالمي للجامعات العربية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-30 18:26:30
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 65%

بتكلفة 678 مليون ريال.. تدشين 65 مشروعًا جديدًا في الحدود الشمالية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-30 18:26:21
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 65%

آدم زرقان يبعث برسالة إلى أنصار الخضر

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-30 18:25:21
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 68%

تبسة: حجز أكثر من 17 قنطارا من السميد والفرينة ببئر العاتر

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-30 18:25:09
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 57%

"كورونا".. المغرب يسجل 17 إصابة جديدة وتعافي 28 شخصا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-30 18:27:01
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

غارسيا يُجهز النصر خلال فترة التوقف بـ "البادل"

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-30 18:26:31
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

إسدال الستار على الدورة 18 لمهرجان الأندلسيات الأطلسية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-30 18:26:59
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 50%

عقدة الجزائر التاريخية مع المغرب تفشل قمة الجزائر قبل بدايتها

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-10-30 18:26:11
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 66%

77% من السعوديات يمتلكن توعية كافية عن سرطان الثدي

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-30 18:26:18
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 66%

القمة العربية تفضح حقيقة نظام تبون وشنقريحة وتآمرهم على العرب

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-10-30 18:26:15
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 62%

بعد غد.. «جائزة الموقف الأدبي» تعتمد أسماء الفائزين

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-30 18:26:23
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 56%

"كورونا".. المغرب يسجل 17 إصابة جديدة وتعافي 28 شخصا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-30 18:27:05
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 68%

إسدال الستار على الدورة 18 لمهرجان الأندلسيات الأطلسية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-30 18:26:52
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 55%

رجوي: 40 عامًا من النضال رسخت لـ«الانتفاضة الإيرانية»

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-30 18:26:28
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 51%

تحميل تطبيق المنصة العربية