فرنسا في الحرب الثورية الأمريكية

عودة للموسوعة

فرنسا في الحرب الثورية الأمريكية

القوات البريطانية (في الوسط) تستسلم للفرنسيين (يسار) والأمريكان (يمين)، في معركة يوركتاون في 1781.
السفن الفرنسية (يسار) والبريطانية (يمين) في معركة التشساپيك لقاء يوركتاون في 1781; the outnumbered British fleet departed, leaving army no choice but to surrender.

فرنسا، بالرغم من مصاعبها المالية, استغلت فرصة الحرب الثورية الأمريكية (1776–1781) لتـُضعف غريمتها اللدود في الشئون الاوروبية والعالمية، بريطانيا. فإستقلال المستعمرات يفترض أن يضر بشكل كبير بالامبراطورية البريطانية وسيخلق قوة صاعدة, الولايات المتحدة, التي يمكن حتى تصبح حليفة لفرنسا.

اتفقت الفلسفة هذه المرة مع الدبلوماسية. فمؤلفات ڤولتير، وروسو، وديدرو، ورينال، وعشرات غيرهم أعدت الذهن الفرنسي لمناصرة تحرير المستعمرات كما ناصر التحرير الفكري، وكان الكثيرون من الزعماء الأمريكيين-كواشنطن، وفرانكلين، وجفرسن-أبناء للتنوير الفرنسي. ومن ثم فحين قدم سيلاس دين إلى فرنسا (مارس 1776) ملتمساً قرضاً للمستعمرات الثائرة، كان الرأي العام الفرنسي شديد التعاطف معه، وراح بومارشيه في تحمسه يرسل المذكرة تلوالمذكرة إلى فرجين يحثه فيها على أعطى يد المعونة لأمريكا.

التورط الفرنسي

Choiseul actively reorganised the French army and navy for a future war of revenge against Britain.

وكان فرجين نبيلاً يؤمن بالملكية والأرستقراطية، وليس بينه وبين الجمهوريات أوالثورات ود، ولكنه كان تواقاً للثأر من إنجلترا لفرنسا. غير أنه لم يرض بالموافقة على أي معونة سافرة لأمريكا، لأن البحرية البريطانية كانت لا تزال أقوى من الفرنسية رغم ما أنفقته عليها سارتين، وكان في مقدورها تدمير السفن الفرنسية إذا كانت الحرب سافرة إلا أنه أشار الملم بالإذن ببعض المعونة السرية، وحجته لها في أمريكا أوقربها أسطول قادر على الاستيلاء متى شاء على الممتلكات الفرنسية والأسبانية في البحر الكاريبي. أما إذا أمكن المطاولة في الثورة، فإن فرنسا ستقوى، وإنجلترا تضعف، وتستطيع البحرية الفرنسية استكمال تجديدها. أما لويس فكان يرتعد فرقاً لفكرة تقديم المعونة لثورة ما، وحذر فرجين من أي عمل سافر قد يفضي إلى حرب مع إنجلترا(96).


الجدال حول الدعم الهادئ أم إعلان حرب مفتوحة

Before open war between France and Britain, Pierre Beaumarchais was at the center of an arms traffic to support American Insurgents.

وفي أبريل خط ڤرجن Charles Gravier, comte de Vergennes إلى بومارشيه يقول:

"سنعطيك سراً مليوناً من الجنيهات، وسنحاول الحصول على مبلغ مماثل من أسبانيا. (وقد حصلوا على هذا المبلغ) وبهذين المليونين عليك حتى تؤلف شركة تجارية، وتزود الأمريكيين على مسؤوليتك بالسلاح والذخيرة والأجهزة، وسائر الأمور التي يحتاجون إليها لمواصلة الحرب. وستسلمك ترسانتنا السلاح والذخيرة، ولكنك ستعوضها أوتدفع ثمنها. وإياك حتى تطلب مالاً من الأمريكيين، لأنهم لا يملكون المال، ولكن أطلب لقاءاً غلات أرضهم، التي سنساعدك على بيعها في هذا البلد"(97).

— ڤرجن

وبهذا المال اقتنى بومارشيه المدافع والبنادق والبارود والثياب والأجهزة اللازمة لخمسة وعشرين ألف رجل، ثم أوفد هذه البضائع إلى ميناء كان دين قد جمع فيه عدة قراصنة أمريكيين وأعاد تجهيزهم. وقد شجع وصول هذه المعونة أوالوعد الوثيق بها المستعمرين على إصدار إعلان الاستقلال (4 يوليو1776). فلما ترجم الإعلان إلى الفرنسية، وتداوله الناس بموافقة الحكومة الفرنسية الضمنية، استقبلته جماعة الفلاسفة بحماسة وفرح، وكذلك تلاميذ روسوالذين تبينوا فيه أصداء من "العقد الاجتماعي".

وفي سبتمبر عين الكونجرس الأمريكي. بنيامين فرانكلين وآرثر لي - ليمضيا إلى فرنسا مندوبين، وينضما إلى دين، ويلتمسا لا المزيد من الإمداد فحسب، بل التحالف السافر إذا أمكن.

ولم تكن هذه أول مرة ظهر فيها فرانكلين في أوربا. ذلك أنه في 1774 مضى إلى إنجلترا ولم يكن قد بلغ التاسعة عشرة، وقد اشتغل طباعاً، ونشر دفاعاً عن الإلحاد والربوبية، وعاد إلى فيلادلفيا، وتزوج، وانضم إلى جماعة الماسون، وظفر بشهرة دولية بوصفه مخترعاً وعالماً. وفي 1757 أوفد إلى إنجلترا ممثلاً لمجلس بنسلفانيا في نزاع ضرائبي. ومكث في إنجلترا خمس سنين، والتقى بجونسن وغيره من وجوه القوم، وزار إسكتلندة، والتقى بهيوم وروبرتسن، ونال درجة عالية من جامعة سانت أندروز، وأصبح منذ الآن الدكتور فرانكلين. ثم عاد إلى إنجلترا من 1766 إلى 1776، وخطب في مجلس العموم معارضاً ضريبة الدمغة، وحاول المصالحة، ثم عاد إلى أمريكا حين رأى حتى الحرب واقعة. وقد شارك في صياغة إعلان الاستقلال.

وصل فرانكلين إلى فرنسا في ديسمبر 1776 ومعه حفيدان له، وكان الآن في السبعين، ويبدووكأنه الحكمة ذاتها مجسمة، والعالم كله يعهد ذلك الرأس الضخم والشعر المشتعل الخفيف، والوجه الشبيه بالبدر عند بزوغه المشرق. وأهال عليه الفهماء مسببات التكريم، وادعى الفلاسفة والفزيوقراطيين أنه واحد منهم، ورأى المعجبون بروما القديمة فيه سنسناتوس، وسكيبوالأفريقي، والكاتوين، وقد بعثوا من مراقدهم، وصففت نبيلات باريس شعورهن في لمة مجعدة تقليداً لقبعته المصنوعة من فروالقندس؛ ولا ريب أنهن سمعن بغرامياته الكثيرة. وأذهلت الحاشية بساطة عاداته، ولباسه، وحديثه، ولكن بدلاً من حتى يظهر مضحكاً في زيه القريب من زي الريفيين، كان اختيالهم في المخمل والحرير والمخرم هوالذي تبدى الآن كأنه محاولة فاشلة لإخفاء الواقع وراء مظهر كاذب. ومع ذلك قبلوه هم أيضاً، لأنه لم يستعرض أحلاماً لحكومات مثالية، بل تحدث بتعقل وإدراك سليم، وأظهرالوعي الكامل بالمصاعب والحقائق, كان يدرك أنه بروتستانتي، ربوبي، جمهوري، يطلب العون من بلد كاثوليكي وملك تقي.

وقد باشر مهمته في حذر وحيطة. فلم يغضب أحداً، وأبهج جميع إنسان. وقدم فروض الاحترام لا لفرجين فقط بل لميرابوالأب ولمدام دودفان، ولمع رأسه الأصلع في الصالونات وفي أكاديمية العلوم. وشرف نبيلاً شاباً هوالدوق دلاروشفوكوحتىقد يكون سكرتيره. وكانت الجموع تجري وراءه حين يظهر في الشوارع. ولقيت خطه ترحيباً واسعاً حين ترجمت ونشرت "أعمالاً كاملة" وطبع من كتاب واحد "تقويم وتشرد المسكين" ثماني طبعات في ثلاثة أعوام. واختلف فرانكلين إلى محفل "النوف سير" الماسوني ومنح العضوية الفخرية، وإعانة الرجال الذين التقى بهم هناك على كسب فرنسا في حلف مع أمريكا. ولكنه لم يستطع حتى يطلب للتوالمعونة السافرة من الحكومة. وكان جيش واشنطن يتقهقر أمام السير وليم هاو، وبدا حتى معنوية الجيش تحطمت. وبينما كان فرانكلين ينتظر أحداثاً أكثر يمناً أقام في باسي، وهي إحدى ضواحي باريس اللطيفة، وراح يفهم - ويفاوض، ويخط نشرات النادىية تحت أسماء مستعارة، ويستضيف طورجو، ولافوازييه، وموريلليه، وكاباني، ويغازل مدام دودتوفي سانوا ومدام هلفتيوس في أوتوى، ولا عجب فقد كان في هاتين المرأتين فتنة جعلتهما جذابتين بغض النظر عن تقدمهما في العمر.

وكان بومارشيه وغيره أثناء ذلك يرسلون الإمداد إلى المستعمرات، وضباط الجيش الفرنسيون يتطوعون للقتال تحت إمرة واشنطن. خط سيلاس دين في 1776 "تتكاثر علي تكاثراً رهيباً طلبات الضباط الراغبين في الذهاب إلى أمريكا... ولوكان لدي عشر سفن هنا لملأتها كلها بركاب لأمريكا"(99). والعالم كله يعهد كيف من الممكن أن هجر المركيز لافاييت، البالغ من العمر تسعة عشر عاماً، زوجة مخلصة حبلى ليرحل (ابريل 1777) ويقاتل بلا راتب جيش المستعمرات. وقد اعترف لواشنطن قائلاً "إن الشيء الوحيد الذي أتعطش إليه هوالمجد"(100)، وفي سبيل المجد أقتحم كثيراً من المخاطر وألوانا من الهوان، وجرح في براندي واين، وشارك في أهوال ڤالي فورج، وظفر بالمحبة الحارة من واشنطن رغم تحفظه المعهود.


الدخول في الحرب

Surrender of General Burgoyne at the Battle of Saratoga, by John Trumbull, 1822

وفي 17 أكتوبر 1777 هزم جيش للمستعمرين عدته عشرون ألف مقاتل قوة مؤلفة من خمسة آلاف جندي بريطاني وثلاثة آلاف مرتزق ألماني قادمين من كندا في ساراتوگا وأكرهها على الاستسلام. فلما بلغ نبأ هذا الفوز الأمريكي فرنسا وجدت مطالبة فرانكلين، ودين، ولي، بإبرام حلف قبولاً بين مشيري الملك. غير حتى نكير عارض إذ كره حتى يرى ميزانيته التي قاربت التوازن تقلبها نفقات الحرب رأساً على عقب. إلا حتى فرجين وموريبا ظفرا بموافقة لويس السادس عشر التي بذلها على مضض حين حذراه من حتى إنجلترا-التي كانت عليمة منذ زمن طويل بالعون الفرنسي لأمريكا ومستاءة منه-قد تبرم صلحاً مع مستعمراتها وتوجه تام قوتها الحربية ضد فرنسا. وعليه ففيستة فبراير 1778 سقطت الحكومة الفرنسية معاهدتين مع "ولايات أمريكا المتحدة" أرست إحداهما علاقات التجارة، والمعونة، واشترطت الأخرى سراً حتى ينضم المسقطان في الدفاع عن فرنسا إذا أعربت عليها إنجلترا الحرب، ولا يبرم طرف صلحاً دون موافقة الآخر، ويواصل كلاهما قتال إنجلترا حتى يتحقق استقلال أمريكا.

وفي 20 مارس استقبل لويس المبعوثين الأمريكيين، ولبس فرانكلين جوارب حريرية طويلة لهذه المناسبة. وفي أبريل وصل جون آدمز ليحل محل دين ، وأقام مع فرانكلين في باسي، ولكنه عثر الفيلسوف العجوز في شغل بالنساء عن مهامه الرسمية. فتشاجر معه، وحاول العمل على استنادىئه لأمريكا، ففشل، وعاد إلى أمريكا. وعين فرانكلين وزيراً مفوضاً لدى فرنسا (سبتمبر 1779). وفي 1780، حين كان يبلغ الرابعة والسبعين، عرض الزواج دون جدوى على مدام هلڤتيوس البالغة إحدى وستين سنة.

عمليات أمريكا الشمالية

Franco-American routes during the حملة يوركتاون.

وأحب الفرنسيون كلهم تقريباً هذه الحرب عدا نكير. فقد كان عليه حتى يجمع الأموال الطائلة التي أقرضتها فرنسا لأمريكا: مليون جنيه في 1776، وثلاثة ملايين أخرى في 1778، ومليوناً آخر في 1779، وأربعة في 1780، وأربعة في 1781، وستة في 1782(101). وبدأ مفاوضات سرية مع اللورد نورث (أول ديسمبر 1779) أملاً في العثور على صيغة للصلح(102). وكان عليه بالإضافة إلى هذه القروض حتى يجمع المال لتمويل حكومة فرنسا وجيشها، وبحريتها، وبلاطها. وبلغت جملة ما اقترضه من المصرفيين والشعب 530.000.000 جنيه(103). وقد لاطف الأكليروس حين أقرضوه أربعة عشر مليوناً، ترد أقساطاً قيمتها مليون جنيه جميع عام. وظل يرفض فرض الضرائب، مع حتى ثراء الطبقات العليا كان يمكن حتى يجعل هذا الإجراء غير مؤلم نسبياً، وسيشكومن خلفوه في منصبه من أنه ألقى على عاتقهم هذه الضرورة التي لا محيص عنها. وقد حاباه الماليون لأنه منحهم على قروضهم معدلات الفائدة العالية التي طالبوا بها بحجة أنهم إنما يغامرون بأخطار متزايدة، أخطار عدم استرداد قروضهم على الإطلاق. ورغبة في تنمية الثقة في المجتمع المالي، نشر نكير بموافقة الملك في يناير 1781 "تقريراً مقدماً للملك" هدفه إطلاع الملك والأمة على إيرادات الحكومة ومصروفاتها، وقد أضفى على الصورة إشراقاً بإسقاطه النفقات الحربية وغيرها من المصروفات "غير العادية"، وإغفاله الدين القومي. وأقبل الجمهور على شراء "التقرير" بمعدل ثلاثين ألف نسخة في اثني عشر شهراً. وحيا الناس نكير ساحراً للمالية أنقذ الحكومة من الإفلاس. وطلبت كاترين الكبرى من جريم حتى يؤكد لنكير "إعجابها الذي لا حد له بكتابه وبمواهبه"(104). غير حتى البلاط غضب لأن "التقرير المقدم للملك" فضح الكثير جداً من مفاسد الماضي المالية، وكشف عن الكثير جداً من المعاشات التي تدفعها الخزانة. وهاجم بعضهم الوثيقة زاعماً أنها ليست إلا مديحاً للوزير بقلمه، وغار موريبا من نكير غيرته من طورجومن قبل وانضم إلى غيره في التوصية بإنطقته. أما الملكة فدافعت عنه وإن ساءتها إجراءات الوفر التي اتخذها، ولكن فرجين سماه ثائراً(105). واشهجر النظار الملكيون في اتهام نكير ومحاولة إسقاطه مخافة حتى يحفظ التقويض سلطتهم بإنشاء المزيد من المجالس الإقليمية. وعمل نكير ذاته على سقوطه بأنه سيستقيل ما لم يمنح لقب الوزير وسلطته كاملين مع كرسي في المجلس الملكي، ونطق موريبا للملك أنه لوأجيب نكير إلى طلبه هذا لتخلى جميع الوزراء الآخرين عن مناصبهم. واستسلم لويس، وأخلى سبيل نكير (19 مايو1781) وحزنت باريس كلها لسقوطه إلا البلاط. وبعث يوزف الثاني بعزائه، ودعته كاترين الثانية للحضور وإدارة مالية روسيا(106).

المسارح الأخرى

The capture of the island of Grenada by the troops of D'Estaing.

وفي 12 أكتوبر 1779 انضمت أسبانيا إلى فرنسا ضد إنجلترا. وأوشك الأسطولان الفرنسي والأسباني المجتمعان، ببوارج مجموعها 140، حتى يعدلا بوارج البحرية البريطانية وعددها 150(107)، وبترا على بريطانيا سطوتها على البحار. وقد أثر هذا التغيير في ميزان القوة البحرية تأثيراً حيوياً في الحرب الأمريكية. ذلك حتى الجيش البريطاني الرئيسي في امريكا، وعدته سبعة آلاف مقاتل يقودهم اللورد كورنواليس، احتل مسقطاً حصيناً في يوركتون على نهر يورك قرب خليج تشيزابيك. وكان لافاييت برجاله الخمسة آلاف وواشنطن برجاله الأحد عشر ألفاً (بما فيهم ثلاثة آلاف فرنسي تحت إمرة الكونت روشامبو) قد التقيا عند يوركتون واستوليا على جميع المداخل البرية الميسورة. وفيخمسة سبتمبر 1781 هزم أسطول فرنسي بقيادة الكونت دجراس أسطولاً إنجليزياً صغيراً في الخليج، ثم أغلق جميع مهرب مائي على قوة كورنواليس الأقل عدداً. فلما استنفد كورنواليس ذخيرته استسلم هووجميع رجاله (19 أكتوبر 1781). واستطاعت فرنسا حتى تزعم حتى دجراس، لافاييت، ورشاميوقد لعبوا أدواراً كبرى في ذلك الحدث الذي تبين أنه الفاصل في الحرب.


السلام وعواقبه

توقيع معاهدة باريس, 1783. وقد رفض الوفد البريطاني حتى ينتظر لأخذ الصورة

وطلبت إنجلترا الصلح. وأوفد شلبيرن بعثتين منفصلتين إلى الحكومة الفرنسية والمبعوثين الأمريكان ي فرنسا، آملاً حتى يثير أحد الحليفين على الآخر. وكان فرجين (1781) قد فكر من قبل في الصلح مع إنجلترا على أساس اقتسام معظم أمريكا الشمالية بين إنجلترا وفرنسا وأسبانيا(108)، وبدأ تفاهماً مع أسبانيا ليبقي وادي المسسبي تحت السيطرة الأوربية(109). وفي نوفمبر 1782 اقترح تأييد الإنجليز في سعيهم لإقصاء الولايات الأمريكية من مصايد الأسماك النيوفوندلندية(110). كانت هذه المفاوضات متفقة تماماً مع السوابق الدبلوماسية، ولكن المبعوثين الأمريكيين أحسوا حين فهموا بها حتى الوضع يبرر عملهم بمثل هذه السرية. واتفق فرجين وفرانكلين على حتى لكل حلف حتى يتعامل مع إنجلترا مستقلاً عن الآخر، على حتى يسقط طرف أي معاهدة صلح دون موافقة الطرف الآخر(111).

أما المفاوضون الأمريكان-خصوصاً جون جاي وفرانكلين-فقد لعبوا اللعبة الدبلوماسية بمهارة فائقة، فلم يكسبا للولايات المتحدة الاستقلال فحسب، بل حق استعمال المصايد النيوفوندلندية، ونصف البحيرات العظمى، وكل المنطقة الشاسعة الغنية الواقعة بين جبال ألـّيگـِني والمسسبي، وكانت هذه الشروط أفضل كثيراً مما تسقط الكونجرس الأمريكي الحصول عليه. وفي 30 نوفمبر 1782 سقط جاي، وفرانكلين، وآدمز، معاهدة تمهيدية مع إنجلترا، كانت من الناحية الرسمية انتهاكاً للاتفاق المبرم مع فرجين، ولكنها اشترطت ألاقد يكون لها صلاحية حتى تبرم إنجلترا الصلح مع فرنسا. وشكا فرجين، ثم قبل الوضع. وفي ثلاثة سبتمبر 1783 سقطت المعاهدة النهائية "باسم الثالوث الأقدس غير المنقسم"(112)-بين إنجلترا وأمريكا في باريس، وبين إنجلترا وفرنسا وأسبانيا في فرساي. وبقي فرانكلين في فرنسا سفيراً للولايات المتحدة حتى 1785. فلما قضى نحبه في فيلادفيا (17 أبريل 1790) لبست الجمعية التأسيسية الفرنسية الحداد عليه ثلاثة أيام.

وقد أفلست الحكومة الفرنسية نتيجة للحرب وأفضى ذلك الإفلاس إلى الثورة. فقد بلغ مجموع ما أنفقته فرنسا على الصراع بليوناً من الجنيهات، وكانت الفائدة على الدين القومي تجر الخزانة يوماً فيوماً إلى هاوية العجز عن السداد. على حتى ذلك الدين كان معضلة ببين الحكومة والأغنياء لا تكاد تؤثر في الشعب، الذي أثرى كثير من أفراده بفضل تنشيط الصناعة وقد أوذيت الملكية-لا الأمة-أذى بليغاً، وإلا فكيف يستطيع التاريخ تعليل النجاح الذي ثبت به اقتصاد فرنسا الثائرة وجيوشها لنصف أوربا من 1792 إلى 1815،يا ترى؟

لا ريب في حتى روح فرنسا قد حملت. فقد رأى رجال الدولة في صلح 1783 بعثاً ظافراً أقامها من كبوتها عام 1763. أما جماعة الفلاسفة فقد هللوا للنتيجة ورأوها فوزاً لآرائهم، والحق، كما نطق توكفيل "أن الأمريكيين بدوا كأنهم نفذوا ما حلم به كتابنا"(113). ورأى الكثير من الفرنسيين في الإنجاز الذي حققته المستعمرات إرهاصاً يبشر بانتشار الديموقراطية في أوربا كلها. وسرت الأفكار الديموقراطية حتى إلى الطبقة الأرستوقراطية والبرلمانات. وأصبح إعلان الحقوق الذي أصدره مؤتمر فرجينيا الدستوري في 12 يونيو1776، وقانون الحقوق الذي ألحق بالدستور الأمريكي، من بعض الوجوه نموذجين حذا حذوهما إعلان حقوق الإنسان الذي أعربته الجمعية التأسيسية الفرنسية في 26 أغسطس 1789.

ولقد كان البهاء الأخير لفرنسا الإقطاعي، وأوج فروسيتها، حتى تموت وهي تعين على إرساء نادىئم الديموقراطية في أمريكا. سليم حتى معظم رجال الدولة الفرنسيين كانوا يفكرون بلغة بعث قوة فرنسا وحيويتها. غير حتى حماسة النبلاء من أمثال لافاييت وروكامبوكانت الحقيقة لأمراء فيها. فلقد خاطروا بحياتهم غير مرة في سبيل الدولة الوليدة. خط الكونت سيجور الشاب يقول "لم أكن قط الوحيد الذي خفق قلبه لصوت استيقاظ الحرية وهي تكافح للتخلص من السلطة الاستبدادية"(114). ونزل النبلاء الشهير عن حقوقهم الإقطاعية في الجمعية التأسيسية (4 أغسطس 1789) صور ومهد له هنا سلفاً. لقد كان ضرباً باسلاً من الهاراكيري، بذلت فيه فرنسا المال والدم لأمريكا، ونالت لقاء ذلك دفعة جديدة قوية للحرية.

معرض صور

نقش مبني على الصورة الزيتية "إشتباك HMS Serapis وBonhomme Richard" بريشة ريتشارد پاتون, نـُشِرت في 1780.

طالع أيضاً

  • الحرب الثورية الأمريكية
  • المركيز ده لافاييت
  • الثورة الأمريكية
  • قائمة الوحدات الفرنسية في الحرب الثورية الأمريكية

ببليوگرافيا

بالعربية

بالإنجليزية

  • Samuel Flagg Bemis. The Diplomacy of the American Revolution (1935) online edition
  • Brown, John L. "Revolution and the Muse: the American War of Independence in Contemporary French Poetry." William and Mary Quarterly 1984 41(4): 592-614. Issn: 0043-5597 Fulltext in : Jstor
  • Frank W. Brecher. Securing American Independence: John Jay and the French Alliance. Praeger Publishers, 2003. Pp. xiv, 327 online
  • Chartrand, René, and Back, Francis. The French Army in the American War of Independence Osprey; 1991.
  • Corwin, Edward S. French Policy and the American Alliance of 1778 Archon Books; 1962.
  • Dull, Jonathan R. A Diplomatic History of the American Revolution; Yale U. Press, 1985.
  • Dull, Jonathan R. The French Navy and American Independence: A Study of Arms and Diplomacy 1774-1787 (1975)
  • Louis Gottschalk; Lafayette Comes to America 1935 online
  • Louis Gottschalk, Lafayette Joins the American Army (1937)
  • Hoffman, Ronald and Albert, Peter J., ed. Peace and the Peacemakers: The Treaty of 1783. U. Press of Virginia, 1986. 263 pp.
  • Hoffman, Ronald and Albert, Peter J., ed. Diplomacy and Revolution: The Franco-American Alliance of 1778. U. Press of Virginia, 1981. 200 pp.
  • Hudson, Ruth Strong. The Minister from France: Conrad-Alexandre Gérard, 1729-1790. Lutz, 1994. 279 pp.
  • James H. Hutson. John Adams and the Diplomacy of the American Revolution (1980)
  • Kaplan, Lawrence S. "The Diplomacy of the American Revolution: the Perspective from France." Reviews in American History 1976 4(3): 385-390. Issn: 0048-7511 Fulltext in Jstor; review of Dull (1975)
  • Kennett, Lee. The French Forces in America, 1780-1783.Greenwood, 1977. 188 pp.
  • Kramer, Lloyd. Lafayette in Two Worlds: Public Cultures and Personal Identities in an Age of Revolutions. (1996). 355 pp.
  • Lafayette, Marquis de. Lafayette in the Age of the American Revolution: Selected Letters and Papers, 1776-1790. Vol. 2: April 10, 1778-March 20, 1780. Cornell U. Press, 1979. 518 pp.
  • James Breck Perkins; France in the American Revolution 1911 online
  • Popofsky, Linda S. and Sheldon, Marianne B. "French and American Women in the Age of Democratic Revolution, 1770-1815: a Comparative Perspective." History of European Ideas1987 8(4-5): 597-609. Issn: 0191-6599
  • Pritchard, James. "French Strategy and the American Revolution: a Reappraisal." Naval War College Review 1994 47(4): 83-108. Issn: 0028-1484
  • Schaeper, Thomas J. France and America in the Revolutionary Era: The Life of Jacques-Donatien Leray de Chaumont, 1725-1803. Berghahn Books, 1995. 384 pp. He provided military supplies.
  • Harlow Giles Unger; Lafayette Wiley, 2002 online

بالفرنسية

  • Susan Mary Alsop, Les Américains à la Cour de Louis XVI, 1982. Traductio française : Jean-Claude Lattès (1983).
  • Mourre, Dictionnaire encyclopédique d'histoire, Paris, Éditions Bordas, 1987, enثمانية vol.
  • Le petit Mourre : dictionnaire de l'histoire, Paris, Éditions Bordas, 1990.
  • Henri Haeau, Complot pour l'Amérique 1775-1779, Paris, Éditions Robert Laffont, 1990, ISBN 2-221-05364-8
  • J.-M. Bizière et J. Sole, Dictionnaire des Biographies, Paris, Éditions du Seuil, 1993.
  • Olivier Chaline, La France au XVIIIe siècle (1715-1787), Paris, Éditions Belin, 1996.
  • Joël Cornette, Absolutisme et Lumière 1652-1783, collection Carré Histoire, Paris, Éditions Hachette, 2000. ISBN 2-01-145422-0
  • Egret, Jean. Necker, Ministre de Louis XVI, 1776-1790; Honoré Champion; Paris, 1975.
  • André Zysberg, La Monarchie des Lumières (1775-1786), Paris, Éditions du Seuil, 2002.

المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

تاريخ النشر: 2020-06-04 17:24:29
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, العلاقات الأمريكية الفرنسية, الحرب الثورية الأمريكية, التاريخ العسكري لفرنسا, حروب فرنسا, القرن الثامن عشر في فرنسا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

لأول مرة في التاريخ.. كندا تفوز بميدالية في كأس العالم للسلة

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:21:16
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 66%

صندوق النقد الدولي: ندعم المغرب واقتصاده في مأساة الزلزال

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:21:18
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 66%

الأهلى يطالب بحضور 60 ألف مشجع أمام سيمبا فى دورى السوبر الأفريقى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:22:10
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 45%

وطنى

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:21:19
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 67%

البنك المركزي: المعدل السنوي للتضخم يسجل 40.4% في أغسطس

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:21:22
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

فاروق جعفر يتقدم بأوراق ترشحه لرئاسة الزمالك

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:21:58
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 39%

أنتونى موديست يصل القاهرة غداً للتوقيع للأهلى بعد اجتياز الكشف الطبى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:21:59
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 48%

مقتل 40 شخصًا جراء قصف جوي استهدف سوقًا جنوبي الخرطوم

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:22:25
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 63%

التجهيزات النهائية لمحطة قطارات صعيد مصر استعدادا للافتتاح.. فيديو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:22:01
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 42%

زلزال المغرب.. الأمم المتحدة: عدد المتضررين في مراكش يصل إلى

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:22:13
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 61%

زلزال المغرب.. اليونسكو: سنساعد في تقييم الأضرار ووضع استرات

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:22:17
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 59%

أحمد فتوح بديلا لـ محمد حمدى فى مركز الظهير الأيسر للمنتخب أمام تونس

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:22:07
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 45%

صحفى إسبانى يشكو: الذكاء الاصطناعى "قطع عيشى" وأفقدنى وظيفتى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:22:08
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 44%

ميرفت السيد أحمد أول سيدة تترشح على رئاسة نادى الزمالك

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:22:03
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 42%

حبس موظف سرق 400 ألف جنيه من شركة بالدقى وألقاها فى القمامة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:21:53
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 42%

وزير التعليم ومحافظ القاهرة يفتتحان معرض "أهلاً مدرستي" بمدينة نصر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:22:05
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 45%

دورة لإعداد أخصائيين في التخاطب بسيوة

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:21:20
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 69%

خبير جيولوجى: زلزال المغرب يعادل قوة 25 قنبلة نووية

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:21:56
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 46%

تأييد إعدام الـ 12 المتهمين بقتل "حمادة الفقير"

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:21:35
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 70%

نجوم الأهلى يتدربون بأحدث أجهزة القياسات البدنية بفرمان كولر.. صور

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:21:55
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 43%

تحميل تطبيق المنصة العربية