بتريم الكسند روفيتش سوروكين

ولد سوروكين في قرية نائية من قرى شمال شرق روسيا عام 1889 ، ودرس بجامعة سان بطرسبرج (ليننجراد حالياً) ، واتصل في فترة مبكرة من حياته بمهنة التدريس والبحث الفهمي ، والتأليف ، وكذلك العمل السياسي ، وفي عام 1914 نشر دراسة مونوجزافية بعنوان : " الجريمة والعقاب ، العمل البطولي والجزاء " كما نشر في عام 1919 كتاب "نسق فهم الأجتماع " ( وقد صدر كلاهما باللغة الروسية ، وكان كتابة هذا ذا طابع سلوكي بعض الشيء ) .
ثم عمل سوروكين في عام 1917 سكرتيراً لألكسندر كيرينسكي رئيس الحكومة الروسية المؤقتة ، وما لبث حتى انخراط بعد سقوط كير ينسكي في سلك المقاومة الفعالة للشيوعين ، فألقى القبض عليه وحكم ، وحكوم عليه بالإعدام ، ثم خفضت العقوبة إلى النفى ، فانتقل إلى تشيكوسلوفاكيا جيث بقى عامين ، سافر بعدها إلى الولايات المتحدة .
وفي الولايات المتحدة أصبح سوروكين أستاذاً لفهم الاجتماع بجامعة مينوسوتا ، حيث أنجز اثنين من أبرز مؤلفاته هما " الحراك الأجتماعي " (1927) ، و" النظريات السوسيولوجية المعاصرة " (1928) ، والمجلد الأخير يمثل دراسة منهجية ونقدية ( للمدارس ) الرئيسة في فهم الاجتماع ، يبرز فيه مدى اختلاف اتجاهات هذه المدراس إزاء معضلة العوامل التي تدخل في تحديد البناء الأجتماعي والتغيير الأجتماعي . وفي عام 1930 أصبح سوروكين أستاذاً لفهم الأجتماع بجامعة هارفارد ، وهناك أسس أول قسم لفهم الأجتماع بهذه الجامعة ، حيث ظل رئيساً له طوال عشر سنوات . و
قد كانت سنوات عمله في هارفارد خصبة في ميدان التأليف . وتضم مؤلفاته الرئيسية العمل الضخم : " الديناميات الإجتماعية والثقافية " (أربعة مجلدات 1937-1941) ، والدراسة المونوجرافية : " المقولات الثقافية الأجتماعية : العلية ، والزمان ، والمكان " (1943) ويمكن حتى تعتبر هذه الدراسة جزءاً مكملا لكتاب الديناميات الذي أشرنا إليه كما نشر دراسة منهجية (نظرية) في فهم الاجتماع تعتبر فريدة في فهم الأجتماع الأمريكي من حيث شمولها وتكاملها هي : " المجتمع والثقافة والشخصية " (1947) .
وفي عام 1950 قد إضاففة أساسية إلى كتابه " النظريات السوسيولوجية" بنشر: " الفلسفات الاجتماعية في عصر متأزم " ثم أصدر عام 1956 كتابه " بدع ونقائص في فهم الأجتماع المعاصر " وهوتقويم نقدي لفهم الأجتماع في منتصف القرن العشرين ثم نشر في عام 1966 " النظريات السوسيولوجية في عالم اليوم "
وقد أحتفل سوروكين في عام 1959 بعيد ميلاده السبعين ، حيث أخرج محبوه وتلاميذه السابقون مجلدين تكريماً لهذه المناسبة . أشرف على تحرير أولهما البروفسور فيليب ألين وكانت بعنوان " سوروكين في الميزان "(1962) . ويتألف من منطقات تتناول جوانب مختلفة من المساهمات التي قدمها سوروكين . أما الأخر فقد أشرف على تحريره البروفسور إدوارد ترياكيان وهوبعنوان " النظرية السوسيولوجية والقيم ووالتغير الثقافي الاجتناعي ". وهويضم منطقات متفرقة على طريقة المؤلفات التذكارية التي تصدر احتفالا بمناسبة معينة . وقد نشر سوروكين نفسه مؤخرا ترجمة ذاتية ممتعة بعنوان " رحلة طويلة " وقد عملت هذه المؤلفات جميعاً على حتى تخلق لسوروكين أسماً رناناً في ميدان فهم الاجتماع في أمريكا . ولما كان سوروكين ناقداً مخلصاً أبداً ، وشخصية ذات رأي تدلى به في جميع مناسبة ، فقد أنتخب رئيساً لجميعة عام الأجتماع الأمريكية لعامي 1964 و1965 ، وتبدوالشهرة الكبيرة التي يتمتع بها سوروكين في الولايات المتحدة وخارجها في الترجمات الكثيرة التي صدرت لكثير من مؤلفاته ، وإعادة طبع مؤلفيه " الحراك الأجتماعي " و" النظريات السوسيولوجية المعاصرة " مؤخراً والمشروع الذي يجري العمل فيه حالياً في أنجلترا لاختصار كتابه " النظريات السوسيولوجية المعاصرة " وربطه بكتابه الحديث " النظريات السوسيولوجية في عالم اليوم " (1966) . ويمثل الكتاب مسحاً شاملاً وعرضاَ نقدياَ لأبرز المؤلفات التي صدرت في ميدان فهم الأجتماع ، وكذلك للمساهمات التي أنجزت في فروع أخرى ذات أهمية سوسيولوجية خاصة . وتقدم لنا هذه الدراسة الطموح أحدث مراجعة لنظريات سوروكين الخاصة ، نطالعها في القسم التمهيدي من الكتاب ، كما تناقش الأنواع الرئيسية للنظريات السوسيولوجية مصنفة إلى الفئات التالية :
1) النظريات الأسمية _ التفردية .
2) نظريات الأنساق الثقافية .
3) نظريات الأنساق الأجتماعية .
4) تصنيفات الأنساق الثقافية الاجتماعية ( بما في ذلك نماذجها المتغيرة ) .
على حتى سوروكين لا يعين مكان نظرياته في هذا الأطار التخطيطي ، ولكننا يمكن حتى نرتب استنتاجاً من بعض التعليقات ، انه يعتبر إنتاجه الخاص صورة من " فهم الأجتماع التكاملي " مرتكزاً على تراث أرسطو.
ويمكن تصنيف أعمال سوروكين إلى مؤلفات تساهم أساسأ في فهم الأجتماع النظري الخالص ، وأخرى تتناول فهم الأجتماع التاريخي ( أوالديناميكي ) .
أن سوروكين قد عهد فهم الاجتماع على نحويظهر مقبولا من جانب فهماء الأجتماع على أختلاف اتجاهاتهم . وبشكل يحدد لنا بدقة مجال فهم الأجتماع النظري ، فيقول حتى فهم الأجتماع " هودراسة الخصائص العامة المشهجرة بين جميع انواع الظواهر الأجتماعية وغير الأجتماعية ". pitirim A. )Sorokin, contemporary sociological Theories (New York:Harper,1928)P.760.(
أما في كتاب " المجتمع والثقافة والشخصية " ، فقد قدم تحدياً آخر للميدان ، يعين بشكل أكثر دقة ميادين البحث السوسيولوجي التي تتفق وهذا التعريف ؛ فيقول إذا فهم الأجتماع هونظرية العامة لبناء وديناميات
(أ) الأنساق والكتل الأجتماعية ( العناصر غي متسقة وظيفياً ) .
(ب) الأنساق والكتل الثقافية .
(ج) الشخصيات من حيث : الجانب البنائي ، وأنماطها الأساسية ، والعلاقات الداخلية بينها ، وعمليات الشخصية. )pitirim A. Sorokin Society, Culture,and Personality (New York : Harper, 1947 ), P.17(

وبحاجة بعض المصطلحات المستخدمة في هذا التعريف إلى شئ من التفسير نعرضه فيما يلي :
يتفق سوروكين مع الكثير من فهماء الأجتماع – أبتداء من زيميل – في أختيار التفاعل كوحدة ينبغي حتى تحلل إليها الظواهر الأجتماعية . ويمكن حتى تكون العناصر الداخلة في التفاعل إما أفراد من البشر أوجماعات منظمة من الكائنات البشرية .
ويحدد سوروكين مفهوم التفاعل بالقول بأن :" أصدق النماذج تمثيلا لأي ظاهرة ثقافية إجتماعية هوالتفاعل الهادف الذي يتم بين فردين أوأكثر" . (Ibid,P.40 .)
ولعل سبب هذا التحديد يرجع إلى مفهوم سوروكين عن التفاعل الأجتماعي . وينطوي هذا المفهوم الأخير على ثلاثة مكونات مترابطة ترابطاً وثيقاً هي :
1- الشخصية : بأعتبارها موضوع التفاعل .
2- المجتمع : باعتباره مجموع الشخصيات المتفاعلة .
3- الثقافة : باعتبارها مجموع المعاني والقيم والمعايير الموجودة لدى الشخصيات المتفاعلة ، وباعتبارها كذلك مجموع الوسائل التي تنشئ هذه المعاني ، وتجعلها اجتماعية ، وتقوم بتوصيلها ". (. Ibid.,P.63)
ويخضع جميع واحد من هذه المكونات الثلاثة للتحليل الكامل في مؤلفات سوروكين ، وإذا كانت معالجته لمفهوم الثقافة تمثل – بفارق كبير – مساهمة من اهم مساهماته على الأطلاق . ويأخذ المجتمع صورة متبلورة في الجماعات الأجتماعية أوالأنساق الأجتماعية . ويمكن ان تكون الجماعات – تبعاً لنوع التفاعل الموجود فيها – منظمة ، أوغير منظمة ، أومفككة ويقول سوروكين :
توصف الجماعة الأجتماعية – باعتبارها جملة من الأفراد المتفاعلين – بأنها منظمة ، عندما تكون هناك درجة ما من الأتساق الداخلي بين المجموعة الأساسية من المعاني والقيم كسبب لتفاعل هؤلاء الأفراد ، وعندما تأخذ هذه المجموعة شكل المعايير القانونية التي تحدد بقة جميع أفعال وإرجاع الأفراد المتفاعلين في علاقتهم إزاء بعضهم البعض ، وإزاء من هم خارج الجماعة ، وإزاء العالم ككل ، وكذلك عندما تكون هذه المعايير فعالة ، ملزمة – وعند الضرورة ، مفروضه – لسلوك الأشخاص المتفاعلين. (Ibid.,P.70.)
على أننا ينبغي حتى نلاحظ هنا ، حتى التوحيد بين معايير سلوك الجماعة والقانون ، لا يمكن حتىقد يكون سليماً ، إلا إذا أخذنا مصطلح ( القانون ) بمعنى أوسع بكثير من المعنى الذي يستخدم به عادة . ويعهد سوروكين المعيار القانوني – سالكاً في ذلك نهج المعنى العالم الروسي بترازهيتسكي – بأنه ذلك الذي يعين لأحد الأطراف حقوقه وما يقابلها من واجبات إزاء الطرف الآخر . وتضفي هذه الصياغة على مفهوم معنى أكثر شمولا من ذلك الذي ينسب للمعايير القانونية الشرعية ، التي بحاجة إلى حتى يفرضها مجتمع منظم سياسياً . ويرى سوروكين أنه يمكن حتى يشتق من تعريفه لتفاعل - الذي يركز على السلوك البشري الذي يؤثر في الأخرين – القصية التي مؤداها أن : أي جماعة من الأفراد المتفاعلين هي أولا وقبل جميع شئ " وحدة وظيفية علية " تتميز جميع مكوناتها بالاعتماد المتبادل والواضح على بعضها البعض " . )Sorokin؛Society,Culture and Personality , P.147.(

فسوروكين يرى – بعبارة أخرى- حتى جميع جماعة اجتماعية – حتى الجماعة غير المنظمة – تمثل " نسقاً اجتماعياً " . ولكن كيف من الممكن أن يتناول سوروكين الثقافة التي تمثل – كما ألمحنا من قبل – جزاءاً هاماً من نظريته ،يا ترى؟ يعهد سوروكين الثقافة في كتابه " بأنها "مجموع جميع شيء يخلق- أويعدله- النشاط الشعوري أواللاشعوري لاثنين أواكثر من الأفراد المتفاعلين مع بعضهم أوالذين يؤثر أحدهم في تحديد سلوك الآخرين ". ) pitirim A .Sorokin ,Social and Cultural Dynamics, أربعة Vols .( New York : American Books ؛1937-41),1,P.3 ( ولقد تجاوز ان رأينا انه قد عهد الثقافة في كتاب " المجتمع والثقافة والشخصية " في ضوء عناصرها المكونة لها . أما في هذا الكتاب فإنه يضمن تعريف الثقافة تعريف التفاعل الأجتماعي ، ويحدد كلا من مكوناته تحديداً دقيقاً ، ويوضح مدى ارتباطه بالمكونات الأخرى . فهناك أولاً : " أنساق ثقافية بحتة " هي أنساق للمعاني أوالأفكار في أكثر صورها أولية ، مثل القضية التي تقول إذا 2×2 = أربعة . فمثل هذه الأنساق مستقلة للأنساق الثقافية حتى " تصبح إجتماعية " أي تصبح ذات فعالية في التفاعل الاجتماعي . عن قبولها أورفضها من جانب الناس . ثم هناك ثانياً : نسق ثقافي يمكن ان " ينشئ " ( يصبح شيئاً ) أويعبر عنه بكيفية تجعل من الممكن حتى يعهده الناس . ويمكن ثالثاً : للأنساق الثقافية حتى " نصبح أجتماعية " ، أي تصبح ذات فعالية في التفاعل الإجتماعي . فنسق المعاني الذي يتم التعبير عنه في صورة قابلة للتوصيل ، والذيقد يكون عنصراً هاماً في أخذ مجالات التفاعل ، هونسق ثقافي اجتماعي . وهذا النسق الثقافي الأجتماعي مفهوم محوري في النظرية السوسيولوجية عند سوروكين .
أشرنا فيما تجاوز إلى حتى سوروكين يعهد الأجتماع بأنه النظرية العامة لبناء وديناميات الأنساق الأجتماعية والأنساق الثقافية و" الشخصية " . وتعتبر دراسة الشخصية عنده هي أقل الدراسات نمواً ، ومن الممكن كانت أقل جوانب دراسته تأثيراً ، على الرغم من أنه يخصص بشكل مباشر فصلين كاملين من كتاب " المجتمع والثقافة والشخصية " لدراسة هذا الموضوع ، علاوة على عدد كبير من الفقرات في هذا المؤلف وفي غيرة . وتدلنا العبارة التالية على اتجاه سوروكين السوسيولوجي التقليدي إلى حد كبير :
" الشخصية تعبير عن عالم صغير ، يعكس العالم الكبير الثقافي الأجتماعي ، الذي يولد فيه الفرد ويعيش . فحياة الفرد دراما كبيرة تتحدد أولاً من خلال عالمة الأجتماعي ، ثم من خلال الخصائص البيولوجية لكيانه العضوي . وحتى قبل ان يولد الكيان العضوي يتدخل العالم الثقافي الأجتماعي في التأثير على خصائصه وتحديدها . ويظل ملتزماً – دون لين – بعملية التشكيل حتى وفاة الفرد ، وبعد وفاته أيضاً ".(Ibid.,P.714.) عملى الرغم من ان سوروكين يؤكد بشدة تأثير البيئة الثقافية الأجتماعية في تشكيل الشخصية ، إلا أنه – مثل سائر فهماء الأجتماع اليوم – يتجنب تفسيراً سوسيولوجياً متحيزاَ مغالياً للسلوك البشري . فهويعتبر الفرد والشخصية من ناحية ، والمجتمع والثقافة من ناحية أخرى ، عناصر مستقلة ومتفاعلة في جميع واحد . كما أنه لا يقول بوجود تطابق تام بين الثقافة والشخصية . غير ان سوروكين يؤكد الطبيعة " التعددية " لبناء الشخصية ، فيعتبر تعدد الذوات ( جمع ذات ) في داخل الفرد انعكاساً لتعدد الجماعات و" الأنا الاجتماعية " المتعددة للفرد ، الناشئة عن عضويته في جماعات مختلفة. )- Society , Culture and Personality Chaps. XIX and XLVIII.( أنظر على وجة الخصوص ونجد ان سوروكين يربط في مؤلفه القديم " الحراك الاجتماعي " . وكذلك في مؤلفاته التي صدرت حديثاً بين الأنماط والتغيرات الثقافية الاجتماعية وتفكك الشخصية . كما يعتقد ان كلا من الأنساق الأجتماعية العريضة – الحسية ، والفكرية المثالية – يخلق أنماطاً متميزة من الشخصية .
وبينما يستخدم سوروكين تعبير " الروح الإمبيريقية " ( التي يطابق بينها وبين " الذات " أو" الأنا " ) ، يشير بحق إلى ان تحليل " الروح فوق الأمبيريقية أوالترانسندنتالية " يقع خارج حدود الدراسة السوسيولوجية ، " لأن تحليلها يدخل في نطاق الدين والميتافيزيقا " وقد وصلت آراء سوروكين المنهجية إلى ذروة نموها في المجلد الرابع من كتاب " الديناميات " وفي كتاب " المقولات الثقافية الاجتماعية : العلية ، والزمان والمكان " .