أبو بلال مرداس بن حدير

عودة للموسوعة

أبوبلال مرداس بن حدير

"مرداس بن حدير" ويكنى بأبي بلال (توفي 61 هـ/680م)، من قادة الخوارج. ينتمي إلى قبيلة تميم التي كان يتزعمها الأحنف بن قيس، وقد شهد معركة صفين مع الإمام علي هووأخوه عروة وفارقه مع أهل النهروان بعد التحكيم وكان من العدد القليل الذين نجوا من القتل في معركة النهروان.

نطق عنه ابن الأثير:

«كان مرداس عابدا مجتهدا عظيم القدر وكان لا يدين بالاستعراض ويحرم خروج النساء ويقول لا نقاتل إلا من قاتلنا.»

ويظهر أنه لم يكن مرتاحا لما وقع من خلاف وفتنة بين المسلمين وصعق لِما حل بأصحابه من اغتال وتشريد على أيدي إخوانه المسلمين ورأى حتى القتال بين أتباع العقيدة الإسلامية أمر لا يصح, فانسحب مع نفر من أصحابه وأقام بالبصرة تحت حماية الأحنف بن قيس الذي كان يمتاز بحكمته وسداد رأيه، وفي ظل هذه الحماية أخذ أبوبلال ينشر آراءه وأفكاره مؤثرا طريق النقاش والإقناع بدلا من طريق الحرب الذي سلكه الخوارج. فقد نادى أتباعه ألا يجردوا سلاحا ولا يقاتلوا أحدا إلا إذا تعرضوا للعدوان فأنكر اغتال المخالفين واستعراض الناس على طريقة متطرفي الخوارج. وكان مما ساعده في نشر أفكاره هوتسامح زياد بن أبيه والي العراق في ذلك الحين معه ومع جماعته لأنهم لم يحاربوه كما عمل الخوارج. وقد أنكر الخوارج قعود أبي بلال وجماعته عن الثورة ضد ولاة الأمويين فلقبوهم -احتقارا– بالقعدة، أما أهل البصرة فكانوا يسمونهم الحرورية، نسبة إلى حروراء.

نشط أبوبلال في البصرة لنشر دعوته وأفكاره وكان يعقد المجالس والمناظرات لإقناع الناس بآرائه، فانضم إليه عدد كبير من الناس وازداد عددهم حتى بنوا مسجدا خاصا لهم بالبصرة. وبلغ من حسن سيرته حتى جميع الفِرق التي خرجت على الدولة الأموية تتولاه بما فيهم الأزارقة والنجدات والشيعة والمعتزلة، ولعل ذلك يعود إلى حتى تلك الفِرق جميعا كانت هي التي تسمى بالمحكمة قبل حتى تنقسم.

كان أبوبلال ملازما للإمام جابر بن زيد حتى قيل أنه ما كان يصبر على فراقه فقد كان من تشوقه إليه أنه يخرج من عند جابر بعد العشاء ويأتيه قبل صلاة الصبح فيقول له جابر لقد شققت على نفسك فيرد عليه أبوبلال: "والله لقد طال ما همت نفسي بلقاك شوقا إليك حتى أتيتك." وهذا يبين مدى الصلة الفكرية والروحية التي كانت تربط أبا بلال بالإمام جابر بن زيد ويذكر مؤرخوالإباضية حتى أبا بلال كان لا يبرم أمرا إلا بمشورة الإمام جابر.

وعندما تولى عبيد الله بن زياد إمارة العراق سنة 55 للهجرة اتبع سياسة جديدة مختلفة عن سياسة والده تجاه القعدة فاشتد في طلب الخوارج واستخدم القسوة مع جميع المعارضين سواء كانوا من القعدة أومن الخوارج ورفض الشفاعة في أي واحد منهم، ورغم جميع هذا كان أبوبلال يقول حدثة الحق ولم يخش في الله لومة لائم.

يقول الدرجيني:

«ثبت عندنا من طريق سليم حتى "أبا بلال" رحمه الله كان في المسجد الجامع فسمع زيادا يقول على المنبر: والله لآخذن المحسن منكم بالمسيء والحاضر بالغائب والسليم بالسقيم. فقام رحمه الله فنطق: قد سمعنا ما قلت ،وإنك تزعم أنك تأخذ المطيع بالعاصي وما هكذا ذكر الله إذ يقول (وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه يفترض أن يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى).»

وكان من نتيجة ذلك حتى سُجن "أبا بلال" قبل حتى يُقتل أخاه عروة ثم أُطلق سراحه وربما كان سبب ذلك خوفه من إثارة بني تميم التي كان لها آنذاك وزن كبير في البصرة. ولكن هذا العفولم يضم أتباعه فاستمر في مطاردتهم وملاحقتهم ولم يفرق بين الرجال والنساء فقد ذكر المؤرخون أنه أتى بامرأة من أصحاب أبي بلال اسمها البلاتى (أوالبثاتى) كانت مجتهدة في العبادة وكانت تذكر تجبر ابن زياد وسوء سيرته فنطق لها أبوبلال: إذا هذا الجبّار قد ذكرك فتغيبي. نطقت: (أخشى حتى يلقى أحد مكروها بسببي). فأخذها ابن زياد فبتر رجليها ويديها ثم رمى بها في السوق.

واستمر عبد الله بن زياد في اضطهاد جميع مخالفيه سواء كانوا من المحاربين أومن القعدة وكان يبث العيون والجواسيس لتعقبهم وملاحقتهم ثم حبسهم أوقتلهم. وتمشيا مع هذه السياسة اضطر أبوبلال وأصحابه إلى التخفي فكانوا يعقدون اجتماعاتهم سرا للنظر في أمورهم وقد ذكر الدرجيني أنهم كانوا يأتون إلى المجالس متشبهين بالنساء أحيانا ومنتحلين صفة الباعة المتجولين أحيانا أخرى.

كان من نتيجة الاضطهاد الذي مارسه عبيد الله بن زياد ضد المسلمين أثره الكبير في نفس أبي بلال فقرر حتى يهجر البصرة إلى مكان آخر أملا حتى يأمن شر ابن زياد وأن يدعوإلى فكره في مكان آخر فنطق لأصحابه: (إنه والله ما يسعنا المقام بين هؤلاء الظالمين تجري علينا أحكامهم مجانبين للفضل مفارقين للعدل. والله إذا الصبر على هذا لعظيم، وإن تجريد السيف وإخافة السبيل لعظيم ولكننا ننتبذ عنهم ولا نجرد سيفا ولا نقاتل إلا من قاتلنا). فخرج من البصرة وهويقول:

إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا
من كان يرجوبقاء لا نفاد له فلا يكن حبه الدنيا له شجــنا
تقوى الإله وخوف النار أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا

فسار ومعه أربعون رجلا من أتباعه حتى نزلوا بآسك، وقد أعرب أنه وأصحابه لن يخيفوا أحدا أويجردوا سيفا ولا يقاتلوا إلا من بدأهم بالقتال. ولكن ابن زياد لم يرتض هذا العمل من أبي بلال فأوفد إليه جيشا مكونا من أربعة آلاف رجل بقيادة عباد بن أخضر فقتلهم جميعا وكان ذلك في سنة 61 هجرية. وكان يقول قبل قتله:

ماذا نبالي إذا أرواحنا خرجــــت ماذا فعـلتم بأجسـادي وأوصـالــي
نرجوالجنان إذا طارت جماجمنا تحت العجاج كمثل الحنظل البالي
إني امرؤ باعني ربي لموعـــــــده إذ القلوب هوت من خوف أوجالي

كان لمقتل أبي بلال صدى عميق في نفوس أصحابه وآثار نقمة شديدة ضد ابن زياد فقد كان بسلوكه وعمله واستشهاده المثل الأعلى لأتباعه فرثاه كثير من الشعراء منهم عمران ابن حطان الذي نطق فيه:

يا عين ابكي لمرداس ومصرعــه يا رب مرداس اجعلــني كمرداس
هجرتني هائما أبكـي لمرزأتــــي في منزل موحش من بعد إينـــاس
أنكرتُ بعدك ما قد كنت أعهده ما الناس بعدك يا مرداس بالناس

ونطق أيضا:

لقد زاد الحيــاة إلي بغضـــــا وحبــا للخـــروج أبوبـــــلال
أحاذر حتى أموت على فراشــي وأرجوالموت تحت ذرى العوالي
فمن يك همـه الدنيــا فإنــــي لها والله رب العـــرش قـــــال
ولوأني فهمت بأن حتــــــفي كحتــف أبي بــلال لم أبـــال

منطقات مرافقة

  • الإباضية


مراجع

  • عوض خليفات: نشأة الحركة الإباضية ص. 65
  • الأنساب للبلاذري - نقلا عن نشأة الحركة الإباضية لعوض خليفات
  • الدرجيني: طبقات المشايخ بالمغرب – الجزء الثاني
  • ابن الأثير: الكامل في التاريخ – الجزء الثاني ص.517 – ذكر أحداث سنة 59 هـ
  • الحارثي: العقود الفضية في أصول الإباضية
  • مسقط أشعة من الفكر الاباضي
  • مسقط http://www.ibadhiyah.net
تاريخ النشر: 2020-06-04 17:40:26
التصنيفات: وفيات 61 هـ, وفيات 680, إباضية, أئمة الإباضية, خوارج, بني تميم

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال تركيا إلى 20 ألفا و213 شخصا

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-11 00:19:43
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 82%

أول تعليق فرنسي على التوتر الدبلوماسي مع الجزائر

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-11 00:19:47
مستوى الصحة: 74% الأهمية: 82%

إيران تعلن توقيف "العناصر الرئيسية" الضالعة في هجوم أصفهان

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-11 00:18:01
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 90%

توحيد خطبة الجمعة في السعودية للحث على إغاثة الشعبين التركي والسوري

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-11 00:19:24
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 58%

إيران.. إطلاق سراح الباحثة الفرنسية فاريبا عادلخاه

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-11 00:17:58
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 91%

بدء المقابلات مع المرشحين لرئاسة 7 جامعات حكومية 20 فبراير

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-11 00:19:27
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 64%

إعادة فتح باب الترشح لرئاسة جامعة كفر الشيخ

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-11 00:19:25
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 66%

حزب الغد: سايلو فودز يؤكد على دعم واهتمام الدولة بالمواطن

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-11 00:19:30
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 62%

الأهلي بزيه الأساسي أمام فلامنجو بكأس العالم للأندية

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-02-11 00:19:06
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 47%

طقس الغد| بارد صباحاً وأمطار على الإسكندرية ومطروح

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-11 00:19:21
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 54%

طقس السبت.. استمرار الأجواء الباردة مع تساقطات ثلجية وأمطار

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-11 00:19:38
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 83%

مفتي الجمهورية: الثورة التكنولوجية تحفز العقل الفقهي إلى النهوض

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-11 00:19:29
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 69%

تحميل تطبيق المنصة العربية