جباية
الجباية recouvrement هي الجمع والتحصيل، واستخراج الأموال من مظّانها كما في لسان العرب. وقد استخدمها ابن خلدون في المقدمة بمعنى الحصيلة، حصيلة الجباية، أي الموارد المالية، أوالدخل بخلاف الخرج، أي الإنفاق. وكلام ابن خلدون في الجباية إنما يتعلق بمعدل التكليف وبمسألة الفرض والتقدير، أوالتحقق بلغة أهل الشام، والربط بلغة أهل مصر، كما يتعلق بالعبء الضريبي أكثر مما يتعلق بمسألة التحصيل والجباية.
فجباية الضرائب الحديثة تتم بعد التحقق (الربط)، وذلك بأن يقوم الممول (المكلف) بسدادها إلى خزينة الدولة بطرق مختلفة سيرد ذكرها.
حكم الجباية
الجباية واجبة على الدولة، كما ذكر الماوردي (في الأحكام السلطانية) وغيره، على ما أوجبه الشرع نصاً واجتهاداً.
محل الجباية
الأموال التي ترد إلى بيت المال. فحصيلة الزكاة ترد إلى بيت مال الزكاة، وحصيلة الفيء والخراج وخمس الغنيمة ترد إلى بيت مال المصالح، وحصيلة أربعة أخماس الغنائم ترد إلى بيت مال الأخماس، وحصيلة اللقطات والهجرات التي لا وارث لها، وديات القتلى الذين لا أولياء لهم ترد إلى بيت مال الضوائع.
جباية الزكاة
جباية زكاة الأموال الظاهرة (الزروع والثمار والسوائم) واجبة على الدولة، بالأدلة النقلية والعقلية. نطق الله تعالى مخاطباً نبيهr: خذ من أموالهم صدقة{ (التوبة 103). وقد كان رسول الله r، وكذلك الخلفاء الراشدون من بعده، يبعثون السعاة لأخذ الزكاة. لأن في الناس من يملك المال، ولا يعهد ما يجب عليه، ومنهم من يبخل، ذلك بأن الدولة أعهد بالمستحقين وبالمصالح وبقدر الحاجات، ومن أخذ من المستحقين قبل هذه المرة، ولأن المكلف إذا دفع زكاته إلى الدولةقد يكون قد أبرأ ذمته بنحوظاهر، فلا يبقى موضع شك أوتهمة في أنه تخلف عن الدفع كلياً أوجزئياً. ومضى بعض الفهماء إلى حتى الفقراء إذا أخذوا الزكاة من الدولة كان ذلك أكرم لهم.
شروط العامل على الزكاة
اشترط الفقهاء شروطاً هي الآتي:
- حتىقد يكون مسلماً، وفي رواية عند الحنابلة: لا يشترط إسلامه، ونطقوا في تعليله: لأنه يعمل بأجر.
- حتىقد يكون مكلفاً، أي بالغاً عاقلاً متمتعاً بالأهلية العامة.
- حتىقد يكون قادراً ذا كفاية، أي متمتعاً بالأهلية الخاصة.
- حتىقد يكون عالماً بأحكام الزكاة، لئلا يسقط واجباً، أويأخذ غير واجب، أويمنع مستحقاً، أويمنح غير مستحق. وميَّز بعض الفهماء هنا بين عامل مفوض اشترطوا فيه الفهم بأحكام الزكاة، وعامل منفذ لم يشترطوا فيه هذا الشرط.
- حتىقد يكون أميناً في عمله، بحيث لا يقبل رشوة ولا شفاعة (واسطة).
- حتىقد يكون رفيقاً بالمكلف، فإذا كانت زكاة سوائم مثلاً فلا يأخذ أفضلها، بل يأخذ الوسط منها. لقوله r لمعاذ، حين بعثه إلى اليمن: «إياك وكرائم أموالهم» (رواه البخاري)، لأن الزكاة يراعى فيها حق الفريقين معاً: حق الفقير الآخذ، وحق الغني الدافع، ويجب حتىقد يكون الساعي أوالجابي لطيفاً، ليناً في أقواله وأفعاله، ويستحب حتى يدعولدافع الزكاة بمثل هذا النادىء: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت. وباللقاء يستحب للدافع حتى يدعوقائلاَ: اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً. نطق تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، وصلّ عليهم، إذا صلاتك سكن لهم{ (التوبة 103) ومعنى الصلاة هنا: النادىء، وهوالأصل اللغوي للصلاة بمعناها الاصطلاحي.
أجر العامل على الزكاة
مضى الحنفية إلى حتى العامل يعطى بقدر عمله، بشرط حتى لا يزاد على نصف ما جمع من الزكاة، ونطقوا: إذا حمل رجل زكاة ماله بنفسه إلى الإمام لم يستحق أجر العامل.
ومضى المالكية إلى حتى العامل يعطى أجر مثله، من بيت مال الزكاة إذا كان فقيراً، ومن بيت مال المصالح إذا كان غنياً. ونطقوا أيضاً: إذا وزّع إنسان زكاة ماله بنفسه لم يأخذ أجراً.
ومضى الشافعية إلى حتى الإمام بالخيار: إذا شاء بعث العامل من غير شرط، وأعطاه بعد مجيئه أجرة مثله من الزكاة، وإن شاء استأجره بأجرة معلومة من الزكاة، ونطقوا: كلاهما جائز بالاتفاق. أما الأول فللأحاديث السليمة في ذلك، ولأن الحاجة تدعوإليه لجهالة العمل، فتؤخر الأجرة حتى يعهد عمله، فيعطى بقدره. وأما الثاني فهوالقياس والأصل، ولا شك في جوازه. ونطقوا: إذا ما يأخذه العامل يشبه الإجارة من حيث التقدير بأجرة المثل، ويشبه الصدقة من حيث إنه لا يشترط فيها عقد إجارة، أي لا يجب حتى تكون المدة معلومة، ولا العمل معلوماً، كما في الإجارة. ونطقوا أيضاً، كغيرهم من فقهاء المذاهب الأخرى: إذا كان الذي يوزع الزكاة رب المال، وهوالذي يسمى الممول بلغة الضرائب الحديثة، سقط سهم العامل.
ومضى الحنابلة إلى حتى العامل يعطى أجر المثل، إذا عمل من دون شرط، فإذا عمل بشرط وجب الشرط.
وقد صرح الحطاب، في كتابه مواهب الجليل، بأن أجرة العامل على الزكاة لا يجوز حتى تكون على شكل نسبة مئوية، أي حصة شائعة، من حصيلتها.
وقت جباية الزكاة
الأموال الزكوية نوعان: أموال حولية (سنوية)، وأموال موسمية. الأموال الحولية، مثل السوائم وعروض التجارة، ويحدد لها شهر من أشهر السنة، يجمع فيه الساعي زكاتها. واستحب بعض الفهماء حتىقد يكون هذا الشهر هوالمُحَّرم، باعتباره أول أشهر السنة. أما الأموال الموسمية، كالزروع والثمار، فتخرص (تقدر) زكاتها قبيل وقت إدراك الثمار واشتداد الحب، ثم تجبى في هذا الوقت.
جباية الفيء
وتتضمن: جباة الخراج، وجباية العشور.
جباية الخراج: اشترط الفهماء الرفق في جباية الخراج، وتأخير المكلفين به إلى غلاتهم، ونطقوا: إنما التأخير إلى الغلة هوالرفق بهم. ومنع الفهماء طريقة القَبَالة (الالتزام) في الجباية، وهوما سيذكر لدى الكلام عن جباية الضرائب. واشترطوا في عامل الخراج: الأمانة، والكفاية.
جباية العشور: العشور تشبه اليوم ما يعهد بالرسوم الجمركية. خط أبوموسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب حتى تجاراً من قبلنا من المسلمين، يأتون أرض الحرب، فيأخذون منهم العشر، فخط إليه عمر: خذ أنت منهم كما يأخذون من تجار المسلمين. وهذا ما يعهد بمبدأ المجازاة، أومبدأ المعاملة بالمثل.
وربما اتخذت الدولة من العشور سياسة مالية، فتزيد في المعدل أوتنقص، بحسب نوع السلعة، وحاجة البلد إليها، هل هي ضرورية أم كمالية،يا ترى؟ فكانوا يأخذون من أموال أهل الذمة نصف العشر، ومن الخمر العشر، كما ذكر يحيى بن آدم في الخراج. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأخذ من النبط، من الزيت والحنطة، نصف العشر، لكي يكثر الحمل إلى المدينة المنورة، ويأخذ من القِطْنِيَّة كالعدس وشبهه العشر، كما ذكر أبوعبيد في الأموال.
الضرائب
يرجع فيها إلى ما قيل في الزكاة والخراج، فليس لدى الفهماء إضافات مخصوصة في هذا الباب. أما جباية الضرائب الحديثة فتتم بعد التحقق (الربط)، وذلك بأن يقوم الممول (المكلف) بسدادها بنفسه مباشرة، إلى خزينة الدولة. وهناك طريقة ثانية، تسمى طريقة الحجز عند المنبع، حيث يقوم إنسان آخر بالسداد نيابة عن الممول، بتكليف من الدولة، كما في الضريبة على الرواتب والأجور، إذ يقوم رب العمل باقتطاعها من موظفيه وعماله، وتسديدها إلى الدولة]ر]. وكذلك ضريبة ريع (فوائد) رؤوس الأموال المنقولة، حيث تقوم المصارف (البنوك) باقتطاعها من أصحاب الودائع، وتسديدها إلى الدولة. وهناك طريقة ثالثة هي الطوابع (الدفعة) حيث تستوفي الضريبة عن طريق الطوابع التي تشترى لتلصق على المعاملة، بإشراف جهة من الجهات. ويراعى في جباية الضرائب حتى تكون طرقها ومواعيدها ملائمة للمكلفين، ونفقاتها قليلة (اقتصادية).
وهناك طريقة قديمة، كانت تقوم على التزام إنسان بدفع الضريبة إلى الدولة، عن مدينة أومنطقة، ثم يقوم بتحصيلها من المكلفين، بزيادة لقاء عمله. ولكن هذه الكيفية تفتح الباب للتعسف والظلم في الممارسة. وقد تعرض لها أبويوسف في كتابه الخراج، في فصل تقبيل السواد، فنطق مخاطباً هارون الرشيد: رأيت حتى لا تقبِّل شيئاً من السواد، ولا غير السواد، من البلاد، فإن المتقبل إذا كان في قبالته فضل عن الخراج (أي إذا كان ما تعهد به يزيد على الخراج العملي) عسف أهل الخراج، وحمل عليهم ما لا يجب عليهم، وظلمهم، وأخذهم بما يجحف بهم، ليسلم مما ولج فيه. وفي ذلك وأمثاله خراب البلاد، وهلاك الرعية. والمتقبل لا يبالي بهلاكهم، لصلاح أمره في قبالته، ولعله حتى يستفضل بعدما تقبل به فضلاً كثيراً، وليس يمكنه ذلك إلا بشدة منه على الرعية. إنما أمر الله عز وجل حتى يؤخذ منهم العفو، وليس يحل حتى يكلفوا فوق طاقتهم. والحمل على أهل الخراج ما ليس بواجب عليهم، من الظلم الظاهر الذي لا يحل ولا يسع.
محاسبة الجباة
محاسبة الدولة ومراقبتها للجباة أمر ضروري، فقد يغلُّون شيئاً من المال، أويظنون حتى ما اتىهم من هدايا من المكلفين إنما هوحق لهم. نطق رسول الله r: من استخدمناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطاً (إبرة خياطة) فما فوقه، كان غلولاً (خيانة) يأتي به يوم القيامة (رواه مسلم). نطق تعالى: ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة{ (آل عمران 161). واستخدم رسول الله r رجلاً على الأزد، على صدقات بني سُليم، يدعى ابن اللتبية، فلما اتى نطق: هذا لكم، وهذا أهدي لي، فمال رسول الله r على المنبر ونطق: ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي لي،يا ترى؟ أفلا قعد في بيت أبيه، أوفي بيت أمه، حتى ينظر: أيهدى إليه أم لا،يا ترى؟ (رواه البخاري ومسلم).
المصادر
- الموسوعة العربية
