أحسن التقاسيم في فهم الأنطقيم

أحسن التقاسيم في فهم الأنطقيم هوكتاب جغرافي، ألفة محمد بن أحمد المقدسي المعروف بالمقدسي البشاري (336 هـ-380 هـ، يعد الكتاب أحد أشهر الموسوعات الجغرافية التي ظهرت في القرن الرابع الهجري - العاشر الميلادي، وقد أفرد مصنفه أبوعبد الله محمد بن أحمد المقدسي بذكر الأنطقيم الإسلامية وما فيها من البحار والبحيرات والأنهار، ووصف أمصارها المشهورة ومدنها المذكورة، ومنازلها المسكونة، وطرقها المستعملة، وعناصر العقاقير والآلات، ومعادن الحمل والتجارات، واختلاف أهل البلدان في كلامهم وأصواتهم وألسنتهم وألوانهم، ومذاهبهم ومكاييلهم وأوزانهم، ونقودهم وصروفهم، وصفة طعامهم وشرابهم ومأكلهم وثمارهم ومياههم، وفهم مفاخرهم وعيوبهم، وما يحمل من عندهم وإليهم، وذكر مواضع الأخطار، وعدد المنازل، وذكر الرمال والتلال والسهول والجبال، ومعادن السعة والخصب، ومواضع الضيق والجدب، وذكر المشاهد والمراصد والخصائص، والممالك والحدود والمصادر، وذكر الصنائع والعلوم .

المقدمة

نطق المقدسي البشاري الواوي (نسبة إلى ابن اوى كثير التنقل والترحال) في مقدمة كتابه : أفهم أني أسست هذا الكتاب على قواعد محكمة وأسندته بنادىئم قوية وتحريت جهدي الصواب، واستعنت بفهم أولي الألباب، وسألت الله عز اسمه حتى يجنبني الخطأ والزلل، ويبلغني الراتى والأمل، فأعلي قواعد وأرصف بنيان ما شاهدته وعقلته، وعهدته وعلقته، وعليه حملت البنيان، وعملت النادىئم والأركان، ومن قواعده أيضا وأركانه، وما استعنت به على تبيانه سؤال ذوي العقول من الناس، ومن لم أعهدهم بالغفلة والالتباس عن الكور والأعمال في الأطراف التي بعدت ولم يتقدر لي الوصول إليها، فما سقط عليه اتفاقهم أثبته، وما اختلفوا فيه نبذته، وما لم يقر في قلبي ولم يقبله عقلي أسندته إلى الذي ذكره، أوقلت زعموا وشحنته بفصول وجدتها في خزائن الملوك، وكل من سبقنا إلى هذا الفهم لم يسلك الطريق التي قصدتها، ولا طلب الفوائد التي أردتها .

الكتاب

بدأ المقدسي بتأليف كتابه «أحسن التقاسيم في فهم الأنطقيم» عام 375هـ/985م وكان قد بلغ الأربعين من عمره، واستغرق إنجازه نحوثلاثة أعوام، وكان كتابه هذا آخر ما يمثل الدراسة التقليدية (الكلاسيكية) من كبار الجغرافيين العرب في القرن الرابع الهجري. ووُجد الكتاب في مسودتين تعود إحداهما - وفقاً لألفاظ المؤلف نفسه - إلى عام 375هـ/985 ـ 986م، أما الثانية وهي التي استخدمها ياقوت فقد أكملت بعد ثلاثة أعوام من ذلك التاريخ عام 378هـ/988 ـ 989م.

اقتصر كتاب المقدسي «أحسن التقاسيم في فهم الأنطقيم» على تقديم فهم واسعة للأقطار الإسلامية، واتبع منهجاً في كتابه؛ إذ بدأ في العموميات عن جميع إقليم قام بدراسته ثم انتقل بالوصف إلى المدن والنواحي، وبعدها قدم معلومات تخص الأخلاق والعقائد الدينية.

قسم المقدسي في كتابه «أحسن التقاسيم في فهم الأنطقيم»، العالم الإسلامي إلى أربعة أقسام، ولكل قسم منها خرائط مستقلة، واستخدم طرقاً لتمثيل الظاهرات الجغرافية حتى يمكن للجميع فهمها؛ فرسم الطرق المعروفة بالحمرة، والرمال المضىية بالصفرة، والبحار المالحة بالخضرة، والأنهار بالزرقة، والجبال المشهورة بالغبرة.

وقد بدأ المقدسي كتابه بمدخل طويل ومكثف عن الجغرافية الطبيعية معتمداً على من سبقه في تقسيماتهم والتسميات الدارجة التي تبنوها، وعالج في القسم الأول أنطقيم عربية مثل: جزيرة العرب والعراق والجزيرة العليا وبلاد الشام ومصر والمغرب، ثم عرّج في القسم الثاني على الأنطقيم الفارسية والبلدان الإسلامية الشرقية مثل: بلاد ماوراء النهر وخراسان، والديلم، والقوقاز، وفارس. اعتمد المقدسي في منهجه بالكتابة على الملاحظة والتدقيق في رحلاته ومشاهداته، يتحرى ما يُنقل إليه ويتفحصه ويدققه، وكان يُعنى بالعادات الغريبة، وكان يعمد أيضاً في حالات كثيرة إلى تغيير اسمه أوإلى التنكر للدخول في الأماكن والطوائف المتنوعة.

تميّز كتاب المقدسي «أحسن التقاسيم» من سواه بالوصف الدقيق، ووضوح المعاناة في تأليفه، إضافة إلى إعراضه عما ذكره غيره عن بعض الأنطقيم، فهولايتطرق على سبيل المثال في حديثه عن إقليم المغرب إلى ما ذُكر قبله عنه، وبذلك يعدُّ من مفاخر عمله ودقته وأمانته الفهمية. وقد فندّ المقدسي الطرائق التي اتبعها غيره، فابن الفقيه الهمذاني كما يرى وكذلك الجاحظ وابن خرداذبة اتىت الفوائد عندهم قليلة بسبب عدم ذكرهم إلا المدائن العظمى، وتجنبهم ترتيب الكور والأخبار.

وما يراه المقدسي من اختلاف كتابه عن مؤلفات من سبقه يكمن في رحلاته التي قام بها، ومنهجه في الكتابة الذي يبدأ فيه الحديث الإجمالي ثم ينتهي بمعلومات تفصيلية يتناول فيها المناخ والديانة والتجارة والغرائب والمظاهر الجغرافية الأخرى، وفي ذلك قوله عن إقليم الشام: «إقليم الشام جليل الشأن ديار النبيّين ومركز الصالحين، ومعدن البدلاء ومطلب الفضلاء. به القبلة الأولى وموضع الحشر...» ويتابع تعداده لبقية عجائب بلاد الشام الأخرى في فلسطين والقدس مسقط رأسه: «بيت المقدس ليس في مدائن الكْور أكبر منها وقصبات كثيرة أصغر منها كاصطخر وقاين الفَرَما. لا شديدة البرد وليس بها حر وقل ما يقع بها ثلج...» ثم يتابع في وصف مدن فلسطين.

زار المقدسي صقلية ولم تصل رحلاته إلى الأندلس، واعترف حتى ما ورد عن الأندلس استقاه من حاجّين لتقاهما في مكة عام 377هـ.

شهادات

نطق المستشرق يوهان گلدمايستر عن المقدسي: «امتاز عن سائر فهماء البلدان بكثرة ملاحظاته وسعة نظره».
ونطق فيه ألويس شپرنگر Sprenger «لم يتجول سائح في البلاد كما تجول المقدسي، ولم ينته أحد أويحسن ترتيب ما فهم به مثله».