العفاض Affad تتبع محلية الدبة، جنوب دنقلة بالولاية الشمالية بالسودان، عند الإلتواء الوجيز لنهر النيل فيسري من الشرق إلى الغرب. المسقط الأثري "العفاض 23 Affad" يضم مستوطنة بشرية تعود لنحو15,000 سنة (15Ka). أهمية قبل اكتشاف هذا المسقط الأثري كان يسود اعتقاد حتى المنشآت الدائمة كانت مقترنة بخروج البشر من أفريقيا، واستيطانهم مناطق في آسيا وأوروپا. المسقط بما يحويه من أدوات حجرية تم جمعها في 2003 و2012-2014، فإن حداثة وانتشار تلك الأدوات بالمسقط يقترح أنه كان ورشة تزامنت مع إطماء وسط العصر الحجري القديم واستُخدِمت بشكل متبتر ولفترات قصيرة.

الحفريات

لصدفة وحدها جعلت من “العفاض” بالولاية الشمالية منطقة أثرية، وذلك حسب بعض المواقع التي تم اكتشافها خلال الحفريات الجارية في شمال السودان. حيث اكتشف فهماء آثار بولنديون – من معهد فهم الآثار والأعراق التابع لأكاديمية العلوم الپولندية في “پوزنان” – بقايا مستوطنة تشير التقديرات الزمنية إلى رجوعها لأكثر من 15,000 سنة.

وأشارت مديرة المشروع الدكتور (مارتا أوسبنزكا)، إلى حتى فريقها اكتشف ورشة لصناعة (صوانٍ كبيرة)، وبتر (سلاح) لصيد أفراس النهر والأفيال والجواميس، والقرود الصغيرة والفئران والقوارض الكبيرة. الفريق البولندي الذي ينقب في مسقط (Affad 23) (العفاض 23)، والذي يعمل بالتنسيق مع فهماء من جامعة (أكسفورد بروكس)، إذ يساعدونه على تحليل التاريخ الجيولوجي للمنطقة، مثل تحديد الظروف المناخية والبيئية التي كانت سائدة في وادي النيل الأوسط آواخر العصر الجليدي، أكد حتى ما لديه من بيانات بيئية وقوائم لأنواع الحيوانات التي كانت تعيش في تلك المنطقة في ذلك الماضي البعيد، تشير بوضوح إلى حتى حياة [حيوانية] قامت هنا منذ حوالي 70 ألف سنة، أو(25) ألف على الأقل.

هذا الاكتشاف، وفقاً للباحثين، يتعارض مع الاعتقاد السابق بأن بناء المساكن الدائمة كان مرتبطاً مع ما يسمى بالهجرة الكبرى من أفريقيا واحتلال المناطق الباردة من أوروبا وآسيا. فالمسقط المعروف باسم (العفاض 23)، يؤكد قيام الإنسان في نهر النيل السوداني ببناء ما يمكن عدّه أقدم مساكن دائمة في التاريخ، ويشير هذا الدليل الجديد إلى مستوى أكثر تقدماً من التطور البشري والتكيف في أفريقيا خلال وسط العصر الحجري القديم.

حفريات متلاحقة

ونطق الدكتور “أحمد حسين” في مدونته، إذا اكتشافات “العفاض” تعدّ فريدة من نوعها بالنسبة لآثار العصر الحجري القديم الأوسط، حيث تم العثور على عدد قليل من آثار المباني الخشبية الأقدم من نوعها على الإطلاق، وحددت القرية بدقة في حفريات متلاحقة، وعثر على المواقع المرتبطة بها مثل مسقط ورشة عمل الأدوات الحجرية، ومساحة لبقايا الحيوانات التي يتم اصطيادها، باستخدام تقنية (الأدوات اللڤالوازية Levallois)، وضمت قائمة الحيوانات التي تم اصطيادها الثدييات البرية وأفراس النهر والفيلة والجاموس، وكذلك القرود الصغيرة وفئران القصب (القوارض الكبيرة التي سكنت الأراضي الرطبة).

وباستخدام تقنيات التأريخ المطلق تم تحديد الفترة الزمنية التي وجدت فيها هذه القرية، كما أثبتت حتى مستوطنة العصر الحجري القديم الأوسط في “العفاض” سكنت في نهاية الفترة الرطبة، كما يتبين من البيانات البيئية، بما في ذلك قائمة من أنواع الحيوانات التي تم اصطيادها، وهي ظروف وجدت مرتين على الأقل في ذلك الوقت قبل حوالي (75) ألف سنة و(25) ألف سنة مضت. ويعدّ تأكيد هذه الفترة الزمنية من أولويات مشروع الحفريات في العفاض بقيادة البولندي “پيوتر اوسيپنسكي”.

المسقط من العصر الحجري القديم

الحفريات والتنقيب في المنطقة تقوم به البعثة البولندية في شمال السودان، وترافقها وترعى الأمر الهيئة العامة للآثار، ومنها تحدثت لـ (المجهر) الأستاذة “هيام خالد محمد مدني” – عضوفي البعثة العاملة – ونطقت إذا المسح في الولاية الشمالية بدأ منذ بداية الألفية الثانية وبلغ منطقة “العفاض” في العام 2012، ووجد حتى المسقط من العصر الحجري القديم عمره (200) ألف سنة، ويعتبر من أقدم مواقع العصر الحجري في أفريقيا، وهوتعبير عن مسقط استيطاني، حيث وجدت آثار كوخ من خشب يشبه (الراكوبة)، كما وجدت كمية من عظام القرود والغزلان على بعد خمسين متراً تقريباً شمالاً، كذلك آثار نار (عبارة عن مطبخ). وعلى بعد كيلومترين في الشمال الشرقي وجدت كمية من شظايا الأحجار تصنع فيها الحجارة والأدوات الحجرية، ما يعني استيطان المكان، كما يرجح وجود مجرى ماء أوبحيرة قديمة. لأنه وبحفرنا لعمق خمسين متراً – الحديث لـ”هيام” – وجدنا رملاً ناعماً يشبه ذلك الذي بالبحيرات.

اكتشاف مقابر أثرية

واستطردت عضوالبعثة بأن المخلفات والعظام بالقول: ترجع إلى نوعية غير موجودة ولا تعيش في البيئة الحالية، مثل الغزلان وفرس البحر والجاموس، وكيما نتأكد من فرضية أنها مستنقع أومجرى نهر وأن البيئة قد اختلفت، سافرنا إلى منطقة الدندر ووقفنا على نوعية الحيوانات بها، وتقريباً هي نفس الحيوانات في منطقة “العفاض”، وهذا مرشد على حتى المكان لم يكن صحراء بل غنياً بالحشائش والمنطقة مناخها (سافانا). ونطقت “هيام”: (بعد هذه الكشوفات صنفت العفاض بأنها منطقة أثرية، وما زال التنقيب فيها مستمراً وسيوالونه مطلع العام القادم، حيث اشتبه في مقابر أثرية بين الكيلوواحد والكيلوخمسة).

الجغرافيا

تتبع “العفاض” لمحلية الدبة بالولاية الشمالية. يحدها شرقاً (وادي الهو) بينها و”جلاس”. وغرباً أرقي. وجنوباً النيل. وشمالاً (حوض العفاض)، وشمال الحوض تقع أراضي مشروع العفاض الزراعي الذي لا يزال يتلمس خطاه نحوالظهور إلى حيز الوجود. وهومساحة كبيرة تمتد خلف الجبال المحيطة بالمنطقة. أما بعد أرض المشروع فليس لها حدود من الشمال، لأن الصحراء مفتوحة أمامها حتى الحدود المصرية.

السكان

العفاض هي من أكبر القرى بشمال السودان، ذلك لأنها تضم اثني عشر حياً يمثل جميع منها قرية قائمة بذاتها.. (أبكر، ترقسي، أبوحصى، الكربة، بادنجر، علالمار، الحصاية، القلعة، أبوسعيد الصغير، أبوسعيد الكبير، النزيزة وجقرنارتي)، إضافة إلى (حلة العرب فوق) على امتداد العفاض، وقد كانوا عرباً رحّلاً، وبمرور الزمن استقروا في المنطقة الفاصلة بين هذه الأحياء، والعرب (فوق) التي تسمى بحوض العفاض.

التاريخ

العفاض منطقة ضاربة بجذورها في التاريخ القديم. حسب الدكتور “محمد قيلي مكاوي” وهومن المهتمين بتاريخ وتراث منطقة العفاض. ووجدت فيها آثار عظام تماسيح وحيوانات مائية. والشاهد على ذلك هوجبل القرين التاريخي الذي ما زال يقف شامخاً وشاهداً على عظمة تاريخ المنطقة. وهوجبل عريق يحوي في داخله قصور ومعابد الحضارة النوبية القديمة والتاريخ منحوت بلغتهم على الجدران داخل القصر.

عواصم قديمة في الشمال

ونطق “قيلي” إذا منطقة (أبكر) كانت عاصمة لإحدى ممالك النوبة قبل مروي التي كانت عاصمة للسودان إبان عصور الممالك الأسرية، حيث إذا الأسرة السادسة عشرة اتخذت من مروي عاصمة لكل مناطق نفوذها في جنوب مصر. هذا في التاريخ القديم. أما في التاريخ الأقدم، فقد ذكرت بعض المراجع التاريخية حتى تاريخها أقدم من ذلك بكثير.. وأشارت تلك المراجع إلى حتى “أبراهام” (سيدنا إبراهيم عليه السلام) التقى النمروذ بن كنعان في منطقة “أبكر”.. وفي تلك المنطقة أُهديت له زوجته “آجر” – هاجر (النوبية) – وهي أم سيدنا “شمويل” (إسماعيل عليه السلام).. والله أفهم – والحديث لـ “قيلي” – وأياً كان ذلك التاريخ دقيقاً أم لا فكل شيء فيها يقول إنها قبل التاريخ بكثير.

وأردف محدثنا بأن العفاض أكرمها الله بعد ظهور الإسلام بأن كانت منارة للفهم، حيث كان الناس يقصدون مملكة الدفار للفهم من أقاصي البلاد. وقد وهب السادة الركابية الأشراف حياتهم وإلى اليوم لخدمة الدين الحنيف بتعليم القرآن ونشر التعليم الديني. ومن هناك كانت بداية (الخلاوي) ونار القرآن. ثم أصبحت عاصمة لمملكة البديرية بعد الحروب التاريخية التي دارت في منحنى النيل وقسمت المنطقة جراء ذلك (شايقية، بديرية، ونوبة “دناقلة.. محس.. حلفاويين”).

أعلام بارزة في العفاض

برزت بعض الأسماء في منطقة العفاض كان لها القدح المعلى في عدد من المجالات، فرجال السياسة منهم المرحوم “إبراهيم محمد حمد” (زرقان)، المرحوم “حسن ساتي”، المرحوم “عوض أحمد عبد الجبار”، “طه علي البشير”، “عادل إبراهيم حمد”، ود. “بهاء الدين مكاوي” (عميد كلية التجارة بجامعة النيلين).. ورجال الدين: الخليفة “بابكر علي قدورة محمد الحسن الفكي”، “أحمد إمام”، “مكاوي إمام”، “أحمد كفر”، “مكاوي محمد قيلي”، “حسين محمد الشيخ”، “حسن محمد الشيخ”، “عبد الله حسن محمد الشيخ”، والفنانون: “ود صليليح”، “حسبوعلي الشيخ”، “ياسين عبد العظيم حسن كتي”، “حيدر عبد العظيم”، “عثمان عبد العظيم”، “النعام الضكر”، “عثمان علي البشير” و”مرتضى العفاض”.

وورد في (طبقات ود ضيف الله) حتى العفاض كانت تقع غرب النيل، ولكن تحول النيل من مجراه تدريجياً فأصبحت على الضفة الشرقية.

المصادر

تحقيق – أمل أبوأبوالقاسم-المجهر السياسي

الهامش