التاريخ الاقتصادي للدولة العثمانية

عودة للموسوعة

التاريخ الاقتصادي للدولة العثمانية

جزء من عن
للدولة العثمانية
بوابة الدولة العثمانية

التاريخ الاقتصادي للدولة العثمانية يغطي الفترة من 1299-1923. ويقع التاريخ الاقتصادي في فترتين شبه متميزتين.[] الفترة الأولى هي الفترة الكلاسيكية (التنوير)، والتي تنقسم إلى الاقتصاد الزراعي، والذي يوضح الفروق الاقليمية داخل الدولة. الفترة الثنية وهي فترة الاصلاح، والتي تتكون من الاصلاحات الحكومية المنظمة، وتبدأ بالهياكل الادارية والسياسية عن طريق الوظائف الحكومية والعامة داخل الدولة. بدأ التغيير مع الاصلاحات العسكرية التي ضمت النقابات المنتسبة للقطاع العسكري والنقابات الحرفية العامة.

الاقتصاد العثماني

رسم للسوق الكبير المغطى في الآستانة خلال العهد العثماني. بنى السلطان محمد الفاتح هذا السوق لإنعاش اقتصاد المدينة بعد حتى فتحها لا سيما وأنها كانت تعاني من التدهور الاقتصادي.

اعتنى العثمانيون بالعواصم المتنوعة لدولتهم عناية خاصة، فجعلوا من مدن بورصة وأدرنة والقسطنطينية مراكز صناعية وتجارية مهمة في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، بل في العالم عندما بلغت الدولة ذروة مجدها وقوتها، واستقطبوا إليها الصنّاع والحرفيين والتجّار المهرة من مختلف أنحاء الأراضي الخاضعة لهم. ومن أبرز السلاطين الذين عملوا على تنمية الدولة العثمانية من الناحية الاقتصادية: محمد الفاتح وخليفته بايزيد الثاني وحفيده سليم الأول، فخلال عهد هؤلاء السلاطين فُتحت مناطق كثيرة في أوروبا الشرقية والعالم العربي، وكان العثمانيون ينقلون معهم غالبًا أمهر الصنّاع والحرفيين إلى عاصمتهم، كما عمل السلطان سليم الأول عندما فتح تبريز ومن ثم القاهرة، وفي ذلك العهد أيضًا كان عدد من المسلمين واليهود الأندلسيين قد غادر شبه الجزيرة الأيبيرية بعمل اضطهاد الإسبان لهم بعد سقوط الأندلس، فاستقبلهم العثمانيون وقدموا لهم الكثير من التسهيلات ليستقروا في البلاد ويساهموا في نهضتها الاقتصادية.

نظّم العثمانيون ماليّة دولتهم وخزينتها بشكل أفضل وأكثر فعاليّة من أي دولة إسلامية سابقة، واستمر نظامهم المالي أفضل نظم عصره وفاق جميع النظم المالية لكل الدول من إمبراطوريات وجمهوريات وممالك وإمارات معاصرة حتى القرن السابع عشر، عندما أخذت الدول الأوروبية الغربية تتفوق عليها في هذا المجال. يُعزى ازدهار الخزينة العثمانية خلال العصر المضىي للدولة إلى إنشائهم لوزارة خاصة تختص بالأمور المالية للدولة من إنفاق واستدانة وإدانة، عُرفت لاحقًا باسم "وزارة المالية"، وكان يرأسها إنسان مختص هو"الدفتردار" الذي أصبح يُعهد لاحقًا باسم "وزير المالية"، وكان لحسن تدبير بعض وزراء المالية أثر كبير في نجاح فتوحات السلاطين وحملاتهم العسكرية، إذ استطاعوا بفضل هؤلاء وسلامة سياستهم المالية التي رسموها للدولة، حتى يصرفوا على الجيش ويزودوه بكامل المعدات اللازمة وأحدث أسلحة العصر.


العملة

عملة ورقية عثمانية من فئة 100 ليرة.

كانت العملة العثمانية في بداية عهد الدولة تُعهد باسم "الغروش" أو"القروش"، وكانت تُسك من معدن البرونز النحاس، وفي أواخر عهد الدولة أصبحت "الليرة" مرادفًا لاسم العملة العثمانية، وكان يُضاف إليها اسم السلطان الذي صدرت في عهده، فكان يُنطق "ليرة مجيدية" و"ليرة رشادية" على سبيل المثال. وكانت الليرة العثمانية تساوي مئة واثنين وستين قرشًا، وأطلق عليها العرب اسم "العثمليّة". كانت الليرات العثمانية تعبير عن نقود مضىية في بادئ الأمر، ثم أصدرت الدولة في عهد الحرب العالمية الأولى أوراقًا نقدية لأول مرة في تاريخ البلاد، بسبب المبالغ الطائلة التي أنفقتها على الحرب، وأكثرت من الكميات التي أنزلتها إلى السوق، فهبطت قيمة هذه العملة بالنسبة للنقد المضىي والفضي، هبوطًا كبيرًا، ولكن الحكومة كانت تصرّ على اعتبار الليرة الورقية مساوية لليرة المضىية، وكانت تجبر الناس على قبضها والتعامل بها. تعامل الشوام في أواخر العهد العثماني أيضًا بالعملة المصرية، ومنها اكتسبت النقود تسمية "مصاري" و"مصريات" اللتان لا تزالان تستعملان في بلاد الشام للإشارة إلى النقود.


الديموغرافيا

السنة السكان
1520 11,692,480
1566 15,000,000
1683 30,000,000
1831 7,230,660
1856 35,350,000
1881 17,388,604
1906 20,884,000
1914 18,520,000
1919 14,629,000


النقل

القرن 16 و16 و18

البر

البحر

القرن 19

الزراعة والصناعة

تاجر حرير يبتاع شرانق ديدان قز في أنطاكية قرابة سنة 1895م.

كانت الدولة العثمانية تسيطر على أراض زراعية خصبة جدًا موزعة في جميع أنحائها، ومنها السهول الخصبة في بلاد الشام، وحوض نهر الدانوب، وحوضيّ دجلة والفرات، ووادي النيل، وسهول آسيا الصغرى وشمال أفريقيا. وقد اشتهرت جميع هذه المناطق في سائر العصور بخصب تربتها ووفرة مياهها وغنى إنتاجها. وكان الإنتاج الزراعي متنوعًا، فالقمح الحبوب الأخرى كان يُعتمد في إنتاجها على سهول الشام ومصر والأناضول، وزيت الزيتون كان يُنتج في الشام والأناضول والبلقان. واشتهرت اليونان وسوريا ولبنان وفلسطين وبعض أنحاء شمالي أفريقيا بالفاكهة والأثمار، كالعنب والتين والكرز والخوخ والإجاص والتفاح والدراق والسفرجل واللوز وغير ذلك. ولم تكن الثروة الحيوانية أقل أهمية من الإنتاج الزراعي، فقد كانت بتران الغنم الماعز البقر والإبل وجواميس الماء سارحة في هضاب البلقان وآسيا الصغرى وبوادي الشام ووادي النيل. وانتشرت في الكثير من أنحاء الدولة الصناعات الغذائية والمستخرجة من مصادر حيوانية ونباتية، وأبرزها صناعة الحرير والصوف والصابون. وفي عصر الدولة المضىي نشطت الصناعة العسكرية لتلبي حاجة الجيوش الفاتحة، وفي مقدمتها صناعة الأسلحة النارية من بنادق ومسدسات ومدافع، وفي الكثير من الأحيان تولّى هذه الصناعة مهندسون مجريون ونمساويون وفرنسيون وسويديون، وتليها صناعة الأسلحة البيضاء من سيوف ورماح ونبال، وصناعة الدروع. وقد تضائلت أهمية هذه الصناعة مع ازدياد ضعف الدولة وتراجعها لقاء تقدم أوروبا الغربية.

التجارة المحلية

رسم لسوق أقمشة في الآستانة سنة 1878م.

بنى العثمانيون الكثير من المراكز التجارية والأسواق الكبيرة والخانات على الطرق الرئيسية للتجارة لينزل فيها التجّار المسافرون والقوافل. وكان هناك مراكز تُجمع فيها البضائع التجارية وتقوّم قيمها وتُثبت أسعارها، أي كانت تعمل عمل البورصة حاليًا، وكان يُطلق على هذه المراكز التجارية اسم "بَدَسْتان". تأسست هذه المراكز أولاً في مدينة بورصه وفي أدرنه ثم انتشرت منهما إلى سائر أراتى الدولة العثمانية. كانت جميع أنواع السلع والبضائع تباع وتشترى في هذه المراكز التجارية، وكان بعضها يتخصص في بيع أنواع معينة من البضائع، مثل المجوهرات أوالبُسط أوالأقمشة أوالبهارات أوالخط أوالعطورات، وكان يوجد حول تلك المراكز بياعوالحاجيات اليومية من أغذية أووقود أومواد خام.

كانت التجارة الدولية في القرن الرابع عشر بيد البرتغاليين والبنادقة، وكانت البضائع الثمينة تتجمع في الموانئ، حيث تتم التجارة فيها عن طريق النقل البحري بواسطة السفن. كانت الدولة العثمانية على وعي بأن ازدهار التجارة في أي بلد يساعد على ازدهاره، وتخلفها يعني تخلفه. لذا قامت بإحياء طريق الحرير التاريخي، وأمّنت بذلك تحول التجارة إلى الطريق البري مرة أخرى. لذا بنت الخانات ومراكز التجارة على الطرق التجارية المهمة، وأنشأت هذه المراكز في داخل المدن أيضاً. واستطاعت الدولة - بتحقيقها الأمن والأمان للتجارة والتجار في أراضيها الواسعة وتيسير سبل التجارة أمامهم - السيطرة على التجارة الدولية بدءً من القرن الرابع عشر حتى القرن السابع عشر.

كان التجّار في العهد العثماني على نوعين: التجار المتجولون، والتجار المقيمون في المدن. فكانت مباني البدستان محل عمل التجار المقيمين في المدن ومركزًا لتعيين أسعار البضائع، كما كانت دائرة لاستيفاء الضرائب. وكان الموظفون الرسميون الذين يعيّنون الأسعار ويستوفون الضرائب يقيمون هناك، لذا لم يكن يُسمح بزيادة الأسعار خارج الحد المعقول، أي لم يكن يُسمح بالتعامل بالسوق السوداء. كان أصحاب الحرف المتنوعة يعملون في البدستان كعائلة واحدة، وكانت لهم منظمات ذات تنطقيد عريقة ومستقرة مثل "نقابة الأخوة". ولم يكن يؤخذ إلى هذه النقابة من أصحاب المهن من لم يمر بفترة التدريب والتعليم التي تتدرج من فترة المتفهم الناشئ أوالعامل المبتدئ إلى المتدرب إلى المفهم أو"الأسطة".


التجارة الدولية

كانت التجارة الدولية في القرن الرابع عشر بيد البرتغاليين والجنويّين (البنادقة). وكانت البضائع الثمينة تتجمع في الموانئ، حيث تتم التجارة فيها عن طريق النقل البحري بواسطة السفن. كانت الدولة العثمانية على وعي بأن ازدهار التجارة في أي بلد يساعد على ازدهار ذلك البلد، وتخلفها يعني تخلف ذلك البلد. لذا قامت بإحياء طريق الحرير التاريخي، وأمّنت بذلك تحول التجارة إلى الطريق البري مرة أخرى. لذا بنت الخانات -أي الفنادق- ومراكز التجارة على الطرق التجارية المهمة. وأنشأت هذه المراكز في داخل المدن أيضاً. واستطاعت الدولة -بتحقيقها الأمن والأمان للتجارة والتجار في أراضيها الواسعة وتيسير سبل التجارة أمامهم- السيطرة على التجارة الدولية بدءً من القرن الرابع عشر حتى القرن السابع عشر. البدستانات تختلف عن الخانات وعن "كَرْوان سَرايْ" (وهي أبنية محمية ومقامة على الطرق الرئيسية لاستقبال القوافل). فقد استخدمت الخانات بدءً من القرن الثالث عشر وحتى القرن الخامس عشر لتأمين حاجات المسافرين والتجار. وأطلق اسم "بَدَسْتان" في هذا العهد على هذه الخانات أيضاً. ولكن اقتصر اسم الـ"بدستان" في القرنين الخامس عشر والسادس عشر (عهد نضوج الدولة) في جميع المدن الكبرى على مراكز البورصة والتجارة فقط، واقتصرت الخانات على أماكن استراحة المسافرين.

البدستان والعمارة

كما قلنا فإن الـ"بدستان" كانت مباني تجارية ظهرت عند ظهور الدولة العثمانية وتوسعها. ولم يكن فنها المعماري يشبه مثيلاته في حضارات الأناضول وفي الحضارة البيزنطية القديمة، كما لم يكن يشبه "القيصرية" وهي الأسواق المفتوحة وغير المسقفة والتي كانت موجودة في جنوبي شرق الأناضول؛ بل كانت تحمل السمة المعمارية للمدن "العثمانية-الهجرية" مثلما كانت المراكز والمباني الدينية والتجارية الأخرى الكبيرة (كجوامع السلاطين الكبرى) تحمل سمتها الخاص بها. كانت هذه المباني تحتل مركز المدينة وترمز إلى أنها مدن عثمانية.

كانت الـ"بدستان" في الدولة العثمانية مربعة أومستطيلة الشكل. لها قبب مغطاة بالرصاص، وتنقسم إلى أجزاء وأقسام لتكون صالحة لأفضل استخدام واستعمال، ولها جدران سميكة من الحجر، وترتفع في وسط المدينة وكأنها حصن أوقلعة، وتشرف بأبراجها على المدينة من عل، ويمكن رؤيتها من بعيد والتعهد عليها. كان لها في العادة باب أوبابان، وأحياناً أربعة أبواب رئيسية. وكانت مفتوحة على الشارع أوالشوارع الرئيسية للمدينة. كانت الـ"بدستان" مقسمة من الداخل إلى 4-20 قسما مربع الشكل، ولكل قسم قبة فوقه. ويدخل الضوء من نوافذ صغيرة موجودة في أعلى الجدران. وفي خارج بناية الـ"بدستان" تلتصق جدران الدكاكين بها، كما تنتظم الدكاكين ومحلات العمل على جانبي الطريق الخارج من الـ"بدستان". كما توجد حول هذا المجمع دكاكين مربعة أومستطيلة الشكل.

تكون مداخل الـ"بدستان" في العادة مرتفعة وفخمة، كمداخل المعابد، وجدرانها الحجرية مزينة بأشكال فنية وزخارف. أبوابها من الحديد أومن خشب الأبنوس ومزخرفة كذلك بزخارف حديدية أوخشبية. ودكاكينها مصانة جيدًّا. والبناية تحتوي على دكاكين وعلى المخازن العائدة لها. وقبابها مغطاة بالرصاص لحفظ البناية من تسرب مياه الأمطار والثلوج. لذا فإن بنايات الـ"بدستان" كانت تحمل طابعًا عثمانيّاً متميزاً. ولكونها مبنية من الحجر كانت أيضاً رمز المتانة والقوة والعمر الطويل. وفي الخانات كانت السلالم موجودة على يمين ويسار المدخل مباشرة وتؤدي إلى الطابق الثاني بـ(20-30) درجة. وفي القسم الأمامي من الطابق العلوي يوجد "رَواق"، وفي القسم الخلفي توجد حوانيت أومتاجر. وبينما تغطي القبب أعلى الرواق تكون سقوف الحوانيت على شكل أقواس وقناطر. وكل حانوت تعبير عن غرفة واحدة. أما الحوانيت في الأركان فيكون جميع منها تعبير عن غرفتين أوثلاث غرف. ويوجد أيضاً رواق أمام المتاجر في الطابق الأرضي. وتحت هذه الحوانيت والمتاجر، توجد مخازن لخزن البضائع. وفي هذه المخازن توجد صناديق حديد تحفظ فيها الأمتعة الثمينة. ويذكر "أَوْلِيا جلبي" الإصطبلات الملحقة بهذه "الخانات"، حيث تستريح فيها الحيوانات التي تحمل البضائعَ والناسَ في القوافل. والإصطبل الموجود في "قوزاخان" في مدينة "بورصه" يعد أنموذجاً لإصطبل الجمال، حيث استخدم القسم العلوي منه لاستراحة المسافرين ولخزن البضائع. وتوجد مواقد في غرف الطابق العلوي، وترتفع المداخن من جانب القبب. وتوجد ميضأة في وسط باحة الخانات، وفي المؤخرة يوجد مسجد.


كما توجد حاليا قواعد ومبادئ معينة في المراكز التجارية وفي البورصات وفي المناطق الصناعية التعاونية حددتْها القوانين، كذلك كانت لمراكز الـ"بدستان" في الدولة العثمانية قواعد يجب العمل بها. فهي تؤسس أولاً إما بفرمان من السلطان أوبأمر من وزير. وعندما يتم بناؤها تصبح مركز جذب للتجار الأغنياء الذين يرغبون بالتعامل في مراكز تجارية آمنة. ويقول المؤرخ الهجري المعروف "خليل إنالجيك": "كان من القواعد المعروفة حتى الـ"بدستان" تعد مركزا للتجارة في المدينة، وكذلك مركزاً للتجارة بين الأمم." لذا نرى حتى أسواق الـ"بدستان" ومراكزها في الدولة العثمانية كانت طوال مئات السنين محلاًّ لزيارة آلاف التجار القادمين من إيران والهند وأوروبا، ومحل تعارفهم ولقائهم وإقامتهم، ومحل بيعهم وشرائهم. وقد أنشأ السلطان محمد الفاتح بفرمان منه، "بدستان إسطنبول" والسوق المحيطة بها بعد الفتح مباشرة، لتكون مركزاً تجاريا كبيراً وآمنا على طريق الأناضول - الروملي ولمدينة إسطنبول كذلك، حيث استطاعت هذه السوق استيعاب الفعاليات التجارية الكبيرة آنذاك.

ومع حتى جزءً من إيجار الـ"بدستان" والخانات كان يمضى إلى باني هذه البنايات، إلا حتى الجزء الأعظم منه كان يصرف لبناء الجوامع والمدارس الدينية والكليات ومراكز توزيع الأطعمة مجانًا للفقراء، أي كان يصرف لأعمال البر والخير. فقد صرف إيجار الـ"بدستان" التي شيدها السلطان "محمد جلَبي"، في مدينة أدرنه عام 1418م، لتعمير جامع "أسكي جامع"، وإيجارُ الـ"بدستان" التي شيدها السلطان محمد الفاتح وكذلك إيجار سوق "قبالي جارشي" للصرف على أياصوفيا التي حوّلها من كنيسة إلى جامع. وصرف إيجار الـ"بدستان" التي شيدها السلطان بايزيد الثاني في مدينة بورصه لتعمير جوامع إسطنبول ومراكز مساعدة الفقراء.

التجارة والنشاط الاجتماعي

لم يفصل العثمانيون الحياة التجارية عن الساحات الأخرى للحياة. واستفادوا في تأسيسهم هذا التوازن بين مناحي الحياة من خزين التجارب الإسلامية الطويلة الأمد، والتي بدأت من عهد المدينة المنورة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم واستمرت طوال عصور عديدة وفي بلدان إسلامية متعددة. كان التجار في العهد العثماني على نوعين: التجار المتجولون، والتجار المقيمون في المدن. فكانت مباني الـ"بدستان" محل عمل التجار المقيمين في المدن ومركزاً لتعيين أسعار البضائع أيضاً، أي كانت تعمل عمل البورصة الحالية. كما كانت دائرة لاستيفاء الضرائب. وكان الموظفون الرسميون الذين يعيّنون الأسعار ويستوفون الضرائب يقيمون هنا. لذا لم يكن يسمح بزيادة الأسعار خارج الحد المعقول، أي لمقد يكونوا يسمحون بالتعامل بـ"السوق السوداء". كانت جميع "بدستان" تشكل نواة الأسواق الكبيرة. وكانت جميع أنواع السلع والبضائع تباع وتشترى فيها مثل أسواق "سوبر ماركت" في أيامنا الحالية. كان بعض هذه المراكز التجارية مراكز لأنواع معينة من البضائع ولمنتوجات أصحاب مهن معينة. مثلا هناك مركز للصياغة، أولبيع السجاجيد أوالأقمشة أوالبهارات أوالخط أوللعطارين، وكان يوجد حولها بياعوالحاجيات اليومية من الأغذية كالفواكه والخضروات والطحين والملح...الخ. أومن أنواع الوقود كالحطب والفحم.. أومن المواد الخام كالدهون والزيوت والأصباغ.. وكذلك كان أصحاب الحرف الأخرى كالخياطين وأصحاب المطاعم وصناع الخزف..الخ، يزاولون نشاطهم هنا. كما كانت هذه الأسواق تضم الأماكن الضرورية لحاجات الناس كالمساجد وأماكن الوضوء وأماكن القراءة والمقاهي والحلاقين والحمامات...الخ.

كان أصحاب الحرف المتنوعة يعملون في الـ"بدستان" كعائلة واحدة، وكانت لهم منظمات ذات تنطقيد عريقة ومستقرة مثل نقابة "الأخوة" (Ahîlik). ولم يكن يؤخذ إلى هذه النقابة من أصحاب المهن من لم يمر بفترة التدريب والتعليم التي تتدرج من فترة المتفهم الناشئ أوالعامل المبتدئ إلى المتدرب إلى المفهم (المحترف). كان يتم تعليم الشباب المبتدئين الحرف المتنوعة في ظل تدريب وتعليم يأخذ بنظر الاعتبار التدريب المهني والتجاري مع الحرص على ترسيخ مفاهيم أخلاقية أهمّها حتىقد يكون جميع منهم إنساناً محبًّا للخير وجاراً حسن الخلق، أي يتلقون تدريباً وتعليماً أخلاقيا أيضاً. وكان يتم ترقية هؤلاء الشباب من صنف "المبتدئ" إلى صنف "المتدرب"، ثم إلى صنف "الأستاذ" أو"الأسطة" بالتعبير السائد آنذاك في مراسيم احتفالية. إلى غير ذلك كانت "بدستان" تنشئ كادرها وتحافظ عليه.

كانت للـ"بدستان" أربع وظائف مهمة:

1-تعيين أسعار البضائع.

2-فرض الضرائب على البضائع واستيفائها.

3-خزن البضائع والسلع الغالية والثمينة العائدة للدولة أوللتجار، مثل المضى والمجوهرات والأقمشة الغالية، والوثائق المهمة، حيث كانت هذه البضائع تحت ضمان الدولة، فتخزن بشكل آمن، ثم تعرض للبيع.

4-كونها مقرًّا للتجار المحليّين، حيث كانوا يقومون بأنشطتهم التجارية، ومنها كانت تنطلق قوافلهم إلى البلدان الأخرى.

كان لكل "بدستان" سَريّةُ أَمنٍ خاصة بها، وشخص مؤتمن. وكانت الأموال المفقودة (أي الأموال التي فقدها أصحابها) تظل عنده مدة معينة. فإن لم يظهر صاحبها تسلم لبيت المال. كما كانت تودع عنده أموال اليتامى حتى يبلغوا سن الرشد. كما كانت الـ"بدستان" تقوم بوظائف شبيهة بوظائف البورصة التجارية في أيامنا الحالية (بورصة القطن أوبورصة الزبيب مثلاً). كانت الـ"بدستان" في بعض المدن مركز عمل التجار الذين يقومون بتجارة الأقمشة الثمينة. وكان جميع منهم يملك فرمانًا من السلطان وأمرًا من القاضي كضمان وتأييد له عند قيامه بهذه التجارة. وكانت أي تجارة سِرّيّة تجرى خارج الـ"بدستان" تُعد تجارة غير قانونية ومنافسة غير شريفة بالنسبة للتجار الموجودين في الـ"بدستان" الذين يدفعون الضرائب بانتظام. فمثلاً، وقع في عام 1609م، حتى طرق سمع تجار "بدستان" حتى بضائع معينة (مثل العطور) تباع سراً في منطقة "غلطة" إلى العطارين، فتقدموا بالشكوى إلى السلطان وتمت معالجة الأمر. أما سيطرة تجار الأقمشة الذين هم أحد عناصر الاقتصاد المضبوط رسميًّا، فقد استمرت حتى أواسط القرن السادس عشر، حيث صدر قرار بالسماح لتجارة الأقمشة خارج الـ"بدستان" ما لم يكن هناك قرار من الحكومة بالمنع.

نعتقد أنه من المفيد إجراء تحليل مقارن بين الـ"بدستان" التي كانت تحتلّ مكانًا مرموقًا في الحياة التجارية في الدولة العثمانية، وبين المراكز التجارية الحالية. فهذا مفيد، ليس من الناحية التاريخية فقط، بل من الناحية التجارية والاجتماعية كذلك. فمن ناحية، هناك فائدة في ضبط الفعاليات التجارية ومراقبتها، وأن تكون هذه الفعاليات على أساس مشروع وتُراعى فيها الحقوق؛ ومن ناحية أخرى، فإن عدم السماح للشخص بالعمل التجاري (إن لم يكن أهلا له ولم يدرّب بعد عليه) أيضاً من الأمور التي يجب مراعاتها.

المالية

السنة الدخل السنوي
1433 2,500,000 دوكات
1496 3,300,000 دوكات
1520 3,130,000 دوكات
1526 4,500,000 دوكات
1530 6,000,000 دوكات
1553 7,166,000 دوكات
1558 7,740,000 دوكات
1566 8,000,000 دوكات
1587 9,000,000 دوكات
1592 10,000,000 دوكات
1603 8,000,000 دوكات
1660 12,000,000 دوكات

إشهار إفلاس الدولة العثمانية

فيستة أكتوبر 1875، بسبب المستوى العالي للديون الهائلة على الدولة العثمانية، اضطر السلطان عبد العزيز إلى اعلان افلاس الدولة العثمانية، وإعلان تشكيل ادارة الديون العمومية العثمانية ومحاصصة الواردات التي يديرها الدائنون الأجانب.

انظر أيضاً

  • الدين العام العثماني
  • ادارة الديون العمومية العثمانية ومحاصصة الواردات
  • التاريخ الاقتصادي لهجريا
  • خلافة إسلامية
  • رجل اوروپا المريض

المصادر

  1. ^ Halil İnalcık, Studies in the economic history of the Middle East : from the rise of Islam to the present day / edited by M. A. Cook. London University Press, Oxford U.P. 1970, p. 209 ISBN 0-19-713561-7
  2. ^ ابن اياس. بدائع الزهور في وقائع الدهور. القاهرة 1984 (ج4/ص384)
  3. ^ Halil İnalcık, Studies in the economic history of the Middle East : from the rise of Islam to the present day / edited by M. A. Cook. London University Press, Oxford U.P. 1970, p. 217 ISBN 0-19-713561-7
  4. ^ Antony Black (2001), "The state of the House of Osman (devlet-ı al-ı Osman)" in The History of Islamic Political Thought: From the Prophet to the Present, p. 199
  5. ^ Halil İnalcık, Donald Quataert (1971), An Economic and Social History of the Ottoman Empire, 1300–1914, p. 120
  6. ^ المصور في التاريخ، الجزء الثامن. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار الفهم للملايين، صفحة 44-45
  7. ^ M. Kabadayı, Inventory for the Ottoman Empire / Turkish Republic 1500-2000
  8. ^ L. Kinross, The Ottoman Centuries: The Rise and Fall of the Turkish Empire, 206
  9. ^ L. Kinross, The Ottoman Centuries: The Rise and Fall of the Turkish Empire, 281
  10. ^ المصور في التاريخ، الجزء السابع، الصناعة تبلغ مستوى عالميّا، صفحة: 68-69
  11. ^ مجلة حراء: مراكز النشاط الاقتصادي في الدولة العثمانية، بقلم د. ناظم إينتبه، ترجمة عن نص أورخان محمد علي
  12. ^ مراكز النشاط الاقتصادي في الدولة العثمانية، مجلة حراء، أكتوبر-ديسمبر 2007
  13. ^ W. Treadgold, A History of the Byzantine State and Society, 969
  14. ^ A. Lybyer, The Government of the Ottoman Empire in the Time of Suleiman the Magnificent, 180
  15. ^ A. Lybyer, The Government of the Ottoman Empire in the Time of Suleiman the Magnificent, 181

وصلات خارجية

  • The Ottoman Empire, by Richard L. Chambers, University of Chicago.
  • Ottoman economy before and during the First World War

تحوي هذه الموضوعة معلومات مترجمة من الطبعة الحادية عشرة لدائرة المعارف البريطانية لسنة 1911 وهي الآن من ضمن الملكية العامة.


تاريخ النشر: 2020-06-04 19:00:54
التصنيفات: All articles with unsourced statements, Articles with unsourced statements from July 2008, Articles with invalid date parameter in template, مقالات مأخوذة من الطبعة الحادية عشرة لدائرة المعارف البريطانية, اقتصاد الدولة العثمانية, التاريخ الاقتصادي للدولة العثمانية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

رابط التقديم للصف الأول الثانوي 2022 والأوراق المطلوبة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-21 00:21:30
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 63%

«معهد تكنولوجيا الأغذية» يستضيف ندوة تثقيفية حول المشاكل الغذائية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-21 00:21:29
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

62.1 % ارتفاعًا فى قيمة التبادل التجارى بين مصر والسعودية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-21 00:21:27
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 60%

أعلى فى الحرارة.. سمات طقس صيف 2022 وأهم النصائح للمواطنين

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-21 00:21:15
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

«تهتك بالرئة».. ماذا جاء فى تقرير الطب الشرعى لـ«طالبة المنصورة»؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-21 00:21:26
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 69%

السفارة السعودية تطلق هشتاج «ولى العهد فى بلده الثانى مصر»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-21 00:21:25
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

خاص.. ننشر تصريح دفن وشهادة وفاة طالبة المنصورة نيرة أشرف

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-21 00:21:23
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 55%

وزير السياحة يتابع آخر مستجدات العمل بالمتحف المصري الكبير

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-21 00:21:30
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 69%

بث مباشر جنازة نيرة طالبة المنصورة وانهيار الأم (فيديو)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-21 00:21:24
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

3 لوحات مختفية تعود لأحضان «الثقافة»: ماذا عن الـ55 مليون دولار؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-21 00:21:25
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 54%

إصابة 11 شخصًا في حادث تصادم بين سيارتين بالأقصر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-21 00:21:37
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 59%

تحميل تطبيق المنصة العربية