معركة وادي الدوم
معركة وادي الدوم دارت رحاها يوم 22 مارس 1987 وقتل فيها 1,269 جندياً ليبياً وأسر 438 كان من بينهم العقيد الركن خليفة حفتر والمقدم الركن عبد الله الشيخي. ولا يقل عن 274 جنديا قتلوا وأسر 16 في معركة فايا لارجويوم 27 مارس 1987. هذه ليست أحصائية كاملة فهناك العشرات ممن قتلوا في مناطق أخرى وتاه العشرات في الصحراء وماتوا عطشا، ومات الكثير من الجنود مسمومين من جراء شربهم لمياه كانوا قد وضعوها في دانات المدافع الفارغة.
لماذا ليبيا تحارب تشاد ؟
قطاع أوزوأوشريط أوزو هوتلك الأرض الممتدة في شمال تشاد بمحاداة الحدود الليبية , حيث يصل طول الشريط إلى 600 حدث، ويمتد في عمق الجنوب إلى نحو100 وقع وتبلغ مساحته قرابة 80,000 كيلومتر مربع من المنطقة المحادية لجبال تيبستي الغنية باليورانيوم والمنجنيز.
هذه المنطقة لم تكن بدايتها تلك الحرب الشرسة التي دخلها الجيش الليبي وانتهت به إلى خسارة فادحة بكل المقاييس وعلى جميع المستويات، قرابة 15,000 جندي ليبي اغتال منهم مايزيد عن 6000 بين ضباط وجنود والكثير من الأسرى كان بينهم قائد الجيش الليبي شخصيا العقيد خليفة حفتر. هذه محصلة نهائية لتلك الحرب التي دخلها القدافي مع بداية السبعينات ومازال يتجرع الشعب الليبي مرارتها حتى الآن .
وإذا كان القدافي قد وصل به التنازع مع تشاد على الشريط إلى درجة حشد الجيش الليبي واحتلال العاصمة انجامينا ودكّها بالطائرات التي خلّفت الآلاف من القتلى الذين حصدتهم حرب قذرة بين الطرفين كان فيها القدافي هوالبادئ والظالم، فان جذور الصراع على شريط أوزوأقدم من زمن العقيد القدافي.
جذور النزاع على شريط أوزوالثري
في عهد المملكة كانت ليبيا تعتبر شريط اوزوأراضي ليبية , إذ تعود المنازعات على الشريط إلي بداية الخمسينيات من القرن الماضي , وكان المبرر وقتها بأن سكان الإقليم هم من الذين يدينون بالولاء للحركة السنوسية , لكنه وبكل تأكيد لم يكن المبرر كافيا لسرقة أراضي تشادية وضمها إلى ليبيا , فقط لأن سكانها يتبعون فكريا إلى الحركة السنوسية، وهذا ما ستقوله محكمة العدل الدولية فيما بعد .
تاريخيا يعود النزاع وفيما بعد المفاوضات على إقليم أوزوبين ليبيا وتشاد إلى بدايات سنوات الخمسينات , إذ نطقت المملكة الليبية وقتها بأن الإقليم يسكنه السكان الأصليون الذين يعود ولائهم إلى الحركة السنوسية , وقبلها الإمبراطورية العثمانية، وكانت المملكة الليبية تستند إلي اتفاق قديم بين إيطاليا (وقت موسوليني) وفرنسا (وقت رئيس وزرائها بييرلافال) عقد في يناير عام 1935، وهي الاتفاقية التي تضمنت تنازل فرنسا لايطاليا عن الشريط الذي أصبح داخل الحدود وضهر شريط أوزوضمن الخارطة الليبية في خرائط رسمت في آواخر الأربعينات من القرن الماضي .
شريط أوزو
لاحقا اعتمدت ليبيا على معاهدة أخرى وقت حكم العقيد القدافي سقطت في ديسمبر من العام 1972 بين ليبيا و”فرانسوا تمبلباي” رئيس تشاد وقتها، اقر فيها بأحقية ليبيا لشريط أوزو, على أثرها دخلت القوات الليبية إلى الشريط وأصبحت المنطقة تدار بإدارة ليبية، كما سارعت حكومة القدافي إلى إصدار بطاقات تعريف وكتيبات عائلية ليبية رسمية لكل سكان الشريط الذين أصبحوا إداريا يتبعون مؤتمر مرزق في الجنوب الليبي .
كانت ليبيا تسيطر على الشريط سيطرة كاملة منذ العام 1973 , ولم تتوقف قوات القدافي عند هذا الحد بل أحتلت شمال تشاد في نهاية السبعينيات , وعملت على تمويل الحركة الثورية التشادية _ فرولينا _ ضد نظام الرئيس تومبلباي .
القدافي يطرد هبري وينصّب كوكني وداي رئيسا لتشاد
عام 1983 تحركت القوات الليبية مدججة بالعربات والطائرات وكتائب من المشاة والدبابات على ثلاتة محاور , الأول في اتجاه أبشّة والثاني إلى فايا لارجووالثالث إلى فادا , كانت تلك المحاور بمثابة كمّاشة سيقع حسين هبري فريسة لها , ولن يجد أمامه وجيشه إلا الفرار وتجاوز النهر إلى الكاميرون , المعركة سقط فيها قرابة 300 قتيل ومئات الجرحي من القوات الليبية إلى غير ذلك سيطرت القوات الليبية على العاصمة انجامينا وقدمت تشاد على طبق من دهب للرئيس كوكني وداي الذي سيتخلى عنه القدافي لاحقا وهوفي أحلك ظروفه ولن يجد غير الهروب بجلده كما عمل قبل غريمه حسي هبري .
كوكني والقدافي وهبري _ لعبة القط والفأر
الحكومة الفرنسية التي تنشر قواتها في تشاد , طلبت من الرئيس كوكني ان يعمل على انسحاب القوات الليبية من تشاد , كانت القوات الليبية قد انسحبت إلى الشمال , اتى ذلك في ظرف أسبوع سحب القدافي قواته الي الشمال وهجر الرئيس كوكني وداي يقابل قدره مع حسين هبري المدعوم بقوات فرنسية , ليجد كوكني نفسه وللمرة الثانية وجها لوجه أمام قرار الهروب , لم تعد ليبيا مأوى آمن له واختار الجزائر هذه المرة .
خلال تلك الفترة وعلى امتداد أربعة سنوات تعرض الجيش الليبي إلى الإهمال التام وصل الي حد شحّ الغداء , كما وصل الأمر ببعض الظباط والجنود الي حد الا نتحار , والبعض الآخر غادر المواقع هائما في الصحراء يتلمس طريق العودة إلى الوطن , لكن الصحراء لم ترحمهم , ونطقت البيانات العسكرية إنهم مفقودون .
قوات هبري تهاجم وادي الدوم وتسترّد أوزو
عام 1987 تحركت قوات هبري مصحوبة بقوات فرنسية وهاجمت قاعدة وادي الدوم ودكتها عن بكرة أبيه في هجوم وصفه شهود عيان بالكاسح , راح ضحيته 1200 جندي ليبي وتدمير 300 دبابة ومدرعة وتم آسر 250 بين جنود وظباط بينهم قائد المنطقة , عادت القوات الجوية الليبية لاحقا وقصفت قاعدتها في وادي الدوم بنيران جوية كثيفة , بدعوى ان لاتستفيد قوات هبري من بقايا الطائرات والدبابات ومخازن الأسلحة .
معركة معطن السارة
كانت القوات التشادية تنهج أسلوب العمليات المباغثة , كما تعتمد على حرب العصابات في الصحراء التي هم فرسانها، تسللت القوات التشادية إلى داخل قاعدة معطن السارة في عمق الجنوب الليبي وهاجمتها في معركة اغتال فيها من الجنود الليبييون 1700 جندي وتم أسر ما يربوعن 400 بين جنود وظباط ليبيون. وكان هناك 200 طالب من مدرسة على وريث ومدارس اخرى من طرابلس قد غادروا السارة قبل الغارة بيوم وإلا لكانوا أيضا في عداد القتلى.
- الجنود الليبيون وجحيم الأسر
يتحدث الأسرى عن معاناة قاسية وتعذيب واذلال، حيث كان الظابط في الجيش التشادي يختار أحد الأسرى ويجعله خادما له , يحضر له الأكل والشاي ويغسل الملابس مثل الخادم , ويقول بعض رفاق الأسرى ان بعضهم لم يعد يعهد مصيرهم حتى الان , لم يعترف العقيد القدافي بوجود مئات الأسرى الليبين لدي القوات التشادية , وحتى عندما تم ابلاغه بان قائد الجيش الليبي العقيد خليفة حفتر بنفسه موجود ضمن الأسرى، كان القدافي يرّد على الصحفيين ” إذا كنتم تتحدثون عن راعي غنم في الصحراء اسمه حفيتر فهذا أعهده، أنا لأعهد أحدا بهذا الاسم ”.
الرسالة وصلت إلى قائد الجيش الليبي الأسير العقيد خليفة حفتر، ليقرر في أواخر عام 1987 الانضمام بضباطه وجنوده إلى صفوف الجبهة الوطنية لانقاد ليبيا المعارضة لنظام القدافي والتي تتخد من أمريكا مقراً لها. وفي 21 يونيو1988 تم الإعلان عن تكوين الجيش الوطني الليبي كجناح عسكري بقيادة العقيد خليفة حفتر الذي كان قد وصل إلى أمريكا مع 1000 مابين بين ظابط وظابط صف كانوا نواة الجيش الوطني الليبي.
- احصائية بالخسائر ليست نهائية
دارت معركة في محيط اوزووبردي امتدت منثمانية حتى 21 أغسطس عام 1987 اغتال فيها 842 جندي ليبي وتم أسر 122 بمن فيهم القيادات العسكرية للمنطقة
دارت معركة حول مدينة فادا في أوائل يناير 1987 اغتال فيها 784 جندي ليبي وفي 23 يناير من نفس العام اغتال 193 جندي ليبي في معركة واحة زائري.
خلال يومي 19 و20 مارس من العم 1987 اغتال 786 جندي ليبي وتم أسر 121 في معركة بير كوران , ضمن هذا العدد كتيبة من قوات الصاعقة تعدادها 300 مقاتل سحقت عن بكرة أبيها.
معركة فايا لارجوالتي سقطت يوم 27 مارس 1987 اغتال فيها 274 جندي ليبي وسقط في الأسر 16 أسيرا .
تعتبر معركة وادي الدوم من أشهر المعارك في الحرب الليبية التشادية , المعركة سقطت يوم 22 مارس 1987 وقتل فيها 1269 جندي ليبي، وتم أسر 438 كان من بينهم قائد الجيش الليبي العقيد ركن خليفة حفتر .
- نهاية بطعم العلقم
هذه الخسائر غير المبررة في الأموال والأرواح جعلت الأمم المتحدة تقف وتطلب حمل النزاع إليها , وحكمت محكمة العدول الدولية بعد مداولتها لصالح تشاد، ليعود الشريط إلى البلد الأم بعد صراع دام خلّف مئات الآلاف من القتلى والآلاف من الأسرى.
وفي فبراير من العام 1994 وبعد مقتل 6000 ظابط وجندي ليبي وأسر المئات وفقدان المئات من الجنود الذين هاموا على وجوههم في تلك الصحراء في حرب لم تجن منها ليبيا غير الدمار. وبعد خسائر مادية وصلت إلى أزيد من ملياري دولار، العقيد معمر القدافي يسلم شريط أوزودون حتى ينبس ببنت شفة. وكأن ذلك الجحيم التي اكتوت به ليبيا شيئاً لم يكن .
مصائر المقاتلين
- خليفة حفتر
- والد إبراهيم الجضران
المصادر
- ملف منشور في مسقط ليبيا المستقبل
- كتاب حرب تشاد الكارثة الكارثة _ للدكتور فتحي الفاضلي _ منطقات عن الحرب من مواقع مختلفة _ منطقة لأسير حرب تشاد باسم عمر المختار