موت أنبادوقلس

عودة للموسوعة

موت أنبادوقلس

المخطوطة الأصلية

موت أنبادوقلس (بالألمانية: Der Tod des Empedokles؛ بالإنگليزية: The Death of Empedocles) هي دراما غير مكتملة من فريدريش هولدرلين. وتوجد في ثلاث نسخ مكتوبة بين 1797 و1800، أولاهن هي الأكثر اكتمالاً. والنسخة الثالثة نُشرت بمفردها في 1826، إلا حتى ثلاثتهن لم يظهرن مطبوعات معاً حتى 1846، بعد ثلاث سنوات من وفاة هولدرلين.

ربما كانت عادة الشاعر الألماني فردريش هولدرلن في كتابة نصوص توضح أعماله الشعرية أوالمسرحية أوحتى النثرية في شكل عام، أحد أكثر عادات الكتّاب فائدة ومتعة لقرائه... حتى وإن كان من الصعب القول إذا تلك الأعمال كانت تتسم بقدر من الصعوبة يحتم وجود مثل تلك التفسيرات. ولعل الأجدر بنا هنا ان نقول إذا تلك النصوص التوضيحية انما كانت في الأصل تهدف إلى تبرير كتابة الشاعر لما خط أكثر مما تهدف إلى التوضيح، ولكن لما كان الخط الفاصل بين التوضيح والتبرير رفيعاً للغاية، قُرئت تلك النصوص على انها نصوص توضيحية. في الأصل، إذاً، كان هولدرلن يريد ان يقول لقارئه انه إذا كان قد خط قصيدة أومسرحية أوما شابه ذلك، فإنه خطها ضمن إطار ظروف معينة، وضمن سياق فكرة معينة كانت حين الكتابة مسيطرة عليه. ومن الواضح حتى من يقرأ هذه النصوص بالتوازي مع النتاجات الإبداعية التي تتحدث عنها، ستكوّن لديه فكرة عن العمل مختلفة إلى حد كبير عن الفكرة التي تستحوذ على من يقرأ العمل لذاته. من دون أي خلفيات توضيحية أوتبريرية. والحال حتى السجال سيظل، دائماً، عميقاً ومتشعباً بين الطريقتين، وبالتالي بين أنصار القراءة الإبداعية الخالصة ومن يقابلهم من أنصار القراءة المعهدية. وهوسجال ليس هنا مكانه بالطبع. ذلك اننا سواء أكنا من أنصار هذه الطريقة أوتلك، يظل ان الشاعر هولدرلن خط نصوصه التبريرية ولا يمكننا تجاهلها بأي حال من الأحوال.

إمپدوقلس

ومن أكثر هذه النصوص شهرة في مسار هولدرلن النص الذي خطه تعليقاً على مسرحية خطها، ثلاث مرات خلال سنوات عدة، لكنها مع هذا لم تكتمل أبداً... إذ في جميع مرة كان هولدرلن يصل إلى نقطة معينة من المسرحية ويريد حتى يتجاوزها، يقف تاركاً العمل جانباً، ليستأنفه بعد حين ثم ليتوقف مرة أخرى. إلى غير ذلك بقيت المسرحية غير مكتملة وإن كانت، بالصيغة التي وصلت إليها، تُعتبر من أجمل مسرحيات هولدرلن. المسرحية التي نعنيها هنا هي «موت انبادوقلس» التي استعار هولدرلن موضوعها من كتاب ديوجين اللائرسي حول حياة الفلاسفة والكتّاب القدامى. ولعل الدافع الأول الذي حدا بالشاعر الألماني الذي عاش بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر إلى كتابة هذه المسرحية انما كان انبهاره الكبير بالعالَم الإغريقي القديم، وبمفكري هذا العالَم وتنطقيده. ونحن نعهد حتى انبادوقلس كان أحد الفلاسفة الما - قبل - سقراطيين، وكان من أوائل المفكرين العقلانيين الذين جعلوا فلسفتهم قائمة على أساس توحّد الإنسان والطبيعة. ونعهد كذلك حتى أنبادوقلس توفي انتحاراً. في التنطقيد القديمة تقول الحكاية إذا انبادوقلس انتحر بأن ألقى بنفسه من فوهة بركان إتنا، احتجاجاً على عدم إيمان الشعب بتعاليمه وأفكاره الحلولية هذه، وأملاً في ان يؤدي موته على تلك الشاكلة إلى لفت نظر هذا الشعب إلى تلك الأفكار. أما بالنسبة إلى هولدرلن، الذي استند هنا إلى ديوجين، فإن الموضوع يتجاوز مسألة الحلولية بين الإنسان والطبيعة، لأن انبادوقلس تجاوز هذا البعد ليعلن نفسه، انطلاقاً منه، سيد الكون في زمن كان الإنسان - قبل مجيء الأديان التوحيدية - لا يزال يبحث عن آلهة تجيبه عن أسئلة الوجود والحياة. بالنسبة إلى انبادوقلس كان الجواب عنده، ويتعلق تحديداً بالاتّحاد المتناغم بين الإنسان والطبيعة في معنى ان موت الإنسان لا يعني أكثر من عودته الموقتة، إلى حضن الطبيعة الأم واندماجه فيها من جديد، بعد ان كانت الطبيعة تمظهرت في شكل موقت على صورة ذلك الكائن البشري الذي كانه قبل ان يموت.

قد لاقد يكون الاختلاف كبيراً بين الطرحين. ومع هذا لم يفت الأمر حتى يُشكل حقاً على هولدرلن الذي حاول في المرات الثلاث التي انكب فيها على كتابة المسرحية وإعادة كتابتها (في السنوات 1797 و1798 و1800)، حتى يوصل «مأساة» انبادوقلس إلى نهاية منطقية فعجز. وربما يجوز هنا حتى نفتح هلالين لنقول ان هولدرلن، في العام 1801، وبعد عام من فشله الثالث في إتمام «موت انبادوقلس»، عاد إلى عالم الإغريق ثانية، ولكن هذه المرة في قصيدة له اشتهرت لاحقاً عنوانها «الخبز والنبيذ»، نبذ فيها ما كان اعتاده الرومانسيون من بكاء على أطلال الماضي، كي يعلن إيمانه بالمقبل الذي سيولد من رحم الحاضر كاستكمال للمسار التاريخي للكون، حتى اللحظة التي تتم فيها معجزة التحام الليل بالنهار. ومن الواضح حتى ما أراد هولدرلن قوله في هذه القصيدة انما كان دعوة الإنسان للعودة إلى الإيمان. وهي الفكرة التي لطالما أراد التعبير عنها من خلال مسرحيته عن انبادوقلس، ففشل. ونعود هنا إلى هذه المسرحية، التي ستقدم مرات ومرات بعد توقف هولدرلن عن كتابتها، ودائماً ناسيرة لا تكتمل، بل في أحيان بأشكال موسيقية، ثم لاحقاً خلال النصف الأخير من القرن العشرين في شكل سينمائي، حين حوّلها الثنائي الفرنسي-الألماني جان-ماري ستروب ودانيال هوييه، إلى فيلم تجريبي له مكانته في تاريخ السينما الهامشية.

إذاً، مسرحية «موت انبادوقلس» التي خط هولدرلن صيغها الثلاث وهوفي أواسط عمره ومساره الإبداعي، كانت في الأصل عملاً فكرياً يستند إلى ما رواه ديوجين عن حياة وانتحار ذلك الفيلسوف الكاهن والعراف والعالم الذي عاش خلال القرن الخامس قبل السيد المسيح... الانتحار الذي يظهر لنا أشبه بالفداء منه بسلوك درب العدم. ذلك حتى انبادوقلس إذ انتحر، لم يكن يتوخى التعبير عن يأسه، بقدر ما كان يتوخى إيقاظ الناس، ودفعهم من خلال تأمل ما قام به إلى البحث بأنفسهم عن الإجابات التي لم يتمكن هومن العثور عليها. وعلى هذا النحويمكننا في مسرحية هولدرلن هذه ان نقيم تماثلاً واضحاً بين شخصية انبادوقلس وشخصية انطيغونا. فهومثلها جعل للأخلاق مكانة تسموعلى السلطة والقوة، مصوّراً في طريقه ان السعي الأفضل والأجدى والأشرف كذلك للدنومن الألوهية، إنما يكمن في عمل مجابهة الموت. ومن هنا لا تعود مسألة دنوالفيلسوف من تصوره للألوهية، عمل جنون أوغرور واستعلاء على البشرية، بل عمل فداء وتضحية يطلب عن البشرية الاقتداء بالفادي. وواضح هنا حتى سبب توقف هولدرلن عن استكمال هذه المسرحية، على رغم تجاربه الكثيرة، انما له علاقة مباشرة بعدم قدرته على الوصول مع منطقه إلى نهايته. فالجزء الذي خطه من المسرحية يطرح السؤال ويرى الطريق للوصول إلى الجواب الوجودي الأساسي، غير انه حين يخيّل إليه ان الجواب أصبح في متناوله، يتراجع، ليس لأنه لا يرى حتى من واجب الفن الوصول إلى إجابات، بل لأن الجواب المنطقي الوحيد، إذا عبّر عنه، سيكون كافياً لتدميره شخصياً، إذ في مثل هذه الحال، سيتساءل القارئ أوالمتفرج -: كيف من الممكن أن تعطينا، إذاً، مثالاً، أنت، كإنسان معاصر، عاجز عن اتباعه طالما ان الأسئلة نفسها تقلقك وتخيفك؟

المحرر

من هنا يمكن النظر إلى مسرحية «موت انبادوقلس» على انها من أكثر أعمال فردريش هولدرلن (1770 - 1843) ذاتية، حتى وإن كان هذا المحرر الذي أمضى حياته في كنف رعاية أمه واجداً من الصعوبة عليه بمكان التأقلم تماماً مع العالم الخارجي، خط معظم أعماله انطلاقاً من ذاته الملتهبة. وهولدرلن تفهم اللاهوت باكراً في توبنغن... لكنه استنكف عن الدخول في سلك رجال الدين، بل فضّل حتى يمتهن مهنة تدريس أولاد الأثرياء، ثم عمل في رعاية صاحب مصرف عشق زوجته وخط عنها نصوصاً عدة... وهوبعد ان عاش في بوردوالفرنسية زمناً عاد إلى ألمانيا سيراً على الأقدام لتظهر عليه من العام 1802 بوادر اضطراب عقلي رافقته من عام 1807 حتى رحيله... ولكنه مع هذا خط خلال سنوات جنونه الأولى عدداً من النصوص وترجم «انطيغونا». أما أشهر أعماله فتبقى قصائده ورواية «هيبريون» ثم «موت أنبادوقلس».


المصادر

  • إبراهيم العريس (2015-06-29). "«موت انبادوقلس» لهولدرلن: هرباً من الجواب المدمّر". صحيفة الحياة اللبنانية.

الهامش

  1. ^ Burwick, Fred. "Hölderlin and Arnold: Empedocles on Etna". Comparative Literature. 17 (1): 24–42. JSTOR 1769741.

نطقب:19thC-play-stub

تاريخ النشر: 2020-06-04 19:12:10
التصنيفات: Articles containing non-English-language text, مسرحيات عقد 1820, مسرحيات عقد 1840, الأدب الألماني في القرن 18, مسرحيات تدور في اليونان القديمة, مسرحيات اللغة الألمانية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

لوبان تعد بانسحاب فرنسا من قيادة «الناتو» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:23:04
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

السلطات تحجز أطنانا من البيض على متن "بيكوب" كانت موجهة للاستهلاك

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:23:36
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 84%

منظمة الصحة العالمية تراقب سلالتين جديدتين من "أوميكرون"

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:23:37
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 72%

ضربة معلم... توقيف 7 أجانب بالدار البيضاء ضمن شبكة دولية للاتجار في البشر

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:23:40
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 82%

قتيلان وجريحان في حادث اصطدام بين مركبتين في بيطام بباتنة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:24:04
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

منذ تحرير الأسعار.. محطات الوقود تتزايد في المغرب

المصدر: طنجة 7 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:23:21
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 53%

1150 بلاغا ضد منسوبي المساجد و726 على مكبرات الصوت السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:23:06
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 51%

Ooredoo  الشريك الرسمي لأول معجم عربي شابكيّ مرئيّ  

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:23:59
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 62%

تركيا ترفع قيمة العقار المشترطة للحصول على الجنسية

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:23:39
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 73%

مع تطبيق جازي الجديد: “امشي واربح” رصيد انترنت مجاني

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:24:02
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 56%

سلامات - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:23:04
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 57%

هل اقتربت إيران من امتلاك السلاح النووي؟ - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:23:04
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 64%

توقيف عصابة متورطة في سرقة الأسلاك الهاتفية

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:23:39
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 76%

بنخضرة: الكشف عن وجود كميات من الغاز الطبيعي في 40 بئرا

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:23:34
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 82%

مئات الطلبة يشلون الدراسة بجامعة الصديق بن يحيى بجيجل 

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:23:51
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 63%

المؤبد لقاتل زوجته بطعنات سكين وبتهشيم رأسها بعصا بيسبول في تبسة!

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:23:58
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 54%

كورونا: إصابة واحدة مع عدم تسجيل أي وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-13 21:23:56
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 54%

تحميل تطبيق المنصة العربية