مناحم ملسون

عودة للموسوعة

مناحم ملسون

مناحم ملسون

مناحم مـِلسون מנחם מילסון (ولد 1933 ) أستاذ (فخري) للأدب العربي في الجامعة العبرية في القدس. ورئيس الادارة المدنية في يهودا والسامرة. مستشرق ومستعرب ومحرر في الثقافة العربية والإسلامية. رئيس مجلس ادارة ممري.

منطق

حاولت إسرائيل ابتكار نموذج يساعدها في حكم الفلسطينيين عبر «نخبة» محلية تعيّنها هي وتفصّل لها مقاسات عملها ودورها، لكن هذا النموذج أسقطه الفلسطينيون بوعيهم قبل نضالاتهم... تلك التجربة كان اسمها روابط القرى.

لم يكن ليغيب عن بال مناحم ميلسون، الذي كان مستشار الشؤون العربية في الحكم العسكري الإسرائيلي، أهمية ما طرحه الحاكم العسكري لمدينة الخليل يغئال كرمون على مأدبة العشاء في أحد ليالي تموز الحارة من عام 1979، في بيت الشيخ محمد علي الجعبري في الخليل حول إيجاد قيادات فلسطينية متواطئة مع الحكم العسكري الإسرائيلي، وبديلة من «منظمة التحرير الفلسطينية»، فهوالخبير والمتخصص بالأدب العربي والمحاضر به في الجامعة العبرية، لذلك سارع إلى دراسة المقترح ووضع التصوّرات العملية لتطبيقه على الأرض.

اتىت فكرة روابط القرى إسرائيلياً بعد عدد من الأحداث التي دقت ناقوس الخطر خاصة بعد انتخابات البلدية عام 1976، التي فازت فيها «قائمة لجنة التوجيه الوطني» الممثلة عن المنظمة. يقول بسام الشكعة، الذي كان رئيس بلدية نابلس، «لقد حاول الاحتلال من أجل تحقيق غاياته طرح شعار الحكم الذاتي من أجل تمريره وتطبيقه في الأرض المحتلة، لكنه فشل، لذلك سعى لأن تتسلم البلديات إدارة شؤون المواطنين الفلسطينيين، فأجرى انتخابات بلديات في 1973 ثم انتخابات أخرى في 1976، كان من الواضح حتى الاحتلال أراد تطبيق الحكم الذاتي كي يفصل فلسطينيي الداخل عن المنظمة في الخارج». يضيف الشكعة في شهادته على تلك الفترة حتى «القوى السياسية والجماهير بدأت مقاومة هذه النوايا، فعينوا موعد الانتخابات، وكانت الفترة التي مضت فترة وعي الجماهير حول طبيعة الحكم الذاتي وأهدافه، والأخطار التي ترتبط به... تشكلت قوائم تضم التيار الوطني من جميع الفئات ونجحت قوائم لجان البلديات في جميع المواقع في الوطن».

كان من الواضح آنذاك حتى إسرائيل، وبعد فشلها في السيطرة على رؤساء البلديات الجدد، ستسعى لتشكيل قيادة موازية تتواطأ وسياساتها الداعية للسيطرة على السكان وتمرير مخططاتها السياسية على الشعب الفلسطيني، بعد إبعاد «منظمة التحرير» عن تمثيل فلسطينيي الداخل. حاولت إسرائيل ممارسة الضغوط على مجالس البلديات من أجل استعمالها أدوات لتصفية القضية الفلسطينية، لكن هذه المجالس قاومت، فبدأ الاحتلال اتهامهم بالتورط في النشاط السياسي. يروي الشكعة أنه عندما ترأس المجلس البلدي في نابلس، جاء (الرئيس الإسرائيلي الراحل) شمعون بيريز ليسلمه أوراق التعيين. ويضيف: «كان واضحاً من كلامه (بيريز) حتى شرط استمرارنا هوتطبيق القوانين وقرارات السلطات الإسرائيلية، وأنا قلت له بصراحة: نحن تحت احتلال وعلاقتنا بالاحتلال تحددها القوانين الدولية والمحلية، الأمر الذي لم يرق له نهائياً. أثناء العمل مع الحكام العسكريين تكرر الكلام نفسه: من أجل نجاحكم في مهمتكم عليكم التزام تطبيق القرارات العسكرية، لكن موقفنا كان واضحاً وصريحاً منذ اليوم الأول لتسلّمنا مهام عملنا في المجالس: مهمتنا كما وكّلنا بها الشعب حتى لا نطبق القرارات العسكرية وأن نطبق قرارات شعبنا واحتياجاته».

بعد زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وقبوله اتفاق كامب ديفيد، كُلفت «لجنة التوجيه الوطني» على أساس أنها قيادة تمثل الذراع القوية في الداخل للمنظمة، وكانت تضم جميع الفصائل والأحزاب ومجالس البلديات ومؤسسات أخرى. كان هذا قوة نفوذ ضخمة للحركة الوطنية في الأراضي المحتلة، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى تجديد أساليبها، لذلك شكلت روابط للقرى بديلة من مجالس البلدية و«لجنة التوجيه الوطني» وأيضاً من المنظمة. لقد وضع مناحم ميلسون تام خبرته الأكاديمية بما يحمله من فهم بالعقلية العربية وإمكانات التأثير فيها، وخبرته العسكرية بكونه مستشاراً للشؤون العربية لدى الحاكم العسكري التي أثمرت فهم واسعة بطبيعة المجتمع الفلسطيني، ليحكم رؤيته حول تشكيل روابط القرى، وأراد منها تحقيق عدة أهداف أهمها محاولة تهميش وتجاوز القيادة الوطنية الفلسطينية، التي كانت قد صارت شرعية بانتخابها في المجالس البلدية، وليس أخيراً الدفع إلى تكريس «المناطقية» بإنشاء هذه التشكيلات من «المتعاونين» من القرى التي تقع خارج صلاحيات مجالس البلدية، وذلك في محاولة مكشوفة لإحداث شرخ بين «المدينة» و«القرية»، والبحث عن شخصيات يمكنها حتى تماثل الشخصيات الوطنية التابعة لـ«منظمة التحرير»، كما يمكنها حتى تؤدي هذا الدور بإتقان يجعلها تنجح فيه.

وجد ميلسون غايته في مصطفى دودين، وهووزير سابق في الحكومة الأردنية، وابن إحدى العائلات المعروفة في بلدة دورا في جبل الخليل، الذي لبى طلبه ووافق عليه ليُعلن تشكيل روابط القرى في 1979، وقد أعطيت لها صلاحيات واسعة سياسية وخدماتية واقتصادية، لتكون بديلاً حقيقياً من المجالس البلدية والقروية التي لم تكن تخضع لرؤية إسرائيل.

وكما كانت تلك المجالس أدوات في يد «منظمة التحرير»، ستكون الروابط أداة في يد إسرائيل، التي أعطت لدودين نفوذاً كبيراً ضم حتى النفوذ الأمني حتى لوبصورة بسيطة. كان الهدف منه واضحاً، وهوترويع السكان، ولقاء هذا النفوذ ثمة ثمن واضح هو«إعادة توجيه السلوك السياسي الفلسطيني» ليصير وفق رغبتها وسياساتها المتنوعة. إن الرؤية الإستراتيجية لميلسون في التعامل مع فكرة روابط القرى كانت تنبع من رؤيته إلى العناصر المركزية الثلاثة التي رأى ميلسون أنها تحدد الولاء السياسي الفلسطيني، أي المال، والتوصل إلى مراكز القرار، والقدرة على إلقاء القدر الأكبر من الخوف في نفوس السكان، وهذه جميعها أُعطيت لروابط القرى في جرعات متزايدة بالتدريج، كما حددها الباحث جفري أرونسون.

إن محاولات إسرائيل اللعب على الأصول العائلية و«المناطقية» لم يكن لها تأثير في الشكعة تحديداً، الذي كان في ذلك الوقت قائداً لـ«منظمة التحرير» في الأراضي المحتلة، كما وصفه الجنرال داني ماط، الذي كان آنذاك منسق أنشطة الجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة. ومع حتى الأخير كان يرجع بالأساس إلى ما كانت هذه العائلات تلقاه من احترام واضح داخل المجتمع الفلسطيني، فإنه كان يفهم أيضاّ طبيعة الحساسيات الشديدة بين تلك العائلات ورغبة جميع منها في تصدر العمل السياسي العام. الشكعة، مثلاً، ينحدر من إحدى العائلات المعروفة والمرموقة في مدينة نابلس، وهذا ما حاول الحاكم العسكري للمدينة آنذاك صنعه حين طلب لقاء الشكعة في مخطه. يقول الأخير: «نادىني الحاكم العسكري وكان اسمه مصافي، وحينما وصلت كان أمامه مجموعة من الأوراق، فنطق لي: بسام نحن حرنا في مسببات المظاهرات في نابلس، وبعد استخدام مخابراتنا وجدنا أنك السبب، وأن هناك عائلات تتظاهر ضد عائلتك وهي عائلة المصري؛ في محاولة للإيقاع بيننا. قلت له ما يجب حتى تعهده أنكم غرباء في هذه البلد وأنتم احتلال ولا تعهدون الوضع الاجتماعي في مدينتنا. إذا في دار المصري 12 رجلاً ينادونني بخالي، كما حتى نائبي في البلدية هومن عائلة المصري، ظافر المصري، وكان هذا الرد كفيلاً بإنهاء اللقاءة لإخفاق الهدف منها».

لقد كان من الواضح حتى ميلسون بكامل خبرته وعقليته الاستشراقية، التي تتعامل مع الواقع الفلسطيني بحرفة المستشرق، وذكاء الأكاديمي، وحسم العسكري، عجز عن التعامل مع بسام الشكعة بوطنيته وشعوره النضالي وقوة صوته كونه منتخباً من أبناء شعبه وليس معيَّناً. لقد كان يحمل في داخله قوة أبناء شعبه الفلسطيني عامة، وأبناء مدينته نابلس خاصة، وهنا يظهر ملحوظاً الشرعية التي كان يحظى بها هؤلاء القادة والقوة التي كانوا يمتلكونها في تلك الفترة خلال تعامل الاحتلال معهم، ورفضهم إملاءه وتهديده، لقاء غيابها في هذه الأيام.

بالتوازي مع ذلك، باشر مصطفى دودين العمل على نشر فكرة الروابط وتعميمها في مختلف المناطق في الضفة المحتلة بعد تشكيله رابطة القرى في الخليل، التي حاول تمريرها في البداية بين المواطنين من خلال الإعلان ظاهرياً أنها تعمل على التنمية الريفية، واستند بها إلى الجمعية الزراعية التي كان يترأسها شقيقه. بعد النجاح النسبي للرابطة في الخليل، توسعت الروابط لتصير في سبع مناطق إدارية في الضفة: رابطة قرى الخليل برئاسة مصطفى دودين، ورابطة قرى بيت لحم برئاسة بشارة قمصية، ورابطة قرى نابلس برئاسة جودت صوالحة، ورابطة قرى طولكرم برئاسة مصطفى مرزوق، ورابطة قرى رام الله برئاسة جميل الخطيب، ورابطة قرى جنين برئاسة يونس الحنتولي، ورابطة قرى قباطية برئاسة محمد الراغب.

لقد كان النجاح النسبي للروابط نابعاً من الإجراءات التي مارستها سلطات الاحتلال بسحبها الصلاحيات التابعة للمجالس البلدية كمنح رخص البناء، بالإضافة إلى امتياز تقديم طلبات لمّ الضم وإصدار التصاريح، كما أعطتها صلاحيات تتعلق بالتعليم والصحة، الأمر الذي نادىها إلى تطوير هيكليتها التنظيمية لتناسب عملها، ثم إصدار صحف ناطقة باسمها ومعبّرة عن رؤيتها السياسية كـ«المرآة» و«أم القرى».

رابطة القرى في نابلس (عصيرة الشمالية) تأخرت عن مثيلاتها من الروابط في الضفة، فقد أنشئت بقيادة جودت صوالحة، الذي اختير ليكون نائباً أول لدودين في قيادة روابط القرى، وذلك في 3/6/1982، وفق رواية سعيد ياسين أحد أبرز الشهود على تلك الفترة ورئيس بلدية عصيرة من عام 2005 حتى 2007، وكان أيضاً أحد قادة إضراب المفهمين عام 1981. يقول ياسين إذا تأسيس الروابط في قرية عصيرة كان وصمة عار، لذلك أحرقت الشوادر (الخيم) التي وُضعت للاحتفال، واندلعت اشتباكات. ويواصل: «كنت أعمل مدرساً في بيتا وشرحت للطلاب خطورة روابط القرى وأثرها في المجتمع الفلسطيني وسيئاتها وأنهم قيادة بديلة من منظمة التحرير في ذلك الوقت. فُصلت من عملي في 1981 حتى قدوم السلطة الوطنية في 1994، وفي ذلك الوقت فتحت محلاً لتصليح الكهربائيات أغلقته المخابرات الإسرائيلية لمدة 90 يوماً، بالإضافة إلى منعي من السفر». كانت أياماً سوداً وقاتمة على ياسين الذي أكد أنه كان لروابط القرى في عصيرة تأثير قوي، ففي بداية تشكيلها، قُتل ناشط من منظمة التحرير ورُمي على طريق عصيرة نابلس. ويستدرك: «استطعنا بعد مدة إيضاح الأمور لأهل القرية وإقناعهم بمدى سوء روابط القرى، وبأن الهدف منها حتى تكون بديلاً من منظمة التحرير وأنها صنيعة الاحتلال، وهي خارجة عن نطاق المجتمع الفلسطيني وأعرافه... ساعدنا آنذاك المساوئ التي كانوا يمارسونها، كما ساعدنا في ذلك الوقت وجود تصريح في صحيفة القدس من إيهود باراك نطق فيه نحن (الإسرائيليين) حولنا روابط القرى إلى جهاز المخابرات الإسرائيلية، وهنا فهم سكان عصيرة خطورتها وبدؤوا بمحاربتها معنا.


عجز ميلسون رغم عقليته الاستشراقية وخلفيته الأكاديمية والعسكرية عن كسب الشكعة



ويواصل المفهم حديثه: «عندما قدنا نضالنا ضد الاحتلال، وقف إلى جانبنا المناضل بسام الشكعة في لقاءتنا روابط القرى أوفي إضراب المفهمين، كما وضع تحت تصرفنا قاعة الاجتماعات في البلدية... كان هؤلاء القادة القوة الموازية لمنظمة التحرير في الداخل وقادوا العمل ضد الاحتلال». في نابلس تحديداً، بدا الرفض الكامل لروابط القرى، ثم انتقل إلى باقي القرى حتى أحبطت ذلك المشروع، فكانت النتيجة أنّ الاحتلال أقدم على إبعاد رؤساء البلديات في المدن الرئيسية، وعمل على تحويل الحكم العسكري في فلسطين إلى إدارة سماها الإدارة المدنية حتى تكون مدخلاً لإدارة مدنية فلسطينية، لكنها، وفق رؤية الشكعة «حكم ذاتي». ويضيف: «الاحتلال قرر شيئاً كان الناس قد سبقوه في رفضه جماعياً، ففشلوا في هذا المقترح... لم يكن جوّ القرى غريباً عن المدن، وكان الرأي العام في القرى موازياً للذي في المدن».

بعد افتتاح «الإدارة المدنية» الإسرائيلية في الأول من تشرين الثاني 1981، رفضتها «لجنة التوجيه الوطني» ورأت أنها تكتيك هدفه إنكار حق الفلسطينيين في تقرير المصير وفي دولة لهم. كان الشكعة، كما يقول جيفري أرونسون، مثل ميلسون نفسه، يرى حتى «الإدارة المدنية» ليست أداة للمصالحة بل للمجابهة، فقد أعرب حتى «هذه الهيئات العدوانية ستقاتل المؤسسات الوطنية بالوسائل كافة». ومن أوّل ما عمله ميلسون في ذلك الوقت الأمر بإغلاق جامعة بير زيت لمدة شهرين لكونها انطلقت مع أخواتها من الجامعات في الضفة كجامعة النجاح الوطنية وغيرها في مظاهرات رافضة لـ«الإدارة المدنية»، فيما عمل الإسرائيليون على إبعاد الشكعة وزملائه من رؤساء البلدليات ككريم خلف وإبراهيم الطويل، كما حاولوا اغتيالهم. ولسلطة الحكم العسكري الإسرائيلي تجربة سابقة في 1979 حينما أمرت بإبعاد الشكعة واعتقلته بانتظار تطبيق القرار، والسبب كان رفضه المتكرر لقاءة الجنرال داني ماط، الذي كان منسق أنشطة الجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وكان يريد ربط شبكتي المياه والكهرباء النابلسيتين بشبكتي إسرائيل، لكن عملية الإبعاد غُلّفت بالانادىء الإسرائيلي حتى الشكعة «أقر اغتال الإرهابيين الفلسطينيين للمدنيين الإسرائيليين على الطريق الساحلي في آذار 1978»، في إشارة إلى عملية دلال المغربي.

وإن كان عيزر وايزمان، وهوالرئيس الإسرائيلي السابق، قد صرح بأن ما نطقه الشكعة ليس هوالسبب، بل الموقف الذي تصدر عنه الحدثات، فقد سلم وايزمان بأن الأسباب الداعية إلى إبعاد الشكعة لا تستند إلى المحادثة بينه وبين الجنرال ماط، فقد كانت المحادثة نهاية الحكاية وجزءاً من معلومات كثيرة متراكمة عن رئيس البلدية، خاصة أنه «حُذر في السابق من المضي في نشاطاته الاستفزازية».

مصطفى دودين

في ذلك الوقت، طرحت روابط القرى رؤيتها السياسية دون تحفظ أومواربة، وكانت تنشرها في اللقاءات التي كانت تجريها صحفها الخاصة مع قياداتها الأولى، أوبالتصريحات التي كانت تعطيها لوسائل الإعلام المتنوعة. هم بداية يعترفون بإسرائيل، وهم نادىة سلام يطالبون إسرائيل بالاعتراف بالشعب الفلسطيني وبحقوقه، وطالبوا بإنهاء الاحتلال ليكون هناك بدلاً منه «علاقات حسن جوار تتسم بالثقة والمحبة»، كما نطق دودين في اجتماع لجميع الروابط نشرته صحيفة «الأنباء» الإسرائيلية الناطقة بالعربية في عددها في 26/12/1982. ونطق دودين أيضاً: «نعلن بكل صراحة أننا لسنا على استعداد للدخول في أي مفاوضات تؤدي إلى التنازل عن أي شيء من حقوقنا وإننا نؤمن إيماناً مطلقاً بأن هذه الحقوق ستتحقق في يوم ما ولكن بأسلوب السلام وليس بأسلوب الإرهاب»، كما نقلت عنه «الأنباء» في 19/11/1982.

أما جودت صوالحة، فنطق في حفل تأبين يوسف الخطيب (رئيس رابطة القرى في رام الله الذي اغتيل على يد «منظمة التحرير»)، إننا «من هنا ننادي ونطالب بالتفاهم وبالتفاوض المباشر مع جميع الأطراف المعنية لحل هذه المشكلة (الفلسطينية)»، كما نقلت الصحيفة نفسها في 2/12/1982. هذه المواقف السياسية التي كانت في ذلك الوقت شديدة التحريم ولاقت رفضاً شعبياً ووطنياً ودفعت إلى نبذ روابط القرى والتعامل معها بصفتها جهة خيانية تتبع قوات الاحتلال. وساهم في هذا ممارسات الرابطة عبر استخدام السلاح ضد المواطنين الآمنين وترويعهم والاعتداء على ممتلكاتهم، وكلها أمور عجلت في نهاية الروابط عام 1984. خلال تصفح خط التاريخ المعاصر في المنهاج الفلسطيني وغيره يُلاحظ تغييب هذه الفترة من تاريخ الشعب الفلسطيني، ليس من خط التربية الوطنية في المدارس فحسب، إنما من مناهج الجامعات، خاصة أنه بالمقارنة اللازمة ما بين مرحلتين بشخوصها وبآليات عملها وبمواقفها، مع الاعتراف باختلاف الواقع وتطوره بين المرحلتين (راوبط القرى ــ السلطة)، فإن هناك ما يرجعنا إلى هذه المقارنة في الموقف السياسي وطبيعة الردود على الجانب الإسرائيلي بل حتى في أبجديات التفاوض معه. إن جدال داني ماط وبسام الشكعة حول عملية دلال المغربي، التي نقلتها بالحرفية الصحف الإسرائيلية، يجب حتى يدرسه جميع سياسيينا الذين يمارسون العمل السياسي والإداري أيضاً، وكذلك رده العنيف والقوي النابع من تعامل أعدائه معه من منطلق أنه إنسان شريف، كما وصفه ميلسون شخصياً رغم عدائه الواضح له. وحينما رفض الحاكم العسكري لنابلس لقاءه، فرفض الشكعة في اللقاء حتى يلتقي به حينما طلب ذلك، خاطبه ذلك الحاكم بكل غطرسة: «أنت على ما يظهر لا تعهد أمام من تقف، أنت أمام الحاكم العسكري الذي يستطيع سجنك وإبعادك»؛ هنا رد الشكعة: «أعهد أني أمام الحاكم العسكري المعيّن لمدينة نابلس يوسف لونتس. لكن على ما يظهر أنك من لا يعهد أمام من يقف»، ونطق له بنبرة قوية: «أنت أمام بسام الشكعة رئيس بلدية نابلس المنتخب، الذي من واجبه الحفاظ على كرامته وكرامة بلده، يحق لي رفض لقاءتك كما رفضت لقاءتي». إن هذا الخطاب السياسي القوي لا ينبع من قوة البلاغة وحجتها بمقدار ما يعبّر عن الموقف الحقيقي لما يجب حتىقد يكون عليه القائد من قوة وهيبة. لقد كان جزء من قوة الشكعة ورفاقه نابعاً من قوة شعبه الذي يثق به، كما كان يعهد دوره جيداً وحجم التفويض المعطى له. نحتاج إلى أكثر من هذا النصّ لنعدل شيئاً من بوصلتنا التي لا تشير إلى أهداف المشروع الوطني الحقيقي الذي نسعى خلفه.


الهامش

  1. ^ "Prof. Menahem Milson". قسم اللغة والأدب العربي في الجامعة العبرية في القدس.
  2. ^ لارا كنعان (2017-). "روابط القرى الفلسطينية... التاريخ الذي (يجب ألّا) يُعاد". فلسطين اليوم. Check date values in: |date= (help)
تاريخ النشر: 2020-06-04 19:20:23
التصنيفات: CS1 errors: dates, مواليد 1933, مهاجرون إلى إسرائيل, خريجو جامعة هارڤرد, مستشرقون يهود, طاقم تدريس الجامعة العبرية في القدس

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بعد أيام من موت زوجته وابنته.. أب يفجع بمقتل نجله بطعنتين أمام عينيه

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:17:31
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 97%

تنقل 200 ألف راكب.. ننشر المناطق المستفيدة من افتتاحات المترو الجديدة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:18:38
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 65%

الأرصاد: اضطراب الملاحة البحرية وأمطار خفيفة والطقس مائل للحرارة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:18:42
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 57%

إيلون ماسك لتحويل «تويتر» إلى تطبيق... لكل شيء فكرة سيئة!

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:17:53
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 97%

مخاطر الديون الأميركية.. 31 تريليون دولار

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:17:54
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 90%

برلماني يطالب بتعظيم مساهمة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:18:43
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 55%

يعادل ارتفاعها 25 طابقاً.. علماء يصلون لأطول شجرة بالأمازون

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:17:59
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 87%

برلمانية تهنئ السيسي والمصريين بذكرى المولد النبوي الشريف 

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:18:37
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 69%

الصحة: إجراء 40 عملية زراعة كلى و100 ألف جلسة غسيل خلال 9 أشهر

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:18:39
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 64%

موقف أميركا من قرار أوبك بلس.. ماذا بشأن أسعار الغاز؟

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:17:57
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 89%

إنفاذ يطلق 10 مزادات في السعودية لبيع 174 عقارًا 

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:18:02
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 88%

الدوما الروسي: الهجوم على جسر القرم بمثابة "إعلان حرب"

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:17:20
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 88%

الأنبا كيرلس وليم يترأس احتفال يوم الخادم بأسيوط 

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:18:41
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

وزيرة التضامن تدشن برنامج المتطوعين المشاركين في تنظيم قمة المناخ COP27

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:18:40
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

وزيرة التضامن تلتقي 700 متطوع من المشاركين في قمة المناخ بمعسكر أبوقير

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:18:44
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 65%

منحنى فيليبس بين التضخم والبطالة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-08 12:17:56
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 96%

تحميل تطبيق المنصة العربية