صلاح الدين الأيوبي

عودة للموسوعة

صلاح الدين الأيوبي

هذه الموضوعة مرشحة حاليا لكي تنشر كمنطقة مختارة على الصفحة الرئيسية.
الموضوعة المختارة تمثل أحد أفضل أعمال الموسوعة وذلك بعد اجتيازها بعض الشروط.
صلاح الدين يوسف بن أيوب
سلطان مصر
تمثال صلاح الدين في دمشق.
العهد 1174–1193
تتويج 1174, القاهرة،  مصر
تبعه العزيز عثمان (مصر)
الفضل (دمشق)
Burial
المسجد الأموي، دمشق ، سوريا
Full name
صلاح الدين يوسف بن أيوب
الأسرة المالكة أيوبية
الأب نجم الدين أيوب
الديانة سني مسلم
صلاح الدين الايوبي

الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان، أبوالمظفر الأيوبي (1138 -1193 م) سلطان مصر ومؤسس الدولة الأيوبية , عهد في خط التاريخ في الشرق والغرب بأنه فارس نبيل وبطل شجاع وقائد من أفضل من عهدتهم البشرية وشهد بأخلاقه أعداؤه من الصليبيين قبل أصدقائه ومحرروا سيرته، إنه نموذج فذ لشخصية عملاقة من خلق الإسلام، إنه البطل صلاح الدين الأيوبي محرر القدس من الصليبيين وبطل معركة حطين.

نسبه ونشأته

صليبيون يرمون برؤوس المسلمين القتلى من على الأسوار أثنار حصار

هوأيوب بن شادي بن مروان بن علي بن عثرة بن الحسن بن علي بن أحمد، بن عبد العزيز بن هدبة بن الحصين بن الحارث بن سنان بن عمر بن مرة بن عوف الحمري الدوسي، الملقب بالملك الناصر صلاح الدين. اتفق أهل التاريخ على حتى أباه وأهله من (دوين) وهي بلدة في آخر أذربيجان وأنهم أكراد روادية، والروادية بطن من الهذبانية، وهي قبيلة كبيرة من الأكراد.

وأصل الأسرة من أكراد الروادية. أما ابن الأثير فيقول عن نسب الأسرة الأيوبية: )هذا النسل هوأشراف الأكراد (. كردستان موطنهم ومعناها أرض الكرد، وهم الذين أسسوا دولة بل امبراطورية قوية بين القرنين الثامن والرابع قبل الميلاد.

يقول أحمد بن خلكان نطق لي رجل فقيه عارف بما يقول وهومن أهل دوين إذا على باب دوين قرية ينطق لها (أجدانقان) وجميع أهلها أكراد روادية وكان شاذي ـ جد صلاح الدين ـ قد أخذ ولديه أسد الدين شيركوه ونجم الدين أيوب وخرج بهما إلى بغداد ومن هناك نزلوا تكريت ومات شاذي بها وعلى قبره قبة داخل البلد.

ولد صلاح الدين سنة532هـ بقلعة تكريت لما كان أبوه وعمه بها والظاهر أنهم ما أقاموا بها بعد ولادة صلاح الدين إلا مدة يسيرة، ولكنهم خرجوا من تكريت في بقية سنة 532هـ التي ولد فيها صلاح الدين أوفي سنة ثلاث وثلاثين لأنهما أقاما عند عماد الدين زنكي بالموصل ثم لما حاصر دمشق وبعدها بعلبك وأخذها رتب فيهانجم الدين أيوب وذلك في أوائل سنة أربع وثلاثين.

يقول ابن خلكان أبلغني بعض أهل بيتهم وقد سألته هل تعهد متى خرجوا من تكريت فنطق سمعت جماعة من أهلنا يقولون إنهم أخرجوا منها في الليلة التي ولد فيها صلاح الدين فتشاءموا به وتطيروا منه فنطق بعضهم لعل فيه الخيرة وما تفهمون فكان كما نطق والله أفهم. وروي حتى عبد القادر الجيلاني نادى له عندما رآه بالبركة فيه ، خلال زيارة نجم الدين أيوب وأسرته لبغداد سنة 533 هـ/1138م ، وهذا يفسر أتباعه الطريقة القادرية فيما بعد وبعض الفهماء كالمقريزي، وبعض المؤرخين المتأخرين نطقوا: إنه كان أشعريًا ، ولم يزل صلاح الدين تحت كنف أبيه حتى ترعرع ولما ملك نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي دمشق لازم نجم الدين أيوب خدمته وكذلك ولده صلاح الدين وكانت مخايل السعادة عليه لائحة والنجابة تقدمه من حالة إلى حالة ونور الدين يرى له ويؤثره ومنه تفهم صلاح الدين طرائق الخير وعمل المعروف والاجتهاد في أمور الجهاد.

تزوج صلاح الدين عصمة الدين خاتون بعد وفاة زوجها نور الدين محمود.


صلاح الدين يشهجر مع عمه أسد الدين في الفتوحات

لقد تأثر صلاح الدين بشجاعة عمه أسد الدين، وتفهم منه خوض المعارك وقيادة الرجال.

ذات يوم عزم نور الدين بن عماد الدين زنكي القائد المغوار على فتح مصر ليتقوى بمواردها في حرب مقبلة ضد الصليبيين، فانتدب أسد الدين شيركوه لهذه المهمة.

قرر أسد الدين حتى يشارك ابن أخيه صلاح الدين ليكون مساعدًا له في هذه المهمة المشرفة، بعد حتى خبر فيه مزايا كبار الأبطال، فنطق له: يا يوسف تجهز للمسير. إلى غير ذلك فتح الله لصلاح الدين طريق العظمة التي أرادها له... وكان النصر له حليفًا في جميع المعارك التي خاضها، حتى انه تمكن من القبض على طاغية مصر «شاور » الذي اشتهر بالمراوغة والغدر، فقتله صلاح الدين، وأحست القاهرة أن حملاً ثقيلاً قد زال عنها... وخرج الشعب إلى الشوارع والساحات يحمد الله محتفلاً بخلاصه من الوزير الظالم، ويتغنون بهذه المناسبة السعيدة، إذ كان الوزير شاور يخون وطنه متواطئًا مع الصليبيين الغزاة.

صلاح الدين يخلف عمه أسد الدين في القيادة بعد وفاته

أقام أسد الدين في قصر الوزارة، بعد حتى أطلق الخليفة يده كوزير لإدارة شؤون [[وادي النيل]]، غير حتى الحكم لم يدم له طويلاً. ففي عام 564 ه - 169 م وافاه الأجل المحتوم، قد جاوز الثانية والثلاثين عامًا من العمر. ألبسه الخليفة العاضد حلة الوزارة في احتفالرائع، وخلع عليه ثوبًا مطرزًا بالمضى، وجبّة فاخرة تليق بالملوك، وأطلق على الوزير الشاب اسم «الملك الناصر صلاح الدنيا والدين يوسف بن أيوب .» لكن الصعاب تراكمت في طريقه لكثرة منافسيه وحاسديه، ومعظمهم من الطامعين بمنصبه الرفيع... لقد حاكوا له الدسائس ودبروا المؤامرات للقضاء عليه، لكنه صمد في وجه هذه المؤامرات، وصمم على شق طريقه، مواصلاً تطبيق أهدافه العظيمة. غير حتى «الملك الناصر » لم يغتر بهذا المجد كملوك ذلك العصر وأمرائه، فصلاح الدين يختلف عن الآخرين لأنه صاحب رسالة وهدف سام، الا وهوتحرير بيت المقدس من الصليبيين والقضاء على احتلالهم للديار المقدسة. لقد بادر الى انصاف المظلومين، ومساعدة المحتاجين وإعانة الفقراء، فاكتسب محبة الشعب له. لقد أخلص له الناس على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم، وشعروا في عهده بأنه جاد في الاستعداد لتحرير بيت المقدس الأسيرة، وكافة أراتى الشام من الغزاة. حتى ان المسيحيين العرب أحبوه لعدله وحكمته وعلقوا صوره في كنائسهم، ودعوا له في كنائسهم وصلواتهم. هذا ما شهده عبد المنعم الأندلسي حين زار وادي النيل، وتجول في مناطق الأقباط وأطلق شعرًا بهذا المعنى: فحطوا بأراتى الهياكل صورة لك اعتقدوها كاعتقاد الأقانم لقد تضايق الذين كانوا يحترفون الاستبداد ويبتزون أموال الشعب الضعفاء، ومنهم «جوهر » كبير الخصيان السود، الذي خان وطنه، فخط إلى الفرنجة يدعوهم إلى احتلال مصر، ووعدهم بالمساعدة. وقد وضع رسالته في حذاء حديث أعطاه إلى أحد رجاله لينطلق به إلى ملك الفرنجة في فلسطين. لكن أحد رجال صلاح الدين اشتبه برسول جوهر وقبض عليه متلبسًا عندما عثر الرسالة في حذائه... فحملها إلى صلاح الدين الذي أمر فورًا بقتل ذلك الزعيم الخائن.

لقد كان أتباع جوهر في ذلك الوقت أكثر من خمسين ألفًا ولا يفهمون شيئًا عن نواياه. رغم ذلك هاجوا وأعربوا الثورة والتمرد والشغب، إلا حتى صلاح الدين قمع حركتهم بشدة، وانتهت معركتهم في يومين. على اثر ذلك بدأ صلاح الدين حملة تنظيم حاشية الخليفة، وطهرها من عناصر التمرد والشغب، وأبعد عنها الفاسدين الذين كانوا يعيثون فيها فسادًا وعبثًا. أموري ملك القدس الصليبي يزحف لاحتلال مصر في تلك الأثناء هب أموري ملك القدس الصليبي لاحتلال مصر، وزحف بجيش ضخم إلى دمياط للاستيلاء عليها. تمكن صلاح الدين من إيصال السلاح والرجال اليها عن طريق النيل بقيادة تقي الدين عمر، الذي تمكن من هزيمة المعتدين على الرغم من آلات الحصار والأبراج المتحركة التي جلبوها معهم، وهذه الأبراج كانت من سبع طبقات، وتجري على عجلات. لقد زاد نفوذ صلاح الدين بعد هذا النصر، فتعززت مكانته في جميع أراتى القطر المصري. لقد اندهش الجميع بصلاح الدين عندما خرج بنفسه على رأس قوة كبيرة لتعقب الغزاة إلى حدود مملكتهم... ثم استولى على ميناء العقبة في الأردن الذي كان مفتاح البحر الأحمر... وأول طريق الحجاج إلى الأراضي الحجازية.

كان صلاح الدين قد خلق سفنًا مفصلة، وحملها على الجمال، فلما بلغ العقبة، أمر بهجريبها، ثم ملأها بالمقاتلين وزحف بها مع رجاله إلى القلعة برًا وبحرًا في آن واحد حتى خط له النصر.

لقد سعد صلاح الدين عندما فهم بأن نور الدين محمود زنكي حاكم دمشق قد امن ارسال نجم الدين وعائلته إلى مصر لزيارة ابنهم، وكان صلاح الدين عائدًا لتوه من العقبة... فهب للقائهم. لقد كان لقاء حارًا وعظيمًا، فيه جميع معاني العزة والفخر يضفيها ابن بطل بار على والده الذي تذكر ما نطقه له الشيخ: «رويدك يا نجم الدين... فلعل فيه الخير وأنتم لا تفهمون ». لقد تحققت حدثة الشيخ وكذلك أماني والد صلاح الدين.

القضاء على الدولة الفاطمية

كانت الدولة الفاطمية تحتضر... فقضى صلاح الدين عليها قضاء رحيمًا، وأمر الخطباء حتى يخطبوا في المساجد باسم الخليفة العباسي المقيم في بغداد. وفي هذه الأثناء كان الخليفة الفاطمي مريضًا... فوافاه الأجل المحتوم دون حتى يفهم بزوال دولته. أقام له صلاح الدين مأتمًا جليلاً استغرق ثلاثة أيام، ثم أمر بعد ذلك بفتح خزائن القصر، التي كانت تحتوي على ما جمعه الخلفاء الفاطميون وما توارثوه، وكان ذلك عام ) 567 ه/ 1180 م( بعد حتى عاشت ) 275 ( سنة. تشع نورًا وحضارة على العالم، وأخرجت ممضىًا توحيديًا غاية بالإيمان والعقلانية.

أما الثروة التي اكتشفها صلاح الدين في تلك الخزائن، فقد أجمع المؤرخون على أنها لا تقع تحت حصر.. كانت مصر أغنى ديار العرب والإسلام... غنية بالموارد، لقد غرق سلاطينها في الرخاء... إذ كانوا ملوك ذلك الزمن في الثراء والبذخ. كان قصر الخليفة يتألف من آلاف الغرف، وبوابته مصنوعة من المضى الخالص، تفتح على بهويتصدره عرش من المضى المرصع بالأحجار الكريمة، تحيط به الأعمدة الرخامية والأثاث المزخرف من خشب الابنوس، ومطعّم بالعاج والجواهر النفيسة.

لم يأخذ صلاح الدين لنفسه شيئًا من تلك الثروة ولا حجرًا واحدًا كريمًا ولا حتى دينارًا واحدًا... إنه أحمل من ذلك، لقد أهدى الخليفة العباسي قسمًا من هذه الكنوز... وأوفد إلى نور الدين زنكي في دمشق نصيبه كي يستعمله في تجهيز جيشه لطرد الغزاة الصليبيين من الديار المقدسة، كما وزع قسمًا بسيطًا على قادة وجنود جيشه. باع البقية الباقية، محولاً ثمنها إلى بيت مال المسلمين... لقد استغرق البيع عشر سنوات.

أما مخطة القصر، فكانت تضم مائة وعشرين ألف مجلد، فوهب نفائسها إلى القاضي، محرره الأول... وخرج هومن تلك التصفية عالي الجبين، طاهر اليد. ولم ينتقل إلى قصر الخلافة بل لزم دار الوزارة، وانصرف إلى بناء قلعة حصينة على قمة جبل المقطم ليجعلها مقامًا له ومقرًا لدواوينه.


وفاة «نجم الدين أيوب »

توفى نجم الدين والد صلاح الدين، فحزن صلاح الدين عليه حزنًا شديدًا، وأحس بأنه فقد مفهمًا ومرشدًا وصديقًا وفيًا. كانت وفاته في عام 1172 م. عمد صلاح الدين إلى دعم وتقوية سلطانه، فأوفد أخاه «ثوران شام » إلى شمال افريقيا، حيث استولى على طرابلس الغرب، وأعقبها تونس وبلغ حتى مدينة قابس. ثم توجه إلى بلاد النوبة فاحتل «ابريم »، وبعدها توجه إلى أرض الحجاز، وزار مكة المكرمة وطاف بالكعبة المشرفة بصحبة أشراف مكة. ولما استتب له الأمر في اليمن، أمر ببناء مدينة «تعز».

اكتشف صلاح الدين مؤامرة ضده وضد أخيه فتصدى لها لقد دبر بعض الحساد مؤامرة على أخيه وعليه أيضًا، وهم الذين خطوا رسالة إلى راشد بن سنان رئيس الحشاشين في الشام. وكذلك رسالة أخرى إلى الملك أموري ملك بيت المقدس، طالبين عقد صفقة معه ومع الصليبيين، مفادها انهم يفترض أن يقومون بثورة داخلية – في حالة قدوم القوات الصليبية إلى سواحل وشواطئ البحر وإلى مشارف مصر، كما استنجدوا بوليم الثاني ملك صقلية لمداهمة صلاح الدين برًا وبحرًا في أثناء قيامهم بالثورة والقضاء عليه... لكن المؤامرة اكتشفت قبل تطبيقها، وذلك بهمة الفقيه زين الدين بن نجا، حيث ألقى صلاح الدين القبض عليهم، وبطش بهم جميعًا. لكن ملك صقلية رغم ذلك قاد أسطوله إلى الاسكندرية لمداهمتها.. فقابله صلاح الدين بالحديد والنار ورده خاسرًا... وكان هذا الأسطول يتكون من مائتي سفينة تحمل خمسين الف مقاتل وعددًا كبيرًا من المنجنيقات وآلات الحصار.

عاد صلاح الدين من الاسكندرية مزهوًا بالنصر.. عملم بأن والي «أسوان » استغل انشغال صلاح الدين في قتال الاسكندرية فأعرب الثورة، وآزره والي «قوص » على الرغم من إحسان صلاح الدين اليهما.. فجرد عليهما جيشًا بقيادة أخيه سيف الدين الذي أخمد الفتنة وقتل مشعلها.

وفاة نور الدين محمود زنكي

في هذه الأثناء، وبعد هذا الفوز، نعت دمشق القائد المغوار نور الدين محمود زنكي، فحزن عليه صلاح الدين حزنًا عميقًا. كيف من الممكن أن لا فوالد المتوفى هو عماد الدين زنكي الذي كان قد فك ضيق والده نجم الدين عند ولادة صلاح الدين وتكفل بهم جميعًا. وبعد وفاة نور الدين زنكي توفى أيضًا ملك القدس الصليبي «اموري »، وبعد وفاته اتسع أمام صلاح الدين المجال لتحقيق أحلامه في توحيد القوى العربية وتحرير ديار الشام وبيت المقدس بعد 88 سنة من الاحتلال. هذه هي صفات فتى كان يصرخ بعد ولادته فتغير وأصبح إنسانًا في طفولته، هادئًا ووديعًا، يحمل ذهنًا واسعًا يتقبل جميع إرشاد.. وهوميال للفروسية والمبارزة يغلب عليه الخلق الحميد في التعامل، لم تغره كنوز الدنيا، لأنه شب في صباه مدافعًا عن العدل وإحقاق الحق.

وعندما أصبح قائدًا صاحب شهرة عالية، سار على الخلق الذي شب عليه منذ نعومة أظافره.. ولم تغيره العظمة ولا المراكز التي تبوأها... حتى ان أعداءه نعتوه بالقائد العادل... صاحب الخلق الحميد، فأجلّوه واحترموه... وسجل التاريخ اسمه بأحرف من نور تنبعث منها العزة والفخار. صلاح الدين الأيوبي الكردي.

سقم رحمه الله في دمشق، ومات في الليلة الثانية عشرة لسقمه ليلة الاربعاء 27 صفر سنة 589 ه، تاركًا خلفه سبعة عشر ولدًا وبنتًا واحدة، ولم يخلف لهم ملكًا ولا بيتًا ولا مغرسة ولا شيئًا إلا سبعة وأربعين دينارًا شامية فقط. إنه صلاح الدنيا والدين بن نجم الدين بن أيوب الذي ينعم الآن مع الصديقين والأبرار الخالدين في جنات النعيم.

أبناء صلاح الدين

أبناء السلطان صلاح الدين بحسب

  1. الملك الأفضل نور الدين علي، ولي العهد (صاحب دمشق) (مولده 566هـ ووفاته 622) ·
  2. الملك العزيز عماد الدين عثمان، صاحب مصر (مولده 567 ووفاته 595) ·
  3. الملك الظافر مظفر الدين خضر، صاحب بصرى وشقيق الملك الأفضل، (مولده 568هـ ووفاته 627) ·
  4. الملك الظاهر أبوالمنصور غياث الدين غازي، صاحب حلب، وأجلّ أخوته (مولده 568هـ ووفاته 613) ·
  5. الملك المعز فتح الدين إسحق ·
  6. الملك المؤيد نجم الدين مسعود، أبوالفتح، صاحب رأس العين تولاها وغيرها في حياة أبيه. ·
  7. الملك الأعز شرف الدين يعقوب (من رجال الحديث) (مولده 572هـ ووفاته 627) ·
  8. الملك الأشرف عز الدين محمد ·
  9. الملك المفضل قطب الدين موسى (من رجال الحديث) (مولده ،يا ترى؟ ووفاته 631هـ). ·
  10. الملك الغالب نصير الدين ملكشاه، أبوالفتح ·
  11. الملك الجواد ركن الدين أيوب ·
  12. الملك الزاهر مجير الدين داود أبوسليمان، صاحب قلعة البيرة، وهوشقيق غازي (مولده 573هـ ووفاته 632) ·
  13. الملك المُحْسن ظهير الدين أحمد (من رجال الحديث) (مولده 577هـ ووفاته 634هـ) ·
  14. الملك المعظم فخر الدين تورانشاه (من رجال الحديث) (مولده 577هـ ووفاته658 وهوآخرهم وفاة) ·
  15. نصرة الدين مروان ·
  16. عماد الدين شادي ·
  17. الملك المنصور أبوبكر.

صلاح الدين في مصر

قلعة صلاح الدين في مصر
قلعة صلاح الدين في القاهرة
Saladin as depicted on a Dirham coin, Circa. 1190.

هرب الوزير الفاطميشاور من مصر من الوزير ضرغام بن عامر بن سوار الملقب فارس المسلمين اللخمي المنذري لما استولى على الدولة المصرية وقهره وأخذ مكانه في الوزارة كعادتهم في ذلك وقتل ولده الأكبر طي بن شاور فتوجه شاور إلى الشام مستغيثا بالملك العادل نور الدين بن زنكي وذلك في شهر رمضان 558هـ ودخل دمشق في الثالث والعشرين من ذي القعدة من السنة نفسها فوجه نور الدين معه الأمير أسد الدين شيركوه في جماعة من عسكره كان صلاح الدين في جملتهم في خدمة عمه وهوكاره للسفر معهم وكان لنور الدين في إرسال هذا الجيش هدفان:

  1. الاول :قضاء حق شاور لكونه قصده ودخل عليه مستصرخا.


  1. الثاني: أنه أراد استعلام أحوال مصر فإنه كان يبلغه أنها ضعيفة من جهة الجند وأحوالها في غاية الاختلال فقصد الكشف عن حقيقة ذلك.

وكان كثير الاعتماد على شيركوه لشجاعته ومعهدته وأمانته فانتدبه لذلك وجعل أسد الدين شيركوه ابن أخيه صلاح الدين مقدم عسكره وشاور معهم فخرجوا من دمشق في جمادى الأولى سنة 559هـ فدخلوا مصر واستولوا على الأمر في رجب من السنة نفسها. ولما وصل أسد الدين وشاور إلى الديار المصرية واستولوا عليها وقتلوا الضرغام وحصل لشاور مقصودة وعاد إلى منصبه وتمهدت قواعده واستمرت أموره غدر بأسد الدين شيركوه واستنجد بالإفرنج عليه فحاصروه فيبلبيس، وكان أسد الدين قد شاهد البلاد وعهد أحوالها وأنها مملكة بغير رجال تمشي الأمور فيها بمجرد الإيهام والمحال فطمع فيها وعاد إلى الشام، وأقام أسد الدين بالشام مدة مفكرا في تدبير عودته إلى مصر محدثا نفسه بالملك لها مقررا قواعد ذلك مع نور الدين إلى سنة 562هـ وبلغ نور الدين وأسد الدين ممحررة الوزير الخائن شاور للفرنج وما تقرر بينهم فخافا على مصر حتى يملكوها ويملكوا بطريقها جميع البلاد فتجهز أسد الدين وأنفذ معه نور الدين العساكر وصلاح الدين في خدمة عمه أسد الدين، وكان وصول أسد الدين إلى البلاد مقارنا لوصول الإفرنج إليها واتفق شاور والمصريون بأسرهم والإفرنج على أسد الدين وجرت حروب كثيرة. وتوجه صلاح الدين إلى الإسكندرية فاحتمى بها وحاصره الوزير شاور في جمادى الآخرة من سنة 562هـ ثم عاد أسد الدين من جهة الصعيد إلى بلبيس وتم الصلح بينه وبين المصريين وسيروا له صلاح الدين فساروا إلى الشام. ثم إذا أسد الدين عاد إلى مصر مرة ثالثة وكان سبب ذلك حتى الإفرنج جمعوا فارسهم وراجلهم وخرجوا يريدون مصر ناكثين العهود مع المصريين وأسد الدين طمعا في البلاد فلما بلغ ذلك أسد الدين ونور الدين لم يسعهما الصبر فسارعا إلى مصر أما نور الدين فبالمال والرجال ولم يمكنه المسير بنفسه خوفا على البلاد من الإفرنج، وأما أسد الدين فبنفسه وماله وإخوته وأهله ورجاله يقول بن شداد لقد نطق لي السلطان صلاح الدين قدس الله روحه كنت أكره الناس للخروج في هذه الدفعة وما خرجت مع عمي باختياري وهذا معنى قوله تعالى {وعسى حتى تكرهوا شيئا وهوخير لكم (البقرة:216) وكان شاور لما أحس بخروج الإفرنج إلى مصر سير إلى أسد الدين يستصرخه ويستنجده فخرج مسرعا وكان وصوله إلى مصر في شهر ربيع الأول سنة 564هـ ولما فهم الإفرنج بوصول أسد الدين إلى مصر على اتفاق بينه وبين أهلها رحلوا راجعين على أعقابهم ناكصين وأقام أسد الدين بها يتردد إليه شاور في الأحيان وكان وعدهم بمال في لقاء ما خسروه من النفقة فلم يوصل إليهم شيئا وفهم أسد الدين حتى شاور يلعب به تارة وبالإفرنج أخرى،وتحقق أنه لا سبيل إلى الاستيلاء على البلاد مع بقاء شاور فأجمع رأيه على القبض عليه إذا خرج إليه، فقتله وأصبح أسد الدين وزيرا وذلك في سابع عشر ربيع الأول سنة 564هـ ودام آمرا وناهيا وصلاح الدين يباشر الأمور مقرراً لها لمكان كفايته ودرايته وحسن رأيه وسياسته إلى الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من السنة نفسها فمات أسد الدين. وذكر المؤرخون حتى أسد الدين لما توفي استقرت الأمور بعده للسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فبذل الأموال وملك قلوب الرجال وهانت عنده الدنيا فملكها وشكر نعمة الله تعالى عليه، وأعرض عن مسببات اللهووتقمص بقميص الجد والاجتهاد، استعدادا للقاءات مستمرة مع الصليبيين من جهة ومع خزعبلات الدولة الفاطمية من جهة أخرى.


هجوم الإفرنج على مصر

ولما فهم الإفرنج استقرار الأمر بمصر لصلاح الدين فهموا أنه يملك بلادهم ويخرب ديارهم ويقلع آثارهم لما وقع له من القوة والملك واجتمع الإفرنج والروم جميعا وقصدوا الديار المصرية فقصدوا دمياط ومعهم آلات الحصار وما يحتاجون إليه من العدد ولما رأى نور الدين ظهور الإفرنج ونزولهم على دمياط قصد شغلهم عنها فنزل على الكرك محاصرا لها فقصده فرنج الساحل فرحل عنها وقصد لقاءهم فلم يقفوا له. ولما بلغ صلاح الدين قصد الإفرنج دمياط استعد لهم بتجهيز الرجال وجمع الآلات إليها ووعدهم بالإمداد بالرجال إذا نزلوا عليهم وبالغ في العطايا والهبات وكان وزيرا متحكما لا يرد أمره في شيء ثم هبط الإفرنج عليها واشتد زحفهم وقتالهم عليها وهويشن عليهم الغارات من خارج والعسكر يقاتلهم من داخل ونصر الله تعالى المسلمين به وبحسن تدبيره فرحلوا عنها خائبين فأحرقت مناجيقهم ونهبت آلاتهم وقتل من رجالهم عدد كبير.

تأسيس الدولة الأيوبية

واستقرت الأمور لصلاح الدين ونقل أسرته ووالده نجم الدين أيوب إليها ليتم له السرور وتكون قصته مماثلة لسيرة يوسف الصديق عليه السلام، ولم يزل صلاح الدين وزيرا حتى توفي العاضد آخر الخلفاء الفاطميين 565هـ وبذلك انتهت الدولة الفاطمية وبدأت دولة بني أيوب (الدولة الأيوبية).

ولقب صلاح الدين بالملك الناصر وعاد إلى دار أسد الدين فأقام بها، وثبت قدم صلاح الدين ورسخ ملكه.

وأوفد صلاح الدين يطلب من نور الدين حتى يرسل إليه إخوته فلم يجبه إلى ذلك ونطق أخاف حتى يخالف أحد منهم عليك فتفسد البلاد، ثم إذا الإفرنج اجتمعوا ليسيروا إلى مصر فسير نور الدين العساكر وفيهم إخوة صلاح الدين منهم شمس الدولة توران شاه بن أيوب، وهوأكبر من صلاح الدين.

وذكر ابن الأثير ما وقع من الوحشة بين نور الدين وصلاح الدين باطنا فنطق: وفي سنة 567هـ وقع ما أوجب نفرة نور الدين عن صلاح الدين وكان الحادث حتى نور الدين أوفد إلى صلاح الدين يأمره بجمع العساكر المصرية والمسير بها إلى بلد الإفرنج والنزول على الكرك ومحاصرته ليجمع هوأيضا عساكره ويسير إليه ويجتمعا هناك على حرب الإفرنج والاستيلاء على بلادهم فبرز صلاح الدين من القاهرة في العشرين من محرم وخط إلى نور الدين يعهده حتى رحيله لا يتأخر وكان نور الدين قد جمع عساكره وتجهز وأقام ينتظر ورود الخبر من صلاح الدين برحيله ليرحل هوفلما أتاه الخبر بذلك رحل من دمشق عازما على قصد الكرك فوصل إليه وأقام ينتظر وصول صلاح الدين إليه فأوفد كتابه يعتذر فيه عن الوصول باختلال البلاد المصرية لأمور بلغته عن بعض شيعة العلويين وأنهم عازمون على الوثوب بها وأنه يخاف عليها مع البعد عنها فعاد إليها فلم يقبل نور الدين عذره، وكان سبب تقاعده حتى أصحابه وخواصه خوفوه من الاجتماع بنور الدين فحيث لم يمتثل أمر نور الدين شق ذلك عليه وعظم عنده وعزم على الدخول إلى مصر وإخراج صلاح الدين عنها.

ووصل الخبر إلى صلاح الدين فجمع أهله وفيهم والدهنجم الدين أيوب وخاله شهاب الدين الحارمي ومعهم سائر الأمراء وأفهمهم ما بلغه عن عزم نور الدين على قصده وأخذ مصر منه واستشارهم فلم يجبه أحد منهم بشيء فقام تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين ونطق إذا اتى قاتلناه وصددناه عن البلاد ووافقه غيره من أهله فشتمهم نجم الدين أيوب وأنكر ذلك واستعظمه وكان ذا رأي ومكر وعقل ونطق لتقي الدين اقعد وسبه ونطق لصلاح الدين أنا أبوك وهذا شهاب الدين خالك أتظن حتى في هؤلاء كلهم من يحبك ويريد لك الخير مثلنا فنطق لا فنطق

توسع الدولة الأيوبية

Jacob's Ford Battlefield, looking from the west bank to the east bank of the Jordan River.

نطق ابن شداد لم يزل صلاح الدين على قدم بسط العدل ونشر الإحسان وإفاضة الإنعام على الناس إلى سنة 568هـ فعند ذلك خرج بالعسكر يريد بلاد الكرك والشوبك وإنما بدأ بها لأنها كانت أقرب إليه وكانت في الطريق تمنع من يقصد الديار المصرية وكان لا يمكن حتى تعبر قافلة حتى يخرج هوبنفسه يعبرها فأراد توسيع الطريق وتسهيلها فحاصرها في هذه السنة وجرى بينه وبين الإفرنج سقطات وعاد ولم يظفر منها بشيء ولما عاد بلغه خبر وفاة والدهنجم الدين أيوب قبل وصوله إليه.

ولما كانت سنة 569هـ رأى قوة عسكره وكثرة عدده وكان بلغه حتى باليمن إنسانا استولى عليها وملك حصونها يسمى عبد النبي بن مهدي فسير أخاه توران شاه فقتله وأخذ البلاد منه وبلغ صلاح الدين حتى إنسانا ينطق له الكنز جمع بأسوان خلقا عظيما من السودان وزعم أنه يعيد الدولة المصرية وكان أهل مصر يؤثرون عودهم فانضافوا إلى الكنز، فجهز صلاح الدين إليه جيشا كثيفا وجعل مقدمه أخاه الملك العادل وساروا فالتقوا وهزموهم وذلك في السابع من صفر سنة 570هـ.

كان نور الدين رحمه الله قد خلف ولده الملك الصالح إسماعيل وكان بدمشق عند وفاة أبيه ثم إذا صلاح الدين بعد وفاة نور الدين فهم حتى ولده الملك الصالح صبي لا يستقل بالأمر ولا ينهض بأعباء الملك واختلفت الأحوال بالشام.

محرر شمس الدين ابن المقدم صلاح الدين فتجهز من مصر في جيش كثيف وهجر بها من يحفظها وقصد دمشق مظهرا أنه يتولى مصالح الملك الصالح فدخلها في سنة 570هـ وتسلم قلعتها وكان أول دخوله دار أبيه، وهي الدار المعروفة بالشريف العقيقي، واجتمع الناس إليه وفرحوا به وأنفق في ذلك اليوم مالا جليلا وأظهر السرور بالدمشقيين وصعد القلعة وسار إلى حلب فنازل حمص وأخذ مدينتها في جمادى الأولى من السنة نفسها ولم يشتغل بقلعتها وتوجه إلى حلب ونازلها في يوم الجمعة آخر جمادى الأولى من السنة وهي المعركة الأولى. ولما أحس سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي صاحب الموصل بما جرى فهم حتى صلاح الدين قد استفحل أمره وعظم شأنه وخاف إذا غفل عنه استحوذ على البلاد واستقرت قدمه في الملك وتعدى الأمر إليه فأنفذ عسكرا وافرا وجيشا عظيما وقدم عليه أخاه عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود وساروا يريدون لقاءه ليردوه عن البلاد فلما بلغ صلاح الدين ذلك رحل عن حلب في مستهل رجب من السنة عائدا إلى حماة ورجع إلى حمص فأخذ قلعتها ووصل عز الدين مسعود إلى حلب وأخذ معه عسكر ابن عمه الملك الصالح بن نور الدين صاحب حلب يومئذ وخرجوا في جمع عظيم فلما عهد صلاح الدين بمسيرهم سار حتى وافاهم على قرون حماة وراسلهم وراسلوه واجتهد حتى يصالحوه فما صالحوه ورأوا حتى ضرب المصاف معه من الممكن نالوا به غرضهم والقضاء يجر إلى أمور وهم بها لا يشعرون فتلاقوا فقضى الله تعالى حتى هزموا بين يديه وأسر جماعة منهم فمن عليهم وذلك في تاسع شهر رمضان من سنة570 هـ عند قرون حماة ثم سار عقيب هزيمتهم ونزل على حلب وهي الدفعة الثانية فصالحوه على أخذ المعرة وكفر طاب وبارين ولما جرت هذه المعركة كان سيف الدين غازي يحاصر أخاه عماد الدين زنكي صاحب سنجار وعزم على أخذها منه لأنه كان قد انتمى إلى صلاح الدين وكان قد قارب أخذها فلما بلغه الخبر وأن عسكره انكسر خاف حتى يبلغ أخاه عماد الدين الخبر فيشتد أمره ويقوى جأشه فراسله وصالحه ثم سار من وقته إلى نصيبين واهتم بجمع العساكر والإنفاق فيها وسار إلى البيرة وعبر الفرات وخيم على الجانب الشامي وراسل ابن عمه الصالح بن نور الدين صاحب حلب حتى تستقر له قاعدة يصل عليها ثم إنه وصل إلى حلب وخرج الملك الصالح إلى لقائه أقام على حلب مدة.

اللقاءة مع الإفرنجة

19th century depiction of a victorious Saladin.

في سنة 572هـ اسقرت الأمور بمصر والشام للدولة الأيوبية، وكان أخوصلاح الدين شمس الدولة توران شاه قد وصل إليه من اليمن فاستخلفه بدمشق ثم تأهب للغزاة من الإفرنجة، فخرج يطلب الساحل حتى وافى الإفرنج على الرملة وذلك في أوائل جمادى الأولى سنة 573هـ وكانت الهزيمة على المسلمين في ذلك اليوم، فلما انهزموا لم يكن لهم حصن قريب يأوون إليه فطلبوا جهة الديار المصرية وضلوا في الطريق وتبددوا وأسر منهم جماعة منهم الفقيه عيسى الهكاري وكان ذلك وهنا عظيما جبره الله تعالى بمعركة حطين المشهورة. أقام صلاح الدين بمصر حتى لم شعثه وشعث أصحابه من أثر هزيمة الرملة ثم بلغه تخبط الشام فعزم على العود إليه واهتم بالغزاة فوصله رسول "قليج أوفدان" صاحب الروم يلتمس الصلح ويتضرر من الأرمن فعزم على قصد بلاد ابن لاون ـ وهي بلاد سيس الفاصلة بين حلب والروم من جهة الساحل ـ لينصر قليج أوفدان عليه فتوجه إليه واستدعى عسكر حلب لأنه كان في الصلح أنه متى استنادىه جاء إليه ودخل بلد ابن لاون وأخذ في طريقه حصنا وأخربه ورغبوا إليه في الصلح فصالحهم ورجع عنهم ثم سأله قليج أوفدان في صلح الشرقيين بأسرهم فأجاب إلى ذلك وحلف صلاح الدين في عاشر جمادى الأولى سنة ست وسبعين وخمسمائة ودخل في الصلح قليج أوفدان والمواصلة وعاد بعد تمام الصلح إلى دمشق ثم منها إلى مصر.

معركة حطين

Image of a figurine on a concept of a waterclock by al-Jazarî in an Arabian manuscript of 15th century.

كانت معركة حطين المباركة على المسلمين في يوم السبت 14 ربيع الآخر سنة 583هـ في وسط نهار الجمعة وكان صلاح الدين كثيرا ما يقصد لقاء العدوفي يوم الجمعة عند الصلاة تبركا بنادىء المسلمين والخطباء على المنابر فسار في ذلك الوقت بمن اجتمع له من العساكر الإسلامية وكانت تجاوز العد والحصر على تعبئة حسنة وهيئة جميلة وكان قد بلغه عن العدوأنه اجتمع في عدة كثيرة بمرج صفورية بعكا عندما بلغهم اجتماع الجيوش الإسلامية فسار ونزل على بحيرة طبرية ثم رحل ونزل على طبرية على سطح الجبل ينتظر هجوم الصليبيين عليه إذا بلغهم نزوله بالموضع المذكور فلم يتحركوا ولا خرجوا من منزلهم وكان نزولهم يوم الأربعاء 21ربيع الآخر فلما رآهم لا يتحركون هبط على طبرية وهاجمها وأخذها في ساعة واحدة وبقيت القلعة محتمية بمن فيها ولما بلغ العدوما جرى على طبرية قلقوا لذلك ورحلوا نحوها فبلغ السلطان ذلك فهجر على طبرية من يحاصر قلعتها ولحق بالعسكر فالتقى بالعدوعلى سطح جبل طبرية الغربي منها وذلك في يوم الخميس 22 ربيع الآخر وحال الليل بين المعسكرين قياما على مصاف إلى بكرة يوم الجمعة فركب الجيشان وتصادما والتحم القتال واشتد الأمر وذلك بأرض قرية تعهد بلوبيا وضاق الخناق بالعدووهم سائرون كأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون وقد أيقنوا بالويل والثبور وأحست نفوسهم أنهم في غد يومهم ذلك من زائري القبور ولم تزل الحرب تضطرم والفارس مع قرنه يصطدم ولم يبق إلا الظفر وسقط الوبال على من كفر فحال بينهم الليل بظلامه وبات جميع واحد من الفريقين في سلاحه إلى صبيحة يوم السبت فطلب جميع من الفريقين مقامه وتحقق المسلمون حتى من ورائهم الأردن ومن بين أيديهم بلاد العدووأنهم لا ينجيهم إلا الاجتهاد في الجهاد فحملت جيوش المسلمين من جميع الجوانب وحمل القلب وصاحوا صيحة رجل واحد فألقى الله الرعب في قلوب الكافرين وكان حقا عليه نصر المؤمنين ولما أحس القوم بالخذلان هرب منهم في أوائل الأمر وقصد جهة صور وتبعه جماعة من المسلمين فنجا منهم وكفى الله شره وأحاط المسلمون بالصليبيين من جميع جانب وأطلقوا عليهم السهام وحكموا فيهم السيوف وسقوهم كأس الحمام وانهزمت طائفة منهم فتبعها أبطال المسلمين فلم ينج منها أحد واعتصمت طائفة منهم بتل ينطق له تل حطين وهي قرية عندها قبر النبي شعيب عليه السلام فضايقهم المسلمون وأشعلوا حولهم النيران واشتد بهم العطش وضاق بهم الأمر حتى كانوا يستسلمون للأمر خوفا من القتل لما مر بهم فأسر مقدموهم وقتل الباقون.

وكان ممن سلم من مقدميهم الملك جفري وأخوه والبرنس أرناط صاحب الكرك والشوبك وابن الهنفري وابن صاحبة طبرية ومقدم الديوية وصاحب جبيل ومقدم الأسبتار.

نطق ابن شداد ولقد حكي لي من أثق به أنه رأى بحوران شخصا واحدا معه نيف وثلاثون أسيرا قد ربطهم بوتد خيمة لما سقط عليهم من الخذلان.

وأما أرناط فان صلاح الدين كان قد نذر أنه إذا ظفر به قتله وذلك لأنه كان قد عبر به عند الشوبك قوم من مصر طالما الصلح فغدر بهم وقتلهم فناشدوه الصلح الذي بينه وبين المسلمين فنطق ما يتضمن الاستخفاف بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وبلغ السلطان فحملته حميته ودينه على حتى يهدر دمه.

من مواقف صلاح الدين

Saladin and Guy of Lusignan after Battle of Hattin

لما فتح الله تعالى عليه بنصره في حطين جلس صلاح الدين في دهليز الخيمة لأنها لم تكن نصبت بعد وعرضت عليه الأسارى وسار الناس يتقربون إليه بمن في أيديهم منهم وهوفرح بما فتح الله تعالى على يده للمسلمين ونصبت له الخيمة فجلس فيها شاكرا لله تعالى على ما أنعم به عليه واستحضر الملك جفري وأخاه وأرناط وناول السلطان جفري شربة من جلاب وثلج فشرب منها وكان على أشد حال من العطش ثم ناولها لأرناط ونطق السلطان للترجمان قل للملك أنت الذي سقيته وإلا أنا فما سقيته وكان من جميل عادة العرب وكريم أخلاقهم حتى الأسير إذا أكل أواستهلك من مال من أسره أمن فقصد السلطان بقوله ذلك ثم أمر بمسيرهم إلى موضع عينه لهم فمضوا بهم إليه فأكلوا شيئا ثم عادوا بهم ولم يبق عنده سوى بعض الخدم فاستحضرهم وأقعد الملك في دهليز الخيمة.

صلاح الدين في دمشق

وأحضر صلاح الدين أرناط وأوقفه بين يديه ونطق له: ها أنا أنتصر لمحمد منك ثم عرض عليه الإسلام فلم يعمل فسل سيفه فضربه بها فحل كتفه وتمم قتله من جاء وأخرجت جثته ورميت على باب الخيمة،فلما رآه الملك على تلك الحال لم يشك في أنه يلحقه به فاستحضره وطيب قلبه ونطق له لم تجر عادة الملوك حتى يقتلوا الملوك وأما هذا فإنه تجاوز الحد وتجرأ على الأنبياء صلوات الله عليهم وبات الناس في تلك الليلة على أتم سرور ترتفع أصواتهم بحمد الله وشكره وتهليله وتكبيره حتى طلع الفجر ثم هبط السلطان على طبرية يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر وتسلم قلعتها في ذلك النهار وأقام عليها إلى يوم الثلاثاء.

تحرير عكا وما حولها

ورحل صلاح الدين طالبا عكا فكان نزوله عليها يوم الأربعاء وقاتل الصليبيين بها بكرة يوم الخميس مستهل جمادى الأولى سنة 583هـ فأخذها واستنقذ من كان بها من أسارى المسلمين وكانوا أكثر من أربعة آلاف نفس واستولى على ما فيها من الأموال والذخائر والبضائع لأنها كانت مظنة التجار وتفرقت العساكر في بلاد الساحل يأخذون الحصون والقلاع والأماكن المنيعة فأخذوا نابلس وحيفا وقيسارية وصفورية والناصرة وكان ذلك لخلوها من الرجال لأن القتل والأسر أفنى كثيرا منهم ولما استقرت قواعد عكا وقسم أموالها وأساراها سار يطلب تبنين فنزل عليها يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى وهي قلعة منيعة فنصب عليها المناجيق وضيق بالزحف خناق من فيها، فقاتلوا قتالا شديدا ونصره الله سبحانه عليهم فتسلمها منهم يوم الأحد ثامن عشرة عنوة وأسر من بقي فيها بعد القتل ثم رحل عنها إلى صيدا فنزل عليها وتسلمها في غد يوم نزوله عليها وهويوم الأربعاء العشرون من جمادى الأولى وأقام عليها ريثما قرر قواعدها وسار حتى أتى بيروت فنازلها ليلة الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى وركب عليها المجانيق وداوم الزحف والقتال حتى أخذها في يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر المذكور وتسلم أصحابه جبيل وهوعلى بيروت، ولما فرغ من هذا الجانب رأى حتى قصده عسقلان أولى لأنها أيسر من صور فأتى عسقلان ونزل عليها يوم الأحد السادس عشر من جمادى الآخرة من السنة وتسلم في طريقه إليها مواضع كثيرة كالرملة والداروم وأقام في عسقلان المناجيق وقاتلها قتالا شديدا وتسلمها في يوم السبت نهاية جمادى الآخرة من السنة وأقام عليها إلى حتى تسلم أصحابه غزة وبيت جبريل والنطرون بغير قتال وكان بين فتح عسقلان وأخذ الإفرنج لها من المسلمين خمس وثلاثون سنة فإنهم كانوا أخذوها من المسلمين في السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 548هـ.

تحرير القدس

نطق ابن شداد لما تسلم صلاح الدين عسقلان والأماكن المحيطة بالقدس شمر عن ساق الجد والاجتهاد في قصد القدس المبارك واجتمعت إليه العساكر التي كانت متفرقة في الساحل فسار نحوه معتمدا على الله تعالى مفوضا أمره إليه منتهزا الفرصة في فتح باب الخير الذي حث على انتهازه بقوله من فتح له باب خير فلينتهزه فإنه لا يفهم متى يغلق دونه وكان نزوله عليه في يوم الأحد الخامس عشر من رجب سنة 583هـ وكان نزوله بالجانب الغربي وكان معه من كان مشحونا بالمقاتلة من الخيالة والرجالة وحزر أهل الخبرة ممن كان معه من كان فيه من المقاتلة فكانوا يزيدون على ستين ألفا خارجا عن النساء والصبيان ثم انتقل لمصلحة رآها إلى الجانب الشمالي في يوم الجمعة العشرين من رجب ونصب المناجيق وضايق البلد بالزحف والقتال حتى أخذ النقب في السور مما يلي وادي جهنم ولما رأى أعداء الله الصليبيون ما هبط بهم من الأمر الذي لا مدفع له عنهم وظهرت لهم إمارات فتح المدينة وظهور المسلمين عليهم وكان قد اشتد روعهم لما جرى على أبطالهم وحماتهم من القتل والأسر وعلى حصونهم من التخريب والهدم وتحققوا أنهم صائرون إلى ما صار أولئك إليه فاستكانوا وأخلدوا إلى طلب الأمان واستقرت الأمور بالمراسلة من الطائفتين وكان تسلمه في يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب وليلته كانت ليلة المعراج المنصوص عليها في القرآن الكريم فانظر إلى هذا الاتفاق العجيب كيف من الممكن أن يسر الله تعالى عوده إلى المسلمين في مثل زمان الإسراء بنبيهم وهذه علامة قبول هذه الطاعة من الله تعالى وكان فتحه عظيما شهده من أهل الفهم خلق ومن أرباب الخرق والزهد عالم وذلك حتى الناس لما بلغهم ما يسره الله تعالى على يده من فتوح الساحل وقصده القدس قصده الفهماء من مصر والشام بحيث لم يتخلف أحد منهم وارتفعت الأصوات بالضجيج بالنادىء والتهليل والتكبير وصليت فيه الجمعة يوم فتحه وخطب القاضيمحيي الدين محمد بن علي المعروف بابن الزكي.

وقد خط عماد الدين الأصبهاني رسالة في فتح القدس،وجمع كتابا سماه الفتح القسي في الفتح القدسي وهوفي مجلدين ذكر فيه جميع ما جرى في هذه الواقعة.

وكان قد جاء الرشيد أبومحمد عبد الرحمن بن بدر بن الحسن بن مفرج النابلسي الشاعر المشهور هذا الفتح فأنشد السلطان صلاح الدين قصيدته التي أولها:

هذا الذي كانت الآمال تنتظر*****فليوف لله أقوام بما نذروا

وهي طويلة تزيد على مائة بيت يمدحه ويهنيه بالفتح. يقول بهاء الدين بن شداد في السيرة الصلاحية نكس الصليب الذي كان على قبة الصخرة وكان شكلا عظيما ونصر الله الإسلام على يده نصرا عزيزا ، وكان الإفرنج قد استولوا على القدس سنة 492هـ ولم يزل بأيديهم حتى استنقذه منهم صلاح الدين، وكانت قاعدة الصلح أنهم بتروا على أنفسهم عن جميع رجل عشرين دينارا وعن جميع امرأة خمسة دنانير صورية وعن جميع صغير ذكر أوأنثى دينارا واحدا فمن أحضر قطيعته نجا بنفسه وإلا أخذ أسيرا وأفرج عمن كان بالقدس من أسرى المسلمين وكانوا خلقا عظيما وأقام به يجمع الأموال ويفرقها على الأمراء والرجال ويحبوبها الفقهاء والفهماء والزهاد والوافدين عليه وتقدم بإيصال من قام بقطيعته إلى مأمنه وهي مدينة صور ولم يرحل عنه ومعه من المال الذي جبي له شيء وكان يقارب مائتي ألف دينار وعشرين ألفا وكان رحيله عنه يوم الجمعة الخامس والعشرين من شعبان من سنة 583هـ .

منبر نور الدين

ذكر الفتح بن علي البنداري في (سنا البرق الشامي؛ 314-315) وهواختصار (البرق الشامي) للعماد الأصفهاني:

وكان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي في عهده عهد بنور فراسته فتح البيت المقدس من بعده فأمر في حلب باتخاذ منبر للقدس تعب فيه النجارون والصناع والمهندسون فيه سنين، وأبدعوا في هجريبه الإحكام والتزيين، وبقي ذلك المنبر بجامع حلب منصوباً سيفاً في صوان الحفظ مقروباً حتى أمر السلطان في هذا الوقت بالوفاء بالنذر النوري ونقل المنبر إلى موضعه القدسي، فعهد بذلك كرامات نور الدين التي أشرف سناها بعده بسنين، وكان من المحسنين الذين نطق الله فيهم "والله يحب المحسنين"

حصار صور

يقول بن شداد: لما فتح صلاح الدين القدس حسن عنده قصد صور وفهم أنه إذا أخر أمرها من الممكن عسر عليه فسار نحوها حتى أتى عكا فنزل عليها ونظر في أمورها ثم رحل عنها متوجها إلى صور في يوم الجمعة خامس شهر رمضان من السنة(583) فنزل قريبا منها وسير لإحضار آلات القتال ولما تكاملت عنده هبط عليها في ثاني عشر الشهر المذكور وقاتلها وضايقها قتالا عظيما واستدعى أسطول مصر فكان يقاتلها في البر والبحر ثم سير من حاصر هونين فسلمت في الثالث والعشرين من شوال من السنة، ثم خرج أسطول صور في الليل فهاجم أسطول المسلمين وأخذوا المقدم والريس وخمس بتر للمسلمين وقتلوا خلقا كثيرا من رجال المسلمين وذلك في السابع والعشرين من الشهر المذكور وعظم ذلك على السلطان وضاق صدره وكان الشتاء قد هجم وتراكمت الأمطار وامتنع الناس من القتال لكثرة الأمطار فجمع الأمراء واستشارهم فيما يعمل فأشاروا عليه بالرحيل لتستريح الرجال ويجتمعوا للقتال فرحل عنها وحملوا من آلات الحصار ما أمكن وأحرقوا الباقي الذي عجزوا عن حمله لكثرة الوحل والمطر وكان رحيله يوم الأحد ثاني ذي القعدة من السنة وتفرقت العساكر ومنح جميع طائفة منها دستورا وسار جميع قوم إلى بلادهم وأقام هومع جماعة من خواصه بمدينة عكا إلى حتى دخلت سنة 584هـ ثم هبط على كوكب في أوائل المحرم من السنة ولم يبق معه من العسكر إلا القليل وكان حصنا حصينا وفيه الرجال والأقوات عملم أنه لا يؤخذ إلا بقتال شديد فرجع إلى دمشق، وأقام بدمشق خمسة أيام. ثم بلغه حتى الإفرنج قصدوا جبيل واغتالوها فخرج مسرعا وكان قد سير يستدعي العساكر من جميع المواضع وسار يطلب جبيل فلما عهد الإفرنج بخروجه كفوا عن ذلك.

بقية فتوح الشام

Saladin's tomb, near Umayyad Mosque's NW corner.
Saladin's tomb in Damascus, Syria.

نطق ابن شداد في السيرة لما كان يوم الجمعة رابع جمادى الأولى من سنة 584هـ ولج السلطان بلاد العدوعلى تعبية حسنة ورتب الأطلاب وسارت الميمنة أولا ومقدمها عماد الدين زنكي والقلب في الوسط والميسرة في الأخير ومقدمها [مظفر الدين ابن زين الدين]] فوصل إلى انطرسوس ضاحي نهار الأحد سادس جمادى الأولى فوقف قبالتها ينظر إليها لأن قصده كان جبلة فاستهان بأمرها وعزم على قتالها فسير من رد الميمنة وأمرها بالنزول على جانب البحر والميسرة على الجانب الآخر ونزل هوموضعه والعساكر محدقة بها من البحر إلى البحر وهي مدينة راكبة على البحر ولها برجان كالقلعتين فركبوا وقاربوا البلد وزحفوا واشتد القتال وباغتوها فما استتم نصب الخيام حتى صعد المسلمون سورها وأخذوها بالسيف وغنم المسلمون جميع من بها وما بها وأحرق البلد وأقام عليها إلى رابع عشر جمادى الأولى وسلم أحد البرجين إلى مظفر الدين فما زال يحاربه حتى أخربه واجتمع به ولده الملك الظاهر لأنه كان قد طلبه فاتىه في عسكر عظيم، ثم سار يريد جبلة وكان وصوله إليها في ثاني عشر جمادى الأولى وما استتم نزول العسكر عليها حتى أخذ البلد وكان فيه مسلمون مقيمون وقاض يحكم بينهم وقوتلت القلعة قتالا شديدا ثم سلمت بالأمان في يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى من السنة وأقام عليها إلى الثالث والعشرين منه، ثم سار عنها إلى اللاذقية وكان نزوله عليها يوم الخميس الرابع والعشرين من جمادى الأولى وهوبلد مليح خفيف على القلب غير مسور وله ميناء مشهور وله قلعتان متصلتان على تل يشرف على البلد واشتد القتال إلى آخر النهار فأخذ البلد دون القلعتين وغنم الناس منه غنيمة عظيمة لأنه كان بلد التجار وجدوا في أمر القلعتين بالقتال والنقوب حتى بلغ طول النقب ستين ذراعا وعرضه أربعة أذرع فلما رأى أهل القلعتين الغلبة لاذوا بطلب الأمان وذلك في عشية يوم الجمعة الخامس والعشرين من الشهر والتمسوا الصلح على سلامة نفوسهم وزراريهم ونسائهم وأموالهم ما خلا الذخائر والسلاح وآلات الحرب فأجابهم إلى ذلك وحمل الفهم الإسلامي عليها يوم السبت وأقام عليها إلى يوم الأحد السابع والعشرين من جمادى الأولى فرحل عنها إلى صهيون فنزل عليها يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من الشهر واجتهد في القتال فأخذ البلد يوم الجمعة ثاني جمادى الآخرة ثم تقدموا إلى القلعة وصدقوا القتال فلما عاينوا الهلاك طلبوا الأمان فأجابهم إليه بحيث يؤخذ من الرجل عشرة دنانير ومن المرأة خمسة دنانير ومن جميع صغير ديناران الذكر والأنثى سواء وأقام السلطان بهذه الجهة حتى أخذ عدة قلاع منها بلاطنس وغيرها من الحصون المنيعة المتعلقة بصهيون، ثم رحل عنها وأتى بكاس وهي قلعة حصينة على العاصي ولها نهر يخرج من تحتها وكان النزول عليها يوم الثلاثاء سادس جمادى الآخرة وقاتلوها قتالا شديدا إلى يوم الجمعة تاسع الشهر ثم يسر الله فتحها عنوة فقتل أكثر من بها وأسر الباقون وغنم المسلمون جميع ما كان فيها ولها قليعة تسمى الشغر وهي في غاية المنعة يعبر إليها منها بجسر وليس عليها طريق فسلطت المناجيق عليها من جميع الجوانب ورأوا أنهم لا ناصر لهم فطلبوا الأمان وذلك يوم الثلاثاء ثالث عشر الشهر ثم سألوا المهلة ثلاثة أيام فأمهلوا وكان تمام فتحها وصعود الفهم السلطاني على قلعتها يوم الجمعة سادس عشر الشهر.

ثم سار إلى برزية وهي من الحصون المنيعة في غاية القوة يضرب بها المثل في بلاد الإفرنج تحيط بها أودية من جميع جوانبها وعلوها خمسمائة ونيف وسبعون ذراعا وكان نزوله عليها يوم السبت الرابع والعشرين من الشهر ثم أخذها عنوة يوم الثلاثاء السابع والعشرين منه.

ثم سار إلى دربساك فنزل عليها يوم الجمعة ثامن رجب وهي قلعة منيعة وقاتلها قتالا شديدا ورقي الفهم الإسلامي عليها يوم الجمعة الثاني والعشرين من رجب وأعطاها الأمير فهم الدين سليمان بن جندر وسار عنها بكرة يوم السبت الثالث والعشرين من الشهر.

ونزل على بغراس وهي قلعة حصينة بالقرب من إنطاكية وقاتلها مقاتلة شديدة وصعد الفهم الإسلامي عليها في ثاني شعبان وراسله أهل إنطاكية في طلب الصلح فصالحهم لشدة ضجر العسكر من البيكار وكان الصلح معهم لا غير على حتى يطلقوا جميع أسير عندهم والصلح إلى سبعة أشهر فإن اتىهم من ينصرهم وسلموا البلد.

ثم رحل السلطان فسأله ولده الملك الظاهر صاحب حلب حتى يجتاز به فأجابه إلى ذلك فوصل حلب في حادي عشر شعبان أقام بالقلعة ثلاثة أيام وولده يقوم بالضيافة حق القيام، وسار من حلب فاعترضه تقي الدين عمر ابن أخيه وأصعده إلى قلعة حماة وصنع له طعاما وأحضر له سماعا من جنس ما تعمل الصوفية وبات فيها ليلة واحدة وأعطاه جبلة واللاذقية، وسار على طريق بعلبك ودخل دمشق قبل شهر رمضان بأيام يسيرة، ثم سار في أوائل شهر رمضان يريد صفد فنزل عليها ولم يزل القتال حتى تسلمها بالأمان في رابع عشر شوال. ثم سار إلى كوكب وضايقوها وقاتلوها مقاتلة شديدة والأمطار متواترة والوحول متضاعفة والرياح عاصفة والعدومتسلط بعلومكانه فلما تيقنوا أنهم مأخوذون طلبوا الأمان فأجابهم إليه وتسلمها منهم في منتصف ذي القعدة من السنة.

الصليبيون في عكا

The Eagle of Saladin in the Egyptian coat of arms

بلغ صلاح الدين حتى الإفرنج قصدوا عكا ونزلوا عليها يوم الاثنين ثالث عشر رجب سنة 585هـ فأتى عكا ودخلها بغتة لتقوى قلوب من بها واستدعى العساكر من جميع ناحية فاتىته وكان العدوبمقدار ألفي فارس وثلاثين ألف راجل ثم تكاثر الإفرنج واستفحل أمرهم وأحاطوا بعكا ومنعوا من يدخل إليها ويخرج وذلك يوم الخميس فضاق صدر السلطان لذلك ثم اجتهد في فتح الطريق إليها لتستمر السابلة بالميرة والنجدة وشاور الأمراء فاتفقوا على مضايقة العدولينفتح الطريق فعملوا ذلك وانفتح الطريق وسلكه المسلمون ودخل السلطان عكا فأشرف على أمورها ثم جرى بين الفريقين مناوشات في عدة أيام وتأخر الناس إلى تل العياضية وهومشرف على عكا وفي هذه المنزلة توفي الأمير حسام الدين طمان وذلك ليلة نصف شعبان من سنة خمس وثمانين وخمسمائة وكان من الشجعان. نطق ابن شداد سمعت السلطان ينشد وقد قيل له إذا الوخم قد عظم بمرج عكا وإن الموت قد فشا في الطائفتين :

اقتلاني ومالكا*****واقتلا مالكا معي

يريد بذلك أنه قد رضي حتى يتلف إذا أتلف الله أعداءه، وهذا البيت له سبب يحتاج إلى شرح وذلك حتى مالك بن الحارث المعروف بالأشتر النخعي كان من الشجعان والأبطال المشهورين وهومن خواص أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه تماسك في يوم معركة الجمل المشهورة هووعبد الله بن الزبير بن العوام وكان أيضا من الأبطال وابن الزبير يومئذ مع خالته عائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين وكانوا يحاربون عليا رضي الله عنه فلما تماسكا صار جميع واحد منهما إذا قوي على صاحبه جعله تحته وركب صدره وعملا ذلك مرارا وابن الزبير ينشد :

اقتلاني ومالكا*****واقتلا مالكا معي

يريد الأشتر النخعي. نطق ابن شداد ثم إذا الإفرنج اتىهم الإمداد من داخل البحر واستظهروا على الجيوش الإسلامية بعكا وكان فيهم الأمير سيف الدين علي بن أحمد المعروف بالمشطوب الهكاري والأمير بهاء الدين قراقوش الخادم الصلاحي وضايقوهم أشد مضايقة إلى حتى غلبوا عن حفظ البلد فلما كان يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة من سنة 587هـ خرج من عكا رجل عوام ومعه خط من المسلمين يذكرون حالهم وما هم فيه وأنهم قد تيقنوا الهلاك ومتى أخذوا البلد عنوة ضربت رقابهم وأنهم صالحوا على حتى يسلموا البلد وجميع ما فيه من الآلات والعدة والأسلحة والمراكب ومائتي ألف دينار وخمسمائة أسير مجاهيل ومائة أسير معينين من جهتهم وصليب الصلبوت على حتى يخرجوا بأنفسهم سالمين وما معهم من الأموال والأقمشة المختصة بهم وزراريهم ونسائهم وضمنوا للمركيس لأنه كان الواسطة في هذا الأمر أربعة آلاف دينار ولما وقف السلطان على الخط المشار إليها أنكر ذلك إنكارا عظيما وعظم عليه هذا الأمر وجمع أهل الرأي من أكابر دولته وشاورهم فيما يصنع واضطربت آراؤه وتقسم فكره وتشوش حاله وعزم على حتى يخط في تلك الليلة مع العوام وينكر عليهم المصالحة على هذا الوجه وهويتردد في هذا فلم يشعر إلا وقد ارتفعت أعلام العدووصلبانه وناره وشعاره على سور البلد وذلك في ظهيرة يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة من السنة وصاح الإفرنج صيحة عظيمة واحدة وعظمت المصيبة على المسلمين واشتد حزنهم وسقط فيهم الصياح والعويل والبكاء والنحيب. ثم ذكر ابن شداد بعد هذا حتى الإفرنج خرجوا من عكا قاصدين عسقلان ليأخذوها وساروا على الساحل والسلطان وعساكره في قبالتهم إلى حتى وصلوا إلى أرسوف فكان بينهما قتال عظيم ونال المسلمين منه وهن شديد ثم ساروا على تلك الهيئة تتمة عشر منازل من مسيرهم من عكا فأتى السلطان الرملة وأتاه من أبلغه بأن القوم على عزم عمارة يافا وتقويتها بالرجال والعدد والآلات فأحضر السلطان أرباب مشورته وشاورهم في أمر عسقلان وهل الصواب خرابها أم بقاؤها فاتفقت آراؤهم حتى يبقى الملك العادل في قبالة العدوويتوجه هوبنفسه ويخربها خوفا من حتى يصل العدوإليها ويستولي عليها وهي عامرة ويأخذ بها القدس وتنبتر بها طريق مصر وامتنع العسكر من الدخول وخافوا مما جرى على المسلمين بعكا ورأوا حتى حفظ القدس أولى فتعين خرابها من عدة جهات وكان هذا الاجتماع يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة سبع وثمانين وخمسمائة فسار إليها فجر الأربعاء ثامن عشر الشهر نطق ابن شداد وتحدث معي في معنى خرابها بعد حتى تحدث مع ولده الملك الأفضل في أمرها أيضا ثم نطق لأن أفقد ولدي جميعهم أحب إلي من حتى أهدم منها حجرا ولكن إذا قضى الله تعالى ذلك وكان فيه مصلحة للمسلمين فما الحيلة في ذلك نطق ولما اتفق الرأي على خرابها أسقط الله تعالى في نفسه ذلك وأن المصلحة فيه لعجز المسلمين عن حفظها وشرع في خرابها فجر يوم الخميس التاسع عشر من شعبان من السنة وقسم السور على الناس وجعل لكل أمير وطائفة من العسكر بدنة معلومة وبرجا معينا يخربونه ودخل الناس البلد وسقط فيهم الضجيج والبكاء وكان بلدا خفيفا على القلب محكم الأسوار عظيم البناء مرغوبا في سكنه فلحق الناس على خرابه حزن عظيم وعظم عويل أهل البلد عليه لفراق أوطانهم وشرعوا في بيع ما لا يقدرون على حمله فباعوا ما يساوي عشرة دراهم بدرهم واحد وباعوا اثني عشر طير دجاج بدرهم واحد واختبط البلد وخرج الناس بأهلهم وأولادهم إلى المخيم وتشتتوا فمضى قوم منهم إلى مصر وقوم إلى الشام وجرت عليهم أمور عظيمة واجتهد السلطان وأولاده في خراب البلد كي لا يسمع العدوفيسرع إليه ولا يمكن من خرابه وبات الناس على أصعب حال وأشد تعب مما قاسوه في خرابها وفي تلك الليلة وصل من جانب الملك العادل من أبلغ حتى الإفرنج تحدثوا معه في الصلح وطلبوا جميع البلاد الساحلية فرأى السلطان حتى ذلك مصلحة لما فهم من نفس الناس من الضجر من القتال وكثرة ما عليهم من الديون وخط إليه يأذن له في ذلك وفوض الأمر إلى رأيه وأصبح يوم الجمعة العشرين من شعبان وهومصر على الخراب واستخدم الناس عليه وحثهم على العجلة فيه وأباحهم ما في الهري الذي كان مدخرا للميرة خوفا من هجوم الإفرنج والعجز عن نقله وأمر بإحراق البلد فأضرمت النيران في بيوته وكان سورها عظيما ولم يزل الخراب يعمل في البلد إلى نهاية شعبان من السنة وأصبح يوم الإثنين مستهل شهر رمضان أمر ولده الملك الأفضل حتى يباشر ذلك بنفسه وخواصه ولقد رأيته يحمل الخشب بنفسه لأجل الإحراق، وفي يوم الأربعاء ثالث شهر رمضان أتى الرملة ثم خرج إلى "اللد" وأشرف عليها وأمر بخرابها وخراب قلعة الرملة فعمل ذلك وفي يوم السبت ثالث عشر شهر رمضان تأخر السلطان بالعسكر إلى جهة الجبل ليتمكن الناس من تسيير دوابهم لإحضار ما يحتاجون إليه ودار السلطان حول النطرون وهي قلعة منيعة فأمر بتخريبها وشرع الناس في ذلك.

الصلح مع الصليبيين

ثم ذكر ابن شداد بعد هذا حتى الانكتار وهومن أكابر ملوك الإفرنج سير رسوله إلى الملك العادل يطلب الاجتماع به فأجابه إلى ذلك واجتمعا يوم الجمعة ثامن عشر شوال من السنة وتحادثا معظم ذلك النهار وانفصلا عن مودة أكيدة والتمس الانكتار من العادل حتى يسأل السلطان حتى يجتمع به فذكر العادل ذلك للسلطان فاستشار أكابر دولته في ذلك وسقط الاتفاق على أنه إذا جرى الصلح بينناقد يكون الاجتماع بعد ذلك ثم وصل رسول الانكتار ونطق إذا الملك يقول إني أحب صداقتك ومودتك وأنت تذكر أنك أعطيت هذه البلاد الساحلية لأخيك فأريد حتى تكون حكما بيني وبينه وتقسم البلاد بيني وبينه ولا بد حتىقد يكون لنا علقة بالقدس وأطال الحديث في ذلك فأجابه السلطان بوعد جميل وأذن له في العود في الحال وتأثر لذلك تأثرا عظيما نطق ابن شداد وبعد انفصال الرسول نطق لي السلطان متى صالحناهم لم تؤمن غائلتهم ولووقع بي حادث الموت ما كانت تجتمع هذه العساكر وتقوى الإفرنج والمصلحة حتى لا نزول عن الجهاد حتى نخرجهم من الساحل أويأتينا الموت هذا كان رأيه وإنما غلب على الصلح.

نطق ابن شداد ثم ترددت الرسل بينهم في الصلح وتم الصلح بينهم يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان سنة 588هـ ونادى المنادي بانتظام الصلح وأن البلاد الإسلامية والنصرانية واحدة في الأمن والمسالمة فمن شاء من جميع طائفة يتردد إلى بلاد الطائفة الأخرى من غير خوف ولا محذور وكان يوما مشهودا نال الطائفتين فيه من المسرة ما لا يفهمه إلا الله تعالى وقد فهم الله تعالى حتى الصلح لم يكن عن سقماته وإيثاره ولكنه رأى المصلحة في الصلح لسآمة العسكر ومظاهرتهم بالمخالفة وكان مصلحة في فهم الله تعالى فإنه اتفقت وفاته بعد الصلح فلواتفق ذلك في أثناء سقطاته كان الإسلام على خطر. ثم منح للعساكر الواردة عليه من البلاد البعيدة برسم النجدة دستورا فساروا عنه وعزم على الحج لما فرغ باله من هذه الجهة وتردد المسلمون إلى بلادهم واتىوا هم إلى بلاد المسلمين وحملت البضائع والمتاجر إلى البلاد وحضر منهم خلق كثير لزيارة القدس.

أواخر أيامه صلاح الدين

بعد الصلح سنة 588هـ توجه السلطان إلى القدس ليتفقد أحوالها وتوجه أخوه الملك العادل إلى الكرك وابنه الملك الظاهر إلى حلب وابنه الأفضل إلى دمشق وأقام السلطان بالقدس يبتر الناس ويعطيهم دستورا ويتأهب للمسير إلى الديار المصرية وانبتر شوقه عن الحج ولم يزل كذلك إلى حتى صح عنده مسير مركب الانكتار متوجها إلى بلاده في مستهل شوال فعند ذلك قوي عزمه حتى يدخل الساحل جريدة يتفقد القلاع البحرية إلى بانياس ويدخل دمشق ويقيم بها أياما قلائل ويعود إلى القدس ومنه إلى الديار المصرية. نطق ابن شداد: وأمرني صلاح الدين بالمقام في القدس إلى حين عوده لعمارة مارستان أنشأه به وتكميل المدرسة التي أنشأها فيه وسار منه ضاحي نهار الخميس السادس من شوال سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ولما فرغ من افتقاد أحوال القلاع وإزاحة خللها ولج دمشق بكرة الأربعاء سادس عشر شوال وفيها أولاده الملك الأفضل والملك الظاهر والملك الظافر مظفر الدين الخضر المعروف بالمشعر وأولاده الصغار وكان يحب البلد ويؤثر الإقامة فيه على سائر البلاد وجلس للناس في بكرة يوم الخميس السابع والعشرين منه وحضروا عندهم وبلوا شوقهم منه وأنشده الشعراء ولم يتخلف أحد عنه من الخواص والعوام وأقام ينشر جناح عدله ويهطل سحاب إنعامه وفضله ويكشف مظالم الرعايا فلما كان يوم الاثنين مستهل ذي القعدة عمل الملك الأفضل دعوة للملك الظاهر لأنه لما وصل إلى دمشق وبلغه حركة السلطان أقام بها ليتملى بالنظر إليه ثانيا وكأن نفسه كانت قد أحست بدنوأجله فودعه في تلك الدفعة مرارا متعددة ولما عمل الملك الأفضل الدعوة أظهر فيها من الهمم العالية ما يليق بهمته وكأنه أراد بذلك مجازاته ما خدمه به حين وصل إلى بلده وحضر الدعوة المذكورة أرباب الدنيا والآخرة وسأل السلطان الحضور فحضر جبرا لقلبه وكان يوما مشهودا على ما بلغني. ولما تصفح الملك العادل أحوال الكرك وأصلح ما قصد إصلاحه فيه سار قاصدا إلى البلاد الفراتية فوصل إلى دمشق في يوم الأربعاء سابع عشر ذي القعدة وخرج السلطان إلى لقائه وأقام يتصيد حوالي غباغب إلى الكسوة حتى لقيه وسارا جميعا يتصيدان وكان دخولهما إلى دمشق آخر نهار يوم الأحد حادي عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأقام السلطان بدمشق يتصيد هووأخوه وأولاده ويتفرجون في أراضي دمشق ومواطن الصبا وكأنه عثر راحة مما كان به من ملازمة التعب والنصب وسهر الليل وكان ذلك كالوداع لأولاده ومراتع نزهه ونسي عزمه إلى مصر وعرضت له أمور أخر وعزمات غير ما تقدم.

وفاة صلاح الدين

قبر صلاح الدين

نطق ابن شداد وصلني كتاب صلاح الدين إلى القدس يستدعيني لخدمته وكان شتاء شديدا ووحلا عظيما فخرجت من القدس في يوم الجمعة الثالث والعشرين من المحرم سنة 589هـ وكان الوصول إلى دمشق في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر من السنة وركب السلطان لملتقى الحاج يوم الجمعة خامس عشر صفر وكان ذلك آخر ركوبه، ولما كان ليلة السبت عثر كسلا عظيما وما تنصف الليل حتى غشيته حمى صفراوية وكانت في باطنه أكثر منها في ظاهره وأصبح يوم السبت متكاسلا عليه أثر الحمى ولم يظهر ذلك للناس لكن حضرت عنده أنا والقاضي الفاضل ودخل ولده الملك الأفضل وطال جلوسنا عنده وأخذ يشكوقلقه في الليل وطاب له الحديث إلى قريب الظهر ثم انصرفنا وقلوبنا عنده فتقدم إلينا بالحضور على الطعام في خدمة ولده الملك الأفضل ولم تكن للقاضي الفاضل في ذلك عادة فانصرف ودخلت إلى الإيوان القبلي وقد أعطى السماط وابنه الملك الأفضل قد جلس في موضعه فانصرفت وما كانت لي قوة في الجلوس استيحاشا له وبكى في ذلك اليوم جماعة تفاؤلا لجلوس ولده في موضعه ثم أخذ السقم يتزيد من حينئذ ونحن نلازم التردد طرفي النهار وندخل إليه أنا والقاضي الفاضل في النهار مرارا وكان سقمه في رأسه وكان من إمارات انتهاء العمر غيبة طبيبه الذي كان قد عهد مزاجه سفرا وحضرا ورأى الأطباء فصده ففصدوه فاشتد سقمه وقلت رطوبات بدنه وكان يغلب عليه اليبس ولم يزل السقم يتزايد حتى انتهى إلى غاية الضعف واشتد سقمه في السادس والسابع والثامن ولم يزل يتزايد ويغيب ذهنه ولما كان التاسع حدثت له غشية وامتنع من تناول المشروب واشتد الخوف في البلد وخاف الناس ونقلوا أقمشتهم من الأسواق وعلا الناس من الكآبة والحزن ما لا تمكن حكايته ولما كان العاشر من سقمه حقن دفعتين وحصل من الحقن بعض الراحة وفرح الناس بذلك ثم اشتد سقمه وأيس منه الأطباء ثم شرع الملك الأفضل في تحليف الناس، ثم إنه توفي بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة 589هـ وكان يوم موته يوما لم يصب الإسلام والمسلمون بمثله منذ فقد الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وغشي القلعة والملك والدنيا وحشة لا يفهمها إلا الله تعالى وبالله لقد كنت أسمع من الناس أنهم يتمنون فداء من يعز عليهم بنفوسهم وكنت أتوهم حتى هذا الحديث على ضرب من التجوز والترخص إلى ذلك اليوم فإني فهمت من نفسي ومن غيري أنه لوقبل الفداء لفدي بالأنفس. ثم جلس ولده الملك الأفضل للعزاء وغسله، وأخرج بعد صلاة الظهر رحمه الله في تابوت مسجى بثوب فوط فارتفعت الأصوات عند مشاهدته وعظم الضجيج وأخذ الناس في البكاء والعويل وصلوا عليه أرسالا ثم أعيد إلى الدار التي في البستان وهي التي كان متمارضا بها ودفن في الصفة الغربية منها وكان نزوله في حفرته قريبا من صلاة العصر. وأنشد بن شداد في آخر السيرة بيت أبى تمام الطائي وهو:

ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام

رحمه الله تعالى وقدس روحه فلقد كان من محاسن الدنيا وغرائبها، وذكر ابن شداد : أنه توفي ولم يخلف في خزانته من المضى والفضة إلا سبعة وأربعين درهما ناصرية وجرما واحدا مضىا صوريا ولم يخلف ملكا لا دارا ولا عقارا ولا بستانا ولا قرية ولا مغرسة. وفي ساعة موته خط القاضي الفاضل إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب بطاقة مضمونها {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة {إن زلزلة الساعة شيء عظيم خطت إلى مولانا السلطان الملك الظاهر أحسن الله عزاءه وجبر مصابه وجعل فيه الخلف في الساعة المذكورة وقد زلزل المسلمون زلزالا شديدا وقد حفرت الدموع المحاجر وبلغت القلوب الحناجر وقد ودعت أباك ومخدومي وداعا لا تلاقي بعده وقد قبلت وجهه عني وعنك وأسلمته إلى الله تعالى مغلوب الحيلة ضعيف القوة راضيا عن الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وبالباب من الجنود المجندة والأسلحة المعدة ما لم يدفع البلاء ولا ملك يرد القضاء وتدمع العين ويخشع القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا عليك لمحزونون يا يوسف وأما الوصايا فما بحاجة إليها والآراء فقد شغلني المصاب عنها وأما لائح الأمر فإنه إذا سقط اتفاق فما عدمتم إلا شخصه الكريم وإن كان غيره فالمصائب المستقبلة أهونها موته وهوالهول العظيم والسلام.

الحقد الغربي المتوارث

كان اول شيء عمله الجنرال غوروبعد احتلال المستعمر الفرنسي لدمشق، هوزيارة ضريح صلاح الدين الأيوبي الموجود قرب الجامع الأموي ليقف أمام القبر ويلكزه بجزمته العسكرية قائلاً:

ها قد عدنا يا صلاح الدين!!‏!

انظر أيضا

  • قائمة حكام دمشق
  • قائمة حكام مصر
  • تاريخ الأكراد
  • بيبرس

المصادر

  • رخصة النقل غير التجارى من مسقط نداء الايمان

المراجع

للمصنفين خط كثيرة في سيرته منها:

  • كتاب (الروضتين) لأبي شامة في تاريخ دولته ودولة نور الدين محمود.
  • كتاب (النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية) لابن شداد ويسمى سيرة صلاح الدين
  • كتاب (البرق الشامي) في أخبار فتوحاته وحوادث الشام في أيامه لعماد الدين المحرر
  • (النفح القسي في الفتح القدسي) لعماد الدين أيضا
  • (صلاح الدين وعصره) لمحمد فريد أبوحديد
  • (حياة صلاح الدين الأيوبي) لأحمد بيلي المصري.

مراجع أساسية

  • Bahā' al-Dīn Ibn Shaddād (2002). The Rare and Excellent History of Saladin. Ashgate. ISBN .
  • Imad ad-Din al-Isfahani (1888). C. Landberg (ed.). Conquête de la Syrie et de la Palestine par Salâh ed-dîn (in French). Brill.CS1 maint: unrecognized language (link)

مراجع ثانوية

  • Bosworth, Clifford (1989). Van Donzel, E.; Heinrichs, W. P.; Pellat, Ch. (eds.). . The Encyclopaedia of Islam. VI. E. J. Brill. ISBN . Retrieved 2008-05-18.
  • Gabrieli, Francesco (1984). Arab historians of the crusades. London: Routledge & Kegan. p. 362. ISBN . Unknown parameter |coauthor= ignored (|author= suggested) (help)
  • Gillingham, John (1999). Richard I. Yale English Monarchs. New Haven: Yale University Press. p. 378. ISBN .
  • Grousset, René (1970). The epic of the Crusades. tr. Lindsay, Noël. New York: Orion Press.
  • Lane-Poole, Stanley (1906). . Heroes of the Nations. London: G. P. Putnam's Sons.
  • Lyons, M. C.; Jackson, D.E.P. (1982). . Cambridge University Press. ISBN .
  • Minorsky, Vladimir (1953). Studies in Caucasian history. London: Cambridge University Press.
  • Rossoff, Dovid (2001). Linas, Eli (ed.). Where heaven touches earth : Jewish life in Jerusalem from medieval times to the present. Jerusalem: Guardian. ISBN .
  • Runciman, Steven (1990). A History of the Crusades: The Kingdom of Jerusalem and the Frankish East 1100-1187. 2 (2nd ed. ed.). London: Penguin. ISBN .CS1 maint: extra text (link)
  • (أرمنية) Ter-Ghevondyan, Aram N. (1965). Արաբական Ամիրայությունները Բագրատունյաց Հայաստանում (The Arab Emirates in Bagratuni Armenia). Yerevan: Armenian Academy of Sciences.

قراءات إضافية

  • Bowman, Alan K. (1986). Egypt after the pharaohs 332 BC-AD 642 : from Alexander to the Arab conquest. Berkeley: University of California Press. ISBN .
  • Gibb, H.A.R. (1973). The Life of Saladin: From the Works of Imad ad-Din and Baha ad-Din. Clarendon Press. ISBN .
  • Hindley, Geoffrey (2007). Saladin: Hero of Islam. Pen & Sword. ISBN .
  • Husain, Shahnaz (1998). Muslim heroes of the crusades : Salahuddin and Nuruddin. London: Ta-Ha. ISBN .
  • Reston, James (2001). Warriors of God: Richard the Lionheart and Saladin in the Third Crusade. New York: Anchor Books. ISBN .
  • Scharfstein, Sol (1997). Chronicle of Jewish history : from the patriarchs to the 21st century. Hoboken, N.J. : KTAV Pub. House. ISBN . Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

وصلات خارجية

  • Stanley Lane-Poole, "The Life of Saladin and the Fall of the Kingdom of Jerusalem", in "btm" format
  • Richard and Saladin: Warriors of the Third Crusade
  • Rosebault Ch.J. Saladin. Prince of Chivalri
  • De expugnatione terrae sanctae per Saladinum A European account of Saladin's conquests of the Crusader states. (Latin)
  • Saladin: The Sultan and His Times, 1138–1193
  • Saladin Grave on www.findagrave.com http://www.findagrave.com/cgi-bin/fg.cgi?page=gr&GRid=8092624
ألقاب ملكية
سبقه
Al-'Āḍid
الخليفة الفاطمي بمصر
سلطان مصر
1171–1193
تبعه
العزيز عثمان
سبقه
الصالح إسماعيل
أمير دمشق
1174–1186
تبعه
الفضل
  1. ^ History - Saladin
  2. ^ [http://www.zakirat-akka.com/Public/aswar2010.pdf صلاح الدين الأيوبي طفولته وصباه وفعالياته في ريعان شبابه ووفاته ) 1138 م - 1193 م(, الأسوار]
  3. ^ SIBERRY E. (1995), “Images of the Crusades in the Nineteenth and Twentieth Centuries”, in RILEY-SMITH J. (ed.), The Oxford Illustrated History of the Crusades, Oxford University Press, Oxford, p. 366
  4. ^ (68) LYONS M. C. and JACKSON D. E. P. (1995), Saladin: The Politics of the Holy War, Cambridge University Press, Cambridge
  5. ^ الجزري، شمس الدين ،تاريخ الجزري، مصورة د.محمد عبد الحي محمد شعبان، جامعة إكسترا، تحت رقم 4128.
  6. ^ Moors' Islamic Cultural Home souvenir III, 1970–1976 Islamic Cultural Home, 1978, p. 7.
  7. ^ وفيات الأعيان وانباء أبناء الزمان/ابن خلكان/الجزء السابع صفحة 152/دار صادر بيروت 1994
  8. ^ السيف المهند في سيرة الملك المؤيد: بدر الدين العيني (ص 89).
  9. ^ ها قد خرجتم يا غورو !!
تاريخ النشر: 2020-06-04 19:48:30
التصنيفات: صفحات مرشحة كمقالة مختارة, Pages using deprecated image syntax, Pages using infobox royalty with unknown parameters, CS1 maint: unrecognized language, Pages with citations using unsupported parameters, CS1 maint: extra text, مواليد عقد 1130, وفيات 1193, أشخاص من تكريت, أيوبيون, قادة عسكريون مسلمون, الحروب الصليبية, مسلمون من الحروب الصليبية, أكراد, تاريخ الأكراد, تاريخ العراق, تاريخ الهلال الخصيب, سلاطين مصر, تاريخ سوريا, الهلال الخصيب

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

وزير خارجية السعودية في سوريا لأول مرة منذ 2012

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:24:07
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 68%

الجيش السوداني يتهم قوات حميدتي باستخدام المدنيين كدروع

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:23:42
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

الإتّحاد الإفريقي لكرة القدم تقنية جديدة لضمان النزاهة

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:24:18
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 50%

انقطاع بث راديو أم درمان الرسمي لليوم الرابع على التوالي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:23:50
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 60%

الصحة العالمية تعلن نفاد المخزون الطبي في معظم مستشفيات السو

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:23:58
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 50%

الإفتاء: إعلان رؤية هلال شوال بصفحتنا على الفيس بوك مساء الخميس

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:23:40
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 35%

"الطلقات تتساقط علينا".. استغاثة طالب مصري مقيم بالسودان (في

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:23:54
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 70%

الثقافة السعودية لإثراء المجتمع وتحسين جودة الحياة

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:25:43
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 88%

ضبط كيان وهمى ينصب على الطلاب الراغبين فى السفر للدراسة بالخارج

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:23:37
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 44%

سعيود يرفض عرض التمديد مع الطائي السعودي

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:24:36
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 53%

الصحافة الإنجليزية تحرج بلماضي بسبب بن رحمة 

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:24:48
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

تكريم عدد من اعوان هيئة الانتخابات

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:24:07
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 67%

سقوط 17 جريحا في حوادث مرور جديدة بجيجل

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:24:09
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

3 سيناريوهات متوقعة.. إلى أين يتجه السودان؟

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:24:02
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 61%

280 ألفاً يحيون ليلة القدر في «الأقصى» المبارك

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:25:05
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 86%

الجيش السوداني يعلن وقفا لإطلاق النار الساعة 18 بتوقيت الخرطوم

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:25:35
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 90%

وزير الخارجية السعودي يصل إلى دمشق في زيارة رسمية

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:25:03
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 92%

قوات الدعم السريع تحرق عدد من طائرات الجيش في قاعدة نجومي با

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:23:46
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 70%

ارتفاع عدد المستفيدين من منحة البطالة بجيجل الى 51 ألف بطال

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:24:16
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 70%

اخبار سعيدة يحملها نادي روما لعوار و لانصار المنتخب الوطني 

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:24:29
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 63%

الرابطة المحترفة الثانية: الاقتراب من استئناف النشاط

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:24:03
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 70%

روسيا: الشراكة مع الصين لها تأثير في الاستقرار العالمي

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-18 15:25:33
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 88%

تحميل تطبيق المنصة العربية