محمد بن عمر الواقدي

كتاب المغازي للواقدي.لقراءة الكتاب، اضغط على الصورة.

أبوعبد الله محمد بن عمر بن واقد السهمي (130هـ/747م - 11 ذوالحجة 207هـ/27 إبريل 823م) عالم مدني سكن في بغداد. كان إلى حفظه المنتهى في الأخبار والسير والمغازي والحوادث وأيام الناس والفقه. لكنه -على سعة فهمه- متروك الحديث، متهم بتعمد الكذب. وهومعروف بالتعصب لأهل المدينة، وبالانحراف عن خصومهم وبخاصة أهل العراق.

كان فهم التاريخ الإسلامي عند نشأته يقوم على دراسة سيرة النبي وأخبار الغزوات، وكانت المدينة المنورة مركز هذا النشاط؛ لكونها عاصمة الرسول والخلفاء الراشدين من بعده، ومكان تجمع الصحابة الكرام.

واعتمد المؤرخون الأول على الروايات الشفهية في تدوين السير والمغازي شأنهم في ذلك شأن أصحاب الحديث النبوي، وجمعت الخط التاريخية الأولى بين الحديث والتاريخ، وكانت خط المغازي والسير هي أظهر ما يمثل هذه الظاهرة؛ فقد دفع اهتمام المسلمين بحياة الرسول وأفعاله وأقواله إلى عكوف الفهماء وعنايتهم بكتابة سيرته ومغازيه، وكان من الطبيعي حتى تبدأ حركة التدوين الرقمي في المدينة ملتقى الصحابة ومركز تجمعهم، وهم حملة الفهم ومَن شهدوا مع الرسول دعوته وتابعوا حركتها ونموها وسطوعها.

وقاد الحركة التاريخية في مدرسة المدينة عدد من جهابذة الفهماء وهم في الوقت نفسه من أبناء الصحابة، يأتي في مقدمتهم أبان بن عثمان بن عفان، وعروة بن الزبير بن العوام المتوفى (94هـ= 712)، ثم حمل الراية من بعدهم طبقة ثانية من الفهماء انتهت زعامتها إلى محمد ابن شهاب الزهري المتوفى (124هـ= 741م)، الذي يعد من أعظم مؤرخي المغازي والسيرة، ويرجع إليه الفضل في تأسيس مدرسة التاريخ في المدينة، وهوالذي منح السيرة النبوية إطارها الذي نعهده إلى اليوم.

ثم تابع جهود "الزهري" نفر من تلاميذه منهم: موسى بن عقبة المتوفى سنة (141هـ= 758م)، ومعمر بن رشاد المتوفى سنة (154هـ= 770م)، ومحمد بن إسحاق المتوفى سنة (151هـ= 768م) وهويعد أشهر تلاميذ الزهري، وإليه تنسب أقدم خط السيرة التي وصلت إلينا.

وإلى جانب ابن إسحاق ظهر معاصر له خط في السيرة هوأبومعشر السندي، واحتج الأئمة بتاريخه، ووصفه أحمد بن حنبل بأنه بصير بالمغازي، ومحمد بن عمر الواقدي الذي انتقلت إليه زعامة مدرسة المدينة وإن انتقل إلى العراق وعاش بها بقية حياته.

حياة الواقدي

ولد محمد بن عمر الواقدي في المدينة سنة (130هـ= 747م)، وأخذ الفهم عن شيوخ عصره، فاتصل بمالك بن أنس، وأخذ عنه الحديث، وتتلمذ على يد سفيان الثوري وابن جريج ومعمر بن راشد وغيرهم، وكما أخذ المغازي والسير عن أبي معشر السندي، وظل عاكفًا على طلب الفهم حتى نال شهرة واسعة في عصره، وعُد بعد ابن إسحاق في اتساع الفهم بالتاريخ، بل فاقه في دقة المادة الفهمية، والعناية بتحقيق الأحداث وتوضيح الإطار الجغرافي الذي يتصل بمسقط الأحداث.

وحينما زار الخليفة هارون الرشيد المدينة في حجه سنة (170هـ= 786م) دلّوه على الواقدي، ليرشده إلى المواضع المقدسة في المدينة، ويحتفظ ابن سعد بخبر واف عن هذه الحادثة سجلها على لسان الواقدي في كتابه الطبقات الكبرى.

ولما ضاقت الحال بالواقدي وكان كريمًا لا يمسك مالاً في يده مضى إلى بغداد سنة (180هـ= 796م)، ومنها إلى الرقة حيث كان الخليفة هارون الرشيد في ذلك الوقت فأكرم وفادته. وفي عهد المأمون تولى قضاء الرصافة سنة (204هـ= 819م)، وكان الخليفة المأمون يثق به ويقدره. ويروى أنه حين تقدم منه ليسأله قضاء ديونه التي كان كرمه وسخاؤه يسقطانه فيها على الدوام؛ فخط الخليفة على هامش الرقعة: فيك خلتان: سخاء وحياء؛ فالسخاء أطلق يديك بتبذير ما ملكت، والحياء حملك على حتى ذكرت لنا بعض دينك، وقد أمرنا لك بضعف ما سألت..".

وكان الواقدي شغوفًا بجمع المعارف المنتشرة في عصره؛ فنسخ ما أمكن نسخه من الخط التي أمكنه الحصول عليها، ويروى أنه هجر بعد وفاته أعدادًا هائلة من الخط من نسخ غلامين مملوكين له كانا يخطان له بالليل والنهار، وكانت هذه الخط هي أساس نشاطه الأدبي الخاص الذي ضم ميادين عديدة.

منزلة الواقدي

ولا يختلف أحد على فهم الواقدي الواسعة بالمغازي؛ فيقول الخطيب البغدادي: هوممن طبَّق ذكره شرق الأرض وغربها، وسارت بخطه الركبان في فنون الفهم من المغازي والسير والطبقات.

وكما أجمع الفهماء على إمامته في فنون التاريخ أجمعوا على ضعفه في الحديث؛ فأعرضوا عن الرواية عنه، بل وبالغ بعض أئمة الحديث في اتهامه بالضعف. ومن أبلغ الأقوال التي حاولت إنصاف الرجل ما نطقه المضىي في كتابه "سير أعلام النبلاء": "وقد تقرر حتى الواقدي ضعيف يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج. أمَّا في الفرائض فلا ينبغي حتى يُذكر، فهذه الخط الستة ومسند أحمد وعامة من جمع في الأحكام نراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء بل ومتروكين، ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر شيئًا، مع حتى وزنه عندي أنه مع ضعفه يُخط حديثه ويُروى؛ لأني لا أتهمه بالوضع، وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه".

وقد تتلمذ على الواقدي كثيرون، منهم أبوبكر بن أبي شيبة، ومحمد بن يحيى الأزدي وسليمان من داود الشاذكوني وغيرهم، غير حتى أشهر تلاميذه هومحمد بن سعد صاحب الطبقات الكبرى الملقب بمحرر الواقدي.

نطقوا عنه

نطق عنه الشاذكوني: إما حتىقد يكون الواقدي أصدق الناس، وإما حتىقد يكون أكذب الناس، وذاك أنه خط عنه فلما حتى أراد حتى يخرج بالكتاب أتاه به فسأله فإذا هولا يغير حرفاً؛ نطق: وكان يعهد رأي سفيان ومالك ما رأيت مثله قط.

نطق ابن المديني: الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي، لا أرضاه في الحديث ولا في الأنساب ولا في شيء.

نطق ابن سعد: نطق الواقدي: ما من أحد إلا خطه أكثر من حفظه، وحفظي أكثر من خطي.

نطق يعقوب بن شيبة: لما تحول الواقدي من الجانب الغربي ينطق إنه حمل خطه على عشرين ومئة وقر؛ وقيل: كان له ستمئة قمطر خط.

نطق المضىي: استقر الإجماع على وهن الواقدي.

مؤلفات الواقدي

تضم قائمة مؤلفات الواقدي خطًا كثيرة في الفقه والقرآن والحديث والتاريخ، وقد أوردها ابن النديم في كتابه الفهرست، مثل: كتاب غلط الحديث، كتاب السنة والجماعة وذم الهوى، كتاب الترغيب في فهم القرآن. وتضم خطه في التاريخ أكثر من ثمانية وعشرين كتابًا يهجرز معظمها حول العهد الإسلامي دون الجاهلية التي يظهر أنه لم يكن ذا دراية واسعة بها، ومعظم خطه فقدت، مثل: أخبار مكة، يوم الجمل، صفين، مقتل الحسين، سيرة أبي بكر ووفاته، أمر الحبشة والفيل. وأهم خطه هي:

- التاريخ الكبير، ويتناول فيه أحداث التاريخ الإسلامي الهامة حسب تاريخ وقوعها، ووصل فيه إلى أحداث سنة 179هـ، وقد حفظ الطبري في كتابه "تاريخ الرسل والملوك" مقتطفات من هذا الكتاب.

- كتاب الطبقات: وهوفي تاريخ طبقات المحدثين في الكوفة والبصرة، وتظهر أهميته بما يكشف عن علاقة الحديث بالتاريخ منذ وقت مبكر، وعلى مثاله ألف تلميذه ابن سعد طبقاته المعروفة.

وينسب إلى الواقدي خط فتوح الشام ومصر، وفتوح البهنسا وما فيها من العجائب وما سقط فيها للصحابة، وفتوح إفريقية. وهذه الخط الثلاثة مطبوعة وتنسب خطأ إلى الواقدي؛ لأنه يلاحظ عليها أنها تحمل الطابع الأسطوري الذي لا يعهده الواقدي، كما حتى فيها إشارات إلى شخصيات من القرن السادس والسابع الهجريين، وهوما يجزم بأن هذه الخط في حالتها هذه التي وصلت إلينا ليست للواقدي.

كتاب المغازي

اقرأ نصاً ذا علاقة في

كتاب المغازي

ولم يبق من خط الواقدي التي هجرها سوى كتابه "المغازي"، وقد نشر "فون كريمر" الثلث الأول منه في المخطة الهندية، وطبع في كلكتا سنة (1273هـ= 1856م)، ثم نشر الكتاب كاملاً "مارسدن جونس" بدعم من جامعة أكسفورد.

والواقدي في كتابه المغازي لم يُعن كابن إسحاق بالفترات السابقة للإسلام، ولا بالعصر الجاهلي، وإنما عُني بالسيرة، وقد ذكر في أول كتابه مصادره الأساسية التي اعتمد عليها، وهي خمسة وعشرون اسمًا من شيوخه، ومعظمهم من أهل المدينة أوعاشوا فيها. وهذه القائمة المذكورة في بداية الكتاب لا تضم جميع من روى عنهم الواقدي مباشرة، وإنما الذين اعتمدت عليهم روايته الرئيسية فقط.

ويُعنى الواقدي في كتابه بالتدقيق في التواريخ، ويهتم بإيراد نصوص الوثائق، مثل: بعض أوامر النبي (صلى الله عليه وسلم)، ومعاهداته، ورسائله، ويكثر من الاستشهاد بالشعر، ولكن في قصد لا يبلغ حدود ابن إسحاق في عنايته بإيراد الشعر.

ويتبع الواقدي خطة ثابتة في عرضه المغازي؛ فيبدأ بذكر عام خروج الغزوة من المدينة ورجوعها، ثم يتبعه بأخبار الغزوة، وهي تتألف من خبر رئيسي واحد أدمج فيه بعض الأخبار، ويذكر في نهاية الغزوة في غالب الأحيان نائب النبي (صلى الله عليه وسلم) على المدينة في غيابه، وبعض الأشعار والآيات التي تحتوي على إشارة للحادث الذي يعالجه. ويهتم الواقدي بتحديد المواقع الجغرافية، حتى لقد بلغ الحرص به حتى زار بعض تلك المواقع بنفسه.

وفاته

ظل الواقدي موضع تقدير الخلافة العباسية؛ فأبقاه الخليفة في منصبه في القضاء حتى تُوفي في (11 ذي الحجة 207هـ/27 إبريل 823م) كما بقي محل إكبار الفهماء والمؤرخين، فأكثروا من الاقتباس من مؤلفاته كالطبري الذي روى كثيرًا عنه وبخاصة من كتابه التاريخ الكبير.