العمارة والفنون في إيطاليا

عودة للموسوعة

العمارة والفنون في إيطاليا

The Sistine Chapel ceiling in Rome painted by Michelangelo, one of the most famous examples of Italian art
Madonna by Gentile da Fabriano.

امتزج الفن، امتزاجاً وثيقاً بالحياة الإيطالية. وكانت المدينة هي المركز الأساس لمظاهر هذا الفن. وقد أدت روح المنافسة إلى تفتح مراكز الفنون وازدهارها، إضافة إلى ما قدمته القوى السياسية، ومختلف عناصر المجتمع الأخرى، من تشجيع. ووصلت فعالية بعض البلديات في القرنين الحادي عشر والثاني عشر إلى أوج ازدهارها حتى زاحمت السلطات الإقطاعية وسلطة الكنيسة. وما الأبنية العامة، في المدن الإيطالية، إلا مرشد من الأدلة الكثيرة على دور المدن والإقطاع والكنيسة. وقد عبرت عن نفسها بمظهر إيطالي الطابع في فنون العمارة والنحت والتصوير، إضافة إلى رعاية الفنون الأخرى والآداب والعلوم. فإذا كانت رومة الحديثة تدين بأجمل ما فيها من أعمال فنية للبابوية ومؤسساتها، وكانت البندقية تدين بالأعمال الفنية فيها إلى مؤسساتها الجمهورية، فإن فلورنسة لم تبلغ ما بلغته من مجد فني وفكري لولا أسرة دي ميدتشي[ر] Dei Medici.

The Marriage of the Virgin by Raphael.

وقد ساعدت الإدارة الذاتية وتشجيع رعاة الآداب والفنون على تحديد مفهوم مدينة الفن الذي كان من حق معظم المدن الإيطالية حتى تطالب به لقباً لها، فلا يستحق هذا اللقب مدن مثل رومة ونابولي وفلورنسة والبندقية وميلانوفحسب، بل يستحقه كثير من المدن الأخرى التي قامت في حقبة من تاريخها بدور العاصمة أيضاً. ومن هذا الخليط المرتبط بتاريخ إيطالية في القرون الوسطى يبرز كيانان اثنان: بيمونت Piemonte في الشمال، ومملكة النورمان في الجنوب، ويرتبط النشاط الفني فيهما بالمنطقة أكثر من ارتباطه بالمدن، باستثناء نابولي وبالرمووليتشه Lecce من مملكة النورمان. ومع ذلك فإن الرغبة في إعادة تجميع المدن في خريطة سياسية مبسطة تحققت عموماً في مطلع القرن الخامس عشر. اقتبس الرومان فنهم من خليط مختار من الطرز اليونانية والآسيوية ومن الاسكندرية فجمعوا فيه بين التحفظ والضخامة والرشاقة، غير أنهم لم يمزجوا في يوم من الأيام هذه الصفات لينشئوا منها تلك الوحدة التي هي من أسس فهم الجمال. ويُعد مجمع الأرباب (البانتيون) من عجائب الصروح أكثر مما يعد واحداً من روائع الفن، إذ إذا الفن كان يهدف إلى بلوغ الغاية في الصلابة والاقتصاد والمنفعة، وإلى افتتان العصامي بالضخامة والزينة، وميل الجندي إلى الواقعية وإلى فن المحارب ذي القوة والبطش. وما من شك في حتى الرومان قد أنشؤوا مدناً تقع في المقدمة بين أكثر المدن فتنة وروعة في التاريخ. وأوجدوا فناً مرناً تصويرياً ومعمارياً في مقدور جميع إنسان حتى يفهمه، وشادوا مدينة يستطيع جميع مواطن حتى يعيش فيها وينتفع بها.

The Taking of Christ by Caravaggio, c. 1602.

واتى دور الكنيسة، بدءاً من عام 402م، بعد الفن الإتروسكي ثم الروماني لتضع بصماتها في مدينة رافينّة عاصمة الامبراطورية والبرابرة والبيزنطيين على التوالي. إذ اتسم جميع عهد من عهودها بأبنيته المميزة مثل «ضريح غالا بلاتشيديا» Gala Placidia، وضريح تيودوريك، وكنيسة القديس فيتالي، وفيها زادت الصلة بالقسطنطينية لقدوم الصناع الشرقيين، واختلاطهم بالمهندسين الإيطاليين، وفي دخول الأنماط الشرقية وامتزاجها بالأنماط الإيطالية، مما أدى إلى ظهور الطراز الهندسي الشرقي كما في ضريح غالا بلاتشيديا المؤلف من قبة فوق قاعة لها هيئة صليب (عام 450م) يضم الضريح الذي دُفنت فيه بلاتشيديا. وفيه النقش الفسيفسائي الذائع الصيت الذي يمثل المسيح في صورة الراعي الصالح. وكان استيلاء بليساريوس على رافينّة من الأسباب التي عجلت بفوز الفن البيزنطي في إيطالية. فأقيمت فيها كنيسة القديس فيتالي (547م) في عهد جستنيان وزوجته تيودورة، وبعد عامين من افتتاح هذه الكنيسة افتتح أسقف رافينّة كنيسة القديس أبوليناريوس الجديدة في كلاسيس، التي ُشيدت وفق التصميم البازيليكي الروماني القديم، وتظهر على تيجان الأعمدة المختلطة الأشكال مسحة بيزنطية تدلّ عليها أوراق نبات الأقنثوس (شوك الجمل) الملفوفة الملتوية المسماة أيضاً نبات الخرشوف، على خلاف ما كان يظهر في الأنماط اليونانية والرومانية القديمة. وتعد هذه الكنيسة من أشهر كنائس شبه الجزيرة الإيطالية التي تكاد تكون كلها معرضاً عظيماً للفنون الجميلة.

تزامنت غزوات اللومبارديين (569-774م) مع تراجع شديد الوضوح للحضارة الإيطالية، لكن فوزات شارلمان أدت إلى نهوض الفنون وارتقائها من حديث قبل القرون الوسطى. وأنتجت العمارة الرومانية في إيطالية كثيراً من الكنائس والكاتدرائيات في أكثر مدنها مثل بارمة Parma ومودِنة Modena وبيزة Pisa وبياتشنتسه Piacenza ولاسيما في لوكّة Lucca. وتقدم هذه الأمثلة جميعاً خصائص مشهجرة تسمح بتحديد سمات مدرسة ذات أصل لومباردي كاستخدام الطنف القليلة البروز فوق الجدران، وسلاسل العقود الزخرفية الصغيرة في قابلاتها الغنية بالنحت، وتواتر الأروقة المرتكزة على مجموعة من الأسود، وأبراج الأجراس المنفصلة عن الكنيسة، يضاف إلى ذلك تزيين المحراب الروماني بالصور والفسيفساء المتنوعة الألوان والأشكال مما يشهد على تضافر ضروب من الأساليب الفنية، وقد أطلق في إيطالية على العمارة الرومانية لقب العمارة اللومباردية، وهي متأثرة بالفن البيزنطي وبمدرسة نهر الراين في ألمانية، كما حتى المسقط الأفقي لأغلب كنائس هذا العصر كان من الطراز البازيليكي. ومن العمائر التي اختصت بها إيطالية في ذلك العصر دون سواها من بلاد أوربة، المباني التي يدعى جميع منها مبنى المعمودية، وهوبناء مستقل شيد أمام الكنيسة، في أغلب الأحيان، على شكل مستدير أومثمن، أما برج الناقوس فيبنى منفرداً دائماً، وقد يتصل أحياناً بالكنيسة بأروقة أوماشاكلها. وتعد مجموعة بيزة المعمارية من أشهر العمارات الرومانية في إيطالية، وفيها كاتدرائية بيزة المشيدة سنة 1063م، وهي من أجمل كنائس هذا العصر. وفي بيزة كذلك برج بيزة المائل الشهير الذي شُيد عام 1174م، ويرتفع إلى ثمانية طوابق بشكله المستدير، أما سبب ميله فيرجع إلى خلل في أساساته.

يُعد دير القديس غاليانوالذي بناه رهبان فرنسيون عام 1224، أول بناء اعتمد العمارة الإيطالية القوطية التي بلغت النضج في القرن الرابع عشر في أبنية مثل: كاتدرائيات سيينا وفلورنسة وأورفييتووهي من الطراز القوطي الفرنسي المتموج الزخارف، وأما العمارة القوطية المدنية فتبدوجلية في القصور التي تمتاز بأبراجها ذوات الشرفات كما في سيينّة وفلورنسة (القصر القديم Palazzo Vecchio) وفي فيرونة وبولونية. ومع ذلك، فإن إيطالية كانت أقل اهتماماً بالفن القوطي الذي انتشر في بلاد كثيرة، إذ لم تكن أنماطه الصريحة تتفق مع التنطقيد الفنية لدى الشعب الإيطالي ومع مزاجه الذي هوأقرب إلى العاطفة منه إلى المنطق. ومن أكثر الأعمال الإيطالية القوطية بروزاً: كاتدرائية دوموDuomo في ميلانوالتي شيدها أول دوق لميلانوعام 1386م، وهي من أكبر الكنائس في أوربة، إذ تحتوي على حرم يبلغ طوله 46 متراُ وعرضه 16 متراً، وارتفاع نادىماته 16متراً، وتحمل تيجاناً منحوتة يبلغ ارتفاعها ستة أمتار ونصف المتر. ثم كاتدرائية القديسة ماريا دل فيورى Maria del Fiore في مدينة فلورنسة التي صممها المعماري أرنولفودي كامبيوArnolfo di Cambio وهناك كذلك كاتدرائية سيينّة، وهي من أشهر الكنائس القوطية في إيطالية وقد اشهجر في إقامتها وزخرفتها جميع فناني سيينّة. أما ما يتصل بالألوان فإن نفوذ الفن البيزنطي واضح التأثير والسيطرة، فضلاً عن حتى تزيينات المحاريب وزخرفتها غالباً ما كان يقوم بها فنانون يونانيون، وقد بلغ فن الفسيفساء الصقلي آنئذٍ كمالاً تشكيلياً يتعذر تجاوزه كما في مدن مونرياله Monreale وبالرموPalermo وتشيفالوCevalu.

ومن الطبيعي حتى تظل البندقية، بحكم مسقطها الجغرافي وماضيها، على صلة عميقة بالتقليد البيزنطي، كما يشاهد في فسيفساء القديس مرقص. ويعد أسلوب الفنان تشيمابوى Cimabue مثلاً على النهج البيزنطي قبل التصوير الزيتي في عصر النهضة الإيطالي. وقد ابتكر الكثير من الرسوم الجدارية (الفريسكو) في أسّيزي Assisi والكثير من صور العذراء. وبشر الفنانان جيوتو(1266-1337م) Giotto في بادوا، ودوتشيو(1260-1340م) Duccio في سيينة، بانبعاث عصر النهضة. فكان الأول بخبراته في المنظور والفراغ، والثاني بسحر شخوصه وأناقتها، وقد مهد الاثنان السبيل أمام فكر مدرسة سيينا Sienna وتفتحه.

وظل أسلوب فن النحت في القرنين الثالث عشر والرابع عشرحلاً وسطاً بين أسلوب نحت التوابيت الحجرية في العصور الغابرة والتكيف مع الأشكال القوطية الفرنسية: ويرجع الفضل في ازدهار النحت القوطي الإيطالي إلى أسرة بيزانووهم نيقولا وجيوفاني وأندريا ونينو، وإلى جاكوبودلا كويرشيا وأندريا أوركانيا A.Orcagna من مدينة فلورنسة.

وصل الفن الإيطالي في مطلع القرن الخامس عشر إلى منعطف حاسم، فإلى جانب الأشكال القوطية الحية مثل قصور البندقية، ارتسمت في الأفق جمالية جديدة ارتكزت على الإعجاب بالعمارة القديمة والتحمس لها لما في جعبتها من عناصر تزيينية، مثل الأعمدة والركائز المخددة وزخارف مداخل الأبنية، في حين استعاد الإنسان ثقته بنفسه وبعودته إلى الآداب الإغريقية ودراستها، مما بشر بولادة إنسان حديث يحمل في دخيلته النزعة الإنسانية. وانطوى هذا العصر على خليط هائل وغريب من الأفكار والنزعات المتعارضة والمتصارعة، ونشأت في فلورنسة الحركة الفكرية التي أبدعت نزعة تتطلع إلى الارتقاء بمستوى الإنسان وعقله بتقديس الماضي الاتباعي Classical وبعثه من حديث من دون الوقوف عند محاكاته.

وتجلت العمارة الفلورنسية بمجملها في نتاج عبقريتين فذتين في حدسهما وتلقائيتهما هما برونيليسكي (1377- 1446م) Brunelleschi صانع قبة الكاتدرائية، وألبرتي (1404- 1472م) Alberti الذي ابتكر قصر روتشيلاي Rucellai وقابلة كنيسة سانتا ماريا نوفيلا S.M.Novella أما التجديد في التصوير فقد كان في البدء من صنيع مازاتشيو(1401-1429) Masaccio الذي تلقى عن صديقه الفنان والمعماري برونيليسكي قواعد المنظور وعن المثّال دوناتِلّوDonatello الواقعية، فوجد في المنظور والكتل ما يلزمه من العناصر الجوهرية للتكوين الفني واتىت شخوصه مجسمة تجسيماً مناسباً ويبدوذلك واضحاً في لوحة «طرد آدم وحواء من الجنة» ولوحة «دفع الجزية» (في كنيسة سانتا ماريا دل كارميني بفلورنسة)، وبقي فرا أنجليكو(1387-1455م) Fra Angelico أميناً للتقنية القوطية في أعماله الدينية المؤثرة المفعمة بروحانية أخّاذة (دير القديس مرقص في فلورنسة) ومع ذلك فقد آثر المصورون في النصف الثاني من القرن الخامس عشر تبني إنجازات عصر النهضة من دون التخلي عن السمات المحلية. ومثّل پييرودلا فرانشيسكا Piero della Francesca أوابد توسكانية التذكارية بتحفته الفنية الرائعة «سيرة الصلب» (في سان فرانشيسكوداريتسوd'Arezzo). أما فنانوالبندقية مثل أسرة بليني Bellini فقد أضفوا على تصوير القرن الخامس عشر سمة زاهية وطُرُز العهود الغابرة العذبة.

النحت

وجد النحت كما العمارة أساتذته في فلورنسة التي برزت فيها موهبتان متكاملتان على امتداد النصف الأول من القرن الخامس عشر، وهما: جيبرتي[ر] (1378- 1455م) Giberti، الذي ظل مرتبطاً بثقافة القرون الوسطى والاختصاصي في خلق نماذج التماثيل ورسم المنظور، الشديد الإعجاب بالقدماء وواقعيتهم (تمثال الفارس المأجور غاتلاميلاتا في بادوفة) إضافة إلى أسرة دِيلاّ روبيا Della Rubia الفنية التي اختصت بصناعة الفخار المطلي بالمينا، وبيزانيلو[ر] Posanello الذي كان مصوراً ومن أعظم صناع المداليات في زمانه، وبولاّ يوولو[ر] Pollaiuolo الذي أعاد للفن الجنائزي بهاءه كما هوفي القرون الوسطى (قبورالبابا سيكستي الرابع والبابا إنوسنت الثامن).

وعندما نصّب البابوات أنفسهم رعاة للفنون في القرن السادس عشر، غدت رومة بعد فلورنسة عاصمة للفن، ونزح كثير من الفنانين إليها، ومنهم برامنتي (1444- 1514م) Bramante، مبتكر الفسحة ذات الإيقاع الموزون التي كثر استخدامها من بعده (تناوب الكوى والركائز والمشاكي على القابلة تناوباً منتظماً). فقد غادر برامنتي ميلانووتوجه إلى رومة ليجهز المدينة البابوية وبلاط بلفيديري في الفاتيكان، قبل وضع مخطط كنيسة القديس بطرس، إلا حتى موته حال دون إتمام هذه التحفة الفنية الرائعة. وبدا رافائيل Rafaello وميكيلانجلومن أكثر متمميها أمانة. ومع ذلك فإن المخطط الأولي الذي صممه برامنتي لم يسلم من التبديل، وانتشر أسلوب القرن السادس عشر في تام شبه الجزيرة الإيطالية. ففي رومة، أدخل فينيولي أسلوباً سُمي لاحقاً بأسلوب «الجزويت» أواليسوعيين (كنيسة يسوع). أما في التصوير، فقد أسهم عدد من الفنانين الأفذاذ في إنتاج روائع فنية مثل دافينشي Davinci وميكيلانجلوورافائيل. وكان هؤلاء الفنانون أساتذة في التكوين واختيار الألوان، كما حتى عبقرياتهم لاتتشابه إطلاقاً، فلوحة دافنشي «عذراء الصخور» (1506-1508) تتعارض ورؤيا ميكيلانجلوالدرامية والنصبية «يوم الدينونة» (1536-1541م) في كنيسة السيستين في رومة، في حين يتطابق رافائيل في تزيينه لمقصورات الفاتيكان وحجراته بانسجام مع الصفاء التقليدي ونضارته. أما تيتيان (تيتسيانو) Tiziano فقد وقف فنه على الجمال الأنثوي بانضباط حازم في تصوير الوجوه.

وقامت البندقية، بعد تأخر ليس بالطويل، بدور مهم في تطوير فن التصوير بفضل اندفاع تنتوريتو[ر] Tintoretto المبدع وأناقة فيرونيزي Veronese وبموازاة هذا التطور الفني انتشر تيار التكلفية Manierisme وكان رائده الفنان بارميجيانينو(1503-1540م) Parmigianino وينتمي إلى هذا التيار الفلورنسي برونزينوBronzino في التصوير، ويوليوس رومان في العمارة. أما فن النحت، فقد هيمن عليه، بمواهبه النادرة، ميكيلانجلوصانع تمثال داود (فلورنسة) وتمثال موسى الشهير (رومة). وفيما بين القرنين السادس عشر والسابع عشر اشتهرت شخصيات فنية ضليعة مثل: كارافاجيو(1573-1610) Caravagio الذي ابتكر كيفية التضاد المسرحي الدرامي، وامتد تأثيره إلى أوربة. وأسرة كاراكي التي أسست في مقاطعة بولونية مدرسة كانت في الأصل المدرسة الانتقائية[ر] الأكاديمية (سقف قاعة فارنيزي، رومة) وفي فترة ازدهار نزعة التكلف نشأ قرب نهاية القرن السادس عشر تطور فني سمي بالباروك. وقد امتدت فترة الباروك الإيطالية طوال القسم الأعظم من القرن السابع عشر. ويُعد برنيني Bernini المهندس والنحات والمصور، مرسي معالم الجمالية الجديدة التي فرضها على رومة في «صف أعمدة القديس بطرس» و»نبع الأنهر الأربعة«، وممثل عصر الباروك الأكبر.

وبرز كذلك بورّوميني Borromini بمخيلته التي استبد بها التأثير المسرحي والأجواء الغريبة (كنيسة سان اييس ديالا سابيانس ـ رومة) وبييترودا كورتونا P. da Cortona (1596-1669م) الذي كان من أبرز المصورين والمعماريين في رومة، في حين رسخ الأب بوتسو[ر] (1642-1709) Pozzo من الجيل الثاني، نفسه مفهماً ماهراً في رسومه الخداعة التي توهم بالحقيقة (سان اينياتش، رومة، 1685م).

شهد القرن الثامن عشر تطوراً موازياً لشيوع الكثير من التيارات الفنية، ففي البندقية، زين تيوبولو(1696- 1770م) Tiepolo عدداً من القصور والكنائس بالرسوم الجدارية والزيتية (الفردوس وقصر دوكالى) التي تميزت بتوهج مواده وبهرجتها وبتلوينه فكان واحداً من ممثلي طراز الروكوكو، وهوالفن الأرستقراطي الذي عهد بإفراطه في الأناقة أسلوباً وموضوعاً، ويعد تتمة للباروك ومرحلته الأخيرة، ودشّن جميع من كاناليتو(1697-1768م) Canaletto وگواردي (1712- 1793م) Guardi نوعاً فنياً سُمي «المنظر» Panorama ويبرز في أعمالهما ولعهما بالتفاصيل ودقة المنظر التخطيطي للمدينة، وشهد القرنان الثامن عشر والتاسع عشر تباعاً عودة إلى الاتباعية الجديدة Neo classicisme التي يمثلها النحات كانوڤا (1757- 1822م) Canova، وإلى الإبداعية Romantisme التي تزامنت مع الوحدة الإيطالية، ولكن هذه المدرسة الأخيرة لم تقدم أي عمل إيطالي ذي شان ثم أعقبتها مباشرة مدرسة الحقائق Veisme التي تمثلت في إنسان المصور جوڤاني فاتوري Fattori (1825- 1908م)، الذي ابتكر تأليفاً لا يخلومن الشاعرية. وقد كان هذا الفنان عضواً رئيسياً في جماعة تعهد باسم «التلطيخيون» faiseurs des taches التي تكونت في فلورنسة نحو1850-1860م وحافظت على نشاطها حتى عام 1880م، وقد اتصفت هذه المدرسة، وهي من أكثر الحركات أهمية في فن القرن التاسع عشر الإيطالي، بواقعية وضاءة مفعمة بالجاذبية والوضوح طبقت في رسم المناظر الطبيعية بوجه خاص، وقد ضمت هذه المدرسة الكثير من الفنانين التوسكانيين الذين خاضوا صراعاً فنياً لم ينفصل يوماً عن جوالإحياء والبعث السياسي والروحي.

Jeanne Hébuterne in Red Shawl by Modigliani.

ولد الفن الإيطالي الحديث في عام 1910، وسعى جميع من الفنانين سڤريني Severini وبالا ّBalla وكارا Carra في التصوير، وبوتشيوني Boccioni في النحت، إلى إدخال الأشكال الحية في نتاجهم. فأسس مارينتي Marinetti المدرسة المستقبلية Futurisme، المعاصرة للتكعيبة الفرنسية، ومع ظهور البيان المتعلق بهذه المدرسة في عام 1910 كانت المستقبلية قد بترت شوطاً بعيداً في التعبير عن الحركة في الحياة الحديثة، وجلب إليها المعماري سانت إيليا Saint Elia مخططاته الشاعرية حول مدينة المستقبل، وابتكر جورجيودي كيريكوde Chirico في المدة نفسها، التصوير الميتافيزيقي الذي انتسب إليه جميع من كارا وجورجيوموراندي (1890- 1964م) Morandi المجدد في تصوير الطبيعة الصامتة، بإقحامه الأشكال في جومخلخل ومبسط. أما موديلياني (1884-1920م) Modigliani فقد عثر في مونبارناس (في باريس) الجوالذي استهواه حتى وفاته. وكان للفن التجريدي رائده في إنسان الفنان مانييلي Magnelli الذي كان له أثر كبير في الحياة الفنية الإيطالية لاسيما بعد الحرب.

كانت الفاشية، مع ما حققته من الانجازات الجليلة في العمارة، عهداً جامداً أخمد انطلاقة الفنون التي لم تسترد حياتها إلا بعد الحرب العالمية الثانية. وناهضت جماعة «الجبهة الجديدة للفنون» Fronte Nuova delle arti تياراً واقعياً كان يمثله في التصوير غوتوزوGuttuso وفي النحت مانتسوManzu ومارينوماريني[ر] M.Marini بتيارتجريدي يدور في قطبه سانتومازوSantomaso وبيرولّي Birolli وآفروAfro وكريّبا Crippa وتوركاتوTyrcato وفيدوفـا Vedova في التصوير، ومينغوتسي Minguzzi وكونساغراConsagra في النحت. وكان عام 1952عاماً فاصلاً لفن إيطالية فيما بعد الحرب، وذلك بظهور شخصيات فذة في تورينو، وفي رومة خاصة مثل كابوغروسي Capogrossi، وبورّي Burri وفي ميلانومثل فونتانا (1899-1968م) Fontana مؤسس المدرسة الفضائية Spatialisme.

وفي ميلانو، التي كانت من أكثر المراكز الإيطالية نشاطاً آنذاك، أبصر التصوير النووي Peinture Nucleaire النور عام 1951م على يد باج دانجيلوBaj d'Angelo، في حين هيمن روتيلا Rotella رسام الملصقات الجدارية على رومة، ومنذ ذلك التاريخ ظهرت على المسرح الفني جماعات فنية كثيرة مثل: جماعة الفن البصري Art visuel وجماعة الفن الهندسي الجديد Neo-geometrisme وجماعة التجميع Assemblage. ومع بروز أسماء شخصيات فنية أمثال لوتشيودل بتسوPezzo، وأدامي Adami وبستوليتوPistoletto، واشتهر في النحت الذي لم يعامل معاملة التصوير، جميع من گارلي Garelli وسومايني Somaini وفرانشينوFranchino وبفضل مبادرة «جماعة السبعة» الفعالة، نشأت إبان العهد الفاشي، العمارة الوظيفية Architecture fonctionnelle التي ازدهرت منذ نهاية الحرب على يد المعماريين برونوزڤي Bruno zevi وڤيگانوVigano وذلك قبل حتى يمنح نيرفي Nervi لهذه العمارة جلالها وجزالتها في قصر المعارض الشهير في تورينو(1948-1949)، وفي محطة نابولي المركزية (1954) وفي صالة المؤتمرات في قصر اليونسكوفي باريس (1953-1957). وتعد ميلانواليوم مركز العمارة الإيطالية الحديثة فبفضل متحف العمارة، ومعرض الثلاث سنوات، والعقلية المغامرة، ورعاة الفنون والآداب والعلوم، غدت ميلانوأكثر مدن أوربة فعالية، وتدل على ذلك ناطحة السحاب «بيرلّي» (1958م) Pirelli للفنان المعمار دجيوبونتي.

يتجلى الفن الإيطالي في النصف الثاني من القرن العشرين في النظم التقليدية عمارة وتصويراً ونحتاً وزخرفة وصناعة أثاث، كما يتجلى في الوسائل اليومية: كالسيارات والملابس وأدوات الاستعمال المنزلي. واحتلت «التلاؤمية الجمالية» مكانها المرموق (معرض السنتين في ريميني ومعرض الثلاث سنوات في ميلانو) وذلك بفضل دجيوبونتي، وجوي كولومبوColombo وغاي آولينتي Gae Aulenti وقد شهدت المدة بين 1975 و1976م تحول الفنانين إلى الجماهير العريضة، واتصفت أيضاً بظهور عدد كبير من النساء الفنانات كما اتسمت بتطور التصوير الضوئي Photographe والفن التصويري Performance والتصوير التلقائي Peinture gestuelle الذي ينخرط في عداده عدد كبير من الفنانين الإيطاليين الكبار.

ولابد من الإشارة أخيراً إلى إسهام الفنانين الإيطاليين الفعال بإثراء الحركات الفنية والاتجاهات العالمية الجديدة المذكورة آنفاً، إضافة إلى الفن الشعبي Pop art والواقعية المتطرفة Hyperrealism والفن الحركي Art Cinetique. ويعد «الفن الفقير» Arte Povera امتداداً للفن التصويري، وهوفن إيطالي الطابع.


وصلات خارجية

  • Italian Art
  • Sunsite
  • VRpanoramas of Italy by Tolomeus
  • ItalianArtStudio.comItalian and Tuscan style Fine Art
  • Italian Plasma Artist

نطقب:Art of Europe

تاريخ النشر: 2020-06-04 19:54:40
التصنيفات: فن إيطالي, الثقافة الإيطالية, فن حسب الجنسية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

خدمة وشوشة.. "اتجوزت واحد مش شبهى وبقالي 17 سنة بدور على حل"

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-16 03:21:50
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 47%

المحكمة التأديبية تجازى معلمة بخصم 5 أيام من راتبها ببنى سويف

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-16 03:21:05
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 51%

جمارك مطار سوهاج تضبط محاولة تهريب عدد من السجائر الإلكترونية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-16 03:21:19
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 63%

استخراج كود الطالب بالرقم القومى وتقديم الصف الأول الثانوى 2023

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-16 03:20:59
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 63%

التخطيط: 63 مليار جنيه تكلفة تطوير 322 منطقة غير آمنة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-16 03:21:48
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 43%

الجزائر تسجل 36 إصابة جديدة بفيروس "كورونا" خلال 24 ساعة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-16 03:21:15
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

بورصة الدواجن الرئيسية.. أسعار الفراخ والبيض اليوم السبت 16 يوليو 2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-16 03:21:19
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 65%

أدعية الفجر المكتوبة.. وتوقيت صلاة الفجر فى القاهرة والمحافظات

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-16 03:20:56
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 65%

الصلوات الخمس.. مواعيد الصلاة اليوم السبت 16 يوليو 2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-16 03:20:57
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 55%

بايدن: أبحث مع قادة 9 دول بالشرق الأوسط الاستثمار في البنى التحتية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-16 03:20:57
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 57%

إصابة شخصين فى تصادم سيارتين بطريق الإسماعيلية الصحراوى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-16 03:21:05
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

الحكم على رئيس منظمة "روسيا المنفتحة" السابق بالسجن 4 سنوات

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-16 03:21:16
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 63%

محمد منير يبكى خلال حفله فى الإسكندرية (صور)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-16 03:20:58
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

بيان سعودي أميركي مشترك يشدد على الشراكة الاستراتيجية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-16 03:20:56
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 64%

تحميل تطبيق المنصة العربية