حسن التهامي

عودة للموسوعة

حسن التهامي

حسن التهامي

عبد الرحمن حسن التهامي (1924 -تسعة ديسمبر 2009) ضابط من الضباط الأحرار مارس العمل السري قبل قيام الثورة، وشارك في حرب فلسطين عام 1948 اشهجر في ثورة 23 يوليه 1952، ضمن مجموعة الاعتنطقات، إلا أنه لم يكن من أعضاء مجلس قيادة الثورة. ولم يشهجر في التخطيط للثورة ولكنه كُلِّف بمهام محددة ليلة 23 يوليه 1952.

مارس العمل السياسي بعد قيام الثورة. لم يكن من المقربين للرئيس جمال عبد الناصر وقد أبعد بتعيينه سفيراً لمصر في النمسا، وبعد تولي أنور السادات الحكم ظهر مرة أخرى ولعب دوراً كبيراً في مفاوضات السلام مع إسرائيل وانتهى دوره قبل وفاة الرئيس أنور السادات حيث عاد مرة أخرى إلى دائرة الظل.

مولده ونشأته

ولد حسن التهامي عام 1924 في أجهور الرمل، بمركز قويسنا، محافظة المنوفية. تخرج من الكلية الحربية عام 1942، وعُيِّن في سلاح المشاة. تمكن تنظيم ضباط الجيش من تجنيده عام 1945، ثم تباعد، بعد ذلك، عن التنظيم، ضُمّ حسن التهامي إلى تنظيم الضباط الأحرار، وكان ضمن الخلية التي تعمل مع الرئيس جمال عبد الناصر، التي كانت تضم، كذلك، اليوزباشي كمال الدين محمود حملت.


العمل الوطني

في عام 1943، اشهجر حسن التهامي مع كمال حملت في إنشاء تنظيمات خاصة، لمهاجمة أفراد قوات الاحتلال البريطاني، في مصر، والاستيلاء على الأسلحة والذخائر من المعسكرات البريطانية، التي كانت منتشرة في ضواحي القاهرة خصوصاً منطقة شارع الهرم. وكان من أبرز الأعمال، التي قام بها كمال الدين حملت وحسن التهامي، هوتدمير السفارة البرازيلية، في القاهرة، صيف عام 1947، وذلك، بسبب حتى البرازيل كانت عضواً في مجلس الأمن في ذلك الوقت إبان نظر قضية مصر في المجلس، وكان صوتها دائماً يرجح الجانب المعادي لمصر، على الرغم من إعادة التصويت عدة مرات.

شارك في عمليات الفدائيين، في منطقة قناة السويس عقب إلغاء معاهدة 1936، في أكتوبر 1951، وذلك بفهم قيادة تنظيم الضباط الأحرار، وبفهم الرئيس جمال عبد الناصر. فكان يقوم، مع كمال الدين حملت، بتدريب بعض الشباب من طلبة الجامعات وصغار الموظفين على حرب العصابات، وقد استمرت هذه العمليات حتى حدوث حريق القاهرة، في 26 يناير 1952.

واشهجر حسن التهامي في محاولة اغتيال اللواء حسين سري عامر، قائد سلاح الحدود.

الضباط الأحرار الأردنيون

وكان التهامي يمثل حلقة الوصل بين مصر وحركة الضباط الأحرار الأردنيين، حيث كان على علاقة صداقة مباشرة مع اللواء قاسم الناصر نائب رئيس التنظيم، وكان الهدف من هذا الإتصال تنسيق المواقف بين الجانبين والسعي لإنهاء الوجود البريطاني، وقد حصر هدف هذا التنسيق بتعريب الجيش ، وإلغاء المعاهدة البريطانية مع الأردن، وإيجاد معونة عربية إذا أوقفت بريطانيا معونتها للأردن، وليس تصدير الثورة للأردن.[1]

بعيداً عن مصر

سأل جمال الصباغ كمال حملت، قائد التهامي،: هل كان عبد الناصر يعهد توجهات هذا الرجل التي تكشفت بعد رحيله،يا ترى؟ فابتسم ابتسامة هادئة ونطق: هل تفهم حتى حسن التهامي كان في الدفعة الأولي من ضباط الجيش الذين مضىوا بعد الثورة مباشرة للولايات المتحدة الأمريكية في دورة للتدريب، وساعتها أنا سألت الرئيس عبد الناصر، لما ترسله إلي هناك وهومعروف بميوله وأفكاره،يا ترى؟ فضحك جمال عبد الناصر، ونطق لي : الدولة بحاجة دائماً إلي حلقات اتصال وهوحلقة اتصال مع الأمريكان من طرف الثورة.

ولم يكن حسن التهامي من المقربين إلى جمال عبد الناصر، منذ قيام ثورة 23 يوليو1952، ولذلك، تم إبعاده عام 1961، بتعينه سفيراً لمصر في النمسا، ومندوباً دائماً لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

بعد نكسة 1967، طلب العودة إلى مصر، فاستجاب الرئيس جمال عبد الناصر إلى رغبته، وعيّنه أميناً عاماً برئاسة الجمهورية بدرجة وزير عام 1969. وفي عام 1970، عينه مسؤولاً مالياً وإداريا للاتحاد الاشتراكي العربي. ثم عُيِّن أمينا عاماً للمؤتمر الإسلامي.

عهد السادات

بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، في 28 سبتمبر 1970، لعب دوراً كبيراً في تحويل السلطة إلى الرئيس أنور السادات وتصفية خصومه السياسيين، وكان عضواً في المحكمة الخاصة التي قامت بتصفيتهم. وعيّنه الرئيس السادات، بعد ذلك، في نهاية 1970، وزير دولة لشئون رئاسة الجمهورية. وفي عام 1977، منح درجة "نائب لرئيس الوزراء برئاسة الجمهورية.

عيّنه الرئيس السادات، خلال حرب أكتوبر، مسئولا عن الدفاع عن مدينة السويس، عندما حاولت القوات الإسرائيلية اقتحامها، بعد صدور قرار وقف إطلاق النار، في 22 أكتوبر 1973. وفي الذكرى الرابعة لحرب أكتوبر 1973، أي في أكتوبر 1977، منحه الرئيس أنور السادات رتبة الفريق الشرفية بالقوات المسلحة، تقديراً لدوره في الدفاع عن مدينة السويس.

قام حسن التهامي بدور رئيسي وفعال في الاتصالات السرية التمهيدية مع إسرائيل، لإبرام معاهدة السلام. ورافق حسن التهامي الرئيس السادات في رحلته إلى القدس عام 1977. وشارك حسن التهامي في كافة المفاوضات التي أدت إلى توقيع معاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية. ظل حسن التهامي أقرب المقربين للرئيس السادات إلا أنه أدلى في عام 1979 بتصريحات صحفية معادية لليهود وللإسرائيليين نشرت في الكويت وأثارت استياء السادات والحكومة الإسرائيلية، مما أدى إلى عودته مرة أخرى إلى دائرة الظل .

لقاؤه بديان في المغرب

راسبوتين_التهامي

تقدم موشي دايان بخطوات واثقة وابتسامة عريضة نحوالملك الحسن الثاني، وتبعه مرافقه جوزيف بورات، مدير محطة «الموساد» في المغرب. مدّ دايان يده إلى الملك ليصافحه، فسلّم العاهل المغربي على ضيفه الإسرائيلي بمودة. ومدّ دايان يده، من جديد، نحونائب رئيس الوزراء المصري حسن التهامي الذي وقف بجوار الملك الحسن، فامتنع التهامي العابس عن مصافحته. لم يبدُ على وزير الخارجية الإسرائيلي دايان أنه يبالي كثيراً بالموقف الجاف الذي اتخذه رسول أنور السادات. وابتسم دايان، من جديد، ثم نطق لنظيره المصري، بلغة عربية فصيحة: «السلام عليكم». وأجاب التهامي بصوته الغليظ البارد: «وعليكم ما قلتم».

«بمثل هذا السيف، أخضع أجدادي أجدادكم»

التفت موشي دايان نحومرافقه جوزيف بورات، وتسلّم منه صندوقاً أنيقاً، وفتحه أمام الملك، فظهر في داخله سيف أثري. منح دايان السيف إلى الحسن الثاني، ثم نطق بلغة عربية ذات لكنة شامية: «أقدّم لكم، يا جلالة الملك، هذا السيف الكنعاني كهدية، وهوبترة من الألفية الثانية قبل الميلاد». تأمل الملك هدية الجنرال الإسرائيلي باهتمام، فأضاف دايان قائلاً: «يوم خرج أجدادنا الإسرائيليون من مصر نحوأرض الميعاد، استطاعوا حتى يُخضعوا مملكة كنعان والممالك المجاورة لها بمثل هذه السيوف». ابتسم الحسن الثاني وهويتلقى تلك الغمزة في كلام دايان، فأضاف الأخير ضاحكاً: «لم تكن الفانتوم والميغ قد اخترعت بعدُ، يا صاحب الجلالة». شكر الملك ضيفه، ونادىه إلى الجلوس بجانبه، ثم نطق له: «إنّ هذه الأسلحة هي ذكريات حروب قديمة، وقد حان الآن الوقت لكي نصنع السلام بدلاً من الحروب». ثم أضاف الملك، وهويوزع نظراته بين ضيفيه دايان والتهامي: «أردت من خلال هذا اللقاء حتى أجمع الطرفين المصري والإسرائيلي معاً، لأول مرة». ومضى الملك يقول: «إنّ الدكتور التهامي (لم يكن الرجل دكتوراً، في الحقيقة) قريب من الرئيس السادات، وموضع ثقته. وأمّا الجنرال دايان، فمكانته في إسرائيل معروفة. وإنّ كليكما يستطيع التمهيد للقاء بين الرئيسين أنور السادات ومناحيم بيغن». ثم استطرد الملك قائلاً: «إنّ بناء السلام يستلزم التلاقي والتحاور والتفاهم. وأنا آمل حتى يَكسر لقاؤكما هنا حواجز العداء، وأن يؤسس اتصالكما عوامل اللقاء، وأن يسهم حواركما في التوصل إلى حل دائم للصراع القائم في الشرق الأوسط». بادر حسن التهامي إلى إجابة الملك المغربي قائلاً: «ما كنت أتسقط أبداً حتى أقابل هذا الرجل إلا في ميدان القتال، فإما حتى أقتله أوحتى يقتلني. ولولا حتى هذا الاجتماع يقع تحت مظلة الملك الحسن بالذات، ما كنتُ أقبلُ حتى ألقاه».

ابتسم دايان ونطق: «أنا ما جئت إلى قصر جلالة الملك الحسن الثاني إلاّ لكي أسمع ما تطرحه الحكومة المصرية على دولة إسرائيل، من أجل السلام». عندئذ سحب التهامي من جيبه مظروفاً، وأخرج منه ورقة مطوية، ونطق: «هذه رسالة من الرئيس السادات لكم، وفيها تصوره لصلح معكم يقوم على شرطين اثنين. والشرط الأول، هوحتى تقبل حكومتكم تسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي، وليس اتفاقاً منفرداً مع مصر وحدها. والشرط الثاني هوحتى تنفذ إسرائيل القرارين الأمميين 242 و338، بحيث تسترجع مصر والدول العربية جميع أراضيها وسيادتها التي انتزعت بعد عام 1967. وفي اللقاء، تقبل مصر بإنهاء حالة الحرب مع إسرائيل، وتقيم علاقات طبيعية معها، وتنفذ الإجراءات التي تحقق أمنها وأمن الدول المجاورة لها». كان التهامي يتحدث بطريقة أراد منها حتى تبرز ثقته الكبيرة بنفسه، وأنهى رسالة رئيسه قائلاً بصوت إملائي، وهويضغط على الحروف لتحدث سقطاً في نفس الجنرال الإسرائيلي: «هذا جميع ما عندنا، ولكم حتى تقبلوه أوحتى ترفضوه. ولكن ليس هناك سبيل إلى المساومات». سكت دايان، ولم يحاول حتى يقول شيئاً لنظيره المصري. وبدا له (وقد دوّن ذلك، في ما بعد، في الصفحة الرابعة والأربعين، من كتابه «الاختراق») أنّ أسلوب الوزير المصري كان استعلائياً ومتوتراً.

«الواجب علينا هوحتى نضمن أمن إسرائيل»

أحسّ الملك المغربي بأن جوّ اللقاء أخذ ينحومنحىً متشنّجاً، منذ بدايته، فاقترح حتى يمضى مع ضيوفه إلى قاعة الطعام من أجل تناول العشاء، وهناك يمكن حتى يتحدثوا بشكل مستفيض عن المشاكل وحلولها. تقدم الملك نحومائدة ضخمة مستديرة عامرة، ونادى التهامي إلى الجلوس بجانبه، وعلى يساره جلس دايان وبورات، وفي الطرف اللقاء للملك جلس رئيس وزرائه أحمد عصمان، وإلى جانبه وزير الخارجية المغربي أحمد العراقي. وبادر الملك إلى الكلام، فنطق: «إنّ الأراضي العربية المحتلة من طرف إسرائيل هي صلب المشكلة. ونظر الملك إلى التهامي، ونطق له: «أرضكم الآن تحت سيطرة إسرائيل. وهي لن ترضى بإرجاعها لكم من دون ضمانات أمن كافية. إلى غير ذلك فإن الموضوع الذي يجب علينا مناقشته هوكيف من الممكن أن نضمن أمن إسرائيل». وواصل الملك قائلاً: «إنني أعهد حتى الفلسطينيين هم خطر على إسرائيل، وعلى الملك حسين أيضاً. وأعتقد بأن المشكلة الفلسطينية، باعتبارها قضية عربية، يمكن حتى يتدخّل فيها العرب من أجل الوصول إلى حلّ لها يرضي إسرائيل». ثم استطرد الملك المغربي، فمضى يذكر تسقطاته وتصوراته، فنطق: «إنني أعتقد حتى الرئيس الأسد، رغم جميع تصريحاته المعادية لإسرائيل، يفترض أن يجيء إلى السلام. ولكن مجيئه لنقد يكون إلا بعدما تعقد مصر أولاً الصلحَ مع إسرائيل».

انتقل الكلام إلى حسن التهامي، فنطق: «أنا جئت إلى هنا لأبحث إمكانية السلام بين مصر وإسرائيل. وبالرغم من أنني لم أكن أتصور حتى ألتقي بدايان إلا في ساحة القتال، فإنّ هذا اللقاء في حضرة الملك الحسن يرضيني». وأردف قائلاً: «إنّ الرئيس السادات يريد سلاماً مع إسرائيل، ولا يقبل استسلاماً لها. وهويثق بمناحيم بيغن أكثر مما كان يثق بسلفه إسحاق رابين. ويثق كذلك بوزير الخارجية موشي دايان». ابتسم دايان، ونطق: «ونحن أيضاً، في حكومة إسرائيل، نقدّر الرئيس السادات كثيراً، ونثق به». أكمل التهامي كلامه، فنطق: «أقترح حتى نجري جولات من المباحثات المكثفة بيننا، هنا في المغرب، لكي نصل إلى حل لكل القضايا بيننا. ثم بعد الوصول إلى حلول، ننتقل إلى جنيف لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط تشارك فيه جميع الأطراف الإقليمية والدولية». بدا على وجه دايان الاهتمام بما كان يقوله التهامي. فتشجع الأخير، ونطق وهويحاول حتى يغري الجنرال الإسرائيلي: «أنا واثق من حتى حافظ الأسد، وكذلك الملك حسين، يفترض أن يسقطان على اتفاقية سلام معكم، بمجرد حتى توقّع مصر عليها». وأضاف التهامي، وهويبتسم: «وفي ظرف أربع سنوات أوخمس، كحد أقصى، ستحل جميع المشكلة بينكم وبين العرب». وتدخل الملك الحسن الثاني ليكبح جموح خيال الوزير المصري، فنطق له: «ليس باستطاعتك حتى تحدد مواعيد دقيقة للسلام الكامل».

لم يحاول موشي دايان حتى يعلّق على المقترحات المصرية والمغربية التي انصت إليها بانتباه. وحينما ألحّ عليه التهامي ليسمع منه أجوبة على ما قدّمه له من عروض، نطق دايان، وهويبتسم: «تذكّر أنني مجرد رسول من رئيس الوزراء بيغن، وليس من حقي حتى أبدي وجهة نظر في ما تعرضه. لكنني سأعود إلى إسرائيل، وأبلغ أعضاء حكومتها بما سمعته الليلة». لم يبدُ على حسن التهامي الاطمئنان إلى هذه الإجابة، فأحبّ دايان حتى يشجّعه، ونطق له: «أعتقد، في جميع الأحوال، حتى كافة القضايا بيننا قابلة للتفاوض». ارتاح التهامي إلى هذه الإجابة، وظهر عليه بعض الانشراح. وصمت دقائق، وبدا عليه أنه يفكّر في أمر ما، ثم نطق لدايان: «لديّ سؤال شخصي أريد حتى تجيبني عليه بصراحة تامة». وابتسم دايان، ونطق: «اسأل». فجأة، باغت نائب رئيس وزراء مصر الجنرال الإسرائيلي الشهير بسؤال عجيب، إذ نطق له: «قل لي: هل كان جمال عبدالناصر عميلاً لكم،يا ترى؟ وهل كان متآمراً معكم، في حرب 1967؟» (3). فوجئ دايان مفاجأة كبيرة بهذا الكلام الصادر عن حسن التهامي. وكان يعهد أنه واحد من «الضباط الأحرار» الذين رافقوا عبدالناصر في القيام بالثورة المصرية عام 1952. ثم إنه كان يفهم حتى التهامي ظلّ مقرّباً من عبدالناصر الذي عيّنه، في آخر عهده، أميناً عاماً لرئاسة الجمهورية بدرجة وزير. ولم يجد دايان ما يقوله لزميل الزعيم المصري الراحل. ولم ينتظر التهامي إجابة دايان، فأكمل حدثاته بحق رئيسه السابق قائلاً: «إنّ هذا الرجل كان مجنوناً، وأنا سأخط كتاباً كاملاً عنه».

«الراجل ده فضيحة!»

كان حسن التهامي، هذا الذي اختاره أنور السادات، في 16 أيلول/ سبتمبر 1977، ليكون رسوله إلى موشي دايان، صنفاً عجيباً من البشر. ولقد بدا لكل الناس رجلا أفّاقاً، كذّاباً، غريب الأطوار... لكنّ عبدالناصر ظلّ يثق به! وحينما تولى أنور السادات الحكم، بعد وفاة عبدالناصر، مضى أكثر من سلفه في تقريب التهامي إليه، حتى صار سميرَه ونديمه. وكان التهامي يدّعي الفهم والإيمان، ويرخي لحيته البيضاء، ويرتدي ربطة عنق سوداء لا يغيّرها أبداً. وكان يزعم أنّ له «اتصالات مع الجنّ والأنبياء، وأنه يتحدث مع الموتى». ومن الغريب أنّ السادات آمن بما كان يدّعيه صاحبه من «قدرات عجائبية خارقة». وكثيراً ما كان الرئيس المصري يصف صديقه التهامي قائلاً: «فيه شيء للّه، وانه مكشوف عنه الحجاب». ولم يكتفِ السادات باتخاذ التهامي صاحباً، بل رقّاه فجعله مستشاراً له، ونائباً لرئيس الوزراء، وعضواً في مجلس الأمن القومي المصري، ومبعوثاً خاصاً يرسله إلى رؤساء الدول. وزاد فعيّنه مفاوضاً للإسرائيليين... ثم لم يكتفِ السادات بكل هذا، فأنعم على حسن التهامي، بعد حرب أكتوبر 1973، ورقّاه دفعة واحدة من رتبة صاغ إلى رتبة فريق في الجيش المصري!

ولقد روى وزراء السادات وجلساؤه قصصاً طريفة عن «راسبوتين المصري» الذي أصبح في النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين أحد أقرب الرجال إلى قلب وعقل «الرئيس المؤمن». ويذكر محمد إبراهيم كامل، وزير الخارجية المصري الأسبق، أنه كان، في يومثمانية تموز 1978، يقوم برحلة رسمية مع الرئيس السادات إلى مدينة سالزبورغ، في النمسا، وكان التهامي عضواً في الوفد المصري. وأخذ التهامي يسدي النصح إلى محمد إبراهيم تام حول كيفية التعامل مع وزير الخارجية الإسرائيلي موشي دايان الذي كان يحلوله حتى يسمّيه «الأعور الدجال». ونطق التهامي لكامل، وهويتحدث بجدية: «عندما تقابله، إذا لاحظت أنه يراوغ في الحديث معك، فما عليك إلا حتى تقبض يدك اليمنى وأنت تنظر إليه، ثم تحملها أمام وجهه، وتصيح: "يا تهامي". وستجد أنه سيعود إلى رشده على الفور. وبذلك تستطيع التفاهم معه».

ويذكر بطرس غالي، وزير الشؤون الخارجية المصري الأسبق، في كتابه «طريق مصر إلى القدس»، أنّ «التهامي كان مؤمناً بأنه يتلقّى في الأحلام تعليماتٍ خاصة من الرسول، وكان يتصور نفسه صلاح الدين المصري الذي يحمل رسالة الذود عن الإسلام. وكان السادات يرتاح إلى وجوده ويستمتع بصحبته، غير أننا جميعاً كنا نراه إنساناً غير متّسق». ويروي بطرس غالي حادثة سقطت أثناء مأدبة عشاء في مقر وزارة الخارجية الفرنسية، في أيلول/ سبتمبر 1978، حينما أخذ حسن التهامي يتحدث مع الفرنسيين عن اتصالاته مع الجنّ لإطاحة الحكومة الأفغانية الشيوعية. وكان الفرنسيون يستمعون إليه باندهاش. وأسرَّ أحد الدبلوماسيين في أذن غالي: «هل هوحقيقة نائب رئيس وزراء مصر؟». وخجل غالي من حتى يعترف له بالحقيقة المرّة، وبأنه عرّاف الرئيس المصري، وسميرُه، ورافع معنوياته، و«الرجل البركة» ــ كما كان يسميه السادات. وأجاب غالي بأن «التهامي مجرد مستشار خاص للرئيس». وحينما غادر الوفد المصري مقر الـ«كي دورسيه»، بعد العشاء، أسرَّ السفير أحمد ماهر في أذن بطرس غالي بحدثة «فضيحة»، مشيراً إلى التهامي. وأنهى غالي الفقرة الساخرة في كتابه قائلاً: «لقد أزعجنا جميعاً الوجود السريالي للتهامي في الوفد». وروى المحرر المصري الراحل أحمد بهاء الدين، في كتابه «محاوراتي مع السادات»، أنّ التهامي حينما يجلس بين أصدقائه، ينهض فجأة، ويقول بصوت مرتفع: «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته». وأما السبب فسريعاً ما يفسّره هوبقوله: «إن سيدنا الخِضر قد مرّ أمامكم، وألقى السلام، ولكن لا يراه، ولا يردّ عليه السلام إلا من كان مثلي، كُشِف عنه الحجاب».

«كنّا سنستسلم لكم، في لقاء حتى تُبقونا أحياء فقط»

عاد حسن التهامي إلى القاهرة، بعد لقائه السري مع دايان، برفقة رئيس المخابرات العامة المصرية كمال حسن علي. وكان السادات قد بعث الأخير ليرافق التهامي في المهمة الخاصة في المغرب، من دون حتى يفهمه بطبيعتها. ومن العجيب أنّ التهامي أخفى عن مرافقه تفاصيل المهمة أيضاً، ولم يبلغه بأنّ موشي دايان هومن سيلاقيانه في قصر الحسن الثاني في إفران. ثم لما قابلا الملك، رغب التهامي في حتى ينفرد وحده بلقاءة الإسرائيليين من دون مرافقه رئيس المخابرات المصرية. وكذلك عاد كمال حسن علي من المغرب، مثلما اتى، لا يعهد ماذا جرى في قصر الملك الحسن، ولا ماذا حصل، ولا ما قيل. ولقد سجل الفريق كمال حسن علي، في كتابه «محاربون ومفاوضون»، بمرارةٍ، هذه «الإساءة» التي تلقّاها من حسن التهامي. بل إنّ الأخير لم يتورع عن الكذب عليه حتى وهُما يغادران المغرب عائدين إلى مصر. فزعم التهامي لرئيس المخابرات المصرية أنّ ما جرى في قصر إفران يتعلق بـ«صفقة سلاح فرنسية».

على أنّ كذب التهامي وخداعه بلغا حدّاً أخطر حينما قابل السادات، في القاهرة. فلقد نطق له إنّ الإسرائيليين مستعدون للانسحاب من سيناء من دون تأخير، وإنهم يقبلون كذلك الانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة عام 1967. ثم أخذ التهامي يزيّن للسادات عقد السلام مع مناحيم بيغن. وبلغت به الجرأة حدّاً جعله ينسج سيرة مختلقة تماماً على لسان موشي دايان. فنطق التهامي للسادات ــ وهومتأكد من حتى كلامه يفترض أن يلاقي حبوراً في نفس الرئيس المصري ـ إذا دايان أبلغه عندما لاقاه في المغرب بأنّ «حرب أكتوبر 1973 أصابت إسرائيل بزلزال». وإنّ دايان سأله قائلاً (حسبما يزعم التهامي): «لماذا أوقفتم التقدم في سيناء في اليوم الرابع من هجومكم علينا،يا ترى؟ لقد كنا على استعداد لنستسلم لكم، في لقاء حتى تبقونا أحياءً فقط! وكان جنودنا يعطّلون دباباتهم وآلياتهم، ويختبئون بها في مقابر العريش، وبين النخيل، حتى لا يقابلوا الموت على أيدي المصريين. ولم يكن هناك جنديٌ واحد يريد حتى يقاتلكم. وبقينا كذلك حتى اتىتنا الإمدادات الأميركية بالجسرين الجوي والبحري تحمل المدرعات بأطقمها وتنزل في ميدان القتال مباشرةً».

ولا شكّ في أنّ الرئيس المصري سُرّ كثيراً بما سمعه من مستشاره الخاص. ففي اجتماع عقده مع أعضاء المخط السياسي للحزب الوطني الحاكم، يوم 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977، نطق السادات: «إنّ اللقاء الذي جمع التهامي مع دايان، في المغرب، كان ناجحاً جداً، وإنّ إسرائيل قبلت بالانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة». ثم أضاف قائلاً: «لقد صدق هنري كيسنجر حينما نطق لي إنّ «الصراع العربي الإسرائيلي ليس إلا معضلة نفسية قبل جميع شيء. ولوانكسر الحاجز النفسي بيننا وبين الإسرائيليين، فإنّ قضية الشرق الأوسط ستنحل تماماً». هكذا أخذ أنور السادات يعدّ نفسه لكي يفاجئ الدنيا بأسرها بـ«خبطة درامية مذهلة»، تجعل العالم يفتح فاهُ إعجاباً بما سيصنعه !. ___________________________

جعفر البكلي


ولعه بالغيبيات

رُوي حتى حسن التهامي كان كثيراً ما ينتفض واقفاً أثناء الاجتماعات الرسمية لتحية الرسول الخضر الذي كان يقول أنه يراه ماراً.

كما نطق حسن التهامي لموشى ديان، في الرباط أثناء الاعداد لمبادرة السلام، أنه قد رأى رؤيا أطلعته على أسرار تفضح اليهود، وأنه إذا لم يتجاوب ديان وإسرائيل مع مبادرة السادات، فسوف يعلن على الملأ تلك الأسرار. وحسب زعم التهامي، فإن هذا التهديد كان سبباً في التجاوب الإيجابي لإسرائيل مع مبادرة السلام.

الهامش

تاريخ النشر: 2020-06-04 20:16:57
التصنيفات: مواليد 1924, وفيات 2009, أشخاص من قويسنا، المنوفية, عسكريون مصريون, الضباط الأحرار, سفراء مصر لدى النمسا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

دوري روشن.. سيطرة لـ "الوحدة" في مباريات "العدالة"؟

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 12:25:22
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 56%

أمين "الناتو" يدعو لإمداد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 12:25:17
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 59%

في سابقة.. لولا يعين 11 وزيرة في حكومته

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 12:26:42
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 58%

جماعة الدار البيضاء: بيع زقاق "الزرزور" بالحي الحسني قانوني

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 12:26:06
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 69%

عام / القوات البحرية تختتم مشاركتها في تمرين «جسر 23» في البحرين

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 12:27:22
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 53%

أمنيتا بيليه الأخيرتان.. رحل قبل أن تتحققا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 12:25:20
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 60%

اقتصادي / الأسهم اليابانية تغلق على انخفاض

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 12:27:21
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 60%

السفير الفرنسي يقدم أوراق اعتماده لبوريطة بالرباط

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 15:15:36
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 35%

كوريا الجنوبية تبحث مع أمريكا والصين صواريخ جارتها الشمالية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 12:25:14
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 66%

عام / خمسة برامج بجامعة الجوف تحصل على الاعتماد البرامجي الوطني

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 12:27:27
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 56%

عام / أمطار على محافظة الطائف

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 12:27:23
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 65%

جماعة الدار البيضاء: بيع زقاق "الزرزور" بالحي الحسني قانوني

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 12:26:05
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 53%

ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في الفلبين إلى 44 شخصا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 12:25:19
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

في سابقة.. لولا يعين 11 وزيرة في حكومته

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 12:26:40
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 50%

عام / "الزكاة والضريبة والجمارك" تحبط محاولتي تهريب أكثر من 2,9 مليون حبة كبتاجون

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 12:27:24
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

تحميل تطبيق المنصة العربية