بنو عزفي

عودة للموسوعة

بنوعزفي

إمارة العزفيين في سبتة (647-728هـ/1239-1327م)

د. نهلة شهاب أحمد أستاذ مساعد -قسم التاريخ- كلية التربية، جامعة الموصل - العراق

قيام الإمارة

شكلت حالة الضعف والوهن التي دبت في أوصال جسم دولة الوحدين وبوجه خاص بعد مسقطة العقاب سنة 609هـ/1212م([1]) دافعا قويا لتحول بعض مدن المغرب العربي ومنها سبتة عن طاعتها وتقديم ولائها لقوة جديدة تمثلت بالدولة الحفصية التي قامت في إفريقية (تونس) سنة 625هـ/1227م، إذ تقدم أهالي سبتة وأوفد حاكمها المعروف بابن خلاص البلنسي سنة 643هـ/1245م، وفدا برئاسة ابنه في أسطول يحمل هدية إلى الأمير أبي زكريا يحيى الحفصي، ولكن الأسطول غرق بما فيه وكان رد الأمير الحفصي إرسال ابن أبي خالد البلنسي، وابن الشهيد الهنتاني، لحكم سبتة وذلك في سنة 644هـ/1246م([2]). ولكن ابن أبي خالد تمادى في ظلمه وطغيانه لأهل سبتة؛ وهذا ما أثار الحقد والضغينة بينه وبين قائد الأسطول أبي العباس أحمد الرنداحي([3]). ولما توفي الأمير أبوزكريا الحفصي وبويع ابنه الملقب بالمستنصر عثر السبتيون الفرصة للتخلص من تبعيتهم للحفصيين بعد حتى ضاقوا ذرعا من ظلم وجور ابن أبي خالد، وتغافل ابن الشهيد، فاجتمع القائد الرنداحي مع الفقيه أبي القاسم العزفي([4]) الذي ترجع إليه أصول الأسرة العزفية وحرضه على التخلص من ابن خالد وابن شهيد وجعل رئاسة سبتة بيده، ووعده بأخذ الأمر على عاتقه وتحقيق هذه المهمة بنفسه ووافقه أبوالقاسم العزفي. وقام الرنداحي بوضع خطة تم بموجبها القبض على ابن أبي خالد وقتله وتعليقه على سور المدينة، ونفي ابن الشهيد إلى الأندلس([5]). وأعرب أبوالقاسم العزفي إمارته على سبتة واستقلاله بها وذلك في سنة 647هـ/1248م أيام الخليفة عمر المرتضى الموحدي (647-665هـ/1249-1266م)([6]). ثم قام بضم طنجة حيث تقدم أهلها بطاعتهم إليه عندما رأوا ضعف وتدهور سلطة الموحدين وظهور قوة المرينيين، فقام بإرسال قوة من الرجال والرماة على رأسهم القائد أبوالفضل العباسي وكان من كبار أعيان سبتة وبصحبته يوسف ابن محمد بن الأمين. وبعد توطيد الوضع في طنجة، عاد القائد أبوالفضل إلى سبتة وهجر ابن الأمين واليا عليها([7]). وبعد مرور سنة، استبد ابن الأمين بطنجة وانشق عن العزفي ونادى للحفصيين أصحاب أفريقية (تونس) ثم للخليفة العباسي في بغداد وأخيرا لنفسه([8]). ولكن سرعان ما عادت طنجة إلى طاعة العزفيين، وذلك في سنة 665هـ/1266م إذ بعد حتى ملك بنومرين المغرب العربي داخل طنجة ثلاثمائة فارس منهم واستوطنوا فيها وضيقوا على أهلها وأمنعوا في إيذائهم، فطلب ابن الأمين منهم حتى يكفوا أذاهم عن الأهالي لقاء دفع مبلغ من المال لهم، ولكنهم أضمروا الغدر لابن الأمين وقتلوه فثار عليهم عامة طنجة وقتلوهم واجتمعوا حول ابن (ابن الأمين)، ولكنهم خافوا من عقاب وقصاص بني مرين لهم، فخاطبوا أبا القاسم العزفي وطلبوا نجدته، فأوفد إليهم قواته برا وبحرا وأعاد طنجة إلى ملكه، وعين واليا عليها يعهد بابن حمدان يشاركه في حكمها وإدارتها الملأ من أشرافها([9]).

وضم أبوالقاسم العزفي إلى إمارته مدينة أصيلا حيث دخلتها قواته البحرية سنة 663هـ/1264م، وقامت بهدم أسوارها وقصبتها لأنه خاف حتى يسيطر عليها العدوويتمنع فيها([10]).


تطورات الأوضاع الداخلية في سبتة

استمرت رئاسة مؤسس الإمارة أبي القاسم العزفي مدة ثلاثين سنة حتى وفاته سنة 677هـ/1278م([11]). ثم خلفه في الحكم ابنه أبوحاتم أحمد بن محمد بن أحمد العزفي الذي دام حكمه سنة واحدة حيث تنازل عن الإمارة لأخيه أبي طالب عبد الله بن محمد بن أحمد العزفي([12]) الذي وصف بأنه كان من أهل الجلالة والصيانة، عظيم الهيئة والشأن، عالي الهمة وشديد البأس، معظما عند الملوك، بعيد النظر مطاع السلطان، حكم بلاده، ولفها إدارة جيدة، ولكن وقع حتى ثار عليه بعض أهله وأحاطوا بمركز حكمه، ولكنه لم يتخذ أي إجراء ضدهم سوى أنه خرج إليهم وتحدث معهم وأنكر عليهم عملتهم، وسلمهم لتمضية الله سبحانه وتعالى، حيث نطق لهم: "نطق رسول الله e: كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل"([13]).

واستمر حكم أبي طالب لسبتة مدة سبع وعشرين سنة حتى خلع سنة 705هـ/1350م، وتوفي مخلوعا في فاس سنة 713هـ/1313م واتى خلعه بخيانة وغدر من الأمير محمد بن الأحمر المعروف بالمخلوع([14]) حيث وجه ابن عمه أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن الأحمر الذي داهم سبتة بأساطيله واحتلها وقبض على بني العزفي ونقلهم إلى الأندلس([15]).

ولكن هذا الاحتلال لم يدم طويلا، بل سرعان ما عاد العزفيون إلى بلدهم بعد حتى استرد السلطان أبوالربيع سليمان (708-710هـ/1308-1310م) سبتة وأخرج بني الأحمر منها فاستأذنه بنوالعزف بالسماح لهم بالعودة إلى المغرب والقدوم عليه فأذن لهم واستقروا بفاس([16]). ثم عادوا إلى حكم بلادهم في عهد السلطان أبي سعيد عثمان المريني (710-731هـ/1310-1330م) حيث تولى رئاسة الإمارة أبوعمر يحيى بن أبي طالب سنة 710هـ/1310م والذي كان على قدر كبير من الشجاعة، ولكن الظروف لم تكن تساعد على استرجاع بني العزفي لمجدهم الأول، ولهذا نجد حتى الأمير أبا عمر لا يمكث في الإمارة إلا سنة وستة أشهر ثم يخلع سنة 711هـ/1311م، ويعود ثانية إلى حكم إمارته سنة 714هـ/131م، ويستمر في الحكم حتى وفاته سنة 719هـ/1319م([17]) وتولى الإمارة من بعده ابنه أبوالقاسم محمد بن يحيى، وكان آخر أمراء البيت العزفي، فقد خلع بعد ستة أشهر من حكمه في سنة 720هـ/1320م وغادر إلى غرناطة ثم انتقل إلى فاس وعمل محررا لبني مرين، وزهد في تولي المناصب الكبرى في الحكم، فقد أراد السلطان أبوعنان فارس المريني (752-759هـ/1352-1358م) حتى يستعمله على قسنطينة، لكنه اعتذر لبعد الشقة عن ولده وبلده، وبقي يعمل محررا بالحضرة المرينية حتى وفاته([18]).

وتغلب على الإمارة من بعده ابن عمه محمد بن علي بن الفقيه أبي القاسم الذي كان يعمل قائدا للبحرية في سبتة مكان القائد يحيى الرنداحي الذي رحل إلى الأندلس. وقد اضطربت أحوال سبتة في عهده، واختلط الأمر على بني العزفي، فانتهز السلطان أبوسعيد المريني الفرصة وزحف بقواته إلى سبتة، وأسقط إمارة العزفيين وذلك في سنة 728هـ/1327م([19]).

العلاقة بين إمارة العزفيين ودولة الموحدين في المغرب

اتسمت العلاقة بين إمارة العزفيين ودولة الموحدين في المغرب بكونها علاقة طيبة قائمة على أساس التعاون والاحترام المتبادل بينهما. فقد تمتع الأمراء العزفيون بحكمة وكياسة. عملى الرغم من الاستقلال شبه التام الذي كانوا يتمتعون به في إمارتهم، فإنهم كانوا على اتصال بمن بقي من البيت الموحدي معترفين بسلطانهم، فنرى مؤسس الإمارة أبا القاسم يخاطب الخليفة المرتضى في جميع الأوقات، ويطلعه على أحوال إمارته. ففي بداية تأسيسه الإمارة أوفد بكتاب إليه يطلب منه إرسال مندوب من الموحدين للإشراف على حكم الإمارة فبادر المرتضى بإرسال ابن الشرقي. ولكن بعد أشهر أخرجه أبوالقاسم من سبتة وخط إلى المرتضى يشرح له مسببات ذلك، لما بدر من ابن اشرقي من أفعال مشينة، فصدق المرتضى قول أبي القاسم([20]).

وفي سنة 655هـ/1255م غدر القطراني([21]) بالموحدين وانحاز إلى المرينيين وساعد الأمير أبا يحيى بن عبد الحق المريني على دخول سجلماسة واحتلالها والقبض على واليها، لقاء تعيينه واليا عليها. وقد نفذ الأمير أبويحيى وعده وعينه واليا وجعل معه شخصا من بني مرين مع جملة من الفرسان والرجال([22]). ولكن بعد حتى تعاظم أمره وكثر أتباعه وازدادت قوته، واتىه خبر موت الأمير أبي يحيى المريني سنة 656هـ/1256م، ثار القطراني على الدولة المرينية واستبد بسجلماسة وفي الوقت نفسه، خاطب المرتضى الموحدي معتذرا له عما بدا منه من انحياز لبني مرين، ومتقدما له بطاعته وولائه لدولة الموحدين بشرط استقلاله في سجلماسة فوافقه المرتضى، وأوفد له الفقيه أبا عمر بن حجاج قاضيا، وجمعا كبيرا من جنده، وسيدا من الموحدين يسكن في سجلماسة من غير استبداد. وقد استقبل القطراني القاضي ابن حجاج والجند، وصرف السيد ومن كان معه من الموحدين. وكان قد اتفق المرتضى مع القاضي ابن حجاج وقائد الجند على اغتال القطراني بالحيلة. وقد تمكن قائد الجند من قتله. وعندما هدأت أوضاع سجلماسة واستقرت، خط المرتضى بخبر القضاء على القطراني إلى أبي القاسم العزفي([23]).

وفي سنة 658هـ/1258م بعث أبوالقاسم العزفي برسالة إلى المرتضى، وأهالي السواحل، يحذرهم فيها من الاستعدادات البحرية لنصارى قشتالة وملكهم في وادي إشبيلية بهدف احتلال مدينة سلا. فمن صدق بتحذير العزفي خرج من المدينة، ومن تأخر ولم يصدق به اغتال أوأسر، بعد حتى تمكن نصارى قشتالة من مداهمة المدينة والاستيلاء عليها، واستباحتها، حيث قتلوا من وجدوا فيها من الرجال، وأسروا النساء والأطفال، وخربوا المساجد والديار. وبعد حتى سقط ما حذر منه العزفي، وجه الخليفة المرتضى كتابا إليه يشكره فيه على تحذيره من أمر النصارى، ويسأله حتىقد يكون متيقظا من غدرهم([24]). وهذا بعض من فصول كتابه: وإنا خطناه إليكم - خط الله لكم أحمد عاقبة وأجملها واكتف كلاءة وأكلأها وأن تفهموا أنا نعتد بولائكم الخالص، ونحفظ ما لكم ولسلفكم من السوابق والخصائص ونشكر نصائحكم التي ما زلتم إياها تبذلون وخدمتكم التي توالون وتصلون... والله يتولاكم بحفظه وصونه... وقد طرأ في مدينة سلا جبرها الله سبحانه واستنقذها ما قد اتصل بكم مما كنتم أبدا منه تحذرون وبه لفهمكم بزيادة العدوتنذرون... وسقط المحذور... وهوسبحانه يكافئ سعيكم على ما عهدتهم وحذرتهم لأهل السواحل وخوفتهم من فجأة العدوالمخاتل... وإنا لنشكر لكم ذلكم...([25]).

وأوفد المرتضى كتاب شكر إلى أبي القاسم العزفي تثمينا لما أبداه من جهد في تقديم النصيحة والحذر والتيقظ من الأعداء، عندما كشف سنة 658هـ/1258م، عن محاولة النصارى إخراج المسلمين من مدينة شريش([26]).

وأخذ الخليفة المرتضى برأي أبي القاسم العزفي بإقامة المولد النبوي والاحتفال به، وقبل هديته وهي تعبير عن كتابه الموسوم الدر المنظم في مولد النبي المعظم([27]).

العلاقة بين إمارة العزفيين ودولة المرينيين في المغرب

بعد حتى تم للسلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني (656-685هـ/1256-1258م) إخضاع معظم أجزاء المغرب العربي وأنهى دولة الموحدين، بقيت سبتة وطنجة وسجلماسة خارجة عن حكمه وسلطته، فقرر إخضاعهم قبل حتى يبدأ بمهمة الجهاد في الأندلس حتى لا تمتد الثورة من هذه المعاقل إلى باقي المغرب. فبعد حتى عاد من حصار تلمسان، توجه لحصار طنجة التي كانت تحت حكم العزفيين وحاصرهم مدة ثلاثة أشهر ثم ساعده على فتحها سهول مسلكها ومساعدة بعض جنودها الذين حملوا راية الاستسلام ونادوا بشعار بني مرين بسبب خلاف سقط بينهم. فاستغل الجند المريني الفرصة، وسارعوا إليهم وتمكنوا من اقتحام طنجة عنوة وإعطاء الأمان لأهلها وذلك في سنة 672هـ/1273م([28]).

ولما فرغ من أمر طنجة، أوفد ولده الأمير يوسف إلى سبتة فحاصرها، ولكنها صمدت ثم سقطت معاهدة صلح بين الأمير أبي العباس العزفي والسلطان أبي يوسف المريني بشرط حتى يحتفظ الأول بحكم سبتة واستقلال بني العزفي فيها لقاء خراج سنوي يؤديه إلى السلطان المريني([29]).

ثم وضع العزفيون يدهم بيد المرينيين في جهادهم ضد النصارى في الأندلس، مدفوعين بروح الغيرة الإسلامية لا بقصد التبعية للمرينيين([30]). ولكن بعدما تعرضت إمارتهم إلى الاحتلال من قبل بني الأحمر واستردادها من قبل بني مرين([31])، تحولت العلاقة من علاقة استقلال وتعاون إلى علاقة طاعة وتبعية حيث قام المرينيون بعدة محاولات من أجل استرداد سبتة من أيدي بني الأحمر: فقد قام السلطان أبويعقوب يوسف (685-706هـ/1286-1306م) بإرسال جيش بقيادة ابنه الأمير أبي سالم، لكنه فشل([32])؛ ثم نهض السلطان أبوثابت عامر (706-708هـ/1306-1308م) سنة 707هـ/1307م، قاصدا سبتة التي كان عليها عثمان بن أبي العلاء المعين من قبل بني الأحمر حيث قام في محرم سنة 708هـ/1308م بإرسال غارات على نواحي سبتة، ثم أمر باختطاط وبناء مدينة تطاوين([33]) من أجل اتخاذها قاعدة لجيشه المعد لمهاجمة سبتة... وفي الوقت نفسه أوفد كبير الفقهاء أبا يحيى بن أبي الصبر إلى ابن الأحمر يفاوضه في أمر التخلي عن سبتة، وبينما كان ينتظر الجواب سقم السلطان أبوثابت وتوفي في طنجة في شهر صفر 708هـ/1308م، وتولى الحكم من بعده أخوه أبوالربيع الذي جهز جيشا كبيرا بقيادة تاشفين يعقوب الوطاسي، لاسترداد سبتة بعد حتى ضاق أهلها ذرعا بحكم بني الأحمر، منتهزا فرصة غياب الوالي عثمان بن أبي العلاء وعبوره إلى الأندلس بقصد الجهاد. ولما أحس أهل سبتة بقدوم الجيش المريني، تنادوا بشعار بني مرين وثاروا على من كان بسبتة من حامية ابن الأحمر وأخرجوهم منها، وذلك في سنة 709هـ/1309م. وعندما وصل الخبر إلى ابن الأحمر (أبي الجيوش نصر بن محمد) خشي من بني مرين وأوفد وفدا إلى السلطان أبي الربيع يطلب منه الصلح ويسترضيه بالتنازل له عن الجزيرة الخضراء ورندة وحصونها. وقد وافق أبوالربيع على الصلح ووطد علاقته بابن الأحمر بزقابل من أخته، وإرسال المدد والمساعدة له بتجهيز جيش وإرساله إلى الأندلس([34]).

أما بنوالعزفي، فقد استأذنوا السلطان أبا الربيع في الرجوع إلى المغرب فأذن لهم واستقروا في فاس، وكان أبوزكريا يحيى، وأبوزيد عبد الرحمن ابنا أبي طالب عبد الله بن أبي القاسم... أحمد العزفي يرتادون مجالس الفهم بمسجد القرويين في فاس، وهناك التقيا بالسلطان أبي سعيد أيام حكم أبيه من قبله، وتودد إليهما وربطتهما به علاقة صداقة قوية. ولما اعتلى كرسي الحكم، رعى لبني العزفي تلك الصداقة وعقد لأبي زكريا على سبتة وردهم إليها، فقدموها سنة 710هـ/1310م وأقاموا فيها دعوة السلطان أبي سعيد والتزموا طاعته([35]).

ولكن العزفيين أبعدوا عن إمارة سبتة سنة 713هـ/1313م، عندما فوض السلطان أبوسعيد جميع شؤون الدولة إلى ابنه الأمير أبي علي، فقام بتعيين ابن زكريا حيوة بن أبي العلاء القرشي على سبتة وعزل أبا زكريا يحيى العزفي، وأبعده إلى فاس وبصحبته والده أبوطالب وعمه أبوحاتم، واستقروا هناك. ولكن بعد انتفاضة وتمرد الأمير أبي علي على أبيه في فاس، هجر جميع من أبي زكريا يحيى بن أبي طالب العزفي وأخيه أبي زيد، فاس والتحقا بالسلطان أبي سعيد الذي قام بإعادة أبي زكريا ثانية إلى إمارة سبتة في سنة 714هـ/1314م([36]) بعد حتى أخذ والده محمد بن أبي زكريا رهينة عنده من أجل استمرار طاعة العزفيين لدولة بني مرين، ولكن أبا زكريا خلع طاعتهم في سنة 716هـ/1316م، وأعرب استقلاله بسبتة، فوجه السلطان أبوسعيد جيشا بقيادة الوزير إبراهيم بن عيسى البريناني فحاصر سبتة([37]).

وتقدم إليه أبوزكريا يعلل له سبب خلعه طاعة المرينيين لحبس ولده عنه ومفارقته له، وأنه إذا ما عاد إليه فإنه يعود إلى طاعة المرينيين، فأفهم الوزير إبراهيم البريناني السلطان بذلك، فأوفد إليه بالولد ليسلمه إلى أبيه([38]). وعاد أبوزكريا في السنة نفسها إلى طاعة السلطان أبي سعيد، الذي قدم إلى طنجة لاختبار طاعة أبي زكريا فبان له صدقه وأبقاه على إمارة سبتة. واشترط أبوزكريا على نفسه حمل الجباية والهدايا إلى السلطان في جميع سنة، واستمر الحال على ذلك إلى حتى توفي الأمير أبوزكريا سنة 720هـ/1320م([39]).

وتولى الحكم من بعده ابنه الأمير محمد بن أبي زكريا([40]) الذي تغلب عليه ابن عمه محمد بن علي بن الفقيه أبي القاسم قائد البحرية في سبتة. وفي عهده اضطربت ظروف سبتة وأحوال بني العزفي، فاستغل السلطان الفرصة لضم سبتة وإنهاء حكم العزفيين وذلك سنة 728هـ/1327م([41]).


العلاقة بين إمارة العزفيين ودولة بني الأحمر في غرناطة

تعرضت سبتة في عهد العزفيين لخطر بني الأحمر، فقد كانت العلاقة بين الأمير أبي القاسم العزفي والأمير أبي عبد الله بن الأحمر علاقة فتنة وعداء. ففي سنة 662هـ/1263م، وجه ابن الأحمر حملة بحرية بقيادة المدعوظافر لمحاصرة سبتة والاستيلاء عليها، وتقدمت السفن البحرية ودخلت ميناء سبتة على شكل دفعات وأحكموا الحصار على سبتة وبتروا الطرق الواصلة إليها فوجه أبوالقاسم العزفي أمره إلى قائد البحرية أبي العباس الرنداحي بأخذ الاستعدادات وتعمير جميع سفن سبتة للقاءة العدو. والتحم الفريقان. وكان النصر للرنداحي حيث أسر وقتل عددا كبيرا منهم من ضمنهم القائد ظافر حيث ألقيت جثته في البحر، وطيف برأسه في سبتة، وقد سمي هذا العام في سبتة بعام ظافر([42]).

وعلى الرغم من علاقة العداء، لم يتوان العزفيون -بدافع الغيرة الإسلامية- عن تقديم يد العون والمساعدة لبني الأحمر في ظروف المحن والشدة. من ذلك مثلا ما حصل في أواخر أيام الأمير أبي القاسم العزفي، حيث أوفد محمد الفقيه بن الشيخ محمد بن يوسف بن الأحمر وفدا إلى السلطان المريني يعقوب بن عبد الحق يشرح له مخاطر النصارى التي تحيط بالبقية الباقية من الأندلس، فسارع السلطان يعقوب لنصرته في سنة 673هـ/1274م، وخرج من فاس إلى طنجة وطلب معونة أبي القاسم العزفي، فزوده بعشرين سفينة من الأسطول السبتي. وقد حقق الأندلسيون بهذا الأسطول النصر المؤزر([43]).

وفي سنة 678هـ/1229م، حوصرت الجزيرة الخضراء من قبل أساطيل ملك النصارى ألفونسوالعاشر حاكم قشتالة، فأوفد ابن الأحمر يطلب النجدة من السلطان المريني يعقوب بن عبد الحق الذي قام بتوجيه نداء إلى جميع الثغور يطلب منهم تزويده بالسفن الحربية. فكان أمير سبتة أبوحاتم العزفي أول من لبى نداء السلطان وقام بتزويده بخمسة وأربعين سفينة، كما استنفر جميع أهل سبتة وحثهم على الجهاد. فركبوا البحر بأجمعهم ولم يبق بسبتة إلا النساء والأطفال والشيوخ([44]).

وفي سنة 684هـ/1285م عبر الفقيه قاسم بن الأمير أبي القاسم العزفي على رأس خمسمائة رام من أهل سبتة إلى الأندلس برسم الجهاد إلى جانب السلطان المريني يعقوب، وقد قاموا بالإغارة على حصن من حصون القشتاليين، وسبوا ثمانين شخصا، وكرروا إغارتهم على حصون أخرى وغنموا وقتلوا عددا كبيرا منهم([45]).

وفي السنة نفسها بعث السلطان حفيده الأمير أبا علي منصور بن عبد الواحد على رأس مجموعة من المجاهدين، كان من بينهم مائة من رماة سبتة، إلى حصن من حصون النصارى كان بينه وبين المحلة نحوثمانية أميال، كان أهله يقومون ببتر الطريق على من خرج من المحلة منفردا أوفي قلة، فزحف المجاهدون نحوالحصن وتمكنوا من اقتحامه عنوة، وقتلوا وأسروا عددا كبيرا من الرجال وغنموا ما كان فيه، ثم قاموا بهدمه ونسفه([46]).

ثم وصلت في السنة نفسها أخبار تقدم الأسطول النصراني وحصاره لمضيق جبل طارق حتى يمنع اجتياز السلطان يعقوب وهوفي طريقه إلى المغرب، فعاد مسرعا إلى جزيرة طريف واستنجد بأسطول المغرب، وكانت سبتة أول من جهزته بالإمدادات إلى جانب طنجة ورباط الفتح وموانئ الريف، زيادة على إمدادات الجزيرة والمنكب وطريف. واستطاع هذا الأسطول الذي بلغ تعداده ستا وثلاثين سفينة رد أساطيل العدو، وانقلب على أعقابه؛ مما مكن السلطان من الرجوع إلى الجزيرة الخضراء ليستعرض أسطوله الذي قام بمناورات حربية أمامه([47]).

وفي سنة 703هـ/1304م، تواطأ ابن الأحمر محمد بن الفقيه المعروف بالمخلوع مع ملك قشتالة فرديناندوالرابع على مسلمي أهل المغرب، وأوعز إلى ابن عمه أبي سعيد فرج بن إسماعيل صاحب مالقة بمداهمة سبتة بالحيلة، فاحتلها بغتة وذلك سنة 705هـ/1305م وقبض على بني العزفي وحاشيتهم ونقلهم إلى مالقة ثم غرناطة، واستبد أبوسعيد بأمر سبتة وأطرافها وسد جميع ثغورها. واستمر حكم بني الأحمر لسبتة حتى سنة 709هـ/1309م([48]) عندما استرجعت من قبل السلطان المريني أبي الربيع، وعودة بني العزفي إليها([49]).

الدور الحضاري لإمارة العزفيين

احتلت أسرة العزفيين مكانة فهمية مرموقة لما كان لأفرادها من اهتمامات فهمية متنوعة خاصة في المجال اللغوي والأدبي والديني. فقد ورثوا الفضل والفهم صغارهم عن كبارهم. لذا فقد تمتعت سبتة في عهدهم بنشاط فهمي ملحوظ لحبهم ومراعاتهم للفهم والفهماء. فقد كان والد مؤسس الإمارة أبوالعباس أحمد بن محمد بن أحمد العزفي المولود سنة 557هـ/1161م، عالما وقاضيا ومحدثا. إذ قيل في حقه:

برز فهما وعملا ودراية ورواية، وجمع خصالا من الفضل جمة، ولزم التدريس بجامع سبتة مدة عمره، ورحل الناس إلى الأخذ عنه والاستفادة منه([50]).

وقد نظم شعرا في نصرة أهل الحديث حيث نطق:

أهل الحديث عصابة الحــــق فازوا بدعوة سيد الخـلــــق
فوجوههم زهر مـنـضــــرة لألاؤها كتــألــــق الـبـرق
يـاليتنـي معـهم فيدركــــني ما أدركوه بها من السبق([51])

وكان أول من أحدث ونادى إلى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في المغرب العربي. وقد ألف كتابا في هذا الموضوع بعنوان "الدر المنظم في المولد النبوي المعظم"، ولكنه توفي سنة 636هـ/1238م، قبل حتى يكمله([52]).

وقام ابنه مؤسس الإمارة أبوالقاسم العزفي بإكمال الكتاب وإخراجه بنسختين صغرى وكبرى. وهويميز في هذه الأخيرة كلام والده فيترجم عليه بـ"نطق المؤلف"، ثم يعنون زياداته بحدثة "قلت"([53]). وتدريسه بنفسه، وإعطاء الإجازة فيه، وكان من الذين أجازهم الخطيب أبوعلي بن الخطيب أبي فارس بن غالب الجمحي مع جماعة من أهل سبتة وأعيانها، حين قرأوه عليه بالجامع الأعظم في سبتة سنة 657هـ/1258م([54]).

وكان أبوالقاسم يقيم احتفالا كبيرا في يوم المولد النبوي الشريف حيث كانت تقرأ فيه القصائد التي تمتدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآل البيت، وتقام الولائم الكبيرة لإطعام أهالي سبتة أطيب الطعام، كما كان يقوم بتوزيع الهدايا على الأطفال ليلة المولد من باب الإحسان([55]).

وقد أصبح الاحتفال بالمولد النبوي تقليدا سنويا ليس في سبتة فحسب، بل في أنحاء المغرب العربي، حيث كان الشعراء الشعبيون في دولة بني مرين يتبارون بينهم لإظهار براعتهم الشعرية في مناسبة ذكرى المولد النبوي. فقد كانوا يتجمهرون صباح يوم المولد في الميدان الرئيس ويلقون أشعارهم واحدا تلوالآخر، والفائز منهم يحظى بلقب أمير الشعراء. كذلك كان السلطان المريني يقيم احتفالا بهذه المناسبة يستدعي له رجال الفهم والأدب لإلقاء قصائدهم الشعرية، وكان يجزل العطاء للفائزين ولسائر الشعراء([56]).

وقام أبوالقاسم العزفي بإهداء كتاب "الدر المنظم" إلى الخليفة الموحدي المرتضى (646-668هـ/1248-1269م) حيث كان أديبا وشاعرا ظريفا فردد في شعره ما نادى إليه أبوالعباس العزفي في سبتة من إقامة المولد النبوي والاحتفال به حيث نطق:

وافى ربيع قد تعطر نـفـحــــه أزكى من المسك العتيق نسيما
بولادة المختار أحمد قد بـــــدا يزهوبه فخرا وحاز عظيمــــا
بشرى بشهر فيه مولده الـذي ملأ الزمان علاؤه تعظيمــا([57])

وكان لأبي القاسم العزفي اهتمامات فهمية مختلفة. فقد كان فقيها أصوليا نحويا، لغويا، محدثا، عارفا بالرواية وشاعرا مجيدا([58]). وهذه أبيات من شعره في آل البيت المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

ذرية المصطفى إنـي أحـبـــــــكم وحبكم واجب في الدين مفتـرض
فليس يبغضكم، لا كان باغضكم إلا امرؤ مارق في قـلـبـه مـــرض
وحسبكم شرفا في الدهر أنـــكم خير البرية هذا ليس يعـتــــــرض
ولست أطلب من حبي لكم ثمـنـا إلا الشفاعة فهي السؤل والغـرض([59])

وتتلمذ على يده الكثير من الفقهاء والأدباء بينهم علي بن عبد الله بن محمد بن يوسف بن أحمد الأنصاري الملقب بابن قطرال([60]).

وقد امتدح أبوالقاسم العزفي من قبل الفقيه والأديب إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله الأنصاري التلمساني، فنطق:

أرأيت من رحلوا ورزقوا العـيــــا ولا نزلوا على الطلول حسيســـا
أحسبت يفترض أن يعود نسف ترابـها يوما بما يشفى لديك نسـيـســـــا
هل من مؤنس نارا بجانب طورهــا لانيها أم هل تحس حسـيـســا([61])

وكان لابنه الأمير أبي حاتم العزفي اهتمامات فقهية، وكان شيخا ومفهما لمحمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد التلمساني الأنصاري([62]). وقد امتدحته الأستاذة الأديبة الشاعرة سارة بنت أحمد بن عثمان الجلبية لاهتمامه وحبه للفهم والفهماء، إذ قدمت سبتة في أواخر القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي. ومما خاطبت به أبا حاتم:

بشراك يا نفس نلت السؤل والأمــلا وعاد دهرك بعد الجور قد عـــــــدلا
ونلت ما كنت طول الدهر تـأمـلــــه وعنك أضحى العناد والبؤس مرتحــلا
وقد وصلت إلى بحر الندى فهم الهدى أبي حاتم ابن الســادة الفـضـــــــــلا
هـوالـذي صـدره للعـلـم مـنـشــرح وأودع الله فـيـه عـلم مـا جـهـــــلا([63])

أما أخوه الأمير أبوطالب بن أبي القاسم العزفي، فكان من أهل الجلالة والصيانة، حافظا للقرآن والحديث، عالما بالتاريخ، تتلمذ على يد الأستاذ أبي الحسين بن أبي ربيع([64]).

وكان ابنه الأمير يحيى بن أبي طالب العزفي يجمع في شخصه اهتمامات فهمية كبيرة. فقد كان فقيها فاضلا، عارفا بالأصول والفقه والحديث، واللغة والمنطق([65])، ومتتبعا طريقة أصحاب الحديث رواية وضبطا وتقييدا وتخريجا مع براعة في الخط، وكان شاعرا مجيدا ذا فكاهة. وقد تتلمذ على يد مشايخ في سبتة وخارجها قراءة وسماعا وإجازة. فممن أخذ منهم من أهل سبتة أبوإسحاق التلمساني، ومن الجزيرة الخضراء أبوجعفر بن الخميس([66]).

وسار ابنه الأمير أبوالقاسم محمد بن يحيى... العزفي على سيرة والده حيث كان فقيها وشاعرا مكثرا، مليح الفكاهات وشاحا. وقد بز أهل زمانه في الموشحات؛ إذ روي عنه أنه أراق الدواة في محفل جليل فتدارك عملته حيث نطق:

ألا يا كرام الناس غضوا جفونـكم فإني من العمل القبيح مريـــــــب
هرقت دواة وهي كالكأس بينـكم وللرضى من كأس الكرام نصيـب([67])

وقد تفهم الطب ودون فيه، ووصف أنه كان من أهل الظرف والبراعة والطبع المعين، والذكاء المتوقد([68]).

انتقل من سبتة إلى غرناطة بعد حتى خلع عن حكمها سنة 720هـ/1220م، وهناك اشتهر أدبه، لكنه لم يطل المقام حيث عاد إلى المغرب واستقر في فاس وعمل في الخطط الفقهية وخط عن ملوك بني مرين([69]).

ومن نظم شعره ما نطقه في قاضي مدينة فاس محمد بن عبد الرزاق الجزدلي:

وليت بفاس أمور الـقـضــــا فأحدثت فيها أمورا شنيعـــه
فتحت لنفسك باب الفتـوح وغلقت للناس باب الشريعه
فبادر مولى الورى فـــــــاس بعزلك عنها قبيل الذريـعـــه

ومن شعره قصيدة على قافية لام الألف من سبعة وسبعين بيتا وضعها للأمير المريني أبي سالم ومطلعها:

إذا لم أطق نحونجد وصــــــولا بعثت الفؤاد النهار ســــــؤولا
وكم حل قلبــــي رهينـا بـهــا غداة نوى الركب فيها النزولا([70])

أما ابنه الأمير محمد بن محمد بن يحيى العزفي المكنى بأبي يحيى، فكان محبا لسماع الشعر ونظمه وكان صحبته بفاس في حضرة ملوك بني مرين. ومن شعره قصيدة تائية في بحر الكامل في أربعين بيتا حملها لأبي فارس عبد العزيز بن أبي الحسن المريني، بمدينة تلمسان حيث دخلها وفر حاكمها أمامه ومطلعها:

حن الشوق إلى ديار أحـبـتـــــه فسقى الثرى شوقا لذاك بدمعته وامتازه وجدا هبوب نسـيـمـــا لما سرى بيديه طيب تحـيـتــــــه([71])

وكان الأمير عبد الرحمن بن أبي طالب بن أبي القاسم العزفي المكنى بأبي القاسم فقيها ومحدثا، روى عن أبي جعفر بن الزبير، والقاضي ابن عبد الملك، وابن خميس وغيرهم. وقد ألف كتابا بعنوان "الإشادة بذكر المشتهرين من المتأخرين بالإفادة"([72]) لذي الوزارتين أبي عبد الله محمد بن الحكيم الغرناطي([73]). ولكن هذا الكتاب لم يصلنا وعد من الخط المفقودة. ولوكان موجودا لقدم لنا ترجمة لجمهرة كبيرة من رجال القرن السابع، وأوائل القرن الثامن الهجري، مغاربة وأندلسيين، إذ لا يعهد من كتابه هذا إلا بعض التراجم التي نقلت عنه([74]).

وممن ترجم له في كتابه هذا، الشاعر ابن الخبازة الخطابي الذي قدم له ترجمة تعد من أوفى التراجم([75]). وقدم ترجمة لقاضي الموحدين أبي حفص الأغماتي؛ إذ أشاد بمكانته والثناء عليه، ووصفه بالفهم والفضل والعدل في القضاء إلى جانب براعته في نظمه للشعر والنثر، وتطرق إلى يائيته الشهيرة التي ذكر فيها مدحه للنبي e، وذكر شمائله الكريمة ومعجزاته الباهرة، بأبيات تربوعلى ثلاثين ومئة بيت، وذكر أيضا مرثيته الرائية لابن الوزيريين الجد في خمسة وأربعين بيتا وغير ذلك كثير([76]). وترجم لأخيه أبي العباس أحمد العزفي فنطق فيه: "هوأخي الذي بإخائه أزهى وأنتخي، وكبيري المعتمد بإجلالي وتوقيري. ولولا خوفي من حتى يلزمني ما لزم مادح نفسه، لأطنبت في وصف ما له من المحاسن التي فاق بها أبناء جنسه..." ([77])، وأورد له أشعارا منها ما نطقه من مدح الوزير ابن الحكيم:

ملكت رقي بالجمال فاجـمــــل وحكمت في قلبي بجورك فاعدل أنت الأمير على الملاح ومن يجـر ه في حكمه إلا جفونك يـعـــزل إن قيل أنت البدر فالفضل الذي لك بالكمال ونقصه لم يـجـهـــل([78])

كما أورد ابن القاضي أبيات شعر خاطب بها أبا العباس العزفي حاكم غرناطة عند تغريبهم من سبتة إليها حيث نطق: لكم حمى في فؤاد غير مقروب فضائع في هواكم جميع تأنيــب إن كان ما ساءني مما يسركم فعذبوا فقد استعذبت تعذيبـي

وأورد شعرا في حنينه إلى وطنه حيث نطق:


لـي في سبتة سكــن حبه اضغلي سكــن
فهويـزداد جــــده مع إبلائه الزمـــــن
أصبح القلب عنده وبغرناطـة الـبـــدن([79])

وقد مدح العزفيون من حل بسبتة. ومنهم الشاعرة الأديبة سارة بنت أحمد بن عثمان، ومما خاطبت به الأمير أبا طالب عبد الله العزفي قولها:

مولاي بوطالب يا معدن الحكم وكعبة المجد والعلياء والكـــــرم
ومن له شرف من تحته زحـــــل أنـوار سـؤدده نـار على عـلـــم
بان الرشاد بكم في الخلق قاطبـة ولم يكن قبلكم إلا أخا عـــــدم([80])

ومن الشعراء الذين مدحوا العزفيين ابن خميس التلمساني حيث نطق:

بنوالعزفيين الأولى من صدورهم وأيديهم تملأ القراطيس والطـرخ
رياسة أخيار وملك أفـاضـــــــل كرام لهم في جميع صالحة رضـــخ
إذا ما بدا منا جفاء تعطـفــــــوا علينا وإن حلت بنا شدة رخــوا([81])


سقوط إمارة العزفيين

بعد وفاة الأمير أبي زكريا يحيى بن أبي طالب العزفي سنة 719هـ/1319م، تولى الحكم ابنه الأمير أبوالقاسم محمد بن أبي زكريا العزفي، لكنه لم يدم طويلا في حكمه إذ خلغ سنة 720هـ/1220م، وانتقل إلى غرناطة([82]) وسيطر على الإمارة ابن عمه محمد بن علي بن الفقيه أبي القاسم الذي خلف يحيى الرنداحي في قيادة الأساطيل لسبتة. وقد عمت الفوضى واضطربت أحوال سبتة في عهده، فانتهز السلطان المريني أبوسعيد الفرصة، وجهز جيشا قاده بنفسه وتوجه نحوسبتة، فتمكن من احتلالها، وذلك في سنة 728هـ/1327م. فبادر بنوالعزفي وجموع أهالي سبتة بتقديم فروض الطاعة والولاء للسلطان أبي سعيد الذي قام بتعيين كبار رجالاته وخواص مجلسه في إدارتها، إذ عين حاجبه عامر بن فتح مدين العثماني على جبايتها، والنظر في مبانيها وإخراج الأموال للنفقات فيها وكافأ الملأ من مشيختها بتقديم الهدايا والإقطاعات لهم، ثم عاد إلى عاصمته سنة 729هـ/1328م([83]).

وبذلك انتهى دور هذه الإمارة في سبتة التي استمرت ما يقارب قرنا من الزمن، تأرجح حكم العزفيين فيها بين القوة والضعف، مما أثر على طبيعة العلاقة بينهم وبين الدولة المرينية، تلك العلاقة التي تأرجحت هي أيضا بين علاقة استقلال وتعاون وعلاقة طاعة وتبعية.

وجمع العزفيون بين الفهم والسياسة في حكمهم إمارة سبتة، وبرز فيهم الكثير من رجالات اللغة والأدب والفقه، مما انعكس إيجابا على مجمل النشاط الفهمي ورعايتهم المتميزة للفهم والفهماء في هذه الإمارة.

المصادر

  • د. نهلة شهاب أحمد. "إمارة العزفيين في سبتة (647-728هـ/1239-1327م)". التاريخ العربي.
تاريخ النشر: 2020-06-04 21:47:31
التصنيفات: سبتة, تأسيسات 1239 في المغرب, انحلالات 1327 في المغرب, تاريخ المغرب, القرن 13 في المغرب, القرن 14 في المغرب

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الليغا تعلن التقدم بشكوى ضد سان جيرمان

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:18:20
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 52%

ريال مدريد يطوي صفحة كيليان مبابي

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:18:23
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 55%

توقف صلاحية البطاقات الزرقاء نهاية يونيو المقبل

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:17:47
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 62%

مسؤول مغربي: عدوان إسرائيل على القدس انتهاك للقانون الدولي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:18:06
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 71%

بدء استخدام سيارات شفط القمامة في 8 أحياء جديدة بالقاهرة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:17:47
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 55%

وليد الركراكي يتنفس الصعداء قبل مباراة الأهلي

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:18:19
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 60%

‎حكومة تركمانستان تقيم مراسم تأبين لفقيد الوطن خليفة بن زايد

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:18:32
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 62%

صلاح محسن يهدر فرصة هدف محقق للأهلي أمام إنبي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:17:39
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 36%

«صناعة البرلمان»: «مستقبل مصر» مشروع واعد يُحقق الأمن الغذائي للوطن

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:17:51
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 65%

أنت الحكم.. هل تجاهل الصباحي احتساب ضربة جزاء للأهلي أمام إنبي؟

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:17:40
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 45%

إقبال كبير على مجالس إفتاء واعظات الأوقاف

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:17:49
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 50%

خبير فلكي يكشف موعد عيد الأضحى 2022 بالمغرب

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:17:54
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 70%

نجوم الأوبرا للموسيقى العربية تتألق في سماء الشرقية

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:17:44
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 53%

شباب السوالم يوضح حقيقية رحيل زكريا عبوب

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:18:22
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 60%

وزير خارجية السويد ترفض لقاء وفد جبهة البوليساريو

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:17:55
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 82%

مسؤول مغربي: يوجد في البلاد 842 سجينا في قضايا إرهاب

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:17:52
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 73%

تعرف على درجات الحرارة المتوقعة الأحد 

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:17:45
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

«التنسيقية» تعقد جلسة حوارية بعنوان مستقبل الاقتصاد المصري

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:17:48
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 56%

أعضاء حزب وفد الدقهلية يطرحون أفكارا للحوار الوطني 

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:17:52
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 60%

غضب في مدريد بعد قرار مبابي البقاء في باريس سان جرمان

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:17:56
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 85%

بطلها الحكام.. أول لقطة جدلية في مباراة الأهلي وإنبي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-05-22 00:17:40
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 36%

تحميل تطبيق المنصة العربية