پاولو ڤـِرونـِزه

عودة للموسوعة

پاولوڤـِرونـِزه

العيد في بيت لـِڤي (1573)، أحد أكبر اللوحات الزيتية المرسومة على قماش في القرن 16. وقد أثارت تحقيقاً من محكمة التفتيش التابعة للكنيسة الكاثوليكية الرومانية.

پاولوڤـِرونـِزه Paolo Veronese (و.1528 - 19 أبريل 1588) رسام إيطالي يُعَد أحد زعماء مدرسة البندقية. ظهرت معظم رسومه عند نهاية عصر النهضة الإيطالية. كان اسمه الحقيقي باولوكالياري، إلا أنه لقب بفيرونيزي لأنه ولد في مدينة ڤـِرونا. ويعتبر فنه أنموذجًا للفن الڤـِروني لاعتماده على التأثير الشعري للألوان. اشتهر فيرونيزي برسمه للأساطير والشخصيات التاريخية ولتجسيده الأرستقراطيين الفيرونيين. كما قام أيضا برسم شخصيات وأشكال دينية. هذا وكانت معظم شخصياته تبدووسيمة وعنيفة ومرتدية أفخر الملابس في إطار مسرحي متكلف. من بين أعماله الرئيسية، لوحة بعنوان عرس في مدينة كانا المعروضة في متحف اللوفر بباريس، ولوحة المريخ والزهرة المعروضة في متحف المتروبوليتان في نيويورك، ولوحة التصوير الجصي على الجدران والسقوف المعروضة في متحف ڤيلا برباروفي ماسر بالقرب من البندقية.

معركة لـِپانتو (ح. 1572، زيت على canvas, 169 x 137 سم، گالري دل أكاديميا، البندقية)

اتى من فيرونا إلى البندقية في عام 1553 شاب في الخامسة والعشرين من العمر يدعى باولوكاليارى Paolo Caliari، وهوطراز من الشبان يختلف كثيراً عن طراز نتورتو: فهوهادئ، ودود محب للألفة، ينتقد عيوب نفسه، لا ينعمل إلا نادراً. وكان يحب الموسيقى ويمارسها، مثله في ذلك كمثل تنتورتووجميع الإيطاليين المتفهمين تقريباً. وكان سخياً كريم الخلق، لم يسئ قط إلى منافس له، ولم يغضب نصيراً له أبداً. وسمته البندقية إل فيرونيزي Il Veronese وهوالاسم الذي يعهده به العالم، وإن كان قد أحب البندقية فيما أحب من المدن واتخذها موطنا له. وكان له في فيرونا عدد من المفهمين، منهم عمة أنطونيوباديلي Antonio Badile الذي زوجه فيما بعد بابنته؛ وقد تأثر فيها بجيوفني كاروتوGiovanni Caroto برساسورسي Brusasorc؛ ولكن هذه العوامل التي كانت ذات أثر في نشأة أسلوبه سرعان مازالت في لألاء فن البندقية وحياتها القويين. فقد كان تغير منظر السماء وألوانها فوق القناة الكبرى مصدر دهشته على الدوام؛ وكان يعجب بقصور المدينة وانعكاس خيالها واهتزازه في ماء البحر؛ وكان يحسد عالم الأشراف على دخلهم الثابت، وصداقتهم للفنانين، وآدابهم العالية، وأثوابهم المنسوجة من الحرير والمخمل التي تكاد تكون أكثر إغراء للمس من النساء الحسان اللائى يلبسنها. وكان يتمنى حتى لوكان من أولئك الأشراف؛ وكان عملا يرتدي أثواباً شبيهة بأثوابهم محلاة بالمخرمات والفراء، ويقلد مراسيم التكريم التي كان يعزوها إلى الطبقات العليا من أهل البندقية. ولا نكاد نجد له صورة للفقراء من الناس، أوللفقر ذاته، أوللمآسي ، لأن الغرض الذي كان يسعى إليه هوحتى يخلد بصوره هذا العالم المتلألئ المحظوظ من أهل البندقية، وأن يجعله أرق وأجمل مما يستطيع حتى يبلغه الثراء بغير الفن. ولهذا هرع إليه النبلاء والنبيلات، والأساقفة ورؤساء الأديرة، والأدواج وأعضاء مجلس الشيوخ، وأحبوه، وسرعان ما كانت لديه أكثر من عشر مهام يقوم بأدائها.

حكاية الحكمة والقوة، ح. 1580.

وطلب إليه في ذلك التاريخ المبكر من حياته أي في عام 1553 ولما يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره حتى ينقش سقف مجلس العشرة في قصر الدوق. وقد شبه في هذا النقش المجلس بجوبتر قصور جوبتر يقضي على الرذائل، وتوجد هذه الصورة الآن في متحف اللوفر. ولم يكن نجاحه في هذه الصورة نجاحاً يستلفت الأنظار؛ ذلك حتى الأشكال الثقيلة تقفز مزعزعة في الهواء، لأن باولولم يكن قد سرى فيه حتى ذلك الوقت روح البندقية. ثم لم يمض على ذلك الوقت إلا عامان حتى عهد قدر نفسه، وصار غير بعيد من أساتذة الفن في صورة فوز موردكاي التي رسمها على سقف كنيسة سان سباستيانو. وقد أظهر في هذه الصورة وجه البطل اليهودي وشكله واضحين قويين، والخيل نفسها تبدوكأنها خيل بحق. وربما كان تيشيان نفسه قد تأثر بهذه الصورة، وشاهد ذلك أنه لما عهد إليه القائمون على كنيسة القديس مرقص حتى يزخرف مخطة فيتشيا بصورة مدليات مصورة، عهد إلى فيرونيز بثلاثة من هذه المداليات، ولم يسبق لنفسه ولكل واحد آخر من الفنانين الذين اشهجروا معه في العمل إلا واحدة. ووعد هؤلاء المشرفون حتى يمنحوا صاحب أحسن مدلاة سلسلة مضىية، فكان باولوهوالذي نال هذه المكافأة نظير تمثيله الموسيقى في صورة ثلاث فتيات- واحدة منهن تعزف على العود، وواحدة تغني، وواحدة منكبة على الكمان الدجمبي - ومعهن كيوبد يضرب على معزف من نوع البيان، وبان Pan بنفخ في مزاميره. وقد رسم فيرونيز بعدئذ يتحلى بهذه السلسلة المضىية.

ولما حتى أحرز باولوهذه الشهرة العظيمة في التصوير الزخرفي عهدت إليه أعمال درت عليه المال الوفير. من ذلك حتى أسرة برباروBarbaro الشريفة الغنية شادت في عام 1560 بيتاً ريفياً في ماتشير Macer قرب أسولوAsolo حيث كانت تقيم كترينا كرناروملكة قبرص السابقة، وحيث كان بمبوالعاشق الأفلاطوني الواله. ولم يختر آل برباري إلا كبار الفنانين ليجعلوا من هذا البيت: "أجمل بيت للنزهة شيد في عصر النهضة"(35). فاختاروا أندريا بلاديولتصميمه. وألسندروفتوريا لزخرفته بالتماثيل الجصية، وفيرونيزي لعمل المظلمات في السقف والجدران، والبندريلات والكوات، مستمدة من مناظر من الأساطير الوثنية والمسيحية. فقد صور على السطح الداخلي من القبة الوسطى أولمبس- الآلهة الذين يستمتعون بجميع مباهج الحياة ولكنهم لا يهرمون ولا يموتون. ورسم صغار الفنانين وسط مناظر سماوية صورة صائد، وقرد، وكلب بلغ من دقة شكله ويقظته وحيويته ما يجعله خليقاً بأنقد يكون من كلاب السماء. ورُسم عى أحد الجدران خادم يتطلع عن بعد إلى صورة عذراء، وتتطلع هي الأخرى إليه، ثم تمضي لحظة يطعمون هم أيضاً فيها طعام الآلهة، وبهذا بلغ جمال القصر وبهجته درجة لا يمكن حتى يعلوعليها إلا الفنانون الصينيون من مواطني كوبلاي خان Kublai Khan، ولم يكن بد من حتى يطلب إلى باولوحتى يرسم صورة النساء العرايا في وسط هذا الجمع الحاشد من مناظر الحب. على حتى العرى لم يكن الميدان الذي يبرز فيه؛ فقد كان يفضل عليه الأثواب الثمينة الملساء الناعمة تغطي أجساماً شبيهة بالأجسام التي يصورها روبنز، تعلوها وجوه ذات جمال عادي يميزها عن غيرها من الوجوه، ويتوجها شعر مضىي مسدل مسرح. ويرى الإنسان في صورة المريخ وفينوس المحفوظة في متحف متروبوليتان الفني إلهة بدينة قبيحة المنظر، ذات ساق لا شكل لها مصابة بداء الاستسقاء. لكن فينوس تبدوجميلة في صورة فينوس وأدونيس الموجودة في برادولا يفوقها في هذه الصورة إلا شكل الكلب الرابض عند قدميها. وأجمل ما في صور فيرونيزي الأسطورية صورة اختطاف أوربا الموجودة في قصر الأدواج! وتمثل هذه الصورة منظراً ذا أشجار قائمة، والثور المجنح يلقى بالأكاليل وأوربا (الأميرة الفينيقية) جالسة وهي مبتهجة فوق ظهر الثور العاشق، الذي يلعق إحدى قدميها الجميلتين، وتستبين أنه هوبعينه جوبتر متخف بزي جديد. وقد أظهر هذا الفنان الذي صور مناظر في السماء ذوقاً لطيفاً في تصوير مناظر الآلهة. ذلك أنه صور أوربا وعلى نصف جسمها ثياب ملكية، وقد أحرز فيرونيزي في هذه الصور أتم نجاح في رسم أجسام النساء، وبلغ بها حد الكمال في هذا الهجريب فجعلها خليقة بأن يهجر زيوس من أجلها مقامه في السماء. وتروي خلفية الصورة البعيدة بقية السيرة، فتظهر الثور يحمل أوربا فوق مياه البحر إلى كريت، ومن هنا أعطت اسمها للقارة الأوربية- كما تقول السيرة اللطيفة.

العرس في قانا, 1562-1563. اللوڤر.

وسار باولونفسه على مهل قبل حتى يستسلم لتصوير النساء. فقد ظل يجمع النماذج حتى بلغ الثامنة والثلاثين من العمر، ثم تزوج بعدئذ إيليتا باديلي Elena Badile، فولدت له ولدين هم كارلووجبريلي، فهمهما التصوير وتنبأ بنبوءة مبعثها الرغبة والأمل أكثر من بعد النظر، فنطق "سيفوقني شارلي Carletto me Vincera"(36). وعمل فيزونيزي ما عمله كريجيوفابتاع مغرسة في سانت أنجيلودي تريفيزوحيث قضى معظم سني زقابل، يصرف شئونه المالية بحكمة واقتصاد، وقلما كان يبتعد عن كرمته. ولما بلغ سن الأربعين كان أكثر من يسعى إليه الطالبون بين المصورين في إيطاليا كلها، بل كان يتلقى دعوات من البلاد الأجنبية نفسها؛ ولما حتى طلب إليه فيليب الثاني زخرفة الإسكوريال، قدر هذا التكريم حق قدره ولكنه قاوم هذا الإغراء الشديد.

ودعى كما دعى من سبقوه من الفنانين ليرسم السيرة المقدسة للكنائس والعابدين وإنا لنرى جميع شيء جديداً جذاباً في صورة عذراء أسرة كوتشينو(الموجودة في درسدن) بعد حتى رسمت للعذراء ألف صورة وصورة! نرى أصحاب الهبات الوسيمي الوجوه ذوي اللحى السوداء، ونرى الأطفال السذج الحيارى، ونرى شبح الغدر المتشح بلفاعة بيضاء- في صورة امرأة ذات جمال رائع قلما يضارعه جمال آخر حتى في فن البندقية نفسه.

وكانت صورة الزواج في كانا (المحفوظة في متحف اللوفر) هي ذات المنظر الذي يحب فيرونيزي حتى يصوره: وقد جعل خلفية الصورة مباني رومانية، وجعل في مقدمتها كلباً أوكلبين، ومائة إنسان في نحومائة موقف مختلف، وقد رسمهم كلهم كأنه يريد حتى يجعل جميع واحد منهم صورة كبرى قائمة بذاتها، وكان من بينهم صور تيشيان، وتنتورتو، وبسانو، وصورته هونفسه. ومع جميع منهم آلة موسيقية وترية يعزف عليها. وكان باولويختلف عن نتورتوفي أنه لم يكن يعنى أقل عناية بالواقعة؛ فهولم يجعل في صورته المحتفلين رجالا ونساء ممن قد تحتويهم بلدة يهودية صغيرة، بل جعل المضيف من اصحاب الملايين البنادقة، وجعل له قصراً خليقاً بأنقد يكون قدر الإمبراطور أغسطس، فيه الضيوف والكلاب المعروفة السلالة والنسب، واحتوت الموائد ما لذ وطاب من الطعام والشراب. وإذا جاز للإنسان حتى يحكم على المسيح من صور فيرونيزي، نطق إنه قد استمتع بولائم كثيرة بين محنه؛ فنحن نشاهده في اللوفر يتغذى في بيت سمعان الفريسي، ومجدلية تغسل قدمه، ومن حوله نساء حسان يتحركن بين العمد الكورنثية؛ وفي توريز يتعشى في بيت سمعان الأبرص؛ وفي معرض البندقية يتغذى في بيت لاوي. لكننا نرى المسيح في معرض صور فيرونيزي يغشى عليه تحت ثقل الصليب (درسدن)، ونراه يصلب في جومكفهر وأبراج أورشليم قائمة من تحته عن بعد (اللوفر). ولا يفصح فيرونيز عن خاتمة المأساة: فنحن نرى في أموس حجاجاً سذجاً يتعشون مع المسيح ومعهم أطفال ظراف يدللون كلباً يظهر دائماً في صور الفنان.

واعظم من هذه الصور المشروحة للعهد الجديد صور فيرونيزي المستمدة من حياة القديسين وأقاصيصهم: كصورة القديسة هيلينا يكسوها الجمال الرائع، وهي تعتقد أنها ترى الملائكة ينقلون الصليب (لندن)؛ والقديس أنطونيوس يعذبها شاب مفتول العضلات، وامرأة مَلَكية (كائن)؛ والقديس جيروم في البرية؛ تواسيه وتطرد عنه السآمة خطه (تشكاجو)؛ والقديس جورج يرحب في عثر ونشوة بالاستشهاد (في كنيسة سان جيورجيوبالبندقية)؛ والقديس أنطونيوس في بدوا؛والقديس فرانسس يتلقى الوسمات (البندقية)؛ القديس مناس تتلألأ عليه الدرع (مودينا) ويستشهد (برادو)؛ القديسة كترين الإسكندرية تتزوج زواجاً باطنياً بالطفل المسيح (كنيسة القديسة كترينا بالبندقية)؛ والقديس سباستيان يحمل فهم الأيمان والأمل وهويقاد إلى ساحة الاستشهاد (كنيسة سان سباستيانوفي البندقية)؛ والقديسة جوستينا تقابل الاستشهاد وتتعرض للتهلكة المزدوجة في معرض أفيدسي وفي كنيستها في بدوا؛ جميع هذه صور لا يمكن موازنتها بأحسن ما صور تيشيان أونتورتو، ولكنها مع ذلك خليقة بأن تعد من الآيات الفنية، ولعل أجمل منها كلها صورة أسرة دارا أمام الاسكندر (لندن) وهي تمثل ملكة مكتئبة، وأميرة حسناء، راكعة أمام قدمي الفاتح الوسيم الكريم.

ظهور الملاك لهاجر واسماعيل في الصحراء

وقد تجاوز القول إذا باولوبدأ حياته في البندقية بالتصوير في قصر الدوق، ونقول الآن إنه ختمه في هذا القصر نفسه بصور جدارية عظيمة خليقة بأن تستثير شعور جميع روح وطنية في تلك المدينة. ذلك حتى زخرفة داخل القصر بعد الحرائق التي شبت فيه في عامي 1574 و1577 عهد أكثرها إلى نتورتووفيرونيزي، وطلب إليهما حتىقد يكون موضوع الزخرفة هوالبندقية نفسها، التي لم ترهبها الحرائق والحروب؛ ولا الأتراك والبرتغاليون. وقد رسم باولوومساعدوه في قاعة الاجتماع Sala del Collegio على السقف المحفور الممضى إحدى عشرة صورة رمزية غاية في الرشاقة- للوداعة وحمَلها... والجدل ينظر من خلال نسيج عنكبوت من صنعه... والبندقية في صورة ملكة مرتدية فروالقاقوم الثمين، وأسد القديس مرقص راقد في هدوء عند قدميها يتلقى التكريم من العدالة والسلام. وفي إطار بيضي الشكل عظيم الشأن في سقف قاعة المجلس الكبير Sala del Maggior Consiglio رسم صورة فوز البندقية مثل فيها المدينة العظيمة التي لا تضارعها مدينة سواها بإلهة متربعة على عشرها بين الأرباب الوثنيين، تتلقى تاج المجد يهبط عليها من السماء؛ وعند قدميها كبار أعيان المدينة وكرائم سيداتها، وبعض المغاربة يؤدون الجزية؛ ومن تحت هؤلاء كلهم محاربون يقفزون استعداداً للدفاع عنها، وخدم يمسكون بكلاب الصيد من مقودها. تلك أعظم صورة صورها فيرونيزي.

واختير في عام 1586 لينشئ بدل مظلمات جوارينتوGuariento الحائلة اللون صورة تتويج العذراء في قاعة المجلس الكبير نفسها. وقدم الرسم التمهيدي وقبل، وبينما هويستعد لرسم الصورة على القماش إذ انتابته الحمى؛ وروعت البندقية حين ترامى إليها النبأ بأن مصور مجدها الذي لا يزال في عنفوان الشباب توفي في أبريل من عام 1588. وطلب آباء كنيسة سان سباستيانوحتى تدفق جثته في كنيستهم، وعملاً دفن باولوفي هذه الكنيسة أسفل الصور التي جعلت منها موطناً لفنه الديني.

ولقد قلب الدهر حكم معاصريه ووضعه في المرتبة الثانية بعد معاصره القوي تنتورتو. ونحن نظرنا إليه من حيث أصول الفن وجدناه يفوق تنتورتو؛ فقد بلغ في التطبيق، والـتأليف، والتلوين أعلى درجة بلغها فن البندقية. ولسنا نجد صوره المزدحمة مضطربة مهوشة، بل نرى حوادثه ومناظره واضحة، وخلفيات صورة وضاءة ساطعة. على حين يظهر تنتورتوأمير الظلمة إذا وضع إلى جانب هذا العابد للضوء. كذلك كان فيرونيزي أعظم مصور زخرفي في النهضة الإيطالية، وكان على استعداد دائم لأن يبتكر بدعة سارة أومدهشة في اللون والشكل كصورة الرجل الذي يخرج فجأة من وراء ستار نصف مزاح، مخترقاً مدخلاً قديماً، والتي نشاهدها في بيت ماتشر الريفي. ولكنه كان ينهمك مسروراً في تصوير السطوح المؤتلفة إلى حد يحول بينه وبين إدراك الدقائق الصغيرة، والمتناقضات المفجعة، والتناسق العميق وهي الخصائص التي بدونها لاقد يكون التصوير العظيم عظيماً. لقد كان ضعيف النظر لا يرى جميع شيء، وكان حريصاً في فنه على حتى يصور جميع ما يراه، وأكثر مما كان يتخيله مجرد تخيل- كصورة الأتراك يشاهدون تعميد المسيح، والتيوتون في بيت لاوي، وللبنادقة عند إموس، والكلاب في جميع مكان. وما من شك في أنه كان يحب الكلاب، وإلا لما صور جميع هذا العدد الكبير منها. وكان يرغب في تصوير أكثر نواحي الحياة بهجة ولألاء، وحقق رغبته إلى حد لا يضارعه فيه غيره. وقد صور البندقية في رونق شمسها الغاربة ومتعة الحياة الآخذة في الزوال. ولسنا نجد في عالمه الذي مثله في صوره إلا نبلاء ذوي جمال، وزوجات ذوات فخامة وعظمة، وأميرات ساحرات، وفتيات شقراوات شهوانيات، وإنا لنجد بين جميع صورتين من صوره واحدة تمثل احتفالا أوعيداً.

وإن عالم الفن كله ليعهد كيف من الممكن أن استدعى رجال محكمة التفتيش فيرونيزي أمامهم (1573) تطبيقاً لقرار صادر من مجلس ترنت يحرم جميع تعليم خاطئ في الفن، وطلبوا إليه حتى يفصح لهم عن سبب إدخاله كثيراً من الأمور التي لا تمت قط بصلة إلى الحقيقة في صورة الحفل المقام في بيت لاوي (البندقية)، كالببغاوات، والأقزام، والألمان، والمهرجين، وحاملي فئوس الحرب... ورد عليهم باولوفي جرأة قائلا إذا "مهمتي هي زخرفة الصورة بما أراه أنا صالحاً، وإنها كانت كبيرة تتسع لشخوص كثيرة... وإذا ما وجدت في صورة ما مكاناً خالياً يحتاج إلى ما يملؤه، وضعت فيه من الأشكال ما يوحي به خيالي"- ليتوازن به تأليف الصورة من جهة، وتستمتع به عين الشاهد استمتاعاً لا ريب فيه من جهة أخرى. وأمرته محكمة التفتيش حتى يصلح الصورة على نفقته الخاصة، فعمل(37)، وكانت هذه المحاكمة بداية انتنطق فن البندقية من عهد النهضة إلى عهد حركة الإصلاح المضادة.

ولم يكن لفيرونيزي تلاميذ ممتازون، ولكن تأثيره تخطى عدة أجيال ليسهم في صياغة الفن في إيطاليا، وفلاندرز، وفرنسا، تيبولوTiepolo بميوله الزخرفية بعد فترة بينهما خلت من هذا التأثير، ودرسه روبنز بعناية؛ وتفهم أسرار ألوانه، وضخم نساء فيرونيزي البدن يوائم بينهن وبين ما يتسم به الفلمنكيون من سعة ورحابة. كذلك عثر فيه نقولاس بوسَّن Nicolas Poussin وكلود لورن Claude Lorrain من يرشدهما لاستخدام الزخارف المعمارية، في مناظرهم الطبيعية، وسار شارل ليرون Charles Lebrun على سنن فيرونيزي في تصميم الصور الجدارية الكبرى. وكان المصورون الفرنسيون في القرن الثامن عشر يستمدون الوحي من فيرونيزي وكريجيوفي أناشيد الرعاة أيام الأعياد الريفية، وأناشيد العشاق الأشراف الذين يلعبون في أركاديا. ومن هنا نشأ واتوWatteau وفراجونار Fragonard؛ ومن هنا أيضاً نشأت العرايا ذوات اللون الوردي اللائى صورهن بوشيه Boucher، والأطفال الظراف الذين تصورهم جريز Grueze، والنساء الرشيقات اللاتي أبدع تصويرهن. ولعل تيرنر Turner قد عثر هنا شيئاً من شروق الشمس الذي أضاء به لندن.

إلى غير ذلك اختتم العصر المضىي للبندقية ملكة البحر الأدرياوي بما امتازت به صور ڤـِرونـِزه من توهج الألوان. وكان سبب هذا الختام حتى الفن كان عسيراً عليه حتى يظل سائراً إلى أبعد مما سار في الاتجاه الذي تبعه من عهد جيورجيوتي إلى عهد فيرونيزي. بعد ان وصل إلى حد الكمال في أصوله، وتسلق أعلى الدرج. ولهذا بدأ يهبط رويداً رويداً حتى اتى القرن الثامن عشر فحدثت فيه نوبة أخيرة من الإبداع والفخامة قبل موت الجمهورية ضارع بها تيبولوTiepolo فيرونيزي في الرسم الزخرفي، وكان جلدوني Goldoni هوأرستوفانيز البندقية.


الهامش


المصادر

  • الموسوعة العربية الكاملة
  • Freedberg, Sydney J. (1993). Pelican History of Art (ed.). Painting in Italy, 1500-1600. Penguin Books Ltd. pp. 550–60.


Irollo, Jean-Marc, Veronese et le miracle des Noces, Louvre, chercheurs d'art, RMN, 1993

وصلات خارجية

  • ART VIEW; Homage to a Gentleman of Verona [1]
  • Veronese biography on Web Gallery of Art with link to images of many of his paintings
  • Paolo Caliari - Biographical article in the 1911 Catholic Encyclopedia
  • For a partial transcript of the inquest on the painting, Feast in the House of Levi[2].
  • Veronese at Panopticon Virtual Art Gallery
تاريخ النشر: 2020-06-05 07:05:59
التصنيفات: رسامو عصر النهضة, رسامون إيطاليون, رسامون متكلفون, رسامون بنادقة, 16th-century Italian people, مواليد 1528, وفيات 1588

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

وزيرة خارجية فرنسا: مستعدون لدعم مصر لتجاوز الأزمة الاقتصادية

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-14 15:22:06
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 39%

محافظ القاهرة يخفض تنسيق القبول بمدارس الثانوي العام 5 درجات

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-14 15:21:53
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 49%

مقتل 30 عنصرا إرهابيا في عملية عسكرية وسط الصومال

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-14 15:21:23
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 62%

التعليم العالى: مد تنسيق الشهادات الفنية حتى الثلاثاء 19 سبتمبر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-14 15:21:59
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 44%

كاف: دقيقة حدادا على ضحايا المغرب وليبيا فى كأس السوبر الأفريقى غدا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-14 15:21:57
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 49%

ارتفاع ضحايا زلزال المغرب إلى 2946 وفاة و5674 جريحا

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-14 15:21:26
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 65%

حركات مثيرة ومخلة.. قرار بوقف مطربة شابة عن الغناء والتحقيق معها

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-14 15:21:34
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 68%

وزيرة خارجية فرنسا: مصر قوة إقليمية معتدلة وشريك استراتيجى لباريس

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-14 15:22:09
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 45%

شاهد.. الخريطة المتسببة في أزمة بين مصر والكويت

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-14 15:21:30
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

البنك المركزى الأوروبى يرفع أسعار الفائدة 0.25 %

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-14 15:22:03
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 35%

عقيلة صالح: ما حدث فى "درنة" فاجعة كبرى

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-14 15:20:54
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 59%

وزير التعليم: افتتاح مدرسة العباقرة العام الدراسى المقبل

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-14 15:20:57
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 69%

تحميل تطبيق المنصة العربية