إيثار
هوحتى يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس على حاجته، برغم احتياجه لما يبذله، فقد يجوع ليشبع غيره، ويعطش ليروي سواه. نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [متفق عليه]. وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا، ولوشئنا لشبعنا، ولكننا كنا نؤثر على أنفسنا. فضل الإيثار: أثنى الله على أهل الإيثار، وجعلهم من المفلحين، فنطق تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون [الحشر: 9].
صور من الإيثار
1- انطلق حذيفة العدوي في معركة اليرموك يبحث عن ابن عم له، ومعه شربة ماء. وبعد حتى وجده جريحًا نطق له: أسقيك،يا ترى؟ فأشار إليه بالموافقة. وقبل حتى يسقيه سمعا رجلا يقول: آه، فأشار ابن عم حذيفة إليه؛ ليمضى بشربة الماء إلى الرجل الذي يتألم، فمضى إليه حذيفة، فوجده هشام بن العاص. ولما أراد حتى يسقيه سمعا رجلا آخر يقول: آه، فأشار هشام لينطلق إليه حذيفة بالماء، فمضى إليه حذيفة فوجده قد مات، فرجع بالماء إلى هشام فوجده قد مات، فرجع إلى ابن عمه فوجده قد مات. فقد فضَّل كلُّ واحد منهم أخاه على نفسه، وآثره بشربة ماء.
2- اتىت امرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعطته بردة هدية، فلبسها صلى الله عليه وسلم، وكان محتاجًا إليها، ورآه أحد أصحابه، فطلبها منه، ونطق: يا رسول الله، ما أحسن هذه.. اكْسُنِيها. فخلعها النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاها إياه. فنطق الصحابة للرجل: ما أحسنتَ، لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، ثم سألتَه وفهمتَ أنه لا يرد أحدًا. فنطق الرجل: إني والله ما سألتُه لألبسها، إنما سألتُه لتكون كفني. [البخاري]. واحتفظ الرجل بثوب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فكان كفنه.
3- اتى رجل جائع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهوفي المسجد، وطلب منه طعامًا، فأوفد صلى الله عليه وسلم ليبحث عن طعام في بيته، فلم يجد إلا الماء، فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يُضيِّف هذا الليلة رحمه الله)، فنطق رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله. وأخذ الضيفَ إلى بيته، ثم نطق لامرأته: هل عندك شيء،يا ترى؟ فنطقت: لا، إلا قوت صبياني، فلم يكن عندها إلا طعام قليل يكفي أولادها الصغار، فأمرها حتى تشغل أولادها عن الطعام وتنومهم، وعندما يدخل الضيف تطفئ السراج(المصباح)، وتقدم جميع ما عندها من طعام للضيف، ووضع الأنصاري الطعام للضيف، وجلس معه في الظلام حتى يشعره أنه يأكل معه، وأكل الضيف حتى شبع، وبات الرجل وزوجته وأولادهما جائعين. وفي الصباح، مضى الرجلُ وضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنطق للرجل: (قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة) [مسلم]. ونزل فيه قول الله -تعالى-: {ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة [الحشر: 9]. والخصاصة: شدة الحاجة.
4- اجتمع عند أبي الحسن الأنطاكي أكثر من ثلاثين رجلا، ومعهم أرغفة قليلة لا تكفيهم، فبتروا الأرغفة بترًا صغيرة وأطفئوا المصباح، وجلسوا للأكل، فلما حملت السفرة، فإذا الأرغفة كما هي لم ينقص منها شيء؛ لأن جميع واحد منهم آثر أخاه بالطعام وفضله على نفسه، فلم يأكلوا جميعًا.
