سقوط بغداد (1258)

عودة للموسوعة

سقوط بغداد (1258)

سقوط بغداد (1258)

جيش هولاكويحاصر أسوار بغداد.
التاريخ 29 يناير –عشرة فبراير 1258 (13 يوم)
المسقط
بغداد، العراق المعاصرة
النتيجة فوز المنغول
الخصوم

إلخانات
(الامبراطورية المنغولية)

مملكة قيليقيا الأرمنية[]
مملكة جورجيا[]
إمارة أنطاكيا[]
الخلافة العباسية
القادة والزعماء
هولاكوخان
أمير أرغون
بايجو
بوقا تيمور
سونيطاي
كيتبوقا
گووكان
كوكـِ إلگى
الملك ديڤد السادس[]
الملك هتوم الأول[]
المستعصم 
مجاهد الدين أيبك دوادار  †
سليمان شاه 
قرة صنقر †
الوحدات المشاركة
40.000+ فارس منغولي، منشوري، هان وقزخ
12.000 فارس أرمني
40.000 مشاة أرمن
مشاة جورجيون[]
1.000 لغمجيون ومهندسون صينيون[]
مشاة صينيون، تورك، وفرس
فرسان
مشاة
القوات
120.000–150.000 50.000[]
الخسائر
غير معروفة لكن يعتقد أنها ضئيلة 50.000 جندي،
200.000–800.000 من المدنيين (مصادر غربية)
2.000.000 من المدنيين (مصادر عربية)

سقوط بغداد أوحصار بغداد أوالغزوالمنغولي لبغداد أوالاجتياح المغولي لبغداد هوالاصطلاح الذي يُشير إلى دخول المنغول بقيادة هولاكوخان حاكم إلخانيَّة فارس مدينة بغداد حاضرة الدولة العبَّاسيَّة وعاصمة الخلافة الإسلاميَّة يومتسعة صفر 656 هـ المُوافق فيهعشرة شُباط (فبراير) 1258م، بتكليفٍ من الخاقان الأكبر مونكوخان الذي طلب من أخيه هولاكواستكمال فُتُوحات المغول في جنوب غرب آسيا التي كان قد بدأها جدهما جنكيز خان، وهوما قام به هولاكوحيث تمكن جيشه من اقتحام بغداد بعد حتى حاصرها 12 يومًا، فدمَّرها وأباد مُعظم سُكَّانها.

كان المغول قبل اكتساحهم بغداد قد أسقطوا الدولة الخوارزميَّة التي شكَّلت خط الدفاع الإسلامي الأوَّل ضدَّ الهجمات المغوليَّة، وتمكنوا من إبادة بعض الجماعات التي عجز عنها المُسلمين وشكَّلت مصدر إزعاجٍ لهم طيلة سنوات، مثل الحشاشين الذين هدموا معقلهم في آلموت بِإقليم جيلان شمال فارس. وبسُقوط الدولة الخوارزميَّة زال عبر المغول الحاجز الذي يحول دون تقدُّمهم غربًا عبر فارس وُصولًا إلى العراق. وأوفد هُولاكوإلى الخليفة العبَّاسي أبوأحمد عبد الله المُستعصم بالله يطلب إليه حتى يهدم حُصون بغداد ويطمر الخنادق المحفورة حولها كونه لم يُرسل إليه عسكرًا ليُساعدوه في حصار آلموت رُغم أنَّهُ أظهر الطاعة والخُضوع لِسُلطة المغول، وحاول الخليفة استرضاء هُولاكووبعث إليه بِرسالةٍ يستلطفه وأرفقها بالهدايا، لكنَّ جواب هُولاكوكان تعبير عن التهديد والوعيد باجتياح الممالك العبَّاسيَّة وإفنائها عن بُكرة أبيها.

شكَّل اجتياح المغول لِبغداد ودكِّهم معالم الحضارة والعُمران فيها وقتلهم أهلها كارثةً كُبرى للمُسلمين، بل كارثة الكوارث في زمانها. إذ احترقت الكثير من المُؤلَّفات القيِّمة والنفيسة في مُختلف المجالات الفهميَّة والفلسفيَّة والأدبيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة وغيرها، بعد حتى أضرم المغول النار في بيت الحكمة، وهي إحدى أعظم مخطات العالم القديم آنذاك، وألقوا بالكُتب في نهريّ دجلة والفُرات، كما فتكوا بالكثير من أهل الفهم والثقافة، ونقلوا آخرين معهم إلى إلخانيَّة فارس، ودمَّروا الكثير من المعالم العُمرانيَّة من مساجد وقُصور وحدائق ومدارس ومُستشفيات. ومن نجا من الأهالي من المذبحة أُصيب بالأمراض والأدواء التي انتشرت في الجونتيجة كثرة القتلى، وبعض هُؤلاء توفي أيضًا. نتيجةً لِذلك، عدَّ الكثير من المُؤرخين المُسلمين والغربيين سُقوط بغداد نهاية العصر المضىي للإسلام، فيما يراه المُؤرخون المُعاصرون بداية انحدار الحضارة الإسلاميَّة وتراجُعها، ذلك لأنَّ بعض المُنجزات الحضاريَّة استمرَّت بالظُهور (ولوعلى نحوٍ أقل) حتَّى ذُروة العصر العُثماني وتحديدًا زمن السُلطان سُليمان القانوني.

ظهر مع سُقوط وتدمير بغداد الكثير من التكهُنات والتفسيرات والنظريَّات التي ما زال الكثير منها غير مُؤكد أوموضع جدالٍ كبيرٍ بين المُؤرخين والمُطلعين، نظرًا لِما ينطوي عليه من اتهاماتٍ تاريخيَّةٍ خطيرة. فقد قيل أنَّ دُخول المغول إلى بغداد كان بِخيانة الوزير ابن العُلقُمي شيعيّ الممضى، وأنَّ شيعة بغداد تعاونوا مع المغول اتنقامًا من الخليفة الذي كان يُعاملهم بِعُنصريَّة، فيما نكر مُؤرخون آخرون هذا الكلام مُؤكدين أنَّ ابن العُلقُمي كان ناصحًا للخليفة، لكنَّ الأخير لم يُصغي إليه. كذلك، قيل بأنَّ الصليبيين في الشَّام كانوا على اتصالٍ مع المغول ويُشجعونهم على غزوديار الإسلام، كما قيل أنَّ البابا نفسه بعث رُسلًا إلى هُولاكويحُثّه على ذلك.

الخلفيَّة

أوضاع الدولة العبَّاسيَّة

الدُّول الإسلاميَّة المُتعددة التي نشأت بعد ضعف الدولة العبَّاسيَّة وزوال هيبة الخلِافة في بغداد.

كانت بغداد عاصمة الدولة العبَّاسيَّة وحاضرة الخِلافة الإسلاميَّة مُنذ حوالي 496 سنة، وقارب عدد سُكَّانها آنذاك مليون نسمة، إلَّا أنَّ سُلطة الخُلفاء العبَّاسيين في هذا الوقت كانت قد ضعًفت، وانحسر نُفوذهم حتَّى أصبح يقتصر تقريبًا على مُعظم العراق وأجزاء من فارس، أمَّا في بقيَّة العالم الإسلامي فلم يكن لهم سوى الدُعاء على منابر المساجد، بعد حتى حدثت عدَّة انفصالات إداريَّة عن الدولة العبَّاسيَّة، في الشَّام ومصر وفارس والأناضول، مُنذ عدَّة قُرون، وتفرَّد بِحُكم تلك البلاد عدَّة وُلاة وأُمراء محليين. ويُعزى ضعف الخُلفاء العبَّاسيين وتراجع هيبتهم، وانفصال بعض الولايات عنهم، إلى عدَّة عوامل، من أبرزها اتساع رقعة الدولة العبَّاسيَّة، حتَّى غدت إمبراطوريَّة تبسطُ جناحيها على كافَّة أنحاء المنطقة المُمتدَّة من حُدود الصين وُصولًا إلى المغرب الأوسط في شمال أفريقيا. ولكن هذا الاتساع في المساحة، بدلًا من حتىقد يكون عامل قُوَّةٍ في كيان الدولة، انقلب إلى عامل ضعفٍ فساعد على تفسُّخها وتفكُّكها، ذلك أنَّ بُعد المسافة بين أجزاء الدولة وبين عاصمتها، وصُعوبة المُواصلات في ذلك الزمن، جعلا الوُلاة في البلاد النائية يتجاوزون سُلطاتهم ويستقلُّون بِشُؤون ولاياتهم دون حتى يخشوا الجُيوش القادمة من عاصمة الخِلافة لِإخماد حركاتهم الانفصاليَّة، والتي لم تكن تصل إلَّا بعد فوات الأوان. كذلك، كان الخُلفاء العبَّاسيُّون قد اعتمدوا على التُرك بشكلٍ كبير مُنذ أيَّام الخليفة أبوإسحٰق مُحمَّد المُعتصم بالله نظرًا لِقُدرتهم القتاليَّة العاليَّة ولِأنَّ المُعتصم لم يكن يركن إلى العرب لِكثرة تقلُّبهم وفي نفس الوقت ضعُفت ثقتهُ بالفُرس، فاستكثر من شراء المماليك التُرك بِهدف الحد من النُفوذين العربي والفارسي حتَّى بلغت عدَّتهم ثمانية آلاف مملوك، وقيل ثمانية عشر ألفًا. وخصَّ الخليفة مماليكه بالنُفوذ، وقلَّدهم قيادة الجُيوش، ومكَّنهم في الأرض، وجعل لهم مركزًا مُتفوقًا في مجال السياسة، فنمت قُوَّتهم مع الوقت، وأخذوا يتدخلون في شُؤون الخِلافة، حتَّى أمست الدولة العبَّاسيَّة في أيديهم، يعملون ما يُريدون، يعزلون خليفة ويُولُّون آخر، حتَّى أنَّ بعض الخُلفاء قُتلوا نتيجة مُؤامراتهم. وطمع بعضهم في الاسئثار بِشُؤون الحُكم في العاصمة حين أدركوا أنَّ الخِلافة لا يُمكنها الاستغناء عن خدماتهم، فأخذوا يزيدون من تدخُّلهم في شُؤون الخِلافة حتَّى تمكنوا من تثبيت أقدامهم في الحُكم، ويصف ابن طباطبا ذلك بِقوله: «وَاستَضعَفُوا الخُلَفَاءَ، فَكَانَ الخَلِيْفَةُ فِي أَيدِيهِمُ كَالأَسِيْر، إِن شَاؤُوا أَبقُوهُ، وَإِن شَاؤُوا خَلَعَوهُ، وَإِن شَاؤُوا قَتَلُوهُ». بناءً على هذا، استبدَّ الحرس التُركي بِأُمور البلاد، وكان من نتيجة ذلك حتى تراجعت هيبة الخُلفاء ونُفوذهم شيءًا فشيئًا، وتناوب على الخِلافة أشخاصٌ ضعاف لا مقدرة لهم على تسيير شُؤون البلاد والعِباد، ولم يتمكنوا من إعادة فرض نُفوذهم المُباشر على البُلدان المُنفصلة.

نكبة بغداد

خارطة لِبغداد العبَّاسيَّة وضواحيها كما كانت تبدوتقريبًا زمن الغزوالمغولي.

وفي سنة 640 هـ المُوافقة لِسنة 1242م تولَّى أبوعبدُ المجيد عبدُ الله المُستعصم بالله أمر الخِلافة، ويبدوأنَّهُ لم يكن خيرًا من أسلافه، إذ اتصف بالطيش واللامُبالاة والتهوُّر ومال إلى الشهوات الدُنويَّة، وفق ما ورد في المصادر الإسلاميَّة القديمة، فقد وصفه ابن كثير قائلًا: «كَانَ فِيهِ لِينٌ وَعَدَمَ تَيَقُظٍ وَمَحَبَّةٌ لِلمَالِ وَجَمعِهِ». ووصفهُ المُؤرَّخ ابن أيبك الدواداري قائلًا: «كَانَ فِيهِ هَوجٌ، وَطَيْشٌ، وَظُلمٌ، مَع بَلَهٍ، وَضِعفٍ، وَانقِيَادٍ إِلَى أَصحَابِ السُّخفِ. يَلعَبُ بِطُيُورِ الحَمَامِ، وَيَركَبُ الحِمِيرَ المِصْرِيَّةَ الفُرءِ». أمَّا عن الأحوال الداخليَّة في بغداد والعراق حينذاك، فالواقع أنها كانت سيئة جدًا نظرًا لِعدم جديَّة المُستعصم في إدارة الشُؤون العامَّة، فقد أصاب بغداد في أواخر صيف سنة 654 هـ المُوافقة لِسنة 1256م سيلاً ضخمًا أغرقها وأزال بيوتًا ومتاجر كثيرة برُمّتها، وفشا السلب والنهب، وخربت نصف أرض العراق، وأُطلق على هذا السيل تسمية «الغرق المُستعصمي». كذلك، تعددت مراكز القوى آنذاك في عاصمة الخِلافة، واختلفت فيما بينها بِعمل عوامل سياسيَّة وممضىيَّة. فأربابُ السُلطة، ومن بيدهم إدارةُ الشُؤون العامَّة مُتنازعون مُتباغضون، كُلٌ منهم يُحيكُ المُؤامرات ضدَّ الآخر، ويُسفِّه رأيهُ أمام الخليفة الذي وقف عاجزًا عن وضع حدٍ لِهذه المشاكل. فترتب على ذلك حتى اشتدَّت الخِلافات بين وزيريّ المُستعصم مُجاهدُ الدين الدوادار السُنيّ ومُؤيِّدُ الدين بن العُلقُمي الشيعيّ، ممَّا كان لها أثرها السيء في اضطراب الأُمور وتقويض سُلطة الخِلافة. وكان سُكَّانُ بغداد من المُسلمين والنصارى واليهود، في تناحُرٍ مُستمر وخِلافٍ ممضىيٍّ مُستحكم، خاصَّةً بين المُسلمين أنفسهم، أي بين أكبر طائفتين: أهلُ السُنَّة والجماعة والشيعة الاثنا عشريَّة، كما كانوا يختلفون في المسائل السياسيَّة. وبعد الغرق المُستعصمي هاج مُجاهدُ الدين وابن العُلقُمي على بعض، فانتشرت الاضطرابات بين السُنَّة والشيعة نتيجة هذا الخِلاف بين أقوى رجُلين في المدينة، وامتدَّت الفتنة حتَّى ضمت أرض الجزيرة الفُراتيَّة، وتحوَّل الأمر إلى ما يُشبه حربًا أهليَّةً مُصغَّرة.


أوضاع إمبراطوريَّة المغول

خارطة تُبيِّنُ مسار الحملات العسكريَّة المغوليَّة خِلال عهد جنكيز خان.

انبثق فجر القرن السَّابع الهجري المُوافق للقرن الثالث عشر الميلاديّ، والمشرق الإسلامي يستعد لاستقبال الجُيوش المغوليَّة الجرَّارة التي اندفعت من شمالي آسيا الشرقيَّة على دفعاتٍ في فتراتٍ زمنيَّةٍ مُتقاربة ومُتباعدة، وكان لها أثرُها القريب والبعيد من النواحي السياسيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة والدينيَّة. واندفع المغول كالسيل الجارف يفتحون البلاد والقلاع الحصينة عبر أنحاء آسيا الشرقيَّة والوُسطى، وتمكنوا تحت قيادة زعيمهم الكبير الخاقان «تيموجين» الشهير بِلقب «جنكيز خان»، من التوسُّع في الجنوب على حساب الصين الشماليَّة وفي الغرب على حساب قبائل القره خطاي. فتمكَّن المغول من هزيمة مملكة سونگ الصينيَّة، وفتحوا عاصمتها بكين سنة 612هـ المُوافقة لِسنة 1215م، ثُمَّ كرُّوا على أعدائهم في الغرب وقهروا كشلوخان (کوچلُك خان) ملك الدولة القراخطائيَّة، وكانت أملاكه تقع في إقليم ما وراء النهر على حُدود البلاد الإسلاميَّة، واستولى جنكيز خان على بلاده، حتَّى أضحت إمبراطوريَّته الواسعة تُجاورُ ديار الإسلام.

حملات وغزوات المغول في ديار الإسلام وبدايات العلاقات مع العبَّاسيين

الدولة الخوارزميَّة ما بين سنتيّ 1190م و1220م.

كان الخليفة العبَّاسي أبوالعبَّاس أحمد الناصر لِدين الله قد استعان بالخوارزمشاه علاءُ الدين مُحمَّد بن تكش للقضاء على سلاجقة العراق، فكانت تلك فُرصة نادرة استغلَّها الزعيم الخوارزمي لِمد نُفوذه نحوالغرب وتكوين دولة ذات كيان سياسي. وعملًا، التقى تكش بالسُلطان السُلجوقي طُغرل بك في معركةٍ بالقُرب من الري في سنة 590 هـ المُوافقة لِسنة 1194م وانتصر عليه، وقتل طُغرل في المعركة. وبِذلك، حلَّت الدولة الخوارزميَّة محل الدولة السُلجوقيَّة في فارس والعراق، وراح زُعماؤها يتدخلون في أُمور الخِلافة حتَّى عزموا الاستيلاء على بغداد. لم يقف الخليفة الناصر موقف المُتفرِّج، وحاول بِشتَّى الوسائل حتى يحُد من أطماع الخوارزميَّة، حتَّى هداهُ تفكيره أخيرًا إلى الاستعانة بالمغول، ظنًا منه أنه بذلك يؤمّن حدوده الشرقيَّة. وقد أيَّد ابن الأثير الرواية التي ذكرها في معرض كلامه عن شخصيَّة الخليفة الناصر حين نطق: «وَكَانَ سَبَبُ مَا يَنسُبَهُ العَجَمُ إِلَيْهِ صَحِيحًا مِن أَنَّهُ هُوَ مَن أَطْمَعَ التَّتَرَ فِي البِلَادِ وَرَاسَلَهُم فِي ذَلِك، فَهُوَ الطَّامَّةُ الكُبرَى الذِي يَصْغَرُ عِندَهَا كُلَّ ذنبٍ عَظِيمٍ». ومهما يكن من أمر، فقد خط الخليفة العبَّاسي المذكور إلى جنكيز خان بالعُبور إلى البلاد الإسلاميَّة عارضًا عليه استعداده لِمُهاجمة الدولة الخوارزميَّة من الغرب، إذا هوهاجمها من الشرق، ولكنَّ جنكيز خان لم يُعر تلك الرسالة أي اهتمام نظرًا لارتباطه بِمُعاهدة تجاريَّة مع الخوارزميين، ولكنَّ لما أقدم حاكم مدينة أوترار الخوارزميَّة على الفتك بِقافلة مغوليَّة، ثار غضب جنكيز خان فاجتاح الدولة الخوارزميَّة وسيطر خِلال أقل من سنة (617هـ \ 1220م) على إقليم ما وراء النهر سيطرةً تامَّةً مُحكمة. فاستولى على بُخارى وسمرقند، وبعدها حاصر العاصمة خوارزم وفتحها، وأسقط الدولة الخوارزميَّة للأبد. وبعد وفاة جنكيز خان سنة 624هـ المُوافقة لِسنة 1227م، تقاسم بنيه إمبراطوريته. وفي سنة 628هـ المُوافقة لِسنة 1230م، اغتال المغول جلال الدين خوارزم شاه بعد مُقاومةٍ باسلة، واستولوا على مملكته، وارتكبوا الكثير من المذابح البشعة، وبذلك أصبح الطريق نحوجنوب غرب آسيا مفتوحًا أمام المغول. إلَّا حتى خلفاء جنكيز خان انتهجوا سياسةً مُغايرةً لِسياسته، وفضًلوا تأمين فُتوحات المغول بدلًا من مُواصلة الفُتوحات، فسكنت الأمور في غرب آسيا لِفترة. وعندما تولَّى مونكوخان الحُكم، قرَّر استكمال الفُتوحات التي بدأها جده جنكيز خان، فأعدَّ العدَّة لِذلك، واختار لِقيادة الفُتوحات عدد من إخوته جعل كُلٌ منهم قائدًا على الجُيوش المُتوجهة في كُل صوب. وسقط اختيار مونكوخان على أخيه هولاكولِقيادة الجُيوش المُكلَّفة بفتح غرب فارس ومصر والشَّام والأناضول وأرمينية.

أطلال قلعة آلموت، قاعدة الحشاشين.
حِصار المغول لِقلعة آلموت.

خصَّص مونكوخان خُمس حرس جنكيز خان الخاص ليكونوا حرسًا خاصًا لِهولاكو، كما أوفد مجموعات لاستطلاع طريق الجيش وبناء الجُسور على الأنهار العميقة ومجاري المياه السريعة، ومُصادرة المراعي والمزارع الواقعة على الطريق لِتأمين المؤن والأعلاف للجيوش التي ستعبر الطريق، كما أمدَّ تلك الجُيوش بالتموين المُناسب من كافَّة أنحاء دولته. كما منح أخاهُ إقليم فارس والولايات الغربيَّة، وحدَّد له إطار العلاقة مع الخليفة العبَّاسي، بحيثُ إذا قدَّم فُروض الولاء والطَّاعة فلا يتعرَّض له، أمَّا إذا عصى، عمليه حتى يتخلَّص منه حتَّى لا يُشكِّل وُجوده عقبة في طريق الزحف المغولي. ومن جهته وضع هولاكوخطَّةً عسكريَّةً تقضي، أولًا، بالقضاء على الإسماعيليَّة، ثُمَّ غزوالمناطق الغربيَّة وُصولًا إلى مصر، في فترةٍ ثانية. تحرَّك هولاكوبِجيوشه في شهر ذي الحجَّة سنة 651هـ، وزوّده أُمراء المناطق التي عبر فيها الجيش بالمُؤن، وأعدُّوا السُفن الكبيرة لِتسهيل عُبور الجيوش للأنهار. وصل هولاكوإلى سمرقند في شعبان 653هـ، ومنها سار إلى حتى بلغ جبل كش في خُراسان، ثُمَّ راسل مُلوك وأُمراء إيران يُبلغهم بِنيَّته في قِتال طائفة الحشاشين، وأمرهم بإمداده بالجُيوش والأسلحة، وإلَّا فسيُقاتلهم بعد قضائه على الحشاشين، ثُمَّ عبر نهر جيحون في ذي الحجة 653هـ، وأخذ بفتح قلاع الحشاشين الحصينة في قهستان ورودبار وقومس ووزَّع غنائمها على قادة جيشه وعساكره، ولم يبقَ أمامه سوى قلعة آلموت المعقل الرئيسي للحشاشين، وحدث في ذلك الوقت حتى تُوفي إمام الإسماعيليَّة النزاريَّة ركن الدين خورشاه بن علاء الدين، مما هجر جماعته في آلموت بلا قائد ولا زعيم، وبتاريخ 26 ذي القعدة 654 هـ المُوافق فيه 14 كانون الأوَّل (ديسمبر) 1256م، تمكَّن المغول من إسقاط قلعة آلموت وقتلوا من بها من الحشاشين لِيصل عدد ضحاياهم من الإسماعيليين إلى حوالي اثنا عشر ألف قتيل، ودُمِّرت آلموت عن بُكرة أبيها وجُعلت قاعًا صفصفًا. ثُمَّ تبع ذلك استيلاء المغول على سلطنة الرُّوم السلاجقة بقيادة بايجونويان، لِتُصبح بِهذا كُل الطُرق التي تصل إلى بغداد في أيدي المغول.


المُراسلات بين هولاكوخان والخليفة العبَّاسي

بدرُ الدين لؤلؤ حاكم الموصل. خضع للمغول بإرادتهِ الحُرَّة.

كان المُستعصم قد لجأ ورجاله إلى مُصانعة المغول بالمال والهدايا في مُحاولةٍ لِتجنُّب الدُخول في معركةٍ معهم، ولم يكن الخليفة الوحيد من بين حُكَّام المُسلمين الذين لجأوا إلى تلك السياسة في التعامل مع المغول، فشاركه في ذلك بدرُ الدين لؤلؤ حاكم الموصل الذي ولج في طاعة المغول،والنَّاصر يُوسُف حاكم دمشق الذي راسل المغول سرًا، وكان يصلهم بالهدايا مع ابنه العزيز ووزيره زين الدين الحافظي لِيتحالفوا معه ضدَّ مصر، والملك المُغيث حاكم الكرك الذي كان أيضًا على تواصلٍ مع المغول. وكان هولاكوفي أثناء حربه مع الإسماعيليَّة قد طلب من الخليفة حتى يمُدَّهُ بِجيشٍ من عنده لِيشهجر مع الجُيوش المغوليَّة في القضاء على الإسماعيليَّة. ويبدوأنَّ الخليفة رفض طلبه هذا بعد مُشاوراتٍ مع مُعاونيه على الرُغم من مُعارضة الوزير ابن العُلقُمي، فأسرَّها هولاكوفي نفسه، ولمَّا فرغ من القضاء على الإسماعيليَّة أوفد إلى الخليفة رسالة عتاب تتضمَّنُ تهديدًا وطلب منهُ أن: يهدم الحُصون ويردُم الخنادق ويُسلِّم البلاد لابنه، وأن يحضر لِمُقابلته أويُرسل الوزير مُجاهد الدين أيبك الدوادار وسُليمان شاه، وأنَّهُ بِهذا سيعفوعنه. وأشار على رُسله حتى يُبلغوه بأنَّه بِحال لم يستجب لِلنصيحة وفضَّل الخِلاف والجدال، فلا يبقى عليه إلَّا حتى يُعبئ عساكرهُ ويُحدد ساحة القتال.

هولاكوخان، قائد الجُيوش المغوليَّة التي اجتاحت بغداد.

أثارت هذه الرسالة مخاوف الخليفة العبَّاسي، فنصحهُ ابن العُلقُمي بِإرسال الهدايا لِهولاكومُصانعةً له، إلَّا أنَّ مُجاهد الدين أيبك الدوادار أثناه عن ذلك. فما كان من الخليفة إلَّا حتى بعث بِرسالةٍ مُتناقضةٍ إلى هولاكو، حملها إليه شرفُ الدين بن الجوزي وبدرُ الدين النخجواني، تضمَّنت شيءًا من الإذعان وبعضُ التهديد أيضًا، وأرفقها ببعض التُحف والهدايا، ظنًا منهُ أنَّ ذلك يفترض أن يُثني هولاكوعن عزمه، ويجعلهُ يُفكِّر مليًّا قبل حتى يُقدم على غزوبغداد، فنطق للقائد المغولي: «أيُّهَا الشَّابُ الحَدَث! المُتَمَنِّي قِصْرَ العُمْر، وَمَن ظَنَّ نَفْسَهُ مُحِيطًا وَمُتَغَلِّبًا عَلَى جَمِيْعِ العَالَمِ، مُغتَرًّا بِيَومَينِ مِنَ الإِقْبَالِ»، وأضاف مُغترًّا بِعديد المُسلمين وقُوَّتهم: «أَلَا يَعْلَمُ الأَمِيْرُ أَنَّهُ مِنَ الشَّرقِ إِلَى الغَربِ، وَمِنَ المُلُوكِ إِلَى الشَّحَّاذِينِ، وَمِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الشَّبَابِ مِمَّن يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَيَعْمَلُونَ بِالدِّينِ، كُلُّهُم عَبِيدُ هَذا البَلَاطِ وَجُنُودٌ لِي. إِنَّنِي حِينِمِا أُشِيرُ بِجَمعِ الشَّتَاتِ، سَأَبدَأُ بِحَسْمِ الأُمُورِ فِي إِيرَانَ، ثُمَّ سَأَتَوَجَّهُ مِنهَا إِلَى بِلَادِ طُورَانَ، وَأَضَعُ كُلَّ شَخصٍ فِي مَوضِعِهِ». ثُمَّ أنهى رسالتهُ بِقوله أنَّهُ لا يرغب بِقتال هولاكو: «خُصُوصًا وَإِنَّنِي مَعَ الخَاقَانِ وَهُولَاكُوخَان، قَلبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ». وختم بقوله: «إنَّ لِي أُلُوفًا مُؤلَّفَةً مِنَ الفُرسَانِ وَالرِّجَّالة.. وَهُم مُتَأَهِبُونَ لَلقِتَالِ».

خرج رُسل الخليفة العبَّاسي ومعهم رُسل هولاكوإلى مدينة همدان حيثُ استقرَّ المغول ريثما يسيرون على بغداد، وفي أثناء خُروجهم من العاصمة العبَّاسيَّة، تعرَّض الرُسل المغول إلى إهانات وشتائم العوام، فمزَّق الناسُ ملابسهم وبصقوا في وُجوههم. ولمَّا بلغوا هولاكوأبلغوه بما حلَّ بهم، ثُمَّ ولج عليه الرُسل المُسلمون وسلَّموه الرسالة، وما حتى قرأها حتَّى استشاط غضبًا، واعتبر أنَّ كلام الخليفة خالٍ من أيَّة لباقة، ووصف المُستعصم بأنَّهُ رجلٌ لا يتمتع بِأيَّةِ كفائة، وأنَّهُ كالقوس الأعوج في تعامُله معهم، وتعهَّد حتى يجعلهُ مُستقيمًا كالسهم. وأوفد إلى الخليفة يُهدده بأنَّهُ آتٍ إليه بجيشٍ جرَّار كالنمل والجراد، فنطق له: «عِندَمَا أَقُودُ جَيْشِيَ الغَاضِبُ إِلى بَغدَادَ، سَأَقْبِضُ عَلَيْكَ سَوَاءَ اختَبَأتَ فِي الجَنَّةِ أوفي الأَرضِ، سَأَحْرِقُ مَدِينَتَكَ وَأَرْضَكَ وَشَخْصَكَ، إِذَا كُنتَ حَقًا تُرِيدُ حِمَايَة نَفْسَكَ وَعَائِلَتَكَ المُوَقَّرَة، إِسمَع نَصِيحَتِي، وَإِن أَبَيتَ ذَلِكَ فَسَتَرَى مَشِيئَةَ اللهِ فِيكَ». بثَّت الرسالة الرُعب في نفس الخليفة العبَّاسي، فطلب نصيحة وزيره ابن العُلقُمي، فأشار عليه حتى يعتذر من هولاكوويُرسل إليه الأموال والهدايا والتُحف وأعدادًا كبيرةً من الخُيول العربيَّة المُطهمة والجمال. فأُعجب الخليفة بِنصيحة وزيره وأمر بِتجهيز ما يلزم، لكنَّ وزيره الآخر الدوادار نصحه ألَّا يعمل ذلك، فرجع في كلامه ونطق لابن العُلقُمي كلامًا ينُمُ عن ضعفٍ وقلَّة درايةٍ وعمىً سياسيّ، ألا وهو: «لَا تَخشَى القَضَاءَ المُقْبِل، وَلَا تَقُل خُرَافَة، فَإنَّ بَينِي وَبَينَ هُولَاكوخَان وَأَخِيهِ مِنكُوقَاآن صَدَاقَةٌ وَإِلفَةٌ، لَا عَدَاوَةٌ وَقَطِيعَة. وَحَيثُ إِنَّنِي صَدِيقٌ لَهُمَا، فَلَا بُدَّ أَنَّهُمَا أَيضًا يَكُونَانِ صَدِيقَيْينَ وَمُوَالِيَينِ لِي، وَإِنَّ رِسَالَةَ الرُّسُلِ غَيرُ صَحِيحَة». إلى غير ذلك استوعب ابنُ العُلقُمي أنَّ نهاية بغداد، ومعها دولة بني العبَّاس، قد أصبحت قاب قوسين أوأدنى. وأوفد الخليفة إلى هولاكوهديَّةً مُرفقةً بِرسالةٍ أُخرى لم تعمل شيءًا غير استفزاز القائد المغولي أكثر، وذكَّرهُ فيها أنَّ كُلَّ من قصد إفناء بني العبَّاس وغزوبغداد كانت عاقبتهُ وخيمة، وذلك بِقوبه: «لَيسَ مِن المَصلَحَةِ أَن يُفَكِّرَ المَلِكُ فِي قَصْدِ أُسْرَةِ العَبَّاسِيِّين. فَاحذَر عّيْنَ السُّوءِ مِن الزَّمِانِ الغَادِرِ». فأوفد إليه هولاكومن حديث يتوعَّده بالهلاك والدمار، ونطق للخليفة أنَّهُ سيقبض عليه ولوكان في السماء وأنَّهُ سيدفع به غصبًا لِأفواه السباع.

الاستعدادات

التجهيزات العبَّاسيَّة

نموذج عن ملابس وعتاد الجُنود المُسلمين.

تُشيرُ بعض المراجع إلى أنَّ الوزير ابن العُلقُمي عمد، بعد حتى أثارتهُ الاضطرابات الممضىيَّة ضدَّ الشيعة، إلى مُراسلة هولاكووأطمعهُ في مُلك بغداد. لكنَّ الواقع أنَّهُ لم يكن لِهذه المُراسلات بين الطرفين، ولا للمُباحثات التي جرت بينهما في وقتٍ لاحقٍ، من أثرٍ كبيرٍ في دفع هولاكوأوفي ثنيه عن مُهاجمة بغداد، لِأنَّ الاستيلاء على العراق كان من ضمن سياسةٍ مغوليَّةٍ عامَّة. ووفق مراجع أُخرى، فإنَّ ابن العُلقُمي لمَّا رأى النهاية آتية لا محالة، وخشي من زوال الخِلافة، ومن أثر الخلافات الداخليَّة على بغداد وما تبقَّى من جُندها، دعى إلى لقاءٍ في منزله، جمع فيه كُل أعيان البلاد للتشاور في الأمر، ولِإيجاد الحُلول المُناسبة لِلخطر المغولي الذي يقترب بسرعة نحوأبواب بغداد، واتُفق خلال هذا اللقاء على جمع الجُيوش والعتاد اللازم لِمُحاولة صد هذا الغزو. عُرض الأمر على الخليفة فوافق عليه، وأمر بِحشد الجُند، فجمع ابن العُلقُمي بعض العرب والتُرك، ثُمَّ طُلب من الخليفة منح المال لِتزويدهم بما يلزم من العتاد، إلَّا أنه رفض، عندها أُحبط ابن العُلقُمي وأدرك مدى سوء الوضع الذي وصلت إليه الخِلافة وبغداد. وقد خط المُؤرِّخ ابن أبي الحديد إلى ابن العُلقُمي قصيدة يمدحه بها على مُحاولته الدفاع عن بغداد اتى في مطلعها:

أبقى لنا الله الوزير وحاطهُ لِكتائب من نصرهِ ومقانبِ
وامتد وارفُ ظلَّه لِنزيلهِ وصفت مُتونُ غديرهُ لِلشاربِ
يا كالئ الإسلام إذ نزلت بهِ فرغاء تشهق من نجيع السالبِ

ينقل ابن كثير أنَّ الجيش العبَّاسي المُدافع عن المدينة كان لا يبلغ أكثر من عشرة ألاف فارس، وصفهم بـ«القلَّة ونهاية الذلَّة»، بعد حتى كانوا خِلال السنوات القليلة السابقة يبلغون حوالي 100,000 جُندي. ونطق ابن كثير أنَّ هذا التخفيض الكبير في عدد الجُند يرجع إلى نصيحة الوزير ابن العُلقُمي لِلخليفة بِتسريح الفائض من العساكر وإسقاطهم من ديوان الجُند، حتَّى تحوَّل أغلب هؤلاء إلى مُتسولين يشحذون في الأسواق وعلى أبواب المساجد. وذلك ضمن نيَّته بِتخفيض مُستوى دفاعات بغداد حتَّى تقع لُقمةً سائغة بِيد المغول. كذلك أُهملت أسوار المدينة فلم تُدعَّم ولم تتم تقويتها. ويقول المُؤرِّخ ديڤيد نيكول أنَّهُ بِالإضافة إلى فشل الخليفة في تجهيز الجيش المُناسب، أخطأ الخليفة بِأثارتهِ غضب هولاكوبتهديده إيَّاه، وبِوُثوقه المُبالغ به في وزيره ابن العُلقُمي، وهوممَّا ساعد على تدمير المدينة لاحقًا. كذلك، أُشير إلى أنَّ الخليفة عندما كان يُحذَّر من خطر المغول، واقترابهم من بغداد، كان يقول: «أَنَا بَغدَادُ تَكفِينِي، وَلَا يَستَكثِرُونَهَا لِي، إِذَا نَزَلتُ لَهُمُ عَن بَاقِيَ البِلَادِ، وَلَا أَيضًا يَهجُمُونَ عَلَيَّ وَأَنَا بِهَا وَهِيَ بَيتِي وَدَارُ مَقَامِي».

هجريبة الجيش المغولي

فُرسانٌ مغول.
رسم لِمُحاربين مغول من كتاب جامع التواريخ لِرشيد الدين الهمذاني.

ابتدأ هولاكويُعد العدَّة لِغزوبغداد، فأمر بِتحريك جُيوش «أرغون خان» و«بايجوخان» من معاقلها في الأناضول ناحية بغداد عن طريق أربيل والموصل وأن تنتظر في غرب بغداد. وأمر قُوَّات «بلغا بن شيبان بن جوجي» و«توتار بن سكنقور بن جوجي» " و«قولي بن أروه بن جوجي» و«بوقا تيمور» و«سونجاق» بالتوجه إليه كي يقفوا في الميمنة. وأمر قُوَّات «كيتوبوقانيون» و«قدسون» و«کوکه إیلگه» بالزحف من حُدود لُرستان وبيات وتكريت وخوزستان والوُقوف في الميسرة. وتجمَّعت الجُيوش في مرج «زكي» في ضواحي همدان تحت قيادة «قياق نويان». ومما يلفت النظر أنَّهُ خلال هذه الفترة أوفد الخليفة إلى بدرُ الدين لؤلؤ صاحب الموصل، يطلب منه جماعة من ذوي الطرب، وفي نفس الوقت وصل إليه رسول هولاكويطلب منهُ منجنيقات وآلات الحصار. فنطق بدرُ الدين: «انظُرُوا إِلِى المِطلُوبَينِ وَابْكُوا عَلَى الإِسلَْامَ وَأَهلِهِ». تولَّى هولاكوبنفسه قيادة الجيش بأمرٍ من مونكوخان، وشكَّل ذلك الجيش أكبر جيشٍ مغوليٍّ تمَّ تجهيزه حتَّى ذلك الحين، إذ بلغ 10% من تام قُوَّات المغول، وانضم إليهم جُيوش من الكرج الذين كان لهم دورًا نشطًا في تدمير المدينة، نظرًا لأنَّهم رغبوا بالانتقام من المُسلمين لِما لحقهم من الأذى والاضطهاد خلال غزوة جلال الدين خوارزم شاه قبل عدة عقود، إذ مُحيت كنائس وحدثت مجازر، ولمَّا سقطت الدولة الخوارزميَّة على يد المغول، أتى الكرجيُّون إليهم طائعين وانخرطت فرقة كبيرة منهم في الجيش المغولي. كما زعم آلان ديمورجيه حتى قُوَّاتٌ من إمارة أنطاكية الصليبيَّة شاركت في الهجوم، إلى جانب ملك أرمينية الصُغرى وقسمٌ من جيشه، كما قيل أنَّ فرنجة طرابُلس كانوا مثل جيش أرمينية الصُغرى قد قدَّموا فُروض الولاء والخُضوع للمغول وشاركوا معهم معركة بغداد. وذكر عطاءُ الملك الجُويني أنَّ ألفًا من خُبراء المُتفجرات والألغام الصينيين بِالإضافة إلى جُيوشٍ من الأرمن والكرج والفُرس والتُرك شاركوا بالحصار، وبحسب تقديره فإنَّ الجيش المغولي وصل تعداده إلى 150,000 رجل، وكان مُعظم الجُنود والقادة المغول، حسب ما خطه رينيه گروسيه، من الأرواحيين والبوذيين والمسيحيين النسطوريين، أمَّا هولاكونفسه فكان بوذيًّا مُتفانيًا.

التحرُّك نحوبغداد

هولاكوخان يسيرُ على رأس جيشه العرمرميّ.

في أواخر شهر كانون الثاني (يناير) يناير سنة 1257م، تحرَّك هولاكوبالجيش وبصحبته أُمراء المغول والقادة وحُكامٌ وكُتّابٌ من إيران. ولمَّا وصل أسد أباد، أوفد للمُستعصم يأمُره بأن يأتيه، فماطلهُ المُستعصم في البداية، ثُمَّ حاول استرضائه ومُهادنته، فأوفد وفدًا إليه يُفاوضه ويستأمن على حياة الخليفة وعائلته ويُثنيه عن احتلال بغداد. وكان الخليفة يُدرك مدى علاقة هولاكوبالمسيحيين السُريان (نظرًا لِكون زوجته دوقوز خاتون مسيحيَّة نسطوريَّة) فأراد استغلالها. فقرر الخليفة حتى يُرسل في وفده إلى هولاكوبطريرك السُريان المشارقة مكيخا بن سُليمان القنكاني مع وزيره ابن العُلقُمي والعالم الفقيه سبط ابن الجوزي. وانطلق الوفد المذكور إلى هولاكومحملاً بالهدايا الفاخرة والنفيسة، وعاود ابن الجوزي تحذير هولاكومن مغبَّة هُجومه على بغداد، وعرض عليه تسليمه خزائن المدينة مُقابل الرُجوع عنها. ونقلوا إليه وعد الخليفة بأنَّهُ سيذكر اسم هولاكوفي خُطب أيَّام الجُمُعة وسيدعوله على المنابر في كافَّة المساجد. غير أنَّ هولاكورفض كُل ذلك وأراد الانتقام من الإهانة التي لحقت بِرُسُله، وأجاب الوفد بأنَّه «لم يبتر كُل تلك المسافة لِيُفوِّت زيارة الخليفة» وأنَّهُ «سيرجعُ بإذنه بعد حتى يزوره ويُكلِّمه»، واستأنف المسير.

وفي الطريق، بعث هولاكوبِقُوَّاتٍ يقودها قدغان وخطغا نوين هاجمت الأكراد عند ديار بكر، ففزع الكُرد وفرّوا إلى الجبال، لكنَّ المغول تعقبوهم وذبحوا وأسروا منهم الكثير. ونهبوا كرمانشاه ثم هاجموا طلائع جيش بغداد، وأسروا أيبك الحلبي وسيفُ الدين قلج واستخدموهما كمُرشدين لِقُوَّات المغول. وفيعشرة مُحرَّم 656 هـ المُوافق فيه 16 كانون الثاني (يناير) 1258م، عبر بايجونويان وبوقا تيمور وسونجاق نهر دجلة من ناحية الدُجيل ووصلوا لنواحي نهر عيسى حيثُ افترقا، وتابع بايجوخان زحفه بالجيش إلى غرب بغداد. لمَّا سمع الوزير مُجاهد الدين أيبك الدوادار الذي كان يقود جيش بغداد مع «ابن قر» أنَّ المغول عبروا ضفَّة دجلة الغربيَّة، سارع والتحم بِقُوَّات سونجاق وبوقا تيمور على حُدود الأنبار، فحقق نصرًا مُؤقتًا التحقت على إثره فُلول قُوَّات سونجاق وبوقا تيمور بِقُوَّات بايجو. فما كان من المغول إلَّا حتى فتحوا سدًا على النهر، فغمر الماء الصحراء، وحُوصر جيشُ بغداد. وفي الفجر، هاجم بايجووبوقا تيمور قُوَّات مُجاهدُ الدين وابن قر، وهزموا جيش بغداد، فقُتل ابن قر ومات وغرق 12,000 رجل، وفرَّ مُجاهدُ الدين إلى بغداد، وفرَّ البعض من الجُنود إلى الحلَّة والكُوفة. ثُمَّ واصل بوقا تيمور وبايجووسونجاق الزحف حتَّى بلغوا غرب بغداد. مرَّ هولاكوبخانقين، وسار منها إلى شرق بغداد في 12 مُحرَّم 656 هـ المُوافق فيه 18 كانون الثاني (يناير) 1258م، فحاصر المغول بغداد من كُلِّ جهة بذلك. وقد شاركت بعض قوات المُسلمين من مذاهب إسلاميَّة مُختلفة في هُجوم المغول على بغداد، فشاركت قُوَّات بدرُ الدين لؤلؤ بقيادة ابنه الصالح رُكن الدين إسماعيل في جيش المغول، وهي نفس القُوَّات التي حاصرت ميافارقين بعد ذلك، وضربتها بالمجانيق. واكتمل الجيش بقدوم قُوَّات هولاكوفي 13 مُحرَّم 656 هـ المُوافق فيه 19 كانون الثاني (يناير) 1258م، لِيجتمع بذلك نحو200,000 مُقاتل وفق تقدير ابن كثير.

حصار ودك بغداد

مخطوطة تصور حصار المغول لِبغداد قبل إقتحامها.

يوم 23 مُحرَّم 656 هـ المُوافق فيه 29 كانون الثاني (يناير) 1258م، بدأ قصف المغول لِبغداد بالمجانيق. كان هولاكوفي قلب جيشه مُحاصرًا لِلمدينة عبر البُرج العجمي، والقادة کوکه إیلگه نويان وفربا أمام بوابة كلواذي، وقولي وبولغا وتوتار وشيرامون وأرقيوأمام باب سوق السلطان، وبايجووسونجاق أمام غرب المدينة عند البيمارستان العضدي، وتمكنت المجانيق من إحداث ثغرة في البرج العجمي. أحسَّ الخليفة بِالخطر، وأنَّ الأمر قد خرج من يديه؛ فسعى في التوصُّل إلى حلٍ سلميٍّ مع هولاكو، وينقل ابن كثير قصَّة مفادُها أنَّ ما أيقظ الخليفة وجعلهُ يُدرك مدى الخطر المُحيط به وبالدولة والإسلام والناس، أنَّه وأثناء الحصار، كان المُستعصم يتلهَّى بالجواري والرَّاقصات من حوله، فأُصيبت جارية كانت تلعب بين يديه وتُضحكه تُدعى «عهدة»، أثناء تبادل رشق النبال مع المغول، مما أثار فزع الخليفة، ولمَّا أُحضر السهم الذي اغتال الجارية، وُجد مكتوبًا عليه: «إِذَا أَرَادَ اللهُ إِنفَاذَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ أَذهَبَ مِن ذَوِي العُقُولِ عُقُولَهُمُ». ناشد الخليفة هولاكوحتى يصرف النظر عن الحصار، وبعث إليه بِوزيره يقول له أنَّهُ لبَّى طلبه كما أمر، والآن عليه حتى يفي بوعده ويكف الأذى عن المدينة وأهلها. فردَّ عليه هولاكويقول بأنَّهُ طلب ذلك عندما كان لا يزالُ على باب همدان، أمَّا الآن فقد أصبح على أبواب بغداد، وأصبح هُناك فتنةٌ وقتلٌ وهرجٌ ومرجٌ، عمليه الآن حتى يُرسل الثلاثة: الدوادار وسُليمان شاه وابن العُلقُمي. فأوفد إليه الخليفة في اليوم التالي وزيره وصاحب الديوان وبضعة شخصيَّات أُخرى، لكنَّ هولاكوردَّهم إليه واستمرَّ العراك والدك ستَّة أيَّام. ثُمَّ رمى المغول بغداد بِسهامٍ فيها رسائل فحواها أنَّ المغول أمَّنوا العُلماء والقُضاة والشُيوخ والأكابر والتُجَّار، وكُل من لم يُشارك في القتال.

في يوم الجُمُعة 26 مُحرَّم 656 هـ المُوافق فيه 1 شُباط (فبراير) 1258م، هدم المغول جُزءٌ من البُرج العجمي، وبعد ثلاثة أيَّام تسلَّق المغول البُرج، وقتلوا حاميته. وبِحُلول مساء ذلك اليوم، سيطر المغول على الأسوار الشرقيَّة. كما أمر هولاكوبنصب المجانيق على مجرى النهر، وبتر أي مُحاولة لِلهُروب عبره. وكان مُجاهدُ الدين الدوادار قد الفرار من بغداد في سفينة، إلَّا أنَّ المغول أغرقوها، بعد حتى قذفته قُوَّات بوقا تيمور بِحجارة المنجنيق والسهام وقوارير القطران، فعاد بأسوأ حال إلى المدينة. لمَّا يئس الخليفة من المُقاومة، أوفد إلى هولاكويُلاطفه بالهدايا، فلم يهتم الأخير، وفي اليوم التالي، أوفد الخليفة ولده أبي الفضل بِأموالٍ لِهولاكوفرفضها، ثُمَّ أعاد الكرَّة في اليوم التالي، فأوفد ابنًا آخر لهُ ومعه أحد الوُزراء ليتشفَّعوا عند هولاكو، فأبى أيضًا. وتشيرُ بعض المصادر إلى أنَّ الأقليَّات الدينيَّة والعرقيَّة في بغداد لمَّا أدركت أنَّ المدينة ستسقط لا محالة، سارعت إلى التفاوض سرًا مع المغول، وبينهم أفراد الحامية التُركيَّة الذين اتصلوا بإخوانهم التُرك في جيش هولاكووقرروا عدم مُقاتلتهم.

استسلام وسُقوط بغداد

أوفد هولاكوإلى الخليفة العبَّاسي يقول له أنَّه حُرٌّ في الخُروج أوالبقاء داخل المدينة، لكنَّ جيش المغول لن يُبارح الأسوار حتَّى يخرج سُليمان شاه والدوادار، فخرجا إليه. إلَّا أنَّ المغول طالبوهما بِالعودة والخُروج مع أتباعهما من الجُنود، فعملا وخرج معهُما عساكر بغداد مُستسلمين. ولمَّا كانت أعداد المُستسلمين كبيرة جدًا، قسَّمهم المغول لِمجموعاتٍ من أُلوفٍ ومئاتٍ وعشراتٍ وذبحوهم جميعًا. وقبض هولاكوعلى سُليمان شاه ومعهُ حوالي 700 إنسان من أقاربه، وسألهُ قائلًا: «لَمَّا كُنتَ مُنَجِّمًا، وَمُطَّلِعًا عَلَى أَحوَالِ السَّعدِ وَالنَّحسِ لِلبِلادِ، كَيفَ لَم تَتَنَبَّأ بِسُوءِ مَصِيرِك،يا ترى؟ وَلِمَا لَم تَنصَح مَخدُومِكَ كَي يَأتِيَنَا بِطَرِيقِ الصُّلح؟». فردَّ عليه سُليمان شاه قائلًا: «الخَلِيفَةُ كَانَ مُسْتَبِدًّا بِرَأيِهِ، مَنكُودَ الطَّالِعِ، فَمَا سَمِعَ نَصَائِحَ النَّاصِحِين». فأمر هولاكوبِقتله هووكُل أتباعه، وبعث بِرُؤوس سُليمان شاه والدوادار وابنه تاج الدين إلى بدر الدين لؤلؤ لتُعلَّق في الموصل. ولمَّا رأى بدر الدين لؤلؤ ما حلَّ بِسُليمان شاه بكى وحزن أشدَّ الحُزن لأنَّ الأخير كان من أصحابه، لكنَّهُ عمل ما أمر به هولاكوخوفًا من إثارة غضبه عليه.

يقول المُؤرِّخ بدرُ الدين العيني أنَّ المغول كانوا يستدعون الأكابر من دار الخِلافة، فيخرُج الواحد منهم بِعياله ونسائه فيأخُذوهم إلى مقبرة الخلال ويذبحونهم كما تُذبح الخرفان ويأخدون بناتهم وجواريهم. وخرجت جماعةٌ أُخرى من الأعيان تطلب الأمان والاستسلام، وأعربوا لِهولاكوأنَّ الخليفة خارجٌ أيضًا مع أبناءه، وأنَّ هُناك فئةٌ أكبر من الناس ستخرج طائعةً لِلإلخان، وطلبوا منه الصبر عليهم قليلًا. وكاد هولاكوحتى يستجيب لِطلب البغداديين لولا حتى أُصيب أحد كِبار أُمراء المغول ومسماه «هندوالبيتكجي» بِسهمٍ في عينه، مما أثار غضب الإلخان وقرر ألَّا يُعتق بغداد، ولم يُعطِ أهلها الأمان. ولجأ المُستعصم إلى وزيره ابن العُلقُمي وسألهُ: «مَا تَدبِيرُ أَمرِنَا؟» فأجابهُ ابن العُلقُمي ببيت شعرٍ يقول:

يظُنُّون أنَّ الأمر سهلٌ وإنَّما هوالسيفُ حدت للإمرِ مُضاربة

وفي يوم الأحدخمسة صفر 656 هـ المُوافق فيهعشرة شُباط (فبراير) 1258م، خرج المُستعصم وأولاده أبوالفضل عبدُ الرحمٰن وأبوالعبَّاس أحمد وأبوالمناقب مُبارك، ومعهم 700 من القضاة والفقهاء والأُمراء ورجال الدولة والأعيان لِلقاء هولاكو، فأُوقفوا وسُمح لِسبعة عشر رجلٍ فقط بمُصاحبة الخليفة إلى هولاكو، وأُمر بالباقين فقُتلوا، وأمر هولاكوالخليفة بأن يأمر سُكَّان بغداد بالخُروج دون أسلحة ليتم إحصائهم، فعملوا، فغدر بهم المغول وقتلوهم. ثم وُضع الخليفة وأولاده وأتباعه تحت الحراسة بالقُرب من باب كلواذي في معسكر خطغا نويان.

دُخول المغول لِبغداد

المذبحة الكُبرى وتدمير بغداد

في يوم الأربعاءتسعة صفر 656 هـ المُوافق فيه 14 شُباط (فبراير) 1258م، اجتاح المغول طُرقات بغداد، واستباحوها وقتلوا كُلَّ نفسٍ صادفتهم ونهبوا وحرقوا كُل ما صادفوه عدا بعض بُيُوتٍ للرُعاة والغُرباء، كما أمَّن المغول سُكَّان بغداد المسيحيين على حياتهم بِتوصية من زوجة هولاكوالنسطوريَّة دوقوز خاتون وكذلك اليهود ومن التجأ إلى دار ابن العُلقُمي، وطائفةٌ من التُجَّار بذلوا المال ليسلموا وذويهم من القتل. وكان أغنياء بغداد من المُسلمين يُدركون المكانة التي يحتلها السُريان لدى هولاكولذا سارعوا إلى وضع أموالهم أمانةً لدى بطريرك السُريان النساطرة لكي لا ينهبها جُنود هولاكو. وعرض هولاكوقصر الخلافة لِلبطريرك سالف الذِكر، وأمر لهُ بِبناء كاتدرائيَّة، وأقدم المغول على إحراق عدد من معالم المدينة وأماكنها المُقدَّسة، مثل جامع الخليفة ومشهد موسى الجوَّاد ومقابر الخُلفاء. ودمَّروا بيت الحكمة وغيره من مخطات بغداد النفيسة، وألقوا بالكُتب في نهر دجلة حتى أسودَّ لونه من المداد، وأشارت بعض المصادر أنَّهُ لمَّا كان المُسلمون من أهل السُنَّة والشيعة على خلاف، فقد شارك الشيعة في نهب بغداد واستفادوا من المُناسبات الأُخرى لتصفية حساباتهم القديمة مع أهل السُنَّة. وتمكَّن نصير الدين الطوسي من نقل قدرٍ من كُتب بغداد إلى مدينة مراغة، وأنشأ فيها دارًا جديدة للحكمة ورصد خانة.

استباح المغول بغداد أربعين يومًا، فمالوا على البلد وقتلوا جميع من قدرُوا عليه من الرِّجال وَالنِّساء والولدان والمشايخِ والكُهُول والشُّبَّان، فكانوا يذبحون الرجل، ويسبون من يختارونه من بناته وجواريه، ولم ينجُ من هذه المذبحة سوى القليل، وأغلبهم كان ممن اختبأ في الآبار وأقنية المجارير والأوساخ، وأقدم بعض الناس على الاختباء في الحانات والدكاكين وأقفلوا الأبواب على أنفُسهم، فكان المغول يكسرون الأبواب أويحرقوها، ويقتحمون تلك الأماكن ويقتلون من فيها، وقام بعض هؤلاء بِمُحاولة الاحتماء على السُطوح، فكان المغول يصعدون ورائهم ويذبحونهم، فتسيلُ دمائهم في المزاريب إلى الأزقَّة. يقولُ ابن كثير: «... وَدَخَلَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي الْآبَارِ وَأَمَاكِنِ الْحُشُوشِ، وَقُنِيِّ الْوَسَخِ، وَكَمَنُوا كَذَلِكَ أَيَّامًا لَا يَظْهَرُونَ، وَكَانَ الْفِئَامُ مِنَ النَّاسِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْخَانَاتِ، وَيُغْلِقُونَ عَلَيْهِمُ الْأَبْوَابَ، فَتَفْتَحُهَا التَّتَارُ إِمَّا بِالْكَسْرِ أَوْ بِالنَّارِ، ثُمَّ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ فَيَهْرُبُونَ مِنْهُمْ إِلَى أَعَالِي الْمَكَانِ، فَيَقْتُلُونَهُمْ فِي الْأَسْطِحَةِ، حَتَّى تَجْرِيَ الْمَيَازِيبُ مِنَ الدِّمَاءِ فِي الْأَزِقَّةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ...». وحرق المغول كُتب الفهم والأدب، وقيل أنهم استخدموها جسرًا لِعُبور النهر.

اختلف المؤرخون في عدد من قُتلوا في بغداد، فمنهم من قدَّرها بِحوالي 90,000 أو200,000 قتيل، وحسب المصادر الفارسيَّة فإنَّ القتلى تراوح عددهم ما بين 800,000 إلى 2 مليون، ونطق ابن تغري بردي أنهم بلغوا أكثر من 1,800,000 نفس، أومليوني نفس، فيما رجَّح المضىي في كتابه «تاريخ الإسلام» حتى القتلى كانوا 800,000 نسمة. وبعد الأربعين يومًا، أوفد أهل بغداد شرف الدين المراغي وشهاب الدين الزنجاني إلى هولاكويطلبون الأمان، فأصدر هولاكوأوامره بوقف النهب، وانصرف أهل بغداد إلى مُزاولة أنشطتهم اليوميَّة.

إعدام المُستعصم

مُخطط لِهُولاكووهويحبس الخليفة عند كُنوزه.

في يوم الجُمُعة 11 صفر 656 هـ المُوافق فيه 16 شُباط (فبراير) 1258م، ولج هولاكوقصر الخليفة، وأمرهُ حتى يدُلَّه على كُنوزه، فدلَّهُ الخليفة من خوفه على أحواضٍ تحت ساحة القصر، مملوءة بالمضى الأحمر، وكان هولاكوقد نطق للخليفة أنَّ المغول ضُيوفه وهوالمُضيف، عمليه حتى يُحضر لهم ما يليقُ بهم، أي أموال وكُنوز بني العبَّاس. وكان الخليفة من شدَّة خوفه نسي موضع مفاتيح الخزائن، فطلب كسر الأقفال، ومنح هولاكو2000 ثوب و10,000 دينار ونفائس ومُرصَّعات وجواهر. فأخدها هولاكومن غير اكتراث وأعطاها لِلأُمراء والموجودين. ويذكر مُؤرِّخ المغول رشيد الدين فضل الله الهمذاني أنَّ ما جمعهُ بني العبَّاس خلال خمسة قُرونٍ من أموال أصبح غنيمةٍ للمغول، فجمعوه وكدَّسوه حتَّى صار وكأنَّهُ جبلٌ على جبل. وسأل هولاكوالخليفة لمَّا رأى كثرة أمواله: «إِذَا كُنْتَ تَعرِفُ أنَّ الذَّهَبَ لَا يُؤكَلُ فَلِمَ احتَفَظتَ بِهِ، وَلَم تُوَزِّعَهُ عَلَى جُنُودِكَ، حَنَّى يَصُونُوا لَكَ مُلكَكَ المَورُوثُ مِن هَجَمَاتِ هَذَا الجَيشِ المُغِيرِ،يا ترى؟ وَلِمَ لَم تُحَوِّلَ تِلكَ الأَبْوَابَ الحَدِيدِيَّةِ إلى سِهَامٍ وَتُسرِعَ إِلى شَاطِئَ نَهرَ جَيحُون لِتِحُولَ دُونَ عُبُورِي؟» فنطق الخليفة: «هَكَذَا كَانَ تَقدِيرُ الله»، فردَّ هولاكو: «وَمَا سَوفَ يَجرِي عَلَيكَ إِنَّمَا هُوَ تَقدِيرُ الله». ثُمَّ أمر هولاكوبجمع حريم الخليفة وإحصائهم، فكانوا 700 زوجة ومُلك يمين و1000 جارية، فأمره بأن يختار منهن مائة، فاختارهم الخليفة من قريباته والمُحظيات لديه. ثُمَّ أمر هولاكوبِوضع الخليفة في السجن وأن يُمنع الطعام عنه، ولمَّا طلب المُستعصم بشيءٍ من الطعام أوفد له هولاكوطبقًا فيه جواهر مضى وفضَّة وطلب منه حتى يأكلهم.

وفي 14 صفر 656 هـ المُوافق فيه 19 شُباط (فبراير) 1258م، أوفد هولاكوفي طلب الخليفة الذي شعر أنَّ استنادىئهُ علامة نحسٍ كبيرة، فسأل وزيره ابن العُلقُمي: «ما حيلتُنا؟». فردَّ عليه ابن العُلقُمي باستهزاء: «لحيتُنا طويلة»، مُشيرًا ومُستذكرًا نكاية مُجاهد الدين الدوادار بِنصيحته عندما نطق للخليفة حتى يُرسل هدايا وعطايا إلى المغول لِيتجنَّب الحرب مع هولاكو، فرفض الدوادار تلك النصيحة ونطق: «لحيةُ الوزير طويلة». ولمَّا يئس الخليفة من إنقاذ حياته استأذن في حتى يمضى إلى الحمَّام لِيُجدد اغتساله ويكون على طهارةٍ إذا قرر المغول قتله. فأمر هولاكوخان بأن يمضى مع خمسةٍ من المغول، ولكنَّ الخليفة نطق: «أنا لا أريد حتى أمضى بصحبة خمسةٍ من الزبانية»، وكان يُنشد بيتين أوثلاثة من قصيدة:

وأصبحنا لنا دارٌ كجنَّاتٍ وفردوس وأمسينا بِلا دارٍ كأن لم نُغنِّ بالأمس

وفي مساء ذلك اليوم، أمر هولاكوبِإعدام الخليفة، فقتلهُ المغول بعد حتى جُمع في سجَّاد، وركلوه ركلاً بالأرجل حتَّى مات، وقيل خنقوه أوأغرقوه. وقيل أنَّهم قتلوه بهذه الطريقة كي لا تسيل دماءه على الأرض فيُصبح له ثأر بين المُسلمين. وكان عُمرُهُ يومئذٍ ستًّا وأربعين سنةً وأربعة أشهُرٍ، وبلغت مُدَّةُ خِلافَتهِ خمس عشرة سنةً وثمانيةُ أشهُرٍ وأيَّام. كما اغتال المغول الابن الأكبر لِلخليفة أبوالعبَّاس أحمد ولهُ خمسٌ وعُشرون سنة، ثُمَّ قُتل ولدهُ الأوسط أبوالفضل عبدُ الرحمٰن ولهُ ثلاثٌ وعُشرون سنة، وأُسر ولده الأصغر مُبارك وسُبيت بناته فاطمة وخديجة ومريم. كما قُتل خمسةٌ من الخدم الذي كانوا يتبعون الخليفة وأولاده في قرية «وقف»، وبعد بضعة أيَّام أُرسل مُبارك الابن الأصغر إلى أولجاي خاتون فأوفدتهُ إلى مراغة لِيكون مع الخواجة نصيرُ الدين الطوسي ثُمَّ زوجه المغول من امرأةٍ مغولية فأنجب منها بولدين. وفي اليوم التالي لِإعدام الخليفة، تتبع المغول العباسيين قتلًا، فقضوا على كُلِّ شخصٍ وجدوه حيًّا من العبَّاسيين إلَّا أفرادًا قلائل لم يأبهوا لهم. وبذلك قُضي على دولة خُلفاء آل العبَّاس الذين حكموا بعد بني أُميَّة وكانت مُدَّة خلافتهم خمسًا وعشرين وخمسُمائة سنة وعددهم سبعةٌ وثلاثون خليفة.

بعد سُقوط بغداد

خُروج الناس من مخابئهم

كان من بقي على قيد الحياة من أهالي بغداد قد أصبح في أسوأ حال، بعد حتى مضى عليهم أربعين يومًا مُختبئين في الأقنية والمجاري تحت الأرض، ولمَّا نُودي بِبغداد بِالأمان خرج من كان تحت الأرض بِالمطامير والقُنيِّ والمغاير، كأنَّهم الموتى إذا نُبشوا من قُبورهم، وبلغ من هول صدمة الناس وخوفهم حتى أنكروا بعضهم بعضًا، فلم يعهد الوالد ولدهُ، ولا الأخ أخاه، وظلَّوا على تلك الحال فترةً من الوقت حتَّى أدركوا نهاية محنتهم، فبادروا إلى دفن الضحايا المُتناثرين، وطهَّروا الطُرق من جُثث القتلى والحيوانات النافقة وفتحوا الأسواق من جديد.

ترتيبات المغول

أقرَّ المغول ابن العُلقُمي وعددًا من رجال الخليفة على مناصبهم، فأبقوا الأخير في منصب الوزارة، وأوفدوا فخر الدين الدامغاني لِيكون صاحب الديوان وجعلوا علي بهادُر شحنة لها وعينوا المُحتسبين لمراقبة المقاييس والأوزان ونصبوا عمادُ الدين عُمر القزويني نائبًا للأمير قراتاي وهوالذي عمَّر مسجد الخليفة ومشهد موسى الجوَّاد، وكذلك نُصب نجمُ الدين أبوجعفر أحمد بن عُمران الملقب بِـ«راست دل» واليًا على أعمال شرقيّ بغداد مثل طريق خُراسان والخالص البندنيجين، وأمر هولاكوبِأنقد يكون نظامُ الدين عبد المنعم البندنيجي قاضيًا للقُضاة واختار کوکه إیلگه وبوقا تيمور ومعهُما ثلاثة آلاف من فُرسان المغول وبعث بهم إلى بغداد لِيقوموا بالعمارة في الحال وليعملوا على استتاب الأمن. كما أقرُّوا بدرُ الدين لؤلؤ على إمارة الموصل، وفي يوم الخميس التاسع والعشرين من صفر جاء إلى الدركاة شرفُ الدين ابن الوزير ابن العُلقُمي ومعهُ صاحب الديوان لِتلقي التعليمات ثم عادا وفي يوم الجُمُعة الثالث من العشرين رحل هُولاكوونزل بقية الشيخ مكارم، ومن هُناك كان يسير فترة بعد فترة إلى حتى بلغ معسكراته في خانقين. وينقل ابن كثير أنَّ ابن العُلقُمي كان يعتزم تعطيل المدارس والمساجد والرُبط السُنيَّة بِبغداد، ويستمر بالمشاهد والمدارس الشيعيَّة فحسب، وأراد حتى يبني للشيعة مدرسةٌ ينشُرون بها عُلومهم الفقهيَّة، لكنَّهُ لم يتمكَّن من ذلك، إذ لم يُعمِّر بعدها كثيرًا، فمات في مُستهل جُمادى الآخرة بعد شُهُورٍ يسيرةٍ من سُقوط بغداد، وخلفه ابنه في منصبه، لكنَّهُ توفي أيضًا قبل انقضاء العام. وبعد سنةٍ عيَّن هولاكوعطاء الملك الجُويني حاكمًا على بغداد وجنوب العراق وخوزستان.

انتشار الأوبئة والأمراض

رُغم اختلاف التقديرات حول عدد القتلى في بغداد إلَّا أنَّهُ من المُتفق أنَّها كانت أعدادًا ضخمةً جدًا، وقد تناثرت الجُثث في الطُرقُات كأنها التُّلُولُ، ثُمَّ تساقطت عليهم الأمطار فتغيَّرت صُورتهم، وأنتنت المدينة من جيفهم، وتغيَّر الهواء، واضطر هولاكوحتى ينقل مُخيمه من المدينة بِسبب رائحة العُفونة التي انطلقت من جيف القتلى. وحصل بِسبب ذلك وباءٌ شديد حتَّى تعَدَّى وسرى في الهواء إِلى الشَّام، فمات خلقٌ كثيرٌ من تغيُّر الجوِّ وفسادِ الرِّيحِ في حلب ودمشق. يقولُ ابن كثير في هذا المجال: «فَاجْتَمَعَ عَلَى النَّاسِ الْغَلَاءُ وَالْوَبَاءُ وَالْفِنَاءُ وَالطَّعْنُ وَالطَّاعُونُ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ». وسُرعان ما أُصيب بالوباء الكثير من الأشخاص الذين نجوا من المذبحة، فماتوا هم أيضًا. ويُنطق أنَّ هولاكوكان قد عقد العزم على إحراق بغداد عن بُكرة أبيها قبل حتى يُغادرها لِكثرة ما أنتن جوُّها وبعد حتى لم يبقى فيها من معالم الحضارة والعمران إلَّا اليسير، لكنَّ خطغا نصحهُ ألَّا يعمل لأنَّ بغداد مدينة كبيرة ومقصد التُجَّار من كُل حدبٍ وصوب، ويُمكنُها حتى تأتي للمغول بالأموال الطائلة، فصرف هولاكوالنظر عن إحراقها.

التحضير لِغزوالشَّام ومصر

خريطة تُوضح غزوات المغول للشَّام وأماكنها.

بعد الانتهاء من بغداد، عاد هولاكوإلى خانقين للتجهيز لغزوالشَّام، وهُناك استقبل رُسُل النَّاصر يُوسُف الأيُّوبي صاحب حلب يسأله مُعاونته على غزومصر للانتقام من المماليك الذين انتزعوا البلاد من الأيُّوبيين، على الرُغم من أنَّ الصُلح كان قائمًا بين الطرفين بِدعمٍ من الخليفة العبَّاسي المُستعصم، الذي كان قبل الغزوالمغولي قد أوفد رسولًا إلى النَّاصر يُوسُف يأمُرهُ بِمُصالحة الملك المُعز أيبك وأن يتفقا على حرب المغول. ويبدوأنَّ موجة الرُعب التي أثارتها أخبارُ المغول ووحشيَّتهم جعلت الطرفين يستجيبان في سُهولةٍ لِدعوة الخليفة المُستعصم، فتمَّ الصُلح بِشرط حتىقد يكون لِلمماليك مصر حتَّى نهرُ الأُردُن وللأيُّوبيين ما وراء ذلك من بلاد الشَّام، بِمعنى حتى تستولي سلطنة المماليك على غزَّة وبيت المقدس ونابلس والسَّاحل كُلِّه فضلًا عن مصر. ولكن يظهر أنَّهُ كان لِسُقوط بغداد أثرٌ كبيرٌ في جعل الناصر يُوسُف يعدل عن الصُلح ويطمع في استرجاع مصر، فنادى هولاكوإلى التعاون. وكان حتى استجاب هولاكولِتلك الدعوة، وقرَّر إرسال قُوَّة من عشرين ألف فارس إلى الشَّام، ولم يلبث المغول حتى زحفوا من العراق على الشَّام، فانتقلوا في سُرعةٍ مُذهلةٍ من ديار بكر إلى آمُد يُريدون حلب. ولم يُوفَّق المُسلمون في الدفاع عن حلب فدخلها المغول وقتلوا ونهبوا وسلبوا وعملوا عادة عملهم. وهُنا أفاق النَّاصر يُوسُف لِحقيقة خطر المغول، فأوفد إلى قريبه المُغيث عُمر صاحب الكرك والمُظفَّر قُطُز صاحب مصر يطلب منهُما النجدة السريعة. على أنَّهُ يظهر أنَّ كثيرًا من الأُمراء بالشَّام خافوا عاقبة مُقاومة المغول ونادوا بِأنَّهُ لا فائدة من تلك المُقاومة، فأخذ الأمير زينُ الدين الحافظي يُعظِّم من شأن هولاكووأيَّد مبدأ الاستسلام له، ولكنَّ الأمير رُكن الدين بيبرس البندقداري - أحد أُمراء المماليك البحريَّة بالشَّام - لم يُعجبه ذلك القول، فقام وسبَّهُ وضربه ونطق له: «أَنْتُمُ سَبَبُ هَلَاكُ المُسْلِمِيْن!» ولم يرضَ بيبرس ومن معهُ من البحريَّة عن مسلك الناصر يُوسُف وأُمراء الشَّام، فساروا إلى غزَّة، وأوفد بيبرس إلى السُلطان قُطُز يعرض عليه توحيد جُهود المُسلمين ضدَّ خطر المغول. وفي الحال استجاب قُطُز للدعوة، فأوفد إلى بيبرس يطلب منهُ القُدوم، واستقبلهُ بِدار الوزارة وأبترهُ قليوب وأعمالها.

اقرأ نصاً ذا علاقة في

رسالة هولاكوإلى قطز


باب زويلة في القاهرة، حيثُ عُلِّقت رُؤوس الرُسل المغول.

اضطربت أحوالُ الشَّام نتيجةً لِغزوالمغول، إذ لم يمضِ على استيلاء هولاكوعلى حلب ستة عشر يومًا حتَّى أخذ في الزحف على دمشق، فدخلها المغول ونهبوها، ثُمَّ ساروا إلى بعلبك واتجهت طائفةٌ منهم إلى غزَّة، وخربوا بانياس وأثمنوا البلاد حربًا وملأوها قتلًا ونهبًا. ولم يلبث حتى وصل إلى قُطُز بِمصر خطاب تهديد من هولاكويطلب منهُ التسليم ويقُولُ له: «يَعلَمُ المَلِكُ المُظَفَّرُ قُطُز وَسَائِرَ أُمَرَاءَ دَوْلَتِهِ وَأَهلَ مَملَكَتِهِ بِالدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الأَعمَالِ، أَنَّا نَحنُ جُندَ الله فِي أَرضِهِ، خَلَقَنَا مِن سَخطِهِ وَسَلطِهِ عَلَى مَن حَلَّ بِهِ غَضَبِهِ... فَاتَّعِظُوا بِغَيْرِكُمُ.. فَنَحْنُ لَا نَرْحَمُ مَن بَكَى وَلَا نَرُقُّ لِمَن شَكَى...». وختم رسالتهُ بِقصيدةٍ اتى في مطلعها:

ألا قُل لِمصر ها هُلاون قد أتى بِحدِ سُيوفٍ تُنتضى وبواترُ
يصيرُ أعزُّ القوم منا أذلةً ويُلحق أطفالًا لهم بالأكابرُ

ولكنَّ قُطُز لم يجبن أمام ذلك التهديد، فقتل رُسُل المغول وعلَّق رُؤوسهم على باب زويلة، فكانت أوَّل من عُلِّق على باب زويلة من رؤوس المغول. ولمَّا عثر قُطُز أنَّ بعض الأُمراء مُترددون في الخُروج لِحرب المغول صاح فيهم: «يَا أُمَرَاءَ المُسْلِمِين! لَكُم زَمَانٌ تَأكُلُونَ أَموَالَ بَيْتِ المَالِ وَأَنتُم لِلغُزاةِ كَارِهُون،يا ترى؟ أَنَا مُتَوَجِّهٌ فَمَن اخْتَارَ الجِهَادَ يَصْحَبُنِي وَمَن لَم يِخْتَر ذَلِكَ يَرْجِع إِلَى بَيْتِهِ فَإِنَّ الله مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ وَخَطِيئةُ حَرِيْمُِ المُسْلِمِينِ فِي رِكَابِ المُتَأَخِرِين!» إلى غير ذلك التقى المغول بِجيش المماليك من مصر والشَّام يوم 25 رمضان 658 هـ المُوافق فيه ثلاثة أيلول (سپتمبر) 1260م في عين جالوت الحاسمة التي أوقفت زحف المغول في الشرق الأوسط، وكانت البداية نحوتحريره من الهيمنة المغوليَّة.

بداية غُروب شمس الحضارة الإسلاميَّة

كان لِسُقوط بغداد دويٌّ هائلٌ وعميقٌ في مُختلف أنحاء العالم الإسلامي. واهتزَّ الحُكَّام المُسلمون في المناطق المُجاورة لِهذا الحدث الجلل. واعتبر المُسلمون في كُلِّ مكان، أنَّ سُقوط الخلافة العبَّاسيَّة صدمةٌ مُريعة، وتحديًا مُخيفًا، كان لهُ أسوأ الأثر في نُفوسهم. عملى الرُغم من أنَّ الخِلافة ظلَّت مُنذُ زمنٍ طويلٍ تفقدُ قدرًا كبيرًا من سُلطتها الماديَّة، فإنَّ مكانتها الأدبيَّة والروحيَّة لا زالت قويَّة. فبكى بغداد الكثير من المُؤرخين والباحثين والعُلماء، منهم ابن الأثير الذي نطق: «لَقَد بَقِيتُ عِدَّة سِنِينَ مُعرِضًا عَن ذِكرِ هَذِه الحَادِثَة اسْتِعْظَامًا لَهَا، كَارِهًا لِذِكرِهَا، فَأَنَا أُقَدِّمُ إِلَيهِ رِجلًا وَأُؤَخّّرُ أُخرى، فَمَن الذِي يَسهُلُ عَلَيهِ أَن يَكتُبَ نَعيَ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ،يا ترى؟ وَمَن الذِي يَهُونُ عَلَيهِ ذِكرُ ذلِكَ،يا ترى؟ فَيَا لَيْتَ أُمِّي لَم تَلِدُنِي، وَيَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبلَ حُدُوثَهَا وَكُنتُ نَسيًا مَنسيًّا». وعبَّر عن هذا الألم تقيُّ الدين إسماعيل التنوخي في قصيدةٍ مشهورة من 66 بيتٍ نطق فيها:

لِسَائِلِ الدَّمْعِ عَنْ بَغْدَادَ أَخْبَارُ فَمَا وُقُوفُكَ وَالأَحْبَابُ قَدْ سَارُوا
يَا زَائِرِينَ إِلَى الزَّوْرَاءِ لاَ تَفِدُوا فَمَا بِذَاكَ الحِمَى وَالدَّارُ دَيَّارُ
تَاجُ الخَلِيفَةِ وَالرُّبْعُ الَّذِي شَرُفَتْ بِهِ المَعَالِمُ قَدْ عَفَاهُ إِقْفَارُ
عَلاَ الصَّلِيبُ عَلَى أَعْلَى مَنَابِرِهَا وَقَامَ بِالأَمْرِ مَنْ يَحْوِيهِ زُنَّارُ
رسالة الخاقان كيوك خان إلى البابا إنوسنت الرابع حول التحالف المغولي الصليبي، مكتوبة باللُغة الفارسيَّة.

وما وقع من استئصال الأُسرة العبَّاسيَّة وتدمير العاصمة، جعل خِلافة المُسلمين شاغرة يتطلَّع إليها كُل زعيمٍ طموحٍ من المُسلمين. فحاول البعض حتى يتبوَّأ هذا المنصب لكنَّهُ فشل، ويبدوأنَّ الناصر يُوسُف صاحب حلب ودمشق فكَّر في الإقدام على إحياء الخلافة العبَّاسيَّة عقب سُقوط بغداد، من خلال استقطاب أحد أبناء البيت العبَّاسي الفارِّين من وجه المغول، فيُعلنه خليفةً في الشَّام. لكن سُرعة تطوُّر الأحداث، عقب قيام دولة المماليك البحريَّة، وبُروز الخطر المغولي، لم يُمكناه من تحقيق ذلك. ونهج المُظفَّر قُطُز نهج الناصر في التفكير، ذلك بأنَّهُ فهم، حين قدم دمشق بعد معركة عين جالوت، بِوُجود أميرٍ عبَّاسيٍّ يُدعى أبا العبَّاس أحمد، قد وصل أخيرًا إلى دمشق، فأمر بِإرساله إلى مصر تمهيدًا لِإعادته إلى بغداد. وتذكر بعض الروايات أنَّ المُظفَّر والىعملًا هذا الخليفة وهوفي دمشق، غير أنَّ حادثة اغتياله حالت دون تطبيق هذا المشروع. وقد شاءت الظُروف حتىقد يكون تطبيق هذا المشروع على يد الظاهر بيبرس الذي شعر بِشدَّة تأثُّر المُسلمين بِسُقوط بغداد وخُلومنصب الخِلافة من خليفةٍقد يكونُ لهُ المقام الروحيّ المرموق، وأصبح الوضع يتطلَّب حتى ينهض زعيم إسلامي طموح يعمل على إعادة إحياء الخِلافة العبَّاسيَّة لِتؤدي دورها القيادي الروحي في العالم الإسلامي، فسقط اختيارهُ على أميرٍ عبَّاسيٍّ آخر هوأبوالقاسم أحمد، فأحضره إلى القاهرة واستقبلهُ استقبالًا حافلًا وبُويع بالخلافة صباح يوم الاثنين 13 رجب 659 هـ المُوافق فيه 15 حُزيران (يونيو) 1261م، وتلقَّب بِلقب «المُستنصر لله»، على أنَّهُ لم يرجع إلى بغداد حيث أضحت قاعدةً للحُكم المغولي، كما رأى بيبرس أنَّ إبقاء الخليفة في القاهرة من شأنه حتى يجعل من الخِلافة سندًا للسلطنة المملوكيَّة ودعمًا روحيًّا لها يجعلها مهيبة الجانب.

وبناءً على هذا، فقدت بغداد قيمتها ومكانتها بعد حتى دُمِّرت معالمها ولم تعد حاضرة الخِلافة، ولم يبقَ في ذهن المُسلمين سوى ذكراها وأخبار عظمتها ومجدها، ويشهد بذلك الرحَّآلة ابن بطوطة الذي زارها خِلال شهر حُزيران (يونيو) سنة 1327م، ووصفها قائلًا: «ذَهَبَ رَسْمُهَا وَلَم يَبْقَ إلَِّا إِسْمُهَا. وَهِيَ بِالإِضَافَةِ إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ قَبْلَ إِنْحَاءَ الحَوَادِثِ عَلَيْهَا وَالْتِفَاتِ أَعْيُنِ النَّوائِبِ إِلَيْهَا كَالطُلَلِ الدَّارِس، أَوتِمْثَالِ الخَيَالِ الشَّاخِص، فَلَا حُسْنَ فِيْهَا يَسْتَوقِفُ البَصَر، وَيَسْتَدْعِي مِنَ المُسْتَوفِزِ الغَفْلَةَ وَالنَّظَر، إِلَّا دِجْلَتَهَا الَتِي هِيَ بَيْنَ شَرْقِيِّهَا وَغَرْبِيِّهَا...». ولقد شكَّل سُقوطُ بغداد ضربةً قويَّةً ِللحضارة والثقافة، فقد كانت هذه المدينة مركزًا هامًّا لِلعُلوم والآداب والفُنون، وغنيَّة بِعُلمائها وأُدبائها وفلاسفتها وشُعرائها. فلمَّا حلَّت بهم النكبة على أيدي المغول، قُتل آلافٌ من العُلماء والشُعراء، وفرَّ من نجا منهم إلى الشَّام ومصر، كما أُحرقت المخطات، وخُرِّبت المدارس والمعاهد، وقُضي على الآثار الإسلاميَّة. ويعتقد بعض المُؤرخين بأنَّ غزوالمغول أثَّر كثيرًا على البُنية التحتيَّة لِأنظمة الري في العراق التي تواجدت مُنذ حضارات ما بين النهرين قبل آلاف السنين. فقد سُدَّت قنوات الري كتكتيكٍ عسكريّ، كما خُرِّبت سُدود وأنهار ونُظم إسقاء، ولم تُرمم بعد ذلك، مما تسبب في مقتل كثيرين أوهجرهم لأراضيهم، يقول المُؤرِّخ والباحث ستيڤن همسلي لونغريك في هذا المجال:

خارطة باللُغة الفارسيَّة تُبيِّنُ المشرق الإسلامي بعد سُقوط بغداد ومُبايعة عدد من أُمراء وسلاطين المُسلمين هولاكوسيدًا عليهم، فكان من وراء ذلك حتى توسَّعت حُدود دولته الإلخانيَّة حتَّى ضمت تام إيران والعراق وأغلب الأناضول والقوقاز.
«العراق قبل سنة 1258 كان مُختلفًا جدًا عن عراق الحاضر. حيث اعتمدت أنظمة الزراعة على شبكة ري عُمرها آلاف السنين. وكانت بغداد من أفضل المراكز الفكريَّة بِالعالم. وتدميرُ المغول لِبغداد كانت ضربة معنوية لِلإسلام بحيثُ من القُوَّة لم تسترد عافيتها، الإسلام تحوَّل فكريًّا وازدادت الصراعات ما بين الدين والفكر وأصبح الدين أكثر تحفُظًا. باستباحة بغداد ذبُل النشاط الفكري. تخيَّل أثينا بمجدها وأرسطوها قد أُزيلت ومُحيت بقُنبُلةٍ نوويَّة فلنتخيل فداحة الضربة. ملأ المغول قنوات الري وأفرغوا العراق من السُّكَّان.»

ابتهج العالم المسيحي بالنصر المغولي على المُسلمين في بغداد، ورحَّب المُلوك والأباطرة والأُمراء النصارى المشرقيين بِهُولاكووزوجته النسطوريَّة، أمَّا النصارى الغربيين الكاثوليك عملى الرُغم من سُرورهم بِسُقوط حاضرة الخِلافة الإسلاميَّة، إلَّا أنَّهم آثروا البقاء على الحياد لمَّا رأوا من قسوة المغول ونهبهم مدينة صيدا التابعة لِهيمنتهم وكذلك انتظارًا لِنتائج الحرب بين المماليك والمغول، وأيضًا بِسبب التجربة السابقة بين الصليبيين والمغول، عندما أوفد البابا إنوسنت الرابع سفارةً إلى الخاقان كيوك خان يعرض عليه التعاون ضدَّ المُسلمين ويدعوه إلى اعتناق المسيحيَّة، فردَّ عليه الأخير حتى يجمع أُمراء الغرب الأوروپي جميعًا لِيأتوا إلى منغوليا لِتقديم فُروض الولاء والطاعة للخاقان، وبعد ذلك يبدأ التعاون، وبالطبع رفض مُلوك أوروپَّا الغربيَّة هذا الطلب وتوجسوا خوفًا من جبروت المغول. تعرَّضت وحدة العالم الإسلامي لِضربةٍ قاسية، وأضحت وحدة المُسلمين من الأُمور التي يصعب أوحتَّى يستحيل تحقيقها، بعد حتى خضع كثيرٌ من الحُكَّام المُسلمين لِلمغول مثل الأتابك سعد بن أبي بكر، وأتابك فارس، والسُلطانين عزُّ الدين كيكاوس بن كيخسرووأخيه رُكن الدين قلج أوفدان بن كيخسروحاكميّ دولة سلاجقة الروم. ويُشيرُ بعض المُؤرخين الإيرانيين المُعاصرين إلى أنَّ الغزوالمغوليّ لِبغداد وإسقاط الخِلافة العبَّاسيَّة كان بداية «استقلال» إيران وانفصالها عن التأثير العربي القوي الذي بدأ مُنذ أيَّام الفُتوحات وُصولًا إلى العهد المغولي، على أنَّ الهويَّة الإيرانيَّة لم تتبلور تمامًا وتنفصل عن الهويَّة العربيَّة الإسلاميَّة إلَّا في عهد الشاه إسماعيل الصفوي.

في موضوع ابن العُلقُمي

يُعتبرُ موضوع ابن العُلقُمي ودوره في إسقاط بغداد أحد أبرز المواضيع الجدليَّة في التاريخ الإسلامي عُمومًا والعبَّاسي خُصوصًا لِما ينطوي عليه من اتهاماتٍ خطيرةٍ تجاه الوزير العبَّاسي، وتجاه الطائفة الشيعيَّة الجعفريَّة. وقد تعرَّض ابن العُلقُمي لِهُجومٍ واسعٍ من قبل الكثير من المُؤرخين المُسلمين عبر التاريخ الذين ألقوا اللوم عليه لِسُقوط بغداد في أيدي المغول، وأغلب هؤلاء من أهل السُّنَّة والجماعة، فيما وقف في صفِّه ودافع عنه جمعٌ آخر من المُؤرخين والعُلماء أغلبهم من الشيعة، مُلقين اللوم على الخليفة العبَّاسي وقلَّة تدبيره وسوء إدارته للبلاد، قائلين أنَّ ابن العُلقُمي كان ناصحًا واعظًا لِلخليفة، لكنَّ الأخير كان لا يُصغي له ويميلُ إلى اللهووالترف. ويُلاحظ كذلك أنَّ عددًا من المُؤرخين السُّنَّة أنصف ابن العُلقُمي واعترفوا بِقُدرته وحنكته السياسيَّة وحُسن تدبيره، قائلين أنَّهُ كان وزيرًا ناصحًا حاول إنقاذ الخليفة وبغداد من المذبحة المُروِّعة وحاول تجنبيهم إيَّاها، لكنَّ حدثاته لم تلقَ آذانًا صاغية.

يقولُ ابن كثير واصفًا خيانة ابن العُلقُمي ومُحملًا إيَّاه ذنب سُقوط بغداد ودماء أهلها: «وَكَانَ الْوَزِيرُ ابْنُ الْعَلْقَمِيِّ قَبْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ يَجْتَهِدُ فِي صَرْفِ الْجُيُوشِ وَإِسْقَاطِ أَسْهُمِهِمْ مِنَ الدِّيوَانِ، فَكَانَتِ الْعَسَاكِرُ فِي آخِرِ أَيَّامِ الْمُسْتَنْصِرِ قَرِيبًا مِنْ مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، مِنْهُمْ مَنَ الْأُمَرَاءِ مَنْ هُوَ كَالْمُلُوكِ الْأَكَابِرِ، فَلَمْ يَزَلْ يَجْتَهِدُ فِي تَقْلِيلِهِمْ إِلَى أَنْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا عَشَرَةُ آلَافٍ، ثُمَّ كَاتَبَ التَّتَارَ، وَأَطْمَعَهُمْ فِي أَخْذِ الْبِلَادِ، وَسَهَّلَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَجَلَّى لَهُمْ حَقِيقَةَ الْحَالِ، وَكَشَفَ لَهُمْ ضَعْفَ الرِّجَالِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ طَمَعًا مِنْهُ أَنْ يُزِيلَ السُّنَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَنْ يُظْهِرَ الْبِدْعَةَ الرَّافِضِيَّةَ، وَأَنْ يُقِيمَ خَلِيفَةً مَنَ الْفَاطِمِيِّينَ، وَأَنْ يُبِيدَ الْعُلَمَاءَ وَالْمُفْتِينَ، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَقَدْ رَدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَأَذَلَّهُ بَعْدَ الْعِزَّةِ الْقَعْسَاءِ، وَجَعَلَهُ حُوشْكَاشًا لِلتَّتَارِ بَعْدَمَا كَانَ وَزِيرًا لِلْخُلَفَاءِ، وَاكْتَسَبَ إِثْمَ مَنْ قُتِلَ بِمَدِينَةِ بَغْدَادَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ، فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ»، ويصفُ في موضعٍ آخر حسناته فيقول: «...وَكَانَ عِنْدَهُ فَضِيلَةٌ فِي الْإِنْشَاءِ، وَلَدَيْهِ فَضِيلَةٌ فِي الْأَدَبِ...». وقد وافق الإمام جلال الدين السيوطي ابن كثير في تخوينه لِابن العُلقُمي، وكذلك عمل قطب الدين اليونيني البعلبكي، والإمام شمسُ الدين المضىي وتاجُ الدين السبكي. ويقول الأُستاذ حسن السوداني، وهوأحد المُؤرخين المُعاصرين، أنَّ ابن العُلقُمي ونصيرُ الدين الطوسي حببا إلى هولاكوفكرة تدمير بغداد بِدافع الحقد لا أكثر، وأنَّ هذا الحقد أعماهُما لِدرجة عدم دفاعهما عن العتبة الكاظميَّة مقام الإمام موسى الكاظم، عندما خرَّبها هولاكووأحرقها. ويُضيف السوداني أنَّ هولاكوكان قد استشار مُنجمًا فلكيًّا مُسلمًا يغارُ على الإسلام وأهله قبل حتى يبدأ غزوته، فنطق لهُ ذلك المُنجِّم أنَّ كُل من تجاسر على التصدي لِلخلافة والزحف بالجيش إلى بغداد لم يبق له العرش ولا الحياة، وإذا أبى الإلخان حتى يستمع إلى نُصحه وتمسَّك بِرأيه فسينتج عنه ست مهالك: تموت الخيل، ويسقمُ الجُند، ولن تطلع الشمس ولم ينزل المطر ثم يموت الخاقان الأعظم. فاستدعى هولاكوالعلَّامة نصير الدين الطوسي الذي نفا ما نطقه المُنجِّم وطمأن هولاكوبأنَّهُ لا توجد موانع شرعيَّة تحول دون إقدامه على الغزو، ولم يقف الطوسي عند هذا الحد بل أصدر فتوى يُؤيِّدُ فيها وجهة نظره بالأدلَّة العقليَّة والنقليَّة ومنح أمثلة على حتى كثيرًا من أصحاب الرسول قُتلوا ولم تقع الكارثة. بناءً على هذا غزا هولاكوبغداد بفتوى الطوسي وبِمعلومات ابن العُلقُمي. ويقول أيضًا أنَّ بعض المُستشارين أشاروا على المُستعصم بِأن ينزل بالسفينة إلى البصرة ويُقيمُ في إحدى الجُزر حتى تسنح الفُرصة ويأتيه نصرُ الله لكن وزيره ابن العُلقُمي خدعه بأنَّ الأُمور ستسير على ما يُرام لوالتقى بهولاكو، فخرج إليه وكان ما كان.

من جهةٍ أُخرى، أشار بعضُ المُؤرخين أنَّهُ من الصعب تقبُّل فكرة خيانة ابن العُلقُمي لِلخلافة العبَّاسيَّة، وتعاونه مع هولاكوعلى إسقاطها، وذلك لِأسبابٍ كثيرة. فمن المُتعارف عليه أنَّ الخِلافة العبَّاسيَّة، كانت في فترة السُقوط والانهيار، وقد تسلَّط على الخِلافة عددٌ من كبار رجال البلاط العبَّاسي، الذين كانوا يُنصِّبون الخليفة الذي يُرضيهم، ويُبعدون من يخشون من قُوَّته وبطشه. وكان هؤلاء قد لعبوا دورًا أساسيًّا في وُصول المُستعصم بعد موت المُستنصر، ومن أبرزهم الدوادار قائد الجيش، وسُليمان شاه. وكان حتى سقط الخلاف بين الدوادار وابن العُلقُمي، سنة 654 هـ، وذلك بعد حادثة الغرق المُستعصمي، وهوما دفع إلى قيام جماعات من اللُصوص والُمشاغبين بِأعمال السلب والنهب والاعتداء على النَّاس. وعمد الدوادار إلى احتضان هذه الفئات حتَّى قوي أمره، بينما كانت الخِلافة ضعيفة، فقرَّر عندها خلع المُستعصم، إلَّا أنَّ ابن العُلقُمي وصله خبر الدوادار وخيانته، فأبلغ الخليفة الذي عمد إلى استنادىء الدوادار وأبلغهُ بما نطقهُ لهُ ابن العُلقُمي، فما كان من هذا الأوَّل إلَّا حتى نفى بشدَّة، ودافع عن نفسه مُتهمًا ابن العُلقُمي بِالعمالة لِهولاكو، فطلب عندها المُستعصم - الذي صدَّقه - منه حتى يبقى مُتيقظًا. ووفق هذه المصادر فإنَّ الدوادار طغى في البلاد وكان المُدبِّر الرئيسيّ لِمجزرة الكرخ التي حصلت بين أهل السُنَّة والشيعة، ويُنسبُ إلى ابن العُلقُمي قصيدةً نطقها مُتألمًا على أحوال بغداد والخلافة:

كيف يُرجى الصَّلاحُ من أمرِ قومٍ ضيَّعوا الحزم فيه أيُّ ضياع
فمُطاع الموضوعِ غيرُ سديدٍ وسديدُ الموضوع غيرُ مُطاع

ويذكر المُؤرِّخ والفقيه صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي روايةً تؤيِّدُ ما سلف، فيقول أنَّ ابن العُلقُمي كان وزيرًا كافيًا خبيرًا بِتدبير المُلك، ولم يزل ناصحًا لأُستاذه حتَّى سقط بينه وبين الدوادار لأنَّهُ كان يتغالى في السُّنَّة، وعضده ابن الخليفة (أحمد وليُّ العهد) فحصل عنده من الضغن ما أوجب لهُ حتى سعى في دمار الإسلام وخراب بغداد على ما مشهور، لِأنَّهُ ضعُف جانبه وقويت شوكة الدوادار بِحاشية الخليفة. ويقول الدكتور سعد بن حُذيفة الغامدي أُستاذ التاريخ الإسلامي والدراسات الشرقيَّة بِكُليَّة الآداب بِجامعة الملك سُعود بِالرياض أنَّ هذه الاتهامات ضد ابن العُلقُمي وما أُلصق به من أُمور الغدر والتشنيع به ما هي إلَّا نتيجة لِذلك العداء المُستحكم الذي كان يسود العلاقات بين هذا الوزير والدوادار وأنها لم تكن إلَّا اتهاماتٍ مُضادة قام بتوجيهها الأخير ضدَّ خصمة الوزير والسبب في ذلك هوأنَّ ابن العُلقُمي والدوادار كانا مُتنافسين كما أنَّ الأوَّل قد تجاوز واتهم الأخير بأنَّهُ كان يُخطط للثورة ضد الخليفة المُستعصم لِلإطاحة به ومن ثُمَّ تنصيب ابنه الأكبر أبوالعبَّاس في مكانه على كُرسيّ الخِلافة.

في الثقافة العامَّة

دام تأثيرُ سُقوط بغداد قويًّا في نُفوس المُسلمين عُمومًا والعرب خُصوصًا حتَّى بعد مُرور مئات السنوات على تلك الحادثة، فأصبحت حدثة «التتر» رديفةُ «الهمج» والهمجيَّة، وشاع في التعابير العاميَّة العربيَّة استعمال بعض المقولات مثل «وصل التتر» في إشارةٍ إلى وُصول حفنة من الأشخاص المُشاغبين. وبقي سُقوط بغداد حيًّا في الذاكرة العراقيَّة تحديدًا واستُخدم في أكثر من مُناسبة لِوصف بعض المخاطر التي هددت المدينة، ففي سنة 2003م، قارن الرئيس العراقي صدَّام حسين في خطابٍ ألقاه بِمُناسبة الذكرى السنويَّة لِبدء حرب الخليج الثانية، قارن القُوَّات الأمريكيَّة بالمغول الذين اجتاحوا المدينة قبل قُرون، فنطق: «إنَّ بغداد مُصممة، شعبًا ووُلاة أمرٍ، على حتى تجعل مغول العصر ينتحرون على أسوارها».

صُودف حتى يُولد مُؤسس الدولة العُثمانيَّة السُلطان عُثمان الأوَّل يوم سُقوط بغداد، الأمر الذي ولَّد رأيًا لدى بعض المُؤرخين والعُلماء والفٌقهاء مفاده أنَّ ولادته في ذات اليوم الذي دُمِّرت فيه بغداد وسقطت الخِلافة الإسلاميَّة لم يكن محض صدفة، بل بِتلطُّفٍ إلهيٍّ، نظرًا لِأنَّ سُلالته وذُريَّتهُ تمكَّنت من إعادة توحيد العالم الإسلامي لاحقًا وأعادت إحياء الخِلافة العمليَّة. ومن أصحاب هذا الرأي: كبير الفلكيين الشيخ أحمد صاحب كتاب «صحائف الأخبار في وقائع الآثار»، وشيخ الإسلام سعد الدين أفندي، والمُؤرِّخ التُركي مُصطفى أرمغان.


انظر أيضاً

  • الامبراطورية المنغولية
  • العباسيون
  • بغداد
  • العصر الإسلامي المضىي
  • نظام أنهار دجلة والفرات
  • ملوحة الأرض

الهوامش

  1. ^ John Masson Smith, Jr. Mongol Manpower and Persian Population, pp. 276
  2. ^ John Masson Smith, Jr. - Mongol Manpower and Persian Population, pp.271-299
  3. ^ L. Venegoni (2003). Hülägü's Campaign in the West - (1256-1260) Archived 2012-03-12 at WebCite, Transoxiana Webfestschrift Series I, Webfestschrift Marshak 2003.
  4. ^ National Geographic, v. 191 (1997)
  5. ^ Andre Wink, Al-Hind: The Making of the Indo-Islamic World, Vol.2, (Brill, 2002), 13.  – via Questia (يتطلب اشتراك)
  6. ^ The different aspects of Islamic culture: Science and technology in Islam, Vol.4, Ed. A. Y. Al-Hassan, (Dergham sarl, 2001), 655.
  7. ^ المُصوَّر في التاريخ. بيروت، لُبنان: دار الفهم للملايين. 1999م. p. 8 - 10. Check date values in: |year= (help)
  8. ^ النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة، الجُزء الثاني. بيروت - لُبنان: دار الكُتب الفهميَّة. 1413 هـ - 1992م. p. 233. Check date values in: |year= (help)
  9. ^ الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية. بيروت - لُبنان: دار القلم العربي. 1418 هـ - 1997م. p. 220. Check date values in: |year= (help)
  10. ^ البداية والنهاية لابن كثير - ترجمة الخليفة المستعصم بالله Archived 29 June 2017[Date mismatch] at the Wayback Machine.
  11. ^ كنزُ الدُرر وجامعُ الغُرر، الجُزء السَابع. القاهرة - مصر: المعهد الألماني للآثار الإسلامية. 1971م. p. 349 - 350. Check date values in: |year= (help)
  12. ^ الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية. بيروت - لُبنان: دار القلم العربي. 1418 هـ - 1997م. p. 333. Check date values in: |year= (help)
  13. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 262 - 263. Check date values in: |year= (help)
  14. ^ البداية والنهاية لابن كثير - أحداث سنة 655 هـ Archived 25 December 2017[Date mismatch] at the Wayback Machine.
  15. ^ تاريخ فاتح العالم. دار علاءُ الدين. 2000. p. 75. Check date values in: |year= (help)
  16. ^ الدولة الخوارزميَّة والمغول. بيروت - لُبنان: دار الفكر العربي. 1998. p. 114. Check date values in: |year= (help)
  17. ^ الكامل في التاريخ، الجُزء التاسع. بيروت - لُبنان: دار الكُتب الفهميَّة. 1407هـ - 1987م. p. 230. Check date values in: |year= (help)
  18. ^ تاريخ فاتح العالم. دار علاءُ الدين. 2000. p. 29 - 30. Check date values in: |year= (help)
  19. ^ سيرة السُلطان جلال الدين منكبرتي. بيروت - لُبنان: دار الفكر العربي. 1998. p. 53 - 54. Check date values in: |year= (help)
  20. ^ الكامل في التاريخ، الجُزء التاسع. بيروت - لُبنان: دار الكُتب الفهميَّة. 1407هـ - 1987م. p. 361. Check date values in: |year= (help)
  21. ^ عصر سلاطين المماليك - التاريخ السياسي والاجتماعي. القاهرة - مصر: عين للدراسات الإنسانيَّة والاجتماعيَّة. 2007. p. 56. Check date values in: |year= (help)
  22. ^ تُركستان من الفتح العربي إلى الغزوالمغولي. الكُويت العاصمة - الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، قسم التُراث العربي. 1401هـ - 1981م. p. 569. Check date values in: |year= (help)
  23. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 234 - 235. Check date values in: |year= (help)
  24. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 236 - 238. Check date values in: |year= (help)
  25. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 240. Check date values in: |year= (help)
  26. ^ تاريخ الدعوة الإسماعيليَّة. بيروت - لُبنان: دار الأندلُس لِلطباعة والنشر والتوزيع. 1965. p. 276.
  27. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 255-256 و260-261. Check date values in: |year= (help)
  28. ^ السُلوك لِفهم دُول المُلوك، الجُزء الأوَّل. بيروت - لُبنان: دار الكُتُب الفهميَّة. 1997. p. 499. Check date values in: |year= (help)
  29. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 305. Check date values in: |year= (help)
  30. ^ تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام. بيروت - لُبنان: دار النفائس. 1436 هـ - 2015م. p. 69. Check date values in: |year= (help)
  31. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 267 - 268. Check date values in: |year= (help)
  32. ^ البداية والنهاية لابن كثير - أحداث سنة 656 هـ Archived 29 June 2017[Date mismatch] at the Wayback Machine.
  33. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 269 - 270. Check date values in: |year= (help)
  34. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 270 - 271. Check date values in: |year= (help)
  35. ^ Empty citation (help)
  36. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 271 - 272. Check date values in: |year= (help)
  37. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 274 - 276. Check date values in: |year= (help)
  38. ^ البداية والنهاية، الجزء الثالث عشر. القاهرة - مصر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان. 1418 هـ - 1997م. p. 201. Check date values in: |year= (help)
  39. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 274. Check date values in: |year= (help)
  40. ^ شرح نهج البلاغة (الجُزء الثامن). بيروت - لُبنان: دار الكتاب العربي. 2007. p. 243. Check date values in: |year= (help)
  41. ^ تاريخ مُختصر الدُول. بيروت - لُبنان: دار الرَّائد اللُّبناني. 1415 هـ - 1994م. p. 255. Check date values in: |year= (help)
  42. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 281. Check date values in: |year= (help)
  43. ^ Empty citation (help) Archived 18 January 2017[Date mismatch] at the Wayback Machine.
  44. ^ Empty citation (help)
  45. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 281-282. Check date values in: |year= (help)
  46. ^ زُبدة الفكرة في تاريخ الهجرة. بيروت - لُبنان: جمعيَّة المُستشرقين الألمانيَّة، الشركة المُتحدة للتوزيع. 1998م. p. 36. Check date values in: |year= (help)
  47. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 282-284. Check date values in: |year= (help)
  48. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 285. Check date values in: |year= (help)
  49. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 285-286. Check date values in: |year= (help)
  50. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 286. Check date values in: |year= (help)
  51. ^ البداية والنهاية، الجزء الثالث عشر. القاهرة - مصر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان. 1418 هـ - 1997م. p. 150 - 151. Check date values in: |year= (help)
  52. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 287. Check date values in: |year= (help)
  53. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 287 - 288. Check date values in: |year= (help)
  54. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 288. Check date values in: |year= (help)
  55. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 289. Check date values in: |year= (help)
  56. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 290. Check date values in: |year= (help)
  57. ^ عقائد الجمان في تاريخ أهل الزمان. القاهرة - مصر: الهيئة المصريَّة العامة للكتاب. 1987م. p. 175. Check date values in: |year= (help)
  58. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 290-291. Check date values in: |year= (help)
  59. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 291. Check date values in: |year= (help)
  60. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 293. Check date values in: |year= (help)
  61. ^ البداية والنهاية لابن كثير - أحداث سنة 657 هـ Archived 16 February 2016[Date mismatch] at the Wayback Machine.
  62. ^ النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة، الجُزء السابع. بيروت - لُبنان: دار الكُتب الفهميَّة. 1413 هـ - 1992م. p. 47. Check date values in: |year= (help)
  63. ^ المخطة الكاملة: البداية والنهاية لابن كثير، الجُزء السابع عشر، صفحة 359 Archived 15 July 2017[Date mismatch] at the Wayback Machine.
  64. ^ النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة، الجُزء السابع. بيروت - لُبنان: دار الكُتب الفهميَّة. 1413 هـ - 1992م. p. 48. Check date values in: |year= (help)
  65. ^ ديڤيد تشانس، لقاءة الأنداد، المغول-المماليك وجها لوجه بمعركة عين جالوت Archivedثمانية November 2017[Date mismatch] at the Wayback Machine.
  66. ^ النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة، الجُزء السابع. بيروت - لُبنان: دار الكُتب الفهميَّة. 1413 هـ - 1992م. p. 46. Check date values in: |year= (help)
  67. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 291-292. Check date values in: |year= (help)
  68. ^ المغول في التاريخ، من چنكيز خان إلى هولاكوخان. بيروت - لُبنان: دار القلم. 1960م. p. 290. Check date values in: |year= (help)
  69. ^ Empty citation (help)
  70. ^ كنز الدرر وجامع الغرر: الدرة الزكية في أخبار الدولة الهجرية، ابن أيبك الدواه داري المعهد الألماني للآثار الإسلامية، القاهرة 1971، صفحة 36
  71. ^ المخطة الكاملة: البداية والنهاية لابن كثير. الجُزء السَّابع عشر، صفحة 363 Archived 15 July 2017[Date mismatch] at the Wayback Machine.
  72. ^ زُبدة الفكرة في تاريخ الهجرة. بيروت - لُبنان: جمعيَّة المُستشرقين الألمانيَّة، الشركة المُتحدة للتوزيع. 1998م. p. 42. Check date values in: |year= (help)
  73. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 338. Check date values in: |year= (help)
  74. ^ عقائد الجمان في تاريخ أهل الزمان. القاهرة - مصر: الهيئة المصريَّة العامة للكتاب. 1987م. p. 176. Check date values in: |year= (help)
  75. ^ طبقات الشافعيَّة الكُبرى، الجُزء الخامس. هجر للطباعة والنشر والتوزيع. 1413 هـ. p. 113. Check date values in: |year= (help)
  76. ^ السُلوك لِفهم دُول المُلوك، الجُزء الأوَّل. بيروت - لُبنان: دار الكُتُب الفهميَّة. 1997. p. 385 - 386. Check date values in: |year= (help)
  77. ^ النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة، الجُزء السابع. بيروت - لُبنان: دار الكُتب الفهميَّة. 1413 هـ - 1992م. p. 76. Check date values in: |year= (help)
  78. ^ Empty citation (help) Archived 16 January 2018[Date mismatch] at the Wayback Machine.
  79. ^ مُفرِّج الكُروب في أخبار بني أيُّوب، الجُزء الثاني. القاهرة - مصر: دار الكُتب والوثائق القوميَّة. 1377هـ - 1957م. p. 364. Check date values in: |year= (help)
  80. ^ السُلوك لِفهم دُول المُلوك، الجُزء الأوَّل. بيروت - لُبنان: دار الكُتُب الفهميَّة. 1997. p. 426. Check date values in: |year= (help)
  81. ^ صُبح الأعشى في صناعة الإنشا، الجُزء الثامن. القاهرة - مصر: دار الكُتب المصريَّة. 1340هـ - 1922م. p. 63. Check date values in: |year= (help)
  82. ^ السُلوك لِفهم دُول المُلوك، الجُزء الأوَّل. بيروت - لُبنان: دار الكُتُب الفهميَّة. 1997. p. 429. Check date values in: |year= (help)
  83. ^ Empty citation (help)
  84. ^ النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة، الجُزء السابع. بيروت - لُبنان: دار الكُتب الفهميَّة. 1413 هـ - 1992م. p. 51. Check date values in: |year= (help)
  85. ^ تاريخ الحُروب الصليبيَّة والحرب الأولى وقيام مملكة بيت المقدس، الجُزء الثالث. بيروت - لُبنان: دار الفكر العربي. 1993. p. 522 - 523. Check date values in: |year= (help)
  86. ^ العصر المماليكي في مصر والشَّام. القاهرة - مصر: دار النهضة العربيَّة. 1976. p. 342. Check date values in: |year= (help)
  87. ^ تاريخ الخُلفاء. مخطة نزار مُصطفى الباز. 1425 هـ - 2004م. p. 530 - 531. Check date values in: |year= (help)
  88. ^ الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر. 1976. p. 99 - 100. Check date values in: |year= (help)
  89. ^ تُحفة النُّظَّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار: بغداد دار السلام وحضرة الإسلام. لِابن بطوطة Archived 22 February 2016[Date mismatch] at the Wayback Machine.
  90. ^ المغول في التاريخ، من چنكيز خان إلى هولاكوخان. بيروت - لُبنان: دار القلم. 1960م. p. 280 - 281. Check date values in: |year= (help)
  91. ^ أربعة قُرونٍ من تاريخ العراق الحديث، ستيڤن همسلي لونغريك، ترجمة جعفر خيَّاط، الطبعة الأولى، 1941م، صفحة 27
  92. ^ Empty citation (help)
  93. ^ قصَّة الإسلام: مُحاولات توحيد قُوَّة الصليبين والمغول. أحداث الفترة من 639 إلى 649هـ. بِقلم د. راغب السرجاني. Archived 29 May 2016[Date mismatch] at the Wayback Machine.
  94. ^ قيام دولة المماليك الأولى في مصر والشَّام. بيروت - لُبنان: دار النهضة العربيَّة. 1969. p. 148. Check date values in: |year= (help)
  95. ^ المخطة الكاملة: البداية والنهاية لابن كثير، الجُزء السابع عشر، صفحة 360 و363 Archivedسبعة March 2016[Date mismatch] at the Wayback Machine.
  96. ^ إسلام ويب: التحالف الشيعي المنغولي وإسقاط الخلافة الإسلاميَّة بِبغداد Archived 15 July 2017[Date mismatch] at the Wayback Machine.
  97. ^ تاريخ الخُلفاء. مخطة نزار مُصطفى الباز. 1425 هـ - 2004م. p. 464. Check date values in: |year= (help)
  98. ^ جامع التواريخ، الإيلخانيون، تاريخ هولاكو. القاهرة - مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. 1960م. p. 263. Check date values in: |year= (help)
  99. ^ الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية. بيروت - لُبنان: دار القلم العربي. 1418 هـ - 1997م. p. 46 - 47. Check date values in: |year= (help)
  100. ^ وكالة أنباء بُراثا: براءة ابن العُلقُمي رحمه الله من تُهمة الخيانة. بِقلم: أُسامة النجفي. تاريخ التحرير: 12 كانون الأوَّل (ديسمبر) 2007. Archived 24 February 2016[Date mismatch] at the Wayback Machine.
  101. ^ BBC العربيَّة: صدَّام: العراق على أهبة الاستعداد للحرب. تاريخ التحرير: الجُمُعة 17 كانون الثاني (يناير) 2003 Archived ثلاثة March 2016[Date mismatch] at the Wayback Machine.
  102. ^ التَّاريخ السرّي للإمبراطوريَّة العُثمانيَّة: جوانب غير معروفة من حياة سلاطين بني عُثمان. بيروت - لُبنان: الدار العربيَّة للعُلوم ناشرون. 1435هـ - 2014م. p. 11. Check date values in: |year= (help)

المصادر

  • أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث - المستر ستيفن همسلي لونغريك - المفتش الإداري في الحكومة العراقية سابقًا. ترجمة جعفر الخيَّاط - مدير التعليم المهني العام - الطبعة الأولى عام 1941م.
  • البداية والنهاية - تأليف ابن كثير.
  • جامع التواريخ، تاريخ المغول - المجلد الثاني - الإيلخانيون - تاريخ هولاكوخان، رشيد الدين الهمذاني، دار إحياء الخط العربية، القاهرة، 1960م.
  • دليل خارطة بغداد المفصل - تأليف الدكتور مصطفى جواد والدكتور أحمد سوسة - مطبعة المجمع الفهمي العراقي - 1958م.
  • زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة، بيبرس الدوادار، جمعية المستشرقين الألمانية، الشركة المتحدة للتوزيع، بيروت 1998م.
  • السلوك لفهم دول الملوك، المقريزي، دار الخط الفهمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1997م.
  • الفخري بالآداب السلطانية - لمحمد بن علي ابن طباطبا المعروف بابن الطقطقي.
  • النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ابن تغري بردي، دار الخط الفهمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1992م.
  • Amitai-Preiss, Reuven. 1998. Mongols and Mamluks: The Mamluk-Ilkhanid War, 1260–1281 (first edition). Cambridge: Cambridge University Press. ISBN 0-521-46226-6.
  • Demurger, Alain. 2005. Les Templiers. Une chevalerie chrétienne au Moyen Âge. Éditions du Seuil.
  • ibid. 2006. Croisades et Croisés au Moyen-Age. Paris: Groupe Flammarion.
  • Khanbaghi, Aptin. 2006. The fire, the star, and the cross: minority religions in medieval and early modern Iran. London: I. B. Tauris.
  • Morgan, David. 1990. The Mongols. Boston: Blackwell. ISBN 0-631-17563-6.
  • Nicolle, David, and Richard Hook (illustrator). 1998. The Mongol Warlords: Genghis Khan, Kublai Khan, Hulegu, Tamerlane. London: Brockhampton Press. ISBN 1-86019-407-9.
  • Runciman, Steven. A history of the Crusades.
  • Saunders, J.J. 2001. The History of the Mongol Conquests. Philadelphia: University of Pennsylvania Press. ISBN 0-8122-1766-7.
  • Sicker, Martin. 2000. The Islamic World in Ascendancy: From the Arab Conquests to the Siege of Vienna. Westport, Connecticut: Praeger. ISBN 0-275-96892-8.
  • Souček, Svat. 2000. A History of Inner Asia. Cambridge: Cambridge University Press, ISBN 0-521-65704-0.

وصلات خارجية

  • article describing Hulagu's conquest of Baghdad, written by Ian Frazier, appeared in the April 25, 2005 issue of The New Yorker.

Coordinates:
خطأ استشهاد: وسوم <ref> موجودة لمجموعة اسمها "ْ"، ولكن لم يتم العثور على وسم <references group="ْ"/> أوهناك وسم </ref> ناقص
خطأ استشهاد: وسوم <ref> موجودة لمجموعة اسمها "ِ"، ولكن لم يتم العثور على وسم <references group="ِ"/> أوهناك وسم </ref> ناقص

تاريخ النشر: 2020-06-06 11:43:47
التصنيفات: Webarchive template webcite links, Subscription required using via, صفحات تحتوي روابط لمحتوى للمشتركين فقط, CS1 errors: dates, Webarchive template wayback links, Webarchive template warnings, Pages with empty citations, All articles with unsourced statements, Articles with unsourced statements from December 2017, Articles with invalid date parameter in template, مقالات ينقصها مصادر موثوقة, مقالات ينقصها مصادر موثوقة from December 2017, 1258 في الامبراطورية المنغولية, بغداد تحت الخلافة العباسية, معارك مملكة قيليقيا الأرمنية, معارك مملكة جورجيا, معارك إمارة أنطاكية, حصارات المنغول, نزاعات 1258, غزوات العراق, مذابح في العراق, حصارات الخلافة العباسية, حصارات بغداد, 1258 في آسيا, 1258 في أوروپا, القرن 13 في مملكة جورجيا, القرن 13 في الخلافة العباسية, هولاكو خان, حرق كتب, صفحات بأخطاء في المراجع

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

إسبانيا تحجب Telegram السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:24:38
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 64%

مخاطرة بريطانية تعرضها لنقص في الأدوية - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:24:27
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 58%

شريحة ماسك تمكن من الكتابة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:24:43
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 54%

2.4 ترليون ريال ودائع مصرفية بالبنوك السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:24:32
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 62%

نقابة تطالب برفع الأجور وإقرار إجراءات لرفع القدرة الشرائية للمغاربة

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:23:11
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 85%

تقدم سعودي في مؤشر الملاحة البحرية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:24:31
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 50%

بروفيسور أمريكي: أيام زيلينسكي وأعوانه باتت معدودة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-24 06:07:08
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 85%

مركبة روسية تحمل أول رائدة بيلاروسية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:24:41
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 59%

فتاة عمرها 12 عاما تدرس جامعيين السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:24:44
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 70%

الآثار الجانبية لعلاج كيت ميدلتون بالسرطان السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:24:36
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

%13 نسبة التراضي لزيارة الأبناء المنزلية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:24:33
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 60%

شريهان تعود بالحجاب و«السُّبحة» ! - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:24:25
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 53%

9 ملايين مسافر بمطار المدينة المنورة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:24:30
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 57%

4 عوامل مؤثرة في جودة النوم: - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:24:27
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

جمعية تفاؤل الأولى خليجيا السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:24:35
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 55%

بحث يثير التساؤل.. الحمل المبكر أكثر عرضة للوفاة ! - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:24:26
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 68%

الرياض.. أمطار وتساقط بَرَد - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-03-24 03:24:21
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 59%

تحميل تطبيق المنصة العربية