الفن الكارولنجي
لم يبدأ الفن الكارولنجي مع شارلمان (742ـ814)، ولم يأت نتيجة لجهوده وحده، ذلك حتى أسلافه كانوا قد قدموا كثيراً في هذا المجال، ولاسيما تلك الأديرة والكنائس القائمة في الشمال من نهر اللوار.
في عام 768م تولى شارل الحكم مع أخيه كارلومان Carloman وذلك بعد وفاة أبيهما بيبان القصير. وبعد وفاة كارلومان عام 771م صار شارل الملك الوحيد، وعهد باسم شارل الأول الكبير أو(شارلمان). منح شارلمان اسمه إلى السلالة الحاكمة التي عهدت باسمه (سلالة الكارولنجيين) التي دام حكمها من عام 751 حتى عام 987، أي من عهد بيبان القصير حتى عهد لويس الخامس Louis v، وكان عهد شارلمان متميزاً بالازدهار، وكانت العاصمة إكس لا شابل/آخن Aix- la Chapelle /Aachen محور الدولة في حوض الراين. وفي عيد الميلاد عام 800م قام البابا ليون الثالث بتتويج شارلمان امبراطوراً، وكان المساعدون يهتفون مرددين: «الحياة والنصر لشارلمان الذي توَّجَهُ الخالق امبراطوراً للرومان…» وكان ذلك في كنيسة القديس بطرس في روما، وكان عمر شارلمان 32سنة عندما صار امبراطور الغرب.
استعراض
كانت خصائص الإصلاح في الفن عند شارلمان كما في السياسة تهدف إلى القضاء على فوضى البرابرة وطراز فنونهم الزخرفية اللاتشخيصية، والعودة بالفن في أوربا إلى الفن التشخيصي وتنطقيد الامبراطورية الرومانية، مما جعله يقتبس من المصادر الآتية:
ـ فنون إيطاليا القديمة.
ـ الحضارة البيزنطية.
صوّرت الأساطير شارلمان بطل العالم المسيحي، وأضفت عليه هالة البطولة لإعادته تأسيس الامبراطورية الرومانية، فغدت أساس فكرة الامبراطورية الرومانية المقدسة. إضافة إلى مأثرته توحيد أقطار من أوربا، ولكن لمدة قصيرة. أحاط شارلمان نفسه برهبان خبراء بالقانون الروماني، وجعلته الأساطير محور سلسلة قصص وروايات مختلفة. لم يكن الامبراطور شارلمان مثقفاً بحسب مفهوم العصور التالية، ولكنه كان يتذوق الفن ويحرص على فهم جميع شيء والاطلاع على نتائج الدراسات المتنوعة. وفي عهده ظهر مفهوم (المدرسة) في مدن كانت نائمة، وفي مجتمعات غير مكترثة. أحاطته الأساطير بنبلائه وفهمائه الذين كان يجالسهم ويجعلهم أصدقاءه الذين أضاءت آراؤهم عقله وأغنت أفكاره؛ وكان من أولئك الأعلام:
ـ آلكوين Alcuin المثقف الإنكليزي المسؤول عن مدرسة يورك York.
ـ ثيودولف Theodulf الذي نقل من الأندلس غنى الثقافة العربية الإسلامية المزدهرة والمتميزة.
ـ بولس الشماس Paul Diacre الذي عمل في بلاط لومبارديا Lombardia.
ـ إگنهارد Eginhard الذي ألف كتاب «حياة شارلمان» تقليداً للمؤرخ اللاتيني سويتون Suétone.
ـ جون سكوت إريگنا Scotus Erigena اللاهوتي الإيرلندي.
ـ إگيسهارد الجرماني Eguishard.
ـ گربرت Gerbert الفيلسوف.
كان مجلسهم مجلساً أعلى للفهم يهدف إلى خدمة الفكر وازدهار الأدب والفن، ويدل على الانفتاح الغربي الذي أسهم في تجديد الأشكال الجمالية والنص الديني وفن كتابة خطّه. وكان شارلمان مهتماً بإحياء الثقافة اللاتينية والفن الكلاسي، والكتابة المقدسة، وتشجيع فعاليات الكتّاب ناسخي المخطوطات ومصوريها في البلاط الامبراطوري والأديرة. وظهرت (مدرسة البلاط) نموذجية بفعالياتها الفنية والثقافية. وكانت هناك مدارس أخرى عدة تأسست لتعليم أبناء الطبقات في مختلف أنحاء الامبراطورية. إلى غير ذلك فقد شهدت أوربا نهضة حضارية وحركة إحياء تراث الأدب والفن الكلاسيين. وكان فنانوالبلاط يعتمدون على المصادر الرومانية القديمة التي اقتبسوا منها البعد الثالث للمكان وتقنيات الإيهام، كما اقتبسوا من الفن الإيرلندي العبقرية الزخرفية وجمالية الزخارف المحيطة بالحروف. واهتم الامبراطور شارلمان بالعمارة في عصر كان الجميع فيه يشعرون بالحنين إلى مباني البازيليكات (الكنائس) البيزنطية ذات الطراز المعماري الجميل بالأعمدة الرشيقة ولوحات الفسيفساء الرائعة. ويعد مبنى مصلى إكس لا شابيل/آخن نسخة معمارية عن مبنى كنيسة سان فيتال San Vitale في مدينة رافينا Ravenna الإيطالية. وهناك مبنى كنيسة القديس مارتان Saint Martin الذي وصف غريغوار دوتور Gégoire de tours روعته. وكان للبازيليك Basilique مخطط بشكل صليب يوناني متساوي الأضلاع، أولها شكل صليب لاتيني له حنيات مزدوجة ورواق عارض مزدوج.
الفسيفساء والجصيات
واهتم شارلمان بتزيين داخل مباني المعابد والقصور بروائع الرسوم الجدارية ولوحات الفسيفساء. وإذا كانت تلك الروائع قد زالت وغدت بقاياها نادرة؛ فإن أهمها الفسيفساء التزيينية في حنية كنيسة جيرمينيي- ديه- بريه Germigny- des- Prés. والجدير بالذكر حتى تلك الرسوم الجدارية كانت قريبة من جمالية الفن الروماني القديم أكثر من قربها من الفن البيزنطي. ويدل على ذلك الرسوم الجدارية في قبوسان جيرمان دوكسير Saint Germain d’Auxerre، والرسوم الجدارية في سانتا ماريا Santa Maria de castel seprio المكتشفة في لومبارديا عام 1944.
المخطوطات المضيئة
وكان من ثمرات النهضة الحضارية في عهود الكارولنجيين الدراسات اللاتينية نثراً وشعراً والمخطوطات الجميلة بصورها الصغيرة (المنمنمات) التي من روائعها:
ـ صورة شارلمان وابنه بيبان التي تعود إلى القرن العاشر (في مودين- مخطة كابيتولاري).
ـ صورة تتويج شارلمان امبراطوراً من قبل البابا ليون الثالث في روما بريشة الفنان المشهور جان فوكيه J.Fouquet.
ـ صورة الإنجيلي القديس (متى) ـ من القرن التاسع ـ تزين إنجيلاً أُعد للمطران إيبون Ebbon، تبدوكأنها صورة شخصية حقيقية للقديس المستغرق في استلهامه وتوجيه نظره إلى النص الذي يدوّنه وفي خلفية الصورة تبدوالتلال والمباني والأشجار.
ـ صورة الملك شارل الخامسCharles V الأصلع يتلقى الكتاب المقدس من فيفيان Vivien راهب كنيسة القديس مارتان، وتعد هذه الصورة من روائع فن مدرسة تور.
ـ صورة دير القديس ريكيه Riquet.
ـ مجموعة أناجيل المطران إيبون.
ازدهر فن الصور الصغيرة (المنمنمات) في مدارس فرنسا في مدن ريمس Reims وتور Tours وميتز Metz. وفي مدارس ألمانيا في رايشناوReichenau وسان غال Saint Gall وفولدا Fulda. وكانت مدرسة المنمنمات في بلاط شارلمان تزيّن مخطوطات الامبراطور بالصور، وتحرص فيها على التقيّد بالرسميات والمواقف وحسن اختيار الموضوعات. فهناك إنجيل زيّنه غودسكالك Godescalc لأجل الامبراطور، وإنجيل سان ميدار دوسواسون St.Médard de Soissons. والجدير بالذكر حتى مدارس فن الصور الصغيرة في شرقي الامبراطورية بشّرت بظهور المدرسة التعبيرية الألمانية القوطية. وتطور فن الطباعة البدائية وازدهر فن الميناء المُحَجَّزة émail cloisonné (محدد بشريط معدني يشكل رسماً). وأبدع الفنانون روائع عاجية، وعدوا العاج كالمضى مادة ثمينة تتميّز بقيمتها الجمالية وأهميتها الرمزية، يشبه لونه لون الحليب، أولون الرخام أوالعنبر. وإن عمل العاج فن قاسي الممارسة، استخدم فيه الفنانون تقنيات مختلفة كالحفر والنحت والتخريم. وكان العاج يحفظ بوساطة معدن ثمين، ويستخدم في تزيين جلد المخطوطات النفيسة. وتشكل عاجيات العصر الكارولنجي مجموعة فنية وجميلة ومهمة لا مثيل لها. إنها من الروائع الفنية التي يتحدث عنها تاريخ الفن، ومن هذه الروائع لوح عاجي جميل يمثل مشهد صلب السيد المسيح وظهور القديسات الثلاث عند القبر، وهومن القرن التاسع ومحفوظ في متحف ليفربول.
واهتم فنانوالعصر الكارولنجي بفن نقش الأحجار الكريمة، وتألقوا في هذا الميدان الفني، وأبدع الفنانون روائع المجوهرات في عهد شارلمان، وكانت الكنائس تُعنى بالبتر البرونزية الرائعة فصارت بقاياها نادرة. مثل مقعد يعهد باسم «مقعد داغوبير» Dagobert. واحتفظت الكنيسة بروائع جميلة بلغت درجة من الجمال الفني لم يتجاوزها العصر الوسيط. ولكنوز شارلمان في (إكس لا شابيل/آخن) شهرتها الكبيرة. واستخدم الفنانون أيضاً تقنية الطرْق، والمعدن المطروق، وثمة روائع فنية استخدم فيها الفنان تقنية الصبّ. وقد خص المطران برفارد كاتدرائية هيلدسهايم Hildesheim بعمودين وشمعدان وأبواب برونزية تتميز بجمالها ونوعيتها العالية. وتميزت أبواب كاتدرائية أوغسبورغ Augsburg بالدقة الفنية وتقنية الصبّ.
Spolia
Spolia is the Latin term for "spoils" and is used to refer to the taking or appropriation of ancient monumental or other art works for new uses or locations. We know that many marbles and columns were brought from Rome northward during this period.
استمرت مراكز الإبداع بفضل طلبات الملوك الذين تولوا الحكم بعد وفاة شارلمان وتقسيم امبراطوريته، وبفضل طلبات الهواة الدينيين المرتبطين عموماً بالسلالة الكارولنجية الحاكمة مثل: إيبون مطران مدينة ريمس ودروغون Drogon مطران مدينة ميتز.
لقد كان عصر السلالة الكارولنجية عصر نهضة فنية وحضارية في الغرب مهّد لظهور الفن الرومانسكي وأخيراً عصر النهضة الإيطالية الذي اهتم من حديث بإحياء التراث الكلاسي اليوناني والروماني.
انظر أيضاً
- Carolingian architecture
- Codex Vaticanus 3868
مشاع الفهم فيه ميديا متعلقة بموضوع Carolingian art. |
الهامش
المراجع
- Beckwith, John. Early Medieval Art: Carolingian, Ottonian, Romanesque, Thames & Hudson, 1964 (rev. 1969), ISBN 0-500-20019-X
- Dodwell, C.R.; The Pictorial arts of the West, 800-1200, 1993, Yale UP, ISBN 0-300-06493-4
- Gaehde, Joachim E. (1989). "Pre-Romanesque Art". Dictionary of the Middle Ages. ISBN 0-684-18276-9
- Hinks, Roger. Carolingian Art, 1974 edn. (1935 1st edn.), University of Michigan Press, ISBN 0-472-06071-6
- Kitzinger, Ernst, Early Medieval Art at the British Museum, (1940) 2nd edn, 1955, British Museum
- Lasko, Peter, Ars Sacra, 800-1200, Penguin History of Art (now Yale), 1972 (nb, 1st edn.) ISBN14056036X
- "Carolingian art". In Encyclopædia Britannica Online
وصلات خارجية
- Ross, Nancy, Carolingian Art, Smarthistory, undated