الرشيد بن المعتمد
أبوالحسين عبيد الله الرشيد بن المعتمد هوأحد أبناء المعتمد بن عبَّاد أمير إشبيلية وقرطبة في عصر ملوك الطوائف. عينه المعتمد على قضاء إشبيلية، ونصَّبه ولياً للعهد، إذ كان ينوي حتى يخلفه في الحكم.
سيرته
أسره عند كونت برشلونة
عندما أراد أبوبكر بن عمار - وزير المعتمد بن عباد - غزومدينة مرسية، قرر التفاوض مع كونت برشلونة ريموند برانجيه ليحصل منه على المساعدة في الغزو. عرض ابن عمار أخذ ابن أخ الكونت رهينةً عند المعتمد ليضمن حتى يساعده في فتح المدينة، وفي اللقاء يصبح الرشيد بن المعتمد - قائد الحملة - رهينةً عند الكونت إذا لم يصل إليه المال الذي وُعِدَ به، إلا إنَّ ابن عمار لم يخبر المعتمد بهذا الشرط. ضرب جيشا المعتمد والكونت الحصار على مرسية، وعاد المعتمد إلى قرطبة ومعه الرهينة (ابن أخ الكونت)، وتأخر بإرسال المال، فظنَّ الكونت أنه خدع، وقبض على الفور على الرشيد وابن عمار، وفشل جيش إشبيلية بتحريرهما. عاد المعتمد إلى إشبيلية، وسجن ابن أخ الكونت، ففشل الحصار وانسحبت الجيوش من مرسية. لكن عندما اتجه المعتمد بن عبَّاد إلى الصلح مع الكونت لقاء تسليمه المال وتبادل الرهائن ليستعيد الرشيد، طالب الكونت بتسليمه ثلاثين ألف مثنطق من المضى لقاء ذلك، ولم يكن المعتمد يستطيع تدبير هذا المبلغ، فصنع عملة زائفة من خليط من المضى والمعادن، ولم ينتبه الكونت إلى ذلك، فتمَّت المبادلة، وعاد الرشيد إلى المعتمد.
استنادىء المرابطين
عندما أراد المعتمد استنادىء المرابطين إلى الأندلس لمساعدة ملوك الطوائف ضدَّ قشتالة، اعترض عليه الرشيد قائلاً: «يا أبت، أتدخل على أندلسنا من يسلبنا ملكنا ويبدّد ضمنا؟»، فأجاب ابنَه: «أي بني، والله لا يُسمَع عني أبداً أني أعدتُّ الأندلس دار كفر، ولا هجرتها للنصارى، فتقوم عليَّ اللعنة في منابر الإسلام مثل ما قامت على غيري». وعندما طالب يوسف بن تاشفين أمير المرابطين حتى يُسلِّمه المعتمد الجزيرة الخضراء ليعسكر فيها عند دخوله الأندلس، اعترض الرشيد في ذلك: «يا أبتِ، ألا ما تنظر إلى ما طلب؟»، فأجاب المعتمد: «يا بني، هذا قليلٌ في حقّ نصرة المسلمين»، فردَّ الرشيد: «يا أبتِ اعمل ما أمرك الله»، وأجابه المعتمد: «إن الله لم يلهمني إلا هذا، وفيه خيرٌ وصلاحُ لنا ولكافَّة المسلمين». عندما مضى المعتمد لخوض معركة الزلاقة مع ابن تاشفين ضد قشتالة، ولَّى الرشيد لتدبير أمور إشبيلية إلى حين عودته. وعندما انتصر في المعركة أوفد على الفور حمامة زاجلة إلى الرشيد في إشبيلية لينبؤه بالخبر، وأعربه الرشيد من على منبر المسجد الجامع في المدينة. وكانت رسالة المعتمد إلى الرشيد تقول:
عندما تعرَّضت إشبيلية عاصمة بني عبَّاد للحصار على أيدي المرابطين عام 484 هـ (1091م)، أصيب المعتمد بالخوف والاضطراب، فهجر أمر تدبُّر كافة شئون إشبيلية للرشيد. ثم سقطت إشبيلية واقتيد الرشيد مع والده أسيراً إلى المغرب. وأثناء نقلهم من مكناسة إلى أغمات عتب المعتمد عتاباً كبيراً على الرشيد، فخط الرشيد شعراً إلى والده يستعطفه:
يا حليف الندى ورب الساح | وحبيب النفوس والأرواح |
من تمام النعمى على التماحي | نظرة من جبينك الوضَّاح |
قد غنينا ببشره وسناه | عن ضياء الصبح والمصباح |
وردَّ عليه والده بشعرٍ مماثل.
قيل فيه
اشتهر الرشيد بالكرم والنجوى، ويروي ابن بسام أنه في أحد مجالسه امتحده وزير المعتمد أبوبكر بن عمار بالشعر قائلاً:
ماضر إذا قيل إسحاقٌ وموصله | ها أنتَ أنتَ وذي حمصٍ وإسحاق |
أنت الرشيد فدع من قد سمعتَ به | وإن تشابه أخلاق وأعراق |
لله دركَ داركها مشعشعة | واحضر بساقيكَ ما قمت بنا ساق |
ويروى الشاعر أبوبكر بن اللبانة أنه في عام 483 هـ بينما كان في مجلس الرشيد اتى ذكر غرناطة وسقوطها في يد يوسف بن تاشفين أمير المرابطين (وذلك قبل حتى يأخذ أيضاً إشبيلية عاصمة بني عبَّاد بقليل)، فارتعد الرشيد وأخذ يتحدث عن قصرها، وأخذ من في المجلس يدعون لقصره وملكه بالدوام. عند ذلك أمر الرشيد بأن يقوم له أبوبكر الإشبيلي يغني، فأنشد:
يا دار مية بالعلياء فالسند | أقوت، وطال عليها سالف الأبد |
فتجهَّم الرشيد أكثر (لخوفه من ضياع ملكه على أيدي المرابطين)، ثم أمر أشخاصاً آخرين بالغناء فنطقوا ما جعله يتجهَّم أكثر، وآخر الأمر قام ابن اللبانة فأنشد:
محلَّ مكرمةٍ لا هُدَّ مبناه | وضم مأثرةً لا شتَّهُ الله |
البيتُ كالبيتِ لكن زاد ذا شرفاً | إنَّ الرشيدَ مع المعتدِّ رُكنَاه |
ثاوٍ على أنجم الجوزاء مقعدُهُ | وراحلٌ في سبيل الله مثواه |
فارتاح الرشيد ورضي عنه.
المراجع
- ^ أحمد بن محمد المقري التلمساني: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، ص675، مدخلة "مدائح ابن اللبانة في بني عباد". رابط إلكتروني.
- ^ عبد الرحمن علي الحجي (1987): التاريخ الأندلسي: من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة، ص391. دار القلم، دمشق - سوريا. دار المنارة، بيروت - لبنان.
- ^ أحمد بن محمد المقري التلمساني: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، ص674، مدخلة "الراضي ابن المعتمد".
- ^ أدهم 2000, p. 214
- ^ أدهم 2000, p. 153
- ^ أدهم 2000, p. 156
- ^ الصلابي 2007, p. 76
- ^ أبوخليل 1979, p. 33-37
- ^ الصلابي 2007, p. 78
- ^ أدهم 2000, p. 215
- ^ أبوخليل 1979, p. 55
- ^ أدهم 2000, p. 227-228
- ^ أدهم 2000, p. 277
- ^ أدهم 2000, p. 289
- ^ أدهم 2000, p. 290
- ^ أحمد بن محمد المقري التلمساني: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، ص678، مدخلة "رجع إلى بني عباد رحمهم الله تعالى".
- ^ ابن الأثير: الكامل في التاريخ، الجزء الرابع، ص334. رابط إلكتروني.
خط
- المعتمد بن عبَّاد. الإدارة العامة للثقافة، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، القاهرة - مصر.
- الزلاقة: بقيادة يوسف بن تاشفين. دار الفكر، دمشق - سوريا.
- دولة المرابطين. دار ابن الجوزي، القاهرة - مصر.